قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثاني والأربعون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثاني والأربعون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثاني والأربعون

جلس أمامها على إحدى ركبتيه وقال بصدق ونظراته مليئة بالتوسل
- ميرال أنا بحبك أكتر من نفسي وجيت اليوم عشان اعتذرلك قصاد الكل وبقولك أنا آسف لكل وجع سببته ليكي، أنا ندمان لأني فرطت فيكي...
سامحيني واحييني من تاني و وافقي إنك تتجوزيني، ميرال تتجوزيني
أخذت تتردد صدى جملته الأخيرة على مسامعها وكأن العالم اختفى من حولها و دارت الدنيا بها.

لاااا. ليس فقط الدنيا التي دارت بل كل ذكرياتها معه أخذت تمر أمام عينيها بسرعة واحده تلو الأخرى...
عنادها وضحكها معه كيف كان يجري ورائها ما إن رآها لأول مرة و كيف أخذ يستميل قلبها له بالتدريج بمكر بنظراته الخبيثة وكيف أغرقها بعهوده و أكاذيبه الزائفة...
خانها! نعم خانها، خان مشاعرها وثقتها به
كيف رضت الإهانة على كرامتها وأذلت نفسها له في يوم من الأيام، كيف حاربت عائلتها من أجله...

أخذت أمواج الذكريات تلطمها هنا وهناك حتى أغمضت عينيها بقوة ما إن وصلت لذلك اليوم الذي جعل روحها قبل جسدها مليئا بالجروح، وقتها استطاع وبجداره أن يذبح طيبتها وجعلها تتحول للوح من الثلج...
وبرغم احتياجها بذلك الوقت لأمانه هو ولكن كيف وجدت منه الغدر فقد لعب بها وكأنه آلة، أداة انتقام، بلمحة عين وجدته يرميها لوحوش لا تعرف الرحمة.

اااااااااه كيف رماها لرجاله، كيف صرخت وقتها بكل صوتها، اجتاحها الرعب والانهيار...
كيف تحول حب حياتها إلى كابوس، كانت تنتظر منه الحماية ولكنها اتتها منه بعد فوات الأوان...
بعدما كادت أن تخسر عقلها من هول الموقف في يومها...
لينتهي بها المطاف مرمية عند أقدام والدها بعدما جعلها لاتصلح لشئ لا نفسيا ولا جسديا.

هنا فتحت عينيها له ما إن كرر طلبه للزواج منها لتنظر إلى الخاتم بوجع، أوليس هذا خاتمها السابق الذي سحبه من اصبعها وقال بأن ثمنه أغلى منها
عند هذه النقطة تحول وجعها وألمها الذي كان يعصف بها إلى غضب أسود مليئ بالحقد لتنظر له بتمعن مرة أخرى ولكن بتشفي وكأن وضعيته هذه أشفت غليلها.

ابتسمت بسخرية ما إن كرر طلبه للمرة الثالثة أمام الجميع لتنحني بجذعها العلوي لينزل معها خصلات شعرها المموجة لتنظر الى داخل عينيه وهي تقول بقوة أنثى جامحة
- لأ، لأ مش موافقة أرتبط بواحد زيك،!
غلط زمان مش هكرره لو على موتي
اعتدلت بجسدها بارتواء واكتفاء من ما رأته بعينين الآخر من انكسار، كم هو أحمق ماذا كان يتوقع منها هل كان ينتظر منها ان ترتمي بأحضانه لاااا يحلم بذلك حتى...

أما ياسين أخذ ينهض ببطئ من ركوعه أمامها ليوقن أن التي أمامه الآن ليست سوا بقايا حبيبته، ابتسم لها بحزن فهو قد مسح طيبتها وعفويتها التي لطالما كان يعشقهم بها
حرك رأسه باختناق وهو يعض على شفته السفلية ما إن وجدها تتخطاه بثقة متناهية وما إن التفت خلفها وجدها تخرج بخطوات مدروسة بعدما ضربت شعرها للخلف ليرتد على ظهرها بهداوة.

رفع ياسين رأسه للأعلى وتنفس بعمق ما إن عادت الإضاءة لأرجاء المطعم، كاد أن يخرج خلفها فهو يرفض الاستسلام لهذه النهاية الغير منصفة من رأيه ولكن قبل ان يستدير ليخرج وجد عمر يقف أمامه وهو يقول
- هي مش ليك، ياريت تطلقها بسكوت
- ميرال بتاعتي، قالها وهو يسحبه من مقدمة ثيابه نحوه بقوة ولكن سرعان ما عالجه بالضربة من مقدمه رأسه على أنفه مرتين على التوالي ما إن رد عليه الآخر وقال.

- كانت بتاعتك دلوقتي بتاعتي أنا
- تحلم،! قالها بعدما نفضه من بين ذراعيه بقرف ثم ترك المكان وخرج خلفها ولكنه لم يجدها، ليصعد الى سيارته بسرعة وانطلق بها لطريق العودة
أخذ يمشط الأرصفة بعينيه ف الأجواء باردة بشكل يؤذي حتى العظام وبهذا الوقت صعب أن توجد سيارات أجرة...

قطب جبينه بتركيز لتلين بعدها معالمه بالتدريج ما إن لمح طيفها من بعيد، زاد من سرعته بحذر ف الإزدحامات تملأ الطرقات وخاصة ما إن بدأت حبات المطر الناعمة بالتساقط بخفة شديدة
أنزل النافذة المجاورة له عندما وصل الى جانبه وقال
- ميرال اركبي أوصلك
وما كان ردها سوا أنها نظرت له من طرف عينيها وكأنه نكرة ثم أعادت بصرها لطريقها بتجاهل لنداءه لها...

أخذ الآخر يكرر اسمها ولكن كأنها لا تسمعه مما جعله يضرب الدركسيون بغضب ثم أوقف السيارة وفتح حزام الأمان وما إن نزل و أغلق الباب بقوة حتى ذهب خلفها ليمسكها من مرفقها وجعلها تستدير له رغما عنها لتصرخ بوجهه وهي تدفعه من صدره
- في ااايه، عاااايز اااايه، اللي بنا انتهى، انسى ميرال، انساها،!
ضغط على عينيه بقوة و بوجع قلب ثم أشار لسيارته وهو يقول بأمر: اركبي.

- والله؟!، قالتها وهي ترفع حاجبها له باستنكار ليرفع هو الآخر حاجبه بتحدي وهو
يرد عليها: والله
كتفت ميرال ساعديها أمام صدرها وقالت بضيق
- يمكن رفضي ليك من شوية مافهمتوش
- لا فهمته، بس الدنيا برد و ليل وأنتي في الشارع لوحدك، ما إن قالها وهو يتنهد بوجع حتى اقتربت منه خطوة وهي تهمس له بترقب وبخار البرد يخرج من بين شفتيها
- إيه خايف عليا...
ياسين بصدق: ماعنديش أغلى منك أخاف عليه.

أدارت رأسها وهي تبتسم لتتسع ابتسامتها حتى ظهرت أسنانها ثم أعادت وجهها له وهي تقول بتهكم مؤلم
- ماتخافش، محدش من اللي بالشارع ممكن يوصل لحقارتك معايا، ومهما تأذيت منهم مش هيقدروا يوصلوا لليفل اللي أنت وصلت ليه
مال برأسه وقال بهمس خاااافت: انسي...
- عمري ما هنسى، ما إن قالتها بنظرات غاضبة، حتى رد عليها بحزن
- انسي عشان نفسك
أشارت له وقالت بانزعاج صريح ودون اي مجاملة
- ازاي هانسى وأنت قصادي بتفكرني بغلطي.

- يعني لو اختفيت هترتاحي
ميرال بقسوة: طلقني واختفي وبكده أوعدك إني مش بس هنساك ده أنا همسحك من ذاكرتي كمان
لوى فكه بسخرية ثم قال بوجع: راحتك في بعدي
- ااااااكيد، صدقني دي هتكون قمة سعادتي، ما إن قالتها بثقة حتى شعر بالاختناق يسيطر على حنجرته و لوهله لم يستطع ان يبتلع حتى لعابه
دعك وجهه بكفيه بقوة ثم رفع رأسه للأعلى لينظر للسماء حالكة السواد وما إن أعاد نظره لها قال
- مافيش أمل منك
ميرال بحسم: لأ...

التفت وأعطاها ظهره وذهب نحو سيارته وهو يقول: تفضلي أوصلك وهعملك كل اللي أنتي عايزاه طالما راحتك في كدة
ميرال بإصرار: مش عايزة منك غير إنك تطلقني
- ماشي، قالها وهو يحاول أن يتجاهل صراخ قلبه برفض لما يقول ولكنها هي حسمت الأمر عندما وجدها تقول
- أنا مشيت أوراق قضية الطلاق بس بما إنك موافق مالهاش داعي الدوشة دي كلها، تعالى ننزل بكرة وننهي كل شئ بهدوء...

- وأنا موافق، ما إن قالها وهو يستدير وينظر لها حتى سكن جسدها لثانية واحدة ثم رمشت برموشها بعدم تصديق هل وافق الآخر على الانفصال منها بهذه السهولة هل هذا يعني بأنهم حقا انتهوا، هل هذه نهايتهم معا
رفعت حاجبيها بخفه عندما وجدته يقول ببرود شارد
- اتفضلي أوصلك الدنيا برد
ميرال برفض: مش عايزة هاخذ تاكسي
فتح الباب الخلفي وهو يقول بحزن داخلي لما وصلوا له: اعتبريني أنا التاكسي ده...

- بس بأجرتك، ما إن قالتها حتى ضحك بقهر شديد ثم قال
ابتسم لها بهموم الدنيا وقال: تمام أنا موافق...
بس اكرميني كويس وبلاش تبخلي عليا...
- بحب أدي الأجرة بدري، قالتها وهي تقترب منه وتضع ورقة نقدية بجيب سترته ثم أكملت وهي تنظر له بتمعن، اعتبرها تذكار مني ياااا، مجنوني،!
غامت عينيه بذكرى قديمة بينهما عندما نسي قميصه عندها، عندما أخبرته بأن يعود ليأخذه قال لها اعتبريه تذكار من مجنونك...

رجف فكه ولمعت الدموع بعينيه ما إن تعدته بجبروت وصعدت بالخلف حتى أغلق الباب لها بعدما استقرت بجلوسها ليصعد هو الآخر وانطلق بها عائدا أدراجه لمنزلها
طول الطريق كان الصمت هو سيد الموقف ولكن هذا لا يعني بإن قلوبهم كانت صامته لاااا بل كان ضجيجها يكاد يصم آذانهم
واحدة ترتدي قناع اللا مبالاة والبرود أما الآخر كان يعيش بدور الحرامي يسرق من الزمن لحظات لينظر لها خلسة من المرآة...

توقف بعد مدة بهدوء عند بوابة العمارة وقال وهو ينظر لها من خلال المرآة للمرة الألف
- وصلنا
بادلته النظرات بعمق شديد وكأن هناك قبلة خفية مارستها أعينهم بشوق، لتوميء له برأسها ثم فتحت الباب ونزلت ودخلت العمارة وما إن وقفت أمام المصعد وضغطت على الزر
حتى أخذت تحرك قدمها بتوتر فنظرات الآخر لها جعلها تشعر بإن ظهرها أخذ يحترق منه.

أما عند ياسين كان يمسك المقود بيده اليسرى ونظره معلق عليها وما إن اختفت داخل المصعد حتى خانته دمعته ونزلت بسرعة الى نهاية فكه
وعندما نزلت واحدة أخرى حتى مسحهم وقال بصوت مسموع
- والله وجا اليوم اللي خلتك تبكي فيه زي مابكتك
واديك يا ياسين شربت من نفس الكاس اللي شربتها منه.

في الاعلى عند ميرال ما إن دخلت شقتهم حتى وجدت والدتها بالصالة تتحدث بالهاتف لتؤشر لها بسبابتها بالصمت أي لا تتحدثي لترد داليا على سعد الذي كان على الطرف الآخر وهي تقول
- لاااا ميرال نامت من بدري، طيب ياحبيبي، ربنا معاك سلام، ختمت كلامها و أنهت المكالمة لتنظر الى ابنتها وهي تقول
- ما تبصليش كدة عايزاني أقوله ايه والله ده لو يعرف إني خلتك تخرجي بالوضع ده هيطين عيشتي...

وما أن أومأت لها ميرال برأسها واستدارت لتذهب لغرفتها بصمت دون أن تعلق على كلامها حتى قالت داليا باستغراب: مش هتسألي عن سيلين
ولكن لم يأتيها رد منها بل أكملت طريقها وكأنها لم تسمعها لتدخل لغرفتها وما إن اغلقت الباب حتى نزعت حذائها ورمت فروتها البيضاء وأخذت تنزع عقدها واكسسواراتها و وضعتهم بإهمال على درج الزينة.

لتتوجه بشكل تلقائي بعدها لدولابها وما إن أخرجت قميص ذلك الآخر حتى رفعته بين يديها لتضمه لأنفها وأخذت تستنشقه بقوة وما إن ضمته لها حتى رمت نفسها على سريرها بوضعها هذا و أخذت تبكي بصمت حتى شهقاتها كتمتها بكفها وجعلت صداها لا يخرج من حدود صدرها...
أبعدته قليلا وأخذت تنظر إلى القميص بعتاب وكأنها تسأله لم صاحبك غدرني، لا بل ذبحني، كيف هان حبي له وكيف هنت أنا!، كيف!

ضمته لها مرة أخرى وهي تدفن وجهها به وكأن هذا صدر الآخر حقا وليس مجرد قماش، بقت على وضعها هذا حتى نامت بوجعها الذي يسكن روحها قبل فؤادها.

في القاهرة بالتحديد بالمزرعة عند سعد بالحديقة الأمامية ما إن أنهى اتصاله مع داليا ليطمئن عليهم وبالتحديد كان يريد الأطمئنان على ميرال فهناك قلق غريب يعتريه نحوها لا يعرف ماهو أو كيف يفسره وكأنه شعر بحزنها برغم كل هذا البعد، يااالله يشعر بإنه بين نارين، هنا سيلين وهناك ميرال...
دخل الى داخل المزرعة ليجد شاهين يجلس يحتسي قهوته وهو يعمل على الحاسوب المحمول (اللابتوب).

ليذهب سعد له وما إن جلس أمامه حتى قال
- ربنا يديني نص برودك ده
نظر له شاهين ببرود أكبر من ذي قبل ليسأله الآخر
- سيلين فين؟!
عاد شاهين نظره لشاشة الحاسوب وقال
- طلعت تنيم الولاد
سعد بجدية: حلوووو الكلام، يعني أنا وأنت لوحدنا دلوقتي ممكن أعرف بقا عايز توصل لفين
- مش عايز حاجة
- أومال اللي بتعمله ده ايه، لما عايز تحرم أم من ولادها...

أغلق اللابتوب و وضعه على الطاولة التي أمامه ثم قال: أنا معملتش حاجة غير إني خليت ولادي تحت جناحي، هي عايزاهم؟ المزرعة كبيرة اهلا و سهلا فيها. مش عايزة تبقى هي اللي حرمت نفسها منهم
- أنا مش هسيب ولادي، قالتها سيلين وهي تقف أعلى الدرج وما إن جعلتهم يلتفتون لها بكلامها هذا حتى أخذت تنزل بتريث وبطء شديد وكأنها تملك الوقت كله لها حصريا.

حركتها هذه جعلت شاهين ينهض من مكانه ويقف مذهول من طلتها هذه المليئة بالثقة وكأن الزمن عاد بهم للوراء، لتلمع عينيه بإعجاب عندما وجدها تقف أمامه تماما وهي تضع كفوف يديها بجيب بنطالها الخلفي
لينطق لسانه بما يجوب بقلبه بشكل تلقائي ودون وعي منه
- ارجعيلي، ارجعي لذمتي من تاني، ااااء
ده لو حابه تفضلي معاهم يعني، قال الأخيرة بتصنع اللامبالاة ما إن لاحظ ضعفه أمامها.

- تحلم بنتي ترجعلك، ما إن قالها سعد برفض وغيرة على ابنته حتى نظر له شاهين وقال بجدية
- لازم ترجعلي، في بينا ولاد لازم يتسجلوا باسمي وده مش هيحصل غير لما أكتب عليها رسمي
رد سعد بعصبية منه: ماهو عشان كدة بقولك تحلم
أنت خدتها زمان ماحفظتش عليها و رجعتها ليا بقايا روح، شوووف يابن سامر اللداغ ولادك بالحفظ والصون عند أمهم، ليك عندها إنك تشوفهم غير كدة مافيششششش.

شاهين بانفعال من ما سمع: أنت متخيل إني ممكن أسمح إنهم يتربوا بعيد عني، ده مستحيل يحصل
فتحت سيلين عينيها بعدم تصديق من وقاحة الذي أمامها: تعرف أنت مشكلتك إيه، أنت مش شايف نفسك غلطان. بتتصرف وكأن ليك الحق وأنت الطرف المظلوم، اللي يشوفك كدة مايقولش إنك أنت اللي استغنيت عننا
نظر شاهين لوالدها ثم لها ليمد لها يده ليسحبها وهو يقول: تعالي عايز أتكلم معاكي لوحدنا
ولكنه قبل أن يلمسها وجد يد سعد تمسكه بقوة.

قوته هذه كانت نابعه من غضبه منه، ليقف أمامه بعدما سحب سيلين خلف ظهره وهو يقول
- ربنا مايوريك شر الحليم لما يتجنن، سيلين تنساها
ساااامع،! مش هطول شعره منها، كانت في يوم ليك وضيعتها من إيدك يبقى تشرب بقى وتتحمل نتيجة افعالك، بسسسس لو أنت مفكر إنك ممكن تاخدها غصب زي زمان تبقى لسه معرفتنيش
نظر شاهين لسيلينا الخاصة به التي تقف خلف والدها، قريبة منه ولكنها بعيدة كل البعد عنه...

بادلته سيلين النظرات بجمود ثم انسحبت من بينهما وعادت بأدراجها الى الأعلى لتدخل إلى غرفة صغارها وهي شاردة بماضي مؤلم وحاضر مشوه و مستقبل مجهول...
وقفت أمام أطفالها وأخذت تتمعن بهم، ما ذنبهم بكل مايجرى حولهم، ذهبت عند سيلا التي كانت قدمها ممدودة خارج حدود السرير...

أعادتها لوضعها الطبيعي و أخذت تدثرها جيدا ثم قبلت شعرها بحنان، التفتت لذلك العنيد، لذلك النسخة المصغرة من والده، جلست الى جانبه وقبلت يده الصغيرة ثم أخذت تداعب خصلاته الناعمة لتنحني له وتقبله وتستنشقه بقوة، هذا الوحيد الذي يملك رائحة شبه رائحة والده بنسبة كبيرة
ابتعدت عنه بعدما دثرته هو أيضا لتنظر لهم بحيرة.

ماذا ستفعل، مرت ساعة وساعتين عليها وهي تائهة بأفكارها و لوهله شعرت بإن الجدران بدأت تطبق على أنفاسها بشدة مما جعلها تترك غرفتهم وتنزل لالا بل تركت المنزل كله وخرجت للحديقة الخلفية وأخذت تمشي بها بعدما سحبت نفس عميق عدة مرات
ولكن بدل أن ترتاح وجدت بإن صدرها ضاق أكثر ف المكان هنا مليئا بذكرياتها معه...

احتضنت نفسها ببرد وهي غارقة بحزنها لتشهق بخوف وهي تلتفت لذلك الشخص الذي وضع على كتفيها سترة رجالية وهذا الشخص لم يكن سوا والدها الذي سرعان ما رمت نفسها بأحضانه وأخذت تبكي وكأن وجودها إلى جانبه الآن أعطاها الضوء الاخضر لإخراج مافي داخلها
أخذ سعد يطبطب على ظهرها وهو يقول
- بلاش ضعف ده مش وقته يا حبيبتي.

نظرت له بدموع: قولي ايه الحل، أنا ممكن أمثل القوة قصاد شاهين بس أنا أكتر وحدة عارفة أنه لما يقول حاجة بينفذها
- عايزة ترجعيله، ما إن قالها باستفسار حتى هزت رأسها بنفي ثم عادت إلى احتضانه مرة أخرى وهي تقول
- لاااا مش عايزة
تنهد سعد وقال بجدية: بس مافيش قصادك حل تاني. ولادك لازم يتكتبوا بأسم باباهم
سيلين بذهول: أنت بتقول كدة يا بابي
قرص وجنتها بحب وقال بابتسامة مزيفة.

- أيوة أنا اللي بقولك كدة لأن ده الصح...
- بس أنت!
قاطعها وهو يؤكد على ما قال: قولت كدة قصاده عشان أربيه عشان يعرف قيمتك واخليه يحس أنه فعلا خسرك، لازم يتعلم الدرس
سيلين بضجر: يتعلم ايه. شاهين ده جبروت مش معترف بغلطه أصلا
- لا معترف بغلطه مع نفسه، بس مش عارف يعبر عن أسفه ليكي. وموضوع الولاد خلا موقفه يبقى أقوى عشان كدة عايز يستغلها لصالحه...

- ماكنتش عارفة إنك بتعز شاهين لدرجة إنك تبقى مأيده باللي عمله، ما إن قالتها باستغراب حتى رد عليها بتوضيح
- أنا مش مأيده ولا حاجة أنا بس كنت متوقع حركته دي بس اللي استغربته أنه نفذ بسرعة البرق ابن اللذينا مافتش 24 ساعة لما عرف بوجودهم خدهم وطار خلانا نضرب اخماس بأسداس ورجعنا جري للقاهرة
سيلين بصدمة: كنت متوقع حركته دي.

- طبعا،! رد فعله متوقعه جدا، ده متملك باللي بيحبهم فما بالك بعياله اللي محروم منهم، حب يخليكي تدوقي طعم حرمانهم زي ماهو داقه...
بس تعرفي مشكلته ايه أنه مايعرفش يعبر بطريقة شيك. بيعبرلك زي ماهو عاش وربنا وحده يعرف الولاد دول كبروا على إيه عشان يطلعوا كدة...
صمت قليلا ثم أكمل بحزن، ده حتى أخوكم مع أنه عارف إنكم دم واحد مش بيكلف نفسه و يزورنا.

- يحيى، ما إن قالتها بحزن هي الأخرى لبعد الآخر عنهم حتى قال سعد بتأكيد
- أيوة يحيى، توأمك، بس أنتي عرفتي منين، ما إن قال الأخيرة باستغراب حتى ردت عليه
- شاهين قالي زمان، بس أنا ماقولتلكش لأنك كنت تعبان وقتها وبعدين هو لو كان عايز ييجي كان جه، بس شكله مش معترف فينا من الأساس فعشان كدة محبتش تزعلوا من غيابه عننا زيي، ابتسمت ثم أكملت، تعرف شاهين قالي إن في نقاط مشتركة بيني وبينه ب الغرور والجمال...

سعد بوجع هو الآخر: وضيفي عليهم كمان قلة الحظ، أنا أول ما شفته عرفت أنه تعب بحياته كتير، الغبي! كنت عايز آخده بحضني أول ما عرفني على نفسه بس قبل ما أعمل كدة خد بعضه ونزل من غير مايستنى أرحب فيه، واقوله يا ما كان نفسي يبقى عندي ابن، وابن أختي هو ابني
سيلين بغيرة عفوية: هتحبه أكتر مني
ضحك عليها سعد: وأنا أقول سيلا طالعة غيورة على مين ونسيت إن مامتها منبع الغيرة والشقاوة
- كنت، بس البركة بابن عمي طفاني.

- صدقيني هو انطفى وانكسر أكتر منك، راجل طول وعرض وجبرووووت زي ماقلتي ده ياعيني أول مانزلتي من فوق وقف بمكانه باستعداد كان ناقص بس ياخدلك تحية
- غريبة، أنت كنت زمان تتجنن لما تلاقي حد يبصلنا بنظرة و دلوقتي بتتكلم عادي ولاااا مش بتتكلم عن أي حد وخلاص، ده شاهين اللداغ.

ليقول سعد بانكسار أب: زمان كنت بقوتي وبفلوسي كان أمنيتي أخليكم تحت جناحاتي، بس الزمن والقدر لعب لعبته معايا وأخدكم مني و دلوقتي مش عايز غير إني أطمن عليكم مع اللي يصونكم
وخصوصا أنتي سيليناااا
مش هو بردو بيقولك سيلينا، قالها وهو ينظر لها وما إن حركت رأسها بنعم حتى ضحك وسحبها تحت ذراعه و أكمل...
عايز أشوفك زي زمان، وحشتيني ياقلب أبوكي، من يوم ما أخدك مني غصب وأنا ماشفتكيش، رجعتي آه بس رجعتي مش انتي...

ابن اللداغ سرقك مني، و زي مابيقولوا المسروق حتى لو رد لم يعود لك كما كان...
- بابي أنا بحبك أوي، ما إن قالتها وهي تحتضنه بقوة حتى بادلها وهو يقول
- وأنا حياتي أنتم وبس...
قبلت كتفه وهي تهمس من كل قلبها
- ربنا مايحرمنا منك
- ولا منكم ياقلبي، قالها سعد وهو يشدد احتضانه لصغيرته غير واعي لذلك الذي يقف بالشرفة وينظر لهم والغيرة تغلي بداخله كالمرجل الفحم تحرق روحه.

يعلم بأنه والدها ولكنه يغيررررر بجنون عليها كم يتمني أن يكون بدل ذلك العجوز المزعج الذي لا يكف من دلال سيلينا خاصته
ليتنهد بغضب ثم قال باصرار بعدما وجدهم دخلوا للداخل: هترجعي ليا ياعشق الهجين أنتي، هترجعي
في شقة يحيى وغالية...
- وبعدين بقا هتفضلي هنا لحد امتى، ما إن صدح صوت والدتها بغضب حتى نظرت لها غالية بعناد وهي تقول
- لحد ما يطلع من شقتي
ضربت يد بيد وهي تقول: دي شقته هو يابنتي...

غالية باصرار على رأيها: دي شقتي أنا ده احنا بينا اتفاق...
ردت عليها والدتها بغيظ: اتفاق باطل لا يرضي رب ولا دين، يابنتي ده جوزك وحقه عليكي إنك تحترميه
- هو أنا شتمته يعني
والدتها بسخرية مضحكة: ده أنتي مرمطيه جت ع الشتيمه يعني
- ماما، ما إن نطقتها حتى قاطعتها والدتها وهي تقول بجدية
- قومي يا بنت بطني روحي لجوزك واستعيذي بالله من اللي قاعد يزن بدماغك على خراب عشك...

ضربت غالية قدمها على الأرض وهي تقول: أنا عايزة أنام جنبك النهاردة، أنا لو رحت مش هيسيبني ده بيلزق فيا زي الغرا
عضت والدتها يدها ثم قالت بحده: اطلعي من وشي يا غالية بلاش تخلي صوتي يطلع بنصاص الليالي، براااا
- ايه ده أنتي بتطرديني، ما إن قالتها وهي تستعطفها بعينيها حتى تجاهلتها والدتها و أكملت بتأكيد
- ايوة...
- الله يسامحك
- غالية
- نعم
- على أوضتك، يالااااااا.

- بس ده ظلم، والله ظلم، ده قليل أدب ومش هيسيبني في حالي، والنبي خليني جنبك الليلة
- يحيى!، ما إن نادت عليه حتى انفتح الباب بسرعة وكأنه كان يجلس خلفه ليستمع عليها وبالفعل هذا ماكان يحدث خاصة عندما اقترب من غالية وبلمح البصر حملها على كتفه
- أسفين ع الازعاج يا أمي، سلام، قالها وخرج بها متوجها لغرفتهم لتفتح غالية عينيها بفزع وهي تقول
- يحيى نزلني...

- ما أنا هنزلك، بس بحضني، قالها بعدما دخل إلى غرفتهم بالفعل وأنزلها ليسند جسدها على صدره لتضيع الكلمات منها عندما تلاقت عيناهما ليهمس لها بعشق
- وبعدين بقى ياغلاتي تعبتيني
نظرت له بذهول من اتهامه لها: اناباباهم
داعب أنفها بأنفه وهمس بحرارة
- فوق ماتتخيلي...
غالية بضعف من أفعاله الوقحة معها: يحيى!
- ياروحه، قالها وهو يعض وجنتها بخفة لتقول بتلعثم بعدما أبعدت وجهها عنه
- هوووو مين اللي تعب مين...

عصرها بين ذراعيه وهو يمرر أنفه على طول عنقها ويقول بخفوت: أنتي اللي تعبتيني، أنا لو تعبتك سنة أنتي تعبتيني قصادها خمسة، ارحمي بقى
دفعت رأسه عن عنقها وهي تقول: قال يعني الخمس سنين كنت مخلص ليا مش كل يوم مع وحدة، جاتك القرف
ابتلع يحيى لعابه وقال: عايزاني أتوب، خديني بحضنك وأنا أحرم عليا ستات العالم.

- لو عايز تتوب توب لربنا مش ليا، ما إن ردت عليه هكذا حتى قال وهو يقبل وجهها كله بتريث وبين قبلة وقبلة هناك جملة
- كوني أنتي السبب، أنتي الدافع، أنتي الصلاح
هااا قولتي ايه غلاتي تكوني نصي التاني بمزاجك
أبعدته عنها وقالت بتوتر من هجومه عليها
- اممممم سبني أفكر
ليقول يحيى بتأكيد سافل مبطن فهمته هي: وماله فكري، ولغاية ما تفكري تعالي أقولك كلمة سر...
غالية بفزع: لا لا لا لا.

- أبداااااااا والله ما أنا سايبك غير لما أقولك إيه هو السر. قالها وهو يرفعها للأعلى بين ذراعيه ليأسر شفتيها بلهفة ما إن التقوا ببعضهم البعض
في فيلا راقية وفاخرة كانت زينة تحتسي شرابها بقهر وهي لا تصدق ما سمعته من أخبار لتنظر إلى فتحي وهي تقول
- أنت متأكد من اللي بتقوله
فتحي بثقة: عيب عليكي ده أنا فتحي، الهجين طلع عنده ولد وبنت من مراته سيلين...

زينة بغيرة نارية: بلاش تنطق اسمها قصاااااادي، وبعدين أنت عرفت منين
رد عليها بشرح: من حرس المزرعة اللي أنا داسسهم عنده، بس إيه ليه حق يسميها عشق الهجين دي صاروخ أرض جو، كرباااك من الآخر
زينة وهي تشعر بأن نار قلبها بدأت تأكلها ببطئ الآن
- أحلى مني
- بصراحة أنتم الاتنين حلوين، ما إن قالها حتى صرخت به بنفعال
- أيوة يعني مين اللي أحلى
أخذ يفكر قليلا ثم قال: جمالكم مختلف ماينفعش يتقارن...
- هما رجعوا لبعض.

- لاء، بس أكيد هيرجعوا، ده بدل العيل عنده منها اتنين
وبصراحة يبقى غبي لو مرجعهاش ليه، بقولك كرباااك
- أنت بتغيظني ليه...
رفع منكبيه وقال: دي حقيقة
زينة بشر: أنا عايزة أشوف شاهين
- مش بينزل الشركة الأيام دي يحيى متولي الإدارة اليومين دول
- يعني قاعد قصاد ست الحسن والجمال
- حقه الصراحة أنا لو بمكانه أعمل أكتر
- فتحي بكرة هروح لشاهين المزرعة، ما إن قالتها بنية غير صالحة حتى فتح عينيه بترقب وقال.

- ناوية على إيه
- ناوية على شاهين عايزة أبارك ليه على عياله
فتحي برعب: الله أكبر، يبقى روحنا بداهية...
زينة باستفسار: بس قولي قبلها ياسين فين
- باسكندرية
- كدة تمام، قالتها بعدما زفرت أنفاسها لتجد الآخر يسئلها باستغراب
- ومالك ارتاحتي كدة ليه مش عايزة تشوفيه ليه
- ده بالذات لو كان بالشمال أنا أروح جنوب ماينفعش أعاديه ده تربية سلطان وعلى أوسخ كمان مايتلعبش معه أبدا
- يعني أفهم إن الأيام الجاية علينا سودة.

- عليهم مش علينا
- شكلك عايزة تدفنينا مع سلطان، ربنا يستر.
غمغم بكلماته هذه مع نفسه وهو يبتسم لها بتصنع وهو يراها تكاد أن تتميز من الغيظ
في صباح اليوم التالي في اسكندرية بالتحديد عند ياسين الذي كان يجلس بحديقة الفندق فهو لم ينم طوال الليل كان جالس هنا بهذا البرد، وكأنه تجرد من الإحساس ليتحمل كل هذا الطقس. لم يهتم بالمطر ولا بالهواء شديد البرودة...
نهض من مكانه بألم فأطراف جسده تجمدت حقا...

صعد الى غرفته المحجوزة باسمه ليغير ثيابه بأخرى نظيفة بعدما أخذ حمام دافئ ليرخي عضلاته المتشنجة
رفع هاتفه واتصل عليها وما إن ردت عليه بعد مدة قليلا وأتاه صوتها المبحوح الناعس حتى قال بجمود
- ساعة زمن وهكون عندك جهزي نفسك
لتقول ميرال بنعاس وصداع فتاك وعدم تركيز
- ليه هنروح فين
- هنروح نطلق.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة