رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السابع
ريتال؟ جاءها صوته الرجولي القلق لتنتفض من موضعها وهي تترنح كالسُكارى، تكفكف دموعها بقوة أكبر من ذي قبل ومن ثم حاولت أن تشيح بنظرها بعيدًا عنه وهي تتسأل بداخلها تُرى على رأها وهي تُمزق كل شيء بغضب غير مُبرر؟
ريتال أنتِ كويسة؟ في أيه وليه عملتي كده؟
أنا، كويسة. أجابته بتقطع وهي تحاول أن تُخفي الغصة التي في حلقها كي لا ترى نفسها مثيرة للشفقه أمامه عيناه الشاخصة، لم يبدو عليه الإقتناع بتاتًا فأقترب منها بضع خطوات لتبتعد هي في المقابل.
طب فهميني مين زعلك بس؟ عمو عبدالرحمن عمل حاجة طيب؟ ولا حد من المدرسة زعلك ولا أيه؟
أنا تمام يا صالح، أنا بس كنت مضغوطة شوية، ولو عالزينة اللي اتقطعت والحاجة أنا هحاسبك عليها وعالتورتة كده كده متقلقش.
أجابت بنبرة لم تُريح صالح بل كادت أن تُثير غضبه فتلك النبرة ليست نبرة ريتال التي أعتاد عليها، عقد حاجبيه بإستياء واضح بينما عقب على جملتها بنبرة شبه غاضبه: بجد والله؟ تفتكري اللي فارق معايا الفلوس؟ من أمتى وأحنا في بينا الهبل ده يا ريتال؟
بينا؟ همست بها ريتال ساخرة مستنكرة بينما وقف يراقب هو في حيرة شديدة، لا يفهم سبب التحول الكبير في نبرتها ولا النظرة الباردة كالجليد داخل عيناها والتي بالرغم من برودتها إلا أنها كانت تحرقه كبركان ثائر.
صالح أنا كنت متضايقة شوية وخلاص دلوقتي بقيت أحسن، هلم الحاجات دي وهرميها وهنزل متقلقش أنتَ.
هل قامت بطرده من المكان بأدب؟ هكذا فعلت على ما يظن لكنه لن ينفعل ولن يجادلها ففي النهاية هو مدرك للمرحلة العمرية التي تمر بها، إنها مازالت في أحضان المراهقة بينما تطل عيناها على مرحلة الشباب لذا لا بأس من بعض التخبط والتصرفات الغير عقلانية.
متتأخريش، تصبحي على خير. تمتم بهدوء وهو ينسحب من المكان مبتعدًا عنها وبمجرد أن فعل علت صوت شهقاتها في المكان مجددًا بعد أن ظنت أنه رحل عن المكان لكنها لم تكن تعرف أنه وقف بالقرب من السُلم يراقبها في اهتمام وقلق.
لقد ازداد الأمر سوءًا بالنسبة إلى صالح وقد تأكد أن هناك خطبًا ما بريتال، لم يدرِ هل يجب عليه إخبار زينة بما حدث لكي تساعده على حل لغز ريتال أم يحاول فعل ذلك بنفسه؟ في النهاية قرر ألا يُخبرها مؤقتًا ففي النهاية هو يعرف ريتال جيدًا وسيعرف كيفية جعلها تبوح بما تشعر به وتخفيه عنه، هكذا كان يظن!
بعد مدة قصيرة عادت ريتال إلى الطابق الخاص بها هي ووالدتها وكان صالح قد سبقها بالرحيل، بمجرد أن خطت ريتال خطوتها الأولى أسرعت زينة نحوها وهي تعانقها بقلق لتنهمر دموع ريتال تلقائيًا بينما تُردف بنبرة ألمت قلب زينة:
لو سمحتِ يا ماما متسأليش على أي حاجة، أنا بجد معنديش طاقة أتكلم، ومش عايزة أتكلم في أي حاجة تخص صالح تاني،
على راحتك يا حبيبتي على راحتك.
في صباح اليوم التالي توجهت ريتال إلى المدرسة دون تناول طعام الفطور رغبة منها في تجنب لقاء صالح والذي لم يعلم سبب ذلك لكنه بالطبع لاحظ غيابها عن طاولة الطعام، لم تتفوه ريتال مع أي شخص طوال الطريق إلى المدرسة بالرغم من تفوه نانسي ببعض السخافات متعمدة إثارة غيظها.
صباح الخير، أيه ده مالك؟
سيبيها يا عالية متتكلميش معاها هي متضايقة شوية.
طب متضايقة ليه طيب؟
يا ابنتي أنتِ ذكية ما بقولك متتكلميش معاها، هي مقالتش مالها هي بس واضح أنها متضايقة وأحنا دورنا نقعد جنبها كده وندعمها لحد لما تحس أنها قادرة تتكلم.
خلاص ماشي متزوقيش!
بقولكوا أيه الميس بتاعت الأحياء كانت قالت هتقسمنا مجاميع من أربعة علشان هنعمل بحث كده وحاجات غريبة فأحنا محتاجين نشوف حد كمان معانا، أنا كتبت اسمنا أحنا التلاتة في ورقة.
طيب لما الميس تبقى تدخل وتقول الأسامي نشوف مين مش معاه مجموعة ونتفق مع حد.
قبل أن تُنهي حنين جملتها دلفت المعلمة وهي تحمل على وجهها ابتسامة صغيرة قبل أن تضع أغراضها على الطاولة الصغيرة ثم تُرحب بالطلاب.
طيب دلوقتي أنا هنده أسامي كل مجموعة علشان نشوف عددكوا كامل ولا في حد ناقص.
تمتمت المُعلمة بهدوء قبل أن تبدأ في التأكد من أسماء وأعداد الطلاب في كل مجموعة حتى جاءت المجموعة رقم خمسة أي المجموعة خاصة ريتال، عالية وحنين.
أنتوا كده ناقصكوا حد واحد، ممكن تستنوا للآخر علشان تشوفوا حد مش معاه مجموعة أو لو في حد أنتوا عارفينة ومقررين يعني قولولي اكتب اسمه دلوقتي.
أعلنت المعلمة وكادت حنين أن تُخبرها بأنهم سينتظروا سماع الأسماء المُتبقية في النهاية لكن ريتال سبقتها دون سابق إنذار وهي تُردف بنبرة جادة تمامًا: اه يا ميس أحنا مقررين ندخل حد.
طيب قولي اسمها أو اسمه علشان اكتبه،
تليد، تليد أحمد! وقع الإسم كالصاعقة على أذان الجميع بما فيهم تليد نفسه! والذي غلفت الصدمة تعابير وجهه وقد عقد حاجبيه وفصل شفتيه عن بعضمها في دهشة.
هو أنتِ بتعملي أيه؟ همست عالية في أذن ريتال لكنها لم تهتم ولم تتراجع عن قولها، عقدت المعلمة حاجبيها لثوانٍ وهي تنظر إلى الورقة قبل أن تُعقب على ما قالته ريتال مُردفة: بس تليد المفروض في المجموعة رقم 7.
لا لا يا ميس أنا، أنا غيرت المجموعة بتاعتي خلاص، حضرتك ممكن تحطيني مع ريتال، قصدي مع ريتال وعالية وحنين يعني في المجموعة! اندفع تليد دون وعي منه وهو يبتسم ابتسامة بلهاء بينما يُطالع ريتال بأعين لامعة وبحماس شديد لكنها لم تُبادله الإبتسام بل لم تنظر إليه اكتفت بلمحه بطرف عيناها دون أن تلتفت إلى حيث يجلس.
خلاص تمام على راحتكوا بس مترجعض تطلب مني تغير المجموعة بعد كده.
لا لا متقلقيش حضرتك خالص. تمتم تليد مع ابتسامة جانبية نامية على ثغره.
كانت ريتال في هذه اللحظة تشعر بقليل من التيه، هي لا تدرِ لماذا أقبلت على مثل هذه الخطوة المتهورة، لماذا لم تُفكر جيدًا قبل فعل ذلك؟ فلقد قامت بفتح أبواب من اللهب على ذاتها دون أن تدرك فلقد كانت تتعرض للمضايقات والنبذ دون أن تقترب من تليد فماذا سيحل بها الآن بعد أن تقوم بالتحدث إليه والجلوس معه!
أنا هرنك حتة علقة يا ريتال بعد الحصة! قالت حنين من بين أسنانها بنبرة لا تليق بنبرته الرقيقة المُعتادة لتبتلع ريتال الغصة التي في حلقها دون أن تنبس ببنت شفة.
بمجرد أن سمعت ريتال صوت الجرس حاولت الهروب لكن حنين تشبثت بذراعها بقوة مانعه إياها من الرحيل بينما تُردف:
تعالي هنا رايحة فين؟ يعني أحنا عمالين نحاول نبعد تليد عنك وعالية هزقت نص بنات المدرسة علشانك وفي الآخر تجيبه معانا؟ أصوت وافرج علينا الناس طيب؟
أنا معرفش أنا ليه عملت كده، أنا أسفة، أنا حقيقي دماغي مش فيا ومش عارفة أنا بقول أيه وبعمل أيه، حقك عليا،.
كانت ريتال تعتذر بشكل متكرر بنبرة مشوبة بالتوتر بينما تتفوه بكلمات متقطعة، في تلك اللحظة نظرت عالية نحو حنين بنظرة ذات مغزى قبل أن تجلس عالية إلى جانب ريتال وهي تُربت على كتفها بينما تقول مع ابتسامة صغيرة:
ريتال بس اهدي في أيه؟ حنين كانت بتهزر، مفيش داعي للإعتذار ده كله!
أنا افتكرتها زعلت بجد، أنا مش كويسة، نبست ريتال بنبرة مهزوزة وهي تشعر بطبقة بلورية خفيفة تتكون داخل عيناها.
خلاص طيب حصل خير مفيش حاجة. أومئت ريتال وهي تفرك عيناها بيدها قبل أن تعتدل في جلستها هي وعالية وحنين فور دخول المعلم.
في موعد الإستراحة بين الصفوف وبمجرد أن صدح صوت الجرس في المكان هرولت ريتال نحو الخارج متجهة إلى ساحة المدرسة محاولة الهرب من أي شخص قد يتحدث إليها بشأن ما حدث في الصف وانضمام تليد إلى مجموعتها.
ريتال، ريتال استني ثواني، تخلل صوت تليد إلى أذن ريتال والتي كانت تتجول بخطوات سريعة داخل ساحة المدرسة، توقفت ريتال وهي تزفر بضيق ممتزج ببعض التوتر بينما تسأل تليد الآتي:
نعم يا تليد، عايز أيه؟
مالك بتردي عليا كده ليه؟ أنتِ ملبوسة يا بنتي؟ هو مش أنتِ بنفسك اللي اختارتي نكون مع بعض فوق ولا ده فقدان ذاكرة ولا أيه؟
لا مفقدتش الذاكرة، بس أيه علاقة أننا هنبقى في جروب مع بعض علشان حاجة مطلوبة مننا بإنك تجري ورايا في نص المدرسة كده؟
أنتِ بجد صعبة أوي يا ستار! مش معقول بجد! عالعموم يعني أنا كنت عايز اشكرك علشان خلتيني معاكوا في الجروب أنا أصلًا كنت مخنوق من البنات اللي معايا.
ولما أنتَ كنت متضايق أوي كده مروحتش لجروب فيه ولاد ليه؟ ولا أنتَ مبتعرفش تتعامل غير مع البنات وبس؟
تفوهت ريتال بنبرة ساخرة دون أن تُدرك أنها قامت للتوء بالإستهزاء به والسخرية منه لتعتلي الصدمة وجهه لثوانٍ وتختفي ابتسامته قبل أن يُردف:
شكرًا يا ذوق يا محترمة، عالعموم يعني البنات عددهم أكبر في ال class بتاعنا يعني كده كده كنت هتحط في جروب بنات.
أنا أسفة، أنا دماغي مش رايقة خالص يا تليد وبجد مش عارفة أنا بقول أيه وبعمل أيه. نبست بنبرة أقرب إلى الهمس وقد أشاحت بنظرها بعيدًا عنه، لاحظ هو الحزن في نبرتها وكاد أن يسألها عن السبب لكنها تحركت مُبتعدة عنه تاركة إياه في حيرة من أمره.
ريتال! سمعت ريتال اسمها يصدر بصوتٍ لم تتوقع سماعه هنا في المدرسة للدرجة التي جعلتها تظن لوهلة بأنها تتوهم، فماذا عساه يفعل صالح هنا!
صالح؟
ازيك يا ريتال عاملة أيه؟
كويسة الحمدلله، أنت بتعمل أيه هنا؟ سألته ريتال بتوتر وهي تتجول بعيناها في المكان فهي لا تود أن يراها أحد برفقة صالح داخل المدرسة فلن يقتنع أي شخص بكونهم أقرباء فحسب وستسوء سمعتها في المدرسة ولحسن الحظ أن تليد كان قد اختفى من الوسط بحيث لم يعد يراها أو تراه.
جيت اطمن عليكِ أنتِ وعطر.
تتطمن علينا؟ طب ما كان ممكن تطمن علينا في البيت عادي يعني.
كنت جاي أشوف موضوع البنات اللي بيضايقوا عطر دول وقولت بالمرة أشوف لو في حد بيضايقك أنتِ كمان.
لو حد بيضايقني؟ هو في أيه يا صالح؟ كانت تسأله بنبرة تجمع بين السخرية والإستنكار في الوقت ذاته، في حالة آخرى كانت ريتال لتسعد بإهتمام صالح لكن الآن لا تشعر بأي سعادة بل على المقيض تمامًا كانت تشعر بالغيظ فهو يتحدث إليها كما لو أنه يتحدث إلى طفلة.
مفيش حاجة يا ريتال أنا بس عايز اتطمن عليكِ فيها حاجة دي؟
أنا كويسة خلاص اتطمنت كده؟
هو أنتِ ليه متضايقة بس؟ هو مش أنا زي أخوكي و، كاد صالح أن يكمل جملته بحديثه المعتاد عن أنه يعتبرها كشقيقته الصغرى وعن كونه يخشى أن يصيبها أي مكروه والكلمات ذاتها التي يتفوه بها في كل مرة لذا قررت ريتال أن توفر عليه الوقت والجهد وقاطعت حديثه قائلة:.
خلاص يا صالح خلاص حافظة الإسطوانة دي! أنتَ زي أخويا الكبير ولو احتاجت حاجة أجيلك تساعدني وتدافع عني بس اللي متعرفوش يا صالح إن أنا خلاص كبرت وبقدر أدافع عن نفسي مش مستنية حد يدافع عني أنا ريتال مش عطر يا صالح أنا مش طفلة!
أنا مكنش قصدي كده على فكرة،.
عن إذنك يا صالح. لم تدعه ريتال يُكمل حديثه بل أنهت الحوار تاركة إياه واقفًا وحيدًا يُطالعها بحيرة شديدة بينما يحك مؤخرة عنقه.
كانت ريتال تسير إلى أبعد نقطة مرئية في المدرسة فهي لا تريد أن تسمع أي سؤال حول صالح، من يكون ولماذا يقف متحدثًا إليها بالقرب منها بالرغم من أنها نادرة الإختلاط بفتيان المدرسة، كما أن فارق العمر من السهل ملاحظته بينهم لذا ربما يكون حبيبها السري ولكن إن كان حبيبها السري فكيف يجرؤ على القدوم إلى هنا! والمزيد من التساؤلات سوف تخطر إلى بال الجميع.
بخ قفشتك بتعملي أيه هنا؟ شهقت ريتال بفزع نتيجة لتحدث عالية بصوتٍ عالٍ من خلفها، ألتفتت نحوها ريتال وهي تضع يدها فوق قلبها بينما تُردف:
أنتِ لاقيتيني ازاي ده أنا هربانة من الناس كلها!
أيه ده ريتال Hi مرحبًا ازيك كنت بدور عليكِ.
بتدوري عليا أنا؟ خير؟
لا مفيش حاجة، أنا كنت بس حابة أقولك Sorry أسفة على كل المواقف السخيفة اللي حصلت يعني وأتمنى متكونيش زعلانة مني.
لا لا خالص مفيش أي حاجة، شكرًا إنك أعتذرتِ أصلًا. كانت ريتال تتحدث بأعين لامعة، لا تكاد تصدق أن واحدة من الفتيات اللاتي كن يحتقرهن تتحدث إليها الآن بل وتعتذر محاولة إصلاح علاقتهم.
بعد بضع ثوانٍ غادرت الفتاة المكان تحت أنظار عالية والتي لم يبدو عليها كثيرًا الإقتناع بما حدث قبل قليل ففتاة مثل إنچي والتي تعد أحدى صديقات چودي المقربة لم تكن لتصادق فتاة مثل ريتال، ليس تقليلًا من شأن ريتال في العموم بل المقصود هو نظرتهم هم لفتاة مثل ريتال.
هو أنتِ مصدقة اللي حصل دلوقتي ده؟
هو أيه؟ قصدك على إنچي؟ أنا بجد مبسوطة أوي إنها اعتذرت لي أينعم هي طلعت عيني الأيام اللي فاتت بس خلاص المسامح كريم.
أيه يا بنتي السذاجة اللي أنتِ فيها دي؟ دي كانت بتتنمر عليكِ يا ريتال أنتِ بتقولي أيه بجد؟ وأكيد هي مش بتكلمك دلوقتي حبًا فيكي أكيد في حاجة مش مضبوطة.
ليه يعني يا عالية أنتِ شايفة إن أنا متحبش للدرجة دي؟ شكرًا ياستي.
لا طبعًا مش ده قصدي أنتِ ازاي فهمتي كده؟ أنا اللي بقوله إن إنچي دي مش كويسة وأنتِ كويسة وهادية وطيبة يعني أنتِ مش شبهها خالص وهي أكيد عايزة منك حاجة أو عايزة توصل لحاجة!
طيب يا عالية خلاص قفلي على الحوار ده لو سمحتِ. طلبت ريتال من عالية بضيق لتومئ عالية بإستسلام بينما تسحب ريتال من ذراعها بلطف لكي يذهبوا للبحث عن حنين.
كانت عالية تشعر بالحيرة تجاه ريتال، لقد بدت شخصيتها مضطربة بعض الشيء، في بعض الأحيان يظهر عليها الذكاء الإجتماعي وفي أحيان آخرى تجري السذاجة منها مجرى الدم، تستطيع إحراج تليد حينما يتمادى في حديثه بينما لا تستطيع أن تنبس بحرف واحد حينما يتعلق الأمر بنانسي أو چودي أو أي فتاة آخرى من المجموعة ذاتها...
مر اليوم بسلام وإن كان عقل ريتال لم يتوقف عن التفكير للحظة واحدة منذ أن عرفت في الليلة السابقة بشأن حبيبة صالح انتقالًا بطلبها من تليد أن ينضم إلى مجموعتهم وختامًا بصالح الذي جاء لرؤيتها داخل ساحة المدرسة!
دلفت ريتال إلى داخل المنزل بينما كانت نانسي تثرثر بعبارات ساخرة من أحدي فتيات صفها، لم تكن ريتال تستمع من الأساس لحرفٍ واحد مما تتفوه به وفي النهاية أخبرتها بأنها ستصعد إلى الطابق الخاص بها هي ووالدتها.
عبدالرحمن أنا مش هقدر أتحمل العيشة دي أكتر من كده ومش هقدر أتحمل أنك تفضل بعيد أكتر من كده، أنتَ لو منزلتش الأجازة اللي جاية دي وأتحججت بأي حاجة يوم بقى ما هتفكر ترجع مش هتلاقيني هنا، هتلاقيني في بيت أبويا.
دلفت ريتال إلى داخل المنزل بينما تُقال هذه الكلمات بنبرة أقرب إلى الصياح و قد أمتزجت بالنحيب، لم تسمع ريتال رد والدها على ما قالته والدتها فلقد أنهت الأخيرة المكالمة دون أن تسمع رد زوجها فلقد تفوهت بما يجول في خاطرها منذ مدة ولا داعي لسماع كلماته التي لن تحوي شيء غير المماطلة ومحاولة إظهارها كالشخص السيء.
ماما،.
ادخلي على أوضتك يا ريتال ولما الغداء يجهز هندهلك علشان ننزل نتغدى تحت. أمرت والدتها لتومئ بنعم ريتال بينما تتأفف بضيق شديد.
ألقت ريتال بجسدها على سريرها بإهمال بعد أن قامت بإلقاء الحقيبة على الأرض وإغلاق باب الحجرة بواسطة المفتاح بينما تتمتم بصوتٍ أقرب إلى الهمس:
مرة ادخلي يا ريتال على أوضتك ومرة اطلعي يا ريتال يا حبيبتي من الأوضة طمنيني عليكي، هو في أيه شغل انفصام الشخصية ده يا ماما؟
ألقت ريتال بجسدها على السرير خاصتها وهي تُمسك بالهاتف خاصتها لتقوم بإنشاء مجموعة على أحد تطبيقات التواصل الإجتماعي لتضم حنين، عالية وفي النهاية تليد! والذي حصلت على رقم هاتفه من خلال المجموعة التي تخص الصف خاصتهم.
في غضون دقائق بعد أن فعلت ذلك قامت تليد بتسجيل رقمها لتظهر صورته الشخصية في اللحظة ذاتها، صورة تجمعه بكلب ضخم ذو لون ذهبي بينما نمت على ثغر تليد ابتسامة واسعة حقيقة لم تراه يبتسمها قط في المدرسة.
ده الواتساب نور والله! وصلتها تلك الرسالة من رقم تليد لتتأملها لثوانٍ بصدمة وقد بدأت تُدرك ما تسببت فيه بجعل تليد شريكهم في البحث.
شكرًا، ممكن طلب بعد إذنك؟
يا سلام طلب واحد بس؟ اؤمري.
ممكن متكلمنيش private محادثة خاصة لو عايز تقول حاجة اتفضل قولها عالجروب.
بس كده حاضر ياستي.
ابتسمت ريتال عند قراءتها للرسالة وتركت الهاتف لدقيقة قبل أن يأتيها صوت إشعار مجددًا ولكن كان هذه المرة من المجموعة الخاصة ببحث الأحياء.
جماعة كنت عايز أقولكوا إن الواتساب نور علشان رقم ريتال بقى معايا. قرأت ريتال الرسالة بأعين متسعة وهي تسب ذلك الأحمق تليد بداخلها، لقد قام بإحراجها والآن لن تسلم من سخرية عالية وحنين.
منك لله يا تليد! همست ريتال بضيق شديد وكانت على وشك الرد على رسالته لولا أن سبقتها عالية وقد أرسلت الآتي:
في أيه يا تليد ما تضبط كده أنتَ فاكر نفسك في منتدى همسة عتاب؟
وأنتِ مالك أنتِ حد وجهلك كلام؟
مساء الخير يا ولاد، هو ده جروب أيه؟ أرسلت حنين هذه الرسالة وقد كان التيه واضحًا عليها، قهقهت ريتال على سخف حنين والتي في أغلب الأوقات لا تدرِ من تكون وأين تكون وماذا تفعل.
ده جروب البروچكت بتاع الأحياء يا حنين مساء الفل، وتليد بعد إذنك نلتزم بالكلام في إطار البحث والحاجات المطلوبة مننا مش أكتر ولا أقل.
حاضر يا ريتال علشان خاطرك بس، لكن لو عالية كلمتني كلمة واحدة مش هيحصل كويس.
أنا مش هرد عليك علشان أنا مؤدبة.
خلاص بقى يا جماعة خِلصنا، مفيش كلام بين أي حد فينا غير تقسيم الشغل أو إن أحنا انجزنا ايه، أنا مش عاملة الجروب علشان نتعرف أو نتخانق.
أرسلت ريتال تلك الرسالة قبل أن تغلق الهاتف وتضعه جانبًا بإهمال ثم جذبت حقيبتها المدرسية لتقوم بالبحث عن الدفاتر خاصتها لتقوم بالبدء في إنهاء فروضها المدرسية.
ريتال تعالي يلا علشان هننزل نتغدى.
حاضر يا ماما ثواني، هخلص السؤال اللي في إيدي وجاية.
لا مفيش ثواني قومي يلا خلصي. كانت والدتها تتحدث بقليل من الحدة لتتأفف ريتال بإستياء وهي تقوم بإلقاء الدفتر بعصبية ومن ثم تستقيم لتبحث عن شيء ترتديه.
ماما بقولك أيه هو صالح تحت؟
معرفش، ليه؟
عادي، أصل هو، خلاص خلاص. تمتمت ريتال في حيرة من أمرها هل عليها أن تُخبر والدتها بما حدث اليوم في المدرسة أم لا، وقد ظنت أن والدتها ستحاول أن تضغط عليها للتحدث لكن الذي حدث كان عكس ذلك تمامًا فلقد تفوهت والدتها بالآتي:
طيب يلا ننزل. تعجبت ريتال قليلًا لكنها لم تُعلق بأي شيء فهي تعرف تمامًا كيف تكون حالة والدتها النفسية حينما يدور شجار بينها وبين والدها.
اتجهت ريتال إلى الجزء المخصص بجدتها ولقد كان الطعام اليوم مُعد من قِبل عمتها والتي كانت تطهو طعامًا طيبًا وإن كانت ريتال تفضل طعام والدتها أكثر، كانت ريتال تسير إلى الداخل بخطوات بطيئة متوترة فهي سترى صالح بعد ما حدث اليوم في المدرسة ولكن المفاجأة هي أنها لم تجد صالح من الأساس بل كان الكرسي خاصته فارغًا.
هو صالح مش هياكل معانا؟ سألت ريتال بصوت مبحوح وهي تحمحم لتطالعها نانسي بنظرة حادة قبل أن تُجيبها بنبرة سخيفة:
لا يا حبيبتي مش موجود، بيتغدى مع صحابه بتوع الجامعة وغالبًا هيرجع متأخر، أصل أنا سألتهم قبلك. كان رد نانسي يحمل بعض المرارة فهي أيضًا تكن المشاعر لصالح أو هكذا تظن، شحب وجه ريتال فور سماعها لرد نانسي فلقد علمت الآن مع من يكون، حبيبته السرية من الجامعة!
تمام يرجع بالسلامة إن شاء الله، ممكن تغرفيلي شوية صغيرين يا عمتو بعد إذنك.
ليه يا بنتي ما خير ربنا كتير أهو ولا أنتِ عايزة تفضلي زي عصاية المقشة كده؟ كده مش هيجيلك عرسان ولا هيبصلك حد يا منيلة!
ابتلعت ريتال الغصة التي في حلقها فور سماعها لجملة عمتها القاسية، نبضات قلبها تتسارع والدموع على وشك التجمع داخل عيناها لولا أنها تحاول جاهدة منع نفسها من البكاء.
أيه الكلام ده بس يا غادة يا بنتي؟ ما في زيها وأوحش منها كمان وبيتجوزوا عادي ده نصيب وزي ما بيقولوا ساعة القدر يعمى النظر.
كادت ريتال أن تسعد لوهلة أن جدتها تدافع عنها لكن للأسف الحلو لا يكتمل، فلقد كانت تكملة حديث جدتها بقسوة جملة عمتها تمامًا، ريتال ليست جميلة كنانسي أو حتى كوالديها، ريتال ذات مستوى متدني من الجاذبية وذات جسد هزيل ضعيف لكن جدتها مازالت تعتقد بأنها قد تجد شريك حياتها في حالة أن يُعمى بصره كي لا يرى مدى قبحها!
بس ريتال مش وحشة يا تيتا، ريتال جميلة أوي وشطورة كمان. عقبت عطر على حديث جدتها مدافعة عن ريتال، ابتسمت نحوها ريتال بإمتنان لتبادلها عطر الإبتسام بإبتسامة بريئة لطيفة.
أيه يا زينة مالك ساكتة كده ليه؟ سألت غادة بفضول شديد وهي تطالع زينة بتمعن فهي لم تتفوه بكلمة واحدة منذ أن جلسوا على الطاولة حتى أنها لم تدافع عن ابنتها حينما تعرضت للسخرية قبل قليل.
هاه؟ بتكلميني يا غادة؟
بكلمك؟ ده أنتِ مش معانا خالص، متخانقة مع عبدالرحمن ولا أيه؟ كانت السعادة بادية داخل أعين غادة وهي تتفوه بكلمتها وكأنها تتمنى أن يكون ذلك حقيقي.
لا لا خالص، أحنا زي الفل، ده حتى لسه متصل بيا علشان يتطمن عليا وكمان بيقولي أنه هيحاول ياخد اجازة في أقرب وقت ممكن علشان وحشته أوي أنا وريتال.
كذبت زينة وهي تبتسم ابتسامة زائفة متعمدة إحباط غادة التي تتمنى أن ينهدم البيت أسفل رأس زينة وابنتها الوحيدة، طالعت ريتال والدتها بتعجب شديد حاولت أن تُخفيه سريعًا فهي لم تعتد على سماع الأكاذيب تنساب من فم والدتها ولكن للضرورة أحكام في حال إن كانت هذه ضرورة من الأساس...
أنا شبعت الحمدلله، تسلم ايديك يا عمتو. استأذنت ريتال دون أن تنهي طعامها والذي لم تكن كميته كبيرة من الأساس.
خدي المفاتيح يا ريتال وأنا شوية وهحصلك.
حاضر.
صعدت ريتال إلى الطابق خاصتها هي ووالدتها لتلقي بجسدها على الأريكة وهي تطلق العنان لدموعها وشهقاتها لتصدح في المكان، في تلك اللحظة كانت تشعر وكأن الحوائط وأسقف المنزل قد ضاقت بها حتى كادت أن تفقد قدرتها على التنفس، لا ترى أمامها سوى اليأس، الحزن والأسوء الضياع، فماذا أسوء من أن يشعر المرء بعدم الإنتماء والتيه وهو بين أحضان المنزل! هذا بإعتبار أن المنزل هو تلك الجدران الأربعة المحيطة بالمرء.
بعد مرور بضعة دقائق اعتدلت ريتال في جلستها، كفكفت دموعها ومن ثم أمسكت بالهاتف خاصتها لتشاهد بعض مقاطع الفيديو على أحدى التطبيقات ولقد كانت تلك المقاطع عشوائية إلى حد كبير، كانت تشاهد بتملل حتى مر أمامها مقطع لفتاة غير عربية، تبكي بحالة هستيرية وهي تجلس في غرفة فارغة وحدها بينما كتبت كلمات أغنية انجليزية حزينة في أحد الجوانب بالتزامن مع صوت الأغنية الحزين وفي النهاية يظهر جسد الفتاة مُلقي على الأرضية بإهمال وقد لوث معصمها بالدماء وقد كان ذلك المشهد تعبيرًا عن، إنهاءها لحياتها!
كانت ريتال تشاهد بتعبيرات وجه غير مُرتاحة وقد عقدت حاجبيها، كادت أن تلمس الهاتف لتقوم بتغير المقطع لكن وقعت عيناها على جملة إنجليزية قد ترجمة إلى العربية بواسطة المترجم الآلي وهي كالتالي:
أحيانًا يكون ذلك هو الحل الوحيد،.
ريتال، قاعدة عندك بتعملي أيه؟ مش تقومي تشوفي المذاكرة اللي وراكي؟ قاطع شرود ريتال صوت والدتها لتنتفض من مكانها بينما تُردف:
ماما! أنتِ دخلتي ازاي؟ ده المفاتيح معايا.
ما أنتِ لو فايقة لنفسك كنتِ خدتِ بالك إنك نسيتِ البيت مفتوح!
أنا أسفة مخدتش بالي بجد، وبعدين عادي يعني يا ماما متكبريش الموضوع البيت مفهوش حد غريب دول قرايبنا يعني.
حاولت ريتال إنهاء الجدال والتحدث بلطف ومزاح إلى والدتها لكن والدتها عقبت على حديثها بحدة موبخة إياها قائلة:
ما هو برودك وإنعدام تركيزك ده اللي جايبك الكافية، على العموم روحي ذاكري يلا وأنا شوية كده وهبقى أشوف هنتعشى أيه علشان مليش مزاج انزل أتعشى معاهم تحت.
حاضر يا ماما بس أنا أصلًا خلصت مذاكرة،.
أحنا هنستعبط؟ هي المذاكرة بتخلص يا ريتال؟
خلاص يا ماما قايمة! دلفت ريتال إلى حجرتها وقامت بصفع الباب بقوة، أحضرت ريتال الكتب والدفاتر خاصتها لتقوم بفتحهم على صفحات عشوائية ومن ثم عاودت الإمساك بهاتفها.
في صباح اليوم التالي استيقظت ريتال على صوت والدتها وهي تتحدث إلى أحدٍ ما، ارتدت ريتال وشاح رأسها سريعًا وهي تتجه نحو الخارج لتجد صالح وعطر يقفون بالقرب من الباب بينما وقفت والدتها تتحدث إليهم.
تعالي يا ريتال دول صالح وعطر.
صباح الخير.
قولي مساء الخير الساعة داخلة على واحدة، كل ده نوم؟
ما النهاردة أجازة ما أنام براحتي فين المشكلة؟ ولا، هو النهاردة أيه؟ أنا ليه مش في المدرسة؟ سألت ريتال بهلع حينما أدركت أن نهاية الأسبوع لم تحن بعد وهي لم تذهب إلى المدرسة اليوم!
بس مالك مخضوضة ليه؟ النهاردة اجازة رسمية بس أنتِ شكلك كده ناسية عالعموم أنا استأذنت طنط زينة إننا نقضي اليوم في النادي النهاردة كلنا بس أنا هسبق معاكي أنتِ وتوتو ونانسي.
لا اسبقوا أنتوا أنا هستنى مع ماما.
بلاش رخامة بقى وروحي ألبسي وأنا هستنى تحت في العربية أنا وعطر وهحجزلك مكان جنبي كمان. تمتم صالح بنبرة ممازحة وهو يغمز لريتال بأحد عينيه لكنها لم تبتسم بل لم تتبدل تعابير وجهها قط بقيت تطالعه بوجه خالٍ من التعابير قبل أن تؤمي في النهاية وتتجه نحو الداخل لتبادل ثيابها.
مش عايزة مشاكل لحد لما أجيلك، أنا مش هتأخر عليكوا وهديلك فلوس علشان لو حبيتوا تفطروا.
ماشي يا ماما. نبست ريتال وهي ترتدي وشاح رأسها بتملل شديد فهي لا تريد أن تبقى برفقة صالح في المكان ذاته فذلك يزيد من شعورها بالسوء فهو لا يراها سوى شقيقته الصغرى وهي تراه أكثر من ذلك ومحاولته البائسة لجعلها سعيدة تزيد من تعاستها أكثر فأكثر.
رايحة فين تعالي قدام. قال صالح حينما لمح ريتال وهي تحاول فتح الباب الخلفي، أطلقت ريتال تنهيدة طويلة قبل أن تجيبه بإقتضاب مُردفة:
لا مبحبش اقعد قدام.
ده من أمتى يعني؟ ده على أساس إن أنا مش عارفك؟
معدتي بقت بتقلب، توتو ممكن تقعدي جنب صالح قدام لو سمحتِ؟
بس الأمان أكتر إن عطر تفضل ورا.
خلاص خلي نانسي تقعد جنبك.
هو في أيه بجد؟ همس صالح بضيق لتتجاهله ريتال وتجلس إلى جانب عطر بالخلف وفي تلك اللحظة كانت نانسي تقترب من السيارة وهي ترتدي ثياب رياضية ضيقه باللون الأسود.
بحبك يا ريتال لما تفهمي كده، أنتِ فعلًا أنسب ليكي تبقى جنب عطر ورا.
لم ينبس صالح ببنت شفة وأنطلق مسرعًا بالسيارة بضيق شديد، كان ينظر إلى إنعكاس ريتال في المرآة من حينٍ لآخر بينما كانت هي تحمل نفس النظرة الخاوية من الحياة ذاتها وهي تتأمل الطريق في صمت وهدوء.
صالح هو ممكن نشغل حاجة نسمعها؟
دماغي مصدعة، وبعدين أغاني أيه عالصبح كده يا نانسي؟ كانت نبرة صالح حادة بعض الشيء حتى أن ريتال نظرت إليه في المرآة، شعرت نانسي بالحرج لتحمحم قبل أن تسأله مستنكرة:
خلاص يا سيدي براحة هي خناقة؟
أنا أسف مش قصدي، أنا بس دماغي وجعاني حقيقي ومش هستحمل دوشة.
أعتذر صالح بأدب شديد لتومئ نانسي بتفهم ليسود الصمت داخل السيارة لبعض الوقت قبل أن يصدح في المكان صوت إشعار معلنًا عن وصول رسالة جديدة إلى هاتف ريتال وقد كان محتواها هو التالي:
شوفتي بقى يا ريتال إنك واحدة صايعة وقليلة الأدب؟ الصبح مع تليد وبعد الضهر مع الشاب القمر ده لا وفي وسط المدرسة يا بجحتك يا شيخة!