قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الحادي والأربعون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الحادي والأربعون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الحادي والأربعون

في شقة غالية، كانت تغطي نفسها بشكل كامل وهي تعض على شفتيها بخجل شديد من نفسها كيف استسلمت له بهذا الشكل المخزي، يا الله كيف خانها جسدها أمامه لاااا بل وتجاوبت معه حرفيا وكأن شوقها له فاق شوقه لها
لأول مرة في حياتها تفقد السيطرة على مشاعرها بهذا الشكل، فخلايا جسدها كانت تطالب به بجنون وشغف أكثر مما يطالب بها هو...

عند هذه النقطة أخذت تحرك قدميها ببعضهما بقهر وأنفعال. هذا هو كان حالها كلما تذكرت أفعالها المجنونه معه، تريد الآن أن تذهب له وتضربه بقوة ولكن بأي حق تضربه وهو لم يجبرها عليه قط
كادت أن تصرخ من غيظها إلا أنها توقفت عن الحراك و استكان جسدها تماما حتى النفس قطعته عندما
سمعت صوت الباب يفتح.

سحبت غالية الغطاء قليلا عن عينيها وأخذت تراقب بهما ذلك الذي خرج لتوه من الحمام وهو يدندن باستمتاع رهيب وكأنه الآن يملك العالم ولما لا فمعشوقته العنيدة جعلته يعيش ليلة حب ولا ألف ليلة من ليالي شهريار...
أخذ يحيى يمشط شعره بأنامله بعدما رمى المنشفة بإهمال وما أن انتهى حتى شعر بأنها تراقبه لينظر لها من خلال المرآة ليجد عينيها تلمع بشدة وهي تتمعن به بالخفاء.

ابتسم لها بخبث ثم التفت بجسده نحو السرير ليجدها مغمضة العينين ونائمة بعمق شديد، ممثلة بارعة ياثعلبة ولكنها لا تعرف بأن الثعبان لا يخدع وهو أشد مكرا منها، هذا ما قاله مع نفسه بعدما تقدم نحوها و وجد ثباتها الانفعالي كما هو وكأنها نائمة بالفعل.

جلس الى جانبها وأخذ يمرر باطن يده على سائر جسدها بحب من فوق الفراش ثم انحنى برأسه نحوها وما إن أبعد الغطاء عن وجهها ليقترب أكثر منها لتزداد ابتسامته عبثا عندما وجد وتيرة أنفاسها ترتفع رغما عنها فعلى مايبدو أنها ظنت بأنه سيقبلها
نعم! نعم يعترف بأنه كان ينوي تقبيلها بعمق مجنون فهو لم يشبع منها ولكن أراد مشاكستها وبشدة وهذا ما حصل عندما عض وجنتها بقوة ألمتها وكأنه يقضم تفاحة.

فعلته هذه جعلتها تصرخ بوجع وهي تبعده عنها وما إن اعتدلت بجسدها حتى سحبت وسادتها وضربته بها على وجهه بقوة ثم أخذت تدلك خدها بتأوه خافت
رفعت رأسها بحدة نحو ذلك المفترس لتجده يهيم بها عشقا وكأن حدقتيه تحولت الى مرآة تعكس ما بداخله بوضوح، لحظة من الزمن تاهت بسحره ولكن سرعان ما عادت لواقعها وتجهم وجهها ما إن قال متعمدا أن يغيظها
- صباحية مباركة ياعروسة.

ضربته وهي تصرخ به بغضب لتداري به خجلها منه: مباركة ايه، دي سودة على دماغك. أنت إيه اللي هببته ده...
- وماله خليها سودة، ده حتى الأسود هو سيد الألوان، قالها وهو يمسك معصميها بعدما غمزها من طرف عينيه
ليحتقن وجهها من سفالته هذه فهو يقصد بيجامتها التي كانت ترتديها ليلة أمس باللون الأسود، لتقول بتوتر من نظراته الوقحة لها
- يحيى ما تستفزنيش، واللي حصل امبارح...

قاطعها بسفالة أكبر وهو يقول: ايووووه أنا عايز أعرف ايه اللي حصل امبارح، ده أنتي خربتيها ع الآخر يا شيخة...
غالية بغيظ منه: يحيى!
- يااااقلبه، قالها وهو يقبل كفيها بعشق ليجدها تسحبهم منه وهي تقول بغيظ أكبر من سابقه
- طلقني
تركها ونهض عن السرير وهو يقول: وماله حقك إنك تطلبي الحرية مني
- طب كويس، ما إن قالتها براحة حتى أكمل بجبروت.

- بس بردو من حقي أنا كمان أقولك لما تشوفي حلمة ودنك هبقى أفكر وقتها هااا أفكر، واللي عملته امبارح ده حقي فيكي، وهعمله النهاردة و بكرة، أنتي مراتي
- والله،! طب خد، قالتها وهي ترمي عليه الساعة الصغيرة الموجودة بجانب السرير لتصيب بها صدره العاري ليتأوه بصمت وهو يقول بوجع
- يابنت المجنونة، ايه الجنان ده،؟
رمت الغطاء على الأرض و وقفت على السرير وهي تقول: هو أنت لسه شفت جنان بقولك طلقني.

اتسعت ابتسامته على شقاوتها اللذيذة هذه، ثم قال
- أطلق ايه، ده أنتي أكيد حامل مني دلوقتي ولا نسيتي إني بجيب جول من أول مرة...
صرخت وهي تقفز من مكانها على السرير وتقول
- عااااااااااا، اطلع براااا مش عايزة أشوفك.

- ما أنا هطلع أبلغ أمك بأن حفيدها التاني بعد تسع شهور هيشرف بإذن الله، قالها ببرود متعمد وهو يرتدي قميصه و يخرج من الغرفة وما إن التفت لها ليناغشها أكثر إلا أنه اغلق الباب بسرعة عندما وجدها تقف على الأرض وتذهب عند مرآة الزينة وحملت عطرها ورمته عليه...

ليبتسم بانتشاء عندما وجد زجاجة العطر ترتطم بالباب وليس فيه، ذهب نحو الصالة ليجدها فارغة، ف الوقت الآن ما زال مبكرا توجه نحو غرفة حماته وما إن طرق الباب حتى فتحه عندما أتاه صوتها تطلب من الطارق الدخول
دخل ومازالت الأبتسامة العريضة تزين ثغره ليذهب نحوها وما إن جلس الى جوارها حتى قبل يدها بقوة وقال عندما رفع رأسه لها
- لولاكي ماكنتش أعرف أوصلها
نظرت له قليلا ثم سألته بحيرة: تصالحتم؟!
حرك رأسه بغرور وقال.

- ماتقلقيش كل حاجة تحت السيطرة
ردت عليه بسخرية: آااااه بأمارة صوت صريخها وتكسيرها اللي من شوية مش كدة؟
ضحك بصوت عالي على نظراتها المستنكرة له ثم قال بمرح: ما هو ده بقى بوادر الصلح والسيطرة
تنهدت بعمق ثم قالت وهي تربت على كفه
- معلش اتحملها يابني و وسع خلقك معاها
يحيى بتأكيد: دي روحي يا أمي أنتي بتقولي ايه، دي غلا الروح مستحيل أسيبها لو على موتي، بس ادعيلنا أنتي ربنا يلين دماغها شوية كمان.

- والله بدعيلكم بكل صلاة إن ربنا يلم شملكم ويصلح بالكم قادر يا كريم...
- اللهم آمين، بوجودك معانا ياست الكل.
الأم باستفسار: ماقولتليش غالية مولعة ليه من الصبح كدة أنت عملتلها ايه
حك يحيى طرف حاجبه وهو يقول ببراءة
- أبدا والله، أنا بس قولتلها إن ممكن بعد تسع شهور نخاوي بلال بس كدة
استبشرت الأم بشدة وقالت: بجد! ربنا يسمع منك يا حبيبي، لو ده حصل يبقى ربنا كتبلكم بداية جديدة.

- ربنا يسمع منك يا أمي يااارب. قالها وهو ينهض من جانبها ثم توجه نحو الباب وهو يقول هروح أشوف بلابل صحي ولا لسه...
- ماشي يا حبيبي، قالتها ثم تنهدت بعمق و أخذت تسبح وتسبح وقلبها لم يكف بالدعاء لفلذة قلبها الوحيدة، التي دخلت عليها بعدما خرج الآخر وأتت نحوها ودفنت نفسها بأحضانها بصمت
أخذت تمرر يدها على شعرها وهي تقول بتمني لها
- وبعدين بقى بعنادك ياقلب أمك أنتي، سامحي وريحي نفسك.

دفنت نفسها أكثر وهي تقول بإصرار كاذب استشعرته والدتها: مشششش هسامحه ابداااااا
- ربنا يهديكي يا بنت بطني، قالتها وهي تنحني لها لتقبلها من شعرها ثم أخذت تملس عليها بحنان مفرط حتى غفت بين ذراعي والدتها فهي لم تنم الليلة الماضية ولا حتى دقيقة.

علي الجانب الآخر ب أسكندرية بالتحديد، عند سيلين أخذت تمط ذراعيها بتعب ممزوج بكسل ثم استدارت بجسدها للجهة الأخرى لتقع عينيها الشبه مفتوحة على السرير المجاور لها، الخالي!
لتغلقهم بعدم اهتمام من شدة نعاسها ولكن سرعان مافتحتهم وجلست بانتفاضة عندما وجدت داليا تدخل عليها وهي تقول بابتسامة.
- صباح الخير، اااايه ده ميرال فين
نظرت سيلين بعدم اطمئنان للسرير قليلا ثم سألت والدتها: فين سعد وسيلا وشاهين.

ردت عليها باستغراب: شاهين ايه؟! أنتي كنتي بتحلمي فيه. و بعدين الولاد في أوضتهم أكيد...
أنا هروح اصحيهم مش من عوايدهم يفضلوا نايمين للوقت ده...
ما إن قالتها داليا وهي تلتفت نحو الباب لتخرج حتى انتفضت سيلين من مكانها وركضت لتتخطى والدتها متوجهة لغرفة الأطفال...

لتفتح بابها بقوة ما إن وصلتها لتجد فقط ميرال التي كانت هي أيضا لتوها مستيقظة. أخذت سيلين تنظر حولها بقلق ثم خرجت الى المطبخ وللصالة حتى غرفة والديها دخلتها لينظر لها سعد باستغراب وهو يقول
- تعالي يا حبيبتي في حاجة؟ ماله وشك مخطوف كدة ليه؟
لتهمس سيلين بشحوب: ولادي فين
- فين يعني إيه؟ ما إن قالها بعدم فهم حتى تركته دون أن
ترد عليه وذهبت نحو الحمام وما إن وجدته خاليا ايضا حتى التفتت لهم وصرخت بانفعال.

- ولادي فين.! سعد وسيلا فين
- طالما مش موجودين أكيد مع شاهين، ما إن قالتها ميرال بتخمين حتى جن جنون الأخرى وهي تقول
- لاااااا لاالالالا، أنتي بتقولي ايه، مستحيل شاهين يدبحني بالطريقة دي مستحيل
- في إيه ماتفهمونا، ما إن قالتها داليا وهي تنظر لهم
حتى اقترب منهم سعد وقال باستفسار
- شاهين كان هنا؟

ميرال بتوضيح ممزوج بقلق من ردة فعلهم: ايوه، جي امبارح بالليل و أنتم نايمين وأصر أنه يشوف سيلا، بس هو تجنن لما عرف بسعد كمان ف راحله ونام جنبه ورفض يمشي
ليقول سعد الجندي بانفعال: رفض يمشي ايه، و نام مع مين، أنتم بتقوله ايه، و ليه أنا معرفش بده كله، ازاي ده يحصل وأنا ماعنديش علم
سيلين بتوتر: محبتش أقلق حضرتك وأنت عيان.

- عيان اااايه، أنا نهايتي على إيدك أنتي ياوجع قلبي، ازاي راجل يدخل البيت وينام فيه وأنا معرفش ازاي...
- بابي أنا
قاطعها بغضب وهو يقول: هششششششششش
صوتك مش عايز أسمعه...
داليا باستفسار: هنعمل ايه يا سعد
- نعمل إيه في إيه، أنا اللي غلطان، أنا اللي معرفتش أربي أنا اللي ربنا كاتب عليه التعب طول عمري...
- اهدى يا حبيبي، أنت كدة قلبك هيقف بعد الشر.

- اهدى ايه بس، اهدى ايه، اما نشوف المصيبة دي هتودينا على فين، ماهو مايجيش من وراها غير وجع القلب...
قالها بغضب وهو ينهج وينظر الى سيلين بعتاب ثم سحب هاتفه و أخذ يتصل بشاهين عدة مرات ولم يرد لتجلس سيلين على الأريكة بانهيار و أخذت تبكي بحرقة شديدة مزقت بها نياط قلوب الموجودين فهي أعلم الناس بالآخر فهو يتعمد الآن أذيتها وكأنه لم يكفيه أذاها لسنين
على الطرف الآخر، بالتحديد عند شاهين.

وصل الى أطراف القاهرة وتوجه للمزرعة الخاصة به
اي للمكان الذي كان شاهد على حبه لتلك المغرورة...
دخل من البوابة الكبيرة الحديدية وما أن توقف أمام المدخل الامامي حتى نزل من مقعده وفتح الباب الخلفي ليفتح عنهم حزام الأمان ثم حملهم على كتفيه وما إن أغلق الباب حتى وجدهم يستيقظون.

حملهم بشكل جيد وإتقان ثم أخذ يقبل وجنتيهم معا تارة يقبل سيلا التي أخذت تمرمغ وجهها بعنقه وتارة أخرى يقبل سعد الذي كان لم يعي بعد وهو يدعك عينيه بكسل وخمول...
ثم ضمهم معا لصدره وهو يتنفس عطرهم البرئ و أخذ يتوجه بهم للداخل لتستقبله الخادمة باحترام
ليومأ لها برأسه ثم تخطاها وذهب الى الأريكة الجلدية الكبيرة ليجلس عليها وسند ظهره للخلف أو دعنا نقول مال بجسده عليها بشبه استلقاء وصغاره ثبتهم على صدره.

لترفع سيلا رأسها له وهي تقول بعدما نظرت للمكان باستغراب: بابي احنا فين؟
قبل جبينها ثم قال: في بيتنا
- ومامي فين، قالتها وهي تمسك وجهه بكفيها الصغيرتين ليبتسم على فعلتها هذه ثم قال
- هتيجي بالليل أو بكرة بالكتير
لوت شفتيها بحزن وعدم رضا: يااااه لحد بكرة
قرص وجنتها بخفة وقال: ايه كتير لبكرة
- أيوه كتير. أنا عايزة مامي معايا...
- هتيجي صدقيني مش بتقدر على بعدكم. نعسانه؟

قال الأخيرة ما إن وجدها تعاود رأسها على صدره
عادت برفع نظرها له وقالت بلطافة: لأ جعانه!
كاد أن يرد عليها بحب أبوي وهي بهذا المنظر الجميل إلا أنه التفت نحو صغيره الآخر الذي ما إن فتح عينيه و وجد نفسه بأحضان والده حتى سحب نفسه منه بهدوء و أبعد ذراعه عنه دون ان ينطق بحرف
أخذ ينظر له شاهين بتمعن جاد ثم نادى على الخادمة لتأتي وتأخذ سيلا لتغسل لها وجهها وما إن فعلت الأخرى طلبه وأتت اخذتها بالفعل.

حتى اعتدل بجلسته وسند ساعديه على ركبتيه ثم رفع نظره لأبنه الذي كان ينظر له نفس النظرة الموروثه منه ليقول سعد باختناق
- أنا عايز ماما، هي فين
رفع شاهين أحد حاجبيه وقال: ومالك عايز تعيط...
رد عليه باختناق واضح وهو يحاول أن ينفي عليه هذه التهمة الواضحة كوضوح الشمس
- لأ مش هعيط، أنا بس عايز ماما و جدو سعد
- وبابا ماينفعش، ما إن قالها حتى رد عليه الآخر بشراسة: لااااا، مش بحبه.

شاهين بقهر كبير ثم سأله وكأنه يكلم رجل ناضج وليس طفل للتو أتم الأربع سنوات
- ليه، ليه مش بتحبه، ليه مش بتحبني
تغيرت نظرات سعد من الحدة الى الحزن عندما قال: لأنك سبتنا كتير وماجتش تشوفنا أبدا، مع إني كنت عايز أشوفك...
- ماسألتش مامتك عليا ليه، ما إن قالها شاهين باختناق هو الآخر حتى حرك سعد يده بضجر طفولي وهو يقول بتذمر
- يوووه ما أنا سألتها كتير أوي وكانت بتقول عنده شغل.

سحب نفس عميق وهو يدعك وجهه بكفيه ثم قال: يبقى فعلا عندي شغل
ولكن ما جعل قلب الأب يتمزق حرفيا عندما جاءه الرد من ذلك الصغير الذي هو عبارة عن نسخة مصغرة منه
- أنا أهم من الشغل، الابن أهم من كل حاجة جدو سعد قالي كدة، ما إن ختم كلامه بزعل حقيقي حتى نظر له شاهين بصدمة أكبر من سابقتها فكلام الآخر أكبر من عمره بأضعاف.

سحبه نحوه ومسك وجهه وجعله ينظر له وقال بجدية تامة: ما أنت كدة فعلا ياحبيبي أنت أهم من كل حاجة يا سعد. أنت أهم مني أنا شخصيا أنت سندي، وظهري اللي هستند عليه، أنت أمنيتي اللي تحققت بمعجزة من ربنا، أنت كرمه ليا بعد تعب مايتوصفش و أنت المطر اللي جالي بعد سنين عجاف، أنت و أختك عوض ربنا ليا...
أخذ سعد يرمش بأهدابه البريئة ثم قال
- بتحبني يعني
- أنت متعلق هنا زي روحي، لو بعدت هموت...

قالها وهو يمسك كفه الصغير و رفعه لعنقه
ليضعها على شريانه النابض
سحب يده منه وكتف ساعديه بزعل لطيف وهو يقول بجدية: بردو أنا مش بحبك و زعلان منك...
ليقول شاهين بمحاولة تراضي: مش هتديني فرصة أصلح بها اللي عملته
- لأ، ما إن قالها بحدة حتى نكش شعره الناعم وقال بضجر وعدم رضا
- ماشي يا ابن أمك أنت، عاند براحتك هو أنت هتجيبه من برا
قطب حاجبيه وقال: هو أنت هترجعنا بيتنا امتى
تنهد شاهين وقال: ده بيتنا.

سعد برفض: بس أنا مش عايز أفضل هنا
- مش عايز تلعب معانا برا بالجنينة
- لا، ما إن قالها بنفي ظاهري وتمني داخلي حتى رفع شاهين حاجبه بمكر وقال
- أيوه بس أنا وسيلا هنلعب برا أنا جبت ألعاب كتيرة أوي ليكم
أبعد نظره عنه وقال: مش عايزهم أنا مش بحبك أصلا
ابتلع شاهين لعابه بوجع من هذه الكلمة، نعم يعلم بأنه طفل ولا يعي معناها و أن حزنه ما يدفعه لقول هذا ولكنه يقسم بأن هذه الكلمة تطعن فؤاده حقا.

نهض من مكانه وهو يقول بعدما تنهد بهمة على إصلاح مافاته مع أولاده: طب تعال أغسلك أنا، عشان نفطر...
سعد باعتراض: أغسل لوحدي، أنا مش صغير
- ماشي يا عم الكبير يا لمض، بس تعالى نغسل سوا.

قالها وهو يحمله بذراع واحدة على كتفه وذهب به نحو المرحاض وما إن دخله حتى وضع صغيره على الرخام وفتح صنبور الماء الحار والبارد وما إن عادل بينهم حتى وضع يده تحته و رفعها للآخر وأخذ يغسل وجهه البرئ وما إن كرر فعلته هذه وانتهى حتى سحب منشفة وأخذ يجفف بشرته الناعمة بها
ثم حمله مرة أخرى على ذراعه بعدما قبل وجنته بقوة وخرج ليقول سعد بتذمر
- نزلني أنا بعرف أمشي
- حتى لو، سبني أعيش اللي ماعشتهوش معاك زمان.

قالها وهو يدخل المطبخ ليجد سيلا تجلس على طاولة الطعام ليذهب نحوها وما إن وضع صغيره على الكرسي الذي بجانبه حتى ارتفع رنين هاتفه وما إن أخرجه من جيب بنطاله حتى ابتسم بانتصار فهو لم يكن سوا سعد الجندي
كتم صوته و وضعه على سطح الطاولة وأخذ يتناول فطوره مع صغاره وهو ينظر بين الحينة والأخرى للشاشة التي تنير باستمرار...

وما إن انتهى من تناول فطوره حتى مسح يده بالمنديل ثم أشار للخادمة التي تقف بالقرب منهم بانتباه لهم. لينهض هو بعدما سحب هاتفه وخرج للصالة وهو ينظر الى كمية الاتصالات التي أتته من الآخر، فهو قد تعدى العشرين مكالمة
أخرج قائمة الاتصالات وما إن وصل الى اسم مغرورته حتى اتصل عليها
في اسكندرية كانت سيلين تجلس على الأريكة وعينيها منتفخة بشكل مخيف من شدة بكاءها فهي تكاد أن تموت شوقا لصغارها.

انتفضت من مكانها وركضت إلى غرفتهم ما إن سمعت رنين هاتفها قادم من الداخل والذي لم يكون سوا معذبها لترد عليه بسرعة وهي تقول بصراخ منفعل
- أنت فين،!
- موجود، ما إن قالها ببرود حتى كزت على أسنانها ثم قالت وهي تنظر لأهلها الذين أتوا خلفها
- فين ولادي
رد عليها بتصحيح: قصدك ولادنا
صرخت به سيلين باعصاب مشدود: شاااااهين بلاش تلعب معايا ع النقطة دي أنت مالكش حق فيهم.

حرك رأسه ومط شفتيه بتفكير ثم قال بخفوت ذا مغزى: عايزاهم؟!
- أكيد
- تعالي ليهم، ده هما حتى بيسألو عنك، ما إن قال كلامه الأخير حتى وضعت يدها على فمها تكتم حسرتها بداخلها لتقول بعدها بنبرة بكاء واضحة
- أنتم فين
انعصر قلبه من صوتها المبحوح ولكنه لا يظهر تأثره بها ليقول بتنهيدة: احنا بالمزرعة، عرفاها صح؟
فتحت سيلين عينيها بعدم تصديق لما سمعت لتصرخ به للمرة الألف: أنت ازاي تسافر فيهم! ازاي تعمل كدة.

تجاهل كلامها هذا وقال بجبروت: فاكرة عنوان المزرعة والا أبعتهولك؟!
- مش فاكرة، أكيد ابعتهولي مستنياك، ختمت كلامها و أنهت المكالمة ثم رمت الهاتف على السرير
وأخذت تدور حول نفسها وهي تعض شفتيها
لتقف ما إن وقعت نظرها على والدها الذي فتح لها ذراعيه عندما وجد حالتها تزداد سوء...
ذهبت سيلين نحوه بسرعة لتدفن نفسها داخل أضلاعه ليحاوطها بقوة ثم أبعدها عنه بعد ثواني معدودة وهو يقول بحزم.

- يالا جهزي نفسك عشان ننزل مصر
- هتيجي معايا، يعني مش زعلان مني
- ومن امتى عرفت أزعل منك ولا خدت موقف من تصرفاتك الطايشة
- أنا آسفة يابابي، حقك عليا
- يالا يا حبيبتي امسحي دموعك وخليكي قوية زي ما متعود
منك، تمام
- تمام، ما إن قالها حتى أومأ لها وخرج متوجها لغرفته وأخذ يغير ثيابه ليجد داليا تدخل عليه وهي تقول
- آجي معاك.

- لا، خليكي مع ميرال، خدي بالك منها، ضربتين ع الدماغ بتقتلك يا داليا و ولاد اللداغ ناويين يموتوني بحسرتي على بناتي
- بعد الشر عليك
- الموت حق مش شر، ياريته ييجي بقى أحسن من العجز اللي أنا فيه قصادهم، بنتي بقالها ساعتين بتعيط ومعرفتش أعمل حاجة، عارفة ده معناه إيه ده معناه إني أب فاشل، لا عرفت أحميهم منهم زمان ولا دلوقت...

- هما اللي أولاد أبالسة، معجونين بماية ابليس، ما إن قالتها داليا بغيظ حتى زفر الآخر أنفاسه بضجر ثم توجه نحو الباب وقبل ان يخرج التفت لها وقال بتحذير
- خدي بالك من ميرال، ياسين لسه هنا مانزلش مصر
داليا باستغراب: عرفت ازاي أنه هنا لسه
- ما أنا كلمته من شوية قصادكم عشان أعرف شاهين فين و أوصله ازاي
- تلاقيه زمانه نازل ورا أخوه، ما إن قالتها حتى رد عليها بنفي.

- ما أعتقدش، ولاد اللداغ متعودين كلهم يعملوا ضربتهم مع بعض، فخدي بالك منها
- حاضر يا حبيبي...
أومأ لها سعد وخرج لتلك التي تكاد أن تنصهر من غليان دمائها بداخل اوردتها من أفعال الآخر بها
- يعني إيه أخدهم منها، شاهين تجنن ولا إيه، صدح صوت يحيى بالمكان وهو يتحدث بانفعال مع ياسين ع الهاتف الذي رد عليه وقال
- ومالك مستغرب ليه بقولك طلع عنده ولد كمان يعني سيلين مخلفه منه توأم ومخبيه.

- خبت من عمايله السودة معاها
- مهما كان شاهين غلطان ما تتوقعش أنه يسيب عياله بعيد عنه، ده بسيلين متملك فما بالك لما يرتبط الموضوع بقطعتين منه مش وحدة
- هو دلوقتي فين
- معرفش، ماكلمتوش
- ليه ماكلمتوش، عندك ايه أهم من ده
- عندي ميرال، كل واحد منكم عنده أمل مع مراته إلا أنا، لازم ألاقي طريقة ألين دماغها الجزمة ده
- والله وجا اليوم اللي شفتك في مسحول عليها بالشكل ده، فاكر أذتها قد ايه...

ياسين بحسرة قلب، : بلاش تفكرني أنا مش ناسي أصلا بس واللي خلقها ليا ندمان، وشاريها بروحي
- على فكرة اللي بتتكلم عليها دي أختي
- ومراتي
- كانت مراتك
- يحيى غوووووور من وشي، قالها بغيظ وهو ينهي المكالمة ليضحك يحيى عليه بشماته وما إن التفت حتى وجد أم غالية بكرسيها المتحرك أمامه تنظر له بتمعن ثم قالت
- تعالى يابني...
ذهب نحوها وما إن جلس إلى جوارها حتى سألها عن غلاته وقال: لسه غلاتي زعلانة
- نامت، سبها ترتاح.

- نوم الهنا يارب
- قولي مالك أنت بقى، ومالهم اخواتك
- اخواتي!
- ايوه مالهم، لسه بتحس إن في حدود مابينكم
- لسه مع الأسف، بحبهم بس مقدرش أروحلهم...
ممكن تستغربي كلامي بس والله نفسي أبقى معاهم عيلتهم حلوة أوي بسسسسسسس مش عارف أتعامل معهم خالص، معرفش لو كلمتهم أقولهم ايه أصلا
- منه لله اللي كان السبب...
- ودلوقتي عرفت إن شاهين واخد عياله من سيلين من غير ماتعرف وخلاها تتجنن.

- لا حول ولا قوة إلا بالله، ليه بس كدة ده بدل مايصالحها ويكسبها لصفه تاني
- أنا أفكر كدة آه، ياسين ممكن، بس شاهين مش بيستوعب إن في عقاب لأفعاله حتى لو غلط بيرفض
حتى العتاب، عنيد مش بيعترف بأخطائه
- ربنا يعينها عليه، هتعمل ايه دلوقتي...
- أول حاجة أدخل أملي عيني من غلاتي شوية وبعدين هكلم أمين وأشوفه هو فين وأروحله
- طيب يا حبيبي ربنا يسهلك.

- تسلمي ياست الكل عن إذنك، قالها وهو يسترخص منها ليدخل الى غرفتها ليجد غاليته نائمة بوسط السرير بشعرها المنكوش بفوضى
اقترب منها وما إن جلس على إحدى ركبتيه أمامها حتى أخذ يبعد خصلاتها الهائجة عن وجهها ليرى ملامحها الجميلة ولكن ما جعله يبتسم رغما عنه هو فمها المفتوح بشدة
أخذ يغلقه لها ولكن كلما فعل يعود الى سابق عهده
ليضعف أمامها وهي بهذه الصورة البريئة امامه...

أخذ ينحني نحوها وما إن وصل ثغرها المفتوح قليلا حتى طبع قبلة طويلة وسطحية عليها وما إن ابتعد حتى همس ب
- بحبك ياغلا روحي، عمري ماهسيبك لو مهما عملتي، وهخلف منك بدل الواحد عشرة ومع ده كله بردو مش هشبع منك يا روحي أنتي...
عاد مرة أخرى وقبلها ثم نهض وخرج من الغرفة
ليخرج هاتفه و أخذ يتصل بشاهين الذي ما إن رد عليه قال
- أنت فين
أتاه شاهين بضجر: في إيه بس، هي مصر كلها عايزة تعرف مكاني ولا ايه.

يحيى بأصرار: أنت فين
- بالمزرعة، ما إن قالها الهجين حتى رد عليه الآخر بهمس وقال
- طيب مسافة السكة وهكون عندك
- لا ماتجيش دلوقتي تعالى بكرة و هات معاك حبيب عمو
ابتسم يحيى وقال: ماشي هاجي بكرة مع بلال
شاهين بتأكيد: أيوه هاته معاك خلي يتعرف على ابن عمو
- قصدك على ابن عمتو، ما إن قالها بتعديل حتى رد عليه شاهين برفض
- لا ابن عمو، أنا أولى بيه من عمتو...
يحيى بستسلام: ماشي ياعمو...

- ماتتأخرش بكرة مستنيك ع الغدا، سلام، قالها شاهين وهو يغلق الهاتف لينظر إلى سعد الذي يجلس على طرف من الحديقة ويرفض اللعب مع أخته التي تكاد أن تطير فرحا بكمية الألعاب الموجودة هنا
وضع الهاتف بجيب بنطاله وذهب نحو سيلا وهو يقول: حبيبة بابا، تعالي.

توقفت سيلا عن اللعب والتفتت نحو والدها الذي ناداها لتجده يفتح ذراعيه لها لترفع حاجبيها له بندهاش ثم ركضت نحوه بفرحة كبيرة وما إن وصلته حتى حملها وبخفه ورماها للأعلى ثم التقطها مرة اخرى. و أخذ يكرر فعلته هذه حتى انتشر صوت ضحكتها الطفولية بالأرجاء
أخذ يلعب مع سيلا بكل الطرق المبهجة وهو يتعمد أن يتجاهل سعد الذي كان ينظر لهم بحزن وتمني شديد بأن يذهب ويلعب معهم
توقف شاهين ونظر له وقال بتساؤل: مش هتلعب.

- لاء
- طب و دلوقتي، قالها وهو يخرج كرة قدم جديدة باللون الأبيض والأزرق، ليفتح سعد فمه بذهول فهي تشبه تلك التي يراها بالتلفاز بمباريات الفرق الكبيرة
يقول شاهين بأغواء: اااايه مش هتلعب
- ما أنا قولتلك لاء
شاهين بمراوغة- يبقى أنت خايف لتخسر قصادي
- أنا دايما بكسب الكورة بالبلاستيشن
- طب ما توريني شطارتك بالفعل وسيبك من الكلام.

قالها شاهين وهو يرمي له الكوره ليقفز سعد من مقعده ونظر للكرة تارة و لوالده تارة أخرى الذي قال بتحدي أكبر لذلك الصغير
- لو جلت جول عليا هاعترف إنك شاطر
- أنا مبعرفش ألعبها. قالها بحزن ليقترب منه شاهين وهو يقول باستغراب
- ليه متعرفش
- كل أصحابي باباهم اللي علموهم، أنت ماكنتش موجود عشان تعلمني وجدو سعد عيان مايقدرش يلعب
انطعن للمرة الألف لهذا اليوم من ردود صغيره هذه الغير متوقعة...

حرك رأسه باختناق ثم أخذ الكرة و أخذ يتفنن بها أمام الآخر الذي فتح عينيه وفمه بذهول من ما يرى
ليقول بشكل تلقائي: علمني أعمل زيك كدة
شاهين باغواء: عايز تتعلم
- ايوه، ما إن قالها بعفوية حتى رد عليه والدها بمغزى
- بس مافيش حاجة ببلاش، عايز مقابل لتعليمي ليك
أنزل سعد رأسه بإحباط وقال
- بس أنا ماعنديش فلوس.

شاهين بابتسامة مليئة بالوجع: أنا مش عايز فلوس أنا عايز منك اللي أكبر و أهم من فلوس دنيا كلها، عايز تديني حضن وتحبني
سعد بترقب- هو أنا لو حبيتك مش هتمشي تاني
حرك رأسه بنفي وهو يقول: أبدا، لو على موتي مش هسيبكم تبعدوا عني ليوم حتى
ليقول سعد باختناق: يعني بتحبني؟!

- أكتر من عنيا ياكسرة ظهري أنت، قالها وهو يفتح ذراعيه له إلا أن سعد رجع خطوة للخلف برفض لمطلبه هذا مما جعل الدموع تلمع بقوة بعينين الهجين ليبتسم ببهوت عندما وجده يقول
- هبقى أفكر أحبك، لما تعلمني الأول
- اتفقنا، قالها وهو يبتلع غصته الكبيرة بابتسامة حزينة ثم أخذ الكرة وبدأ يعلمه بالتدريج بعض الحركات البسيطة
ليمر الوقت عليهم بين شقاوة سيلا وحلاوة سعد وشوق الأب لهم الذي طغى عليهم بشكل خيالي.

في خارج سور المزرعة اقتربت سيارة بيضاء الخاصة بسيلين و إلى جانبها والدها...
كانت سيلين كلما اقتربت من سور المزرعة زاد عليها حزنها ف الذكريات التي أخذت تهاجمها بشكل فظيع...
همساته لها ولمساته عليها...
وصلت البوابة وقبل أن تعرف على نفسها وجدت الحرس يفتحون لها البوابة بسرعة على مايبدو بأنهم لديهم علم بقدومها...
تلاشى حزنها وغصتها وتلاشت كل مشاعرها له ما إن لمحته من بعيد يلعب مع صغارها...

توقفت بسيارتها ونزلت بسرعة راكضة نحو فلذات كبدها وهي تناديهم...
ليلتفت شاهين نحو ندائها ليتركوه الصغار وركضو نحوها لتستقبلهم بلهفة لا توصف و أخذت تقبلهم بشدة، وما إن التقت نظراتها ب شاهين حتى بعثت الصغار ل سعد الجندي
وذهبت نحوه مثل الطلقة التي خرجت من المسدس للتو وما إن وصلته حتى رفعت يدها للأعلى دون تردد لتصفعه إلا أنه مسكها بقوة قبل أن تصل وجهه.

لتقف أمامه كالمهرة المتمردة بكل غضب ليقابلها الآخر بكل برود متعمد
- لو قربت منهم تاني هشرب من دمك، ما إن قالتها بتوعد غاضب حتى رفع حاجبيه بهدوء وقال
- والله، كل الزعل ده لأنهم غابو عنك نص يوم، أومال أنا أقول ايه خمس سنين وأنا معرفش أنهم موجودين أصلا.

سيلين باستنكار من ما قال فليس هناك وجه للمقارنة، : ده نتيجة غلطك أنت مش غلطي فما تلومش غير نفسك عليه، ودلوقتي ابعد عننا، أنت مالكش حاجة عندنا افهم بقى قلتهالك مية مرة
رد عليها بغضب: عندك ولادي، أو بمعنى أصح خلاص بقوا عندي أنا، لو عايزة تبقى معاهم أهلا و سهلا، مش حابة ده تقدري ترجعي مطرح ماجيتي براحتك. أنا مش هضغط عليك
عادت سيلين خطوة للخلف وقالت بترقب وخوف فهي تعرفه إن قال شئ نفذه دون تردد.

- يعني إيه...
وضع يده بجيب بنطاله وفرد طوله باستقامة وقال بثقة ممزوجة بتعجرف: يعني ولادي وبقوا عندي وفي حضني واللي عندك اعمليه...
- هاخدهم وغصب عنك، ما إن قالتها حتى رد عليها بتحدي
- نجوم السما أقربلك من إنك تاخديهم مني...
- وأنا مستحيل أسيبهم ليك
- وماله حقك، أنتي أمهم لو عايزاهم بجد عيشي معاهم هنا...
سيلين برفض: أعيش فين ماينفعش طبعا أنت بتقول إيه.

اقترب منها وقال وهو ينظر إلى داخل بؤبؤها المحترق غضبا وقال بتمني خفي لامتلاكها مرة أخرى
- لاء ينفع، لو بقيتي على ذمتي من تاني
مساء في اسكندرية كانت تضع أحمر شفاهها بشرود
ثم أخذت ترتدي عقدها الفضي اللون.
لتخرح من شرودها على دخول داليا عليها لتقول باستفسار: رايحة فين
- في عشاء عمل لرجال الأعمال
داليا باستغراب: وأنتي مالك بالكلام ده
ميرال بضجر وهي ترتدي حذائها وتقول
- ماليش بس عمر أصر إني أروح معه.

- وماقولتيش ل باباكي ليه
استقامت بطولها و أخذت تعدل فستانها وتقول
- الوضع كان مايسمحش وأنا أصلا نسيت كل ده لولا أنه كلمني من نص ساعة بيأكد عليه ولما اعتذرت فتحلي محاضرة طويلة عريضة خلاني اتندم لأني اعتذرت
- إيه آخرة علاقتك مع عمر
نظرت ميرال قليلا لوالدتها ثم قالت: مافيش علاقة مابينا غير الصداقة
- احنا هنضحك على بعض والا ايه، ده بيحبك
ميرال بجدية: وأنا مش بحبه، هي مش غصب
- بس بتديه أمل.

لتقول وهي ترفع منكبيها بملل: قولتهالو ألف مرة أنا منفعكش بس مافيش فايدة
- شكله بحبك أوي
- و ايه يعني مش أول واحد بيحبني
- بس ده أول واحد بيصر عليكي بالشكل ده ومتمسك فيكي...
- لاء مش الأول ده التاني
- و الأول ياسين مش كدة، أنتي لسه بتفكري فيه.
- لاء مش بفكر بس بقولك إن في حد بيصر أكتر منه، ما إن قالتها حتى نظرت لها داليا بريبة وهي تتسائل
- هو ممكن ييجي يوم وتسامحي ياسين على اللي عمله فيكي.

- مستحيل، قالتها بجدية ثم سحبت فروتها البيضاء وارتدتها على فستان أسود من قماش الكتان الذي كان بعلاقات رفيعة، يصل طوله الى أسفل ركبتيها مع حذاء أسود عالي، أما شعرها جعدت خصلاته وتركته مفرود يتراقص حولها مع كل حركة منها
لتبتسم لها داليا بحب وقالت: بسم الله ماشاء الله
مش قمر بس انتي قمرين، بس والله خايفة عليكي تطلعي بالليل كدة ده باباكي موصيني عليكي
ميرال باستغراب: ليه دي أول مرة.

- معرفش قلبي مقبوض عليكي المرادي
- ماتخافيش عليا ياقلبي، يالا أنا لازم أنزل، سلام
قالتها وهي تقبل وجنتيها بعدما فصل الهاتف
من رنين عمر عليها بمعنى بأنه قد وصل وفي انتظارها...
أما في الأسفل كان ياسين يقف بسيارته على الجهة الأخرى من الشارع العام ونظره هائم على العمارة السكنية الخاصة بهم.

ليقطب جبينه ما إن لفت نظره وقوف سيارة أمام المدخل ليقلص عينيه بتركيز يريد أن يرى من صاحبها ولكن سرعان ما رفع حاجبيه بذهول عندما علم هويته فهو لم يكون سوا ذلك المتطفل على فاتنته...
ولكن ما زاد الطين بلة هو عندما وجده ينزل من سيارته لينزل هو الآخر ليرى ماذا هناك، نعم كان يفصل بينهم شارع كبير ولكن كان يراقبه كالصقر ليتفاجئ بخروج ميرال بأناقة قاتلة لكل رجل و في قمة أنوثتها...

اشتعلت مقلتيه بالنيران عندما وجد ذلك اللزج يمسك يدها ويقبلها ثم التفت نحو سيارته وفتح لها الباب الكرسي المجاور له وما إن صعدت ميرال حتى أغلق الباب وذهب نحو مقعده اي خلف الدركسيون
لينطلق بها نحو أكبر المطاعم الراقية في اسكندرية.

منظرهم هذا معا جعل ياسين يتجمد بمكانه قليلا ثم تحرك هو الآخر وصعد بسيارته ليستدير بها ويذهب خلفهم وهو يضرب الدركسيون بغضب وغيرة هل ما رآه الآن حقيقي. هل فاتنته الآن مع غيره ياااالله
هناك نار مندلعة بفؤاده
أخذ الطريق منه أكثر من نصف ساعة بسبب الازدحامات ليجدهم يتوقفون أخيرا أمام أرقى و أفخم مطعم بالمكان...
أغمض عينيه بقهر عندما وجد الآخر دخل معها وكأنها ملكه هو...

لم ينزل ياسين من سيارته وأسند ذراعيه ورأسه ع المقود و أخذ يفكر، ماذا يفعل؟ أيذهب يتشاجر مثل كل مرة أم ماذا،؟
رفع رأسه و أخذ يفتح أول أزرار قميصه ليخرج منها سلسلة فضية نهايتها يوجد بها خاتم، خاتم خطوبتها الخاص بها...
أخذ يتمعن به وهو يفكر بشئ مجنون، ولكن لا بأس سأفعل كل الجنون لو كان بهذا ستعود له...

نزل من السيارة وهندم سترته ثم دخل بثقة ليمسح عينيه على المكان لتقع أخيرا على ضالته التي كانت تضحك بمجاملة للآخر
أشار لأحد العمال الموجودين ليقول له أريد رؤية المدير. أومأ له الآخر و أخذه نحو المكتب الإداري للمكان.

أما عند ميرال كانت تجلس على طاولة طويلة وهي توزع ابتسامات المجاملة بهدوء لكل ما يقع بصرها عليه، تشعر بأن وجهها سيتشقق من الزيف الذي يحاوط بها، ولكن ما جعلها تغضب حقا هو عندما شعرت بيد عمر تتسلل الى يدها ليمسكها بقوة وهو يقول
- مالك ياحبيبتي...
ميرال بانزعاج: عمر أنا مية مرة قولتلك ماتقولش حبيبتي
- ليه مش راضية تديني فرصة، قالها وهو يمد يده على شعرها و أخذ يلعب به.

أبعدت رأسها عنه لتبعد أنامله عن خصلاتها. : ايه الكلام ده، على ما أعتقد إننا قفلنا الموضوع ده من زمان
- بس أنا بحبك، قالها وهو يحتضن خصرها بخفة دون أن يراه أحد ليجن جنون ميرال من فعلته هذه و وقاحته معها، كيف يتجرأ
- لا ده وقته ولا ده مكانه، بس الحق مش عليك، عليا أنا اللي جيت معاك، أوعى كدة...

قالتها بحدة من بين أسنانها وهي تسحب حقيبتها الصغيرة وما إن نهضت عن الطاولة، حتى انطفأت الإنارة بالمكان إلا من ضوء خافت عليها، مما جعلها ترمش بجفونها باستغراب...
أخذ الجميع ينظر لها باستفسار ماذا هناك ولكن تحول استفسارهم هذا الى ذهول وابتسامة مشرقة على وجه الجميع إلا وجهها هي تجهم ما إن رأت ياسين
يقترب منها ويجلس أمامها على إحدى ركبتيه بحركة تحلم بها كل فتاة إلا هي...

نظرت سيلين حولها. وجدت كل حضور المطعم ينظرون لهم لتعاود نظرها لذلك الراكع امامها وهي تفكر هل هو الآن هنا حقا، وهل كل ما يحدث هنا حقيقي أم مجرد تهيؤات لا أكثر
ولكن تغير ذهولها هذا الى حزن و وجع لا آخر له عندما وجدته يرفع لها يده اليمنه وهو ممسك بخاتم خطبتها السابقة وهو يقول بصوت صادق مسموع لكل الحضور.

- ميرال أنا بحبك أكتر من نفسي وجيت اليوم عشان اعتذرلك قصاد الكل وبقولك أنا آسف لكل وجع سببته ليكي، أنا ندمان لأني فرطت فيكي...
سامحيني واحييني من تاني و وافقي إنك تتجوزيني، ميرال تتجوزيني
ميرال: اااااء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة