قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثالث والأربعون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثالث والأربعون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثالث والأربعون

- هنروح نطلق،! ما إن نطق كلامه هذا حتى أنهى المكالمة على الفور من دون ان ينتظر منها أي رد
وقعت هاتان الكلمتان كالصاعقة على رأس الأخرى مما جعلها تنهض من رقدتها التي كانت فيها، أخذت تنظر حولها بتشويش لتجد نفسها بثياب ليلة امس لم تغيرهم فقد نامت بهم ودون غطاء وبأحضانها قميص ذلك الأناني.

رفعته بيدها و أخذت تنظر له قليلا ثم وضعته الى جانبها بأهمال، ثم نهضت بشرود هل هو الآن اتصل بها وأخبرها بأنه يريد الانفصال عنها رسميا
نعم هي من طلبت ذلك، نعم هي كانت تريد ذلك ولكن الوجع الآن كبير عندما جاء هذا القرار منه هو طيضا و وافق عليه.

ذهبت الى المرآة لترى نفسها وحالتها التي يرثى لها. كانت ببقايا مكياج ليلة امس هذا غير الكحل السائل والملطخ حول عينيها لتتحول به إلى شبيهة الباندة مع شعر وثياب غير مهندمين...
اقتربت أكثر وأسندت كفيها على درج الزينة وأخذت تنظر إلى داخل بؤبؤها الأسود تريد أن ترى انعكاس جروحها وتكلمهم بنفسها، لتهمس بصوت مسموع.

- عايزة ايه ياميرال، صارحيني أو بمعنى أصح كنتي مستنية ايه غير ده، هي دي النهاية اللي لازم تتكتب وتكون، مش هينفع تكون غيرها
ده موت احساسي وحبي ليه هاستنى إيه منه تاني بعد ما خلاني أعيش بماضي أسود وكل ده ليه حصل، عارفة ليه، لأنك حبيتيه، شفتي آخرة حبك ليه وحشه أزاي، دي فرصتك عشان تخلصي روحك منه.

لأن ده ماينفعش يتسامح، سااامعة، ماينفعش، الإنسان ده ماينفعكيش افهميها بقى، ليه عايزاني أفضل معه وأضحي بكرامتي، عايزة ذكرى حلوة مرينا بيها سوا معه تكون صادقة بجد تخليني أشفعله مش لاقية، مافيش حاجة عملها معايا تخليني أسامحه فيها
ده أنا فتحتله قلبي للآخر والنتيجة كانت إني ترميت مذبوحة بالحياة مهانة، واللي أنا فيه دلوقتي والانكسار اللي معشعش جوايا ماجاش من فراغ
عايزة إيه مني ياميرال، فهميني عايزة ايه.

عايزاني أضحي ليه! فاضلي ايه عشان أخسره. ده أنا خسرت كل حاجة، برافو عليه ابن اللداغ ماسبش فيا حاجة سليمة أعيش عليها
صمتت وهي تضغط على شفتيها وهي ماتزال تنظر لنفسها وما إن أخذت تبكي رغما عنها حتى قالت من بين اسنانها وشفاهها ترتجف بحرقة قلب
ماتعيطيشششش، ليه تعيطي ليه. هو بينا ايه عشان تعيط عليه...

نظرت الى صدرها بالتحديد إلى ذلك الذي يصرخ وجعا لتقول له بحون، هو احنا مش قولنا نسينا خلاص، وإنك لازم تسمع كلامي لأني أنا ماعنديش استعداد إني أعيش يوم كمان، ماعنديش!
سحبت منديل ورقي واخذت تمسح وجهها بقوة لتزيل عنها آثار بكاء ليلة امس ولكن عينيها خانتها فهي ما إن بدأت تمسح حتى نزلت دموعها مرة أخرى لترتفع شهقاتها بالتدريج.

رمت المنديل بتعب ثم أخذت تفتح سحاب الفستان وهي تتوجه للحمام الخارجي وما إن دخلته و أغلقت الباب على نفسها حتى فتحت الدوش وما إن تساقطت عليها قطرات الماء بغزارة حتى جلست على الأرضية وهي تتكور على نفسها بعدما دفنت وجهها بين ركبتيها وهي تشهق بعنف ولكن بصوت خافت...
ومع كل شهقة تخرج منها تشعر بانشقاق بداخل صدرها وكأن غصاتها تخرج من أعماق روحها قبل جسدها...

بعد مدة قليلة أخذت تسند نفسها بكفيها تريد النهوض، الآن ليس وقت الانكسار، وما إن نجحت بذلك واستقامت حتى أكملت فتح السحاب لترمي عنها الفستان
ورفعت وجهها للأعلى وهي مغمضة العينين وهنا تذكرت أول قبلة لهما معا كيف أخذها منها رغما عنها، كيف سرقها منها كما سرق كل شئ جميل فيها.

عضت شفتيها وهي ترجف قهرا، ثم التفتت وسحبت الشامبو و أخذت تغسل شعرها بقوة وهي تتذكر كم كان يخبرها بأنه يعشق شعرها هذا بنعومته لتقسو يديها على خصلاتها بشكل تلقائي وكأنها تريد أن تقطعه بأناملها...
تشعر بالعجز فهي لا تعرف كيف توقف ذلك النابض المجنون عن حبه بررررغم كل العيوب الموجودة فيه
لم تنساه للحظة، نعم تكرهه بشدة وبنفس المقدار أو أكثر تحبه، ما هذه اللعنة ياالله!

غبية أليس كذلك، نعم غبية، هي بالفعل تريد اعتزال ما يؤذيها ولكنها تحبه لالا بل تعشقه. ياااالله. مالحل و أين الخلاص، ما هذا المرض الذي أصابها من سنين ويرفض أن يتركها...
ضحكته الماكرة أصابتها بأسهمه ونظراته الوقحة أسرتها مدى الحياة، لقد أهانها! أهان حبها وجسدها وكرامتها وأهلها، هان كل ما فيها وبرغم هذا هناك بصيص أمل داخل قلبها الأحمق تتمنى فيه أن تنجمع معه مرة أخرى...

ولكن مستحيل ستصغى لذلك الصوت الذي بداخلها، ياسين انتهى ولن يعود، نعم انتهى
ختمت كلامها مع نفسها بجملتها الأخيرة وهي تفتح عينيها بقوة غريبة وكأن التي كانت منهارة من قليل ليست هي...
أغلقت الماء وسحبت منشفة كبيرة وما إن وضعتها عليها حتى خرجت وذهب الى غرفتها حافية القدمين
تاركة خلفها آثار خطواتها.

لتبدأ بتمشيط خصلاتها الناعمة ثم أخذت تجففه وما إن انتهىت حتى رفعته للأعلى على هيئة كعكة ثم فتحت دولابها وأخرجت لها طقم رسمي كلاسيك بنطال مع سترة مخصره بيضاء مع بدي صغير أسفله أسود
لتتوجه الى المرآة وأخذت تضع بعض اللمسات من المكياج لتخفي تعبها الواضح وانتفاخ أجفانها ما إن رسمتهم من الأعلى بالكحل ثم أخذت تضع المسكارة على رموشها الطويلة بثقة ثم وضعت أحمر شفاهها الفاتح جدا.

ثم سحبت الدبوس من شعرها لينزل كالريش الأسود من الحرير نعم فيه تموجات خفيفة ولكنه جميل عليها للغاية أعطاها حيوية، أخذت تمشطه هذه المرة بأناملها وتصففه
كانت تجهز نفسها وتقوم بروتينها وهي جامدة الروح تتصنع الثقة والقوة حتى بدأت بالفعل تشعر بأنها الآن أفضل بكثير، أما عينيها ارتدت بهما نظرات باردة مزينة باللامبالاة أتقنت تمثيلها لدرجة بأنها صدقت نفسها...

أبتسمت بسخرية على مظهرها الأنيق هذا، من يراها الآن يظن بأنها بقمة تألقها، تنهدت بصبر ثم التفت وأخذت حقيبتها اليدوية مع هاتفها وما إن خرجت من غرفتها حتى وجدت داليا تضع الفطور على الطاولة لترفع نظرها لها بابتسامة واسعة وهي تقول بحب
- صباح الخير يا حبيبتي، تعالي افطري معايا.

كادت أن ترفض إلا أن رنين هاتفها ارتفع لتجده سبب وجعها يتصل بها لتضغط على زر الإجابة، وما إن وضعته على أذنها حتى أتتها نبرته المتغطرسة وهو يقول بصيغة أمر وكأنها عبدة عنده
- أنتي فين انزلي، أنا تحت بقالي ساعة...
رفعت حاجبها بضيق من أسلوبه لتقول بهدوء متعمد
- هفطر و أنزل
- افطري بعد ما أحررك مني وقتها هتتفتح نفسك أكتر.

- لا وقتها مش هفطر هعمل بارتي، و دلوقتي خليك تحت مستني لغاية ما أخلص واجي. ما إن ختمت كلامها حتى أغلقت الخط بوجهه من شدة غيظها منه
لتسألها داليا باستغراب: مين ده، عمر!
ذهبت وجلست على الطاولة وأخذت تسكب الشاي لها وهي تقول: لأ ياسين
قطبت داليا جبينها وقال باستفسار
- عايز إيه من الصبح كدة.

- هنطلق، قالتها وهي تضع قطع السكر في كوبها لتشهق والدتها بطعامها و أخذت تسعل بشدة لترفع ميرال كأس الماء وقدمته لها ثم أعادت گالعادة نظرها لطبقها وبدأت تتناول فطورها بسكوت تام
لتشرب داليا الماء ومسحت فمها وأخذت تنظر لها ولبرودها هذا لتقول بستغراب: انتي بتتكلمي جد
- أيوة، ما إن قالتها حتى ردت عليها بحيرة
- طب ازاي اقتنع
- معرفش أنا طلبت الطلاق وهو وافق.

- ياسين وافق كدة عادي، ما إن قالتها حتى أخذت تمضغ طعامها بهدوء ثم قالت وهي ترفع منكبيها
- مايوافقش ليه،!
- لأنه بيحبك
جرت نظرها عنها وهي تقول بعدم قبول لما سمعته
منها الآن: بالله عليكي يا ماما هو اللي زيه يعرف الحب
داليا بجدية: أنا عارفة وأنتي عارفة أنه بيحبك
- حتى لو بيحبني ده مش هيغير حاجة من ناحيتي ولا هيأثر على قراري بانفصالي عنه وهو شكله فهم ده واستسلم للأمر الواقع.

- أنتي مرتاحة بقرارك ده والا بتضغطي على نفسك
نظرت لها وهي تسند ساعديها على سطح الطاولة
- أنتي شايفة ايه
- شايفة إنك تتمني تسامحي
- أديكي قولتيها تتمني يعني مجرد تمني ومش كل حاجة عايزينها بتحصل، قالتها وهي تمسح فمها بخفه ثم نهضت لتسئلها والدتها
- على فين،؟
أخذت تحمل متعلقاتها: نازله ليه مستنيني تحت
- مش هتقولي لباباكي
- بابا مشغول مع سيلين
- هيزعل.

- هبقى أصالحه، سلام، ما إن قالتها حتى ذهبت للباب الرئيسي ومسكت الأوكرة لتفتحه حتى توقفت عندما سمعت والدتها تقف خلفها وهي تقول
- ميرال يابنتي فكري كويس، أنتي بتحبيه سامحي
ياسين تغير، سامحي و عيشي حياتك، العمر بيجري ومش هيقف عند حد
- أديكي قولتيها مش هيقف عند حد، سلام...
قالتها وهي تعطيها ظهرها ثم تركتها وخرجت وما.

إن أغلقت خلفها الباب حتى ضغطت على زر المصعد عدة مرات متتالية وما إن مرت ثواني فقط حتى تركته وأخذت تنزل الدرج بهرولة
وما إن انتهت منه حتى رفعت شعرها الذي كان قد نزل على وجهها لترتدي نظاراتها الشمسية السوداء وخرجت لخارج العمارة بثقة مدروسة بالمللي لتزداد خطواتها بطء عندما وجدته يسند نفسه على سيارته وهو يكتف يديه أمام صدره.

أما ياسين ما إن رفع رأسه لها ليجدها بكامل أناقتها الفتاكة ليبتسم بسخرية من قهره لتلمع عينيه من تحت النظارات بحزن وهي تقول مع نفسه
- طبعا هتضحك ماهو الوجع اللي بيا مش فيك
اعتدل ياسين بجسده ثم فتح الباب لها وأشار لها بالدخول لتتجاهله هي وتذهب للباب الخلفي وما إن فتحته حتى وجدت الآخر يغلقه بغضب وهو يقول
- أوعي تكوني مفكرة إني السواق بتاعك بجد.

التفتت له ونزعت نظاراتها لتنظر له بغرور يليق بها ثم قالت: هو أنت تطول تبقى السواق بتاعي
حرك رأسه بنعم ثم أشار لها للمقعد المجاور له لتصعد هي هذه المرة بصمت. ليغلق لها الباب ثم ذهب لمكانه لينظر إلى السماء الغائمة وكأنه يترجى ربه أن يعطيه الصبر لتحمل ها الوجع
صعد هو الآخر وما إن استقر خلف المقود حتى انطلق لأقرب مأذون...

كان الوضع بينهما مفعل ع الصامت ولكن لم يخلوا من النظرات المبهمة بينهما وخاصة من ياسين الذي كان مبهور من صمودها هذا...
لم كل هذا الجمود، مستحيل هذه حبيبته. مستحيل كيف استطاع تشويهها بهذا الشكل
انعصر قلبه بشكل كبير ما إن توقف أمام المكتب الخاص للزواج والطلاق...

نزل كالرجل الآلي ما إن وجدها نزلت هي بسرعة وكأنها اختنقت من وجودها معه بمكان مغلق لترتدي نظاراتها بسرعة ما إن اقترب منها وكأنها تريد حرمانه من النظر لخلاصه، عينيها الخلاص بالنسبة له، لتتخطاه للداخل وكأن الذي معها لا وجود له
لم كل هذا الاستعجال للانفصال عنه، عند هنا ولم يتحمل أكثر ليضرب سقف سيارته بقبضته عدة مرات، يالله كم هي أنانية!

أخذ ينظر لمدخل المكتب الذي اختفت بداخله، ليضع يده على موضع قلبه وأخذ يكلمه بانكسار رجل: دلوقتي تعلمت الوجع بيكون ازاي، دلوقتي عرفت غلاوتها عندك بعد ما خسرتها اشرب ياسين اشرب
تستااااهل اللي بيجرالك
دعس بقدمه على وجع قلبه ودخل خلفها وما إن وجدها تجلس بانتظاره حتى نظر للمأذون والشهود الذين كانوا بانتظارهم فهو جهز كل شئ قبل مجيئه.

ذهب وجلس أمامها تماما ولم يفصل بينهم سوا طاولة صغيرة، نظر للمأذون الذي أخذ يلقي عليهم خطبته بكلماته المعتادة بأن أبغض الحلال عند الله الطلاق
أعاد نظراته الحمراء المتجمرة بالدموع النارية لها ولكنه لم يرى منها سوا الرفض واللهفة التي اتقنتها للخلاص منه...
وعند هذه النقطة شعر بأنه أصبح أصم عن ما يجري حوله لا يعرف ماذا حصل، جرى كل شئ بسرعة لينطق لسانه بتلك الكلمة التي ذبحته للوريد...

كيف نطقها! لايعرف هوووو حقا لا يعرف كيف نطقها، لتنزل دمعة منه ما إن حرر حروفها من لسانه...
تجمدت ميرال بمكانها ما إن رأت دمعته كيف نزلت ليتم وضع الأوراق أمامها لتنظر للأوراق وأخذت تخط اسمها بأنامل ترتجف تريد التماسك أمامه وأن لا تنهار فدمعته هذه هدت كيانها وثباتها المزيف...
وما إن انتهت حتى دفعت الورق نحوه بعدما أدارتها له و وضعت القلم أمامه ليرفع ياسين طرف فمه بتهكم فقد رأها كيف تمضي دون تردد...

ليمسح وجهه بقوة ثم أمسك القلم بأعصاب أخذ يخط اسمه بضغط قوي بأسفل الأوراق هو الآخر
وما إن انتهى حتى رماه بغضب
أما ميرال ما إن تأكدت أن كل شئ تم حتى نهضت وخرجت بعدما استأذنت منهم لينهض هو الآخر وصافحهم بسرعة وخرج خلفها مسرعا وما إن وجدها أوقفت تاكسي حتى ركض خلفها وقبل أن تصعد سحبها من عضدها وجعلها تلتفت له وأخذ ينظر لها بتمعن ليرفع يده وينزع عنها نظاراتها ليجد عيونها غارقة بالدموع الحارقة.

ميرال تبكي!، أخذ يحرك رأسه بنفي بهدوء وهو يمسح دموعها ثم أمسك وجهها بحتواء، وقال بعشق صادق حتى النخاع
- عملت اللي أنتي عايزة وحررتك مني مالوش لازمة الدموع دي دلوقتي، أنا مستهلهاش ولا هطلب منك إنك تسامحيني لأني بردو ماستاهلش ده، هابعد عنك زي ماطلبتي وعيشي حياتك، بسسسسس اختاري واحد صح المرادي، وأوعي كمان تختاري واحد بيحبك أقل مني عشان ما تقتلنيش مرتين مع إني أشك إنك تلاقي حد يحبك نص حبي ليكي...

بحبك ميرال بحبك أكتر من نفسي عشان كدة فضلت سعادتك على سعادتي، وأنتي عارفة ده معناه ايه، أنتي عارفة معنى بعدك إيه بالنسبالي، فعشان كدة امسحي دموعك دي وعيشي صح المرادي على الأقل ماتخليش تضحيتي ليكي تروح كدة
نزلت دموعها أكثر ليهمس لها بجرح. هشششششش ثم قبل جبينها بقبلة طويلة ليبتعد عنها بسرعة وكأنه نسى نفسه أنه بمكان عام ما إن سمع سائق التاكسي قال بضجر
- ماتخلصونا بقى ياأستااااذ.

نظر ياسين ليميرال التي مسحت دموعها وصعدت بسرعة بالخلف ليدفع هو الأجرة و أوصاه عليها ثم ابتعد عن طريقهم لتنطلق السيارة بعيدة عنه بعدما أخذت روحه معها إلى نقطة لا رجوع بها
أما عند ميرال ما إن ابتعدت عن المكان حتى وضعت يدها على وجهها وانفجرت بالبكاء غير آبهة للسائق الذي أخذ ينظر لها من المرآة باشفاق على هذا الثنائي الحزين.

علي الجهة الأخرى. في القاهرة بالتحديد بالكافتيريا التي أمام المستشفى، كان ينتظر تلك المجنونة التي تأخرت ساعة من الزمن عن موعدهم، فقد كان متفق معها أن يتناولا فطورهما معا.

تأفأف للمرة الألف وهو يحرك قدمه بنزعاج وما إن نفذ صبره حتى نهض بنفاذ صبر وذهب الى المستشفى وما إن دخل إلى داخلها حتى وجدها تمشي مع أحد الأطباء وهي تضحك من كل قلبها بعفويتها اللذيذة لتجعل ذلك الأهبل الذي معها يهيم بها وبسحرها الجميل هذا عشقا، للحظة شعر حودة بأن نيران الغيرة تندلع بصدره بشكل مفرط لم يتحمل هذا المنظر أكثر.

تقدم منها بهدوء كاذب وما إن وصلها حتى دخل بينهما بجسده ونظر لها ليجد نظرات الاندهاش انعكست على معالمها ليمسك رأسها بين يده وأخذ يمسد على شعرها ليلتفت للآخر الذي سأله بانزعاج وهو يربت على كتفه من الخلف
- أنت مين؟
- خطيبها ياروح امك، قالها وهو يعالجه بلكمة ليفترش على الأرض جعلت هدى تشهق بفزع من ردة فعله الغير متوقعة هذه...
كاد أن يضربه إلا أنها منعته من ذلك وهي تمسك ذراعه وأخذت تنظر له بذهول وهي تقول.

- أنت تجننت ايه اللي عملته ده
عض سبابته بقوة ثم مسكها من رسغها وسحبها خلفه وتوجه بها الى غرفة الاستراحة الخاصة بها لتمنعه من سحبها له وهي تقول: أنت واخدني فين
نظر لها باجرام ثم سحبها بقوة لغرفتها وما إن دخلها حتى أغلق الباب بقوة ودفعها عليه وأخذ ينهج وهو يقول: اااايه اللي أنا شفته ده
هدى بصدمة ممزوجة بخوف
- شفت ايه، هو في ايه.

- في ااايه، في إنك يا حلوة واقفه معه وهاتك ياضحك، ميييييين ده، ما إن صرخ بها بغضب أسود حتى ردت بسرعة
- دكتور معانا والله
- ما أنا عارف أنه زفت، واقفة بتهببي ايه معه، قال الأخيرة وهو يضرب الباب براحته بقوة جعلها تنكمش على نفسها بخوف أن تأتي إحداها بها عن طريق الغلط
لتنظر له بخوف أكبر ما إن سمعته يقول: ردي عليا...

وبعدين تعالي هنا هو أنا مش متفق معاكي نفطر مع بعض بقى تسبيني ملطوع بالكافتيريا عشان اجي ألاقيكي مع ده
نظرت له هدى ببراءة وأخذت تقول بتوضيح
- مش كدة والله أنت فاهم الموضوع غلط بس مشكلتك دايما تتصرف باندفاع وعصبية
- امممم قولتيلي أتصرف باندفاع وعصبية، حاضر هتصرف بذوق أكتر من كدة طيب ممكن تفهميني الصح ايه. حلو كدة كلامي ولا عندك تعديل عليه.

- لا حلو كدة، ما إن قالتها حتى صرخ بها بانفعال جعلها تنتفض أمامه برعب
- اشجيني بقى كنتي بتعملي ايه معه
ابتلعت لعابه وقالت بتبرير
- والله كان عندنا عملية مع بعض
مال برأسه نحوها وقال: والعمليه بتطلب منك الضحك ده كله معه.

- لا، بس هي جت كدة والله، قالتها وهي تنظر إلى يدها وتلعب بأصابعها بتوتر ليقترب منها أكثر بعدما سحرته بحركتها هذه ليضع سبابته اسفل ذقنها ورفع وجهها له ليطبع قبله خفيفة اسفل شفتيها ثم ابتعد وأخذ ينظر لها بقربه هذا منها ليجدها لا تقوى على النظر له لينطق بخفوت حاد
- المرادي سماح عشان ماتقوليش بالطجي واني مش متحضر، آخر مرة تقفي مع ذكر ربنا خلقه...
ممنووووع أنتي بتاعتي أنا وبس، مفهوم...

مفهوووووم ولا أعيد، قال الأخيرة وهو يقرص خاصرتها بقوة لتتأوه بين يديه وهي تقول بألم
- مفهوم، بس وحدة بوحدة بقى
رفع حودة أحد حاجبيه بحدة وقال بصوته الخشن
- يعني ايه،!
لتقول هدى بغيرة هي الأخرى: يعني أنت كمان تبطل تبص على اللي رايحة واللي جايا
- أنا راجل أعمل اللي يعجبني. قالها وهو يسند يده حولها ليصبح وضعها ظهرها للباب وهو امامها وقريب منها بشدة ويديه أصبحت الآن تحتجزها من كلا الجهتين.

كانت حالتها بين الخوف والخجل والغيرة إلا أنها نست كل هذا ورفعت نظرها له بقوة عندما سمعت ما قال، لتدفعه من صدره ولكنه لم يبتعد بل التصق بها أكثر عندما وجدها تصرخ به بغيرة
- يبقى تنساني أنا مستحيل أرضى بالحال ده
- ده أنا المستحيل انساكي، وبعدين أنتي بتفكري بمين دول فين وأنتي فين ازاي تقارني نفسك فيهم
نطق كلامه هذا بصدق نابع من داخله فهو ينظر لهم فقط ليغيظها لا أكثر. يستمتع ان يرى غضبها وغيرتها عليه.

- اسمعني يا حودة. يا أنا يا هما، اختار؟
- أنت طبعا، قالها وهو يطبع قبلة على ارنبة أنفها بخفة ثم أنزل يده من منكبيها ببطء إلى الأسفل حتى وصل كفيها وأخذ يغلغل أنامله بخاصتها ثم رفعهم لفمه واخذ يقبلهم بشغف ثم أخذ يبتسم لها بسعادة عندما وجدها تنزل رأسها بخجل ليقبل فروة رأسها بقوة ثم سحبها له واحتضنها بحنان
وأخذ يهمس لها عند أذنها: جهزي نفسك الليلة جاي أخطبك من أهلك
نظرت له بلطف وقالت: بجد!

حرك رأسه بنعم وقال بتأكيد
- أيوة بجد، إيه مش موافقة
- هاا، قالتها بتلعثم لتجده ليقول
- مش مهم موافقتك هاخدك ليا يعني هاخدك
قالتها بعدم رضا مصطنع وهي تضربه على صدره بقبضتها: غصب يعني؟
- أيوة هاخدك ليا غصب. عندك اعتراض، ما إن قالها حتى حركت رأسها بنفي ثم دفنت رأسها بخجل بصدره، ليحاوطها الآخر بشكل أقوى وهو لايصدق بأن حلمه بامتلاك حبيبته أصبح قريبا جدا
في المزرعة الخاصة بشاهين اللداغ.

كانت تقف عند باب المطبخ وهي تسند نفسها عليه وتنظر لذلك الذي كان يستوطنها وما زال كيف يتعامل مع ابنته المدللة سيلا...

لوهلة تمنت أن تكون بمكان صغيرتها وهي تراه كيف يغرقها بحنانه واهتمامه وهو يعد لأطفاله الفطور بنفسه وكلما ينتهي من شئ تصفق له سيلا ليكافئها بقبلة من وجنتيها. وما أن انتهى من كل شئ حتى حملها وجعلها تجلس على الطاولة و وضع أمامها الفطار أمام ابنته، ثم التفت لتلك التي تراقبه منذ وقت طويل مما جعلها تجفل برموشها بخفة عندما وجدته يلتفت لها وأخذ ينظر لها بنظرات جعلت ذراعيها تنسدل الى جانبيها.

من عمق تركيزه بها ليقترب منها وما إن وصلها حتى لطخ وجنتها بالدقيق وهو يسئلها
- سعد فين
مسحت وجنتها ونظرت له بحدة من تصرفه هذا وهي تقول: قاعد مع بابا برا
- متعلق فيه أوي، قالها وهو ينزع المريول لترد عليه بتأكيد
- أكيد هيتعلق بيه. بابا بيعامله كصاحب ليه مش حفيد وبس
أومأ لها ثم قال وهو ينظر لها: كرم سعد الجندي وشهامته معايا كتر أوي، أول مرة كبرلي مراتي وخلاها تاخد العقل كدة والتاني راعى ابني.

سيلين بنبرة خافته نوعا ولكنها حادة لكي لا تسمعهم تلك الشقية: أنا كنت مراتك. ما تنساش النقطة دي
- مش ناسي، بس هرجعك، ما إن قالها هو الآخر بصوت خافت حتى نظرت له بغضب ممزوج بقهر وقالت
- كدة عادي عايزني أرجعلك ولا كأنك أذتني قي يوم، شاهين أنت استغنيت عني بمزاجك محدش ضربك على إيدك فمتجيش دلوقتي تعيشلي بدور الضحية
شاهين بتبرير: أنا عندي أسبابي.

لتقاطعه سيلين برفض لسماعه: احتفظ بيها لنفسك أسبابك دي لأن بعد كل السنين دي مش هتفرق معايا
- لازم تسمعيني، ما إن قالها بإصرار حتى قالت برفض
- مش عايزة، و أوعى تفكر وجودي هنا عشانك لاااا
أنا هنا عشان اولادي اللي مالهمش ذنب بده كله غير إن أبوهم أنت، غلطة لما اخترت ليهم أب زيك وفكرت إنك ممكن تكون إنسان سوي في يوم
- ماتعذبنيش فيكي أكتر من كدة
- هو مين اللي عذب التاني.

- سيلينا أنتي، ما إن تكلم حتى قاطعته وهي تقول
- انا كنت لعبة بإيدك مش أكتر، حاجة عجبتك واستعصت عليك ف أخدتها غصب وقولت بالمرة انتقم من سعد بيها ماهي نقطة ضعفه وبيموت عليها، ضربت عصفورين بحجرة وحدة...
جمعت مابين المتعة والأنتقام مش كدة
ختمت كلامها هذه وهي تنهج لينظر لها بصدمة...
مجنونة هل تظن نفسها كانت له مجرد متعة
ألا تعرف بأنها حياته وبما فيها. وبغيابه عنه أظلمت دنيته.

فتح فمه ليتكلم ويصحح لها تفكيرها العقيم هذا إلا أن صوت جرس الباب منعه من ذلك ليضطر أن يتخطاها ليذهب ليرى من الطارق وما إن وصل الى الصالة حتى وجد سعدالجندي يضع حفيده على الأرض و وقف هو الآخر لينظر الى سيلين التي أتت خلفه وعلامات الانزعاج تزين وجهها
أما عند شاهين ما ان فتح الباب حتى وجد أمامه ااااء.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة