قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية يوميات مرام وسعيد للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية يوميات مرام وسعيد للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

رواية يوميات مرام وسعيد للكاتبة شاهندة الفصل الثامن

بالنسبة إلي...
مواقع التواصل الإجتماعي بتطبيقاته المتنوعة لم تكن أبدا أماكن للتسلية وتضييع الوقت بل إنها حياة تنبض وأنا بداخلهم أحيا، أدلف إليهم كل صباح ومساء أتنقل بين أروقتهم.

أقضي بعض الوقت على صفحتى الشخصية (الفيس بوك)ثم انتقل إلى الماسينجر وفي بعض الأحيان لا أفعل فتلك الرسايل الكثيرة التي لا هدف لها تصيبني بالملل، يرسخ لدي اعتقاد أن تطبيق الماسينجر كالواتس تماما للرسائل المهمة فقط ولكن الكثيرون حولوه لتطبيق لا فائدة منه مطلقا. المهم بعد ذلك أذهب إلى تطبيق الواتس آب والذي أضع عليه قصصى التي لم أنشرها بعد والمحادثات الأقرب إلى قلبى وأخيرا إلى تطبيق الواتباد لأطمئن على متابعيني.

كنت دوما أشعر بأننى لا أستطيع الحياة دون الدلوف إلى تلك المواقع وأننى سأصاب حتما بالجنون إن إختفت. فمن يستطيع العيش مع (سعيد) وأطفاله دون أن يبتعد داخل هذا العالم الافتراضي الجميل الذي أتحدث فيه مع أصدقائى الرائعات؟ أو أقرأ به بعض القصص والمنشورات التي تأخذ أفكارى ومشاعرى السلبية وتلقى بها في سلة النسيان على الفور لتملأنى طاقة إيجابية أعشقها أو لم أخبركم أن لدي أفضل صديقات بالعالم اللاتى يكفى تعليق واحدة منهن ليحملنى إلى جنة السعادة في ثوان.

لكن للأسف وبالفعل حدث ما كنت أخشاه.

مرضت لمدة عشرة أيام إبتعدت فيهم مضطرة عن إمساك هاتفى والدلوف إلى تلك المواقع. شعرت ب(سعيد) يطير فرحا ولولا اننى أوقن من أنه لا يضمر لى سوءا لظننت أنه دعا الله أن أظل مريضة حتى لا أدلف إلى الإنترنت مجددا ولكننى شفيت برحمة من الله لأعود فرحة إلى مواقع التواصل خاصتى أتنقل بينهم بنشاط، أعلق على هذا المنشور وتلك الرسالة وأشكر من سأل عنى طوال فترة مرضي وأعدهم بتواجدي وتنزيل حلقات قصتى الجديدة في أقرب وقت لينتعش قلبى كالعادة بتعليقاتهم الرقيقة وأستمد تلك الطاقة الإيجابية من جديد. وإذا بى أفاجأ بقطع النت عني في اليوم التالى.

جننت حقا وصرت أحادث نفسي وأتساءل. ماالذى حدث؟ التوصيلات سليمة. الجهاز ولا أروع. شبكته حتى آخرها. دفعنا الإشتراك منذ خمسة أيام. إذا ما المشكلة؟ إتصلت ب(سعيد) على الفور. أبكى قائلة: إلحقنى ياسعييييد.
ليقول (سعيد) بجزع: خير يامرام. حد من الولاد جراله حاجة؟
ازددت بكاءا وأنا أقول: ولاد إيه بس؟
قال (سعيد) وقد بلغ منه القلق أقصى مداه: طيب بابايا كويس؟

مسحت دموعى بكفى كالأطفال وأنا أقول بصوت متهدج: باباك كويس الحمد لله. مفيهوش حاجة.
ليقول بحدة: أمال فيه إيه. مالك. بتعيطى كدة ليه؟
لأقول بصوت تقطر المرارة منه: قطعوا النت يا(سعيد). أنا عايزة النت. مليش دعوة.

واجهني الصمت للحظات ثم سمعت تلك النغمة التي تعلن عن إنقطاع الإتصال لأترك الهاتف وأنا أجلس على المقعد أقول بألم: طبعا ولا همك. ده مش بعيد دلوقتى تكون بترقص من الفرح. ماانت مش عارف ان النت بالنسبة لي حياة وهو اللي مصبرني عليك ياسعيد، طب قسما عظما إن ما شفتلى حل وجبتلى النت ما أنا قاعدة في البيت. هه.

إنتظرت مجيئه بفارغ الصبر وقلة الحيلة حتى جاء الليل أخيرا وأنا أحترق غيظا حتى دلف زوجى إلى المنزل رافعا حاجبه الأيسر وهو يرانى في جلستى المتأهبة ليعلم أن العاصفة في الطريق. لم يأبه كعادته فوقفت واتجهت إليه قائلة: عملت إيه ياسعيد؟
لينظر إلى قائلا في برود: عملت إيه في إيه يامرام؟
قلت له بغيظ: في النت طبعا. سألت الشركة النت مقطوع ليه؟

إتجه إلى حجرة النوم يضع هاتفه ومفاتيحه على الكومود ببرود. لأسرع وأقف أمامه قائلة: رد علية. كلمتهم؟
لأ.
قلت بحدة: ليه بس؟
قال بحدة مماثلة: وطى صوتك يامرام.
نظرت إليه ولم أنطق بكلمة. ليردف بهدوء: اللى عرفته إن فيه قلق في البلد وعشان كدة قاطعينه.
قلت بغيظ: ويقطعوه ليه. ذنبنا إحنا إيه؟
ليشير إلى قائلا: قلتلك وطى صوتك. وبعدين الكلام ده بينى وبينك محدش يعرف بيه. إحنا مش ناقصين والشارع كله ملغم.

نظرت إليه ببلاهة قائلة: ملغم إزاي يعنى؟
نظر إلى بغيظ قائلا: إمشي من قدامى يامرام الساعة دى.
اتجهت بالفعل للخارج ثم توقفت لألتفت إليه قائلة بحزن: طب والقلق ده هيخلص إمتى؟

حدجنى بنظرة غاضبة لأمشى من أمامه أجرجر أذيال الخيبة. لا أدرى إلى متى سأظل هكذا بلا إنترنت خاصة وأن شريحتى لا تستقبل باقات الإنترنت وعندما طلبت من (سعيد) أن يأخذها للشركة ويرى ما بها ظل يتحجج بأسباب واهية. بالطبع. فأي شئ يحول دون أن أمسك هاتفى وأتصفح الإنترنت يسعده بالتأكيد.

مرت الأيام كئيبة بطيئة. كتبت فيها عشرات الخواطر. مزقت بعضها وإحتفظت بالبعض، ذاكرت لأطفالى للمرة العاشرة، حتى القهوة التي أعشقها أقلعت عنها. فيكفينى ماأعانيه من حرق الدم، فلا داعى لرفع الضغط أيضا.

أما زوجى فيعيش حالة غريبة من السعادة وهو يرى هاتفى دائما على جنب وليس على الشاحن كلما دلف إلى البيت، يدرك بالطبع أنى لم أستخدمه ولا حتى لصنع تلك الفيديوهات الداعمة لقصصى. لم أهتم بحالته تلك فقد ضقت ذرعا بهذا السؤال الذي شغلنى في تلك الفترة وأجده دائما في بالى وعلى لسانى أسأله لزوجى في الصباح وفي المساء.

هل إنتهى القلق؟ ليهز رأسه نفيا ويرفع كتفيه بقلة حيلة مصطنعة تكشفها إبتسامته التي تجعلنى أدرك كم هو سعيد بقطع النت عنى.
طبعا فهو يدلف إلى النت يوميا من خلال باقته ولا يهتم بى قيد أنملة. لتخطر ببالي فكرة إن نفذتها بشكل صحيح فستنتهى تلك الغمة قريبا. قريبا جدا.

فى الصباح بحث زوجى عن هاتفه كثيرا فلم يجده. لأخبره أنه قد تأخر بالفعل عن عمله وأننى سأبحث له عنه وعندما سأجده سأحتفظ له به. أسرع بالمغادرة حانقا بينما إبتسمت أنا بخبث وأنا أذهب إلى حيث خبأته بعناية في جوف الليل في تلك الطنجرة بالمطبخ، أخرجته وفتحت الباقة ثم دلفت إلى الإنترنت بشوق لا مثيل له أنهل منه ما أشاء طوال اليوم، أحادث أمى وأختى وصديقاتى. حتى هؤلاء اللاتى انقطعت عنهن منذ زمن بسبب إنشغالى بالكتابة. حادثتهن(مخليتش حد مكلمتوش)إلى أن وجدت رسالة تخبرنى بنفاذ الرصيد وقد كان رصيدا كبيرا شحنه منذ يومين فقط. هل أكتفى بذلك؟ أبدا. ذهبت لهاتف إبنى الأكبر(عادل) وفعلت المثل.

فى المساء. جاء زوجى فمنحته الهاتف قائلة أننى وجدته على الأرض بين الحائط والسرير وأن عليه ألا يضعه تحت وسادته مجددا كما أخبرته مرارا وتكرارا. ثم اتجهت إلى المطبخ لأحضر له العشاء. إنتظرت دقيقة واحدة لأسمع صوته الجهوري وهو يقول: مرام. يامراااااام.
إبتسمت في خبث لأمحى تلك الإبتسامة وأنا أخرج إليه ببراءة مزيفة قائلة: أيوة ياسعيد. خير بتزعق كدة ليه؟

قال (سعيد) بغضب: الباقة خلصت وأنا لسة شاحن من يومين ده أنا لو بتكلم ال 24 ساعة متخلصش. راحت فين دى؟
هززت كتفى قائلة ببراءة مزيفة: مش عارفة ياسعيد. أنا لقيت فونك فاصل شحن ويادوبك شحنته إنت جيت.
لأعقد حاجبي فجأة وأنا أتلفت يمينا ويسارا قبل أن أقترب منه قائلة بهمس وكأن ما سأقوله سر حربي: تفتكر الشركة سرقت الرصيد. يعملوها طبعا ويستغلوا ان إحنا في وسط قلق ومحدش هيسأل.

ليقول بغضب: مين ده اللى مش هيسأل. ده أنا هروح بكرة وأشوف ودوا الباقة بتاعتى فين.
قلت بخوف مصطنع: وماله ياأخويا بس خد بطاقتك معاك وروح مع حد من إخواتك. إنت مش ضامن اليومين دول فيهم إيه. وخصوصا بدقنك دى.
ليمسك ذقنه دون وعي. وهو يفكر لثوان ثم يقول: وعلى إيه؟ هي ناقصة قلق. ربنا يعوض علية بقى.
قلت بهدوء ولكننى ارقص فرحا بالداخل: عين العقل ياحبيبى. عين العقل.

لينتفض (سعيد) فجأة على صوت إبننا الأكبر. وهو يقول: بابا. يابااابا. أخدوا رصيدى.
لينظر سعيد إليه (بصدمة) بينما تصنعت الحزن قائلة: إنت كمان ياحبيبى.
استدرت أمنحهم ظهرى وأنا أردف: أما أروح أكمل تحضير العشا. مع إنى مليش نفس للأكل بس هعمل ايه لازم ناكل ولا مهناكلش بسببهم يعني.

ابتعدت وأنا أبتسم. فلقد شفيت غليلى ولو لمرة واحدة من (سعيد) وعدت ولو ليوم واحد إلى أحبتى. ربما أصبح اليوم يومان. ثلاثة. عشرة. حتى ينتهى هذا القلق المزعوم أو على الأحري حتى يستسلم( سعيد) ويذهب إلى الشركة ينهيه بنفسه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة