قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الخامس والثلاثون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الخامس والثلاثون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الخامس والثلاثون

بالمخزن كان يجلس على الأرض وهو يحتضنها بين ذراعيه ويهز نفسه، تارة يمنى وتارة يسرى و يأن بصوت يحرق القلوب بعدما دفن وجهه بشعرها ليقول من بين أسنانه بغصة بكاء
- غلاااااتتتتيييييي
شدد من احتضانها ولم ينظر حتى نحو أخوته الذي دخلوا عليه بسرعة وخلفهم حودة لينصدموا بمنظرهما هذا فهما ملطخين بالدماء، ثانية واحدة تجمدوا بمكانهم إلا أن شاهين تحرك نحوه بلهفه وهو يقول.

- يحيى، خليني أشوفها، يحيى! قال الأخيرة بحدة ما إن وجد الآخر لا يرضى أن يتركها أبدا بل حدث العكس معه وجده يتمسك بها أكثر
نظر شاهين الى ياسين الذي كان ينظر لهم بوجع ليصرخ به بنفعال: أنت واقف عندك بتهبب ايه تعال امسكه خلينا نشوف البنت مالها
اقترب ياسين منه وقبل أن يلمسه صرخ به
- ماتقربش مش هديهالكم، دي غلاتي أنا
شاهين بحدة أقوى من ذي قبل: يحيى!
بلاش جنانك ده خلينا نسعفها
- بس هي ماتت.

- خليني أتأكد، قالها وهو يمد يده على طرف عنقها اي خلف الأذن بقليل وما إن أستشعره حتى قال بلهفه بعدما لانت ملامحه قليلا واستبشر...
لا ماماتتش لسه فيها نبض، هاتهااا
احتضنها باحتواء وسحبها لنفسه أكثر بتمنع وهو يقول برفض قاطع: لااااا، محدش هيلمسها
تنهد ياسين وقال: طب شيلها أنت لما مش راضي نيجي جنبها
رفع رأسه له ثم عاد بنظره عليها واخذ يبعد شعرها عن وجهها الشاحب كالأموات حرفيا وهو يقول بهذيان واضح.

- أشيلها ليه هي بحضني مرتاحة خليني أدفنها عندي أنا...
بلاش تخلوها تحت التراب دي لسه صغيرة ع القبر أكيد هتخاف لوحدها هناك ظلمة، ولااا اقولكم ادفنونا مع بعض أنام معاها هناك واخدها بحضني كدة
أمتلأت عيني شاهين بدموع القهر على حالة أخيه الروحي هذا، إلا أنه قطب حاجبه وقال بحدة ما إن أنهى كلامه هذا
- تدفن ااااايه بس هي لسه عايشة.

أعاد رأسها ودفنها بعنقه وهو يقول بخفوت وعيون ضائعه من الدموع: لا ماتت دي دبحت نفسها قصادي
- أنت الكلام مافيش فايدة معاك أوعى كدة مافيش وقت...
قالها ياسين وهو يكتفه ليحمل شاهين غالية بلمح البصر وركض بها للخارج بعدما صرخ ب حودة ليأتى لهم بإحدى السيارات.

أما يحيى ما إن وقف حتى التفت وأخذ ينظر للمكان الذي خرج من شاهين، كان كالتمثال جامد مما جعل ياسين يحركه مرة واثنان وهو ينادي عليه وما إن وجده ليس هناك أي رد حتى رفع كف يده للأعلى ونزل بها بكل قوته على فكه ثم مسكه من تلابيبه وأخذ يهزه بعصبية وهو يقول
- فووووق يايحيى فووووق، غالية عايشة...
غلاتك عايشة، يالا بينا نلحق الهجين عشان مانتأخرش.

ختم كلامه وهو يدفعه لدرج الصعود للأعلى للخروج من هذا المخزن الأرضي الذي أشبه ما يكون للسرداب
وما إن خرج حتى وجد شاهين يريد ان يدخلها بالمقعد الخلفي للسيارة إلا أنه ركض نحوه وجلس هو وأخذها منه ليعيدها مرة أخرى لصدره لعل هذا يطفئ نيران فؤاده التي اندلعت على حالة معشوقته هذه.

أغلق شاهين عليهم الباب ثم أشار ل ياسين برأسه لكي يصعد هو الآخر وما إن نفذ بسرعة حتى انطلقوا الى أقرب مستشفى ومن خلفهم إحدي سيارات الحرس الذي يقودها حودة
كان شاهين كلما نظر للمرآة ويرى حالة أخيه على زوجته وهو يهمس لها بأذنها ويبكي بصمت حتى كان يزيد السرعة اضعاف وهو يعتصر الدركسيون بأنامله بقوة.

بعد مدة زمنية وحرب أعصاب مشدودة مرت على الأخوة اللداغ، وصلوا أخيرا الى قسم الطوارئ بإحدى المستشفيات الاستثمارية...
كانوا يعتقدون بأن يحيى سيبقى ساكنا بمكانه إلا أنهم تفاجئو به ينزل بسرعة وهو يحملها وركض للداخل وهو يقول بشبه جنون وكأنه استوعب الآن حالتها
- ااااانتم فين ساعدوني، روحي هتروح مني.

أتى طاقم طبي كامل من الممرضين مع طبيبة واحدة صغيرة بالعمر، ركضوا نحوهم ولبوا ندائهم بسرعة وأخذوها منه على سرير متحرك خاص للاسعاف وتوجهو بها نحو غرفة الكشف لحالات السريعة...
ولما لا يفعلون هذا كله وهم وجدوا كل هذا الحرس معهم فهم بالتأكيد من الناس الراقية وهذا المستشفى معدة من أحسن الأجهزة و الأدوات
فهي مخصصه للطبقة المخملية.

جلس يحيى بملابسه الملطخة بدماء محبوبته على أحد المقاعد و وضع رأسه بين يده وأخذ يفرك فروة شعره كالمجنون، لااااا يعرف ماذا يفعل أو بمعنى أصح يريد أن يستوعب كل ما جرى يقسم بأن عقله ينهار ليرفع رأسه نحو حودة الذي كان يقف على طرف وقال بأعصاب ترجف
- عايز سجاير
- بس يا باشا ممنوع تشرب هنا
- بقولك عايز سجاير.

- اديلوا زفت، ما إن قالها شاهين حتى تنهد حودة بقلة حيلة وذهب وأحضر له من الحرس علبة مع ولاعة ليسحبها منه الآخر وأخرج منها واحدة بيد ترجف وما إن أشعلها حتى أتت ممرضة لتمنعه من ذلك فهذا ممنوع
إلا أن نظرة من ياسين جعلتها تعود أدراجها بخوف فهم يشبهون عصابة الرداء الأسود التي كانت تتابعها وهي طفلة
ياسين ل شاهين: احنا لازم نديله حاجة تنيمه عشان يرتاح.

- بالله عليك بلاش تخليني أطلع جناني عليك هو ايه اللي ودانه بداهيه غير أفكارك العبقرية...
- ايوة بس كدة هيتجنن مننا
- لا، طول ماهي عايشه تمام لو ماتت، فعلا هتطير الحبة الصغيرة اللي باقية من عقله وقتها أبقى أديله اللي أنت عاوزه
نظر ياسين لأخيه الآخر وقال
- ده طلع بيحبها فوق ماتخيلت
سحب شاهين نفس بروح مجروحه ثم قال
- وهو إيه اللي وجعنا وكسر ظهرنا بجد غير الحب.

ياسين بفضول: أنت طلقت سيلين ليه كنت تقدر توديها لأهلها وبس
- مش وقت كلامك ده خالص خلينا بالمصيبه اللي احنا فيها، ما إن قالها شاهين بقهر حتى نطق الآخر بفزع عندما لمح ذلك المجنون يوجه رأس السجارة المشتعله نحو كفه ويطفئها بقوة
- يحيى أنت بتعمل ايه...

اقترب منه وجلس أمامه هو وشاهين وما إن سحب كف يده حتى رأى اثار ثلاث سيجارات منطفئة براحته على شكل مثلث، لينظر لهم يحيى بهدوء غريب وهو يأشر على أول واحدة منهم ويقول بخفوت
- الحرق ده لأني دخلتها حياتي، ثم انتقل للأثر الثاني وأكمل، دي بقى عشان كل اللي حصلها ده بسببي أنا، ودي لانها دبحت روحها من قرفها مني.

- يحيى، ما إن قالها شاهين حتى التفت يحيى نحو باب الطوارئ الذي اختفت خلفه غلا روحه ليقول بصوت منخفض جدا وكأنه يهمس لنفسه
- ليه تأخروا جوا، هي ماتت صح، لو ماتت أنا اللي عايز أغسلها بيدي والا...
قطع كلامه ما إن مسك شاهين وجهه بين يديه وأجبره للنظر له داخل حدقتيه وقال بحدة لعل الآخر يستوعب ما يقول
- يحيى، اااسمعني، مراتك عايشة.

كاد أن يرد عليه إلا أنه نهض بلهفة ما إن وجد أحد الدكاترة تخرج من الغرفة التي احتجزت بها غلاته ليسئلها بسرعة وبنبرة عالية فهو وشك الانهيار
- ماااااتت صح، أنا قولت أنها ماتت محدش صدقني
دي دبحت نفسهااااا
لتقول الطبيبة بهدوء: هدي أعصابك يا أستاذ و وطي صوتك مش كدة أنت بمستشفى وفي عيانين، نراعي حالتهم
علي العموم اطمن مراتك هي لسه عايشة ما ماتتش الجرح آااه عميق شوية بس ما وصلش للأوردة...

احنا نقلنالها دم و عالجنا الجرح والكدمات اللي بجسمها والحمدلله قدرنا نسعفها هي والبيبي يعني تقدروا تطمنوا
هدووووووء عم المكان حتى يحيى فاق لنفسه ولتصرفاته وكأنه أخذ نسبة كبيرة من الكافيين ليقترب بخطوة نحو تلك الطبيبة الصغيرة المتفاجئة من ردة فعلهم هذا وما زاد اندهاشها هو عندما قال لها
- قولتي ايه
الطبيبة بستغراب: اسعفناها الحمدلله
ليقول يحيى بعدم استيعاب: سمعت كلمة بيبي.

الطبيبة بابتسامة واسعة: ايه ده، أنت متعرفش أنها حامل بالشهر الأول ودي أصلا يعتبر معجزة أنه فضل بعد حالتها دي
نظر لها لبرهة دون كلام ثم قال: عايز اشوفها
ردت عليه بعملية واستعلاء بعض الشئ: في الوقت الحالي ممنوع لسه تعبانة وأنا لازم أروح أقدم تقريري عن حالتها فورا للمدير عشان يتقدم بلاغ
ياسين باستفسار: بلاغ ليه؟
استدارت له وأخذت تشرح له بجدية الوضع غير منتبها لتلك النظرات التي أخذت تأكلها من حودة.

- لازم أعمل تقرير طبي وأثبت بأن المريضة تم الأعتداء عليها بالضرب ومدبوحه وبكده هيتم
التبليغ دي القوانين عن إذنكم
انهت كلامها وذهبت بثقة إلى غرفتها لينظر شاهين نحو حودة بغموض ليحرك له الآخر رأسه فهو فهم مايريد أن بفعل، ذهب يمشي خلف تلك الطبيبة
بهدوء.

ليجدها تسلك ممر هادئ وهي تتئفئف بين الحينه والأخرى من تعبها وما إن وصلت الى غرفة مكتبها وفتحتها ودخلت حتى شهقت عندما وجدت من يسحبها من عضدها ويدفعها على الباب بعدما دخل خلفها و أغلقه
فتحت الطبيبة عينيها بصدمة وعدم فهم فهذا كله حدث بلمح البصر...

أخذت تنظر لذلك الذي تجرأ وفعل بها هذا لتجده شاب على مايبدو بأنه بنهاية العشرينات ضخم فهو جسده ضعف حجمها مرتين، لفت نظرها اسمرار بشرته وملامحه الحاده المخيفة التي جعلتها ترمش بجفونها خوفا منه، فهو حقا مخيف وبشع، إلا أنها نظرت له بقوة كاذبة و تحلت بالشجاعة المزيفة للحفاظ على كبريائها.

وما إن كادت ان تفتح فمها لتصرخ به على تصرفه الجرئ هذا ولكنها فتحت مقلتيها على وسعهما برعب ما إن شعرت بفوهة المسدس ينزرع بخاصرتها ليأتيها صوته الخشن بعدما رفع ذقنها بيده الأخرى وأغلق فمها بنفسه وهو يقول
- لو حابه تعيشي لازم تسكتي، التقرير مايتكتبش في غير أنه وقعت من السلم وخلصنا، أااامين
- لا طبعا خلصنا ايه وأسكت ايه دي حالة مريضة كانت بين الحياة والموت
- احنا هنعرف ناخد حقها كويس ماتشليش همها.

نست خوفها واشاحت بيدها وهي تقول: ايه الكلام ده يا استاذ، هي مش غابة، في قانون لازم يأخد مجراه
رفع مسدسه وأخذ يضرب فوهته بخفه على صدغها وهو يقول بمغزى: شكلك لسه خام و متخرجه جديد و وخداكي الوطنية أوي.

أخذت تتابع سير المسدس الذي أخذ يرسم معالم وجهه لتقول بشكل تلقائي من خوفها: انا لسه طالبة مرحلة تانية طب، بشتغل هنا تدريب والدكتورة المقيمة ماكنتش موجودة ف أنا اخدت مكانها، ف دي امانة عندي دلوقتي يرضيك يعني إني اخونها وماطلعش قدها
- آه يرضيني، قالها حودة وهو هائم بقربهاهذا وجمالها الطبيعي الخالي من مستحضرات التجميل.

ليغمض عينيه بقوة يحاول أن يسيطر على نيرانه التي انفجرت بداخله فتلك الحمقاء نفخت بضجر بوجهه أنفاسها وأخذت تقول بتذمر
- يرضيك ايه بس بقولك انا لسه طالبة
فتح عينيه و أومأ لها وهو يقول بشرود بها: تمام يعني قدامك مستقبل حلو، ليه عايزة تظلميه بوقوفك قدامنا بغبائك ده.

رفعت سبابتها الصغيرة بوجهه وقالت بصوت مهزوز فهي مرعوبه من نظراته التي قتم لونها: ايه غبائك دي لو سمحت حسن ملافظك وبعدين حتى لو هتفصلوني من هنا أنا مستحيل أبيع ضميري
ليقول حودة بمراوغه لا تقل كثير عن هؤلاء الذين يعمل معهم: ومين قال احنا عايزين نقطع رزقك من هنا احنا بنخاف ربنا مستحيل نعمل كدة هو أنتي مش سامعة قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق
سألته بفضول: اومال هتعملوا ايه.

حودة بتوضيح لم تفهمه الأخرى: والله أي بنت تقف قصادنا يكون مسيرها تحليه للرجاله...
- مش فاهمة!
حودة بوقاحة: وبعدين بقى أنت عايزة تتعبيني ليه، اسمعي الكلام لأحسن وعزة جلالة الله أهحولك بنفسي من آنسة لمدام...
شهقت برعب من ما سمعته الآن وهي لا تصدق هل ما سمعته منه الآن حقيقة أم ماذا...
أخذ يمرر سلاحه على عنقها صعودا وهبوطا وهو يقول بإعجاب ظهر من نبرته: اسمك ايه
- هاااا.

رفع حاجبيه وقال: اسمك! اسمك ايه يادكتورة
- هدى
كرمش حودة وجهه بقرف وقال بكذب متعمد
- اسم قديم ومش حلو
هدى بفضول: وأنت اسمك ايه
- ليه هتصاحبيني
- أهو من باب المعرفة لو بلغت عنك اديهم اسمك، ما إن قالتها حتى لمحت شبه ابتسامة انرسمت على شفتيه إلا أنه عاد الى جموده بسرعه وقال
- هقولك اسمي عارفة ليه لأني مش خايف منك يا صغيرة
رفعت سبابتها بوجهه مرة أخرى ولكنها أنزلته بسرعة عندما وجدته زاد غضبه وهي تقول.

- ايه صغيرة دي أنا دكتورة لازم تحترمني
عض شفته السفليه وحك طرف حاجبه وقال: انا مفهومي عن الاحترام مختلفه عن اي حد شفتيه قبل كدة فبلاش تطلبي مني لأنه مش بمصلحتك
لتقول هدى بتساؤل وراحة بالكلام وكان الذي امامها صديقها منذ سنين
- ليه، هو في موديل جديد نزل السوق غير اللي عندنا وانا معرفش
- أنتي رغاية وبتسئلي كدة ليه
- اااي ده أنت طلعت من النوع اللي بياخد وبيدي معانا وفي الآخر يعمل نفسه عايش الدور واااء.

قاطعها حودة بذهول من تلك المخلوقه التي امامه: أنتي ليه مش بتسكتي...
- لأن سلاح البت لسانها
وضع يده خلف ظهرها ودفعها نحوه وقال بحرارة: لسانك طويل وهتتعبيني معاكي
- وإيدي أطول، قالتها وهي تبعده عنها وما إن كادت أن تضربه على وجهه إلا أنه قبض على رسغها بقوة وانزل ذراعها للاسفل وهو ثابت امامها ينظر لها ببرود كاذب...

ثم بثانية واحدة وجدته يدفعها بجسده لزاوية الباب واقترب منها بطريقة مخيفه لكل أنثى فهو ألصق جسده بجسدها الذي أخذ ينتفض بخوف مفرط ما إن شعرت بأنفاسه تضرب شفتيها المرتعشه عندما قال
- ليه تخليني أعمل حاجة نفسي فيها
- عيب اللي أنت بتعمله ده ياحضرتك
أومأ لها برأسه وهو يهمهم بتأكيد
- هممممم ما أنا واخد بالي من العيب ده
لتقول هدى بتهديد مضحك فهي امامه كالبحيرة والمحيط لا وجه للمقارنه بينهم: هشتكيك للأمن.

- هتقوليلهم ايه، الشخص ده زنقني باوضتي ورا الباب وحسس عليا وباسني، ما إن قالها حتى توقع بأنها ستغضب منه إلا أنه ذهل عندما وجدها تعدل على ما سمعته منه
- ايوه بس أنت مابستنيش
حودة بصدمة: بجد، مابستكيش، أنت غبية
حرك وجهه بنفي: لاء مش غبية، بس أنت ما عملتش كدة
- عيبة بحقي صح. غلطة و لازم اصلحها حالا...
ختم كلامه وهو ينهي تلك الفواصل القصيره
بينه وبين ثغرها المنفرج...

أخذت تقاومه وتضرب على صدره ليتركها ولكنه حسم الأمر لصالحه أكثر ما إن حملها من خصرها وثبتها على الحائط دون ان يفصل قبلته لها ولم يستجيب لضربها له الا عندما تيقن بأن الاوكسجين عندها انتهى لينزلها بهدوء على الأرض وابتعد عنها ببطئ ليجدها كالتي نزلت من الارجوحة، فهي كانت تترنح وهي بمكانها.

سندها على صدره ليمد يده لشفتيها المفتوحه قليلا واخذ يمسح عليهم بأبهامه بانتشاء ولكن هذا لم يدم فهي ما إن رفعت نظرها له حتى أغلقت جفنيها بذبول وسقطت بين يديه فاقدة للوعي
حاوط خصرها بإحدى ذراعيه واخذ ينظر لها ببرود.

ظاهري، نظر حوله بحيرة ماذا يفعل بها، ليحملها بخفه ما إن وجد اريكه جلدية ذهب نحوها ليرميها عليها بأهمال ثم ذهب نحو زهرية تحتوي على الورد الطبيعي أخرجهم منها ورماهم على سطح المكتب وأخذ الزهرية معه وأفرغ الماء الذي فيها بوجه تلك المسكينة التي سرعان ما إن جفلت حتى بكت وهي تقول بفزع فهي اعتقدت أنه سيكمل ما بدئه
- أوعى تقرب مني الله يخليك بلاش تأذيني.

- أنتي كويسه، قالها بجمود وهو ينظر الى وجهها الأحمر المخنوق بالشهقات ليجدها تقول بزعل جميل
- روح من هنا مالكش دعوة بيا مش عايزة اشوفك تاني
- والتقرير
أخذت تدعك عينيها وهي تقول ببكاء
- هعمل زي ما أنتم عايزين.

- ماكان من الأول ياشاطرة، ما إن قالها حتى انحنى بجذعه لها واكمل كلامه بنصيحة، اسمعيني لو عايزة تعيشي بالزمن ده، لازم تكون عميا وخرسة وطرشة اوعى تقفي ضد حد هتتكسري، أمشي جنب الحيط ولو قدرتي تدخلي جوا الحيط نفسه ماتتردديش
اعتدل بجسده ثم تركها وذهب نحو الباب وما إن فتحه حتى التفت لها وقال: اسمي حودة
سحبت ساقيها لصدرها واحتضنتهم بذراعيها واخذت تبكي ما إن أغلق الباب خلفه واختفى من امامها.

علي الطرف الآخر من المستشفى بالتحديد في غرفة الأفاقة فتحت عينيها بخمول، حاولت تحرك وجهها بنزعاج إلا أن هناك وجع رهيب احتل عنقها جعلها تتوقف عن اي حراك
بقت على وضعها هذا دقيقة كاملة ثم رفعت يدها نحو عنقه واخذت تتحسس ذلك الشاش الطبي الملفوف حوله...
أغمضت عينيها ما إن داهمتها الذكريات واحدة تلوى الاخرى حتى وصلت لذلك الوقت الذي نحرت نفسها
نزلت دمعة من عينيها وهي تقول.

- أستغفر الله العظيم، أستغفر الله العلي العظيم
أخذت تكرر الاستغفار وهي لا تصدق ما جنت بيدها
كيف استطاعت ان تغضب ربها وتكون من النافرين بقضاءه، ماذا لو كانت ماتت فعلا كيف كانت ستقابل ربها وهي كافرة
ولكن لا تعرف ماذا حدث لها ذاك الوقت، عقلها غاب منها واعصابها انهارت، لم تتحمل ماحدث لها...
رفعت كفيها لوجهها ومسحت دموعها بسرعة
ما إن سمعت صوت الباب يفتح عليها.

قبل هذه الأحداث عند يحيى ما إن اختفت الطبيبة من امامه ولحق بها حودة حتى نظر لأخوته وهو يبتسم بعدم تصديق ويقول
- سمعتم قالت ايه، غلاتي حامل
اقترب منه ياسين واحتضنه من كتفه وقال بفرحة له: مبروك يابطل هتسميه ياسين صح
- لاء طبعا، قالها بصراحة مطلقه وهو يبعده عنه بنزعاج ليرفض الآخر الابتعاد عنه واخذ يشاكسه ليضحك...

أبتسم شاهين بخفة على منظرهم هذا ليقترب منه هو الآخر ودون اي مقدمات احتضنه بقوة وأخذ يربت على ظهره ثم أبعده عنه ونظر له ليقبل جبهته بقوة ثم قال
- ألف مبروك يتربى بعزك
- الله يبارك فيك، أنا عايز اشوفها
- روح الحمام وغير الأول أنا خليت الرجاله تجيبلك هدوم نضيفه.

- ماشي، قالها بتوتر ممزوج بفرحة. ذهب نحو الحمامات واغتسل ورمى عنه تلك الثياب المتسخه وارتدى النظيفة ليغسل يده بالماء ثم اخذ يمشط خصلات شعره بأنامله
نظر لنفسه بالمرأة وهو يحاول أن يرتب دقات قلبه المجنونه، يشعر وكأن توتر الكون بأكمله جمع فيه الآن...
خرج وذهب نحوا تلك الحجرة التي تقطن بها عنيدته
وهناك ألف سؤال يداهمه، ولكن سؤاله الرئيسي كان ماهي ردة فعلها.

وصل أمام الباب حتى دخل دون أن يسمح لنفسه ان يتردد فهي روحه كيف يتردد من رؤيتها...
وقع بصره عليها وتذبذبت أنفاسه عندما وجدها طريحة الفراش بحالة يرثى لها بالنسبة للجميع إلا له فهو لم يرها الآن إلا كفاتنه ترقص على اوتار قلبه الحسية
فهي جميلة بكل حالاتها يريد أن يتذكر لها موقف كانت قبيحه به لم يجد بذاكرته لها سوا جمال في جمال...

سحب نفسه قوي وارتفع صدره للاعلى ما ان وجدها ترفع نظرها له توقع بأن تكون نظرتها كره و حقد وغل الا أنه تفاجئ من ما رأى فيهما...
لم يرى بنظراتها سوا العتاب والألم الذي لا حد له
لأول مرة يراها ساكنه هكذا فقد كانت دائما متمردة حتى في أثناء نومها...

أما عند غاليه نظرت لذلك المتطفل الذي دخل عليها لتجده أسوأ كوابيسها يتجسد امامها لوهله كرهته حقا، كان يتقدم نحوها بخطوات متريثه، أرادته أن يتوقف ما إن زاد حد اقترابه منها
ولكن لم يصغي لها ولا لطلبها الذي طلبته منه بمعانيها وليس بلفظها ما ان ابعدت نظرها عنه و وجهتها نحو النافذه عندما وجدته شبه يعتليها بجذعه العلوي وهو يضع ذراعيه حولها لتكون كالمحتبسه بقفصه
أخذ يحيى يمرر نظره عليها بشوق فهي حقا مصنع.

خاص للأنوثة، نزل بنظره لعنقها الملفوف لينزل رأسه نحو نحرها وقبلها، برغم شعوره بيدها تستكين على منكبيه واخذت تدفعه عنها إلا أنه لم يبتعد أو يكترث لمقاومتها الضعيفة بل كان يقبل مكان الجرح ببطئ وتريث وكأنه يعتذر منه لأنه السبب به
رفع وجهه بهدوء نحو اذنها وهمس بوجع
- بلاش تموتيني بنفورك مني بالشكل ده
- شوف مين اللي بيتكلم عن الموت، أنت وصلتني لمرحله خلتني ادبح نفسي عشان بس أخلص منك.

رفع رأسه قليلا لينظر الى تلك الشوكولا الذابه بمقلتيها وهو يقول بعشق خالص لا بل نبرته كانت كالشخص المهوس
- غبية لو مفكرة إن موتك هيخلصك مني، تعرفي كنت ناوي على ايه قولت انها ماتت خلاص، كنت ناوي اغسلك بيدي وانزل معاكي القبر وانام جنبك ويرموا علينا التراب وقتها، يا نعيش سوا يا نندفن سوا
غالية بغضب وصوت متألم بالكاد يخرج منها.

- تقتل القتيل وتمشي بجنازته، اللي يشوفك بتتكلم كدة يقول يابختها، مش أنت اللي وصلتنا لده كله، اعتقني ياشيخ، كرهتني بنفسي
- لو كنت قبل متمسك فيكي قيراط دلوقتي متمسك فيكي 24 قيراط، خصوصا لما عرفت إنك هتبقى أم ابني
ما إن قال كلماته هذه حتى كرمشت وجهها بقهر لا يوصف جعلته يبتعد عنها بفعلتها هذا واخذ يقول بعدما رمقها بنظر تمعن
- مستغربتيش بالخبر ده يعني، أنتي!
أنتب كنتي عارفه صح، اااانطقي كنتي عارفة
ولا لاء.

لتقول غالية وهي تحاول أن تتجاهل ذلك بوجع بحنجرته: لااااا مش عارفة بس اللي خفت منه حصل
كنت شاكه بنفسي بس كدبت احساسي
- مش فرحانه ليه
ابتسمت بسخرية بعدما نرسم معاني الألم الروحي قبل الجسدي على وجهها: أفرح على خيبتي ولا على بختي الأسود اللي خلاني أحمل من مرة وحده بس
مسك يدها وقبلها ثم قال: طب ليه ماتقوليش يا حبيبتي أنا، ان ربنا رزقنا بالطفل ده حتى
يدينا فرصة جديده عشان نبدأ صح المرادي
و نسامح بعض...

نترت يدها منه وقال بكره: انا مش عايزاك ولا عايزة ابنك ولا عايزة أكون معاك
يحيى بحزن: وابني ذنبه ايه؟!
ردت عليها بغل: ذنبه إنك ابوه، عايزني أخلف من واحد زيك عايز تاريخك ينعاد
- بس أنا هتغير غلاتي. صدقيني
- امتى بكرة بعد الظهر، صمتت قليلا ثم قالت بكذب ولكنها ارادت ان تضغط عليه بأبنه...

اسمعني يا يحيى لو أنت عايزني اخلف ابنك واربيه بجد لازم تطلقني و ماتورنيش وشك، يا كدة يا اما أقسم برب العزة هنزله ولو منزلش هرمي نفسي من السطوح، نار الآخرة ولا نارك
يحيى بصدمة وانكسار رجل
- ليه عايزاة تحرميني منكم
غالية بنهيار نفسي فهي فقدت كل طاقة لها معه.

- ده الصح انا أبقى مجنونه رسمي لو وافقت اخلف و أربيه معاك بنفس البيت، أكيد هيطلع زيك بالضبط نسخة يحيى المصغرة النسوانجي الخمرجي لا صلاة، لاعبادة، عندك الكون كله أنت وبس
دمرتني، كان يوم أسود يوم مابقيت على اسمك، ودلوقتي بقولك أنا تعبت وجبت اخري ومش مستعده اني ابقى معاك يوم كمان
ليقول يحيى بختناق من ما سمع
- ده آخر كلامك عندك
- ايوه ده اخره وماعنديش غيره.

صرخ بها من عنادها: أنتي ليه كدة، ليه مش بتحسي بوجعي
- تعلمت منك الانانية وبقيت مفكرش غير بنفسي من عاشر القوم يا استاذ يحيى
ردت عليه بقوة: عايزة تطلقي عشان تاخدي ابني يربيه راجل غيري
غالية بذهول: ايه الكلام ده راجل ايه.

يحيى بغيرة قاتلة: اومال عايزة تطلقي ليه، تعرفي لو طلقتك ده يبقى معنا ايه، معنى اني لديك فرصة انك تعيشي حياتي مع راجل غيري، بعد ماتمحيني منها وانا لو شفتك تموت قصادي فعلا مش هطلقك، هتموتي وأنتي على ذمتي سامعة
غالية بحتجاج: بس ده ظلم
- ومش ظلم لما عايزاني استغنى عنك عشان تروحي لحضن غيري، وتنامي بسريره
- أنت ليه تفكر بالطريقة الوسخة دي
- لأن مالهاش تفكير تاني، اسمعيني طلاق مش هطلق.

حتى لو وقفتي على شعر راسك
لتقول بعدما ابعدت نظرها عنه واخذت تنهج بتعب: اطلع من هنا مش عايزة اشوفك
- غلا، ما إن نطق اسمها المدلل حتى التفتت له برأسه بقوة ألمتها وهي تقول بنفعال
- اسمي غالية مش غلااااا، مش غلااا
يحيى بأصرار: لاء أنتي غلا بتاعتي غلاتي و روحي ودنيتي كلها، والله بحبك
- ومن الحب ماقتل يحيى، المقولة دي تنطبق عليك.

ليقول يحيى بتفكير ليكي يقنعها: طب شوفي ممكن اخدلك شقة تقعدي فيها أنتي وأمك ومصروف شهري يوصلك وكل طلباتك قبل ماتقوليها هتكون مجابه بس ماتموتيش ابني حرام هو مالوش ذنب، مش كفايه أنه ابني زي مابتقولي عايزة تظلميه اكتر من كدة ليه...
- أنت تقدر تاخده مني ببساطة
- ايوه أقدر أعمل كدة بس مش هاقدر ألاقي ليه أم زيك تربيه ع الصح والغلط، هااا اتفقنا.

غالية برفض: لا ماينفعش لأن كلامك ده كله اسبوع ولا تنين وهيروح والاتفاق هيتلغي
- وعد رجاله مش هخليكي تشوفي وشي ربي لي ابني و بس...
- طب طلقني وأنا أوعدك كمان مش هتجوز
انتفض من جانبها واستقام بطوله وهو يقول
- لا طلاق لااااا افهميها بقى، وبعدين انتي مش بتقولي إنك مش هتتجوزي خلاص اعتبري نفسك مطلقه ياستي ماتبصيش للبطاقة الشخصية عشان ماتشوفيش اسمي فيها، هااا قولتي ايه.

غالية بتردد فهي لا تثق به: مش عارف مش قادرة أثق فيك رابط جوازي منك بيخنقني
يحيى بتهديد حقيقي: يا اما كدة يا اما هاخدك غصب ع الشقة بتاعتنا اختاري، طيب جهزي اااء
ما إن استشعرت بصدق تهديده حتى قاطعته بسرعة وهي تقول: أنا موافقة إنك تاخدلي شقة نعيش فيها أنا وماما وهربي ابننا على الصح بس بشرط وشك ده مش عايزه اشوفه
يحيى بنبرة عذاب: راضية إنك تعيشي متعلقه على إنك تعاشريني
- ايوه.

- طيب، هعملك اللي أنتي عايزاه بس والله ثم والله لو ابني نزل من بطنك حتى لو كان مالكيش دخل بكده هقلب حياتك جحيم
- أكتر من كدة تقلبها جحيم
يحيى بتهديد: كل اللي شفتيه مني لحد دلوقتي وأنا بحبك تخيلي بقى لما اكرهك هعمل فيكي ايه، ابني قصاد عيلتك كلهم، اتفقنا
- اتفقنا، ما إن قالتها حتى ابتعد عنها وخرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه بغضب ليقابل ياسين يجلس على مقاعد الانتظار ذهب نحوه وجلس الى جانبه بغضب أسود.

- ماله
- عنييييييدةةةةةة مش راضية تسامحني
ربت على كتفه وقال: اهلا وسهلا برفيقي الجديد بالحزن
أبعد يحيى يد الآخر عنه وقال بنفعال
- ياسين أنا مش بهزر
- ولا أنا بهزر
- أنا عايزها ليااااا ليه مستكترة نفسها عليا ليه!
- هطلقها؟!
- لاء
- اومال هتجبرها عليك زي كل مرة
- لاء
- اومال ااااايه
- هوفر سكن ومعيشة كريمة ليها ولأمها قصاد انها تربيلي ابني
- هتقدر تشوف ابنك يتربا بعيد عنك.

- يمكن ده أحسن ليه في الوقت الحالي، ياسين أنا شفت باليومين اللي فاته حاجات دمرتني، انا تعبان
تعبان بطريقة غبية، تعرف نفسي اعيط بصوت
ياسين بسخرية: ده أنت هرينا عياط من الصبح
- عياط عن عياط بيفرق صدقني
تنهد بصوت مسموع ثم قال
- ولاد اللداغ مكتوبلهم الوجع
يحيى بهمس: و وجعي أنا ربي رزقني بحب وحدة حجر
ياسين بقصف جبهة: قال يعني أنت اللي حنين اوي ده أنت جبتلها وحدة من بنات الليل وحطيتها قصادها.

يحيى بختناق: يااااسين اسكت انا معرفش عملت كدة ازاي قال كنت عايزها تسبني قال ده كل ما افتكر يبقى عايز ادي نفسي بالجزمة القديمه
- تهورك هو اللي وداك في داهية مية مرة شاهين قالك ما تخدش قرارات بوقت غضبك بس يحيى المغرور اللي شايف نفسه يسمع الكلام ازاي مش عيب
- كفاية تقطيم بقى وقولي فين شاهين
- راح الوكر عشان اااء
قاطعة يحيى: اوعى حد يجي جنب سلطان أنا عايز اصلي دمه بنفسي.

ابتسم بتساع وقال: سلطان ايه، ده أنا عملت منه كفته مشوية ع الفحم
- يعني ايه
ياسين بلا مبالاة: يعني كلب وفطس
يحيى بستغراب: بالسرعة دي؟!
- واحنا من امتى بنسيب حقنا عند حد لتاني يوم
- طب شاهين راح الوكر ليه
- عايز يهد الوكر كله ويساويه مع الأرض
- أنت عارف معنى كلامك ده ايه...
- عارف
- وطالما عارف سايبه وقاعد قصادي ليه ماتروحله
- واسيبك ازاي، أنت ماشفتش نفسك الصبح ده أنا كنت هحجزلك بمصحه، قولت الواد راح مننا.

- واد بعينك احترمني
- أكتر من كدة احترام غلط ع الصحة، قالها وهو يضربه على خلف عنقه بقوة جعل الآخر ينهض بسرعه من مكانه واخذ يدلك مكان الوجع وهو يقول
- يخربيتك يدك تقيله اوي، قوم روح لشاهين يالا
- وأنت...
- أنا غلاتي معايا هعوز ايه يعني وحتى لو عوزت الحرس موجود لو احتجت لحاجة، بس شاهين
فتح أبواب النار عليه لما قرر أنه يهد الوكر
- أنا مع شاهين لااازم يتهد ده دمرنا ودمر عيلتنا كلنا.

- محتاج اننا نتحد ونشتغل ع النقطة دي ما ينفع شاهين لوحده
- ماشي هروحله وربنا يستر باللي جاي، بس لو حصلك حاجة ابقى بلغني
- تمام، ما إن قالها يحيى حتى أومأ له ياسين وذهب الى خارج المستشفى ليستقل إحدى سيارات الحرس بعدما اعطاهم التوجيهات لحماية يحيى من اي غدر فهم هذه الأيام لا يعرفوا من اين سوف يتلقوا الغدر فعليهم الحذر
في أحد المناطق الراقية جدا والهادئة بالتحديد
بشقة شاهين.

في الصباح الباكر خرجت داليا من الغرفة لتجد زوجها الحنون يجلس على الاريكة
لتعود بذاكرتها لليلة أمس عندما زوجها بوقت متأخر امرهم بحملو امتعتهم كلها وجاء بهم الى هنا وليس هذا فقط بل كانت المفاجأة عندما سمعت البواب يقول بأن هذه شقة شاهين اللداغ
وما إن سمعت سيلين بأن هذا المكان خاص به حتى صعدت بسرعة على أمل ان تراه ولكن خاب املها عندما لم تجده...

أخذت تبحث بالمكان حتى وجدت غرفته لتتوجه نحو الدولاب واستخرجت ملابسه بلهفه وما إن استنشقتهم حتى حبطتت معنوياتها لأنها لم تجد الرائحة المطلوب منها
ثم توجهت الى مرأة الزينة بلهفة ما إن وجدت مجموعة عطور واخذت تستنشق واحد تلوا الاخرى تريد رائحة التي يستخدمها دوما...

لتسحب نفس عميق جدا عندما وجدت هدفها أخذت ترش بالهواء وتستنشقه بهيام ثم نثرت منه على ثيابها و على الوسادة ثم رمت نفسها على الفراش واحتضنت الوسادة وكأنها مخدرة او مدمنة حقا
لتنزل دموعها بشكل مفاجئ منها واخذت تبكي بحرقة وهي ماتزال مغمضة لتدفن وجهها بالوسادة أكثر فهي
لم تجد تلك الرئحة التي بحق تريدها، رائحة جسده.

الممزوجه بهذا العطر، تريد دفئ احضانه التي حرمها منه، تريد شااااهين الذي تغلغل بروحها قبل جسدها وامتلكها حرفيا بعقلها وقلبها وبكل خلية لها
لم تشعر بنفسها عندما ارتفعت نبرة صوتها بالبكاء المرير الا عندما سحبها والدها نحوه بعدما رمى تلك الوساده بعيدا واحتضنها داخل اضلاعه بقوة يريد ان يبعد عنها حزنها...

فؤاده يتمزق عليها وما باليد حيلة، نظر لزوجته وابنته الأخرى الذين كانوا ينظروا له بوجع على حالتها هذه...
سيلين التي عادت ليست نفسها سيلين التي يعرفوها
وكأن الاخر برمجها عليه فقط...
أشار لهم سعد بالخروج فنفذو مطلبه بهدوء واغلقوا الباب عليهم ليشدد هو من احتضانها وهو يقول.

- سيلين كفايا توجعيني عليكي ده، بنوتي الحلوة راحت فين أنا عايزها، ارجعيلي ياقلب ابوكي بلاش تموتيني بالحيا، سااااااااامحيييييني لأني مقدرتش احميكي سامحيني
- بابااااا انننننننننننن، نطقت اسم والدها بختناق شديد ثم اخذت تأن وهي تخبئ وجهها بحنايا صدره الحنون
رجف فم سعد وهو يقول بغصة ودموع انهمرت عليها: هششششششش ياروح ابوكي هششش ياعذابه
قضت الليلة السابقة بهذا الشكل حتى غفت بدموعها.

مر بعض الوقت عليهم وهذا بهذا وضع حتى غفت وهي تشهق ودمعتها على وجنتها اما سعد لم ينام كان يفكر وهو يملس على شعرها بحنان وما ان اشرقت الشمس حتى قبل رأسها بقبلة طويلة ثم ابتعد عنها بهدوء وخرج
وما إن جلس بالصالة حتى وجد زوجته ايضا تخرج من إحدى الغرف لتقترب منه وهي تقول
- سيلين عاملة ايه
- سيلين مابقاش منها غير اسمها، أنا بناتي ادمروا
- والحل ياسعد
- الحل هو زي ماقولتي لازم نسيب هنا
- هنروح فين.

- أرض الله واسعة
- ايوه بس ميرال لسه الزفت التاني معند ومش راضي يبعتلها ورقتها، سايبها متعلقه وهي مطلقة
- أنا هاخدهم دلوقتي ولما ترجع لنفسها هي والتاني يبقوا يعملوا اللي عايزينه
- حتى لو قرروا انهم يرجعوا ليهم
- يرجعوا لمين؟! دي نجوم السما اقربلهم من الكلام ده، ده أنا ماصدقت انهم رجعوا لحضني، قومي جهزي فطار وصحيهم عايز نطلع من هنا ع الساعة عشرة كدة
- ايوه بس ماقولتليش هنروح فين
- بقي فيا.

- حاضر يا حبيبي، قالتها وهي تنحنى وتقبل يده ثم نهضت وذهبت لتفعل ما يريد وبالفعل لم يمر سوا ساعتين فقط وهم يخرجون من مدخل العمارة ليتوجه نحوهم البواب بسرعة وهو يقول بترقب
- في ايه يابيه محتاجين حاجة
- ايوه
- أأمر يابيه.

- خد المفاتيح دول ورجعهم للباشا بتاعك وقوله بيقولك سعد الجندي ده اخرنا معاك، قالها وهو يرمي له المفتاح كاد ان يتكلم البواب إلا أن سعد منعه من ذلك عندما تخطاه مع عائلته التي كانوا يلتزمون الصمت
- عنك يابابا انا هسوق أنت تعبان، قالتها ميرال وهي تأخذ منه مفاتيح السيارة وذهبت نحو مقعد السائق بعدما وضعوا حقائبهم بالصندوق.

جلس سعد الى جانب ميرال وداليا بالخلف اما سيلين كانت تقف ممسكه الباب بيده وهي تنظر للعمارة بنظرات خاليه من الروح...
التفتت نحو والدتها التي قالت
- يالا ياسيلين اركبي
تنهدت ثم عادت تنظر العمارة وكأنها تودع كل شئ من اثره، وما إن كررت داليا ندائها عليها حتى ابتلعت لعابها الجاف وصعدت معهم بجسدها فقط
لتسند رأسها على النافذة بخمول واخذت للخارج بخواء ما إن تحركت السيارة لا بعد نقطة عن هنا.

بالوكر بالتحديد بالقبوا الخاص بتجمعاتهم
كان يقف أمام الخزانة الرئيسية وهو يخرج الأوراق منها ويضعها بالحقيبة السوداء الخاصة به
- ايه اللي جابك، قالها الهجين بعدما رفع رأسه نحو الدرج ما ان وجد ياسين يدخل عليه وهو يقول: يحيى أصر إني اجي واقف معاك قال أنه كويس
. إلا قولي أنتشر خبر موت سلطان ولا لسه
- أكيد دلوقتي في بداية انتشاره، صح كل اللي حولينا من رجالتنا بس أكيد في منهم مدسوسين
- أنت بتشك في كل حاجة.

- الحذر واجب...
- طلقت سيلين ليه...
- أنت مش شايف اللي احنا في كان لازم أبعدها من النار اللي هتولع فينا
- ايوه كنت تقدر تحميها بنفسك
- هبقى بين ناري وممكن تتأذى ماينفعش يكون عندي نقطة ضعف لانها هتستهدف أكيد
- كنت تقدر ترجعها لسعد من غير طلاق
- اااااانت عايز مني
- طلقتها ليه
- لاني مقدرش أحط عيني بعينها بالوقت الحالي أنا دمرتها ودمرت عيلتها كلها وبالاخر طلعت بنت عمي
بنت ماهر، وأنت عارف ماهر بالنسبالي ايه.

مقدرتش أخليها قصادي واضحك معاها واتكلم عادي
بعد كل اللي عرفته، كان لازم ارجعها زي ما اخدتها
- هتقدر تعيش من غيرها
- مش يمكن أموت ما الأيام الجاية نار وشرار، الكل هيطلع نابه لينا خايف على نفسه لنتخلص منه زي سلطان...
- بعد الشر عليك، فعلا بموت سلطان بقى اللعب ع المكشوف والكل بقى يغدر بكره من الخوف دي حتى زينة راحت لعدونا وتحامت فيه خايفة مننا.

قالها ثم نهض و وقف أمام أخيه لينظر الى عمق الجرح الواضح بعينيه ليقول
تعرف لما شفت حالتك دي يا هجين وحرقة قلبك على سيلين ببقى عايز أروح أطلع سلطان وأرجع أولع فيه من تاني، قلبي لسه مابردش، أول مرة أكون رحيم مع اللي قصادي زي كدة، حاسس إن موته دي مالاقش بعمايله، كان لازم أعلقه ع بوابه الوكر واقعد اقطع بلحمه زي الدبيحة بسكينه تكون تلمه واستمتع بصريخه
رد عليه شاهين بتهكم: قلبك طيب اوي يا ياسين.

ياسين بحزن هو الاخر: انا قلبي اللي بتقول عليه
ده عمري ما حسيت فيه غير معها هي بس...
شاهين بستفسار- ناوي على ايه معاها
ياسين بتمنى طفل عاجز عن الوصول لما يريد: عايزها
- وهي
- مش طايقاني، بس هتروح مني فين وراها وراها، اووووف، يا بقى ياسين يحصل فيه كدة. صحيح الحب بهدلة، اما اقوم اشوف الرجاله برا بيعملوا ايه...

كاد أن يعود على عمله بجمع الأوراق إلا أن هاتفه رن وما كان المتصل سوا البواب الذي ما إن أجابه حتى شعر روحه تنتزع منه عندما اخبره الآخر بذهاب نصفه الآخر لنقطة غير معلومه
أنزل الهاتف عن أذنه ببطئ ثم مسح وجهه بسرعة ما إن خانته دمعة ليقول مع نفسه
- كدة أحسن ليها وليا...
بعد مرور خمس سنوات.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة