قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثاني

لم يجيبها واحكم قبضته حولها فقد مر شهر تقريبا منذ ان شعر بها بجواره، ضمته أيضاً لتطالبه بتمني:
-عشان خاطري اختارني انا، لو بتحبني بلاش تدمرنا!
قبل اعلي رأسها بصمت والف فكر و فكر يدور بعقله فدفعته بحده مستنكره بهزه من رأسها:
-تمام اوي، الموضوع انتهي ومش فارق معاك اصلا، انا بتحايل عليك ليه!..
اندفعت تفتح الباب بعناد، رمقت الجميع بجمود و تجاهلت تشاحن والدتها ووالدته الذي لن يتوقف ابداً وهتفت:.

-لو سمحت يا شيخ تعالي كمل عشان نخلص، شكرا على الوقت بس الموضوع منتهي...
تابعها عبدالله بغصة في حلقه يعلم و ما ان دلفت و اتبعها الجميع حتى عاد لمقعده بصمت و عيونه ترفض الانصراف عنها، نظر المأذون لمحمود قبل ان يتنهد قائلاً:
-إذاً فليكن، انا بكده أرضيت ضميري!

اتخذ مقعده و شرع في تجهيز الاوراق و اتخاذ الاجراءات اللازمة، فركت رحمه اصابعها بقهر تحاول كبت دموعها ولكن كسرة قلبها قوية، فهو ليس زوج تقليدياً بل حب حياتها عاشت معه اسعد ايام حياتها، و معه تعلمت الحب واصول العشق رغم ان زواجهم لم يتعدى شهور قلة، والان كل شئ ينتهي و و صفحات العشق تنطوي بلا رجعه ولكن هذا افضل من العيش بمراره ان فقدته بسبب عناده لا بل يكفي انها لم تكن في المرتبة الاولي لاولياته، هبطت دموعها فمسحتها سريعا، فمنذ اليوم لن يمسحها غيرها و يداوي جروحها، فمن كان يظن ان عشقها سيكون الجرح الاكبر، و رغم عنها ارجعتها ذكرياتها إلى يوم زفافهم،.

علت الزغاريد للمرة الأخيرة قبل ان يغلق الباب بتنهيده خلف والدته و والدتها لا يصدق انه سيبقي بمفرده معها، اما رحمه فقد التفت تتابع شقتها المزينة و تمنت في تلك اللحظة وجود والدها رحمه الله، ولكن ما باليد حيله، و ربما كان حزنها و ذبولها من بعد وفاته سبباً في موافقه والدتها على زواجها من عبدالله رغم انه لا يتوافق مع المواصفات و المؤهلات الدراسية المطلوبة بالنسبة لها، ليس و كأنها من ارستقراطية البلد فهم مجرد اسره متوسطة الحال لها احلامها تتمني تحققها سريعاً، ولكنها لن تلومها فكل ام ترغب بالأفضل لأطفالها، وهي متأكدة ان زوجها قادر على كسب ودها مع مرور الوقت يكفي حسن خلقه و شهامته و حبه لها، ولا شئ اقوي من الحب كما كان يقول والدها دائما، فرطت دمعه بتمرد فسبقتها اصابعه تمسحها وقد عاد جوارها قائلاً:.

-بتعيطي ليه يا عبيطة؟ اوعي تكوني خايفة مني و النعمه اجبلك امك؟!
خرجت ضحكه صغيره وهي تمسح وجنتها قائلة:
-لا مش خايفه انا بس افتكرت بابا الله يرحمه!
قرر مشاكستها لاخراجها من اجواء الحزن فحرك رأسه غامزًا:
-مش خايفه يا سوسه وانا اللي فاكرك مؤدبه!
-ايه ده في ايه؟! ما تتلم يا راجل انت!
خرج ردها بعفويه و ذهول، فملئت ضحكته المكان قبل ان يضمها اليه يقبل رأسها ليقول:.

-ايه حرام اهزر مع مراتي! اديني فرصتي بقي انا لحد دلوقتي مش مصدق ان امك وافقت على الجوازه، ارحميني!
رمشت بحرج لتجيب:
-ليه يعني ما انت زي الفل اهوه، اصلا هي بتحبك يابني بس عندها مشكله مش بتعرف تعبر!
رمقها بطرف عينيه ليجاريها:
-على يدي ياختي!
قرصت جانبه بدلال فدفع جبينها بجبينه بخفه قائلاً:
-المهم دلوقتي احنا بنتكلم عن امك ليه معلش؟!
ابتسمت بخجل وهي تعبث برابطه عنقه سعيدة بتفادي الحديث عن والدتها لتردف:.

-انا عارفه، اسأل نفسك!
انتقلت عيناه بتوق تلتهم ملامحها، مرر ابهامه على وجهها، ومال لخطف شفيها بشغف لكنها ابتعدت بخجل قائلة:
-ااستني!
-ايه تاني؟
-احنا لازم ناكل و نصلي ماما قالت كده!
فرك رأسه و وجهه بقوه قبل ان يتنهد باستسلام قائلاً:
-اتفضلي نتوضا و ننجز بقى هاه ننجز!
حركت رأسها من اعلي للأسفل وهرعت للغرفة كي تغلق الباب خلفها، فاتبعها سريعا قائلاً وهو يمسك الباب:.

-حيلك حيلك وانا هغير فين ولا هصلي بالبدله و الشراب اللي عفن من فرهده الفرح!
انكمشت ملامحها باشمئزاز لكنه نجح في التخلص من توترها فقالت:
-بالله عليك في حد في الدنيا يبدأ حياته الزوجية بالكلام ده!
تأفف بمرح وهو يتخطاها لإحضار ملابسه ليقول:
-انجزي يا ام نص لسان غيري و خلينا نصلي عشان نبدأ الحياة الزوجية اللي قربت افقد الامل فيها دي!

وبالفعل ما ان انتهيا من اداء الصلاة حتى املت عليه وصيه والدتها الثانيه و اوصلها لمائده الطعام َلكنها لم تخطف سوي لقيمات صغيرة فقط لأضاعه الوقت، لاحظت حماسته و نظراته المترقبة لانتهائها فاحمر وجهها متسائلة:
-مش هتاكل؟
-لا شبعان، كلي بس انتِ و رومي عضمك عشان البلاوي السوده اللي هتحصل!
حمحت و ابتعلت بصعوبة لتستكمل بخفوت:
-بطل رخامه، انا اكلت خلاص!

اتسعت ابتسامته وامسك يدها يشدها و جذبها خلفه سريعاً نحو الغرفة فهتفت بتوتر:
- في ايه، براحه هتوقعني!
-ايه يا قلبي انتِ، هو مفيش ادني مشاعر!
قالها وهو يستدير نحوها بتأفف لتقول بعناد وهي تعقد ذراعيها:
-لا مفيش!
-طيب مفيش ادني احساس بالمسؤولية؟
قالها بمرح و حاجب مرفوع فكبتت ابتسامه قبل ان تجيب بذات المرح:
-تؤ مفيش!
اقترب يضمها و حرك حاجبيه بمشاكسه متسائلاً:
-طيب و كده!
ضحكت وسط محاولاتها للابتعاد مجيبه:.

-لا بردو!
حاول تقبيلها فابتعدت هاتفه:
-استني!
اعادها لأحضانه باعتراض من كلاهما تاه بين شفتيهما، طوقها بين ذراعيه بحراره و ضمها لصدره يغمرها بحبه حتى تلاطمت انفاسهم بقوه اهتياج مشاعرهم، طافت يداه تلامسا جسدها الغص الذي يثير جنونه، و شغفه، ليتوهان بمتاهات الغرام، و تقف الكلمات عاجزه عن وصف روعه طقوس عاشقان غارقان في بحور مظلمه وكلاهما للأخر طوق النجاة،.

اجفلها السيل المنهمر من عيونها واخرجها من ذكريات صارت تطعنها، غير منبهه لجوز العيون امامها والتي توازيها حزنها و تكاد تنضم إليها قهراً ليقاطعهم المأذون:
-إمضاءك اذا سمحتي!
دفع بدفتر امامها مشيرا لرقعه بيضاء فارغه منتظرة خطوط بحروف اسمها، ارتعشت شفتيها وجففت عيونها لكن دون جدوي، رفعت انظارها ترمقه مره اخيره بنظرة تملئها خيبة الامل و الضياع قبل ان تغمض جفنيها وبنفس عميق وقعت عليها...

نفرت عروقه برفض و صرخ قلبه الماً وهو يتابعها ترثي حبهم، كيف يتركها؟ كيف يستمع لها حتى وان كانت تطلب الطلاق فكل ذره بجسدها تنتفض و تصرخ بلا...

إذن هكذا يعتصر القهر القلوب، شعور موحش موجع لا يرحم، خيم الوجوم وجهه غير آبه للمأذون المتكلم معه و رفضت عيناه اطاعته والابتعاد عن صوره وجهها الحزين وبعد ثوان انتقلت عيناه إلى قطعه الورق الملقاة امامه و المحددة لمصير قلبيهما، مرر اليه المأذون القلم وارتعشت اصابعه وهو يلتقطه، علت انفاسه تماماً كأنفاسها المضطربة، ساد الصمت الحذر المكان وتأهب جسده لكل ما هو حوله حتى شهيقها المكتوم صار يسمعه، التقت اعينهم بعتاب تصرخ عيونها باتهام وتخبره بأنها تخلي عنها حين حان الوقت و لمر يرد لها ما فعلته من قبل، ليعيده قلبه إلى موقف واحد...

دلف إلى المنزل بعد يوم شاق من العمل، فاستقبلته رحمه كالإعصار الأهوج، ضحك وهو يضمها ويتراجع خطوتين من قوة هجومها قائلاً:
-لا لا متقوليش اني وحشتك للدرجه دي، ده انا متأخرتش حتى!
اجابته بابتسامه واسعه وهي تتعلق برقبته:
-لا طبعا موحشتنيش للدرجه دي!

لوي فمه ساخراً:
-طيب اكدبي عليا، اخدعيني و استغلي الموقف!
ضحكت وهي تتقافز بحماس بين ذراعيه فتساءل:
-يا ماما اهدي وبعدين طالما مش وحشك فهميني اي سر سعادتك و حماسك ده؟
-جالي وظيفه احلامي، من بكره هبقي في المركز الاداري للشركة!
اتسعت ابتسامته تدريجياً بفخر ليقول:
-يابت اللعيبة، الف مبروك!
ضمها إليه فبادلته العناق قبل ان تهتز ابتسامتها لتقول:
-انت مبسوط عشاني صح؟
اجابها سريعاً:.

-اه طبعا، أيه السؤال السخيف ده؟
-اصل في حاجه تانيه..
-حاجه زي ايه؟
ارتفع حاجبه متعجباً من توترها قائلاً:
-ماتتكلمي في ايه؟
-اصل الوظيفة في محافظة تانية، بس دي نقله كبيره لينا انا هاخد مرتب الضعف وحياتنا هتبقي احسن!
ازال ذراعيه من حولها ببطء و راقبت الجمود يغطي وجهه فأكملت بخفوت:
-هيبقي في مشكله؟
طالعها ثانيه قبل ان يخفض انظاره قائلاً:
-مش عارف، انتي رأيك ايه؟ هينفع تسافري و تسبيني هنا؟

اسرعت بالإجابة وهي تضم كفه بين كفيها:
-انت ممكن تدور على شغل هناك بردو، انت شاطر واكيد هتلاقي شغل بسرعه!
ابتسم بتهكم ليقول:
-تفتكري واحد معاه اعداديه هيلاقي شغل بالسرعة دي، انا لولا خالي معلمني الصانعه دي كان زماني ضايع، انتي فاكره ان من السهل الاقي شغل..
استدار وهو يفرك جبينه بتعب مستكملاً:.

-بالنسبه ليا شغله زي اللي انا فيها دي اعلي حاجه هوصلها، مرتب ثابت و في مكان محترم و تأمينات و كلام ولا في الشغل الحكومي، يعني لو سبته و دورت على شغل جديد عمره ما هيكون كده!
اقتربت منه تضمه وتسند رأسها على ظهره متسائلة بصوت يقطره الاسي:
-يعني مش هينفع؟

التفت بتروي يعدلها بين ذراعيه ويزيد من ضمها اليه قائلاً:
-القرار ده مش بتاعي انا مقدرش اقولك اهدمي نفسك عشاني انا عارف ان ده حلمك من يوم ما اتقدمتي على شغل الكول سنتر في الشركه دي ومقدرش اقولك ضيعيه، لكن،
رفعت وجهه تطالعه منتظره تلك اللكن فاستكمل بلهجه مهزوزة:
-لكن انا مقدرش اسيب هنا و اجي معاكي، ومش عارف هتتظبط ازاي او لو في امل تتظبط اصلا!

اغمضت عيناها و اعادت رأسها على صدره باستسلام وعقلها غارق في تحليلاته و معادلاته، وضع ذقنه على رأسها غارقاً في حزنه ان قررت الابتعاد وساد الصمت بينهما فقط دقات قلبيهما و صوت انفاسهم ملئ المكان، مر الوقت وهم على هذا الحال قبل ان يسعل بخفه قائلاً:
-انا هدخل اغير!
-وانا هجهزلك الغدا...
عرضت فأجابها برفض:
-لا انا مش جعان دلوقتي، انا هسيبك تفكري و تقرري هتعملي ايه...

لاحظت تفاديه لعيناها و لون وجهه المخطوف و بحنان عاشقه لم تتحمل وجعه، اوقفته بابتسامه صغيره راميه بالعقل وأفكاره إلى الجحيم مقرره انقاذه من اضطرابه قائلة:
-مش محتاجه تفكير اكيد هفضل هنا معاك، الشغل طالما جالي مره هيجيلي الف مره لكن انت مش هعوضك في حياتي!، كوني اني بصحي في حضنك كل يوم الصبح دي بالدنيا و اللي عليها!

اتسعت ابتسامته تدريجياً قبل ان يرفعها بين ذراعيه و يغرق رأسه في رقبتها يستنشق عبيرها وقد ملى الرضا و السكون قلبه وعاد للحياة...
قبل رقبتها مره قبل ان يتجه نحو ثغرها فيخطفها في قبله ناعمه طويلة استمرت حتى تهدجت انفاسهم، مرر انفه على جانب وجهها بتوق عاشق ليقول بصوت آجش:
-انا بحبك اوي و عارف انك احسن حاجه حصلت او ممكن تحصل في حياتي!

مررت اصابعها بين خصلاته خلف رأسه لا تزال مغمضة الاعين، وقالت بين ابتسامتها الرقيقه:
-انا بحبك اكتر!
-اقسم بالله انا اللي بحبك و بموت فيكي!
هربت منها ضحكه خافته لتجيب بنصف عين:
-عبدالله كده هقلق عليك الرومانسيه دي خطر على صحتي و هتعبك معايا بعد كده!
لامس انفها بأنفه بعشوائية اغرقتها في ضحكاتها ليجيب:
-انا اسف يا روحي اني رومانسي، بس متزعليش بعد كده وتقولي مش بتحبني!

كتم اعتراضها المرحه بشفتيه مره اخري حتى انتهي بهم الحال ككل ليله بين ذراعي الاخر بابتسامه راضيه، و قلوب مغموره بحب و اكتفاء و هناء...

-يلا يا حبيبي امضي اللي مش باقي عليك متبقاش عليه!
اخرجه من اعمق ذكرياته صوت والدته الذي استطاع لمح نبره الحزن به على حاله ولكنها تخفيه بقوه مزيفه انتهجتها وقاية من حماته العقربة على حد قولها، فهي ترغبه قويا ليس ذليلاً امام غريمتها...

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة