قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا أمير تيتا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا أمير تيتا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا أمير تيتا للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

ابعد الهاتف باشمئزاز وهو يبصق على الشاشة عسي ان تصل اليها بشكل وهمي لأهانتها له و لوالدته المسكينة ثم اعد الهاتف على أذنه و قال باصفرار و صوت يتقطر حنق:
-يابنتي لسانك ده عيب انتي بنت محترمة متشتميش حد وبعدين انتي مالك ومال امه هاه شوفتيها قبل كده!

-اتلهي ماشي و متستفزنيش انا مالي و مال أمه! بقولك الحيوان اتهجم عليا و منعني اروح الحفلة لا وبيهددني كمان يقول للست اللي خلفتني اني مش تمام و الافظع من كل ده ان تيتا موافقة انت متخيل!
طأطأ بسخرية مجيباً بصوته الهادئ المغاير تماما لصوته الجهوري والعالي كلما تقابلا:
-لا لا مالوش حق وتيتا كمان لا حقيقي مش ممكن على غدر الأهل!
-انت بتهزر وانا بتشل هنا، طيب اقسم بالله هقفل في وشك يا بارد!

ضحك وهو يجلس على طرف الرصيف البعيد بأخر الطريق قائلاً:
-احسن على فكرة، عشان انتي مقولتليش على الخروجة دي بس انتي اللي عنيدة وقصتيها عشان عارفة اني هعترض!
زفرت روان بحده وهي ترمي جسدها على فراشها قائلة:
-هو ده اللي انت سمعته من الهري ده كله، انا مقولتش عشان اتلهيت مش اكتر مش خوف على مشاعر البرنس!
اتسعت ابتسامته ليؤكد بغيظ مكتوم:.

-اه طبعا، كل واحد يعلق على اللي يخصه لو سمحتي، وانا قولتلك اني مش بطيق تخرجي مع الشباب دول وبردو بتخرجي!
ارتسمت ابتسامه مهتزة على شفتيها تثبت مدى ارتباكها العاطفي، وتعجبت انها بكلمات سخيفة منه هدأت و كأنها لم تكن كالبركان منذ ثوان لتشاكسه بقولها:
-إحنا أصحاب على فكرة!
تمتم بحنق بكلمات مخجلة سمعتها حيداً و زادت من ابتسامتها قبل ان يقول:
-ما انا عارف أنكم صحاب، لكن بردو مش بحب كده يا بارده!

علت ضحكتها فهي ليست غبية وعلى يقين ان كلاهما واقع في علاقة غير محددة الاسم و الملامح لكنها بالتأكيد ليست صداقة فقط، حمحمت ثم قالت ما جعل الدماء تنفجر في وجهه حرجاً:
-لا انا وانت اللي أصحاب على فكرة!
صمت لحظات طويلة فازدادت ضحكاتها بينما جلس هو علي الرصيف يغلي غيظاً من وقاحتها، فقطعت الصمت بقولها:
-انتحرت ولا ايه؟!

-انتي انسانه باردة اصلاً، خليكي كده عايشة في ماية البطيخ وفي الاخر هتطلعي بتحبيني و مش هتقدري تعيشي من غيري وساعتها هخليكي تلفي ورايا تتحايلي عليا ابصلك!
-يا شيخ اتلهي بلا وكسه هحب واحد معرفش شكله اصلا و خايف يبعتلي صورته، يا مؤمن ده انا بروفايلي في صور اكتر من حياتك كلها!
سعل بتوتر ليقول بمشاكسه:.

-يابنتي قولتلك أنا خايف عليكي من الفتنة مش اكتر، لأنك لو شوفتي صورتي لا هتقوليلي بيست ولا سفن آب هتفضلي لزقالي وهتعيطي وتتحايلي عليا اتجوزني يا امير عشان خاطري يا أمير وانا مش ناقص صداع و وجع قلب!
حركت روان رأسها بذهول و يدها تحارب لأغلاق الخط في وجهه لكنها اكتفت بقولها الساخر:
-اقفل يا انسان يا قديم يا تمنيناتي النشأة يا سئيل!

قهقه أمير غير قادر على التحكم في ذاته فعلت دقات قلبها لتلك الضحكة الرجولية المخاطبة لجنون أنوثتها ووجدت ابتسامه بلهاء تعلو كل وجهها، سعلت بارتباك لحماقتها وهتفت بضيق:
-بس يا بابا اما اروح اعمل نسكافيه يمكن اهضم الكلمتين اللي زي وشك دول!
حاول أمير ضبط انفاسه من الضحك ووبخها بقوله:
-لمي لسانك يا بت انا اكبر منك بسبع سنين!
-يا سم سبع سنين على...

صمتت لدي سماعها صوت أنين غريب قادم من غرفة جدتها حين كانت في طريقها إلى المطبخ لتقول:
-استني كده شكل تيتا بتنادي عليا!
-طيب اقفل ولا ايه؟
-لا بيس عادي تيتا عارفه اني بكلم صحابي الولاد!
قالت بلامبالاة و اعتيادية جعلت الدماء تفور في رأسه ليقول بغيظ:
-ماهي تيتا دي اللي مدلعاكي يا سافله!
-يا ابني لم لسانك انت خدت عليا اوي!
قالت بحنق وهي تفتح باب الجدة، فأجابها سريعاً:
-طيب اكتمي بقي عشان مخربش...

قطع جملته صوت صراخ روان وهي تلقي الهاتف من يدها ثم اتاه صوتها ضعيفاً من بعيد وهي تهتف:
-تيتا، تيتا انتي كويسه!
انتفض قلب أمير في صدرة برعب ووقف من مكانه باضطراب قبل ان يركض نحو مبناهم في اخر الطريق، حاول لفت انتباهها لوجوده فهتف:
-روان في ايه طمنيني، روان؟!
لكنها كانت في عالم اخر تجثو بجوار جدتها الملقاة ارضاً أمام فراشها و نست هاتفها ومن تحادثه، استمرت في هز الجدة و و صاحت بخضه:.

-تيتا عشان خاطري متخوفنيش كده فوقي و ردي عليا!
وضعت رأسها على صدر الجدة بذعم ثم جذبت نفس عميق مهزوز ما ان سمعت نبضاتها الخافتة، حاولت اعادة تشغيل عقلها و هتفت وسط دموعها المنسابة:
-الدكتور! متقلقيش يا تيتا انا هوديكي لدكتور حالاً!
حَبَت على ركبتها و يديها نحو هاتفها فانتبهت لصوت أمير العالي المنبثق منه، وضعت الهاتف على أذنها مجيبة بذعر و تلعثم:.

-امير اقفل، تيتا تعبانه اوي ومغمي عليها انا هتصل بالدكتور أو السواق انا مش عارفه اتصرف!
أنهت جملتها بشهقات بكاء عالية كطفلة صغيرة وجدت نفسها تائهة ووحيدة في منتصف الطريق، ليسرع بتهدئتها:
-ممكن تهدي مش طالبه خالص تنهاري دلوقتي، انا دقيقه وهكون عندك كلمي الدكتور بتاعها شوفي فين وانا هوصلها...
هزت رأسها بعنف و همست بين بكائها:
-بسرعه عشان خاطري انا خايفة اوي يا أمير تيتا هتسبني لوحدي، خلاص زهقت مني!

هتف بها بحده أمراً:
-اتصلي بالدكتور وبلاش هبل دلوقتي!
-حاضر حاضر!
اغلقت الهاتف وارتعشت اصابعها وهي تحاول الوصول لرقم الطبيب وما ان ضغطت الزر حتي علا رنين الباب، علت دقات قلبها باطمئنان لوصوله و كالمغيبة دون ان تنتبه او تلتفت لحقيقة إنها لم تخبره بعنوانها يوماً او بكيفيه وصولة لمكانها، ركضت نحو الباب وهي تضع الهاتف على اذنها منتظرة اجابه الطبيب، فتحت فأندفع أمير للداخل كالإعصار وتساءل بقلق يملئ صوته:.

-هي فين!
اشارت لغرفة الجدة وكل ذلك لم يستوعب عقلها ما يدور، ركضت خلفه وهي تضيف:
-في ارض اوضتها، انا بتصل بالدكتور اهوه و...
تسمرت روان عندما صفعها واقع ما يحدث و بقيت مكانها على باب غرفة الجدة تتابعه يحاول رفع جسدها بصعوبة، علت صافرة نهاية المكالمة بلا مجيب و توقف الزمن بشكل جعلها غير قادرة على استيعاب و ترجمة ما يحدث حولها، انتفضت كالملسوعة عندما هتف بها:
-متقفيش كده زقي الكرسي ده شويه!

تكسرت صدمتها كالجليد وتناثرت برودته بكل جسدها، اقتربت بخطوات ضعيفة نحو المقعد دون ان ترفع عينيها من عليه و بداخلها امل بأن الحقيقة القاسية التي يحاول عقلها غرسها بقلبها هي درب من المستحيل، اقتربت تسند جدتها معه ليضعاها على المقعد ثم نظرت له ببلاهة هامسة بتلعثم:
-انت، انت ولا هو!
توقف ثانية يرمقها نظرة تملئها الارتباك وغطي الخزي والتوتر ملامحة قبل يهمس بخفوت:
-مش وقته يا روان!

حركت رأسها لليمين و اليسار ثم اغمضت جفونها تستجمع شتات تلك المفاجأة وحين اعادت فتحها لم تناظره بل دفعت مقعد جدتها قائلة:
-يلا بسرعه!
اخذ مكانها في الثانية اللاحقة وقد لاحظ خصلاتها الناعمة المنسدلة حولها و بيجامتها قصيرة الأكمام وسروالها المطلق عليه (برموده) ثم قال:
-البسي انتي حاجه بسرعه!

تركته وركضت تجذب شال ترتديه جدتها وقت الصلاة من على الاريكة و تربون خاص بها كان ملقي بأرض غرفتها ثم هرعت تساعده على طرف الدرج و بمعاناة استطاع كلاهما النزول بالجدة، كان الصمت سيد الموقف طوال الرحلة إلى المشفى رغم قصر مدتها، و كانت روان تجلس بالخلف بجوار جدتها تربت عليها بحنان و تبكي بغزاره و خوف، فأخبرها امير بحنان:
-متقلقيش دقيقه وهنوصل كفاية عياط!

رمته بنظرة عتاب في المرآة الأمامية دون أجابه بل زادت من بكائها فقال:
-انتي فاهمة الموضوع غلط، بلاش تنسجي خيالات دلوقتي، نطمن على تيتا وهفهمك كل حاجه!
انعقدت ملامحها بغضب وقالت مستنكرة:
-غلط؟ لا مش هفهم غلط، انت واحد مجنون و حقير بتلعب بمشاعري و داخل تكلمني على انك شخص تاني وعلقتني بيه و عشان ايه مش عارفه اَصل لهدفك بس اكيد مش هتاخد وسام الشرف على عملتك دي!

زفر بنفاذ صبر و تلاقت انظارهم في المرآة وهو يؤكد:
-انتي السبب لو مكنتيش بشخصيتين و في الواقع حاجه و الفيس حاجه مكنتش عملت كده، انتي اللي كنتي مستقصداني بدبشك في الواقع بدون اي مبرر، و على الفيس اني بردو اللي دخلتيني جواكي و علقتيني بيكي فوق ما تتصوري، انا مبقاش ينفع افتح عيني و ابدأ يومي من غير ما افتح تلفوني و ابعتلك مسج او اشوفك بعتالي ايه و من غير اي مبرر منطقي فمش انتي بس الضحية هنا!

رمشت بتوالي تحاول كبح صراخها الغاضب لوقاحته واتهامه ثم ارتفع جانب وجهها بسخرية رغم الدموع المتدفقة من عينيها وقالت بحده:
-فعلاً مفيش مبرر خصوصاً لكل كلمة قولتلها دلوقتي!

ونظرت للخارج تطالع المشفى الذي ظهر امامهم و انتهي الحديث بوصولهم، وفي الداخل انشغل الجميع بحالة الجدة ووقف كلاهما بخارج الغرفة ينتظران الطبيب ليطمئنهم، لاحظ امير ابتعاد روان عنه قدر الإمكان و بكائها الذي لا يتوقف، فرك رأسه بغضب عليها فمن يرى شجارها مع جدتها طوال الوقت لا يراها الأن، التفت لباب الغرفة المغلقة وضرب بقبضته علي يده الأخرى بتوتر و نفاذ صبر ثم توجه يدق الباب بحده حتي فتحت الممرضة له، فهتف في وجهها:.

-ماتطمنونا ولا احنا مش بني ادمين!
-يا فندم متقلقش الدكتور شغال مع الحالة جوا!
-يعني هي كويسه ولا في خطر ولا ايه!
هزت رأسها بالموافقة وقالت:
-ايوه الحالة احسن بس لسه الوضع مش مستقر!
-وضع ايه!
قال مستهجناً و حاولت اغلاق الباب وهي تخبره:
-انا اسفه لازم ادخل!
كاد يمنعها لكن روان التي هرعت إلى جواره منذ ان دق الباب امسكت ذراعه تهدئه بقولها:
-خلاص يا امير، سيبها يمكن محتاجنها وكويس اننا اطمنا، آآه!

تأوهت بخفه عندما صدمها احد المارة بكتفه، التصقت بجسد أمير الذي ضمها نحوه بامتلاك وانفجر غاضباً:
-ماتفتح ولا انت ماشي في مستشفى أبوك!
نظر له الشاب بذهول تحول إلى غضب فأسرعت روان بوضع كفيها على صدر أمير تمنعه من التقدم نحو الشاب وقالت له باعتذار:
-معلش احنا اسفين بس تيتا تعبانه و هو اعصابه متدمرة!
-انتي بتعتذري!

قالها امير بغضب و لم يعيره الشاب اهتمام بعد كلماتها بل ذهب في صمت دون ان يجيب أياً منهم، الفتت اليه بغضب متهمة:
-انت بتستعبط، انا اعصابي بايظه خلقه وكفاية اوي اللي انت عامله اساسا!
اقترب منها حتي صار وجهه في وجهه وقال من بين اسنانه:.

-انا مش عامل حاجه انتي فاهمه، انتي اللي اجبرتيني ادخل ليكي الداخلة دي، شوفي انتي الاول عمايلك السودة و اللي مكنتش بقدر افتح بوقي واقولك لا عليها، بس خلاث اعملي حسابك من هنا و رايح كل ده هيتغير انا مش هسيبك تتسرمحي كده على مزاجك و هتتربي يعني هتتربي و رجلك فوق رقبتك!
انهي جملته بغضب وهو يحرك اصبعه في وجهها لتقول بذهول اتبعه الغضب:.

-انت ليه محسسني انك كنت جاي تطلب إيدي، انت مش واخذ بالك اني اكتشفت حقيقتك بالصدفة ثم ايه اختلف يعني غير اني بكرهك دلوقتي، وبعدين انت كنت مجرد البيست بتاعي مش اكتر من كده و حط خط تحت كلمه كنت دي مليون مرة!
حرك رأسه باستهزاء وقد انكمشت ملامحه قائلاً:.

-خليكي افضلي حطي في القاب تبرري بيها الحقيقة اللي مش عايزة تعترفي بيها لانك لامؤاخذه يعني في اللفظ معقدة، بيست ايه ده اللي تصحي على صوته و تنامي على صوته، انتي كان عندك خال اهبل؟!
التفت حولها تتابع العيون الفضولية التي تراقبهم من كل صوب و همست من بين اسنانها بوجه احمر:
-انا مش هرد عليك لأنك قليل الادب و انا اصلا مش عايزة اعرف واحد منحط زيك، اتفضل امشي من هنا و انا هجيب السواق يروحنا انا وتيتا!

رمقها بغضب و بدون كلمه توجه بعناد للجلوس امام غرفة الجدة عاقداً ذراعيه بطفولية، كادت النيران تشتعل من اذنيها بغيظ لكنها توجهت للمقعد البعيد عنه تجلس منتظرة خروج الجدة هي أيضاً...
في منتصف الليل داخل غرفة المشفى الخاصة بالجدة جلست روان تستريح وهي تستمع للطبيب يحادث أمير:
-لا متقلقش ما انت اتكلمت معاها بنفسك، هي نايمه عادي فخلوها الليل معانا والصبح هكتبلها على خروج!

هز أمير رأسه بالموافقة وقبل ان يترجم قلقه و توتره على لسانه قاطعه الطبيب المعتاد على تلك النظرات بقوله:
-لا مفيش خطر دي من علامات الشيخوخه و غصب عنها لازم تتعب، بأذن الله هترجع كويسه من تاني!

تركه الطبيب بالغرفة واغلق الباب خلفه، اتجه أمير يجلس بجوارها على الأريكة بعد ان خلع سترته وثني ذراعي قميصه الابيض، ثم رفع ابصاره نحوها ببراءة، انعقد حاجبيه بتعجب لشراسة نظراتها نحوه فحرك حاجبيه بلا مبالاة وفتح اول زر من قميصه لكنه أعاد بصره نحوها بحده يعيد فحصها بشكل دقيق، رأى ذراعها يخرج في مجون من الشال بكل اعتياديه فهتف:
-لمي لحمك اللي نازل من الشال ده، يخربيتك انتي مش حاسه بنفسك!..

رمقته بغضب وهي تخفي ذراعها بالشال قائلة:
-خليك في حالك، حاجه متخصكش يا عديم الذوق!
ضرب كف على الاخر وهبط بعيناه نحو سروال بجامتها الفاقد لربع طوله وقال بذهول:
-ايه ده، ايه ده بجد! انا ازاي مخدتش بالي وانتي نازله كده، ما كنتي اتنيلتي استنيتي في البيت ابرك!
تناست الشال ورفعت كلا ذراعيها في وجهه بغضب قائلة بصوت مكتوم حتي لا تزعج الجدة:.

-انت اللي ايه ده؟! صحيح اللي اختشوا ماتوا، مالك و مالي يا انسان يا بارد يا اللي ماشي تضحك على بنات الناس!
ارتسمت ابتسامه ثعلبيه على وجهه و اخذ يجول بنظراته على وجهها و جسدها بحرية وبطء أخجلها فتقوقعت على ذاتها موبخه:
-انسان قليل الادب!
جلس بكل ارتياحيه وهو يمط ذراعيه ثم قال بخبث:
-قليل الادب ليه؟! ما انتي بتلبسي الضيق و الملزق اكتر من كده واللي رايح واللي جاي بيبص عليكي ولا حلال ليهم و حرام ليا؟

انفجرت غاضبه و راحت تجثو على الاريكة بغل تغرقه بلكمات متتالية في ذراعه وكل ما تصل إليه منه بقوة مستمتعة بأنينه المكتوم..
اتسعت عيون أمير غير متوقع هجومها الطفولي و سعي لكبحه و تكبيل ذراعيها و بعد ثوان معدودة نجح في الأمر، ابتسم بانتصار وهو يعلق انظاره بعيونها الغاضبة ولكن تلك الابتسامة اختفت ما ان أدرك مدي قربها منه!

ارتبكت انفاسه بتوتر متساءل كيف انتهي به الحال شبه ممدد على الاريكة لاتزال ساقيه بالأرض وهي شبة ملقاه فوقه ذراعيها مطويان خلفها بفعل ذراعيه مما يجبر جسدها العلوي على الالتصاق بصلابة صدره، وصل توبيخها إلى مسامعه ولكنه لم يقدر على استيعاب ما تقوله، رفضت عيناه التنحي عن حركة شفتيها وردية اللون، فتحشرج الهواء في صدره و علت دقاق قلبه بانفعالات يحاول كبتها دون جدوي، اما روان فقد تصلبت ما ان انتبهت للوضع ثم انتقضت كل عضله في جسدها في محاولة للفرار من قبضته:.

-بس!
همس بعنف مكتوم فتسمرت وارتفعت انظارها الخجلة إليه و همست بارتباك:
-سيبني، انت مجنون، حد يدخل علينا!
زفر بعنف و احتقن وجهه وهو يجيب بحده:
-ومفكرتيش في ده ليه قبل ما تمدي ايدك عليا يا مستهتره وبعدين من امتي بيهمك الناس؟ اكتشفتي فجأة ان في ناس وان كلامهم بيأذي و بيطعن زي السكاكين لو طالك!
احتضنها بيد واحده و بالأخرى جذب وجهها نحوه ليستكمل بهدوء مريب و هو يتعمد اظهار إعجابه بوضعهم الحالي:.

-بس عارفه كده احسن، انتي مش بتخافي من كلام الناس اللي زي السم و مش في دماغك انك تهتمي بوقاية نفسك منه بانك تبعدي عن اي حاجه وحشه بالعكس بتشوفي الوحش فين وتجري عليه، ووخده الحياه عند وبتبوظي حياتك بأيدك و فكراها نصاحة بس للاسف مش فاهمه انك بتعاندي نفسك و مشاعرك وفي الاخر حتي جدتك وصلتيها انها تبقي بين الحياه و الموت اهيه، قوليلي أخاف أنا عليكي ليه؟

شحب وجهها و قد امتصت كلماته كل قطره دماء بجسدها وشعرت ببروده قبيحة تجتاح جسدها و بقلبها يتفتت لآلاف القطع بسبب رأيه القاسي بها و بأسلوب حياتها، تقطعت انفاسها باضطراب و خجل و عجزت عن الرد فأستكمل وهو يمسح على جانب وجهها وقد انساه الحزن في عيناها ما كان يخطط له:
-بس اعمل ايه في قلبي!، انا فعلاً خايف عليكي، و رغم اني عارف كل ده الا اني مجنون بيكي!

قالها وهو يمرر اصبعه على شفتيها المرتعشة لاختلاط انفاسهم العالية فكسرت الصمت أخيراً بخفوت وتهكم وقد دمعت عيونها:
-عشان كده قولت تضحك عليا و تخدعني؟! خوفك واهتمامك ده غريب اوي!
اغمض عيونه ليستعيد صوابة و يخرج من سحر تأثيرها ثم قال بجمود:
-انت اللي سايبه نفسك لأي حد يضحك عليكي، بس حطي في عقلك حاجه واحده لو انا راجل تاني مكنش مسك نفسه عنك ابداً، ده انتي حتي نفسك مش عارفة تحافظي عليها!

دفعها بخفه عنه كانت كافيه لتعود جاثيه على ركبتيها قبل ان يهندم من نفسه ويعود لمقعده بأخر الأريكة مقرراً انها تستحق ان تتقوقع بجواره و تفكر بكل حرف يتهمها به عسي ان تعود إلى صوابها...!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة