قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الرابع والعشرون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الرابع والعشرون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الرابع والعشرون

مساء في إحدى المستشفيات الأهلية
- عنده ذبحة صدرية حادة غير مستقرة والنوع ده الآلام اللي فيه مابيختفيش مع الراحة عند المريض عشان كده استخدمنا النوم السريري. و عشان نقدر كمان نحسن من تدفق الدم ونسيطر ع الحالة و نحد من إحساس المريض بالوجع و التعب سواء كان التعب ده جسدي أو نفسي...
شحب وجهها بطريقة مخيفة مما سمعت لتقول بصوت مهزوز متردد، خائفة من اجابته على سؤالها الذي ستنطقه الآن.

- هو في خطورة على حياته
نظر لها الطبيب من تحت نظارته الطبية بتمعن ثم قال بعملية: حاليا لاء، صغط الدم مستقر بس زي ماقولت من شوية الراحة النفسية عامل كبير للعلاج
- أقدر أشوفه
رفع قلمه بوجهها وقال وهو يبحر بنظره على ملامحها: من برا بس ممنوع تدخلي عليه
- طب وأختي وأمي حالتهم ايه، ما إن قالتها وهي تتوسله بعينيها أن يطمئنها حتى رد عليها بأسف على وضعها فهي بجمالها هذا لم تخلق للحزن.

- أختك عندها صدمة عصبية والست الوالدة غيبوبة سكر بس ماتقلقيش هما كويسين دلوقتي
نهضت من مكانها وهي تقول بحزن
- شكرا
- العفو، بس خدي بالك من نفسك شفايفك لونها أبيض لحسن تقعي أنتي كمان يا أنسة هو اسم حضرتك ايه
فتحت الباب وهي تقول: سيلين
- اسم رقيق زي صاحبته.

خرجت من المكتب الخاص به دون أن ترد عليه وكأنها لم تسمعه، أخذت صدى كلماته وتشخيصه لوالدها يتردد بذهنها بصورة متعبة، أخذتها قدميها بخطوات مترنحة نحو العناية المركزة لتتوقف أمام النافذة الزجاجية ما إن وصلت هدفها لترى والدها من خلالها يرقد بين الأجهزة بجسد خاوي لا روح فيه...

نزلت دموعها الحارة من بين أجفانها المتورمة لتسند مقدمة رأسها على الزجاج البارد وهي تفرد كفيها ببطئ عليه ليرتفع صوت أنين قلبها بوجع...
لا تصدق حتى الآن ماحصل معهم، كل شئ من حولها أصبح رماد حرفيا.

انزلقت بجسدها للأسفل ببطئ بقلة حيلة لتجلس على الأرض وهي تحتضن نفسها وتبكي بمرارة كالطفلة اليتيمة، لم تشعر كم مر عليها من وقت ولم تفوق من ضياعها هذا إلا عندما شعرت بأحد يقف فوق رأسها لتفتح عينيها لترى أمامها حذاء أسود لامع و راقي
رفعت نظرها للأعلى لترى كابوسها متجسد أمامها، والذي ما إن التقت نظراتهم ببعضها حتى انحنى لمستواها بنصف جلسة وهو يقول بعدما رفع يده وأخذ يمسح دموعها بإبهامه
- ليه كل ده!

لوت شفتيها باختناق وهي تقول بحرقة: أختي نايمة بالدور اللي تحت عندها صدمة عصبية وأمي نايمة جنبها وقعت من طولها لأنها ماستحملتش اللي بيحصلنا...
أخذت تمسح عينيها بقوة وهي تكمل، مبسوط دلوقتي صح، أكيد مبسوط لما خليت عيلتي تدمر قصاد عيني ماهو ده كان هدفك من الأول.

قبضت على تلابيب سترته بقوة وهي تقول من بين أسنانها بحقد وانهيار، قولي أعمل فيك إيه عشان يبرد قلبي من ناحيتك، كل ده حصل بسببك أنت وأخوك، كان يوم أسود يوم مادخلتم حياتنا وبوضتوها
أبعد يديها عنه ونهض وهو يقول ببرود بعدما عدل ثيابه: البادي أظلم وسعد هو اللي بدأ
- بابا صح ظلم بس ظلم نفسه لم أمن ليكم وحط إيده في إيديكم، ودلوقت بعد ما وصلتم للي عايزينه
مش عايزة أشوفكم تاني واااء.

قاطعها شاهين برفض: لاااا ياحلوة، ياسين عمل واكتفى باللي عمله وده شيء راجع ليه، بس أنا لسه ماعملتش حاجة
- كل ده ومعملتش حاجة، بابا هيعلن افلاسه بسببكم
شاهين بتوعد: ولسه ياما هيشوف مني...
أنا عايزه يخسر كل حاجة مش بس فلوسه وتعب عمره اللي ضاع قصاد عينه...

لتقول سيلين بضعف فهي لا تملك الطاقة للكلام حتى: عايز منه إيه أكتر من كده فهمني، ده حتى صحته راحت، إيه الغل اللي جواك ليه، غلك ده هيقتلك في يوم، كرهك ده هيسممك
- كل اللي عشناه بسبب أبوكي، قتل أبويا وحرمني من عمي اللي كان ناوي يطلعنا من الوحل اللي احنا عايشين فيه دلوقتي، فعشان كده لازم يخسر كل حاجة
والإختيار ليكي، يا أنه يخسر عمره اللي فاضل يا
إما أنتي.

جفت دموعها على وجنتيها من ما سمعت ثم نظرت له بتشويش وهي تقول بعدم استيعاب
- مش فاهمة، قتل. حرمان! باباك عمك!
انت بتقول ايه،؟
- لاء اصحي معايا، قالها وهو ينحنى نحوها ويسحبها من معصمها ليجعلها تنهض رغما عنها لتقف أمامه بصعوبة وهي تشعر بدوار شديد يحيط بها ثم وجدته يكمل بجدية.

- اللي حصل أكبر من إنك تفهميه بس اللي أقدر أوضحه ليكي هو إن بكرة الصبح هيتم اطلاق قرار من النيابة بضبط وإحضار سعد الجندي بتهمة تجارة أسلحة...
مااااااهو أنا نسيت أقولك إن الشحنة اللي تصادرت بالميناء لقوا فيها هم ما يتلم وبلاوي مالهاش آخر.

و ده غير إن قرار البنك طلع بالحجز ع الفيلا اللي مرهونة بقيمة القرض و ده كمان غير تجميد كل حساباته اللي بالبنوك يعني باباكي رجع ع الحديدة، ده حتى الحديدة أنا سحبتها منه، بسسسسس
- بس ايه، ما إن قالتها بتوهان حتى اقترب منها وهو يتلمس وجهها ويقول بخبث
- بس ممكن تنقذي والدك من أنه يعيش آخر أيامه بالسجن مع المجرمين قطاعين الطرق بإنك
أكملت بدلا عنه وقالت: اتجوزك.

- شاطرة يابطتي، قالها وهو يقترب منها بجسده لدرجة الالتصاق ليعود الى الخلف باستمتاع ما إن وجدها تدفعه عنها بغضب
- أااانت بتعمل كل ده عشان تكسر بابا فيا وأنا مش هديك الفرصة دي، بابا عنده السجن أهون من إني أكون ليك
مط شفتيه بتفكير وقال
- يمكن سعد هيفضل السجن، بس ياترى هتقدري تشوفيه بيتعذب كده وأنتي بإيدك الحل، ماظنش.

أنا هسيبك دلوقتي تفكري براحتك عندك الليل كله وأنا عارف ومتأكد من قرارك بأنك هتوافقي، لأن بالفترة اللي فاتت اكتشفت إن مش بس أنتي نقطة ضعف سعد، لا هو كمان نقطة ضعفك، و أكبر دليل على كلامي ده هو شكلك اللي واقفة فيه قصادي ده...

علي العموم بكرة الصبح هكون هنا عشان لما ياخدوا سعد أكون جنبك، شفتي أنا شهم و حنين عليكي ازاي. وبكلمة منك وامضاء بسيطة على ورقة هطلعلك باباكي من كل الدوشة دي، فكري كويس وشوفي اللي يناسبك واعمليه
قال الأخيرة وتركها وذهب لتنظر الى أثره و هو يبتعد عنها وما إن اختفى حتى التفتت وفتحت باب غرفة العناية الخاصة لتدخل لوالدها وبرغم منع الطبيب ذلك إلا أنها كسرت كل التعليمات الطبية والارشادات.

ودون أدنى مقدمات استلقت الى جانبه واحتضنت بطنه ما إن وضعت رأسها على صدره لتنزل دموعها بغزارة عندما شعرت بدفئ أحضانه لتقول بصوت يرتجف من شدة البكاء
- في يوم قولتلي أنتي لو لفيتي العالم كله مش هتلاقي حضن يضمك ويحتويكي زي حضني...
باباااااااا، عايزين يحرمونا من بعض وأنا والله، والله. والله ما أقدرش أعيش من غيرك...

ختمت كلاماتها هذه وهي تدفن وجهها فيه لتزداد آهاتها المجروحة، مر عليها وقت طويل وهي ترفض ان تبعد نظرها عنه وكأن قلبها أعلمها بأن هذه آخر ليلة تراه فيها ولكن لا تعرف كيف غدرتها أجفانها وانغلقت باستسلام للنعاس
بأول ساعات الفجر وما أقساه من فجر سيمر عليها، أخذت تقطب جبينها بانزعاج وهي تفتح عينيها ما إن سمعت ندائه الخافت.

- س سسس سيلين، قالها سعد بتعب ولسان ثقيل وهو يضع يده على رأسها ويضغط عليه بضعف وكأنه يريد أن يضمها له أكثر
رفعت نفسها بسرعة وأخذت تنظرله بلهفة لتقول بعدما قبلت وجنته
- بابا حبيبي
نظر لها وقال بصوت هامس: ميرال فين
- مافيهاش حاجة ماتشغلش بالك فيها، طمني عنك أنت كويس، قالتها وهي تراقب تعابيره الشاحبة بخوف ليغلق عينيه ويفتحها بخمول وهو يقول
- ماتخافيش كويس.

- أنا هروح أنادي الدكتور واجي من تاني، قالتها وهي تنهض بنشاط غريب وكأن صحتها عادت لها ما إن فاق، ذهبت نحو الباب لتخرج ولكن استدارت له وأكملت وهي ترفع سبابتها له بتحذير، بس أوعى ترجع تنام من تاني نومتك دي بتوجعني...
وما كان رد سعد عل كلامها هذا سوا ابتسامة محبة انرسمت على وجهه المريض...

غادرت غرفة والدها بسرعة لتتصادف مع طبيبه الذي نظر لها بانزعاج وقبل أن يؤنبها على كسر تعليماته والقوانين وجدها تقول بفرحة: بابا فاق
رفع حاجبه وقال: أكيد هيفوق هو مش بغيبوبة
- أومال ليه امبارح طول اليوم مافاقش
- لأن احنا مديين ليه منوم عشان جسمه يرتاح ما أنا قولتلك ع النقطة دي، بس يرتاح ازاي وهو عنده بنت زيك سابت المستشفى كلها و راحت نامت على قلبه.

- كان واحشني، ما إن قالتها بعفوية حتى نظر لها الطبيب بتمعن وهو لا يصدق كتلة الجمال التي تتجسد أمامه الآن كاد أن يرد عليها وهو يرمقها بإعجاب إلا أن صوت الهجين الغاضب قطع عليه هذا التواصل
- سيليناااا مامتك تحت بتسأل عليكي.

- ايه ده هي كمان فاقت، قالتها سيلين وهي تصفق بيدها بفرحة مضاعفة لتتركهم وتنزل عبر الدرج بهمة ونشاط للطابق السفلي، ولكن ما إن التفت الطبيب للخلف ينظر لها كيف تنزل بالمرح هذا حتى انتفض بتفاجؤ عندما وجد الآخر يربت على كتفه بقوة وهو يقول بغيرة
- دكتور،!
نظر له باستفهام وقال: نعم
- عينك
- مالها.

- حافظ عليه لتتفقع، قالها وهو يطل عليه بجسده الضخم مع ملامحه المتجهمة بشكل مخيف ليكمل بتهديد صريح بعدما خنقه من ثيابه بغضب أسود...
خليك فرحان بالبالطو الأبيض بلاش تلعب بالنار وتحط عينك على حاجة مش ليك، هعديهالك المرادي لأنك لسه صغير ع الموت هاااا لسه صغير.

نفضه من بين يديه ثم تركه وذهب ليكمل ما أتى من أجله ليتنفس الطبيب المسكين الصعداء بخوف وهو يمسح على حنجرته التي كادت أن تخرج بيد الآخر من شدة ضغطه عليها
في الطابق الأسفل بالتحديد عند ميرال التي ما إن فتحت عينيها حتى كانت بقمة هدوئها متجاهلة نظرات والدتها لها، لتتكور على نفسها بوضعية الجنين...

فراغ كبير بداخلها لا تعرف كيف تتجاوزه وكأن هناك شيء منزوع منها، تشعر بأنها الآن غير التي كانت عليه من قبل، برود فظيع مسيطر على جميع مشاعرها وتعابيرها وهذا برغم احتياجها الواضح لحضن آمن يحتويها
نهضت داليا من مكانها واقتربت منها ما إن طال صمتها، جلست الى جانبها وأخذت تملس على شعرها الناعم وهي تقول بحزن على وضعها هذا
- قلب أمك أنتي، حمد لله على سلامتك.

- الله يسلمك، ما إن قالتها حتى اعتدلت بجلستها وهي تنظر لأختها التي دخلت عليهم كالإعصار بابتسامة واسعة وقالت: عندي خبر ليكم أغلى من كنوز الدنيا بحالها بابا فاق وهيبقى كويس إن شاء الله
ابتسمت داليا بلهفة وسعادة
- بجد! ألف حمد وشكر ليك يارب...
ذهبت سيلين نحو والدتها واحتضنتها من الخلف وأخذت تقبلها عدة مرات متتالية ثم قالت بشقاوة وهي تبتعد عنها.

- أيوه كده يادودو طلعي حب السنين المستخبي ليه يابختك ياسي بابي شكلك هتدلع اليومين دول آخر دلع
جرتها من أذنها بقوة وهي تقول بتأنيب وبحدة مصطنعة تحاول ان تداري بها ابتسامتها
- احترمي نفسك وبلاش قلة أدب أنا هروح أشوفه وأنتي خدي بالك من أختك
سيلين باعتراض: آخد بالي من إيه لاااا أنا ماليش دعوة هاجي معاكي
قرصتها داليا من عضدها وهي تقول
- يابت اكبري شوية
أخذت تدلك موضع الألم وهي تقول بتذمر.

- وأكبر ليه ما عندك الكبيرة والعاقلة أهي قصادك خدت ايه يعني...
- أمري لله، أنا طالعة أشوف باباكم وأنتي ساعدي أختك تغير هدومها وتعالي معاها، قالتها داليا وخرجت من الغرفة لتبقى سيلين وحدها مع تلك التي تكاد أن تتحول الى قالب من الثلج من كثرة برودها
- ميرال
- همممم
جلست أمامها ومسكت إيدها وقالت: ماما خرجت يالا عيطي، صرخي، كسري. بلاش تكبتي جواكي كده
رمشت ميرال بجفونها ثم قالت
- وليه أعمل كل ده و أنا كويسة.

احتضنت وجهها بيديها وهي ترد عليه بحزم
- مش هتقدري تكدبي عليا، قوليلي الكلب عمل فيكي إيه عشان توصلي لكدة
ابعدت يدها عنها ونهضت من السرير وهي تقول
- يالا نطلع ل بابا مستنينا أكيد
- عايزة تتهربي مني صح
أخذت تنزع ثيابها وترتدي أخرى نظيفة وهي تقول بآلية: مش حكاية أهرب، بس كل اللي جرالي أنا السبب فيه، يبقى أستاهل
فتحت سيلين فمها بذهول ف الأخرى تتصرف بطريقة جعلت وتيرة قلقها يزداد لتقترب منها ومسكتها.

- اسمعيني يا حبيبتي، هدوئك ده صدمة وده شئ طبيعي بس هو وقت ومش أكتر وهتحسي بالوجع ينهش فيكي، وقتها أنا هكون مستعدة أسمعك و أواسيكي، أنا جنبك مهما حصل اوعي تنسي ده
- طيب مش هنسى، يا لا بينا، قالتها ميرال بمسايرة وخرجت لتلحق بها الأخرى التي تكاد أن تموت قلقا عليها فا ردة فعلها هذه غير متوقعة وخطيرة، فهي الآن كالقنبلة الموقوتة لا تعرف
متى ستنفجر بوجهك.

تنهدت سيلين بحيرة ودخلت الى المصعد متوجهة معها إلى الطابق المطلوب وهي ما تزال تنظر لها بين الحينة والأخرى بريبة وترقب خائفة عليها بشكل لا يوصف...
ولكن تلاشى هذا كله ما إن وصلت الى الطابق المطلوب ليلفت نظرها حركة غريبة وأصوات متفاوته ليشحب وجهها ما إن ذهبت بسرعة ودخلت الممر المؤدي لغرفة والدها لتجد على بابها عساكر...

نظرت الى ميرال التي كانت لا تقل صدمة عنها ثم عادت بنظرها نحوهم مرة أخرى لينشطر قلبها لنصفين ما إن وجدت والدها يخرج معهم مقيد اليدين
- أنتم واخدينه فين ده لسه عيان، قالتها وهي تتقدم نحوهم ولكن قبل ان تصلهم أبعدتها يد الهجين عن طريقهم، لتقاومه بانفعال وهي تقول، أوعى كدة، اااااوعى، بابااااااا.

التفت لها سعد وعينيه تفيض بالدموع على لوعتها كاد أن يتكلم ليطمئنها بأن كل شيء سيكون بخير إلا أن العساكر منعته من هذا عندما سحبته بقوة ليحاول أن يمشي معهم بخطوات ثقيلة...
وهذا ما جعل سيلين يجن جنونها لتفر من مخالب آسرها كالزئبق لتركض خلفه ولكن جن جنونها حرفيا ما إن وجدت قدميها ترتفع عن الأرض عندما شعرت بذراع قوية تلتف حول خصرها بأحكام وهو يقول بفحيح
- هشششششش سيلينا.

توقفت عن المقاومة واستدارت له بجسدها وأخذت تضربه بكل قوتها بقبضتها على جميع أنحاء صدره وصفعات متتالية على وجهه وهي تصرخ به ببكاء حارق للقلوب
- أنت السبب، أنت السبب، بابااااا.

ولكن ما إن اخذت تصرخ وتصرخ بين ذراعيه بجنون حتى حملها على كتفه وخرج بها من المستشفى من الباب الخلفي عن طريق درج الطوارئ مع رجاله الذي كان عملهم أبعاد أي شخص يحاول ان يعترض طريق رئيسهم وهو يقدم أعذار واهية بأن والدها قد توفي لذلك هي الآن شبه منهارة.

ولكن توقف قبل أن يصل إلى سيارته ما إن وجد حركتها استكانت تماما وصوتها اختفى، فتحوا له الباب الخلفي وقبل ان يصعد بها أنزلها وهو يحتضن جذعها العلوي ليجدها فاقدة للوعي...
حملها بين ذراعيه بخفه وحماية وصعد معها بالسيارة ليكون وضعها معه نائمة داخل أحضانه كالطفل الرضيع، ررفع يده وأخذ يبعد شعرها عن وجهها ليقبل جبينها ويضمها نحوه أكثر وأكثر حتى دفن وجهه بعنقها بحب غريب، وتملك أغرب.

أما في داخل المستشفى كانت تجلس ميرال على كرسي الانتظار أمام قسم العناية لتقترب منها داليا وهي تمسح دموعها بانكسار على زوجها. أخذت تنظر حولها باستغراب: أختك فين؟
ميرال بشرود: خدها شاهين
- خدها فين!
- معرفش، ما إن قالتها بصوت خافت وهي ترفع منكبيها حتى ردت عليها والدتها بانفعال طفيف.

- ميراااال متعرفيش ااايه، أختك فين ازاي تخليه ياخدها وهي بحالتها دي، ده سعد لسه موصيني عليكم تحت، أنتم عايزين تموتونا ناقصين عمر
- أنا نعسانة عايزة أنام، ما إن قالتها ميرال حتى عادت داليا للوراء بصدمة وهي تنظر لها باندهاش هل ابنتها عادت لنقطة الصفر أم ما تراه الآن مجرد وهم وأضغاث أحلام.

بعد ساعتين وصل للمكان المطلوب لينزل من سيارته وهو يحملها بعشق، حاول أحد الحرس الإقتراب منه ليحملها عنه كنوع من المساعدة ولكن قبل أن يخطي نحوه خطوة أخرى تجمد بمكانه بسبب نظرة نارية مرعبة أطلقت له من الهجين جعلته يعود أدراجه بسرعة وهو يبتلع لعابه الذي جف من الرعب الذي دب بأوصاله.

أخذ يصعد بها إلى الأعلى ليتوجه نحو الغرفة الرئيسية وما إن فتح الباب حتى ذهب و وضعها برفق على السرير وكأنه ليس السبب بحالتها الآن
نزع حذائها ليجلس بعدها إلى جوارها لاااا بل كان شبه مستلقي، أخذ يمرر أطراف أنامله على وجهها ليبتسم بهوس ما إن وصل الى حدود شفتيها المتورمة بسبب البكاء حتى أخذ يرسم بأبهامه على شفتيها ذهابا وإيابا بتريث ليستشعر نعومتهم المفرطة التي تكاد أن تطيح بعقله...

اقترب منها بتمني ورغبة بتذوقهم فقد اشتاق لطعمهم حقا ولكن ما إن أوشك على لمس ثغرها وتقبيلها بعمق ليروي عطشه من شهدها حتى ابتعد عنها عندما سمع أنينها الذي كان دليل على استفاقتها
نهض واستقام بطوله وأخذ يراقب ردود انفعالتها البسيطه التي بدأت تظهر عليها، نظرت له ثم أخذت تتنقل ببصرها بالمكان ثم عادت واستقرت بحدقتيها عليه وهي تقول
- أنا فين؟
- مش مهم فين، المهم هو إنك عايزة سعد يطلع من السجن والا لاء.

نزلت دموعها ما إن مر طيف والدها أمامها وكيف أخذوه وهو مريض، مسحت دموعها و نهضت من استلقائها هذا ف الآن ليس وقت الضعف لتقول
- و إيه المقابل
- مع إنك عارفة بس مش مشكلة، المقابل هو أنتي
حركت رأسها برفض وهي تقول: مستحيل ده يكون حب، لأن اللي بيحب يا شاهين ما يأذيش اللي بيحبهم.

أخذ يلعب بخصلات شعرها ما إن جلس أمامها وأصبح وجهه مقابل وجهها: تؤ تؤ تؤ و مين قال إني بحبك، أنا عايزك أظن في فرق أنتي مش صغيرة وفاهمة قصدي إيه
أبعدت رأسها من مرمى يديه وهي تقول بانزعاح
- بس أنا مش عايزاك...
استقام بطوله وقال بجبروت وهو يضع يديه بجيب البنطال بتكبر: براحتك، بس بردو مش هتطلعي من هنا زي ما دخلتي...
نظرت له سيلين بخوف لتقول وهي تحاول أن تكذب ما وصل لها من معنى: يعني إيه.

سحبها بقوة من مقدمة التيشرت الذي ترتديه ليجعلها تنهض من الفراش بتعثر لتقف أمامه لاااا بال ضاعت حرفيا بأحضانه وهو يسند جبينه على خاصتها ويقول بهمس ساحر برغم قساوة كلماته.

- من الآخر كدة سيلينا عايزك وهاخدك بالذوق بالعافية هدوقك، بس يا إما توافقي بمزاجك ونتجوز عرفي وبكدة باباكي هيطلع يا إما ترفضي.! ويبقى ذنبك على جنبك وبالنسبالي مش مهم لأن بردو هعمل اللي عايزه بس من غير جواز وقتها انسي إن باباكي يشوف نور الشمس من تاني وبدل ما تبقي مراتي تبقي عشيقتي...
- بكرهك
ابتعد عنها وذهب نحو الدرج وأخرج عقد ورماه على الطاولة وهو يقول
- مش مهم، الأوراق أهي والقلم أهو...

اقتربت منه وأخذت تقرأ العقد وما إن انتهت حتى: اي اللي يضمنلي إنك هتوفي بوعدك وتخرج بابا
- مافيش ضمانات
كادت أن تمزق هذه الاوراق وترميها بوجهها إلا أنها تذكرت كلام الطبيب لتقول بكسرة نفس
- فين الشهود عشان نمضي ونسجل الأوراق رسمي
رفع حاجبية بانتصار وهو يقول بخبث
- افهم إنك موافقة
- مع الأسف أيوة، بابا أهم مني وصحته مش هتستحمل بهدلة
- امضي هنا وماتسأليش كتير ولو ع الشهود هبعت للحرس يمضو عليه
- بس ازاي كده.

- مالكيش في اعملي اللي قولتلك عليه
- الجواز العرفي ده باطل وتحلم أخليك تقرب مني بالشكل ده والعقد ده بله واشرب ميته لأنه مايعتبرش جواز أصلا...
قالت جملتها الأخيرة وهي تمرر القلم بعنف وغضب على الورقة مما جعلها تتمزق لترميها على الأرض بانفعال
نظر للعقد الممزق ثم نظر لها وقال
- عايزة جواز شرعي عند مأذون
- أااااكيد ده شرطي
- طب امضي ع العقد ده وابقى أشوف حكاية المأذون اللي طلعتي فيها دي...

قالها وهو يخرج نسخة أخرى و وضعها أمامها ومع ضغوطاته عليها جعلها أخير تخط اسمها بأسفل الأوراق وما إن انتهت حتى سحبها منها و وضعها بسترته ثم تركها وكاد أن يخرج من الغرفة ولكن صوتها أوقفه ما إن سألته
- عملتلك اللي عايزه رجعني بقى لعيلتي لغاية ماتتجوزني رسمي
اقترب منها وقال بأمر قاسي- انسيهم أحسن ليكي وليهم، أنتي من النهاردة سجينتي...
سجينة شاهين اللداغ...

كادت أن تتكلم برفض إلا أنه أسكتها ما إن وضع سبابته على شفتيها يغلقهم بعنف ولكن ما جعل ملامحه تعتصر بألم هو عندما وجد بلمح البصر أسنانها الحادة تعض سبابته التي أسكتها بها ولم تتركه حتى شعرت بطعم الدماء بفمها
رفع يده ونظر الى اصبعه المجروح ليبدأ يقترب منها ليكون ردة فعلها هي التراجع للوراء، لتجده يقول بنبرة لم تستطيع تحديدها أهو غاضب أم لا
- عاجبك كدة
- تستاهل ماهو من عمايلك عشان تبطل تستقوى عليا.

- أستاهل،!
- جداااا
- صالحيني
- إيه أصالحك ليه صغنن
- سيلينا صالحيني ببوسة من شفايفك الحلوة دي اللي بموت فيهم لحسن أولع فيكي.

- لالا تولع ايه، خد برد كده يمكن تفوق على نفسك، قالتها وهي ترمي كأس الماء بوجهه الذي كان موضوع بالقرب منها ثم فرت من أمامه أو هذا ما تمنت لأنها قبل أن تفر دفعها بقوة على السرير لتسقط وهي تتأوه بوجع لتجده يعتليها وهو يتنفس من أنفه كالثور الهائج وما إن كاد أن يصرخ بها حتى قاطعته وهي ترفع يدها لوجهه المبلل
وأخذت تمسحه وهي تقول بخوف مضحك.

- والنبي ما أنت متعصب، أنا أهو صلحت غلطي وبعدين ده أنا لسه ماضية العقد يعني عروسة
- طب كويس أنتي عارفة إنك عروستي الليلة
- والله ماهيحصل غير لما تكتب عليا رسمي
- مش أنا اللي يتلوي دراعي يابنت سعد، قالها وهو يمسكها من فكها ليثبتها أمامه بهدف أن يقتنص منها قبلة ولكن توقف وكز على أسنانه ما إن سمعها تقول وهي تنظر له بقوة غريبة
- بلاش تكرهني فيك أكتر من كدة
كز على اسنانه بعنف وقال: ماشي، هعمل.

اللي انتي عايزاه بس وقتها محدش هيخلصك مني، جهزي نفسك بالليل هكتب عليكي
قال الأخيرة وهو يبتعد عنها ويخرج من المكان بأكمله لتسمع صوت غلق الباب عليها من الخارج
بحركته هذا أعلن و أثبت لها بالفعل بأنها أصبحت سجينته بالفعل، كانت ما تزال على وضعها الذي تركها عليه لا يتحرك بها سوا دموعها التي تنزل من مقلتيها المفتوحة بهدوء مع أنفاسها الثقيلة بالهموم...

رفعت ذراعيها و أخفت وجهها بكفيها لتنفجر بالبكاء الفظيع بصوت عالي، بكاء يعبر عن شدة وجعها الذي تعيشه الآن...
بالوكر. تحديدا في المستودع كان يجلس ذلك الثعبان القاتل باسترخاء على الكرسي مغمض العنين وهو يرفع ساقيه على الطاولة الحديدية التي أمامه ليبتلع لعابه بصعوبة وهو يفكر مع نفسه أو بمعنى أصح قلبه الذي أخذ يفرض عليه هذا...

هل الآن انتهى كل شئ بينهما، هل حكايتهما توقفت لهذا الحد، نعم انتهت بانتقامه منها ولم تعد حبيبته و زوجته كما كانت، ولم يعد يملك أي حق بأن يلمس بشرتها الناعمة كالزبدة واللذيذة كالحلوى، حتى أنه انحرم من أن يتنفس أنفاسها الدافئة التي تنعشه حتى النخاع أما عطرها كان حكاية أخرى فقد كان حقا يفقده صوابه عند استنشاقه منها لدرجة يجعله ينسى اسمه ومن حوله معها.

اعتدل بجلسته وأخذ يفرك وجهه بباطن يده باختناق يريد أن يرمي كل هذا خلفه ويبعد عنه طيفها ولكن هيهات. ضغط بيده على عينيه بقوة لعلى هذا يقلل من الصداع الذي بدأ يفتك به
أبعد يده وفتح عينيه عندما سمع صوت باب يفتح ليجد آخر شخص يريد رؤيته الآن وهو سلطان الذي كان وجهه مكظوم بحقد وهو يقول بضيق
- عملت كدة ليه أديني سبب واحد عشان تكسر قواعد الوكر قصاد الكل وتتحداني وتمشي كلمتك عليا و ع الكل...

- ماقدرتش أسيبها هنا
- بتحبها عشان كدة مقدرتش إنها تروح لغيرك
- لاء، لأنها مراتي
- ولما جبتها هنا ماكنتش مراتك إيه كان عندك زهايمر
ورجعتلك الذاكرة فجأة كدة.

- أنا كان كل هدف إني أوصلها وارميها هنا ما جاش على بالي لحظة وحدة إنها عرضي، الجواز ده سحره باتع لما تلاقي إنسانة بقت على اسمك حتى لو كان الهدف منه الخداع زي ما حصل معايا، هتلاقي نفسك ممكن تأذيها آه بس غيرك يلمس شعرة منها أو يجرحها ممكن ده يخليك تشرب من دمه، وده اللي حصل معايا فقت من كل حاجة سودة كانت معششة بدماغي على صوت صريخها وهي بتتحامى فيا وقتها بس عرفت حجم غلطي وهو إن ميرال مراتي بغض النظر عن الأسباب، ولو في حاجة أنا ندمان عليها هي إني جبتها هنا كنت معمي على عيني ونسيت إنها عرضي ومش ولاد اللداغ اللي حد يدوس عرضهم.

- طلقها وجبها هنا
- سلطااااااان، ما إن صرخ بأسمه بحدة وهو ينهض عن كرسيه ويضربه بقدمة ليسقط للخلف حتى أكمل بتوعد حقيقي وليس مجرد حروف مرتبة الى جانب بعضها
ابعد عنها واياك تجيب سيرتها تاني، انساها وشيلها من دماغك، بقت خط أحمر واللي يفكر يلمسها بس.

موته على إيدي، بلاش تخليني أعاديك وأنت عارف اللي يعادي ياسين بيجراله ايه اناااااا لا شاهين عشان تقف بعيني العشرة ولاااااا يحيى اللي ممكن يعديلك حاجة زي كدة...
أنا ياسين سامر اللداغ تربيتك الوسخة يا سلطان لا بخاف ولا بتكسف من حد، قرب منها خطوة وشوف رد فعلي هيكون ازاي، بس نصيحة مني. ما أنصحكش إنك تشوفه...
- ايه هتشوه وشي زي هجان
- هجان ده عيل فرحان بنفسه، ده يحمد ربنا.

إني سبتله تذكار بسيط مني بوشه ده أنا كنت بهزر معاه إلا إذا كنت حابب إني أهزر معاك أنت كمان
- خلاااااص انتهينا يا ياسين ربنا مايوقع حد بطريقك، بس بردو أنا واخد على خاطري منك وعايزك تجيبلي بنتين كدة وااااء
قاطعة بغضب: أنت مفكرني شغال ايه، سلطااااان شايف الباب اللي دخلت منه ده ارجع أطلع منه من تاني وبلاش تخليني أوريك آخرة صبري وحشة قد ايه.

- الاحترام حلو يا ياسين وما تنساش إني أنا اللي عملتك، الكلام أخد وعطا
- بجد، طب كويس إنك فكرتني. شكرا للمعلومة
- ياسين، أوعى تنسى إنك مهما كبرت ههتكون
ولا حاجة قصادي، اللي كبرك كده يقدر يهدك
بس أنا عاذرك ماهو لسعة العشق بتوجع بردو.

قال الأخيرة ثم تركه وخرج ليتركه وحيدا تائها بأفكاره ولكن هذا لم يدوم طويلا ما هي سوا دقائق معدودة حتى وجد أخيه الصغير يدخل المستودع ويتوجه نحوه وما إن وصل له حتى سحب كرسي وجلس عليه يتأفأف وهو يقول
- الستات دول عايزين الخنق
ياسين باستنكار لما سمع الآن: غريبة مين اللي
بيقول كده يحيى اللي بيموت فيهم
أعاد شعره الى الخلف بيده وهو يقول: ده كان زمان قبل ما تيجي وحدة كرهتني بالصنف كله.

- اممممم شكل مراتك عاملة معاك الصح وقرفاك بعيشتك وجاي هنا عشان تقرفني معاك قال يعني أنا ناقص قرف عشان تزيدني حبة...
قالها وهو يحك ذقنه النابتة قليلا باختناق من كل شى حوله لينظر الآخر له قليلا ثم قال بحيرة عاشق
- بص أنا بحبها وعايزها
ياسين باستغراب- عايزها؟
ليه هو حد حايشها منك
زفر أنفاسه بضجر وقال: زعلانه ومعاندة وراكبة دماغها ومش راضية بالصلح مع إن الصلح خير
أشاح له بيده بلامبالاة وقال.

- ياعم سايسها وهي مسيرها تلين
كاد أن يرد عليه باعتراض إلا أن رنين هاتفه منعه من هذا وما إن فتح الخط والذي لم يكون سوا حودة الذي قال بصوت واضح وصل ل ياسين
- باشا في حاجة لازم تعرفها
- اللي هي؟
- الست غالية
ما إن سمع اسمها حتى اعتدل بجلسته بقلق
وهو يقول: غلا، غلاتي! مالها حصلها حاجة
حودة بتوتر ما إن سمع لهفة الآخر عليها
- هااا لاء اااء
- ماتنطق هو أنا هتحايل عليك ولا إيه
- هي بس خرجت الصبح ورفعت عليك قضية.

- قضية ايه؟
- خلع، ما إن نطقها حتى فتح ياسين عينيه على وسعهما وهو ينظر لأخيه الذي انتفض من مكانه وكأن هناك عقرب سام لدغه وهو يصرخ بجنون رسمي بعدما تحولت ملامحه للإجرام
- اااااايه خلع، آااااااه يابنت الكلب والله دبحها على يدي النهاردة...
نهض ياسين بسرعة ولحق بالآخر وقبل أن يخرج. قيده من الخلف وهو يقول
- اهدى يلاااا وبلاش تهورك ده اللي أكيد هيوديك في داهية...

أخذ يحرك نفسه بهستيريا يريد أن يفك ذراعيه منه وهو يصرخ به: يااااسين فكني أحسلك
- يخربيتك تور وهايج وفي قصاده ملايا حمرة، قالها وهو يحاول أن يحافظ على تثبيته هذا وما إن فشل حتى ضربه على ركبته من الخلف ليجعله يقع على الأرض ليشدد من امساكه بيد واحدة وأخذ يخرج هاتفه ليتصل ب الهجين الذي ما إن رد عليه حتى قال بسرعة وهو ينهج
- شاهين تعال ع الوكر، يحيى عايز يودي نفسه بداهية
- في إيه ماله؟

- مراته رفعت عليه قضية خلع وحالف ليدبحها
- خليه يسمعني، ما إن قالها حتى فتح ياسين الخط ليظهر صوت الهجين وهو يناديه
- يحيى!
صرخ بأعلى درجات صوته لتبرز شراين عنقه
وذلك العصب الذي في جبينه من شدة غضبه
- شاااااااااااااهين ده شئ بيني وبينها اطلع منها أنت بقى، أنا يتعمل فيا كدة...
- سبها
- والله لو على موتي ما أنا سايبها.

ليرد عليه شاهين بعصبية: طب يميني على يمينك لو قربت منها خطوة لهقف انا قصادك وهطلقها منك بنفسي وريني وقتها هتقدر تعمل ايه...
أخذ يلوب هنا وهناك كالذي يحترق بلوعة
- أنت بتعمل فيا كدة ليه، آاااااااخ لو تقع
في يدي لهشرب من دمها
- ياسين المجنون ده ممنوع يخرج من الوكر لحد
ما آجي أنا بالطريق ولو اضطريت إنك تربطه اربطه.

- ماشي ياهجين مستنينك، ختم مكالمته بكلماته هذه لينظر لأخيه الذي يغلي أكثر من البركان ليقول له وهو ينهج بإرهاق، ما تتهد بقى فرهدتني
بنفس الوقت على الجهة الأخرى بالتحديد في شقة أم غالية التي كان يصدح صوتها بعدم رضا وهي تقول
- بردو عملتي اللي في دماغك ورفعتي دعوة الطلاق مش كده...

أخذت تنزع حجابها أمام المرآة لتلتفت لوالدتها وهي تقول: ليه مش عايزة تفهميني إن يحيى مش هينفع أكمل معه لا هو جوز صالح ولا ينفع حتى يكون أب لولادي ده أنا كدة أبقى دمرت ولادي لو وافقت إن ده يبقى أبوهم، اصلا كل شئ من الأول كان غلط في غلط
- غلطتي يا بنت بطني وجوزك لو فعلا زي ما أنتي قولتي يبقى هيخليكي تبكي بدل الدموع دم.

- أنتي هتخوفيني ليه، أنا اللي شفته صح عملته ومش ندمانة عليه، أنا ويحيى مش هينفع نكمل مع بعض
حتى لو هو طلع بيحبني فعلا زي ما بيقول ده مش معناه إني اتقبل حبه ده، في حاجات أنتي متعرفيهاش وماينفعش أقولها...
الأم بقلق: ربنا يستر بس من اللي جاي...
- هيستر إن شاء الله، قالتها وهي خائفة ولكنها تكابر وتمثل القوة فهي أعرف الناس بغضب زوجها وتهوره.

ما إن وصل الى الوكر حتى توقف بسيارته أمام المكان المطلوب لينزل منها ويدخل إلى المستودع ليرى أخيه الروحي الذي يكاد أن يتبخر من شدة غليانه وغضبه
اقترب منه وجلس أمامه ليعقد ساعديه أمام صدره المعضل وهو يقول: هدي أعصابك
يحيى بانفعال: أنت شايفني حيوان قصادك عشان تقوله يربطني.

- ماهو أنت لما بتتعصب بتبقى حيوان فعلا وبتتصرف غلط وتقلب الدنيا بتهورك، يحيى أنت غضبك بيعميك وتهورك بيدفعك تعمل مصايب وبعد ماتهدى تتندم على عمايلك، أنا وياسين اللي عملناه ده عشانك
عارفين إنها اغلى من روحك، هو أنت مش دائما بتقول غلا الروح، واللي فيك دلوقتي حالة عصبية
- عايزني أعمل ايه، لو أنت بمكاني هتعمل ايه
شاهين بتأييد: هوريها النجوم بعز الظهر بس بالعقل.

. بس أنا متأكد إنك لو شفتها قصادك بالحالة اللي كنت فيها هتموت في إيدك، دي الراجل اللي بيقع تحت إيدك وأنت متعصب بنشيله بنقالة للمستشفى
صمت وانتظر منه الرد ولكن الآخر كان كل همه أن يخرج من هنا ويذهب لغلاته التي وضعت جمرة داخل ثنايا قلبه بفعلتها هذه...
تنهد الهجين وقال باقتراح
- طب شوف أنت سبها يومين كدة وفكر بعقلك، وصدقني أنا بعمل كدة عشانك وبعد اليومين دول اعمل اللي يجي على هواك ومش هتدخل.

- وده وعد الهجين
- وعد بس قرصة ودن مش عايزين كارثة
- وهو كذلك، قرصة ودن مش أكتر
- حلووووو نجي بقى لموضوعي اللي عايزكم فيه
نظر له ياسين بانتباه: خير!
- عايزكم تيجوا معايا تشهدوا
يحيى بترقب: على ايه؟
- على كتب كتابي من سيلين
- اووووبا الليلة في عندنا عريس، ما إن قالها يحيى بمشاكسة حتى ضحك ياسين بشماته بتلك الجنية وقال
- هي رضختلك
رد عليه بثقة: عيب عليك مش شاهين اللي بيبقى عايز حاجة ومايوصلهاش.

- تصدق أنا فرحان فيها، قالها وهو يتلمس الجرح الذي بجانب رأسه
نظر له شاهين بغيرة: مالكش دعوة فيها...
- بيس يامعلم، قالها ياسين وهو يرفع يديه باستسلام لينهض شاهين وهو يقول بابتسامة مشرقة
- يالا ورايا منك ليه
بعد مرور ساعة من الزمن في مزرعة شاهين اللداغ كانت تجلس سيلين أمام المأذون وهي لا تصدق كل مايجري، لاتدري كيف ومتى نطقت بالموافقة على الإقتران به.

بصمت على الأوراق ثم نهضت من مكانها وصعدت الى الأعلى ما إن سمعت جملته الشهيرة بعدما تم كل شئ معلنا زواجهم الشرعي
أما شاهين نظر الى ذلك الشيخ المسن أمامه وقال
بمغزى: هو لو حد كتب كتابه زينا كده دلوقتي بقت البنت مراته خلاص
- أيوة يابني هي دلوقتي مراتك شرعا
- طب وقانونا
- هتبقى قانونا لما يتم توثيق الجواز بالأوراق اللي عندي دي
- طببببب لو ماتمش توثيق الأوراق دي.

- مايتمش توثيقها ازاي، ماينفعش طبعا ده أنا اتحاسب عليه...
- حكم الجواز إيه لو ماتمش توثيقه
- هتبقى مراتك شرعا بس قانونا لا لأن مافيش حاجة رسمي اتسجلت، زي دلوقتي تقدر تدخل على عروستك طالما كتبت عليها وأشهرت جوازك وفي شهود، كل شئ شرعي والأوراق اللي بين إيدي دي عشان يتم توثيق جوازكم قانوني
تنهد شاهين براحة وقال: حلووو أنا بقى مش عايز يتم توثيق أي حاجة
- مش فاهم يابني.

- بسيطة، هات دول، قال الأخيرة وهو يسحب جميع الأوراق الخاصة بعقد قيرانهم رغما عنه ثم أكمل بجبروت. وبكدة تقدر تتفضل
انتفض المأذون وقال
- دي جريمة لا يمكن أسكت عنها
ربت يحيى على كتفه وقال
- هتعمل إيه يعني
- هبلغ عنكم هي مش فوضى ده جواز وأعراض ناس
شاهين ببرود: هو مش شرعي يبقى خلاص أنت مكبر الموضوع على إيه
- بس مافيش أوراق تثبت إنك اتجوزتها...
كده البنت هتضيع لو طلقتها بعدين
ياسين ببلطجة: كل عيش ومالكش في.

- أنا بخاف ربنا ولا يمكن أسكت على اللي حصل هنا
قالها وهو يتوجه للخارج ولكن تجمدت قدميه بالأرض ما إن سمع الهجين يقول اسم ابنه الثلاثة ومكان عمله ثم ختم كلامه ب
- لو عايز ابنك الوحيد يموت انطق بحرف واحد
التفت له وقال: أنتم مجرمين صح
ياسين بتحذير: تؤتؤتؤ ليه بس تزعلنا منك، كل اللي مطلوب منك إنك تنسى إنك جيت هنا خالص ولا حتى تعرفنا، تنسى إنك كتبت كتابها من الأساس.

- أنتم مفكرين الموضوع سهل كدة، دي كل ورقة بتتعمل فيها حساب و كتاب
يحيى بلامبالاة: ده بقى شغلك مش شغلنا لقيلها تصريفة
- لا حول ولا قوة الا بالله، البنت كدة لو طلقتها لو حلفت ع المياة تجمد محدش هيصدقها أنها تجوزت وماعملتش حاجة حرام، أنت كدة بتحكم عليها بالموت، قال الأخيرة وهو ينظر لشاهين الذي رد عليه ببرود
- مش هتخاف عليها قدي...

ياسين وهو يوجهه للخارج: يا لا ياشيخنا بالسلامة أنت وماتنساش حياة ابنك اللي طلعت فيه من الدنيا قصاد حرف يطلع منك
أومأ لهم وخرج وهو يضرب كفيه بقهر وهو يستغفر بصوت عالي...
نظر له يحيى وقال: ناوي على إيه من كل ده
- أنت هترغي يابني يا لا بينا خلي عندك دم اخونا عريس و عايزين نسيبه لوحده عشان يرفع راسنا، العروسة فوق زمانها خللت.

قالها ياسين وهو يدفع يحيى ليخرجوا مع بعض ولكن قبل أن يختفي عن أنظاره التفت له وقال بمشاكسة
هو أنت هتعرف ترفع راسنا ولا هتكسفنا يا هجياااااااء
قطع كلامه وخرج بسرعة ما إن رماه شاهين باحدى التحفيات التي بجانبه ليقول ياسين وهو يضحك بعدم تصديق
- والله صدق اللي قال ما جمع إلا ماوفق
الاتنين مجانين ولايقين على بعض.

في الداخل بعدما خرج الجميع، تجهمت ملامح شاهين وهو ينظر للعقود ثم نهض وذهب نحو المكتب ليفتح الخزنة ويضع هذه الأوراق بداخلها وأحكم اغلاقه مرة أخرى ليتوجه للأعلى
وما إن صعد الدرج حتى وجدها تخرج من الغرفة التي كانت فيها
أخذ يقترب منها بخطوات هادئة وكأنه لم يقلب حياتها رأسا على عقب في ليلة وضحاها، وقف أمامها بطوله الفارع وهو ينظر لها باستغراب مصطنع ومتعة خفيه ليسئلها بوقاحة لا تتجزأ من شخصيته.

- ماله وشك أصفر كده ليه، أوعي تكوني خايفة مني؟!
انحنى نحوها ليكمل بهمس بفحيح سام عند أذنها...
دي كلها شكة دبوس، صدقيني مش هتحسي في حاجة وأنتي في حضني.

ابتعدت عنه وعادت خطوة الى الخلف وهي في قمة ذهولها من طريقة كلامه معها لتضحك بسخرية مع نفسها هل يظن بأنها سهلة المنال لهذه الدرجة، على مايبدو بأنه كان ينتظر منها الطاعة العمياء مسكين يحلم أحلام وردية! لقد ظن بإنها ستصبح زوجة مطيعة له رهن اشارته ولكن الحقيقة بالنسبة لها غير هذا بتاتا وهذا الذي أمامها لا يعلم ماذا ينتظره حقا.

خرجت من دوامة أفكار تساؤلاتها التي لاتنتهي وأخذت تنظر له بتمعن لتقول بعدها بغرور وهي تضرب شعرها للخلف بطريقة أنثوية مليئة بالدلع العفوي الذي سحرته به
- ليه، هو أنت مفكر إنك كده كسبت؟
وضع شاهين يديه بجيب البنطال وقال بثقة
- لا طبعا مش مفكر. أنا فعلا كسبت، كسبتك أنتي وبقيتي على ذمتي وفي عصمتي
تحولت نظراتها من غرور الى احتقار وهي تقول بضيق
- أنت عارف أنا عمري ماكرهت حد قدك.

ضحك من طرف شفتيه بتكبر ثم قال بعدها ببرود وقح. : ومين قالك إني محتاج حبك عشان تعزيه عليا كل شوية. أنا كل اللي عايزه منك هو!
صمت وأخذ يشير الى قامتها وهو يكمل. جسمك، ودلوقتي ادخلي زي الشاطرة على الأوضة اللي وراك. وخلال نص ساعة عايز أدخل ألاقيكي متجهزة ليا يا، عروستي
رجفت أطرافها بالخفاء وارتعدت روحها من كلماته هذه ولكنها استطاعت ان تسيطر على انفعالها لتقول بحقد.

- تعرف إيه اللي مصبرني عليك، هي معرفتي لنهايتك، يا إما تتعفن في السجن زي ماحبستني في سجنك ده، أو تموت مقتول زي ماقتلتني لما ربطت اسمي بأسم واحد زيك، أو هطلق منك غصب عنك ياسيد الرجالة...
و بصراحة مش هتفرق معايا أي هي نهايتك من التلاتة دول لأن النتيجة وحدة بالنسبالي اللي هي إني اتخلص منك، وبعد ماهتخلص منك هروح أتجوز راجل بجد يعوضني عن كل اللي شفته معاك، وااء
قاطعها بصوت يرعد بعدما سحبها نحوه من عضدها.

- يمين بعظيم،! أدفنك تحت التراب بإيدي ولا تكوني في يوم لغيري، أنت ملكي، فاهمة! انت ملكي جزء من ممتلاكاتي أنا، متسجلة بأسمي أنا...
ممكن ادمرك وأنهي حياتك بنفسي في سبيل محدش يلمح ظلك غيري، فااااهمة. أظن كلامي واضح.

مسكها من وجهها بعنف وأخذ يغرز أنامله بوجنتيها غير آبه بتأوهاتها المتألمة وهو يكمل بغضب بركاني بتملك قاتل وهو يؤشر على دماغها بسبابة يده الأخرى، دخلتي سجني ده بمزاجك ومش هتخرجي منه إلا بمزاجي أنا.

مرر طرف لسانه على شفتيه ما إن وقع نظره الى شفتيها المزومة بألم من قبضته ثم عاد نظره الى عينيها التي لا تقل عنه غضب. اقترب منها أكثر حتى لصق أنفه الحاد بأنفها لتمتزج انفاسه الملتهبة بخاصتها النافرة منه وهو يقول بإعجاب ويده اخذت تتجول على منحنياتها بجرأة
- تصدقي أنتي مش محتاجة تتجهزي ليا من يوم ماشفتك وأنتي مدوخاني بكل حالاتك، و دلوقتي يالا بينا عشان هموت و أدوقك...

قال كلماته الأخيرة وهو يحملها على كتفه بخفه وتوجه بها نحو غرفته تحت مقاومتها الشرسة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة