قصص و روايات - نوفيلا :

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

نوفيلا أسانسير للكاتبة دينا ابراهيم الفصل الثالث

-ضحكتيني و الله، امضي يا بابا خلصنا من الشبكه السوده دي!
اجابت والده رحمه بتهكم، فتجاهلها وعيناه تبحثت عن عيون زوجته امامه التي ترفض النظر إليه و جسدها ينتفض بين كل ثانيه والاخر من الكتمان، قرب القلم بأنفاس عالية، لكن دون جدوي رفضت اصابعه التحرك، حدقت به رحمه عندما طال الانتظار والتقت اعينهم ولم يخفي عليه شعاع الامل هناك و بدون اي تفكير رمي بالقلم بحده واستقام قائلاً:
-مش هطلق!

و بذلك هرع إلى الخارج، غير مبالي بالقنبلة المنفجرة بصوت والدتها العالي او والدته التي تتشابك معها دفاعاً عن حقه بزوجته و لكن صوت حذاء صغير يرعد خلفه هو ما خطف انتباهه، جذبت رحمه ذراعه تستوقفه خارج مكتب المأذون بقلب يتقافز متسائلة:
-افهم ايه من اللي بتعمله ده!
نفض ذراعه و ضغط على زر المصعد مجيباً:
-تفهمي ان انا مش هطلقك!
-يعني هتسيب شغلك؟
هتفت بانفعال مستنكره عندما طال صمته:.

-كنت عارفه انك مش هتسيبه وانا لسه على موقفي اتفضل طلقني!
قطع صوتها العالي و اجابته الحانقة صوت صفير يعلن عن وصول المصعد، فاستكملت:
-بقولك طلقني!
-وطي صوتك احنا يعتبر في الشارع
قالها وهو يضغط على ذراعها بغضب فاستكملت بنفس النبرة:
-مالكش دعوه، انا حره!
جز على اسنانه قبل ان يفتح المصعد ويدلف جاذبًا اياها خلفه فاعترضت:
-سبني متعصبنيش!
ضغط اول طابق بغضب ليتحرك المصعد و يقول:.

-عايزه ايه بقولك مش هطلق انتي مش بتفهمي!
دفعته وهي تحبس دموع الغضب لتجيب:
-ايوه مش بفهم والدليل اني اتجوزتك!
ضحك بتهكم ليقول بلا مبالاة:
-ماشي!
صفر المصعد ما ان وصل للطابق المنشود فأسرعت بضرب رقم أخر طابق مانعه اياه من الهروب، بالفعل تحرك المصعد لأعلي مره اخري وسط استنكاره لتصيح:.

-هو ايه اللي ماشي، بقولك طلقني انا لايمكن اعيش معاك وانت بتشتغل و متعلق بين السما و الارض، مش عايزه احبك و اصحي من نومي يقولولي مات!
-انتي اتجنيتي خلاص هتكفري، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، متفتكرنيش عبيط انا عارف ان امك اللي متخنه ودانك و مطوعاكي لكن فوقي بقي من الهبل ده!
هز جسدها غير مبالي بذراعه المتألم فقالت بضعف:.

-انا هبله يا سيدي، انا وحشه، لكن عارفه نفسي مش هقدر اعيش في أرق وقلق طول حياتي، لو بتحبني بجد طلقني!
اقترب يحتضنها فمدت ذراعيها تمنعه ولكنه اقترب رغماً عنها ليقول:
-افهميني ده شغل زي اي شغل في الدنيا يعني ممكن اشتغل على مكتب والسقف يقع على دماغي، دي اراده ربنا، انتي مؤمنه مينفعش تفكري كده حتى!
حاولت دفعه قائلة بلهجه مستهجنه:.

-و ربنا مقالش ارموا نفسكم في التهلكه و ربنا بردوا قال عيشوا بالمعروف وانا عمري ما هرتاح طول ما انت في الشغل ده، يا اخي كفاية انك كاسر نفسي و خاطري بتفضيلك لماديات عليا!
جز على اسنانه و انكمشت ملامحه بألم عندما اشتدت اصابعها على كتفه المصاب فتراجعت سريعا تبعد يدها قائلة:
-شفت، انا بتوجع في قلبي عشان انت بتتوجع، يعني انا هموت لو جرالك حاجه، انت حبك لعنه وانا عايزه انقذ نفسي منها!

تجاهل آلام كتفه واندفع بكل جسده يحصرها بين جدار المصعد و صدره، في الوقت الذي قرر المصعد الوصول للطابق مطلقاً صفيره المميز، فاندفع كفه بلا تفكير يضغط زر الهبوط ليقول بصوت غلبته المشاعر وهو يضع شفتيه على جانب وجهها:
-زي ما انا هموت لو سبتيني، ماهي دي لعنه بردو، انتي سارقه الحياه و النفس مني في بُعدك وانا عايش!
بكت رحمه باستسلام لتردف:.

-انت كداب، لو زي ما بتقول كده كنت اخترتني انا على اي حاجه في الدنيا!
قبل رموشها المبللة و رفع ذقنها رغم عنادها قائلاً:
-انتي اللي مش فاهمه اني ولا حاجه من غير الشغل ده!
علت انفاسها لقربه و هجوم شفتيه الناعم على بشرتها لكنها أكملت:
-زي ما انا ولا حاجه من غيرك، شوفت الفرق بين حبي و حبك ده لو كان موجد في قلبك!

قبل زاويه فمها ليطلق المصعد صفيره و كالعادة اسرعت يداه لإطلاقه من تلقاء نفسها قبل ان يغطي شفاها بشفاهه بجنون، و شراسه اذابتها بين ذراعيه، امسكت ياقته تقربه منها بشوق وهي تجذب نفس جميع محمل بعبق رائحته الرجولية، تحاربه في السيطرة على تلك القبلة و كل منهما يحاول اثبات حبه الاكبر للأخر...

في نفس الوقت بالخارج علا صوت احد السكان وهو ينادي حارس المبني الذي كان يصعد و يهبط بلا هوادة لا يدري ما يفعله لإيقاف المصعد الذي لا يتوقف وجن جنونه حتى انقطعت انفاسه:
-يا مرزوق هو في ايه بالضبط، الاسانسير متعطل بقاله ربع ساعه انا مش هطلع حداشر دور على رجلي...
اجابته المسكين بأنفاس متقطعة:.

-والله يا سعادة البيه انا اتقطع نفسي طالع نازل مش ملاحق اوصل للي بيلعب في الاسانسير ده و خايف يكون عيل صغير...
علا صوت نسائي من الطابق الخامس حيث مكتب المأذون فقال الساكن:
-اطلع شوف الصريخ اللي فوق ده يمكن المصيبة دي تباعهم، اتصرف يا مرزوق انا قرفت!
-حاضر، حاضر...

قالها بذعر وهو يصعد للشيخ صلاح خوفاً من ان يطرده السكان بسبب الاهمال إن كان طفلاً صغيراً، و ما أن وصل حتى رأي المصعد يهبط بجواره فلعن في سره حتى وصل إلى مصدر الضجيج فتساءل:
-حصل ايه يا مولانا!
-مفيش يا عم مرزوق، شجار بين اطراف الطلاق...
قال صلاح وهو يحاول التفريق بين السيدتان المشتعلتان وكلاهما ترغب في قتل الأخرى، عاد المصعد للصعود بجواره فتساءل بملامح منكمشة:.

-ابوس ايديكم قولولي مين بيلعب في الاسانسير!
اجابه محمود المطحون في المنتصف بين والده رحمه و والده صديقه:
-معلش يا باشا، ده واحد و مراته بيتصالحوا!
-يا مرزوق!
علا صوت الساكن من اسفل فهرع وهو يلعن اليوم الذي جاء به للعمل هنا متمتماً:
-الله يحرق مرزوق على اللي اخترع الاسانسير...

في الداخل كان الاثنان في حاله يرثي لها من المشاعر لا يدريان متي معني الاكتفاء من الاخر او قطع قبلتهم التي تحولت لصراع بين الأحبه، رن انذار الخطر بعقلها وهي تستشعر اصابعه الخشنة تلامس نصف جذعها الشبه عاري فضمت بلوزتها رغم اعتراضه تحكم اغلاق ازرارها بينما تركته ينهال من رحيق فمها كما يشاء متناسيان المصعد للحظه واحده ولكنها كانت كافية ليفوت الاوان!

-انت يا زفت، طلع في ايه مجنن الاسانسير كده؟
قال الساكن بغضب ليجيبه حارس البناء:
-ده واحد و مراته بيتصالحم يا باشا!
رمش الرجل بذهول ليجيب:
-بيصالحها ازاي؟ وفين في الاسانسي؟! خلاص ضاقت بيهم الدنيا!
احمرت وجنتي مرزوق و اجابه مدافعاً:
-دول بيتخانقوا ربنا يهديهم و يبعدهم عننا!
لوي الرجل شفتيه و كاد مرزوق أن يستكمل دفاعه قبل ان يقطعهم وصول المصعد امامهم أخيراً و تلك المرة توقف بالفعل وانفتح الباب!

تجمد عبد الله و رحمه ونظرا بجوارهم بصدمه للرجال المحدقين بهم بذات الصدمة، ...
فتسمرت غير قادره على دفع جسده الملاصق لجسدها بمجون،
مرر الساكن عيناه عليهما من اعلي لأسفل متوقفاً عند وجهيهما الاحمر و الملطخ بأحمر الشفاه في بعض المناطق قبل ان ينظر لمرزوق بجواره ساخراً:
-الخناقات اتغيرت اوي يا جدع!
اخفاها عبدالله خلفه بحرج حتى تعدل من ذاتها ثم قال بكل عفوية:
-طبعا انا لو حلفتلكم انها مراتي مش هتصدقوني!

لوي الرجل شفتيه بسخريه بينما جحظ مرزوق عيناها، فدفعته رحمه معلنه انتهاءها، امسك يدها وتخطاهم سريعا، و ضرب الرجل كف على كف و كأنهما مراهقان تم القبض عليهم بالجرم المشهود و ليسا رجلاً و زوجته!
كادا ينجحا في الهروب من المبني أجمع ولكن صوت صراخ والدته الحاد اوقفه، عادا للداخل فوقف مرزوق امام المصعد متأهب للمحاربة و لكنها استخدما الدرج دون النظر إلى وجهه المستنكر!

وصل عبدالله اولا ليجد والدتها تخنق والدته بحجابها و الثلاث راجل يبعدون تلاحمهم دون جدوي، اقترب يدفعها بعيداً عن والدته ليصيح:
-ايه الجنان اللي بتعملوه ده طيب احترموا اننا في الشارع و وشط ناس فضحتونا!
صعدت رحمه لتجده يصيح بوالدتها المنزوية بالحائط والتي ما ان رأت ابنتها حتى انهمرت ببكاء مزيف قائلة:
-شوفتي اللي كنتي بتعيطي عشانه وهتموتي عليه بيزوق امك و بيمد ايده عليها ازاي!

اتخذ خطوه مهدده تجاهها بذهول هاتفاً:
-انا مديت ايدي عليكِ، عيب تبقي ست كبيرة و في السن ده و تكذبي!
اوقفه جلال و محمود وكلاهما يتحدث لتهدئته فجاءته الرد من رحمه التي هتفت:
-احترم نفسك لو سمحت ومتكلمش امي كده!
-انا محترم غضب عنك!
صاح بغضب فجذبتها والدتها نحو الدرج هاتفه بشر:
-ما تعليش صوتك عليا انا وبنتي ولا عشان ستات لا يا حبيبي فوق لنفسك...
حاولت رحمه تهدئتها لتصيح بها:.

-بس اخرسي وليكي عين تتكلمي مش كفاية مجايبك السودة من الاول، هي كلمه واحده اول ما تطلقي منه تتجوزي سعد ابن خالتك ده برقبة عشره زيه!
صعقته كلماتها فدفع عبد الله بأصدقائه و تبعهم يوقفهم بصوت ارعد المكان:
-سعد ده ايه اللي تنجوزه يا وليه يا مجنونه دي مراتي ولسه على ذمتي!

انفعلت رحمه التي اصبحت منقسمه بين غريزة الابنة التي تناصر والدتها و غريزة العاشقة التي تحارب لنصر عاشقها ولكن الأبنة انتصرت بقله حيله حينما اعلنت تصديها لأهانته بإهانة مماثله:
-انت قليل الادب، واضح ان اختياري من الاول كان غلط بجد...
صعق لثوان قبل ان يقابلها بتلك بنظراته المرعبة ليقول بتهكم:
-تصدقي صح، و عارفه ايه كمان، انا قدرك الاسود و طلاق مش هطلق واعلي ما في خيلك اركبي أنتِ، وامك!

علا صوت والدتها بكل ما تعرفه من اهانات لم تتوقف، فتجاهلها و جذب والدته معه للرحيل ثم اجابها وهو على اول الدرج:
-انا مش هرد عشان شكلك خرفتي على كبر، يا شيخه كفايه خراب ارحمينا!

اختفي بذلك عن انظارهم فضغطت رحمه بكفيها على عيناها قبل ان تنهمر في البكاء، تشعر بالضياع رجعت لخانه الصفر بعد أن كان عذابها سينتهي، خطوه واحده كانت تنقصها، حتى انها شعرت بزوال الغيمة بينهم و كادت تتذوق طعم السعادة على طرف لسانها ولكن على ما يبدو فإن القدر يرفض تلاحمهم و العودة سوياً، ضمتها والدتها تربت على كتفيها لتقول:
-ولا يهمك منه بكره هيطلقك و رجله فوق رقبته وهجوزك سيد سيده!

هزت رأسها بالنفي لتتمتم بخفوت:
-انا بحبه يا ماما و مش عايزاه يطلقني ولا عايزه سيد سيده انتي ليه بتعملي كده!
شهقت والدتها مستنكره:
-نهار ابوكي اسود دلوقتي انا الغلطانه يا بت و انا اللي خاربه عليكي والله عال يا ست رحمه!..

تركتها بغضب فمسحت الابنة دموعها بتعب، انتبهت اخيرا لوجود المأذون و محمود اللذان يتابعانها بشفقه، فرفعت انفها بتكبر و اتبعت والدتها بخطوات واثقه وقلب يصرخ الماً، وبعقلها الف سؤال و سؤال...
كيف تتعامل مع أمها كي ترضيها وتقنعها بأنها غيرت قرارها حتى لا تزيد من صب البنزين على النار؟
كيف تمحي اهانتها واهانته؟
فهي لا تستطيع ان تقلل منها امام الجميع كما لا تستطيع ان تتركه وتعيش بدونه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة