قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا إلعب يلا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

نوفيلا إلعب يلا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

نوفيلا إلعب يلا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الأول

-لا اله الا الله! يا ابني انت دماغك حصلها حاجه!
ضرب مالك كف على كف متعجبا من صديقه الذي يجزم له انه رأي (عامر ) محاسب مصنعه المتواضع، يدخل إلى كنيسه امامهم عندما كان مندمج بشراء بعض الاغراض...
رفض علاء ذراعه الايمن و صديق للطرفان، التزحزح من مكانه بعناد قائلا بغيظ...
-ومش لوحده ده كان معاه راجل و ست شكلهم ابوه وامه و واحده محجبه بتفرفر في ايديهم مش عايزة تدخل معاهم، انا هتجن واعرف في ايه بالظبط!

جذب مالك شعر رأسه بقله صبر ليردف...
-احنا مالنا هما حرين، علاء انا اصلا غلطان اني سمعت كلامك و جيت اشتري حاجه معاك يلا قدامي على المصنع!
ما إن أنهي جملته حتى سمع صراخ أنثي قبل ان يراها تخرج مهروله من الكنيسة و يلاحقها عامر ورجلين احدهم من رجال الكنيسة!

ألجم تفكيره جمالها الفريد ذو الطابع الحاد و الجذاب بطريقة مريبة، انها هي صاحبه الصورة المحفوظة في قلبه قبل جيبه تلك القطعة الصغيرة الني وجدها على مكتب عامر منذ اسبوعين!
صاحبه العيون العسلية المسحوبة كالقطط البرية!

رمش محاولا تخطي ذكريات ذهوله بالفتاة البريئة المبتسمة بخجل وكأنها تنظر اليه مباشرا نعم تصرف بشكل حقير و يعاني من تأنيب ضميره المتواصل من وقت اختلاسه لها رافضا تحذيران عقله بأنها قد تكون خطيبته او حبيبته، مقنعا نفسه بانها قريبه لا غير محللا لنفسه تأمل ادق تفاصيلها الهادئة!
يتذكر هذا الذهول المشابه تماما لذهوله الان من عنفوان حركتها الغريبة قبل ان ترتمي أرضا منهكه تماما!

ارعبه ما يدور امامه، فركض اليهم يساعد عامر في رفعها ليصرخ الاخير به متجاهلا النظر اليه، رافضا ان يلمس غريب شقيقته المغيبة ليرفعها بين ذراعيه قبل ان يتكرم بنظره حاده تحولت إلى الذهول ما ان رءا مالك!
-استاذ مالك! انا انت...
اتاه صوت والده الذي ارهقه الزمن وهو يوقف احدي سيارات الاجرة قائلا..
-دخل اختك ياابني خلينا نروح، لا حول و لا قوة الا بالله!

شقيقته! نعم كان متأكد ان القدر لن يخذله، منع ابتسامه تحارب للظهور ؛ اين العقل حين تحتاجه؟!
-كان مستنينا فين ده بس ياربي!
قالت والدة عامر بحزن و دموع لتواسيها سيدة ممتلئة الجسد يبدو عليها الكبر و حب الثرثرة...
-وحدي الله يا ام عامر ان شاء الله خير، احنا هنفضل وراهم مش هنسكت!

وضع شقيقته بعناية بالغه وساعد والدته المسنه على الصعود قبل ان يستأذن أبيه بانتظاره بضع دقائق ليحادث فيها رب عمله الذي صرخ به دون قصد...
ادار رأسه للمكان الذي تركه به فوجده خالي، التف حول نفسه ليجده واقفا على الجهة الأخرى من سيارة الاجرة حيث تقبع شقيقته المغشي عليها!
هرع نحوه قائلا...
-استاذ مالك انا اسف جدا ؛ انا مقصدتش اعلي صوتي بجد!

حرك مالك وجهه نحوه وعينيه ترفض الابتعاد عن الجميلة النائمة، ضيق عينيه قليلا عندما لمح جفونها ترمش بخفه و ابتسامه صغيره تلوح حول شفتيها، عقد حاجبيه لابد ان الصدمة تتلاعب بمخيلته!
-استاذ مالك!
خرج صوت عامر من بين اسنانه بشئ من الحده انزعاجا على تحديق مالك بعرضه!
رمش مالك قبل ان ينتبه لفعله المشين قائلا بخجل طفيف...

-حصل خير يا عامر، انت زي اخويا، انا إلى متأسف اصلي مصدوم شويه ومش فاهم ايه اللي بيحصل ده!
ابتسم عامر قائلا بحرج لا يرغب بان يخبر مديره عن مشاكل عائلته برغم بساطته معه و مع علاء لتواجد ثلاثتهم باستمرار معا اثناء تأدية وظائفهم ؛ حتى ان مالك يخفف الجو بينهم و يلقي ببضع نكات اثناء راحات العمل...
-ربنا يخليك يا استاذ مالك وانا اللي اسف على اللي حصل د...
قطع عليهم صوت صراخ مرة اخري مع تنوع مصدر الصراخ!..

توجه الاثنان واولهم عامر الذي دلف بنصف جسده داخل السيارة يرفع شقيقته من فوق جسد جارتهم خديجة المستغيثة...
-يالهووووي الحقوني يا ناس، بسم الله الرحمن الرحيم، ياااختي ياااختي!
-قلتلك السيرة دي بتشعوطها يا شيخه!
اردفت والده عامر بحده لجارتها خديجة التي كانت تبرز الاضواء على كبر سن ابنتها و ضرورة انتهاء تلك الازمه حتى يلتفتوا لها و البحث عن نصيبها!
ليقول السائق بحده..

-ايه يا جماعه ده انا ناقص قرف اتفضل يا استاذ شوفلك عربيه تانيه، انا راجل على باب الله مش ناقص حوارات ولبش من ده!
تدخل مالك بحده يعطيه مالا لأنهاء الامر على مضض من عامر الذي يرغب بركله على تعاليه عليهم ليزيد من حرجه امام مالك!
-اتكل على الله يا اسطي ؛ تعال يا عامر انا هوصلكم العربيه هناك اهيه!
-انا مش عايز اتعب حضرتك!
-مش وقته الكلام ده، يلا ورايا، اتفضل يا حاج انت والحاجه!

عدل عامر شقيقته وتوجه معهم نحو السيارة، دلف بالمقعد الامامي بعد ان وضعها في منتصف الأريكة الخلفية بين والديه ؛ اما جارتهم فقد هرعت بعيدا مقررة العودة وحيدة.
تماما كما فعل علاء وهو يتابع صديقه و رب عمله ينصرف مع عائله عامر بهدوء، متخليا عنه!
في السيارة اخبره عامر بعنوانه و ساد الصمت بينهم طوال الطريق...

لم يبعد مالك نظراته عن مراقبتها من المرآه الامامية التي تعكس هيئتها النائمة بتركيز بالغ وكأنه يفك أحجية، ارتفع حاجبه الايسر عندما فتحت احدي عيناها بخفه و مهارة لبرهه سريعة و لكنه يجزم انها استطاعت بها تحديد كل ما يحيط بها!..
ما هذا بحق السماء؟! ما الذي يدور بعقل تلك الفتاة و تفعله، كم يكره الالغاز و لكنه عازم على كشفها!
-ايوة هنا على اليمين!

انتبه سريعا لكلمات عامر، ادار المقود بابتسامه قبل ان يقف تماما امام مبني مهترئ نسبيا...
-احنا متشكرين اوي يا ابني تعبناك معانا!
قال والد عامر بحزن طفيف يكسو وجهه...
ليردف عامر سريعا...
-اتفضل يا استاذ مالك لازم تطلع معانا!
-لا انا همشي...
-لا والله ابدا احنا تعبناك واتبهدلت معانا لازم تطلع تشرب شاي معايا!
تنحنح مالك راغبا بشدة الصعود و معرفه الكثير و الكثير عن ما يحدث مع تلك القطه المشاكسة!

-والله انا مش عايز اتقل عليكم!
-ايه اللي بتقوله ده بس، طيب والله المنطقة كله نورت، اتفضل يا استاذ مالك...
-قولي يا مالك من غير القاب ؛ انت ليه محسسني اني قد ابوك!
ضحك عامر ليردف...
-اصل أتعودت و بعدين انت عامل رعب في المصنع!
رفع شقيقته بين ذراعيه بسهولة جعلت مالك يتمني لو يتاح له هذا الشرف!
ابتسم بداخله غير مصدقا جنون تفكيره!

تحرك نحو المبني و لم يفت عليه التوتر الذي ساد المنطقة و الاشخاص وهم يمرون من امامهم و حولهم سريعا!
حتى ان سيده عجوز قد شهقت في وجوههم بخضه و كأنهم من المريخ قبل ان تضع وجهها في صدر جلبابها قائله ( تف تف تف )!
يا للهول لقد بصقت تلك المريعة للتو داخل رداءها!
ما الذي يجري للخلق اليوم ام ان الجميع قد جن جنونهم من حوله!

بعد 20 دقيقه بشقه والدي عامر...
وضع مالك الكوب على الطاولة الخشبية امامه قائلا...
-تسلم ايدك يا ام عامر!
-الله يسلمك يا ابني اعملك تاكل بالله عليك!
رفض مالك سريعا...
-والله ابدا هي كوبايه الشاي دي و حلو اوي كده، كتر خيرك!
ليجيب عامر...
-انت اللي كتر خيرك والله!
ابتسمت والدته بتعب لتقول...
-انا هدخل اطمن على اختك فاقت ولا لسه انا سايبه رحمه بتفوقها...
التفتت إلى مالك منهيه حديثها معه بقولها...

-بيتك و مطرحك يا ابني!
ما ان خرجت حتى التفت مالك بكل جديه و ذرة فضول في جسده قائلا...
-مقصدش اني اكون متطفل او بارد، بس انا لازم اعرف ايه اللي بيحصل بالظبط و مالها اختك!
اختفت الابتسامة من على وجه عامر مطرقا رأسه قليلا قبل ان يزفر بخفه مستغفرا الله، صمت ثانيه فالأخرى ليردف قائلا...
-موضوع كبير و صعب انا مش عايز اضايقك بيه!
ليقول مالك في لهفه حاول جاهدا اخفاءها...

-لا مش هتضايق ابدا و بعدين احنا مش صحاب ولازم نقف جنب بعض!
ابتسم عامر قليلا قائلا...
-طبعا شرف ليا انك تعتبرني صاحبك، انا والله بعتبرك زي اخويا و اكتر من قبل ما تقف معانا!
-ربنا يخليك وانت كمان، المهم احكيلي يا سيدي!
فرك عامر كفيه بتوتر و مالك ينظر له بترقب و تركيز كبيران...

نتركهم قليلا ونتجه إلى غرفة الفتيات!
-هتفضحيني يا رحمه اكتمي ضحكتك دي!
وضعت رحمه يدها على فمها لتسيطر على انفعالها قائله بصوت متقطع...
-معلش معلش لسه مش مصدقه انك ضربتي الرخمة خديجه دي اه والله انا فرحانه فيها اوي!
ابتسمت دعاء مستسلمة لسخافة شقيقتها الصغيرة البالغة من العمر 17 عام بجمالها الطفولي و جسدها المتمرد على سنوات عمرها لتظهر انضج بكثير!

نظرت لها بشفقه لم تستطع السيطرة عليها متأكد ان ذلك الجسد السبب الرئيسي الذي اوقعها ضحيه لذلك القبيح القذر بينما كانت هي منغمسه بتفاهاتها!
اقتربت منها رحمه تخرجها من تفكيرها بعناق أخوي دافئ و قد قرأت ما يدور بخلدها وتعلم ان شقيقتها الكبرى لا تزال تلوم نفسها بلا اي سبب!
ضمتها دعاء وهي تملس على شعرها المجعد نسبيا لتقول رحمه بهدوء وامتنان...

-ربنا يخليكي ليا، انا بحبك اوي اوي يا دودو، انا لو عشت عمري كله مش هقدر اردلك اللي بتعمليه علشاني!
تفاجأت دعاء ببكائها الذي تخلل كلماتها الاخيرة!
ازاحتها بخفه تحاوط وجهها بكفيها قائله...
-بتعيطي ليه يا رحمه؟! أيمن جه نحيتك تاني!
اسرعت شقيقتها بالحديث...
-لا لا مش كده يا دعاء، متقلقيش هو اصلا بقي يخاف يجي من ساعة اللي عملتيه فيه، اصلا انا مش بعيط عشان كده!

تنهدت براحه فإن اثبت لها ان ابن عمها القذر يحاول التحرش بصغيرتها مرة اخري فستنسي معاناتها والاعيب عاشتها سنه كامله لتتجه اليه وتقتلع رأسه من جسده!
لكزت صغيرتها قائله بشيء من الحده وهي تمط اخر كلماتها...
-اومال بتعيطي ليه يا بومه!
اطرقت رحمه وجها وهي تمط شفتيها كالأطفال قائله بصدق...

-بعيط عشان كل يوم بيعدي بعرف قيمه التضحية اللي بتعمليها علشاني دي، وبعرف كمان نتايجها الكبيرة و كلها نتايج وحشه، انا مش هنسي ابدا قد ايه كنتي فرحانه وسعيده انك هتبقي عروسه وانا الل...
قاطعتها دعاء بحده...
-كفاية عبط يا رحمه واسمعي كلامي كويس وحطي في دماغك،
اخذت نفسا عميقا قائله بجديه بحته...

-تضحيه ايه و نيله ايه اللي بتتكلمي عنها وهتيجي ايه جنب 3 سنين بتستحملي فيهم حقارة لسانه و قذارة ايده اللي كانت بتنهش في طفولتك و كل ده من خوفك اننا نطرد من بيتنا، انا ممكن اكون الكبيرة بس كنت تافهه اوي فوق الوصف، في الوقت اللي كنتي بتكتمي في قلبك وبتستحملي عشان بابا و ماما و كلنا نفضل عايشين بكرامة كنت انا بحلم بفرح وفستان و لعب عيال!..

صدقيني انتي مش سبب غير اني افتح عيني واعرف الحياة دي على حقيقتها، البنت مننا لازم تفكر في تعليمها و شهادتها و شغلها قبل ما تفكر في راجل و بيت و كلام ممكن يطير في الهوا و ساعتها هتقف زي البيت القش في وش الاعصار مالهاش مغيث!

بكت رحمه لتردف...
-انا إلى غبيه و ضعيفة كان المفروض اقولك واثق انك هتساعديني لكن جبني ده هو اللي خلاه يتمادى!

-حبيبتي متلوميش غيره ابن عمك هو اللي مريض حظنا انه ابن عمنا وانه ورث الشقة اللي ابوه مأجرهالنا و حظنا الهباب اننا كنا يدوب لاقين ناكل السنتين اللي فاتوا لولا اخوكي كان مطحون في الشغل مع مذكرته كان زمنا متنا ؛ انتي كنتي خايفه علينا، و اوعي اسمعك تلومي نفسك تاني انتي قويه لو انتي مكنتيش قويه مكنتيش اثرتي فيه وخلتيني دعاء القوية بتاعت دلوقتي...
نظرت لها رحمه بحقيقه عاريه لتقول بصدق...

-لا انا خليتك دعاء المخاوية! اللي بتتنطط وتتنفض وتعوج لسانها و تطفش العرسان عشان لو هي اتجوزت اختها الصغيره هيكون عليها الدور تتزف لانسان متوحش!
دعاء اللي بتضحيتها دي بتقضي على مستقبلها وسمعتها و 80% محدش هيقبل يتجوزها، عرفتي بقي انا ليه بندم كل يوم بكبر فيه ؛ عشان الواقع بيظهر قدامي و بيضربني في قلبي!

شعرت دعاء بدموعها تتجمع في مقلتيها لتطلق ضحكه خافته قائله بإعجاب و حب وهي تعبث بشعر صغيرتها بيد وبالأخرى تجذب وجنتها محاوله تخفيف حده حوارهم القاسي قاسي جدا...
-ايوة كبرتي ؛ ومش عارفه انتي ازاي عاقله اوي كده! انتي متأكده ان انا الملبوسه!

ارتسمت ضحكه على وجه رحمه وهي تمسح دموعها متقبله مواساه شقيقته الشجاعة، لتقرر والدتهم مقاطعه انفعالاتهم وانقاذ دعاء من محادثه كالأسطوانة تدور بينها وبين شقيقتها منذ اسابيع!
راقبت دعاء بوخزة في قلبها عيون والدتها الحزينة وهي تصطنع الابتسام وتتقدم اليها تقبل رأسها وتضمها بقوة!

اغمضت عينها رافضه الشعور بأسي ليس ذنبها هي و شقيقتها انهم ولدوا في ذلك المكان العشوائي الفقير و معظم من فيه لا يرى المرأة الا سلعه هدفها الزواج و الانجاب!

ليس ذنبها انها لا تستطيع الوقوف و مواجهه متحرش الاطفال ذاك خوفا على والدها مريض القلب و والدتها المسنه و صدمتهم عندما يعلموا ان ابنتهم الصغيره كانت ضحيه لاحد اقاربهم ويشاء القدر ان يكون هو مالك مأواهم البسيط وراثه عن ابيه ليعطي نفسه الحق بالتهديد و استغلال طفله صغيره...
جهل لا تلومهم وحدهم عليه بل تلوم مجتمع بأسره وافق على السير قدما دون النظر خلفه ويرى من لم يواكب تقدمه وعجز عن الاستمرار معه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة