قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل السادس

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل السادس

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل السادس

كانت تجلس على سريرها تنتظرهم وما إن فتح الباب حتى نظرت خلف زوجة أخيها الذي دخلت منه الآن لعلها ترى خلفها إبنتها وعريسها لتقبلها وتشمها وتهنئها، وترى زوج غاليتها لتوصيه عليها وتجعلها أمانة في عاتقه تسأله عنها يوم القيامة، ولكن كسى الحزن وجهها وهي تسألها
- غالية فين، أكيد قاعدة مع عريسها برا صح
تحية بفظاظة
- مين دي اللي برا، دي زمانها وصلت بيتها ودخلت كمان
لتقول بوجع قلب
- راحت من غير ماتسلم عليا!

- معلش شكل العريس كان مستعجل شوية، ختمت كلامها وهي تضحك بمغزى وقح ثم خرجت وهي تتدلع بمشيتها
رجف فكها ولمعت الدموع بعينيها بقهر ثم أخذت مسبحتها لتبدأ بالتسبيح والإستغفار ودموعها تنزل تغسل روحها المعذبة قبل وجهها لعل هذا يهون على قلبها المسكين حزنه وبداخلها تلهث بالدعاء لغاليتها فهي تعلم بأن إبنتها سيدة العناد والتحدي...

علي الجهة الأخرى عند غالية كانت تجلس إلى جانبه بداخل سيارته الفاخرة لا تعرف أين سيذهب بها ولكن تملكها إحساس غريب مخيف جعل أطرافها تتخدر وكأن قلبها يعلمها بأنها تورطت بشئ كبير ولكن ماهو بالتحديد لاتعرف.

تبلدت مشاعرها تماما وكأنها جثة هامدة تنتظر بهدوء إستيقاظها من هذا الكابوس التي تعيش به الآن، أي فتاة أخرى في مكانها كانت ستبكي وهذا الشئ الطبيعي، هذا الذي يجب أن يحدث إلا أنها كانت كالتمثال تحاول أن تستوعب أو تفهم ماحدث حولها...

الصمت كان سيد الموقف لم ينطق بحرف معها قط. مما جعل هذا الهدوء أعصابها تسترخي نوعا ما، كانت متناقضة كل دقيقة يتبدل حالها، ولكن ماعكر مزاجها حقا فوق ضيقها الواضح منه هو رائحة السجائر التي كادت أن تخنقها فهو ما إن يطفئ واحدة حتى يشعل أخرى غيرها بإختصار كان كمصنع ملوث للبيئة.

نظرت له خلسة بقرف من طرف عينيها وهذه أول مرة تراه فيها وأخذت تقيمه، امممم لابأس به فهو كان حنطي البشرة بجسد ضخم لا بل كان عملاق بالنسبة لقامتها هي، مع أن طولها مناسب ولكن بالمقارنة معه كانت أشبه بالقزم أمامه
لاحظت بروز عظام وجهه وخاصة منطة الفك الذي يكسيه ذقن مهذبة مع شفاه غليظة يعلوها أنف حاد كالسيف و شامخ للأعلى...

وعينان بنية لامعة ولكن ماكان يفسد جمالها هي تلك الهالات التي تحيط بهما كالباندا، لاحظت نزول شعر ناعم كالحرير وأسود كالليل على جبينه ولكنه طويل بعض الشيء يحتاج إلى قص ولكن رغم هذا لاتنكر بإنه يليق به ويحمل من الوسامة وقدرها
أما يحيى كان في عالم آخر تماما عنها أخذ يقود سيارته وكل مايشغل تفكيره هو أين يذهب بها؟ هل يستأجر شقة أم يذهب إلى فندق او يعود بها إلى الوكر.

ولكن كيف يعود والوكر مكان لايناسب لفتاة مثلها
فكل النساء هناك عبارة عن بنات ليل متاحين للجميع
أمسك صدغه بتعب ثم أعاد شعره إلى الخلف، اااخ ماذا يفعل بهذه المعضلة التي لم تخطر على باله...
ولكن ما لم يستطع أن يتجاوزه حتى الآن هو صدمته ما إن رآها ترتدي الحجاب مع ثياب فضفاضة محتشمة.

فهو كان يتوقع بإنها اااء، لااا هو لم يرسم بمخيلته كيف سيكون شكلها بل هو لم يفكر بهذه النقطة. هذا لأنها ببساطة لاتفرق معه كل ما أراده هو أن ينتقم من ذلك الحثالة بها...
يعني بإختصار هي لاتهمه ولا تعني له شيئا بتاتا ولهذا السبب سيذهب بها إلى شقته في الوكر وسيمنعها من الخروج منه لكي لايراها أحد وهكذا سيستطيع أن يعيش حياته كما كانت دون أن يضطر أن يغير شيء لأجلها.

هذا الحل الذي وصل له بعد تفكير عميق. أدار الدركسيون ليغير المسار، وبعد وقت لايستهان به وصل لمكان مقطوع بعيد عن تجمعات الناس حتى ظنت بإنها خرجت من العاصمة بأكملها
مما جعلها تنظر حولها والرعب بدأ يسكن مقلتيها.

ظلام دامس يغطيهم، الطريق خالي من السيارات، كادت أن تلتفت له وتضربه على رأسه وتصرخ به يا أيها المعتوه أين ستذهب بي؟ ماهي حكايتك؟ من تكون؟ ولكن سرعان ماضاعت خطتها بالهجوم عليه ما إن وجدته يقترب من مكان غريب بمنطقة عشوائية كبيرة من الخارج مظهرها عبارة عن أنقاض وبقايا منازل قديمة مهجورة لاحياة فيها ولكن ما إن إقتربوا أكثر حتى وجدت بأن كل هذه الأشياء لم تكون سوا سور أو تمويه لما في الداخل.

كان يوجد قطاعين طرق أو هذا ما ظنته عند المدخل الذي كان عبارة عن مجموعة صفائح من الحديد الصدئ ولكن قبل أن يقترب منهم وجدت ذلك الذي يدعى زوجها يضع يده على رأسها من خلف وأنزلها بقوة إلى الأسفل وهو يوجه لها الكلام لأول مرة بأمر صارم
- إداري تحت كويس ماتخليش حد يشوفك ولا يسمعلك صوت
إحتضنت نفسها بسرعة بذراعيها بحماية وأغمضت عينيها وأخذت تدعي بهمس خافت بالكاد هي سمعته.

- يارب إحميني وأسترني بسترك وإحفظني من الناس الغريبة دي...
صمتت ورجفت بشكل تلقائي وهي تضع كفها على فمها تكتم أنفاسها ما إن وجدته رفع كفه لهم كسلام عندما مر بسيارته من عندهم ليرحبوا به جميعا
- أهلا يالداغ، نورت
ليرفع بعدها هاتفه وأخذ يقول بأمر بعدها
- إسمع ياحودة تعالالي عند شقتي وإستناني تحت.

أنهى المكالمة ليقف بعدها عند عمارة بابها الرئيسي مكسور، نزل من السيارة وفتح الباب الخلفي وأنزل حقيبتها ثم توجه نحوها وفتح الباب الذي يجاورها ليراها ماتزال محشورة تحت الكرسي لينحنى ويمسكها من معصمها ثم سحبها بقوة لتنزل معه متوجها بها بسرعة لداخل العمارة ليجعلها تقف تحت الدرج بمكان مظلم ثم أعطاها حقيبتها لتحملها.

لحقت به حتى كادت أن تنادي عليه عندما وجدته يتركها ويخرج ولكن سرعان ما رجعت إلى مكانها ما إن رأت شخص شكله كالمجرمين يقترب من زوجها المبجل الذي قال وهو يرمي له المفتاح
- خد العربية ورجعها الكراج، بس أوعى يتخدش منها حاجة دي عهدة أروح فيك بداهية
- إعتبره حصل ياعريس، ما إن قالها حودة نظر خلفه حتى فهم يحيى بإنه رآها وهي تدخل معه، ليقول بعدها وهو يهز برأسه
- طب يلا أتكل و وريني عرض قفاك
حودة بهزار.

- طبعا هتزحلقني يا باشا الليلة ليلتك
يحيى بتنهيدة
- مابلاش قر أمك ده، ويلا إخفي من هنا، ومش عايز أنبه عليك
- في بير طبعا من غير ماتوصي ولا كأني شفت حاجة
ربت يحيى على كتفه وقال بإبتسامة: جدع ياض
أما غالية إحتضنت حقيبتها الصغيرة ما إن رأته يدخل و يقترب منها ليسحبها معه إلى الأعلى وكأنها دمية يحركها كيفما يشاء، كانت شقته بالطابق الثاني وصل إلى بابها وفتحها ليدخلها قبله أو بالمعنى الأصح دفعها أمامه.

أخذت تنظر إلى المكان كانت الأرضية سيراميك أبيض ولكن قد تحول لونه من عدم التنظيف إلى تصبغات الرمادي الممزوج بالبني، كان يوجد غرفة واحدة وصالة وحمام ومطبخ مساحتة صغيرة.

علي ما يبدو بأن هذا المكان مهجور لم يسكنه أحد منذ شهور، ولكن سرعان ماغيرت رأيها ما ان رأت ثياب نوم باللون الأحمر مرمية على أريكة الصالة عند هنا قطبت جبينها بإشمئزاز وهي تمرر نظرها على صاحب هذا المكان وكأنها تقارن مابينه وبين منزله ياترى أيهما أكثر قذارة بالتأكيد هو سيفوز بهذه المنافسة...

تنهدت بصبر مع أن الصبر ليس من شيمها، ذهبت وجلست على الأريكة بعدما رفعت أمامه تلك الثياب من طرف أصابعها ورمتها بعيدا بإهمال
أما يحيى لم يعلق على فعلتها فهو متعب الآن، تركها وذهب إلى الغرفة ليخرج له ثياب نظيفة ثم توجه إلى الحمام ليزيل عنه عبق اليوم الطويل الذي مر به.

وما إن خرج حتى وجدها ماتزال جالسة بمكانها ولم تغير ثيابها بعد، ليتجاهلها وكأنها غير موجودة ودخل إلى الغرفة ورمى نفسه على السرير بإرهاق ونعاس فهو لم ينم منذ يومين بسبب الشحنة التي وصلت أمس.

والآن حان وقت النوم هذا ماقاله عقله وهو يغمض عينيه بإستسلام تلقائي وراحة لا توصف، فعلته هذه جعلت غالية تقف مصعوقة، هل ينام؟ كيف ينام ويتركها هكذا أخذت تقرص وجنتها هل هي الآن مستيقظة أم نائمة لأن ببساطة كل مايحدث الآن غير منطقي على الإطلاق، لماذا تزوجها هذا الكائن الغريب ماذا يريد منها؟

بعد مرور ساعتين من التساؤلات لم تجد لها أجوبة سحبت حقيبتها وأخرجت لها ثياب مريحة لتذهب إلى الحمام لتغتسل وتغير ثيابها وما إن خرجت حتى إرتدت أسدالها وفرشت سجادتها وجلست عليها تنتظر أذان الفجر. ولكن الغريب لم تسمع صوت أي أذان مع إن الوقت قد فات!
نهضت وأدت فرضها ثم نظرت نحو باب الغرفة هل تذهب وتوقظه للصلاة أم تنتظره ينهض من نفسه
ولكن ما إن تأخر الوقت وبدأ النور يشق الظلام نهضت.

من مكانها ودخلت عليه لتقف إلى جانب السرير تتأمله
كان ينام في وسط الفراش على بطنه وهو يفرد ذراعيه إلى الأعلى، يرتدي بنطال قطني رياضي أسود مع تشيرت ربع كم أسود. كان هناك شخير بسيط يصدر منه على مايبدو بإنه لم ينم جيدا منذ أيام
إنحنت نحوه وأخذت تناديه: يحيى، إصحى صلاة الصبح هتفوتك، يحيى الصلاة خير من النوم. يلا قوم
عشان ربنا يباركلك في يومك.

كان تتكلم بصوت هاديء مريح للأعصاب وبرغم نومه العميق إلا أن نغمتها الناعمة أيقظته وجعلته يفتح عينيه وهو يرفع وجهه لها ويقول بصوت مبحوح وناعس
- هي الساعة كام
- ماتخافش لسه في وقت ع الشروق هتلحق صلاتك
قالتها وهي تظن بإنه سينهض ولكنها إندهشت ما إن عاد إلى نومته بعدما صرخ بوجهها بإنزعاج
- إخفي من وشي أحسلك.

- عديم الذوق، تمتمت بها وهي تخرج من الغرفة ثم توجهت إلى الأريكة لتستلقي عليها بتعب لتغمض عينيها بإختناق وهي تحاول أن تهرب من تفكيرها المستمر إلى النوم
أشرقت الشمس تعلن عن يوم جديد لتستيقظ بإستغراب على صوت صراخ يأتي من الخارج وهو ينادي على ذلك المغفل الذي ينام في الداخل ولكن قبل أن تذهب نحو الشرفة لتجد من هذا الذي يصرخ فصوته مألوف بالنسبه لها، حتى وجدت يحيى يخرج من داخل الغرفة.

ويذهب نحو الشرفة بسرعة ولكن سرعان ما إن إبتسم بانتصار ممزوج بخبث عندما رأى غريمه يحترق بنار لا آخر لها،
كان رامي يقف في منتصف المكان يعلن عن وجوده
والرجال المسؤلون عن أمن الوكر تكتفه وتمنعه بأن يصعد
للآخر...
هذا المنظر جعل يحيى يرتوي غليله ويتحمس لما هو قادم، إلتفت إلى الداخل وأغلق باب الشرفة ثم توجه نحو الباب لينزل ولكنه إلتفت الى تلك التي تقبع بالصالة ليرفع سبابته لها بتحذير.

- حسك عينك حد من اللي برا يلمح ضلك
ختم كلامه وخرج لينزل على السلم وما إن وصل للتجمع أمام العمارة حتى قال بصوته الخشن وهو يمشط شعره المبعثر بأنامله الطويلة
- سيبوه هو طور عشان تكتفوه كده
صرخ رامي بغل شديد وهو يحاول أن يخلص قيده من هؤلاء
- موتك على إيدي ساااامع على إيدي
ضحك يحيى بحقارة وإنتشاء لم يشعر به من قبل.

- أكيد وصلك الخبر صح، طب إيه! مافيش مبروك. تؤ تؤ تؤ، قالها وهو يغمز له من طرف عينيه ثم إقترب منه وهمس له عند أذنه، ده حتى إمبارح كانت دخلتي ياجدع.

بحركة مباغته وقوية حرر نفسه منهم ليلكمه بعنف على فكه، فكلماته كانت عبارة عن بنزين تم سكبه على النار، حاول أن يضربه أكثر إلا أن رجال الوكر سرعان ماكتفوه مرة أخرى ليمسح يحيى طرف فمه وهو يبتسم بخفة لتتحول إلى ضحكات شامتة ولكن سرعان ما إختفت وتغير وجهه إلى التجهم وهو يقول بصوت عالي
- سيبوه مش عايز حد يدخل مابينا، وبالفعل نفذ رجاله الأمر وإبتعدو عنهم قليلا ولكنهم كانوا متحفزين للتدخل في أي لحظة.

إقترب رامي منه وما إن كاد أن يلكمه مرة أخرى حتى مسك يده بقوة ولواها إلى الخلف ليضربه بمقدمة رأسه على أنفه ثم سحبه نحوه قبل أن يقع و أخذ يكيل له لكمات متتالية ثم دفعه بعيدا عنه وسرعان ما سحب عصا من الخشب الثقيل ليضربها بجانب وجه الآخر أكثر من مرة ثم رماها خلفه وهو ينهج بغضب بشكل وحشي.

ولكن ما إن وجده يقترب منه مترنحا وهو ينزف من كل مكان حتى جلس يحيى نصف جلسة بسرعة ليعالجه بركلة على إحدى ركبتيه ليجعله طريحا على الأرض متأوها ولكن حتى التأوه هذا حرمه منه ما إن ضغط على حنجرته بحذائه بقوة يخنقه بها ثم أخذ يقول بصوت جهوري شرس
- المرة الجاية ماتحطش راسك براس أسيادك، وعقابك.

هيكون إنك تعيش، قطع كلامه و إبتعد عنه وإنحنى بجذعه ليسحبه من مقدمة ثيابه بحركة مهينة ثم أكمل بهمس، وحبيبة قلبك في حضني...
لفظه من يده بعنف ثم إلتفت ليصعد إلى منزله ولكن قال قبلها بأمر
- إرموه برا الوكر زي الكلب.

كل هذا حدث أمام عينيها فهي كانت تقف خلف شيش الشباك المغلق، لاتصدق كل ما رأته، يالله ماهذا المكان الذي هي فيه الآن، إلتفتت بسرعة إلى الخلف ما إن سمعت صوت الباب يفتح لتذهب نحوه بغضب فقد طفح الكيل حقا ولم يبقى هناك مجال للصمت وقفت أمامه ومنعته من العبور
- إنت مين؟ وعايز مني إيه، إتجوزتني ليه؟

لم يرد عليها وأخذ يتمعن بشكلها جميلة وناعمة ولكنه كان يفضلها أن تكون قبيحة، فالمنطق لديه يقول كلما زاد جمال الأنثى زاد غبائها، النساء بالنسبة له شر لا بد منه لذلك قاعدته الأولى والأخيرة للتعامل معهم هو أن تأخذ ماتريد منهم ثم ترميهم
قطعت سيل نظراته الوقحة وهي تعيد سؤالها بغيظ
- بقولك إتجوزتني ليه؟
إبتسم بعجرفة فقد فهم كلامها بشكل آخر يروق لكبريائه كرجل.

- هي الناس بتتجوز ليه، على العموم حقك تزعلي لأني سبتك ونمت ومدتكيش حقك الشرعي بس ملحوقة هعوضك. وحالا
ختم كلامه وهو يمسكها من ذقنها وأخذ يتحسس بشرتها الناعمة بوقاحة مشروعة ليتفاجئ بها تضرب يده بقوة وهي تقول بشراسة لم يتوقعها منها: أوعى كده
إبتعد عنها ونظر لها بتمعن ثم قال بتكبر
- وطالما أنا مش عاجبك ياقطة وبتقرفي من لمستي وافقتي تتجوزيني ليه؟! هااا، وافقتي ليه.

صمت قليلا وأخذ ينظر إلى وقفتها و قوتها وشموخها الذي يستفزه بشدة ثم إقترب منها مرة أخرى وأكمل بخفوت وهو يغوص بعتمة عينيها، اللي يشوف عزة نفسك دي وأنتكتك عليا مايقولش إن أهلك رموكي عليا رمي بشوية ورق ملون
ظن بكلامه هذا سيهز ثباتها ولكنها بادلته بنظرات واثقة وهي تقول.

- إنت أكثر واحد عارف جوازنا حصل إزاي. وإنهم غصبوني عليك، ومع كده قولت الحمدلله أكيد فيه خير وربنا هيعوضني بيك عن اللي شفته بس مع الأسف طلعت بلاء ولو كان أمري في اثيدي كنت تحلم أوافق عليك وأنت بأخلاقك دي
رفع حاجبه بصدمة من ردها ولكن سرعان ما إبتسم من طرف شفتيه بسخرية ثم أخذ ينظر لها بإستعلاء واضح.

- إيه ده هي الحكاية طلع فيها غصب، أوعي يابت تشوفي نفسك عليا وتفكري إني دايب فيك، لاااء إصحي كده من أحلامك دي وفوقي وإعرفي إني أنا وافقت عليك بس لأني محتاج حد يخدمني.
يعني إنت مش أكتر من خدامة شغلتك هنا. تغسلي وتطبخي وتنضفي واااء امممممم ومش مشكلة لو إتمتعت بيك شوية كمان مش مضر بس لو مفكرة إني هخليك تكوني أم لولادي لاء و ألف لاء وإحلمي على قدك، لأنك ببساطة متشرفنيش.

و مالكيش عندي أي حقوق لو أديتك حاجة تبوسي إيدك وش وقفا. مادتكيش ماسمعش صوتك، أاااامين يابنت الناس، اللهم بلغت اللهم فاشهد، عاجبك كده أهلا مش عاجبك الباب قصادك أهو أخرجي منه زي مادخلتي، وأنا هعتبر الفلوس اللي دفعتها فيكي ضاعت أو إتسرقت.

- قليل الأصل هتوقع منك إيه يعني، ما إن قالتها بصوت متراخي مصدوم من ماسمعته منه بكل وقاحة حتى رفع كف يده عاليا ليهبط بها بكل قوته على وجنتها وهو يكز على أسنانه بإنفعال مما جعلها تفترش الأرض بعنف
توقع منها البكاء أو الصراخ ولكنه فتح فمه بعدم تصديق ما إن وجدها تنهض وتقف أمامه مرة أخرى وهي تنظر في داخل عينيه بقوة أكبر من سابقها وكأنها هي التي ضربته وليس هو...

لمعت عينيه بإندهاش فهو توقع أن تبكي ولكن هذا الموقف جعله يعرف بأن زوجته ليست من النوع الذي يسرف الدموع كثيرا كالأخريات من جنسها
(رفقا بالقوارير يحيى، قوتها هذه لاتعني بإنها لا تتألم)
في فيلا الجندي بالتحديد بمكتب سعد كانوا يجلسون هم الثلاثة
رجع ياسين إلى الخلف ليسند جسده على الكرسي براحة وهو يقول: ودلوقتي بقت شراكتنا رسمي وقانوني بعد ما وثقنا الأوراق
سعد بتفاؤل
- فاتحة خير إن شاء الله
ياسين بإبتسامة.

- إن شاء الله
- أستاذ شاهين هيكون معانا صح، قالها سعد وهو ينظر لذلك الذي كان يلتزم الصمت كعادته ليقول شاهين بتأكيد ذا مغزى لم يفهمه هو
- أكيد، أصلا شغلي الجاي كله هيبقى معاك وش لوش
إبتسم سعد بطيبة قلب وهو يقول
- وده شئ يسعدني
نظر ياسين بتحذير الى أخيه الذي كان لايكلف نفسه ولا حتى بمقدار ذره بتصنع الإبتسامة أو حتى اللطف.

وبرغم تحذيراته إلا أن شاهين لم يبالي به ليبتسم هو بوجه سعد بدلا عن الآخر ثم أخذ يغير مسار الحديث وهو يقول ببهجة ليلفت نظره
- وبكده مافضلش غير حفلة إفتتاح الشركة ونعلن الشراكة
تجهم وجه سعد بعدم رضا
- لازم يعني الكلام ده
ياسين بتأكيد
- طبعا الشكليات دي مهمة
سعد بضجر
- والله ماليها لازمة، أنا كنت برا دايما بهرب من الأجواء دي، بتخنق منها من وأنا كنت في سنكم
ليشرح له ياسين بعملية وطريقة دبلوماسية.

- دي مش بس حفلة عادية، لاء دي فرصة إن الكل يعرفك وتثبت نفسك و تبني علاقات مجاملة مع رجال الأعمال اللي واكلين السوق اليومين دول، الحركة دي مهمة
سعد بمحاولة أخيرة يائسة
- يعني بإختصار مافيش مهرب
ياسين بأسف مضحك وهو يكرمش أنفه
- مع الأسف لاء
تنهد باستسلام
- طيب هتكون امتى!
ليقول ياسين بهمة
- بعد بكرة ماتقلقش أنا مجهز كل حاجة
نظر له سعد بإمتنان وقال
- والله تعبك معايا من ساعة ماجيت وحضرتك متكفل بكل شئ.

تدخل شاهين وقال بجدية ونظرات حادة كالصقر
- مش مهم مين اللي يتعب المهم النتيجة تكون زي ما إحنا عايزين، ولا إيه،؟
قال الأخيرة وهو ينظر إلى أخيه الذي رد على الفور وهو ينهض
- كلامك صح يامتر، يلا نستأذن إحنا
بعد كلام وسلام خرجا من المكتب بل من الباب الداخلي للفيلا متوجهين إلى الحديقة ليتنفس ياسين الصعداء ثم أخذ يقول بسخرية وهو يلتفت له.

- ياعم، جامل، إضحك، إبتسم حتى، شاركنا بالكلام، إيه وش الخشب اللي كنت قاعد بيه قصاد الراجل ده، ده كان ناقص تقوم تخنقه وتدفنه بمكانه
شاهين بتصريح مخيف
- أخنقه،! تصدق كان فعلا نفسي أقوم وأكتم نفسه بإيدي، بس لاء مش بالسهولة دي، موته بسرعة مش هيشفي غليلي، بس اللي هعمله فيه هيخليه يتمنى اني أخنفه بجد عشان يخلص مني ومن اللي مستنيه.

نظر له ياسين بترقب فهو أعلم الناس بالذي أمامه وما يستطيع أن يفعله حقا وأن سكوته الدائم هذا ليس سوى فخ للجحيم الذي يختفي خلفه، ليقول بعدها
- ربنا يعين أعدائك عليك، والحمدلله إني مش منهم
- إنت مش أحسن مني. الفرق في الأسلوب بس، قالها وهو يفتح باب سيارته ولكن قبل أن يصعد وجد أخيه ينظر نحو المسبح البعيد ليقول بعدها بمشاكسة
- بقولك إيه ياشاهين، طير أنت
- مالك يالاا ماتتعدل في إيه؟

- في شغل، الله! هيكون في إيه يعني، هروح أشوف مزتي وهبقى أسبقك، سلام، قالها ثم أخذ يتسلل كالأفعى بهدوء تام متجها نحو فريسته التي كانت تجلس على كرسي طويل أمام حوض السباحة وبين يديها كتاب كان واضح عليها إندماجها بالقراءة. إنحنى نحوها وهمس لها من الخلف
- وحشتيني.

فعلته هذه جعلتها تجفل وهي ترفع رأسها له ما إن إستقام، تجاهل نظراتها المنزعجة و المتسائلة عندما وجدته يجلس أمامها على نفس الكرسي لتسحب قدميها الممددة بسرعة بخجل لتحاول أن تنهض بعدها إلا أنه منعها عندما مال عليها بسرعة وحبسها بين ذراعيه ولكن دون أن يلمسها
نظر إلى بؤبؤ عينيها الغاضب وهمس بصوت رجولي بحت
- مش بتردي على مكالماتي ليه؟
ميرال بحدة: لوسمحت، ماينفعش كده، إبعد
ليقول لها ياسين بمقايضة.

- أوعديني إنك تردي عليا وأنا هابعد فورا
ميرال بتحدي
- أوعدك إني مش هرد عليك أبدا
إبتعد ورفع حاجبه وهو يقول بتحدي لايقل عنها
- بقا كده!
هزت رأسها وقالت بعناد
- ايوة كده
إمتدت يده ليسحب الكتاب منها وما إن رآها رواية رومانسية حتى قال بعدها
- يابخته، شفتي عملتي فيا إيه، بقيت أحسد كتاب من ورق وأتمنى أكون بمكانه لأنه بس بين إيديكي، وبحسد كلماته لأنك بتنطقيها بشفايفك اللي زي الورد دي.

قالها و أخذ يركز بنظره على ثغرها وعينيها و وجنتيها حتى أنفها الصغير يعجبه بشدة يود أن يقبله بخفة
ميرال بتوتر حاولت أن تداريه
- بلاش تبصلي كده
تنهد بحرارة وقال بهيام.

- أعمل ايه! عيني مابتسمعش الكلام كل لما بعوز أبص لحاجة غيرك بتقولي لاء أنا لسه ماشبعتش منها، عارفة يعني إيه مش عارف أشبع منك ولا من عنيكي اللي عاملة زي المرآيا كل لما بشوف إنعكاس صورتي فيها بتمنى أقفل جفونك بإيدي عشان بعدها ماتشوفيش غيري، شفتي عملتي فيا إيه؟
و وصلتيني لفين!

كلامه لم يهزها فقط بل بعثر شتاتها وضيع ثباتها ولكن مستحيل أن تظهر له هذا، لم ولن تخون ثقة والدها بها حتى وإن كان الذي أمامها يروق لها ويعجبها
عند هذه النقطة سكن البرود مقلتيها لتقول بعدها بهدوء مستفز وإستخفاف لما سمعت
- إمممم، والمطلوب مني دلوقتي إني أصدق كلامك ده وأدوب فيه، مش كده.

بص بعيد عن كل اللي قلته، لأني هعتبر إني ماسمعتش حاجة خالص من الأساس عشان ماتنزلش من نظري أكتر من كده، هقولهالك بإختصار ومن غير لف ودوران أنا مش متاحة للتسلية ولا للعلاقات، لو سمحت إبعد عن طريقي وبلاش تزعجني، و دي آخر مرة أحذرك فيها وإلا، هتخليني أبلغ بابا بكل عمايلك وأقوله شريكك اللي بتعتبره زي إبنك مش قد الثقة اللي إنت إديتهاله، عن إذنك.

قالتها وهي تبعده من أمامها بطرف الكتاب لتنهض بعدها متوجهة إلى الداخل ولكن ما إن حاول أن يلحق بها حتى إرتفع رنين هاتفه بمكالمة مهمة
أما عند شاهين ما إن تركه أخيه حتى حرك رأسه برفض لما يفعل الآخر وهو يفتح باب سيارته ليصعد ولكن أغلقه بعدها عندما جذب إنتباهه صوت لموسيقى أسبانية تأتي من غرفة منفصلة عن الفيلا على مايبدو بأنها خاصة بالرياضة...

الفضول دفعه يتحرك نحو مصدرها بشكل آلي وهو يقطب حاجبية ويقلص عينيه بترقب فهو كلما تقدم إرتفع الصوت وجذبه أكثر، ياترى من هو سبب كل هذه الضجة
إلتف حول تلك الغرفة أو نستطيع أن نطلق عليها قاعة كبيرة للرياضة أو هذا ماظن فهو لم يكتشف محتواها بعد، كان الجدار الأمامي للجهة الأخرى عبارة عن زجاج في زجاج.

لينشف الدم بعروقه ما إن رأى حورية أبدع الخالق في حسنها تتمايل ببطئ أمام مرآة كبيرة، كان بقدميها حذاء عالي أنيق لايعرف حقا كيف تستطيع الرقص أو حتى الوقوف به، مع بنطال جينز قصير ملتصق بها ك جلد ثاني مع توب أسود يزين خصرها شال رنان خاص بالرقص، كانت الرؤية غير واضحة بالشكل الطلوب له لهذا
نسي نفسه ونسي من يكون هو! وهي من تكون! وكأن عقله رمى كل شئ وراءه.

إقترب من الباب وفتحه ليسند ذراعه على إطار الباب وهو يكتف ذراعيه ونظراته كانت ماتزال تأكل تلك الحلوة المغرية التي تدعوك لتذوقها برغبة جامحة
لم تلاحظ سيلين بعد وجوده بقربها فهي كانت تركز على حركاتها بالمرآة وضعت يديها برقة على خصرها الرفيع لتتحرك إلى الأمام بدلع ثم أخذت تعود إلى الخلف وهي تهز شعرها المموج بدلع أنثوي أطاحت بفعلتها هذه بعقل بذلك الجبل الذي يراقبها.

ليرفع حاجبه بإعجاب واضح وهو يعتدل بوقفته ما إن رآها تلتفت وهي تضحك لتتلاشى ضحكتها إلى صدمة ثم إلى غضب جامح عندما أستوعبت تواجده أمامها
فتحت تلك الربطة من على أسفل ظهرها المليئة بالخرز الملون لتتوجه نحو المسجل وتطفئه وهي تقول بغضب جامح
- إيه قلة الذوق دي، مين اللي سمحلك تدخل عليا بالطريقة دي...

لم يرد عليها فهو حتى الآن لم يزول سحرها من عليه بل على ما أعتقد زاد فنظراتها الغاضبة وإنفعالها وهي تحرك يديها بكل الإتجاهات، كانت كالمهرة الجامحة ترفض الترويض بأي شكل
ولكن قطب جبينه بضيق ما إن قالت وهي ترفع سبابتها أمام وجهه بعدما إقتربت منه
- عيب يا أستاذ يامحترم عيب، لما تدخل بيت حد لازم تحترم حرمة بيته.

دخولك هنا يا أستاذ عشان شغل وبس، و ياريت تحترم ده، والمرة الجاية لما تخلص شغلك مع بابا تاخد بعضك وتركب عربيتك وعدل ع البوابة. سامع يااااا، متر
قالت الأخيرة بتهكم واضح وهي تتعداه وتخرج لترى بعدها ياسين يقف بالقرب منهم على مايبدو بإنه سمع الحديث كله، لتنظر له هو الآخر بضيق ثم أخذت تكمل طريقها بإنفعال لداخل الفيلا.

إقترب ياسين من أخيه الذي كان يغلي كالبركان ليقول بقصف جبهة: إيه اللي سمعته ده يا بوص. البنت دي هزقتك ولا أنا بحلم، ضحك بعدم تصديق وأكمل
دي رجالة بشنبات معملوهاش واااااء
صمت ياسين فورا وإبتلع باقي كلامه ما إن نظر له شاهين بحدة مخيفة وصلته من خلالها رسالة واضحة بإنه قد تجاوز الخطوط الحمراء
تحمحم ياسين لينظف حنجرته ثم لحق بالآخر ما إن تركه وذهب نحو سيارته ليقول له بجدية.

- الحاج كلمني وقال لازم نرجع الوكر فورا
- ليه، حصل إيه، قالها بتساؤل و تركيز عالي وهو يجلس خلف مقود القيادة ليقول ياسين بتخمين ما إن جلس هو الآخر إلى جانبه وربط حزام الأمان
- اللي فهمته إن يحيى جاب العيد بدري
أومأ له شاهين بقلق داخلي على أخيه الروحي ولكنه حافظ على ثباته الخارجي وإنطلق بسرعة نحو الوكر ليرى ماذا هناك.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة