قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثامن والثلاثون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثامن والثلاثون

رواية وكر الأفاعي للكاتبة أماني جلال الفصل الثامن والثلاثون

في الجهة المقابلة على الطرف الآخر بنفس هذا الوقت تقريبا كانت قد دخلت سيارة أولاد اللداغ شوارع الاسكندرية
كان الوضع بينهم يعمه هدوء فظيع ولكن بالتأكيد بداخل كل واحد منهم عاصفة تطيح به هنا وهناك
وكأن مشاعرهم الآن كأوراق الخريف تقاوم الرياح
وخاصة الهجين الذي كان برغم جموده وبروده الخارجي إلا أنه كان يجتاحه توتر رهيب من مقابلتها.

لم. لا أحد يفهمه هو لا يريد رؤيتها لا يريد أن يضعف أمام عينيها، هي نقطة ضعف له والعكس أيضا صحيح
رفع يديه وأخذ يمسح وجهه باختناق من كل شئ يمر به وكأن تعب السنين و وجع غيابها عنه ظهر الآن عليه...
أنزل زجاح النافذة التي بجانبه ليغمض عينيه بقوة عندما استقبلته نسمات الهواء الباردة جدا...

امتعض وجهه ما إن شعر بغصة كبيرة تجتاح حنجرته ما إن مر طيف ابتسامتها الناعمة بداخل أجفانه، فتح عينيه وأخذ يفتح أول أزرار قميصه فهمومه أصبحت بثقل الجبال على صدره
أما ياسين كان في عالم موازي لأخيه لا يعرف ماذا سيقول عندما يقابل قاتلته، نعم قاتلته، فهي قتلته بحرمانه منها، أذاها يوما وتعذب دهر في مقابل ذلك...

لم يكون في حسبانه أن يعشقها فكيف حصل هذا ولما هي بالذات جن بها بهذا الشكل أولم يخلق الله غيرها؟!
يا الله! كم يشعر بالظمأ نحوها، متعطش لها لحد النخاع، يريد أن يدمج أنفاسه بأنفاسها ويتذوقها بانتشاء عند هذه النقطة تنهد بوجع وحسرة عليها، لتلمع عينيه بالدموع شوقا لها
خرج من نيران شوقها على صوت يحيى الذي كان متولي القياد: الوقت تأخر، أنا برأيي نروح لوكاندة و الصباح رباح.

التفت له شاهين بسرعة وقال: ليه لسه بدري
ليقول ياسين له بخبث: غريبة هو أنت مش كنت مش عايز تشوفها مالك دلوقتي مستعجل ليه
شاهين بانزعاج وتهرب: لا مستعجل ولا حاجة أنا بس عايز أخلص من الهم ده بسرعة عشان أرجع. ورايا شغل.

يحيى بضيق من ما سمع: بلاش تتكلم وكأن سيلين عبء عليك، صح أنا علاقتي فيهم مش إلى هي. بس دي أختي وتوأمي ولو أنت مش عايزها محدش هيرميها عليك اطمن من الناحية دي وبعدين اللي يسمعك يقول انها أول ماتشوفك هتجري وترمي نفسها عليك، دي سيليناااا، دي اللي عزة نفسها وكرامتها عندها بالمرتبة الأولى
- يحيى! قالها ياسين وهو ينظر له ليرفع الآخر نظره للمرآة ونظر له من خلالها وقال بانفعال.

- مالك! أنت مش شايفه هو بيقول ايه
- خلصنا بقى يالا ودينا على أقرب لوكاندة، ما إن قالها ياسين حتى أومأ له يحيى وأخذ يسرع قليلا بالقيادة فالأجواء زادت برودة وبدأت السماء تمطر قليلا...

وبالفعل بعد مرور نصف ساعة فتح شاهين باب الغرفة الخاصة به وما إن دخلها وأغلق الباب حتى أخذ ينزع سترته الشتوية السوداء الثقيلة ليذهب بعدها نحو النافذة العملاقة وفتح الستارة عنها ليجد بأن الأمطار زادت غزارة بشكل رهيب وكأن هناك صنبور ماء مفتوح
كز على أسنانه وتشنج فكه عندما شعر بها تحتضنه من الخلف بقوة وأخذت تمرمغ أنفها على حنايا ظهره ثم التفتت له وأصبحت أمامه لتهمس بخفوت
- وحشتني.

نظر لها بضعف شديد ثم قال بنبرة ترجي
- أرحميني سيلينا
- ابدا، قالتها وأخذت تجول بأنفها ولكن هذا المرة على صدره لتستنشق عطره بهيام عاشقة مجنونة به كما كانت تفعل، ثم صعدت لعنقه وزاد استنشاقها له بشكل هستيري
حتى رفع شاهين ذراعيه وأبعدها عنه ومسك وجهها بين كفيه وقال باستسلام لا يظهر سوا أمامها
- بحبك ياعشق الهجين.

ختم كلامه وهو ينحني لثغرها ولكن قبل ان يروي روحه بشهدها حتى تلاشت وتبخر طيفها من بين يده واختفت تماما وكأنها سراب
رجفت عضلات جسده بأعصاب متعبة ثم وضع السبابة والإبهام على أعلى جسر أنفه وضغط عليها بقوة، يريد أن يتخلص من ذلك الصداع الذي أصابه
ليأتيه صوتها من بعيد وهي تقول بغرورها المعتاد
- أنا ذلك الصداع اللذيذ الذي يصيبك يا هذا.

جملتها هذه أخذت تتردد على مسامعه لتجعله ينزع قميصه عنه بانزعاج ويدخل الحمام بسرعة ليضع رأسه تحت الماء البارد، أخذ يتنفس بقوة وهو يشعر بقطرات الماء بدأت تخدر وجعه قليلا، وما إن تبلل وجهه حتى أطلق العنان لدموعه وكأنه يحاول أن يخفيها حتى عن نفسه
دقائق بقي بهذا الشكل، منحني بجذعه وما إن رفع رأسه حتى أعاد خصلاته القصيرة بأصابعه للخلف لتنزل قطراته على عنقه وصدره وظهره...

أغلق الماء وسحب المنشفة ومسح وجهه وجسده ثم خرج من الحمام لينزع بنطاله ايضا وما إن أطفأ النور حتى رمى نفسه على السرير ونام بهذا الشكل بعد صراعه اليومي من شوقه لها...
في الاسفل بالتحديد بحديقة الفندق كان يحيى يأخذها ذهابا وإيابا وهو يكلم صغيره ويقول
- بلااال. بلبل، حبيبي مالك مزعل مامتك ليه منك، ليه مش بتسمع كلامها ومتعبها وتخليها تشتكي منك
بلال بشوق: عشان واحشني، هتيجي امتى...

رد يحيى باشتياق كبير لصغيره- وأنت كمان واحشني ياقلبي، أنا مسافر دلوقتي و أول ما هرجع هجيلك على طول
بلال بزعل: ليه ماختنيش معاك ع الرحلة
- أنا مش رايح رحلة يا حبيبي ده شغل و أول ما اخلصه هجيلك و أفسحك
- نروح ألعاب ومطعم، ما إن قالها حتى قال الآخر بموافقة على الفور
- طبعا ياقلب أبوك أنت، اللي يؤمر بيه بلال اللداغ أنا أنفذه
- بحبك.

كز على أسنانه حبا به وهو يقول: وأنا بحبك يا حبيبي، يالا روح نام واسمع الكلام عشان أجيبلك حاجة حلوة معايا
بلال بستفسار طفولي: حاجة إيه دي
- أنت عايز أجيبلك إيه
رفع كتفيه بحيره وكأنه يراه وهو يقول: معرفش
- طب فكر من هنا لبكرة وابقى قولي عايز ايه وأنا أجيبهولك، اتفقنا ياقلب أبوك أنت
- اتفقنا ياحبيب ابنك أنت.

ضحك من كل قلبه عليه ثم قال: طيب يابكاش روح نام واديني ماما عايز أكلمها، ما إن ختم كلامه حتى أبعد بلال الهاتف من أذنه ومد يده نحو والدته وقال، بابا عايزك
سحبته منه لتبتسم لصغيرها الذي نهض وقبلها من وجنتها وركض لغرفته لينفذ ماطلبه والده منه
وضعت الهاتف على أذنها وقالت بانزعاج
- شفت آخرة دلعك ليه مابقاش بيسمع حد غيرك
انا بقالي ساعة بتحايل عليه ينام ولا الهوا وأنت من كلمة وحدة خليته يجري ع الأوضة لوحده.

رد عليها بمراوغة وهو يرفع حاجبه: بتغيري من ابنك لأني بدلعه هو وأنتي لاء
- يحيى!
- ياروحه أنتي
غالية بغيرة لم تستطع مداراتها: روح ايه بقى ده أنت مسافر
ليقول يحيى باستغراب من كلامها هذا: و إيه يعني لما أكون مسافر، فيها ايه دي
- فيها إنك بقيت أب، امتى هتبطل عكك ده، ما إن قالت كلامها هذا حتى ابتسم بخبث فقد فهم عليها ليقول بمكر.

- امممممم أعمل ايه ما أنا لازم أعك طول ما مراتي مش جنبي ومش مدياني حقوقي الشرعية فأكيد هدور عليها برا
- يعني أنت دلوقتي. اااء
يحيى بغرور: سكتي ليه ماتكملي قولي إنك هتولعي من الغيرة عليا
غالية بنزعاج: أنت حقير و وسخ وأنا لو تموت مش هسامحك
- وطالما أنا كدة بنظرك ليه زعلانة، ولا قلبك وجعك لما عرفتي فيه غيرك بحضني
- روح يا يحيى ربنا يحرق قلبك زي مابتحرق قلبي، قالتها وهي تغلق الخط بوجهه ليبتسم الآخر.

بسعادة لا مثيل لها فهو استشعر الغيرة من نبرتها وشدة انفعالها هذا دليل بأنه لايزال يعني لها الكثير
رفع نظره للسماء السوداء وقال بتمني شديد
- يااااارب
أما عند غالية ما إن أغلقت الخط حتى أخذت تبكي بانهيار فهي قد تعبت من كل شئ حولها حقا
اقتربت منها والدتها بكرسيها المتحرك وأخذت تطبطب عليها بمواساة وهي تقول بحزن عليها
- خلاص ياقلب أمك...
- شفتي اللي بتقولي عليه أنه بيحبني دلوقتي مع غيري
- ما أنتي اللي غلطانة.

- أنتي دايما تطلعيني أنا الغلطانة
- كلنا عارفين جوزك بتاع ستات حتى لو هو تاب الستات مش هتوب عنه، ده فلقة قمر. الكل بيجري عليه وخصوصا أنتي سيباه ليهم ولا بتسألي فيه، يابنتي الراجل لما بيترفض من مراته بيحس بالنقص فبيحاول يعوضه برا وده الراجل العادي فما بالك بواحد زي يحيى غروره هو اللي بيمشيه ف أكيد هيعمل كدة.

ف أنا يابنتي عايزة منك تبقي ذكية وتعرفي ازاي تخلي جوزك ياخدك انتي وابنك تحت جناحه ولا عمره يبص لغيرك، بس قصاد ده لازم تتنازلي شوية عن عنادك، ماهو طول ما أنتم كدة عمركم ماهتجتمعوا أبدا
ختمت كلامها وصمتت ولم تزيد أكثر ما إن وجدت ابنتها ترمي نفسها بأحضانها وأخذت تبكي بحرقة قلب موجوع من محبوبه
في شقة سعد الجندي بالتحديد بغرفة الأطفال.

كانت سيلين تجلس على سرير سعد وهو نائم على صدرها وأناملها الرشيقة تداعب خصلاته الناعمة وعينيها تأكل أكل من شدة تمعنها به فهو يشبه والده كثيرا بالشكل والطباع...
انحنت نحو صغيرها وقبلت جبينه بحنين يكفي العالم بأسره وما إن ابتعدت شفتيها منه حتى جاءها صوت تلك المشاغبة التي دخلت للتو وهي تقول بعدما وضعت يديها على خصرها
- هو كل الحب لسعد مافيش حاجة لسيلا.

أبعدت سيلين ذلك الغافي عنها بهدوء و وضعت رأسه على الوسادة وما إن نهضت من جانبه و دثرته بغطائه جيدا حتى فتحت أحضانها لتلك الشقية وهي تقول
- تعالي يا حبيبتي
ركضت سيلا لها دون تردد وما إن حاوطت عنقها بسعادة حتى قالت: مامي أنتي بتحبيني قد ايه
سيلين بمشاكسة: ايه ده هو مين قال إني بحبك
فتحت سيلا عينيها على وسعهما من رد والدتها ثم قالت بحزن طفولي رائع
- ليه بس كدة، حبيني ده أنا بحبك.

قرصت سيلين أنف تلك الصغيرة وهي تقول
- وهو اللي بيحب مامته بيعذبها زيك كدة
- هو مش كل واحد وطريقته، دي طريقتي حبيها
نظرت لها سيلين بنص عين وقالت: يعني مش بس عايزة إني أحبك لا أنتي كمان عايزاني أحب طريقتك
صح
ردت عليها تلك العفريته بتأكيد وهي تضع سبابتها الصغيرة على أنف والدتها
- صح يا حبيبتي أنتي طلعتي شاطرة
حركت سيلين وجهها ثم أنزلتها من أحضانها وهي تقول: اوعي كدة أنا مش بحبك.

تمسكت بثياب والدتها ورفعت نظرها لها كالقطط وهي تقول: وتهون عليكي سيلا تزعل
- أنا مش بحبك أنا بموووووت فيكي، ما إن قالتها حتى انحنت لها وأخذت تقبل وجنتها اليمنى بقوة لتلتفت بوجهها وتعطيها وجنتها اليسرى أيضا وهي تقول بشقاوتها المتوارثة من والدتها
- بوسيني هنا كمان
ضحكت سيلين وقبلتها عدة مرات متتالية ثم وضعتها داخل فراشها وهي تقول
- يالا نامي الوقت تأخر جدا وأنتي لسه صاحية
سيلا بتذمر: مش عايزة أنام.

- لازم تنامي عشان تكبري، قالتها سيلين وهي تملس على رأسها بحنان لتتسائل الأخرى باستفسار
- هو أنا لو كبرت لازم أعقل؟
- المفروض كدة
- طالما كدة مش عايزة أكبر
سيلين بحدة نوعا ما: سيلااااا
- خلاص هنام روحي أنتي...
- متأكدة عايزاني أروح
- أيوه روحي أنا تميت الأربع سنين مش بخاف خلاص
- طيب يا حبيبتي، تصبحي على خير.

- وأنتي من أهله يا مامي، قالتها وهي تغمض عينيها بنعاس شديد ولم تشعر بنفسها إلا وهي غاطة بنوم عميق بفم مفتوح بطريقة تقتل لكل من ينظر لها عشقا...
ابتسمت لهما سيلين بحب ثم تركتهم وخرجت لغرفتها بعدما تأكدت من نوم صغيرتها فعلا، لتجد ميرال مازالت مستيقظة لتنظر لها بستغراب
- مالك فيكي ايه، حالتك مش عجباني
تنهدت بهموم وقالت: قلبي مقبوض مش عارفة ليه
- ربنا يستر، اقرأي قرآن وهتهدي شوية...

- ماهو ده اللي كنت بعمله قبل ماتدخلي
- طب كويس كملي، قالتها سيلين وهي تذهب الى سريرها وما إن دفنت نفسها بداخل فراشها حتى سحبت صورة ذلك الخائن من داخل غلاف وسادتها
أخذت تنظر الى وجهه الذي تحفظه بقلبها قبل بصرها، يا الله كم اشتاقت له ولنظراته الذباحة
- بحبك بس عمري ما هسامحك، همست بها وهي تقبل الصورة ثم لصقتها على صدرها بالتحديد عند موضع قلبها المجنون حرفيا به واحتضنتها بحنين قاتل يذبحها كل ليلة له...

وبعد وقت طويل من عتابها له مثل كل مرة لا تعرف كيف ثقلت أجفانها وانغلقت باستسلام للنعاس الذي أغشاها
الساعة الثالثة صباحا بعد منتصف الليل، أخذت تتقلب سيلا بفراشها بانزعاج فهي تشعر بالعطش لتفتح عينيها بنعاس شديد وتذمر...
لتنهض من سريرها بخمول متجهة الى المطبخ وما إن فتحت باب الثلاجة وأخرجت منها قارورة الماء.

حتى نظرت حولها بترقب هل هناك من يراها وما إن تأكدت بأنها وحدها حتى شربت الماء منه دون ان تسكب القليل منه بكأس، فهي مشاغبة تحب كسر قوانين والدتها التي لطالما منعتها من ذلك التصرف...
أعادت القنينه لمكانها ولكن ما إن عادت بأدراجها نحو غرفتهم حتى غيرت رأيها وذهبت لوالدتها...

فتحت الباب عليهم بهدوء وأدخلت رأسها فقط كالفأر وجدت الظلام يعم بالأرجاء، تركت الباب مفتوح قليلا لينير دربها وذهب نحو والدتها التي كانت تنام بعمق شديد...
أخذت تحركها وهي تقول بهمس
- مامي اصحي، مااامي...
- ايه يا سيلا! قالتها وهي تفتح إحدى عينيها بصعوبة وما إن أغمضتها حتى غفت مرة أخرى على الفور.

- مامي، عايزة أنام جنبك، قالتها وهي تحركها بشكل أقوى، لتتأفأف سيلين بضجر وفتحت لها ذراعيها وهي تقول وهي مغمضة العينين
- تعالي يا بلائي
كادت أن تصعد الى جانبها ولكن لفت نظرها صورة بجانب والدتها سقطت منها عندما فتحت ذراعيها
- صورة مين دي، قالتها وهي تمسك الصورة لترى بها رجل غريب لا تعرفه ذو ملابس سوداء لتسئلها مرة أخرى بفضول، مين ده يا مامي.

سحبت منها الصورة و وضعتها تحت الوسادة بضجر وهي تقول بنعاس شديد ودون وعي منها
- ده باباكي، حلي عني بقى...
كلماتها هذه جعلت تلك الصغيرة تتسمر بمكانها، أخذت تنظر سيلا تارة لوالدتها النائمة
وتارة أخرى للوسادة التي خبأت تحتها صورة ذلك الشخص الذي عرفت لتوها أنه والدها.

ثواني مرت وهي لم تتحرك منها شعرة وكأنها تريد أن تستوعب هذا، مدت يدها بترقب تحت الوسادة وما إن لمست أناملها أطراف الصورة حتى سحبتها بهدوء شديد نحوها
وعندما نجحت بإخراج الصورة دون أن تشعر بها والدتها حتى انسحبت من جانبها وخرجت بعدما أغلقت الباب بهدوء أشد من سابقه ثم ركضت بلهفة لغرفتها هي وما إن دخلتها حتى صعدت الى سرير أخيها وأخذت تحركه بقوة وهي تقول
- اصحى ياسعد، اصحى.

- سيبيني مش عايز أفطر، قالها وهو يصدر أصوات دلالة على انزعاجه منها
- فطار ايه، اصحى، أنا جبتلك صورة بابا
- طيب أبقى أشوفها بعدين
- سعد، سعد، سعد! أخذت تكرر اسمه وهي تحركه بقوة ولم تتكره حتى نهض بغضب طفولي ودفعها عنه بضجر وقال بصوت عالي منزعج
- والله هقول لجدو عليكي
- هشششش ماتعليش صوتك، لا حسن ياخدوها مننا
قالتها وهي تنظر للباب خوفا أن يدخل أحد عليهم ويعلم بسرهم لينظر لها سعد بعدم فهم
- ياخدوا إيه.

- صورة بابا، قالتها وهي ترفع أمامه صورة شاهين لينظر الآخر بذهول وهو يسحب منها الصورة وأخذ يتمعن بها بنظرات طفولية يملأها الفضول...
- مين قالك إن ده بابا
- مامي قالت لي، ما إن قالتها سيلا حتى عاد سعد نظره لذلك الرجل الغريب بالنسبة له، وضع الصورة على سطح فراشه وأخذا ينظران له معا وكأنهم ينظران للجنة الآن من شدة انبهارهما الذي كان واضحا على ملامحهما...
ليقول سعد بتساؤل لصاحب الصورة: أنت بابي صح.

سيلا بتأكيد لأخيها: أيوه بابي قلبي بيقولي كدة، مامي ميرال دايما بتقول القلوب بتحس باللي بتحبها وأنا بحب بابي أوي...
سعد بحزن طفل: بس هو مش بيحبنا
- لا بيحبنا
- لاء مش بيحبنا لو كان بيحبنا ماكنش سابنا
- بابي بيحبني، قالتها باختناق وهي تلوي شفتها السفليه بزعل طفولي ليمسح سعد على رأسها ويقول
- خلاص بيحبك ما تزعليش
- تعالى نخبيها قبل ما حد يشوفها عندنا وياخدها.

. قالتها وهي تنزل من السرير وذهبت نحو وسادتها هي وفتحت غلافها
نزل هو الآخر وبيده الصورة وقال باستفسار
- اشمعنى هنا هنخبيها
- شفت مامي مخبياها هنا، ما إن قالتها حتى أومأ لها بتفهم ثم ساعدها بتخبئتها ثم احتضنوا تلك الوسادة معا، كل واحد منهم من جهة معينة وغفو وهم على وضعهم هذا...

في اليوم التالي في أول ساعات الصباح الباكر ما إن دقت الساعة السادسة صباحا حتى استيقظ ياسين من نومه المقلق فهو لم ينم جيدا كل تفكيره فيها هي
نهض من مكانه وارتدى ثيابه بسرعة فهو لم يعد يتحمل أكثر من ذلك، ليلة امس علم مكانها ولديه عنوان سكنها ما الذي يمنعه من الذهاب اليها.

سحب متعلقاته الشخصية من الطاولة ولكنه لم يأخذ مفاتيح السيارة تركها لهم وقبل أن يخرج ذهب نحو يحيى الذي كان يشاركه الغرفة وأخذ يوقظه ولكن الآخر كان كالقتيل لم يتحرك
تركه ياسين وخرج ليصعد بأحد سيارات الأجرة متوجها نحو عنوان فاتنته التي جعلته يتذوق المر منها وهو مبتسم برضا.

أما على الطرف الآخر كانت ميرال قد انتهت من ارتداء ثيابها وما إن انتهت من وضع ملمع الشفاه حتى تنهدت بتعب نفسي عندما جاءها اتصال من عمر الذي قال على الفور دون سلام ما إن ردت عليه
- أوعي تكوني فطرتي
- لا
- حلو هاجي عليكي عشان نفطر سوا
ميرال بصدق: ماليش نفس
- مش هقبل أعذار و أصلا هنفطر ب المطعم بتاع كل مرة اللي جنبكم ده...
- عمر! ما إن نادته لترفض حتى قاطعها بأصرار
- قولتلك مش هقبل أعذار.

زفرت أنفاسها بضجر ثم قالت باستسلام
- طيب، اسبقني أنت انا عايزة اجي مشي
- ليه ده الجوا تلج برا
- وهو ده المطلوب
- مش فاهم
- بقول عايزة أشم هوا خليني براحتي لو سمحت...
- تمام، أنا قربت أوصل أصلا مش هطلب حاجة لحد ما تيجي اوعي تتأخري
- ماشي، سلام، ختمت كلامها وهي تنهي المكالمة
لتسحب حقيبتها وتخرج من شقتهم وأخذت تنزل الدرج بهرولة مستغنية عن المصعد...

تريد ان تحرك جسدها الذي لا تعرف ما به من ليلة أمس، تشعر بتعب في قلبها، حالتها النفسية تحت الصفر الآن، لا تريد أن ترى أحد ولا تكلم أحد ولكن عمر وآاااااه من عمر دائما مايصر عليها ومهما رفضت يأتيها من طرق مختلفة ويصر عليها بشكل يجعلها تكره نفسها
نعم هي تقدره كصديق شهم معهم، ساعدهم بوقت الضيق، ولكن لا أكثر من ذلك، ولكنه هو يطمع بالمزيد، يريدها ولا يعلم هي لا تملك نفسي حتى لتوافق عليه.

خرجت من العمارة وشددت عليها سترتها الشتوية ما إن استقبلها الهواء المثلج، فمكان سكنهم يقع أمام البحر لا يفصل بينهم سوا شارع الذي ما إن عبرته حتى أخذت تمشي وعينيها شاردة في اللا شيء وخصلاتها الناعمة كانت تتراقص خلفها بفعل النسائم فهي تذهب ضد تيار الرياح
ولكنها برغم كل هذا لا تعلم لما قلبها أصبح يدق بشكل أكبر الآن بالذات من سابقه وكأن داخل صدرها يقام حفل طبول...

فهي لا تعرف بإن قلبها علم بقرب محبوبه منه قبل أن تعلم هي ف الآخر كان يقف أمام عمارتهم السكنية وما إن خرجت حتى أخذ يلحق بها كالذي أصيب بتنويم مغناطسي
أخذ يتبعها وهو بين الحين والآخر يصطدم بالناس يمشي بينهم كالثمل يترنح بخطواته الغير ثابته فهو يقسم ما إن وقع نظره عليها حتى رفضت عينيه الأبتعاد عنها من شدة شوقه لها...

يريد أن يمسكها الآن ويحتضنها بقوة كبيرة ولم يتركها حتى تندمج أضلاعها بخاصته يريدها جزء منه لا تبعد عنه ثانية، يريدها أن تكون له كالاوكسحين الذي كلما استنشقه تتغلغل به وتنتشي خلاياه
ولكن فجأة وبلمح البصر تحولت كل هذه المشاعر الى غضب بركاني عندما وجد شخص مألوف بالنسبة له يقترب منها بلهفة وليس هذا فقط بل أمسك يديها وقبلهم بحب، مااااذا حب!

أما عند ميرال ما إن اقتربت من المطعم المقصود حتى وجدت عمر ينزل من سيارته وجاء باتجاهها ليستقبلها ببتسامة واسعة وعندما وصلها حتى أمسك يدها المتجمدة ورفعهم لفمه وقبلهم بعدما قال
- ماحبتش أدخل لوحدي قولت استناكي برا
قطبت ميرال حاجبيها بانزعاج من فعلته هذه وحاولت أن تسحب منه يدها إلا أن الآخر تمسك بها وهو يقول
- خليهم عندي أدفيهملك.

كادت أن تسحبهم منه مرة أخرى، ولكن كان هناك من سحبها بقوة من عضدها للخلف جعلها تطير حرفيا ليضعها خلفه وعالج عمر بلكمة فتاكة على فكه جعلته يفترش على الأرض
لتشهق بصدمة من ما ترى ولكن صدمتها زادت أضعاف عندما وجدت ذلك الشخص الذي انقض عليه و أخذ يضربه بعنف ودون رحمة لم يكون سوا
- ياسين!
همست بها بصوت بالكاد سمعته هي، استغرق الأمر منها ثانية واحدة حتى استوعبت ما يحدث أمامها الآن...

ذهبت بسرعة نحو ذلك الذي تحول الى وحش حرفيا وسحبته عن الآخر ودفعته بكل قوته للخلف
لتقف بينهم...
نظرت لذلك الذي يلتقط أنفاسه بصعوبة من الضرب وهو يمسك فكه بألم ثم التفتت لذلك الذي ينهج كالثور بغضب...
تقدمت نحو ياسين ورفعت سبابتها بوجهه وقبل أن تصرخ به على فعلته هذه وجدته يمسك يدها من رسغها ويسحبها خلفه غير آبه بمقاومتها
لم يتوقف إلا عندما وجد عمر يحاول أن يأخذها منه من الجهة الأخرى...

عند هذه النقطة جن جنون ياسين رسمي ليسحب ذلك المتطفل من طرف قميصة بقوة ليعالجه بضربة من مقدمة رأسه على أنفه جعلته يفترش الأرض مرة أخرى ويغرق بدمائه
لتصرخ به ميرال بفزع ولكن هيهات إن كان ياسين يكترث بذلك فهو الآن لا يرى أمامه سوا مشهد تقبيل الآخر ليديها الذي لطالما كان من حقه هو...
ابتعد قليلا عن ازدحام الناس، لينزل الى جهة البحر
والتي كانت خالية تماما فمن يأتي هنا بهكذا أجواء زمهريرية حرفيا.

وما إن تأكد ياسين من أن المكان خاليا وبعيدين عن نظر الناس بالشارع حتى دفعها للأمام وهو يحرر سجن رسغها الذي يقسم بأنها تشعر وكأنه انكسر بسبب شدة ضغط أنامله عليه
رفعت نظرها نحوه بغضب وصرخت به بحدة
- إيه الجنان اللي عملته دا، مين اللي سمحلك أصلا إنك تدخل حياتي مرة تانية، هو أنا مش هخلص منك بقى، أنت طلعتلي منين
صمتت قليلا وأخذت تحاول أن تستعيد ثباتها الداخلي فنظراته التي يثبتها عليها جعلت جليدها يذوب.

أبعدت وجهها منه وأخذت تنظر للبحر الذي لا يقل هيجانا من قلبها المجروح، وضعت شعرها كلها على كتف واحد ثم سحبت نفس عميق والتفتت له
لتقول
- تعرف، كويس إنك جيت اختصرت عليا الوقت...
أنا عايزة أطلق منك رسمي. سامعني عايزاك تطلقني
انتظرت رده ولكنه بقى ساكنا ولم تتغير تعابير وجهه
لدرجة ظنت بإنه لم يسمعها قط...

- ياسين، بقولك عايزاك تطلقني، ما إن نطقت اسمه حتى تحرك نحوها وسحبها نحوه من مقدمة ثيابها وكأنه يريد الشجار...
نعم هو يريد الشجار ولكن مع شفتيها فهو ما إن وصلت نحوه وجعلها تلتصق بصدره حتى انحنى برأسه نحوها واعتقل ثغرها بتملك جبار...

اخذت ميرال تضربه على صدره بكل قوتها حتى أنها غرزت اظافرها الطويلة برقبته ثم سحبتها بقوة، نعم ألمته ولكن هيهات أن يتركها بل العكس حصل. تعمق بتقبيلها واحتضانها أكثر و أكثر...
وكلما أنكتمت انفاسها يبتعد عنها إنش واحد وما إن تتنفس قليلا حتى يعود لسابق عهده مرة أخرى...
خارت قواها كليا ورمت ثقل جسدها عليه ليجلس بها ببطئ على رمال لا بل كان جالسا وهي بأحضانه لم يبتعد عنها ولم يحرر شفتيها حتى تذوق دموعها.

أخذ ينظر لها بلهفة بعدما حاوط وجهها بكفيه و قال بترجي عاشق
- ليه الدموع، متدبحنيش فيهم
أما ميرال كانت تنظر له فقط لا يتحرك شئ بها سوا
دموعها التي زادت بالانهمار. أخذ الآخر يمسحهم بلهفة وما إن اقترب ليقبل جبينها حتى وجدها تدفعه عنها قبل أن يصلها
نهضت وهي تبكي وما إن وقف امامها ليمسكها حتى أخذت تضربه بقبضتها بغل وهي تدفعه من منكبيه وتصرخ به
- أنت رجعت ليه، ليه.

- هشششششش، همس بها عند أذنها بعدما قيد معصميها بحركة سريعة ثم أدارها له ليحتضنها من الخلف اي ظهرها على صدره
هدأت مقاومتها له لتثقل أنفاسه وهو يستنشق رائحة شعرها الذي جعله يفقد به صوابه ولكن لا يعرف بأن هدوئها مكر منها فهي ما إن شعرت باسترخاء قبضته عليها حتى سحبت نفسها منه بسرعة والتفتت له وقبل أن يفهم ما جرى وجد كف يدها يستر بكل قوتها على خده.

ليتسمر بمكانه من فعلتها وخاصة عندما وجدها تقول بحقد: دي عشان قليت أدبك معايا من شوية
صح جت متأخرة بس تستاهلها بجد...
- مين اللي كان معاكي من شوية، هو مش غريب أنا شايفة قبل كدة بس مش فاكر فين
- مالكش فيه هو مين، وأنت مين أصلا عشان تسألني...
- أنا اللي مش بتنامي غير لما تفكري فيا، أنا اللي مسيطر على ده، قالها وهو يؤشر على عقلها ثم أشار الى صدرها و أكمل، أما ده بقى ملكي وبأسمي.

ومهما حاولتي مش هيقدر غيري يسكنه...
اخذت تنظر له بحقد مضاعف ما إن رأت غطرسته المعهودة فهو لم يتغير أبدا، دائما مايتعامل معها بتملك وكأنها حق مكتسب له
تخطته لتذهب بعدما رمقته بقرف متعمد ليقبض على عضدها بقوة وبعدها أمامه ليضع جبينه على جبينها وقال بغضب: غصبا عنك أنتي بتاعتي وبس
نظرت الى داخل عينيه بقوة وقالت: أبدا!
لينطق بمرارة حب حقيقية
- مرمري.

رفعت حاجبيها برفض من ما سمعت: الياء دي هتفضل تحلم فيها طول عمرك مش هتطولها
- مش عايز منك غير فرصة وحدة بس
- مابديش فرص أنا، ما إن قالتها بجدية تامة ورفض لا نقاش فيه حتى أخذ يتلمس نعومة وجنتيها وهو يقول بقهر ممزوج بصدمة
- إيه كل الجبروت ده
أبعدت يده عنها وقالت: تعلمته منك
ابتسم بسخرية وهو يبتعد عنها خطوة ثم قال بقهر: عذابي السنين دي كلها ماشفعليش عندك
- بالعكس كرهتك فيهم أكتر...

- بس أنا بحبك ومش عارف أعيش من غيرك
أشارت له وقالت: حالتك دي هي اللي بتبرد قلبي، عذابك ده بيشفي غليلي من جوا، دوق من اللي انا دقته يا ابن اللداغ
ياسين بانفعال: أدوق إيه أكتر من كدة، ده أنا شفت الويل على يدك...
ميرال بتشفي: اشرب كمان بالهنا والشفا
ياسين بغضب: قلبك أسود أوي يا بنت عمي
- أهو الأسود ده بقا بيليق بخامتك يا ابن عمي.

لأن لما كان أبيض ماحوقش معاك طيبته ودوست عليه بجزمتك ومشيت، ليه بقى دلوقتي بقيت بتزعل لما دوست أنا كمان، ما أنا اتعلمت ده منك، ولا هو حرام عليا وحلال عليك
زادت نظرات ياسين احمرار لدرجة أصبحت قطعة من الدم لم يعد يوجد فيها بياض أما فكه أخذ يرجف من شدة غضبه و أكبر دليل على اعتقادها هذا هو بروز شرايينه بنفور.

ولكن هل تصمت ما إن رأت حالته هذه. بالطبع لا. فهذه ميرال ما إن تنفجر تدمر كل شئ وهذا ما فعلته عندما اقتربت أكثر منه ولمس أنفها خاصته وأخذت تمرر أناملها من أعلى صدغه نزولا ببطئ مميت لفكه
وهي تقول بهمس
الحب بيذل مش كدة، فاكر لما ذلتني، فاكر لما رمتني لكلابك، فاكر لما رجعتني لأهلي مكسورة، تؤتؤتؤ.

يااااحرام، كل حاجة عملتها فيا هردهالك لو مابعدتش عن طريقي، أنا لحد دلوقتي ماشية بمبدأ لا تعض الكلب إن قام بعضك، فبلاش تخليني أوريك كيد النسا بيعمل إيه لما يحكم بدماغي
- لسانك طولان، قالها وهو يقبض على فكها واعتصره بقوة جعلت عينيها تدمع ولكنها رفضت أن تبكي عنادا به. حتى أنها شعرت بطعم الدماء إلا أنها
لم تبالي بذلك فقد كانت تنظر له بتحدي
أما ياسين ابتعد عنها وصرخ بها بانفعال.

- ليه تخليني أأذيك ليه، صمت قليلا ثم ذهب نحوها بلهفة عندما وجدها تمسك فكها بوجع ظاهري
ولكنها نظرت له بعصبية وهي تقول: أوعى تقرب
تجاهل ياسين ما قالت وسحبها بشوق لصدره واحتضنها باحتواء، لتغمض عينيها بضعف من قربه هذا، ولكنها أبعدته عنها بمكابرة
- تعبتيني معاك، تعبتني أوي
لم ترد عليه ولكنها ضربت شعرها للخلف بغرور جميل لم يراه عليها من قبل وهذا ما جعله يبتسم لها بإرهاق قلب عاشق.

تنهد بتعب ثم قال بأمر: يالا تعالي، تركته خلفها و نيران الشوق تحرقه والحنين يقتله
وروحه كلها لهفة لنظرة رضا منها...
يا الله يختفي جبروت هذا الرجل أمام من يحب فقط
زفر أنفاسه بضجر عندما وجد رنين هاتفه يرتفع وما إن سحبه من جيب سترته الداخلي حتى وجده يحيى الذي قال
- أنت فين
- عايز ايه
- عايز ايه يعني ايه، هو احنا جينا هنا ليه مش عشان نقابل سعد والبنات
- أنتم فين دلوقتي احنا وصلنا لمكانهم تقريبا كلها دقايق بس.

- تمام أنا أصلا قريب من المكان...
تنهد للمرة التي لا تحصى في هذا الصباح ثم تحرك نحو هدفهم
في شقة سعد الجندي
كانوا مجتمعين حول الطاولة يتناولون فطورهم وما ان انتهوا واخذت سيلين تساعد داليا بحمل الاطبق حتى وجدت تلك الشقية تذهب نحو الشرفة المطلة على الشارع العام ولكنها ما ان فتحت باب الشرفة حتى صرخت بها وهي تقول
م
- تعالي ادخلي يا بلائي هتعيي كدة
نظرت لها وهي تقول: هستنى عمو بس.

سألتها داليا بستغراب: عمو مين ياحبيبتي
سيلا بتوضيح لطيف: يا تيته عمو ده، هو اللي بيبيع غزل البنات
داليا بمحايلة: ادخلي يا قلبي أنتي، وهبقى اشتريلك لما يجي
لترد عليها بنفي: ماينفعش والله يا تيته، ماهو أنا لو دخلت مش هشوفه، وأنا نفسي راحت لغزل البنات يرضيكي يعني نفسي تروحلها وما أكلهاش
- سيلااااااا بلاش مناهدة وتعب قلب الجوا برد وهتعي، ما ان صرخت بها والدتها حتى قالت بنفي.

وعناد وهي تقترب من سور الشرفة سبيني بقى بلاش كل حاجة عندك تبقى لا لا مرة وحدة قولي حاضر وابقي شاطرة زيي
- اااااخ منك ومن لسانك ااااخ، بس والله لو كحيتي بس هديكي حقنة كبيرة
كادت ان تعترض سيلا عن ما قالته والدتها إلا أنها وقع نظرها على شخص ضخم يرتدي أسود في أسود
ينزل من إحدى السيارات التي وقفت امام عمارته من الجهة الأخرى للشارع.

تجاهلت نداء والدتها لها لا بل انفصلت عن العالم تماما ما إن رأت وجهه، أخذت تحرك رأسها يمنى ويسرى وهي تفتح فمها بذهول، هل ما تراه الأن حقيقة، هل هذا و ووووو والدها!
ابتسمت باتساع شديد ما إن تأكدت من شكها لتقول
- بااا با، جااا، باباااااا صرخت بها بسعادة وهي تصفق بيديها وتقفز من مكانها ثم دخلت للصالة وركضت نحو باب الشقة وهي ما تزال تصرخ
باباااا جاااا، بابا جاااا...

نظر سعد وداليا باستغراب لسيلين التي كانت حالتها لا تقل عنهم لتخرج من المطبخ على الفور وتلحق بابنتها التي خرجت بلمح البصر...
أما سيلا أخذت تنزل الدرج بسرعة وما إن وصلت مخرج العمارة حتى وجدت شاهين وشخص آخر معه قد عبر الشارع الأول ولم يبقى سوا شارع واحد فقط يبعدها عنه
ركضت نحوه دون تردد وهي تنادي بلهفة طفل قد ملك العالم بما فيه...
أما عند شاهين كان ينظر إلى ساعة يده وهو يقول ل يحيى: ياسين فين تأخر ليه.

ليرد عليه الآخر وهو يقول: ما أنت شفتني كلمته وقال أنه قريب وزمانه على وصول
كاد أن يتكلم إلا أنه قطب جبينه باستغراب والتفت نحو ذلك الصوت الطفولي الذي ينادي بحماس غريب
ليرى طفلة صغيرة آية من الجمال تركض نحوه وهي تنادي بكلمة بابا،؟!
قطب جبينه باستغراب أكبر هل هي آتية نحوه هو أم أن والدها يقف بالقرب منهم وهو قد هيئ له بأنها تناديه بذلك، نظر حوله ليتأكد هل هناك من تقصده.

ولكن ما جعله ينتفض من مكانه ويذهب نحوها بسرعة هو عندما وجدها تعبر الشاع الذي يفصل بينهما دون أن تنظر للسيارات
فهي كانت لا ترى غير والدها أمامها الآن وتريد أن تصله بكل ما أوتيت من قوة
وبنفس وقت عبور سيلا للشارع أتت سيارة سريعة.

نحوها وهي تصدر صوت بوق عالي ليحذرها أن تبتعد عن طريقه ولكن سيلا ما إن التفتت نحو تلك السيارة حتى تجمدت بمكانها و رفعت يديها الصغيرتين وغطت عينيها بهم من الرعب الذي أصابها وقبل أن تدعسها بالفعل وتزهق روحها البريئة
ركض نحوها شاهين وحملها بين ذراعيه واحتضنها لصدره بقوة وبحماية لا يعرف ماهي مصدرها، أخذ يتنفس بقوة وهو يعتصر جسدها الصغير بين يديه
وصل نحوه يحيى بهرولة وهو يقول بخوف
- شوفها كدة هي كويسة.

أبعد شاهين وجه سيلا عن عنقه ونظر لها وهو يقول باستفسار بعدما لاحظ شحوبها الفظيع
- أنتي كويسة يا حبيبتي
لم تنطق من الرعب الذي اعتراها لتدمع عينيها بخوف ليقول شاهين بلهفة لأول مرة تظهر عليه بهذا الشكل
- لالا ماتعيطيش يا حلوة أنتي بنت مين اسمك ايه.

- سيلاااااا، نادتها بها سيلين وهي تنظر لهم بصدمة العمر ولكن بالتأكيد لم تكن أكبر من صدمة شاهين عندما وجد سيلين تقترب منهم ليجد تلك الصغيرة ترمي نفسها نحو الأخرى وهي تقول بنبرة خوف
- مامااااا
التقطتها سيلين منه واحتضنتها بخوف هي الأخرى من إن يأخذها الآخر منها، رمقته بنظرة لم يستطيع أن يفسرها ثم تركته وعادت أدراجها لداخل العمارة
تاركه خلفها ذلك الذي يريد أن يستوعب ما سمعه الآن.

ولكن بالتأكيد ما سمعه خطأ، نعم بالتأكيد هناك خطأ ماااا، يتمنى ذلك حقا وإلاااااا سيقلب الدنيا بما فيها لو طلع شكه بمحله.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة