قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل العشرون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل العشرون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل العشرون

صباحا في المستشفى بالتحديد بغرفة العناية
كان يقف أمامها وهو يضع يده داخل جيوب بنطاله وأخذت عينيه تتشرب ملامحها بتمعن فهي كانت نائمة بعمق على هذا السرير الأبيض اللعين، معانيها مخيفة وجسدها الضئيل ساكن بشكل غريب وكأنها ميتة لا روح فيها، وجهها أصفر وشفاهها بياض كالسحاب الثلج.

اقترب منها وجلس الى جوارها لتتسلل يده بشكل تلقائي ليحتضن يدها الباردة، انحنى قليلا بجذعه العلوي ليكون جسده شبه مائل عليها ليخرج من جيب سترته ورده حمراء ذو غصن أخضر طويل.

أخذ يمررها على وجهها وجفونها ببطئ شديد وكأنه يملك الوقت كله لفعل هذا فقط، ابتسم باستمتاع رهيب واقترب منها أكثر وعينيه زاد تركيزها عندما بدأ يمرر أوراقها الناعمة على جسر أنفها وصولا الى شفتيها ثم أكمل طريقه بشكل مستقيم نحو عنقها وجيدها وااااء.

هنا توقف وهو مغمض العينين بخمول وكأنه أصبح يكمل طريقه هذا بخياله الوقح معها، عض طرف شفتيه بخفة ليفتح عينيه بعدها بانتشاء ما إن سمع أنينها الخافت دلالة على بدء استفاقتها
دفن وجهه بتجويف عنقها ليقبل ما وصل له شفتيه برقة ثم أخذ يمرر ذقنه المهذبة على وجنتيها بعدما استنشق عطر بشرتها ليهمس لها بفحيح خافت عند أذنها
- ده آخرة اللي يلعب معايا يا مرمر.

أما تلك التي أمامه كانت في حالة اللا استيعاب أخذت تحرك رأسها بتعب لتبعد وجهها بنزعاج عن تلك النغزات وهي تأن بألم، ليسمعها تقول بصوت مبحوح بالكاد خرج منها
- بابا!
- مافيش بابا في ياسين ينفع، قالها وهو يداعب أرنبة أنفها بسبابته
فتحت عينيها بنعاس من أثر الدواء ثم أغلقتها بإرهاق
ولكن أجبرت نفسها على الاستفاقة ما إن شعرت بقبلات خفيفة بدأت تمطر على وجهها وهو يقول بخبث.

- يابت اااااالايه حتى وأنتي عيانة مطيرة عقلي
رفعت يدها وأخذت تتلمس بشرته وهي تقول بعدم تصديق لما ترى: ياسين أنت هنا بجد!
- أيوه هنا ياحبيبته أنتي، قالها وهو يقبل باطن يدها التي كانت تستكشفه لتنزل دموعها وهي تقول بألم من أثر العقار الذي دمر كل خلية بجسدها
- قلبي بيوجعني
ابتعد عنها قليلا وقال بمرواغة: وجعك لأنك وجعتيني لما وقفتي قصادي و رفضتيني...

سحبت يدها منه و وضعتها على صدرها بالجهة اليسرى وهي تقول بصوت مبحوح من أثر الصراخ: بس أنا بتكلم جد...
- ومين قال إني بهزر، الحب يعمل أكتر من كده يامرمر
وقلبك ده أنا ليا فيه أكتر ما أنتي ليك، عشان كده ماستحملش بعدي عنه وكان هيقف من غيري
رفع نفسه قليلا ليقبل ما بين عينيها ثم سند جبهته على خاصته وأكمل بهمس سحري أذابها به...
بحبك ياميرال بحبك أووووي و بصراحة ماكنتش أعرف إنك بتحبيني بالشكل ده.

- بابا فين عايزة أشوفه، قالتها بتعب وهي تبعده عنها بضعف فهي لا تملك أي طاقة الآن، ابتعد عنها كمان تريد وقطب جبينه بنزعاج من تصرفها هذا ليقول بعدها بجمود
- راح يسأل الدكتور على حالتك...
لوت شفتيها وهي على وشك البكاء
- بابي زعلان مني مش كده...
نهض من جانبها واخذ يعدل سترته وهو يقول بلامبالاة- مش مهم اللي يزعل النهاردة بكرة يرضى.

ما تشغليش بالك أنتي بكل ده ياحبيبتي. اصحي يلا عشان نكتب الكتاب بسرعة، قبل ما باباكي يغير رأيه ولو ده حصل أروح فيكي بداهية
نظرت له بصدمة ثم أخذت تمسح دموعها بظهر كفيها وهي تقول بتحفز: كتب كتاب مين؟
- كتب كتابنا، هما مش بيقولوا رب ضارة نافعة
ده اللي حصل معانا بالضبط، و وقعتك دي خلت سعد يرضخ و يوافق على جوازنا شفتي ربك كريم ازاي جبر بخاطرنا بسرعة.

- بجد! طب احلف إن بابا وافق ااااه، تأوهت وهي تحاول أن تنهض لتعود إلى وضعها السابق بإرهاق ليقترب منه ويحاصرها بذراعيه وهو يقول
- وحياة عنيكي الحلوين دول اللي بموت فيهم وافق
أخذ وردته وقبلها ثم أعطاها لها لتبتسم بخجل جميل وهي تحتضنها نحو صدرها لتتبعه بنظرها
ما إن وجدته يعود بخطواته إلى الخلف حتى انفتح الباب ليدخل من خلاله والدتها وسيلين التي تلاشت ابتسامتها بذهول عندما رأته عند أختها.

تجاهل ياسين نظراتها له واستأذن من والدتها وخرج وماهي سوا ثواني حتى لحقت به الاخرى الى الممر الخارجي ولكن قبل ان يدخل الى المصعد نادته بغضب
- ياسين استنى
استدار وهو ينظر لها بترقب: نعم
- ياريت تبعد عن ميرال وكفاية أوي اللي حصلها بسببك، ما إن قالتها بجدية تامة حتى أخذ يبتسم بسخرية وهو يقول
- وأنا دلوقتي لازم أنفذ كلامك وأبعد صح
عقدت ساعديها أمام صدرها وقالت بتكبر
- والله ده اللي لازم يحصل.

نظر لها ياسين باستصغار وقال
- روحي العبي بعيد ياشاطرة
- مش هطولها، ما إن قالتها بغضب حتى ضحك بحقارة ثم قال هو
- بجد!
ردت عليه بنبرة تهديد واضحة: لو مابعتش عنها أنا هروح وأبلغها بكل وساختك وإن كل اللي بيحصلنا بسببك أنت واخوك وابقى قابلي لو تفت بوشك بعد كده.

نظر الى الأرض وهو يمط شفتيه ثم سرعان ما سحبها من مقدمة ثيابها بقبضته وهو ينظر الى داخل عينيها المندهشة من جرأة فعلته هذه ثم بلهجة سامة همجية يظهر بها على الوجه الحقيقي
- روحي قوليلها عشان أبعتلك راس سعد ببوكس هدية، أنا لا شاهين ولا يحيى سامعة أنا ياسين اللداغ...
اللعب معايا يدفعك عمرك على عمر حبايبك
قاطعته وهي تنزل بكف يدها على وجنته بكل قوتها
بعدما دفعته عنها وهي تقول بانفعال: حقير.

تشنجت عضلات وجهه من شدة الصك على أسنانه وبرزت شرايين رقبته وهو ينظر لها بطريقة جعلتها ترتد إلى الخلف بخوف كتمته بداخلها ما إن قال
- لولا شاهين منبهني ماجيش جنبك كنت دفنتك بمكانك هنا على عملتك دي بس ملحوقة إن ما خليت أختك هي اللي هتحاسب ع المشاريب...
سيلين بثبات تحسد عليه. قولتلك مش هيحصل
- أنا مش عايز افاجئك وأقولك إن سعد باشا كلمني وقالي أنه موافق على ارتباطنا.

تخدرت أطرافها من صدمتها وهي تقول بعدم تصديق: كداب بابا مستحيل يعمل كده ويوافق على واحد زيك لا أصل ولا فصل، واحد مالوش جذور مانعرفش طلعلنا من أي مستنقع
ليقول ياسين ببرود ماكر رفع ضغطها به فهو بدأ يلعب بأعصابها ليحاربها نفسيا
- صدقتي أو لاء دي مشكلتك مش مشكلتي وبعدين انتي شايفة الكاميرات الحلوة الموجودة حولينا دي.

أنا ممكن استخدمها ضدك لما أوريها لأختك وأقولها بتغريني عشان أسيبك وأصلها كانت عايزاني من الأول و بتغير منك لأني فضلتك عليها فعشان كده بدأت تألف عليا حكاوي من بتوع ألف ليلة وليلة...
- ميرال هتصدقني أنا، وحتى لو ماسمعتش مني
مش مهم بابا أكيد هيصدقني وده كفيل أنه يلغي كل شئ وابقى قابلني لو لمحت ظلها بعد ده كله
نظر ياسين بغضب الى تلك التي تقف أمامه فهي لا يستهان بها وهو يقول.

- لو بايعة عمر أبوكي بصحيح وعايزة تدفنيه تحت التراب وتلبسي عليه أسود بدري اعمليها، وااااه أنا مش بهدد لا سمح الله، بس كل الحكاية إني ببلغك باللي هعمله مع إن ده مش طبعي لأني بحب أقطع العرق وأسيح دمه من غير ما أذيع أنا هعمل ايه لأني بحب أعمل للي يتحداني سبرايز بس لأنك أخت حبيبة القلب ده استثناء ليك وياريت تبقي ذكية وتعملي فيه، أنا بقى كده عملت اللي عليا وعداني العيب ومافضلش عليا عتب، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

أنهى كلامه وكاد ان يلتفت ولكنه عاد بنظره لها وأكمل
بسخرية، وبعدين تعالي هنا شاغلة بالك با أختك وباباكي وعملالي فيها أم العريف و ناسيه نفسك...
قلصت حدقة عينيها بتركيز ما إن سمعته يقول
أنت وضعك مش أحسن من ميرال، الهجين مش هيسيبك، بس هو شكله كده حابب يلاعبك شوية قبل ما يحبسك عنده مؤبد، عارفة يعني إيه مؤبد
يعني لا خلاص منه...

قالها وهو يضغط على زر المصعد وما إن دخل والتفت لها حتى صرخت به باستنكار من ما يحدث حولها فعقلها بدأ لا يستوعب كل هذه المؤامرات
- هو انتم مفكرين إن بنات الناس لعبة بإيديكم
- لا مش مفكرين، ااااحنا متأكدين، تشاووو
قال الأخيرة باستفزاز وهو يرفع لها كفه يودعها وما إن انغلق باب المصعد وبدأ بالنزول حتى تأفأف وهو يفتح زر قميصه العلوي ثم قال.

- ياستار، إيه البنت دي، دي ميرال ملاك بجناحات عنها، ربنا يكون بعونك ياشاهين دي قادرة
أما عند سيلين ذهبت نحو غرفة أختها تقول بانفعال
ممزوج بقهر ما إن دخلت: أنا مش عارفة أنتي حبيتي الكائن ده ازاي، غشك وخدعك ازاي. بس استغرب ليه وهو أصلا شيطان بزي إنسان...

داليا بعتاب: سيلين! صوتك مايعلاش احنا مش في البيت وبعدين سيبي أختك تعبانة مالك هبيتي في وشنا كدة ليه مرة وحدة، أنا ألاقيها منك ولا من أبوكي اللي ناوي على موتي ده
- يعني أسيبها تغرق بالوحل قصاد عيني وأسكت
قالتها ثم نظرت الى الأخرى وذهبت لتجلس أمامها وهي تكمل بهدوء لعلها تفهم عليها.

ميرال، أختي حبيبتي، اسمعيني، اللي أنا عرفته ان شاهين وياسين عايزين يكسروا بابا فينا فبلاش تديهم الفرصة دي بطبق من دهب، ده حتى القرض والحريق كل ده حصل هما اللي وراه
- إيه الكلام ده يا سيلين، ما إن قالتها داليا بصدمة من ما سمعت حتى اعتدلت ميرال بجلستها بعدما كانت مستلقية وقالت بجدية ممزوجة بحدة طفيفة
- بغض النظر عن اللي بيني وبين ياسين، أحب اصححلك معلوماتك، القرض ده اللي بتقولي عليه.

أنه بسببهم حصل كده، لاء غلط مش بسببهم، ياسين ياما حذر بابا منه وأنا كنت شاهدة على ده وبابا أصر عليه...
ومع كده ياسين تحمل الخسارة وشاهين اللي دايما مش عاجبك هو اللي كلم البنك عشان يدونا مهلة
وبسبب معارفه الكتير وعلاقاته والمصالح اللي مابينهم وافقوا أنه يأجله الدفعة الأولى سنة كاملة
وحريق المخازن ضيع تعب الاتنين، يعني هما وبابا.

بنفس المركب، أنا اللي اشتغلت معاهم وأنا اللي شفت هما تعبوا قد ايه فيه، فما تجيش دلوقتي تنكري كل ده لمجرد شكوك وهمية
وبعدين لو جينا وفكرنا ياسين هيكسرني ازاي،؟
حب وحبني وخطوبة وخطبني رسمي على سنة الله ورسوله، عايزة من الراجل يعمل ايه أكتر عشان يبين حسن نيته مع اللي بيحبها غير أنه يدق بابها بالحلال
نظرت لها بحزن فهي لا تملك دليل على كلامها هذا لتقول بعجز: ميرال أنا معنديش غيرك.

- حبيبتي انا مقدرة خوفك عليا بس أنا بحبه
- ربنا يخيب ظني وتطلعي أنتي الصح، قالتها وخرجت تمشي بممرات المستشفى لتجد نفسها تجلس بالحديقة الخاصة بها متى أتت الى هنا وكيف وصلت لا تعرف فبالها مشغول لا بل مصدوم لاااااا
بل تكاد أن تجن...
في هذه اللحظة سحبت هاتفها من جيب البنطال الخلفي وأخذت تتصل على معذبها فهي تريد أن تخرج حرقة قلبها به.

في الوكر بالتحديد بالمستودع كان يرتدي بنطال جينز أسود مع فانيلا كات من نفس اللون
وما إن توجه للخروج لعمله حتى تفاجئ بها تدخل من البوابة الحديدية وأغلقته خلفها بسرعة ليجدها تقول بعدما التصقت به كالغراء ويدها تتلمس عضلات ذراعه البارزة
- مش هتحن بقى وترحمني
شاهين ببرود: أحن على إيه، عايزاني أحن على الزبالة...

ابتعدت عنه وهي تصرخ: بقى بعد ما ربيتك وكبرت قصاد عيني وأنا بتمناك تروح لغيري أنا ممكن اموت فيها، شاهين دي أخرتها تقول عليا زبالة
ليقول باشمئزاز واضح وتحقير صريح: والله ده اللي أنا شايفه قصادي، وحدة عدت الخمسين وبتلاحق واحد من دور ولادها ومش بس كدة، ده غير عمايلك معايا المقرفة وأنا مراهق اللي مش ناسيها لحد دلوقتي بحجة إنك هتاخدي بالك مني، قال ربيتك. قال. تربية وسخة، ده يسمى ايه غير قرف و زبالة...

أنتي عاملة زي المداس اللي رايح واللي جاي معدي عليه
زينة بانفعال: فشررررر أنا مش أي حد يقدر يطولني والكل بيبوس جزمتي إلا أنت منشف ريقي عليك...
أنا عمري ما شفت جبروت كده، لا وأنت مراهق رضيت ترضخ ليا، ولا لما كبرت رضيت، مع إن مافيش وحدة بجمالي بالوكر له
صمت قليلا وهو يتأملها ثم قال
- زينة عارفة أنتي بالنسبالي إيه
اقتربت منه بسرعة وهي تتأمل به بشغف وتقول
- إيه يا حبيبي
- أنتي عاملة زي عملي الأسود.

- لاء أنا كدة أزعل منك ياسيد الرجالة، قالتها بدلع مفرط ليرفع حاجبه وهو يدفعها بعيدا عنه ليرد عليه بضجر
- ماتتفلقي أعملك إيه يعني، وسعي كده عندي شغل، قال الأخيرة وهو يسحبها من طرف جلابيتها بإهانة من امامه ثم خرج ليتفاجئ بسلطان يقف أمامه وهو ينظر له باستغراب ولكن ما زاد الطين بلة هو عندما خرجت خلفه تلك اللعينة وهي تقول بكيد النساء ما إن رأت سلطان أمامها هي الأخرى.

- شفت ياحاج. شاهين وعمايله. بقى يرضيك آجي لحد عنده أسأل عنه ويكرشني، كبر ونسي اللي ربته
- أنتي تسألي عنه ليه و إيه اللي جابك هنا أصلا
عوجت فمها بعدم رضا وقالت: الله. الحق عليا قولت آجي أطمن على فتوتنا ليكون محتاج حاجة كده والا كده
- زينة، ع الشقة عدل وحسابي معاكي لما أرجع.

- يووووه يعني أنا دلوقتي طلعت غلطانة، لأن قلبي حنين وقلت أسأل ده جزاتي، يالا مش غريبة يعني أنا من يومي وعظمي مرمي للغرب، كانت تغمغم بهذه الكلمات بصوت عالي مسموع وهي تعود أدراجها الى شقتها
لينظر سلطان بشك الى شاهين الذي امامه وقال
- زينة كانت معاك جوة بتعمل ايه
التفت برأسه له وقال بنظرات حادة كالسيف.

- قصدك ايه، كلامك مش عاجبني، الست زينة جت تعمل الواجب مش أكتر وبعدين يعتبر هي اللي ربتني لأنها من وأنا صغير وهي اللي بتاخد بالها مني
وبعدين أنت عارف كويس إني ماليش لا بالرخص ولا بالرمرمة...
ضحك سلطان بتهكم: أومال بتعمل إيه وأنت لا بترمرم ولا متجوز ااايه عايش راهب.

- ماتخافش عليا من الناحية دي، قالها ثم التفت يعطي أوامره بكل جدية وتركيز ل الرجال حوله ما إن دخلت سيارة شحن كبيرة بالقطاع ليقف كل من الهجين و يحيى يشرفون على استلام الحمل الذي وصل الآن...
بعد مرور مدة زمنية التفت شاهين الى أخيه الصغير وقال بأمر
- يحيى غير خط سير الشحن المعتاد لما تروح توزعهم...
ليقول باستفهام
- ليه ما أنا كل مرة بعتمد ع الخريطة دي.

- شامم ريحة غدر، هجان ساكت بقاله فترة وده مش من صالحنا لازم نفتح عنينا كويس
- ايوه بس مافيش وقت عشان نأمن طريق تاني
البضاعة لازم تتصرف الليلة، ودي مجازفة
- اتصرف
- أنت خوفك من الحكومة ولا من حبايبنا الكتير
- الاتنين
- غريبة ما كنتش اتوقع ردك ده، الهجين يخاف
- عليك خايف عليك
- ماتخافش أخوك ينام وهو مفتح عينيه وبعدين محدش بياخد الروح غير اللي خلقها
- ايمانك ده بيأثر فيا لاااء وعايش الدور كمان...

قالها بهزار وهو يضربه على عنقه من الخلف جعله يتلوى بين يديه من الوجع ثم سحبه له وهو يكمل بجدية بعدما وضع يده على كتفه
والله اللي يمس شعرة منك يايحيى يبقى بايع عمره هو وعيلته كلها بس بردو الحذر واجب...
قطع حديثهم هذا ارتفاع رنين هاتفه والتي لم تكون سوا تلك المغرورة: خد بالك من الحمل وركز لغاية ما أرجع، هاااا ركز بلاش تصيع هنا والا هنا.

قالها بتحذير و انسحب من بين هذا الحشد وما إن ابتعد عن الضجيج ودخل الى المستودع مرة أخرى حتى ضغط على الإجابة ليأتيه صوتها الراعد
- شااااهين انااااا بكرهك وبكره اليوم اللي شفتك فيه
ارتسمت ابتسامة على وجهه من جنونها هذا ليقول باستمتاع: طيب
- وبقولك إيه أنا مش عايزة أشوفك تاني
- ماوعدكيش، ما إن قالها ببروده المعتاد حتى نادته
بغيظ- شااااهين
- نعم
- عايزة أشوفك.

- أما عجايب بصحيح من شوية تقولي مش عايزة أشوفك ودلوقتي بتطلبي العكس اااايه وحشتك اعترفي
- وحش أما يلهفك، ساعة زمن وألاقيك بالمكتب لو تأخرت هتيجي تلاقيه مدغدغ مافيهوس حتة سليمة
- ياريت والله و وقتها هطلب تعويض منك
- مش مهم هديلك الفلوس ع الجزمة
- الجزمة دي اللي هضربك فيها على دماغك، بت أنتي تعدلي أحسلك
- بت أما تبتك، لما تعدل تصرفاتك يبقى وقتها أنا أعدل لساني...

- لو المكتب انكسرت حاجة فيه هتدفعي تمنها غالي.
- مش مهم الفلوس المهم أحرق قلبك، يلا اجري كلم الأمن عشان يمنعوني
- ومين قال إني همنعهم ومين قال إني عايز فلوس، أنا هاخد قصاد كل كسر بوسة من شفايفك يابطة تخيلي بقا كدة معايا لما تدغدغي المكتب كله وآجي أحاسبك عليه حتة حتة مش بعيد أدخل عليكي مرتين لغاية مانقفل الحساب.

- أنت قليل الأدب، قالتها بصدمة من وقاحته ثم أغلقت الخط بوجهه لينفجر بالضحك عليها وهو يرمي نفسه على الكرسي، يااا الله كم هذه الفتاة لذيذة بتصرفاتها
دخل يحيى مع ياسين الذي وصل لتوه وهو يقول: الله الله ده شكل الهجين رايق...
- فوق ما تتصور، قالها وهو ينهض ليغير ثيابه ويذهب للقاء تلك المجنونة
ياسين بتساؤل- رايح فين؟
- عندي شغل
- والشغل ده عبارة عن بنت سعد
- بالضبط كده.

ليقول ياسين بتلقائية: أنا مش عارف أنت طايقها ازاي دي.
هي صحيح حلوة بغباء بس لسانها ااايه مبرد وقوية ومابتخافش اااااء
قطع كلامه وأخذ يتأوه ما إن عالجه شاهين بلكمة على فكه ليجعله طريح الأرض وهو يصرخ به بغيرة
- عرفت إن لسانها مبرد منيييين
نطق ياسين بغباء- ما أنا كنت معاها
- وبتقولها في وشي، قالها وهو يسحبه من سترته لينهض أمامه وقبل ان يبرر الآخر تلقى ضربة على أنفه جعلته يرى الذي أمامه اثنين وثلاثة.

- الله يخرب بيتك هتبوظلي وشي، افهم يا أخي...
- أفهم ايه جاي تقولي، حلوة وقوية وكلمتها وكلمتني وكنت معاها ده أنت لو عايزني أدفنك بإيدي مش هتعمل كده
ياسين بتوضيح سريع قبل أن ينضرب مرة أخرى: افهم، هي جت وتخانقت معايا عشان أسيب ميرال، بس على مين والله ما أنا سايب أختها لو على موتي...
نفضه بفظاظة من بين يديه ثم تركهم وخرج وهو يغلي من الغضب فغيرته قاتلة لا وصف لها، كالإعصار المجنون لا يترك خلفه سوا الحطام.

أخذ ياسين يتحسس وجهه بألم ثم نظر الى يحيى بانزعاج وقال: وأنت واقف تتفرج يا غبي ما كنت تجي تسحبه عني
حرك يحيى يده بلامبالاة وهو يقول: وأنا مالي أنت اللي جبته لنفسك و وقعت بلسانك قصاده أنا آجي انضرب معاك ليه، دي إيده طرشة ما تعرفش لا صاحب ولا صديق
ده لما هزر معايا وضربني قفا قطع الكهربا عندي
عايزني دلوقتي آجي أقف جنبه وهو عصبي، ليه مستغني عن نفسي
- تصدق صح إيده طرشة ده أنا مش حاسس بوشي.

قالها وهو ينهض ولكن سرعان ما نظر الى أخيه الذي قال بتساؤل
- ياسين أنت حبيتها ل ميرال
صمت بتفكير واخذ ينزع ثيابه ليبقى فقط بالبنطال ورمى نفسه على السرير الحديدي الموجود على طرف المستودع ثم قال وهو ينظر للسقف العالي
- لاء بكرهها بس بنفس الوقت عايزها
نظر له يحيى باستفهام: مش فاهم تيجي ازاي دي
أخذ يحرك نفسه بتعب وهو يقول بحالمية.

- هو أنت مش سامع القيصر بيقول ايه، أكرهها وأشتهي وصلها وإنني أحب كرهي لها، ده بقى بينطبق عليا بالحرف...
- ده أنت شكلك واخد الحكاية لعب
- وده من بختهم لو أنا أخدتها جد هولع فيهم بجاز وسخ وأولهم انت لو مانكرشت من قدامي، بقالك ساعة بتلت زي الست المطلقة اللي ماورهاش حاجة
غير اللوك لوك، غور عايز أنام مطبق بقالي يومين
واقفل الباب وراك
- لا خلاص طالع، سلام، قالها وخرج ليكمل استلام البضاعة.

علي الجهة الأخرى. كانت تأخذ أرضية المكتب ذهابا وأيابا تقسم بأن دمائها تغلي بشرايينها من فرط العصبية التي وصلت لها، التفتت بشراسة نحو الباب الذي فتح وما إن وجدته أمامها حتى حملت تحفة صغيرة ولكنها ثقيلة وضربته بها ولكنه تفاداها بأعجوبة لينظر لها بصدمة وهو يقول
- ايه الجنان ده
ولكنها لن تكون سيلين إن توقفت فهي ما إن دخل حتى أخذت ترمي عليه كل ماتصل يدها إليه...

تفادى الضربة مرة ومرتين ولكن هيهات فهي صاحبة اليد اليسرى تضرب ولا تبالي، ذهب عندها بلمح البصرح وقيدها بذراعيه وهو يقول بعصبية وصوت عالي نسبيا
- ماتتهدي بقى
- شيل إيدك عني، أنت قافش فيا كده ليه سبني.

- هشششششش اهدي بس الأول وأنا أسيبك، ما إن قالها بهدوء حتى صمتت واخذت تنهج وهي تنظر له بحدة وكلما أرادت أن تقاومه لتتخلص من قيوده حتى همس لها بكلمات خافتة ولكن ما إن ألصق رأسها على صدره رغما عنها حتى بدأت تهدأ بالتدريج بشكل تلقائي عندما اخترق أذنها صوت دقات قلبه السريع
وكأن بداخله حرب وهذه طبولها...

أغمضت عينيها على هذه النغمة لتدفن نفسها دون وعي منها داخل أحضانه أكثر مماجعله يشدد من احتوائها هو الآخر وأخذ يلمس على شعرها بحنان
لا يعرف من أين أتى به
صمت رهيب عم المكان حتى أنفاسهم بالكاد تسمع
لا يوجد الآن بينهم سوا لغة الجسد، ثواني أم دقائق مرت عليهم لا نعرف ولكن لم يدوم طويلا ما إن وجدها تبعده عنه بحركة عنيفة بعض الشئ دلالة على انزعاجها منه ثم قالت
- ابعد عن بابا
رفع سبابته لها وقال.

- مش هيحصل إلا لو بقيتي ملكي
- ابعد أخوك عن ميرال
- الاثنين بيحبوا بعض أنا مالي
- أخوك عايز يأذيها
- يبقى ده نصيبها، ما إن قالها حتى اقتربت منه وسألته: كنت متعمد صح
- وضحي أكتر
- كنت متعمد إنك تخليني أعرف حقيقتك صح عشان تحرق قلبي على عيلتي...
- ويتحرق ليه روحي حذريهم...
لتقول سيلين بغصة قهر: مش بيصدقوني
- يبقى غباء منهم ويستاهلوا اللي يجرالهم
- وليه ما نقول إن هما عقلهم مش مستوعب وساختكم أنت و أخوك.

- ممكن كل شئ جايز
- نفسي أعرف كل الحقد ده ليه
- لما نتجوز بعد عشر تيام هتعرفي
سيلين باستهزاء: أنت بتقول ايه، جواز ايه، ده عمره ماهيحصل
- جهزي نفسك مع أختك ياعروسة اللي فهمته إن كتب كتابهم بعد أسبوع وأنا بعدهم بيومين هاخدك عندي، أو بمعنى أصح أنتي اللي هتجيني
دق قلبها بخوف نعم بخوف فهي وجدته يتكلم بثقة كبيرة، متأكد بأنها ستذهب له ولكن كيف سيحدث؟ عند هذه النقطة نطق لسانها بما يجوب بعقلها: ناوي تعمل ايه.

- ناوي أتجوزك وتبقي من حقي أنا وبس، ملكي...
بأسمي، أنام بحضنك وأصحى على ريحتك اخبيكي من الكل محدش يقدر يشوفك غيري...
سيلين بتكبر: أنت مش محتاج جواز أنت محتاج دكتور نفسي بس تصدق بالله أنا مش مستغربه، ده العادي بتاعي مافيش حد شافني قدر ينساني، بس أنت طلعت واقع ع الاخر
- لاء ما هو أنا هعمل كل ده مش حبا فيك، بس عشان أكسر غرورك
- امممممم مبرر مش بطال بس بردو مش هتطولني.

ومش هتجوزك، وبعدين أنت مش ملاحظ إن حوارتنا بدأت تتكرر في كل مرة نتقابل فيها
- لاء ازاي لاحظت أكيد فعشان كده نويت أغير واتجوزك فعلا
- أنت الكلام معاك مالوش فايدة، اسمعني يا هجين
مش أنت الهجين بردو...
حاوطها بيده واحتدت نظراته بشدة ليعتصر خصرها بقسوة جعلتها تصمت وتكز على أسنانها بألم حاولت أن تداريه ولكنها فشلت ما إن ظهر بتعابيرها لتجده يقول بطريقة أول مرة تراه بها
- مانصحكيش تشوفي الهجين خلينا ب شاهين.

اللي محدش شافه كده غيرك حتى أنا ماكنتش أعرف أنه موجود من قبل ما شوفك
- ااااه أنت بتوجعني
- هو أنا لسه عملت حاجة
- اااااااه
- سلامتك، قالها بخبث وهو يحرر خصرها لتلتفت بسرعة وهي تنوي الخروج ولكنه سحبها من عضدها الى صدره وهو ينظر حوله ويقول
- رايحة فين لسه ماحسبتكيش على كل التكسير ده.

ختم كلامه وهو يمسك وجهها بين يده ليقبل ثغرها المستفز لرجولته ولكن أخفى ابتسامته بأعجوبة ما إن وجدها تضع كفيها بسرعة على فمها وهي تحرك رأسها بنفي ترفض اقترابه منها
أطلق سرحها وهو يقول: مش مشكلة الحساب يجمع
بس ده مش هيمنع إني آخذ تصبيرة.

تجمدت أمامه ما إن وجدت نفسها بين أحضانه وأنيابه الحادة انغرزت بعنقها بقوة كامصاصي الدماء مما جعلتها تصرخ بوجع لتتحول عضته هذه بالتدريج الى قبلة عميقة بنفس المكان وكأنه يريد الاعتذر منها عن قسوة ما سبقها ليترك أثر بروحها قبل عنقها
ابتعد عنها بصعوبة وأخذ ينظر لها ليجد وجهها محمر من هول الموقف الذي مرت به وهي بالكاد تقف بطولها أمامه. أخذ يضرب وجنتها بخفة وهو يقول.

- لاااا فوقي وأنتي حلوة كده لحسن افترسك
. سيلين، سيليناااا
- هاااا
- هااا ايه صباح الخير، يلا يا ماما ع البيت
أومأت له برأسها وهي شاردة ذهبت نحو الباب لتخرج ولكن انحنت بسرعة وحملت الساعة الرملية الملقاة على الأرض والتفتت له وضربته بها على منطقة تحت الحزام بكل غل ثم فرت الى الخارج مسرعة وكأن هناك من يريد افتراسها غير آبهة بصوته العالي الذي يتوعد لها.

بعد نصف ساعة وصلت الى منزلها ودخلت من بوابة الفيلا متوجهة الى الداخل ولكن قبل أن تصل للباب الداخلي وجدت والدها خلفها يقول
- كنت فين؟
عادت له بخطوات مترددة وهي تقول
- بمشوار
سعد باستفسار- مشوار ايه ده
سيلين بتهرب: بابا هو في حاجة
ليرد عليها بانزعاج- طبعا في، لما تطلعي من المستشفى من غير ما تقولي لحد، يبقى في والا لاء
سيلين باعتذار: أنا آسفة مش قصدي أشغل بالك بس والله نسيت استأذن.

- ماقولتليش مشوار ايه ده بقى المهم اللي خلاكي تنسي حتى أهلك
- بابا مش عايزة أرد، ما إن قالتها وهي تنظر الى الأرض كالطفل المشاغب حتى اقترب منها وقال بترقب- ليه
- لأني لو رديت هكدب وأنا مش عايزة اكدب على حضرتك...
- طالما مش قادرة تقولي اللي بتعمليه يبقى غلط
نظرت له والدموع تلمع بمقلتيها- مش بتثق فيا؟
- ماهي دي المشكلة أنا مش عايز الثقة دي تنكسر.

أنا مش حمل ضربتين ورا بعض كفاية اوي عليا ميرال اللي كسرت ظهري مش هقدر أخسرك أنتي كمان، سيلين أنت نفس أبوكي اللي بيطلع وينزل ده
أبوس إيدك بلاش توجعيني عليك، عايز اخبيكي من كل الناس
عند كلامه هذا ضحكت برقة وهي تقول بعفوية
- أنت كمان عايز تخبيني زيه هو حد قالكم إني عصفورة عشان تخلوني بقفص، ألاقيها منك ولا منه
ماكنتش أعرف إني مجنناكم بالشكل ده.

تلاشت ضحكتها ما إن رأت والدها يقترب منها أكثر وهو يقول بصدمة: أنت كمان؟ ليه هو في حد قبلي قالك كده...
- لاء، ما إن قالتها حتى قرأ الكذب بعنيها ليمد يده لها وهو يقول بأمر مخيف: هاتي موبايلك
نظرت له بتوسل وهي تقول: بابا
- مش هعيد، ما إن قالها بطريقة لا نقاش بها حتى وضعت هاتفها بيده ليغلقه امامها ويضعه بجيبه ثم أكمل، ودلوقتي على أوضتك ومافيش خروج بعد كده.

كلماته كانت بالنسبة لها كالصاعقة لتنزل دموعها على وجنتيها بحرقة ثم تركته وركضت نحو الداخل وهي تبكي من كل قلبها، تنهد وهو ينظر الى اثرها وهو يقول
- أظلمك أنا أحسن ما أنتي تظلمي نفسك
في الأعلى بالتحديد غرفة ميرال
- شفتي بابا زعلان مني ازاي، ماتحمدليش ع السلامة ولا بص بوشي من ساعة ما صحيت.

داليا بعتاب: ماهو أنتي اللي عملتيه مش قليل برضوا بذمتك أنا ربيتك كده، فين الاحترام لما تعملي كل ده قصاد باباكي عشان يتجبر يوافق
ميرال بحيرة حقيقية: والله أنا معرفش عملت كده ازاي. كنت زعلانه ومقهورة وفجأة حسيت إن دماغي بقت نصين وقلبي هيتفجر من كتير الدق والله أنا شفت الموت بعينيا وما متش ومحدش حس فيا الكل فكر إني بدلع، والله أنا لسه قلبي بيوجعني وجسمي كله حتى شوفي.

قالتها تكشف عن ساقيها وذراعيها لتتفاجئ داليا بأن هناك كدمات زرقاء منتشر مائلة للون البنفسجي
ضربت داليا صدرها برعب: يااالهوي ده سببه ايه
- سألت الدكتورة قالت ده من تجلط الدم بالأطراف
و الحمدلله إنها ظهرت هنا وما جتش بالقلب
- و ايه السبب الرئيسي لده كله
- قالت انهيار عصبي و ارتفاع بالضغط بشكل كبير
هو اللي عمل ده كله مع إن كل التحاليل سليمة يبقى ده كل بسبب نفسي مش عضوي.

- الف سلامة عليكي ياقلب أمك، نامي وارتاحي
- وبابا
- أنا هكلمه ماتشغليش بالك وبعدين هو زعلان لأنه بيغير عليكي ياستي مش مستحمل يشوف إنك تحتبي حد أكتر منه
- مستحيل حد يوصل لمكانته في قلبي
- ربنا يهدي النفوس، يا لا يا قلبي نامي وارتاحي وما تفكريش غير بكتب كتاب اللي بعد اسبوع لازم تبقي كويسة عشان تلحقي تجهزي نفسك ياعروسة
- ربنا يخليكي ليا يا أحلى أم بالدنيا
- ويخليكم ليا ياحبايبي.

بعد مرور ست أيام، مرت بهدوء وسكون لا جديد فيها سوا أن ميرال تحسنت حالتها وبدأت تجهز لخطوبتها، تقضي الليل كله على الهاتف مع محبوبها الذي اغرقها بكلامه المعسول وحبه المغشوش ليجعلها أسعد فتاة بالعالم إلا أن سعادتها هذه لم تكتمل فوالدها حتى الآن لا يكلمها حاولت أكثر من مرة أن تعتذر منه إلا أنه كان يغلق الباب بوجهها يرفض سماعها وهذا غير انطواء سيلين بغرفتها طوال الوقت...

أما شاهين مرت عليه تلك الايام وهو عبارة عن نيزك ناري سينفجر بوجه كل من يقف أمامه، اختفت سيلينا خاصته من آخر لقاء بينهم، لا يستطيع الوصول لها عبر الهاتف فهو مغلق طوال الوقت.

ذهب أكثر من مرة الى منزلهم بحجة العمل ليراها ولكن لم يصادفها وهذا ما جعله يجن بشكل رسمي وأصبح جميع من في الوكر في انذار فهو حقا كان كالغول المتوحش، لا يرحم من يخطئ، ولكن ما جعله يصبر قليلا هو بأنها بالتاكيد ستظهر بحفلة خطوبة أختها، وهناك سيلقنها درسا على اختفائها هذا الغير مبرر لقلبه.

أما عند غالية كانت تعيش بملل فظيع تكاد أن تصاب بداء التوحد فهي طول اليوم لوحدها لا يوجد وسائل للتسلية هنا ولكنها محبوسة بشقة راقية من الطراز الرفيع، ابتسمت بسخرية، ماذا تفعل بكل هذا الرقي وهي محبوسة لاشئ يضاهي حريتها...
حتى يحيى أصبح نادرا ما يتواجد معها أغلب الوقت في الخارج وإن عاد يكون شارد الذهن، لا تعرف بأن ضميره يؤنبه عليها.

تأفأفت بضجر وما إن همت بالنهوض لتحرك ساقيها المتشنجة من كثرة الجلوس حتى وجدت باب الشقة الرئيسي يفتح ليليه دخول معذبها الوسيم
لحظة! هل هي بدأت تراه وسيم أم ماذا...
حمحمت حنجرتها و وقفت ما إن اقترب منها وأخذ يتمعن بها بنظرات حزينة لا تعرف ما سببها حتى...
كاد ان يتكلم إلا أنه غير رأيه وتركها ودخل الى الحمام دون أن يلقي السلام عليها.

غاب مايقارب العشر دقائق وخرج وهو لا يغطي جسده سوا منشفة حول خصره، اختفى داخل الغرفة لثواني معدودة ثم خرج وهو يرتدي بنطال منزلي فقط...
كانت تجلس بهدوء تراقب كل حركة صادرة منه ولكن ما جعلها ترفع حاجبيه باستغراب هو عندما وجدته يستلقي على نفس الأريكة التي تجلس عليها ليستقر رأسه على وسط فخذها ولكن كانت الطامة الكبرى عندما نام على جانبه الأيسر وهو يحاوط خصرها بقوة ليدفن وجهه ببطنها وهو يقول.

- اعمليلي مساج عندي صداع هيفرتك دماغي
- طبعا هتصدع وأنت صايع ليل ونهار
- وليه ما تقوليش صداع من كتر تفكيري فيكي
ما إن قالها بحب حتى أبعدت نظراتها عنه بتوتر وقالت
- أين كان السبب تستاهل ويالااا هوينا أنا مش فاتحة جمعية خيرية عشان كل لما تحتاج شوية حب وحنان تجيني
رفع رأسه قليلا ليصبح وجهه مقابل وجهها وهو يقول بمشاكسة- هو أنا عندي غيرك عشان أروحله
يا غلا الروح أنتي.

- والله اللي أنا شايفة إن حبايبك كتير، قالتها بتقزز منه وهي تنظر الى أثر بنفسجي خفيف مطبوع تحت اذنه
دعك يحيى رأسه وهو يكرمش وجهه بتلاعب ويقول: ااايه ده، أنتي طلعتي شقية وانا معرفش
- لا والنبي، أوعى كده جاتك القرف، قالتها وهي تريد أن تنهض ولكنه منعها وهو يقول بغطرسته المعتادة
- هو أنا لو حلفتلك ع الماية تجمد ان البوسة دي كانت بريئة مش هتصدقيني صح
- يحيى!
- ياقلبه
- جاتك ضربة بقلبك اللي عامل زي المكروباص.

ابتسم بغرور ممزوج بتكبر وكأنه يمن عليها بحبه هذا
- بس المكروباص ده مافيهوش غير كرسي واحد وأنتي اللي قاعدة عليه والتانين واقفين شفتي إنك مميزة عندي ازاي
- اوووعى كده، قالتها بغيظ وهي تدفعه عنها ليسقط على الأرض وهو يضحك عليها بقوة كاد أن يلحق بها ليراضيها بكل ممنونية فهو يعشق غضبها هذا
ولكن اتصال حودة منعه من ذلك ولكن ما جعل الأرض تدور به هو عندما سمعه يقول بتنهيدة.

- يحيى باشا، البقية بحياتك أم الست غالية
تعيش أنت...
رفع رأسه وسحب نفس قوي وأخذ ينظر بحزن الى الباب الذي اختفت خلفه معشوقته وهو يقول
- امتى ده حصل
- من ربع ساعة بس هات بنتها عشان تغسلها وتودعها
بلاش تبقا أنت والزمن عليها يا باشا بس اوعى تقولها
دلوقتي لحسن تتجنن عليك سبها لما تجي المستشفى أحسن
- كده أحسن برضوا، مسافة السكة وهنكون عندكم.

انهى المكالمة وذهب وطرق عليها الباب ولكنها لم تفتح، سند مقدمة رأسه ع الباب وهو مايزال يطرقه باستمرار ولكنها عنيدة ولم تفتح، ابتلع غصته وقال باختناق من ضميره الذي أخذ يأكل فؤاده دون رحمة
- غالية افتحي في حاجة مهمة عايزك فيها
اما غالية ما إن نطق اسمها بالشكل الصحيح حتى ذهبت وفتحت الباب لتنظر له باستغراب مابه لما عينيه عبارة عن جمرة من شدة الاحمرار ولكن ما زاد ذهولها هو عندما قال بجدية
- غيري هدومك.

- ايه المناسبة
- أنا تعبان وعايز أروح أكشف واعمل تحاليل بالمستشفى وعايزك معايا
- ليه صغير وخايف تتوه!
- غالية، قالها وهو يتنفس بعمق وكأن هناك هموم بوزن الجبال على أكتافه...
التزمت بالصمت أمام حالته هذه وذهبت تغير ثيابها دون أن تجادل فحالته هذه غريبة أول مرة تراه فيها بهذا الشكل
بعد أقل من عشر دقائق من الزمن كانت تجلس الى جواره بداخل السيارة وصوت احتكاك الاطار مع الاسفل عالي من شدة سرعته...

ربطت حزام الأمان من خوفها وهي تقول
- بالراحة شوية
لم يصغي لها وكأنه لم يسمعها أساسا وقبل أن تنطق مرة أخرى ثعثرت سيارته بإحدى المطبات جعلت رأسها ينضرب بزجاج النافذة بقوة مما جعلها تصرخ بخوف أكبر وهي تقول بانفعال...
- يحيى هتموتنا، حااااااااسب عااااااااا.

صرخت برعب وهي تفتح عينيها على وسعهما بعدما وجدته يحاول أن يتجاوز تلك السيارة التي أمامه حتى تفاجئت بظهور سيارة أخرى تأتي عليهم بشكل سريع من الإتجاه المعاكس.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة