قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية وللرجال فيما يعشقون مذاهب للكاتبة نور إسماعيل الفصل الأول

رواية وللرجال فيما يعشقون مذاهب للكاتبة نور إسماعيل الفصل الأول

رواية وللرجال فيما يعشقون مذاهب للكاتبة نور إسماعيل الفصل الأول

بقرية المطاعنة الاقصر
جلبة حادثة بالمنزل، ثمة فتيات تهرول هُنا وهناك، وصوت صراخات عالية لاحداهن
وسيدة مُسنة تصعد الدرج بعكازها تتوكأ عليه حتى تصل إلى الغرفة..
چرى إيه يا عظيمة ماتمسكى روحك شوى، ولدى عبداللاه راح يچيب الداكتور من الأقصر وهيعاود بيه
وهي اول ولادة ليكِ يا حزينة!
كانت تصرخ عظيمة وتمسك ب أعمدة الفراش بقوة وهي تبكِ وتقول بصوت متهدج
صعبة جوى المرة دى، شكلى هموت يا تحية، ياااااارب.

كانت تهدهد تحية صغيرها المسنود على أحد أكتافها وقالت بضيق
أنا مش عارفه عبداللاه ليه محكم راسه تروحيش مستشفى، مانا ولدت عمّار ولدى هناك من شهرين وادينى زى الفُل
نظرت السيدة المُسنة الى تحية وقالت وهي تتلوى بشفتيها ساخرة
عشان كل مرة تجيبي له عيّل وتولدى فالبيت كان يموت يافقرية، هاتى الواد وروحى شوفيلها هبابة كوباية جرفة تشربها تساعدها فالطلق.

شعرت تحية بالضيق مما قالت حماتها الحچة دهب ولكنها اعتادت على هذا الأمر، ناولت لها الصغير عمّار وخرجت تصنع كوب من مشروب القرفه الدافئ..
وعلى الناحية الأخرى، كانت ترتدى أم زكريا جلبابها وطرحتها وهي تصيح ب أولادها ف دلف إليها زوجها
رايحه فين يا ام زكريا
هعدى على هناء مرت اخوك ورايحين ل مرت عبداللاه بتولد وراحوا من بدرى يچيبوا الداكتور ولسه معاودش
م كان وداها مستشفى، عبداللاه دا فقرى.

رفعت أم زكريا طفلة صغيرة وحملتها وهي تتحدث
هاخد حفصه معاى، لا تجعد تبكى وتخوت راسك هنيتى
اخذ الاب منها الطفلة وقال ب انزعاج
سيبي حفصه، حريم ورايحين لواحدة عتولد، البت ام ٣سنين تدعك وسطيكم هناك
طب أنا مش هتأخر، سلامو عليكم..
وعلى الفور كان الجمع هناك يأخذ ب أزر عظيمه وحولها فتياتها السبع يبكون من هول التعب والارهاق التي تراه والدتهم في ولادتها هذه المرة..

اه ياخوفى تيچى بت تامنه، خلفتك بنات كُلها، النبي لاخليه يتچوز عليكِ ياعظيمه لو طلعت بت.

نظرت تحية إلى الحچة دهب ومن ثم تحدثت سميحة الفتاة الكبرى ل عظيمه ب ضيق ترد على جدتها
جدتى مش وقته، أمى عتموت جدامك ايه الكلام ديتى
حاولت هناء تهدئة الوضع وقالت
تجوم بس بالسلامة، استغفرى ربنا ياعظيمه زمان الرچالة على وصول وتجومى بألف سلامة
نظرت الحچة دهب إلى هناء وقالت بطريقتها الساخره
عجبال لما ربنا يعوض عليكِ ياهناء ياخيتى، ٨ سنين كنو ومفرحتيش درويش بهبابة ضفر عيل.

ترقرقت دمعة ب عين هناء وقالت
كُل الل عاوزه ربنا خير يا حچة دهب
إدعى ياعظيمه لهناء جولى يعوض عليكِ يارب، وإدعيلى يخلى لي ولدى عمار وميروحش منى
وأخاوية يارب
دلفت شيماء الفتاة الوسطى إبنة عظيمة وهي تلقط أنفاسها
الدكتور چه ومعاه ابوى وعمى عبدالرحمن
دلف الطبيب ومعه الممرضه وطاقم مُعداته، وأغلق الباب وبعد وقت ليس بكثير سمعوا صوت الطفل.

وقفت الفتيات السبع خائفات على روح والدتهم، بينما كان عبداللاه زوجها يترقب طلوع الممرضه كى تخبره نوع الطفل هل فتاة ككل مرة؟
بعد وقت، خرجت الممرضه تحمله وهي تقول ب استبشار
مبروك ي حج ولد
اتسعت عينى عبداللاه، وقام باحتضان اخيه عبدالرحمن وتعالت زغاريد الفتيات إخوة الصغير
وقام ب حمله وهو ينظر إليه ب حميمية شديدة ويضمه إلى صدره بقوة
ويهمس له بالتكبير في أذنيه فيربت أخيه عبدالرحمن على كتفه ليقول
هتسميه إيه؟

نظر عبداللاه إلى المولود وقال بابتسامه
هسميه وليد، على اسم اخوك وليد الله يرحمه!
الف رحمه ونور تنزل عليه، ربنا يباركلك فوليد ي ابو وليد ويجعله سند ليك ولاخواته يارب
خرج الطبيب وقد تحدث بجدية معهم
الحمدلله العملية بخير وام المولود بخير، حمدلله عالسلامة
انا هدبح عِجل ياعبدالرحمن، حلاوة مجية وليد
إدبح ياخوى مبروك ماچالك ي حبيبى.

لقد چاء المولود الذي طال إنتظاره، الولد! بصعيد مصر يقدسون خِلفة الذكور
كثيراً، يروها أنها العٌزوة والسند وتخليد لإسم عائلته..
ذُبح العجل وتم توزيعه لفقراء قريتهم، ف عائلة الحج عبداللاه والحج عبدالرحمن أخيه من أكابر عائلات قرية المطاعنه بالأقصر، لديهم من الأراضى والحقول والدور والمبانى والثروة الكثير
وعائلاتهم كثيرة وكبيرة..

وتمر الأيام والشهور بل والسنوات، ليستمع الله لدعوة عظيمه وتحمل هناء بعد مرور السنوات وهي عقيم
لايحمل رحمها طفلاً! كانت فرحة درويش زوجها عارمة فهو يُحب زوجته كثيراً وبرغم عدم حملها لم يتزوج ب أخرى او فكر حتى ب أن يُطلقها.
ولدت بت!
انطلقت الكلمة من فم تحية وهي تُخبر عظيمة ب ميلاد هناء ف أردفت إليها عظيمة
طيب أنا چاية معاكٌ، هناخد وليد معايا
ماشى وانا چبت عمّار بنسيبوش وحده فالبيت.

بعكازها سددت الحجة دهب ضربة بقدم عظيمه وقالت
طالعين انتوا الاتنين وتسيبونى فالبيت وحدى ياك
تعجبت عظيمه وقالت
ما البنات فالبيت ي حجه وأحنا مش هنتأخروا بس نتطمن على هناء والمولودة وراچعين
لاه، واحدة تجعد فيكم، أومال ايه حريم مالهاش كبير ياك.

أومأت تحية ب رأسها وقالت ل عظيمه
خلاص روحى إنت وخدى عمّار معاكِ هو ووليد وأنا ابجا اروح لها يوم تانى.

ايوة ياماى يالا نروحوا نشوفوا النونو
قالها وليد ذا عمر السبع سنوات بعفوية بريئة ف ضحكت عظيمة وقالت له
تعالا عشان لو طلعت حلوة زى أمها هچوزهالك
لاه، ناخدها أنا، وليد عنده بنات كاتير وانا وحدى
قالها عمّار وهو يلكز وليد بصدره بقبضه يده الصغيرة فضحكت السيدات، وهمّت أم وليد واخذت عمار ذاهبة لمقصدها.

كانت تراقب حَفصة المولودة وتمرر أصابعها على وجهها الناعم برفق ف تناديها والدتها
حَفصه بتعملى ايه؟
حلوة جوى حَبيبة ياماه
تبسمت السيدة وقالت
شبة هناء مرت عمك، يالا عشان الحريم چاية وساعدينى
حاضر
دلفت السيدات للمنزل ووسط المُباركات والحديث عن الولادة وآلام الولادة وماحدث بيومها، كان الطفلان عمّار ووليد يداعبان الصغيرة
حلوة جوى يا عمّار صح
عبس عمار بطفولة وقال
تجوليش عليها حلوة
ليه
عشان أنا هتچوزها.

ضحك وليد بمكر وقال عابثا عمار كعادته
أنا الل هتچوزها، أنا اطول منك
اسكت يا وليد هضرُبك
ضحك وليد ساخراً مرة أخرى وقال وهو يخرج لسانه إلى عمار
طب اجولك، نسيبها لما تكبر وهي تجول تتچوز مين فينا
قام عمار ب إزاحة وليد من طريقه وقام بتخبئه الصغيرة بجسده وهو يتحدث
بَعّد عنى عاوزش أكلمك، كُنت عاوز أمى تاچى معانا وتشوفها حلوة ازاي بس جدة دهب رضيتش
لوَّح وليد بيده وقال بعدم اكتراث.

خليها جدة دهب تضايجنا كدا على طول، أنا اصلا عاوزها تروح النار
على عبوسه عمّار ينظر إلى حبيبة ف تابع وليد
طاب خلاص تزعلش، بص فتحت عنيها!
نظرا الاثنين إليها ولعيناها الساحرتان الصغيرتان، كان عمّار يداعب أصابعها بأصابعه
بينما كان وليد يهمس في أذنها بطفولة حتى دلفت والدة حفصه وحملتها وأعطتها لوالدتها
تقوم ب إرضاعهاوهى تقص قصة إسمها على السيدات المُهنئات.

أنا الل سميتها حبيبة، أبوها جالى الل عاوزاه ياهناء لما عرفنا أنها بنت.

قالت إحداهن وهي تتغامز للاخرى
ومزعلش ياخيتى لما طلعت بت! تزعليش منى يعنى يعد السنين دى كلها وفالاخر تچيبي بت مش واد!
كانت ستتحدث هناء ف قالت عظيمة مدافعه عنها
الل تچيب البت تچيب الواد ياخيتى، وبعدين مانا عندك چبت ٧بنات وبعدهم ربنا كرمنى ب وليد
قامت إحدى السيدات الاخرى المُهنات بالاقتراب من هناء وهي تحمل الصغيرة ووضعت لها مبلغ مالى وهي تقول مبتسمه.

ربنا يخليهالك وتخاويها، البت حتة من القمرة، داريها من العين لا تتحسد.

كانت تنظر هناء إليها بفرحه وهي تقبل أصابعها الصغيرة، نفس النظرة التي يغمرها الفرح بعد اعواااام
وهي تمشط شعر حبيبة وهي تجلس أمامها وتغنى لها
الله أكبر على شعر بتى، الله أكبر على حلاوة بتى
كانت تضحك حبيية وتقول بصوتها الطفولى الرقيق
شعرى أحلى ولا شعرك ياامى؟
لاه شعر حبيبة طبعا
ضحكت السيدة ومن ثم شعرت بوخزة ف أمسكت بطنها وتألمت على فجأة ف إنتبهت حبيبة وقالت في هلع
ماما، ماما.

خرجت حبيبة مُسرعه إلى والدها بالخارج وقالت متلعثمه
ابوى، امى بتبكى وعيانه چوا.

هرول درويش إلى هناء ليجدها تصرخ من الألم وعيناها تسيل دموعها
مالك يا هناء، ايه فيه
مخبراش يا درويش، مغص وألم مش جادرة
طب يلا البسى نروحوا نكشفوا
مش لازم، هاخد المسكن وهبجا زينة على طول بييچينى الالم وبيروح بالمسكن
وه! من بدرى تعبانه ومتجوليش ليا؟ طب جومى جومى يالا هساعدك تغيرى هدومك وهنروحوا للداكتور دلوك.

أخذها إلى الطبيب، طُلب منه الكثير من التحاليل والأشعة، ومن طبيب لآخر وسط دوامة لا أحد يعلم مابها
وماتشكو منه، بدأت بشرتها في الشحوب، اصبحت لا تحتمل الطعام ولا رائحته
تراقب حبيبة بعيناها الأمر، من الصعب على طفلة بعمر الست سنوات مثلها تفهّم الأمر، لكن ماكنت تعرفه هي أن والدتها تعانى وأن هناك وخزات بقلب حبيبة كلما تأوهت والدتها!

قُدمت الصينية موضوع عليها أكواب الشاى أمام الجالسين الحج عبداللاه والحچ عبدالرحمن ودرويش والشيخ محسب ودوريش، اولاد العمومة يلتقون يومياً ب بهو المنزل اسفل وما يطلق عليه ب لكنة الصعيد المندرة
ف يتعالى صوت عبداللاه منادياً للداخل
فين الجرجوش يابت
حاضر يابوى
كان درويش ينظر لاسفل حزناّ على ماتمر به زوجته، فقال له عبدالرحمن
وديها مصر يا درويش، علاج مرتك فمصر إسمع منى.

هروح بيها مصر، أنا خايف عليها جوى، محدش من الدكاترة مطمنى ولا جايلى عندها إيه حتى
لفيت لما دوخت أنا وهي
تدخل عبداللاه وقال
سيب البت مع البنات هنيتى وسافر وأن شاء الله خير
بيوم استعدادهم للسفر، احضروا حبيبة لمنزل عمها عبداللاه
أو بالأحرى هو إبن عم والدها، بعدما قام بتحذيرها وأملى عليها قائمة طويلة من التنبيهات
تركوها ورحلوا ليبدؤا رحلة جديدة من رحلات علاج والدتها.

كانت تنظر حبيبة هنا وهناك بالمنزل صامته، ف كان دوريش شديد الحِرص في تربيتها، لاتخرج من المنزل
لاتلعب مع الأطفال، لاتتحدث إلا إذا أذن لها، كانت أصغر بكثير من أن تتفهم هذا، ولكنها تفهمت!
كان يقف عمّار أمام مرآه المرحاض يراقب الشعيرات الجديدة التي نبتت تحت انفه والمعروف ي أنه شارب البلوغ ممسكاً بماكينة الحلاقة وسيبدأ بحلاقته ف سمع صوت ضحكات وليد الذي أتى من دون استئذان
عتحلجه! خليه عاملك برستيچ.

قام عمار بلكم وليد ب كتفه وقال
م انت حلجته يابارد، وكمان صوتى مستغربه ياخى
اه تخن، بجينا رچاله
غرق وليد في دوامة ضحك مستمرة، فقام عمار ب إخراجه من المرحاض وغلق الباب
فقال وليد مداعبا له
حاسب لا تتعور يا ابو عمّار هيبجى شكلك وحش فالدرس بتاع النهاردة
فتح عمار الباب وقال له كى يثير غيظ وليد
حتى لو إيه، بنات الدرس عيسيبو الدرس ويستنو عمار
عقد وليد ذراعيه وقال له واثقاً من ذاته.

على أساس انك عمّار الشريعى مثلا، وبعدين البنات الل عتحضر معانا دول شنبهم مخضر اكتر مننا
بلا جرف، خَلص وتعالا نتغدوا عِندنا ونطلعوا عالدرس
ماشى.

وُضع الطعام على الطبلية منضدة صغيرة مُتعارف عليها من قبل بلاد الصعيد والارياف تقوم العائلة بتناول الطعام عليها.
كانت قد تزوجت إثنين من إخوة وليد، واصبح هناك خمسة غير الأب والام والجدة دهب
فكانوا يقتسمون على طبليتين جلست حبيبة مع الفتيات ووليد وعمّار
ولكنها كانت تنظر لهم دون طعام، ف لاحظ عمار وقال لها
كُلى يا حبيبة
قالت بعينان بهما الاسي
مش عاوزه آكل
قالت عظيمة والدة وليد من بعيد.

طب عاوزة إيه أكل نجيبهولك
مش عاوزه حاچه، عاوزة أمى
وشرعت فالبُكاء، فقامت مروة اصغر أخوة وليد ب احتضانها، والتفوا حولها بقية الفتيات وعمار ووليد، فقال لها وليد
كُلى وناخدك معانا الدرس، إيه رأيك؟!
أكد عمار على كلام وليد كى يحفزها تأكل طعامها
ايوة، لو أكلتِ هناخدك الدرس ونچيبلك حچات حلوة بتحبيها
تبسمت حبيبة وأنفرجت أساريرها، وقالت بعفوية من في سِنها
ماشى هاكل اهو.

قامت بتناول طعامها، ومن ثم مشطت لها مروة شعرها الجميل وعدلت من هندامها
وأخذاها معهما وليد وعمار الدرس، ف اوقفهم عبدالرحمن والد عمار بالخارج
واخدين حبيبة فين؟
تلعثما الاثنين فقال عمار ب أدب لوالده
معلش يابوى، هي زعلانه عشان أمها مش جاعدة واحنا وعدناها لو أكلت هنخدوها الدرس
وبيت أستاذ مطاوع جريب ياعمى.

قالها وليد فقال الحچ عبدالرحمن
والدروس تروحوها تركزوا عشان تدخلوا ثانوى عام، ولاتاخدوا العيال الصغيرة تتنطط ومتعرفوش تركزوا؟
سيبوها هنا مع مروة وهند والبنات وروحوا انتوا
كانت حبيبة على وشك البُكاء، ف رآها عبدالرحمن ف حنّ قلبه فهى بلا أب وأم حالياً ولا نفع من القسوة عليها الآن فهى مازلت ناعمة الأظافر صغيرة العهد، انفرجت شفتيه وقال
خلاص خدوها، بس اجعدى ساكته يا حبيبة
حاضر ياعمى.

أخذاها الإثنين، وطوال الطريق يحملاها من يداها يرفعاها لأعلى وينزلاها ويتعالى صوت ضحكاتها
حتى وصلا إلى منزل المدرس، وقد حضروا زملائهم وزميلاتهم
والتفوا حول المنضدة، فُتحت الاوراق وبدأ المدرس بالشرح.

شعرت حبيبة بالدوا، فخطفتها الغفوة، ليضعها وليد على ساقه وهو يمرر يده على شعرها وهي نائمه في سبات عميق وعيناه مع شرح المدرس في أول ساعه، وفي الساعة الثانية كان يحملها عمار على كتفه وأيضا وهو يتلقى الشرح..
سرطان بالقاولون!
كانت تعانى هناء منذ زمن طويل، من دون أن تُعلم زوجها او تجعل احداً يشعربها، ولكن في ذهابهم إلى القاهرة قد علموا كُل شئ ولكن بعد فوات الاوان.

فهو في مرحلته الاخيرة، غير أنه بدأ ينتشر في بعض من أجزاء جسدها، صمم درويش ب أن تخضع لعملية جراحية كى يتم إنقاذها، ولكن أمر الله نفذ هناك وأتى بها درويش جثة هامدة!
النساء مُتشحات بالسواد، وسط نحيب وصراخ بصوت عالِ، كانت تقف حبيبة تراقب الموقف
انسابت دموعها بغزارة وتركت الحشود القادمة لتعزيتهم، وهرولت الى الطابق العلوى تندس وسط ملابس والدتها تحتضنهم وتبكِ، عقلها تدبر أمر فراق والدتها للأبد.

كانت تحتضنهم وتبكِ بشدة وأنهاِّ في أشَّدِ الاحتياج؛ إلى احتضانٍ يشعرها بالأمان، فهل لي من احتضان يُنسيها ما تشعر به من فقدٍ ملاكها الغائب والدتها
تمسك حبيبة تعصف بملابس والدتها بُكاءا وداخلها يردد
أمي يا أيقونة الحب
يا شجرة الحُنُوِّ و الود
يا رمز العطاء و العطف
أحبك يا جنة الفردوس على الأرض
ضميني ما استطعتِ فبحضنكِ يعود الجزء للكل
الم تضمينى؟ الن تعودى بعد الآن!

صعدت السيدات خلفها، وحملتها والدة حفصه ووضعتها بالفراش وأخذت حفصه تهدهدها حتى غفت، هبطت السيدات مرة أخرى، بينما كانا يقفا وليد وعمّار بباب الغرفة يرتسم بعيناهما الحزن
الحزن لفقد زوجة عمهم، والحزن على حبيبة التي أصبحت الآن في تعداد اليتامى وبلا أم!

كان يتمتم عمّار ببعض من الآيات القرآنية من الاجزاء التي كان يداوم على حِفظها بحلقات الذكر ودروس القرآن الكريم، كان يرفع يده من بعيد وكأنه يقرأ عليها هي كى تحاوطها الملائكة وتخفف من هلعها، أما عن وليد
ف خُيل إليه ان باستطاعته أن يدنو منها ويلامس شعيراتها الحريرية ويربت على جسدها وهو يغنى لها أغنيتها المُحببة منه دائماً.

رايح أجيب الديب من ديله، بس عالله لاقيله ديل، وان ملاقتلوش ديل هسيبه وأرجع اقول ملاقتلوش ديل.

غفت الصغيرة في أحضان حفصه التي عزمت أمرها ان لن تترك حبيبة ابداً، فقد جاء خبر وفاة هناء زوجة عمها وهي تقوم بتقديم امتحانات آخر العام بمدرستها الثانويه الفنيه.
قد انتهت دراستها، وقالت في نفسها أنها ستُكرس حياتها ل حبيبة، تلك الطفلة التي منذ يوم ولادتها
وحفصه تشعر ب أنها شقيقتها، وصغيرتها، وطفلتها من شدة التصاقها بها!

مرّت ثلاث أعوام أخرى، كَبر الشباب واليوم هم في إنتظار نتيجة قبول الجامعات بعدما قدموا بها بعد نتائجهم المُذهلة بالثانوية العامة، وقد كان!
تم قبول الاثنين وليد وعمّار ب كلية الهندسة جامعة القاهرة، الفرحة كانت عارمة
للعائلة، قام كلا من عبداللاه وعبدالرحمن ب صُنع ليلة ذِكر وقرآن كريم وذبح عِجلاً ثميناً وتوزيعه على فقراء قريتهم، ودعوة المُحبين لمشاركتهم الفرحة.

يرتدى وليد جلباب ك الكبار ويضع الشال على كتفيه وينظر للمرآه ف وقف عمّار بجانبه وقال
ايه يابشمهندس وليد الحلاوة دى
شايف الوچاهه يابو عمار، جلابية قماش سكة حديد إنما ايييه تجولش مولود عُمدة وَلد عُمدة
أبتسم عمار وقام بالدوران حول نفسه وهو يقول
أول مرة نلبسوا جلاليب ياض، تحس بالفخر كديتى وانت لابس
بس أنا أطول منك وخايل فيها عنك
أمتعض وجه عمار فقال له وهو يهز راسه
وانا بشرتى فاتحه عنك
بس أنا أحلى.

واخرج وليد له لسانه ومن ثم قال
وبعدين عيب عليك إنت صَعيدى، لازم تبجا أسمر السمار نص الچمال ي واد
سمعوا صوت الزغاريد والطبل والاغانى التي قامت بالمنزلين من الفرحه، والتي اشغلتها اخوة وليد الفتيات وابناءهم والامهات والجدة دهب معهم تهز عكازها في مكانه.
وفجأة رأو حبيبة تقف بعيداً ترقص، فناداها وليد
عترجصى يا حبيبة!

شعرت حبيبة بالخجل إبنة العشر سنوات ووضعت يدها على وجهها ف ازاحهم وليد
عاوزة ترجصى؟
ابوى ييزعجلى لما ارجص، بس أنا كنت نرجص على چنب من غير ماحد ياخد باله.

هز وليد رأسه وقال لها مداعباً إياها
بس أنا شوفتك!
ضحكت حبيبة كثيراً فقال عمّار ونبرات صوته حادة بعض الشئ
عيب يا حبيبة، اسمعى كلام ابوكٌ ومترجصيش تانى!
مطت حبيبة شفتيها وقالت لعمّار
محدش كان شايفنى وكنت برجض زى هند ومروة ومسك بت أبلة سميحة
جولت لاه يعنى لاه وإسمعى الكلام
هنا أزاحه وليد بصدره وقال
ماتسيبها ترجص، هو كبت من ابوها وتيچى هنا تلاجيك، إعملى الل عاوزاه ي حبيبة يالا.

أخذ يصفق لها ف شرعت بالرقص حتى أوقفها عمّار ثانية وقال بحدة
وبعدين! بس يا حبيبة.

صمتت حبيبة ف أراد وليد تغيير الموضوع حينما رآها بدا عليها الضيق
عارفه ليه كل الزيطة الل حاصلة ديتى ياحبيبة؟
ايوة عشان انتو نچحتوا وأنا هنجح وهبجا دكتورة كبيرة كاااااد الدنيا
أقترب منها عمّار وهو يبتسم لها ابتسامته كالعادة وقال
هتبجى أحلى دكتورة يا حبيبة.

وسط حديثهم، قامت حفصه بمنادتها عندما صعدت للدور العلوى تبحث عنها ف رات الاثنين وقامت بمداعبتهم كما تفعل
هتبجوا مهندسين يابغل منك له؟! والله م يحكمونى م أوجفكم على مِدفع رمضان.

نظرا الاثنين لها فقال وليد
مالك متغاظه ليه يا عفصه، حتى سموكى عفصه وعفصه يعنى دوسه يعنى حتى محصلتيش خطوة
قامت بمصمصه شفتيها وقالت له ساخره
ياشيخ غور، معارفش تنطج يبجا تخرس زى م مخروس ولد عمك ومانطقش
لا ولد عمه مخروس عشان ابوه جاله متردش عالاكبر منك، وانتِ كبيرة جوى يا حفصه مش 40سنة
أمسكت حفصه حبيبة من يدها وقامت بجذب الشال من على كتف عمّار وقالت.

دم أما يخش عليك يصبغك صبغ، الشيلان دى ياعسل بيلبسوها الرچالة وانتو لسه عيال.

قالت كلماتها وهبطت ف كان في مواجهتها همام من أولاد عمومتهم أيضاً ف سألها
عمّار ووليد فوج
أهم متلجحين.

همت بالرحيل ومن ثم سألته
ايوة صح، وانت عملت ايه ياهمام؟ ياك تكون چبت ملاحج!
ضحك همام بهدوء وقال
لا الحمدلله نَجحت واتجبلت فكلية الآداب، انا كنت أدبي
طيب ومالو مبروك يلا شد حيلك
تركته وأنصرفت تنضم لجمع السيدات قبل إنقضاء الوقت الذي وضعه عمها درويش للعودة للمنزل هي وحبيبة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة