قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الخامس والأخير

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الخامس والأخير

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الخامس والأخير

حملها يعدلها على الأريكة واسرع لإحضار كأس من الماء وبعد قليل من القطرات المتقاذفة بوجهها بدأت تعود لصوابها، رمشت بقوه قبل ان تتعلق عيناها الزائغة بعيناه التائهة بخوف، فأسرع بقوله:
-رحمه انتي كويسه؟ انا اسف حقك عليا مقصدتش اتغابي معاكي!
ضحكت بخفوت لتقول ببحه:
-ده انا اللي اسفه على كل اللي بيحصل ده...
قاطعها سريعا وهو يمسح وجهها بحنان:
-ولايهمك كل حاجه فداكي حتى انا!
رفعت اصابعه تقبلها لتقول بحتميه:.

-انت لازم تعرف اني بحبك و عمري ما هحطك في موقف زي ده، انا اسفه ان ماما عملت كده، بس ارجوك افهم انها امي وانا مش هقدر اعملها حاجه...
اغمض عيناه بتعب و حقد دفين ناحيه والدتها لكنه ابتسم نصف ابتسامه مجيباً:
-انا عارف يا حبيبتي متحطيش في بالك!
اعتدلت فساعدها أمراً:
-الحمدلله انك كويسه، قومي البسي بسرعه هنروح للمستوصف اللي على اول الشارع نكشف؟
انكمشت ملامحها بتعجب لتعترض:.

-ليه يعني، ما انا زي الفل اهوه، دي دوخه بسيطه تلاقيها من الخضه بس بتاعت كينج كونج اللي هجم عليا من شويه!
انهت جملتها بعبثيه و مرح لكنه لم يجاريها و بملامح واجمه استطرد:
-قومي البسي يا رحمه!
زفرت فهي تعلم عناده جيداً وبعد دقائق طويله استغرقتها فقط لإشعال حنقه عقاباً على إجبارها للذهاب للطبيب، رافقته وذهبت معه...

-طمنيني يا دكتوره؟
سأل بلهفه لتبتسم الطبيبة مبشرة:
-المدام حامل، انا قولت اشيل شغل الساسبنس و المقدمات و اطمنك على طول، الف مبروك!
انضمت اليهم رحمه و ابتسامه عريضة تأكل وجهها وازت سخافة ابتسامته و سعادته الصادمة، اقتربت منه تجاوره بخجل فقبل يدها غير مبالي بالطبيبة التي تصطنع الانشغال فقالت بسعادة:
-مبروك يا عبد الله!
-الف الف مبروك يا قلب عبد الله من جوا...

-يا جماعه بالله عليكم، الف مبروك و كل حاجه بس راعوا اني سنجل و كده خطر عليا!
قاطعتهم الطبيبة وانهت جملتها بضحكه لطيفه شاركتها بها رحمه بينما اكتفي هو بمراقبه تلك الابتسامة المشرقة!

قبل عبدالله يدها للمرة الالف مما زاد من ابتسامتها وهي تحاول فتح باب شقتها، دلفا سوياً بابتسامة واسعه لكنها سرعان ما اختفت ما ان فتحت والدتها الجالسة فمها بتهكم:
-انا بردو قولت محدش هيخطف عقلك وينسيكِ تلفونك في البيت غير المحروس، ضحك عليكِ يا هبله ولا لسه؟
زفر عبد الله وهو يضغط على قبضته فأجابت رحمه بجمود:
-ماما لو سمحتي، احترمي انه جوزي و موجود في بيتنا!
استقامت بحده لتقول مستنكره:.

-انتي كده، هتفضلي طول عمرك خايبه و غبيه، انا عايزه اعرف هو بيسحرلك ولا ايه!
قاطعها عبدالله و وجه حديثه لزوجته:
-رحمه لمي هدومك ويلا بينا على بيتنا، ولا لسه ليكي رأي تاني!
اندفعت والدتها مهلله:
-جرا ايه يا جدع انت، انت ناسي انكم على وش طلاق ولا ايه!
كاد يقترب منها بغيظ فاستوقفته رحمه قائله:
-استناني ثواني و جيالك...

اقتربت بغضب من والدتها تجذبها معها للداخل رغم اعتراضها و ما ان اختلت بها في غرفتها حتى هتفت من بين اسنانها:
-كفايه فضايح بقي، مش كفايه اللي عملتي من ورايا، انا لحد دلوقتي مش عارفه ازاي قدرتي تعملي حاجه كده!
اخفت والدتها اضطرابها لتقول بحده:
-انا مش فاهمه انتي بتتكلمي عن ايه!
وضعت رحمه يدها بجانبها لتقول:.

-قضيه الخلع اللي عملتيها من ورايا، اومال لو مش عارفه اني بحبه كنتي عملتي ايه، ماما انتي مش متخيله بجد صدمتي فيكي!..
علا صوتها باستنكار:
-ياختي بلا نيله هتاخدي ايه من حبك ده غير الوكسه، يابنتي اعقلي الله يرضى عليكي ده واحد صايع مينفعكيش!
طالعتها رحمه بكل جمود لتخبرها بثقه و حزم:
-انا حامل!
اتسعت اعين والدتها ر لكن بالتأكيد لم تكن الفرحة هي الظاهرة منهما، زمت رحمه شفتيها واقتربت منها بهدوء لتستكمل:.

-رد فعل متوقع بس خدي بالك بقي ان جوزي الوحش ده هيبقي ابو عيالي و ابو احفادك، هينفع تعامليه بالأسلوب ده قدامه او قدامها لما تكبر، ولا ابشع افرضي منعك اصلا انك تشوفيهم!
قاطعتها والده مستنكره:
-لا عبدالله مش هيعمل كده!
ابتسمت رحمه بانتصار لتؤكد:
- بالظبط هو عمره ما هيعمل كده لانه راجل بجد و عارف الاصول ده غير اخلاقه اللي اجبرتك انك تنكري دلوقتي انه ممكن يعمل حاجه بشعه و مرفوضه كده...

جلست والدتها بعناد وعقدت ذراعيه بصمت و وجوم فتنهدت ابنتها قبل ان تجثو امامها مبرره:
-يا امي انتي حبيبتي وكل اللي ليا في الدنيا دي، ارجوكي بلاش مشاكل ملهاش لازمه مع عبدالله لاني مستحيل اسيبه او اتخلي عته!
لوحت يدها باستسلام وكأنها تخبرها بحريتها وان تتحمل عواقب أفعالها فقبلت يدها رغماً عن مقاومة والدتها واكملت:.

-انا همشي دلوقتي، ارجوكي تتصلي بالمحامي اللي زي ماجبتي يرفع القصيه يتنازل عنها، عايزه الصبح تديني الاوكيه ان الموضوع ده انتهي!
اجابتها والدتها بتهكم:
-تحت امرك يا هانم قومي روحي لجوزك اللي مش طايق يبص في وشي احسن يزهق ويسيبك!
هزت رأسها بقله حيله لتقول:
-كلها يومين ويهدي اللي عملتي مش سهل بس انا هاعرف اراضي ازاي!
-ياختي، انتي حره و هو حر اللي يشيل اربه مخرومه!

وبالفعل جذبت كل ما قد تحتاجه للان و وضعته في حقيبة صغيره على ان تعود للم اشياءها في يوم أخر، توجهت نحوها فوجدته يقف عند الباب بوجوم عاقداً ذراعيه، اتسعت عيناها لتقول:
-انت واقف على الباب كل ده!
اخذ منها الحقيبة واغلق الباب خلفهم في طريقهم للخارج ليجيبها في طريقهم للمصعد:
-مش هقدر ادخل بيت امك ده دلوقتي، انا هموت و اروح بيتنا واخدك في حضني تاني!
ابتسمت بمشاكسه ما ان استقلا المصعد لتقول:.

- ونستني البيت ليه ما الاسانسير اهوه!
رمي بالحقيبة واقترب منها بعيون لامعه قبل ان يضمها اليه بابتسامة مشاغبة، قابلته ابتسامتها الاكثر مشاغبة!

فتح عبد الله باب شقتهم بابتسامه واسعه وحاوط جسدها يدفعها بخفه فرفضت وهي تبعد يداه قائله بقطعيه:
-استني، بص يا عبدالله قبل ما اخطي خطوة واحده جوا البيت ده، قولي هتكمل الشغلانه الزفت دي ولا لا، انا كبرت بيك يا ابن الناس عشان عارفه اني محقوقالك وحافظت على كرامتك وخدت بعضي وجيت معاك، لكن لحد هنا واستوب...
قاطعها بتعجب:
-طيب ادخلي نتكلم جوا، هنقف على الباب
رفضت وهي تعقد ذراعيها مستكمله:.

-هي كلمه ورد غطاها هتسيب الشغل خصوصا اننا مستنين بيبي دلوقتي وهيحتاجك اكتر ما انا هحتاجك ولا اخد بعضي اروح لحد من صحابي!
اطرق رأسه بتعب لكنه لم يفكر كثيرًا ليقول:
-انا موافق يا رحمه اسيب الشغل، بس بشرط!
توقفت ابتسامتها عن التمدد لدي سماعها باقي جملته وتساءلت بحده:
-شرط ايه ان شاء الله؟

-هفضل في الشغلة دي لحد ما الاقي شغله تانية لأني ببساطه مش هقعد عاطل في البيت واقعد اللي معايا زي خيبه الرجا في بيتهم، عشان على الاقل يلاقوا وقت يدوروا على شغل هما كمان و مقطعش عيشهم ده جلال عنده عيلين ترضي نقطع رزق ابوهم...
كادت تقاطعه فأوقفها بكفه مستكملاً:
-وانا اوعدك اني هلاقي شغل في اسرع وقت، قولتي ايه بقي يا ام العيال!

انهي جملته بابتسامه عبثيه فتنهدت باستسلام واعلنت موافقتها وهي تخطو لمنزلها من جديد...

-عبد الله يا عبد الله اصحي!
ضمها اليه اكثر رافضاً الاستيقاظ من نومه الهانئ بجوارها فدفعت جانبها في جسده بغيظ، ليأن بقوه وتتسع عيناه، اتسعت عيناه هي الاخر وقد شعرت بهول فعلتها لكن الضحكات غلبتها، في انفعال غريب من نوعه، جز على اسنانه وهو يضغط على كتفها يدفعها بغيظ:
-انتي بتستعبطي يا رحمه في حد يعمل كده!

خطفت ضحكاتها انفاسها رافضه ان تتركها وشأنها، حتى هبطت الدموع من عيناها وهي تري الشرر يتطاير من عينيه لتقول:
-مكنتش اقصد يا بيبي و النعمه!
اغمض عيناه بتعب قبل ان يرتمي على الفراش مره اخري يتقلب بألم طفيف ليتساءل بضيق:
-افندم اديني صحيت يا بارده عايزه ايه؟
طرقعت لسانها بحلقها بتفكير اثار جنونه قبل ان تقول:
-مش فاكره!
-وحياه امك!

قالها بحده و هو يزيل الغطاء من عليهما، لتدوي ضحكاتها مره اخري، حرك رأسه بأسي فمنذ يومان كان تتمرغ باكيه تشكو بان الحمل جعلها سمينه قبيحة، والان لا تستطيع كبح ضحكاتها وكل هذا ولم يمر سوي اربعه اشهر على حملها فما بالك في نهايه الشعور، تنهد ورفع رأسه هاتفاً بأستغاثة:
- يارب، انا عملت ايه في دنيتي!
حركت يدها بملل لتردف:
-يا شيخ اتلهي وانت كنت تطول حد يبصلك غيري يا ابني ده انا انقذتك من العنوسة!

ضرب كتفها بكتفه بخفه وقد لمعت عيونه بفكره ليقول:
-تراهني يا تختخ!
انقلب مزاجها في لحظه فاعتدلت بنصف جسدها العلوي ورفعت حاجبها وهي تجذبه من ياقته محذره:
-قصدك ايه يا خفه!
علت صوت ضحكاته المرحة لأنه نجح في اغاظتها ليجيب سريعاً منقذًا نفسه من تقلبات مزاجها:
-قصدي، ان صباحك فل يا لوز اللوز يا ابيض يا قلبظ انت!
مطت شفتيها وقد هدأت في لحظه واخذت تلعب في ملابسه لتقول بدلال:
-يعني مش قصدك اني تخنت؟ وبقيت وحشه؟

-يا ساتر يارب وانا اقدر، ده انتي قمر يا بت!
قاطع مداعباتهم السمجة والثقيلة على قلوب المواطنين، صوت رنين الهاتف، اجاب سريعاً ما ان رأي رقم الشركة التي يعمل بها:
-الو، ايوه انا، اه، اه...
جحظ عيناه بتركيز قبل ان تتسع بصدمه ليعتدل بقوه على ركبتيه قك يقول:
-تعويض!
حاولت رحمه جذب انتباهه متسائلة عن هويه المتحدث كعادة الزوجات فهز اصابعه لتصمت واعاد انتباهه للمكالمة ليجيب بعد ثوان:.

-ايوه شبه ارتجاج في المخ، معايا كل التقارير، اه، اه تمام، ساعه واحده وهكون عندكم!
اغلق هاتفه فتسارعت متسائلة بفضول:
-ايه اللي حصل ارتاج ايه وتقارير ايه، طمني؟

رمش بصدمه ليقول بعدم تصديق:
-انا هاخد تعويض بسبب الحادثه!
-مش فاهمه حاجه؟
-الحج محمد بتاع قسم العماله في الشغل الله يستره لما عملت الحادثة رفع شكوي للشركة يطلب تعويض من التأمينات وهما بيتصلوا بيا عايزين كل التقارير الطبيه عشان يحددوا متوسط التعويض!
اتسعت ابتسامتها بجشع بشري غريزي قائله:
-الله، يارب يدوك تعويض حلو عشان تفكك من الشغلانه دي و تفتح اي حاجه ان شاء الله حتى محل سوبر ماركت صغير!

عض شفتيه بتفكير وضمها اليه لتجاوره وقال:
-انا لو خدت مبلغ حلو، ساعتها هجيب قطع غيار و وكروت اسانسير وبكده اشتغل نفس شغلتي و مقطعش بعيش صحابي!
استكملت بحماس و حالميه:
-وانا هقبض جمعيه كمان شهر خدها هديه مني ليك، وابدأ ان شاء الله تفضي اوده في البيت تشتغل منها لحد ماتكبر ويبقالك مكان كبير اوي وساعتها انا اللي هديروا معاك وابقي المديرة!

ضحك على حماستها وضمها اكثر لا يزال في صدمه انه سيحصل على مبلغ من الاموال بتلك السهولة فالدنيا ينطبق عليها المثل القائل (الحداية مبتحدفش كتاكيت)، رافقته الضحك وهي تستند على صدره وقد هدأ بالها وأخيراً تستطيع النوم بلا كوابيس لفقدانه، ثوان مرت قبل ان تتحدث بحماسه و غرور:
-ده رزقي انا واللي في بطني على فكره!
رمقها بطرف عينه ليقول:
-يعني مش رزقي عشان اتشلفط بيهم مثلاً!

-لا طبعا، اسكت اسكت، انت ايش فهمك انت ده ربنا بيراضيني عشان...
قاطعها بسخريه:
-عشان انتي الشيخة الخضرة مش كده، وبعدين لمي لسانك شويه انا كنت ناوي اربيكي على اللي عملتي فيا يوم امك لكن مضطر اسكت بس عشان حامل، فعامليني بأسلوب احسن من كده عشان بقيتي قليله الادب...
مطت شفتيها بدلال لتقول:
-اخص عليك، انت قلبك اسود اوي، وبعدين مش جوزي و بدلع عليه ثم انا مستخسر فيا اني احلم و اتمني يا ساتر عليك!

-احلمي يا اختي احلمي...
قالها وهو يعيدها إلى احضانه لتقول بثقه:
-هحلم و هيتحقق باذن الله!
انهت جملتها بابتسامه مشرقه وهي تستند على صدره، صحيح ان الحلم صعب التحقيق و لكنها البداية و كما كان يخبرها والدها
، فالأحلام خلقت لتتحقق،.

وكل انسان معرض لفترة ضعف، تحايله فيها رياح الضيق ثم تغمره امطار الفرج، لكن بدل من أن ينكسر، عليه الصمود و الإيمان، ولا ننسي ان وراء كل عظيم رفيق درب أعظم ضحي ليبقي في الخلفية يسانده...

تمت
نهاية الرواية
أرجوا أن تكون نالت إعجابكم
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة