قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الرابع

اشعل عبدالله سيجارة يحرق بها تفكيره المتواصل، لا يزال في قوقعه صمته بعد مرور عده ايام على ما حدث و تائه في خططه لكيف سيسترجعها، لا يزال كلام والدتها عن وجود رجل اخر يطعن رجولته ولكنه سيكون احمق ان تركها تفسد حياته مع زوجته حتى وان كانت بحاجه خاصه لأعاده تربيه وهو الامر الذي لن يتأخر به ما ان تعود اليه، ليعلمها كيف تهينه امام الجميع، زفر بتعب وهو يفرك عيناه بعد أطفأ السيجارة التي اخذ منها نفس واحد، وقرر الاتصال بها...

فقد مر وقت كافي ليهدأ كلاهما قبل الحديث كزوجين عاقلين لانه لن يتركها ابدا و هي لا ترغب في تركه اصلا فلما سوجد هذا الخيار بالأساس، ابتسم بسخريه نعم بسبب والدتها و والدته و تدخلهم، لكن امر والدته سهل وتم السيطره عليه بعد ان اقنعها برغبته بإكمال الزواج ويعلم انها لا تزال تحمل الحقد في قلبها لوالده رحمه ولكن سيكون عليها اعطائهم مساحه وعدم الاحتكاك بها حتى يدير احواله...

والان حان وقت انهاء الامر فهو يعشقها وهي تعشقه ذلك هو على يقين منه، خاصة وقد شعر بكل ارتجافه و انين فر منها وهي بين ذراعيه غير قادره على مجابهه حراره مشاعره...

امسك الهاتف مقرراً الاتصال بها فليذهب كبرياءه للجحيم، هي اغلي ما يملكه في حياته منذ ان وقعت عيناه عليها و عافر شهور طويله حتى يصل إلى قلبها ثم يخطفها حظه من براثن والدتها التي لطالما رأت فيه خائب الرجا الفاسد الذي سيحطم حياه ابنتها، وابداً لن يعطيها فرصه التشفي بهما، كاد يفتح الهاتف حين رن بيده، اجابه سريعاً:
-ايوه يا محمود، عامل ايه؟
حمحم الاخر قائلاً:
-الحمدلله يا ريس، انت اللي عامل ايه دلوقتي؟

ارتفع جانب وجهه ليقول:
-زي ما انت شايف..
-متقلقش ان شاء الله خير وربنا هيصلح الحال، انت ابن حلال وهي بنت حلال و بتحبك بجد...
اجابه بهدوء:
-انا عارف يا محمود!
تنحنح محمود فهو يعلم بحساسيه بأمر زوجته ولولا حاجته لشهود يومها لما علما بالأمر هو او جلال، ثم اخبره:
-والله ده في يومها فضلت تعيط وتلوم امها انها خلتها تتشاكل معاك...
لمعت عيناه برضا ولكن رجولته منعته من إكمال الحديث عن زوجته فأنهاه بقوله:.

-تسلم يا محمود معلش انا هقفل...

اغلق الهاتف وخبط به على كفه الاخر بتفكير، متأكد من حبها له وربما كان حبها هذا هو السبب بوجودهم في هذا الموقف فهي عنيدة لن تقبل سوي ان تكون اولي اختياراته ولكنها غبيه لا تعلم انها كل اختياراته وكل امر بجوارها غير موافى شروط منافستها، لكن مشكلتها انها لا تحسب حساب بأنه رجل بسيط لا يملك سوي كرامته ولن يقبل ان يكون عاله على زوجته، الموت في احدي تلك الحوادث اهون من ذلك...

جلست رحمه على ركبتيها فوق مقعد الشرفة مستنده على سورها تتطلع على الشارع اسفلها بحزن ووجوم، رفعت ملعقة من الشوكولا تلتهمها قبل ان تعيد انظارها تتابع المارة بملل، فدلفت والدتها تضرب كف على الأخرى بغيظ لتوبخها:
-بسم الله الرحمن الرحيم، عفريت قاعد في البلكونة، طيب اتكسفي على دمك ب الكحكه المنكوشه دي و ادخلي...

رفعت حاجبها بلا مبالاة فقد عمدت إلى تجاهل والدتها خلال تلك الايام الفائتة كاعتراض و محاوله لترتيب امور حياتها وابعادها عن قراراتها و خبايا عقلها حتى تفهم انها لن تترك زوجها وانه لولا كبرياءها الاحمق لكانت معه وبين احضانه في شقتهم منذ الازل، مسحت طرف فمها بقميص بجامتها المختلف تماماً عن سروال البيجامة الأخرى التي ترتديها فقط لتزيد من حنقها لتجيب:
-انا حره، واحده مكتئبه وعايزه تعيش حياتها يا ستي!

-كتك القرف، هتفضلي طول عمرك هبله زي ابوكي!
جزت على اسنانها ليعلو صوتها باعتراض:
-لو سمحتي متغلطيش في بابا الله يرحمه، الله ده حتى الميت ليه حرمته!
شوحت بيدها بلامبالاة متمتمه:
-بلا نيله مخدتيش حاجه منه غير المبادئ و النفخه الكدابه!
-ربنا يسامحك!
قالتها بغيظ وهي تحتضن علبه الشوكولا تكمل التهامها فهتفت والدتها منبهه:
-انا رايحه لخالتك عشان تعبانه شويه ساعتين و راجعه ولمي شعرك الزفت ده فضحتينا!

لم تجيبها واستمرت في الاكل، بعد دقائق مسكت هاتفها تطالعه بأمل وكأنها تحايل الحبيب ان يهاتفها ويرحم شوقها، انتفض قلبها باعتراض وبكل جنون شوقها و قلب يعلو دقاته بأذنها ضغطت على اسمه، ثوان مرت ليعيطها بأن الرقم مشغول، اغلقت و لوت شفتيها ربما هي رساله من القدر!، تنهدت ورمت به بجوارها وعادت تستند بجانب وجهها على السور تطالع المارة بحزن يمزقها!

جهز عبد الله فنجان قهوته وجلس يتربع الاريكة بتأهب وهو يرص سجائره امامه تمهيداً لحرقه الدم، رفع هاتفه للاتصال بها، كاد يضغط اسمها حين قاطعه القدر كعادته وهذه المرة كان جرس الباب، تأفف بحنق وفتح ليقابله رجل في الاربعين من عمره سمين نسبياً ومعه ملف في يده فتساءل:
-افندم، حضرتك عايز مين؟
اجاب الرجل بوجوم:
-انت عبدالله محمد الرفاعي؟
-ايوه انا...

-انا محضر من المحكمة ولو سمحت امضي هنا عشان تستلم الاعلان!
اتسعت عيون عبدالله بتعجب ليردف:
-اعلان ايه بالظبط؟
-امضي واستلم الله يكرم وهتعرف من الاعلان!
قالها الرجل بأرتباك فخطف الملف من يده يمضي ويسحب ورقه الاعلان منه متمتماً شكره...

اتسعت عيناه و علت انفاسه ولم ينتظره الرجل وهرب من امامه، مرت عيونه الحاده على الكلمات وكل حرف منها يمزقه، حتى وقفت عند جمله حطمت رزانته و هدوءه فخبط كفه بالباب بكل عنف يسب و يلعن و يتوعد زوجته المصون!

جذب مفاتيحه واغلق الباب خلفه بقوه اهتياج مشاعره، مقررا الذهاب اليها وقتلها هي و والدتها معاً في الحال، غير مبالي انه لا يزال بملابس البيت و المكونة من سروال قصير اسود يصل لركبتيه تقريباً و قميص قطني ازرق، استقل اول سيارة اجره امامه و زمجر بعنوانها...

استقامت تتمطاء بتعب فانحصرت انفاسها بصدمه وسعلت بقوه وهي تري معذبها يترحل من سيارة اجره امام منزلها، اتسعت اعينها ودارت داخل مقلتيها باضطراب هرعت للداخل امام المرآه تطالع هيئتها و بجامتها الغير متناسقة واسرعت بخلع النص العلوي ومسحت به وجهها تتأكد من ازاله اي اثر من الشوكولا، واكتفت بمنامتها ذات الحمالات الرفيعة بأسفلها، فكت شعرها المتكتل اعلي رأسها وفركته بقوة لكنها انتفضت برعب و هربت الدماء من وجهها عندما طرق عبدالله الباب بقوة مرعبه، تجمدت ثوان ثم هتفت مسرعة وهي تركض لفتح الباب:.

-ايوه ايوه جايه يالي بتخبط!
فتحت الباب فدلف مسرعا بأنفاس متصارعة واغلق الباب خلفه ابتعدت خطوه مصطنعة المفاجأة:
-عبد الله، انت بتعمل ايه هنا؟ فيه ايه بتخبط بفظاعه ليه كده!
تراجعت بخوف وهي تتابع نظراته القاتلة وعيونه الغاضبة وشهقت عندما امسكها من منامتها يجذبها نحوه صارخاً في وجهها باتهام:
-بتعملي فيا انا كده يا رحمه!
-انا عملت ايه مش فاهمه!
اردفت بارتباك وجسدها يكاد يرتعش ليهزها مره بعنف متابعاً:.

-بترفعي عليا قضيه خلع يا رحمه، ده انا هنفخ امك!
اتسعت عيناها بذعر وحاولت التملص منه لكنه اعادها امامه فقالت بهلع:
-اقسم بالله ما حصل انت اتجننت يا عبدالله!
عبث بجيبه لإخراج الاعلان فانفلتت من قبضته و ركضت حول الاثاث بذعر فهي تعلم ثقل تلك الفعلة على الرجل بصفه عامة و الرجل المصري بصفه خاصة، اتبعها بسلاسه و غضب وهو يلوح بالورقة امامها قائلاً من بين اسنانه:.

-وايه اللي انت كتباه ده كمان، اخاف الا اقيم حدود الله، ده انا هقيم عليكي الحد وهدبح زي بتوع داعش انتي و اللي لعبت في دماغك...
عاد التفت حوله كالثور الاهوج صائحاً:
-فينها امك! يا محترمه يا كبيره!
احابته وهي تنتقل خلف مائده الطعام قائله:
-ماما عند خالتي...
زم شفتيه و رمي الورقة ارضاً بأنفاس عالية هوجاء ليقول بحده:
-تمام خدي نصيبك انتي!

صرخت بخضه عندما حاول الامساك بها واخذت تركض يميناً و يساراً حول المائدة متذكره مناورات الطفولة مع والدتها للهرب من العقاب، الفرق ان في هذه اللحظة هي تحارب لإنقاذ حياتها فزوجها يبدو كمن تلبسه عفريت كاد يمسكها فأفلتت سريعا قائله:
-يا مجنون اسمعني الموضوع في حاجه غلط!

-ايوه طبعا الموضوع كله غلط اصلاً، بس انتِ صح شهر كتير عليكِ فعلاً انا معنديش نظر، فسيبيني اصلح غلطتي و اريحك، عشان انا مقبلش انك لا تقيمي حد الله و ساعتها هقتلك بأيديه دي وابعتك عنده!
ركضت بخضه عندما قفز نحوها واحتمت بقطعه اثاث اخري قبل ان يتبعها بالجانب الاخر يحاصرها فأجابت:
-يابني ادم اهدي و اسمعني، بقولك والله ما اعرف حاجه عن الموضوع ده!

-اومال القضيه اترفعت لوحدها محدش يقدر يتعامل في المحاكم غيرك...
شحب وجهها لحظه قبل ان تبعد خصلاتها للخلف بأصابع مرتعشة متمتمه بتفكير عالي:
-ماما! لا لا مش معقول!
قطع تفكيرها برده المتهكم:
-مانا عارف انه اكيد امك هي راس الحيه، اللي اقنعتك تروحي ترفعي القضية عشان يخلا الجو لعريس الغفلة...
صمت قبل ان يقترب منها مهدداً بهدوء ينذر بالشر:.

-لكن ده بعينك و بعين اتخن تحين في اهلك ومش هطلقك لو بموتي، يا عيله مفيهاش راجل بجد!
جزت على اسنانها وهي تبتعد عنه لتهتف بنفاذ صبر:
-افهم يا غبي تعبتني و بلاش قله ادبك، انا والله العظيم ما اعرف حاجه عن الموضوع ده!

دوت ضحكته الساخرة وهو يتبع تحركاتها لينتهي به الحال بظهر الأريكة بمنتصف الردهة وهي تبعد عنه بمترين خلف الأريكة المقابلة لها ليلعن تلك الموضة التي تلقي بالأثاث بمنتصف الطريق وتلك الأرائك الضخمة عديمة الفائدة، أعاد انتباهه للغضب بداخله ليردف باتهام:
-قله ادب هو انتِ لسه شوفتي قله ادب، بصي هبهرك بعون الله!
جحظت عيناها لتهتف:
-انت دماغك نشفه ليه بقولك مش انا مش انا!

-كفاية كذب بقي انتِ مش بتتعبي من الكدب وانا الحيوان اللي طول الوقت ده فاكرك ملاك وقال ايه بحبك يا عبدالله ولازم اطلق، و هموت من غيرك لو حصلك حاجه يا عبدالله، وفي الاخر عبدالله خد على دماغه و طلعتي عجينه من امك!

علت انفاسها بغضب احمر ولم تشعر بنفسها الا وهي تركض وتقفز نحوه صارخه بقوه كالهنود الحمر اتسعت عيناه بذهول وهو يري هجومها وتجمدت حركته حتى اصطدمت قوه جسدها الضئيل بجسده القوي ولكنه كان كافيا لقلب جسديهما معاً وللحظه شعر بالامتنان لتلك الاريكة خلفه، استلقي بشبه ميل على ظهره بينما تربعت هي فوقه ثانيه قبل ان تكمل هجومها بتكتيف ذراعيه بذراعيها هاتفه بحده:.

-انا مش كدابه بقولك وبحبك غصب عنك وعن عينك مش محتاجه تصدقني يا خاين يا جبان،
لم يبالي بوضعه وحرك رأسه بغضب دون ان يحرك جسده فيقع كلاهما ليقول مستهزئاً:
-أنتِ حوله هو مين االي خاين وخان الثقه مش انتِ!
جزت على اسنانها شبه متقافزه فوقه من شده الغيظ لتقول:
-انت اللي خاين طبعا لما في وقتها مقولتليش تغور الدنيا و كفايه عليا انتِ، صح ولا مش صح يا استاذ...

اغمض عيناه يتنفس بانتظام، يحاول كبح رغبه تتولد داخله بان يقلبها من عليه على الارض القاسيه و ينهيها بأحدي حركات المصارعة الحرة لكنها قاطعت افكاره بقولها:
-بص انا عارفه ان الموضوع يحرق الدم بس انت لازم تفهم ان من يوم ما بابا أتوفى وانا عامله توكيل قضايا لماما، انا مكنش فيا حيل او نفس اتابع حاجه كنت زي الميته وهي كانت وكيلي عشان تضمن حقي من ورث بابا اللي اتقسم بيني انا و اخواته...

قالتها بنفس واحد طويل ثم جذبت اخر خلفه لتستكمل بتعب وهو يتابعها بصمت:
-والله العظيم انا عمري ما اعمل فيك كده حتى لو انت ندل و جبان و اتخليت عني!

رمش وهو يتفحص ملامحها ليتبين كذبتها و لكن الصدق بعينيها اذهله لا يقوي على استيعاب قذارة والدتها لتفعل هذا دون علمها، انقبضت اصابعه وانبسطت بتوالي وكانه يمر بحاله عصبيه ما، ثم استقام بنصف جسده فجأه فشهقت بخضه وتعلقت برقبته خوفاً، فتح فمه للتحدث او التساؤل عن الامر اكثر، ولكن وجهها الملاصق لوجهه وعينيها التي تطالعه بلمعه وكأنها تنتظر شيء هو ينتظره اكثر منها بمراحل اشعله و شتت افكاره وبدون تفكير مال عليها يحتضن شفتيها بقوه، تسمرت بين يديه ثوان معدودة قبل ان ترتخي وتبادله قوه مشاعره، قبض على كتفيها يعتصرها اليه، غارقاً بنكهتها الناعمة الرائعه ثم انتقل شغفه إلى رقبتها العارية بأشتياق، حاولت التملص او الاعتراض حتى لكنه شل تفكيرها وهو يطبق على خصلاتها مبعداً رأسها للخلف ليستكمل صك ملكيته على طول رقبتها بكل خبرة و تأني يحسد عليه، طار عقله وهو يستمع انين استجابتها ولكن سريعاً ما شعر بجسدها يرتخي ويبتعد بثقل مريب، رفع رأسه نحوها ليجدها تجاهد لفتح عيناها الناعسة فتساءل:.

-مالك يا رحمه؟
حاولت هزت رأسها بضعف تنفي وجود خطب ما وبللت شفتيها وهي ترتمي في احضانه، فعدلها وهزها بذعر قائلاً:
-رحمه، رحمه فوقي يا حبيبتي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة