رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثامن
شوفتي بقى يا ريتال إنك واحدة صايعة وقليلة الأدب؟ الصبح مع تليد وبعد الضهر مع الشاب القمر ده لا وفي وسط المدرسة يا بجحتك يا شيخة!
قرأت ريتال الرسالة بأعين متسعة وهي تصفع نفسها داخليًا، أحدهم رأها وهي تتحدث إلى صالح بالرغم من تأكدها بالأمس بأنه لم يراه أي شخص!
اضطربت ملامح وجه ريتال للدرجة التي جعلت صالح يلاحظ ذلك حيث أخذ يطالعها في المرآة بقلق قبل أن يسألها:
ريتال أنتِ كويسة؟ في حاجة؟
لا، قصدي اه كويسة، مفيش حاجة. أجابت بنبرة مهزوزة لم تكن مطمئنة بالنسبة لصالح أما عن نانسي فكانت تبتسم ابتسامة جانبية غير مفهومة.
توقف صالح في الجزء المخصص للسيارات في النادي وبمجرد أن فعل غادرت نانسي السيارة سريعًا لتقوم بإلتقاط عشرات الصور لنفسها في ضوء الشمس الساطع بينما لم تتحرك ريتال من موضعها بل لم تنتبه من الأساس لتوقف السيارة.
وصلنا يا فندم، تحبي أخدك لفة كمان بالعربية؟
بتكلمني يا صالح؟
ده أنتِ مش هنا خالص! كنت بقولك إننا وصلنا.
اه عايزني انزل يعني؟ حاضر.
أنا مكنش قصدي كده، همس صالح لنفسه بعد أن غادرت ريتال السيارة بقليل من الضيق وتبعتها عطر بحماس شديد.
توتو هوديكي تلعبي مع صحابك بس متبعديش عننا تمام؟ أحنا هنقعد عند البسين.
حاضر، بحبك يا صالح. تمتمت عطر بمرح طفولي وهي تعانق صالح بعد أن أخبرته أنها تحبه بلا سبب أو ربما كانت هذه طريقتها للتعبير عن الإمتنان والشكر بالنسبة لعقلها الصغير.
أيه ريتال مش هتتصوري زي نانسي؟
مش بحب الصور، ممكن نروح نقعد بقى؟
ممكن، بس من أمتى مش بتحبي الصور؟ ده أحنا لسه متصورين في عيد،
صه بس أيه ده بتقول أيه أنتَ! أردفت ريتال من بين أسنانها وهي تضع هاتفها على فم صالح لتجعله يصمت فلا أحد يعلم بشأن مفاجأة عيد ميلاد والدتها وصالح كان على وشك أن يعلق بشأن ذلك اليوم بصوت مسموع أمام نانسي.
سرعان ما أدركت ريتال ما فعلته لتبعد يدها والهاتف سريعًا عن صالح بتوتر شديد وهي تشعر بالدماء تتجمع في وجنتيها من شدة الخجل، أما عن صالح فكانت الصدمة مرتسمة على ملامحة لثوانٍ قبل أن يرمش مرتين متتاليتين ثم يقول: هو، يلا نقعد، يلا نانسي.
أنا مكنش قصدي، نبست ريتال بنبرة منخفضة لكنها كانت كافية ليسمعها صالح والذي أردف: خلاص محصلش حاجة، بقولكوا أيه أنا جعان أوي أول لما نقعد نشوف حاجة ناكلها.
تمام بس روحوا أنتوا أقعدوا أنا هتصور شوية وهكلم صحابي أشوف لو في حد منهم هنا وأجي.
أعلنت نانسي ليومئ صالح ب حسنًا بينما لم تعلق ريتال على ما قالته لكنها كانت تصفع نفسها داخليًا فنانسي ستتركها وحدها مع صالح وهو أمر غريب بعض الشيء، فما كانت نانسي لتفعل ذلك بل لربما حاولت فعل العكس بأن تجلس هي برفقة صالح وأن تذهب ريتال.
كانت ريتال في تلك اللحظة تدعو بداخلها أن تقابل أي شخص تعرفه هنا كي لا تبقى وحدها برفقة وصالح وبشكل خاص بعدما حدث قبل قليل، ولم يكن الأمر مستحيلًا حيث أن ريتال والعائلة بشكل عام اعتادوا على ارتياد هذا النادي في السابق لكن بعد سفر والدها الدائم لم تعد تذهب كثير وخاصة أنها لا تملك الكثير من الأصدقاء.
أنتِ بقيتِ بتسرحي كتير كده ليه؟
عادي، دماغي مشغولة شوية، بالمذاكرة وكده والمشاكل بين ماما وبابا أنتَ عارف بقى.
لا أنا مش عارف حاجة خالص، أنا حاسس أنك متغيرة مع إنك كنتِ بتتعاملي عادي من كام يوم.
مفيش حاجة صدقني، هي بس الأسباب اللي أنا قولتهالك،
بقولك أيه عايز اسألك سؤال غريب.
اتفضل. قالت ريتال وقد اضطربت معالمها كثيرًا وهي تنتظر سماع ما سيقوله بينما كانت تتحاشى النظر إليه أو بمعنى أدق هي لم تنظر إليه تقريبًا اليوم بل كانت تتجنب فعل ذلك حتى حينما وقفت بالقرب منه كانت تحاول تشتيت عيناها بعيدًا عنه.
هو ريحة ال Perfume عطر بتاعتي حلوة؟
ابدت ريتال بعض الدهشة لسؤاله الغير متوقع قبل أن تضحك دون قصد وهي تُردف: اه حلوة. كانت إجابتها مختصرة قدر المستطاع، فماذا عساها أن تخبره؟ أن رائحة عطره على وشك أن تجعلها تذوب؟ أم تخبره بأنه قد وضع الكثير من العطر للدرجة التي جعلتها غير قادرة على التنفس تقريبًا بالرغم من كون الرائحة حلوة.
شكرًا بقولك، معلش ثواني هرد عالتليفون. أومئت ريتال بتفهم وسرعان ما أجاب صالح على الهاتف بحماس شديد وقد تبدلت نبرته لتصبح أكثر حنانًا بينما يُردف: ألو، تمام الحمدلله، في النادي مع قرايبي، مش معقول أيه الصدفة دي أنتِ كمان هنا؟ طيب أنا قاعد عند ال pool المسبح تعالي نقعد نشرب حاجة، صح وبالمرة نراجع على آخر سكشن. كان صالح يتحدث بنبرة هادئة لطيفة معاكسة تمامًا للغة جسده التي ظهر عليها الحماس الممتزج بالتوتر وربما بعض الخجل.
كانت ريتال ترمقه بحسرة وهي تدعو بداخلها أن تكون قد اسأت الفهم وأنه لن يحضر تلك الفتاة لتجلس برفقتهم لأن ذلك يعني شيء واحد بالنسبة إليها وهو أن صالح قد أختلق أمر الذهاب إلى النادي الرياضي فقط للإلتقاء بفتاته دون أن يطلب منها مقابلته خارج إطار الجامعة بصورة مباشرة!
وقد قام أيضًا باستغلالها هي والعائلة كاملة تقريبًا ليفعل ذلك دون خجل أو مراعاة لمشاعرها! هاه عن أي مشاعر تتحدث؟ فصالح لم يكن ليلاحظ شعورها تجاهه ولم يكن ليلاحظ عيناها التي كانت على وشك الإمتلاء بالدموع أثناء سماعها لتلك المحادثة المبتذلة من وجهة نظرها.
ريتال بصي اللي البنت اللي جايه هناك دي زميلتي في الجامعة هتقعد معانا شوية وهتقوم، عايزك تبقي لطيفة معاها هي عارفاكي على فكرة.
والله؟ قولتلها إن أنا أختك الصغيرة طبعًا.
اه، يعني مش بالضبط، أهلًا أهلًا بباشمهندسة سارة، أخبارك أيه؟
تمام الحمدلله، أنتَ أخبارك أيه؟
كويس، كويس أوي، بالمناسبة سارة زميلتي في الكلية، سارة دي،.
كان صالح يجيب على سؤالها بحماس مفرط وواضح وبينما كان على وشك أن يقوم بتعريفها إلى ريتال سبقته هي في محاولة منها لتخمين هوية ريتال ولكنها اخطأت حيث قالت:
عطر أختك صح؟
ليه شايفاني في تانية ابتدائي؟ سخرت ريتال مستنكرة كردة فعل تلقائية عن غير عمد منها لكن الفتاة لم تضايق بل ضحكت كاشفة عن أسنانها اللامعة بينما تقول:
عندك حق سوري، يبقى أكيد أنتِ ريتال صح؟
اه.
مبسوطة أوي إن أنا شوفتك.
شكرًا. أجابتها ريتال بإقتضاب دون أن تجاملها وتخبرها بأنها سعيدة كذلك لمقابلتها، جلست ريتال على مقعدها وقد انزوت إلى نفسها بينما تراقب تعبيرات وجههم وتستمع إلى حديثهم.
الآن باتت ريتال تفهم لم بدا صالح وسيمًا للغاية اليوم، شعره مُصفف بعناية وثيابه منمقة بشكل زائد عن المعتاد أما عن رائحة عطره فلقد كانت تغزو المكان غزوًا، ابتسامة بلهاء قد ارتسمت على شفتيه أثناء تحدث إلى سارة، وقد كانت ريتال تعرف تلك الإبتسامة البلهاء عز المعرفة فلقد ارتسمت دومًا على ثغرها كلما مر صالح من أمام عيناها وكلما حدثها بكلمة وكلما ألقى التحية عليها وكلما سمعت اسمه يُنطق بصوته المميز...
وأنتِ في سنة كام بقى يا ريتال؟
تانية ثانوي.
ما شاء الله مع إن شكلك أصغر، قوليلي بقى علمي ولا أدبي؟
ناوية على علمي علوم.
يا خسارة أنا قولت تبقي علمي رياضة وتيجي عندنا كلية هندسة.
أنا أصلًا بكره الرياضة وبكره أي حاجة فيها أرقام، صالح أنا هقوم أجيب حاجة أكلها، حد حابب أجيبله حاجة معايا؟ كان الشق الأول من حديث ريتال حادًا وهي تعلق على جملة صديقة صالح بينما كانت نبرتها أقل حدة وهي توجه حديثها إلى صالح.
لا شكرًا أصلي عاملة دايت.
اضطربت معالم وجه ريتال بينما تستقيم من مقعدها تاركة إياهم يجلسون وحدهم بينما أعتلى الإشمئزاز وجهها! تلك تحاول خسارة الوزن؟ إنها بالفعل تملك جسدًا مثاليًا! أم أنها تقول ذلك من باب لفت نظر صالح إلى كونها تحاول الحفاظ على صحتها وإبقاء بدنها في أفضل حال.
أمتعض وجه ريتال أكثر حينما أدركت أن صالح لم يعرض عليها الجلوس والذهاب بدلًا منها لشراء الطعاك وكأنه قد حظى بفرصة جيدة ليكون على انفراد برفقة تلك الفتاة اللزجة.
كانت تسير ريتال بلا وجهة محددة وبأعين شاردة قبل أن تصطدم بنانسي عن طريق الخطأ لتقوم بتخريب الصورة التي تقوم بإلتقاطها لتصيح نانسي على الفور موبخة إياها:
أيه يا بنتي أنتِ عامية؟ ما تفتحي شوية!
أسفة مكنش قصدي، وبعدين خلاص يعني هو أنا ضربتك بالنار؟ في أيه؟ أعتذرت ريتال بهدوء في البداية لكن سرعان ما تحولت نبرتها إلى الغضب لتتعجب نانسي قليلًا فهي لم تعتاد سماع تلك النبرة من ريتال لذا من المؤكد أن هناك شيء ما.
أيه ده مالك؟ بتزعقي وعاملة فيها ليكي شخصية ولا حد زعلك بجد؟
مفيش حاجة سيبيني في حالي لو سمحتِ.
طب تعالي خدي معايا صورة للذكرى كده وبعدين روحي شوفي هتعملي أيه.
أنتِ يا نانسي في كامل قواكي العقلية عايزة تاخدي صورة معايا أنا؟
اه فين المشكلة؟ كانت نبرة نانسي الناعمة البريئة غير مريحة بتاتًا بالنسبة لريتال لكنها في النهاية وافقت على إلتقاط الصورة فعلى أي حال نانسي من عائلتها ولن تقدم على فعل شيء قد يؤذيها، هكذا كانت تظن.
طلعت حلوة، خلاص أمشي بقى شوفي رايحة فين. تمتمت نانسي بعد إلتقاط الصورة لتومئ ريتال وتبتعد عنها وتذهب للتمشية ومن ثم شراء شيء لتأكله بمفردها في أحد كافتيريات النادي.
ألقت ريتال نظرة إلى ساعة يدها الوردية، والتي كانت ترتديها طوال الوقت تقريبًا نظرًا لكونها هدية من والدها الحبيب الغائب ولقد لاحظت مرور ساعة ونصف تقريبًا منذ أن غادرت طاولة صالح لكنه لم يلحظ تأخرها أو غيابها بل لم يتصل كي يطمئن عليها من الأساس لكنها لا تستطيع لومه على أي شيء ففي النهاية هو يجلس أمام النداهة بذاتها.
الكرسي ده فاضي يا آنسة؟ جفلت ريتال حينما تحدث إليها أحدهم فجاءة وحينما حاول عقلها استيعاب السؤال المطروح عليها وجدت أحدهم يجلس على الكرسي المقابل لها دون إذن بالجلوس.
حضرتك، تليد! أنت بتعمل أيه هنا؟
جاي ألعب كورة، هو مش ده نادي برضوا؟ سألها وهو يلتقط بضعة أصابع من البطاطا المقلية الموضوعة أمامها.
على فكرة البطاطس دي مش Fresh طازجة المرة الجاية أبقي خليهم يحمروها جديد، استني وريني ساندوتش البانية ده كده، تمتم تليد بنبرة مرحة وهو يبتسم ابتسامة جانبية قبل أن يجذب شطيرة صدور الدجاج من يد ريتال ليقوم بقطع جزء صغيرة من نهاية الشطيرة ليتناولها بينما ظلت هي تراقبه بثغرٍ مفتوح وعلامت الدهشة تزين وجهها.
لا لا مش معقول كده بقى، على فكرة الفراخ دي مش چوسي و كمان التتبيلة مش كريسبي، أديها تقييم 3/10 وأبقى كده كرمتهم.
هو أنتَ بتقول أيه بجد؟ بتقول أيه وبتعمل أيه؟ كانت تسأله ريتال وهي تنظر نحوه بالدهشة ذاتها وقد بدأت بنبرة هادئة وانتهت بنبرة تحمل القليل من الإنفعال بس غيظها.
مفيش كنت بتمشى بالعربية وقولت أعدي على هنا أشوفك، فيها حاجة دي؟ كان يسألها بنبرة استفزازية بينما نمت ابتسامة جانبية على ثغره زادت من حنق ريتال أكثر لتسأله بغيظ واضح:
وأنتَ عرفت منين إن أنا هنا أصلًا يا بني آدم؟
نانسي.
نانسي؟ وهي نانسي ليه هتقولك، ثواني ثواني هي نزلت صورتنا مع بعض؟
استوعبت ريتال سريعًا وقد فهمت الآن غرض نانسي من إلتقاط صورة برفقتها وهو استقطاب تليد إلى هنا الآن بات الأمر منطقي تمامًا.
اه وأنا شوفتها وعرفت إنك هنا، على فكرة أنا باجي هنا كتير عادي بشوف نانسي وباقي الشلة وكده فا مفيش داعي للإستغراب.
وأنتَ بقى يا عم السوبر هيرو لحقت تيجي من البيت عندك لحد هنا في أقل من ساعة ازاي؟
قولتلك كنت بلف بالعربية بتاعتي في مكان مش بعيد ولما شوفت الإستوري جيت على هنا، وبجد استغربت جدًا إني مشوفتكيش هنا قبل كده.
أولًا أنا كنت باجي هنا بس زمان أوي وأنا أصغر من كده، ثانيًا بقي النادي كبير ومش منطق يعني إنك هتبقى بتشوف كل الناس اللي فيه، ثالثًا بقى وأخيرًا عربية ازاي يعني؟ هو مش أحنا صغيرين على إننا يبقى معانا عربية؟
صغيرين على العربية ازاي يعني؟ أنا معايا رخصة سواقة وبعدين عادي يا ستي بابا اشترى عربية علشاني هقوله لا مش هاخدها علشان طنط ريتال شايفة إني لسه صغير؟ كانت عبارته هزلية إلى حدٍ كبير وقد ظهرت ابتسامة سمجة بعض الشيء على وجهه بينما كان يعبث في أحد الخواتم الفضية التي زينت أربعة أصابع من يده.
في الواقع كان قصده أن يمازح ريتال ولم يقصد بالطبع أي إهانة لكن أن ينتعها ب طنط ريتال جعلها تشعر بغصة في حلقها لأنها ظنت أنه يستخدم ذلك اللقب سخرية منها، وذلك لأن هيئتها تبدو أكبر من عمرها بسبب طريقتها في تنسيق الثياب ولقد سمعت تعبير ساخر مماثل من صديقاته بالمدرسة...
مالك أنتِ زعلتي ولا أيه؟ أنا بهزر معاكي.
لا مزعلتش ولا حاجة عمومًا أنا مليش دعوة من الأساس تسوق عربية تسوق مكوك فضائي دي حاجة متخصنيش، عن إذنك. تمتمت بنبرة خاوية من الحياة وهي تتحاشى النظر إلى عيناه كي لا تبكي بدون إرادتها.
كانت تتحدث إليه بينما تحاول لملمة أغراضها وحمل الطعام كي تترك الطاولة له وتذهب هي بعيدًا لكنه أوقفها على الفور حينما استقام من مقعده ليظهر فارق الطول الواضح بينهم بينما يقول:.
لا لا خليكي أنا هقوم أمشي وأسف لو ضايقتك. تحدث تليد بنبرة هادئة وهو يعتذر بأدب شديد لم تراه ريتال منه من قبل، لقد كان يعتذر بنبرة صادقة ولو أنه لم يكن يعرف أين أخطأ في حديثه لكنه أدرك أنه فعل حينما رأها تنكمش على ذاتها وتحاول تجنبه تمامًا والرحيل مبتعدة عنه.
تليد، شكرًا. شكرته ريتال دون سبب واضح ليبتسم هو لها ابتسامة صغيرة لطيفة قبل أن يرحل بعيدًا عن ناظريها.
أنتِ عبيطة ولا أيه؟ بتشكريه على أيه؟ وبخت ريتال نفسها بصوت مسموع نسبيًا بعد رحيله عن المكان، كان تسأل نفسها مستنكرة ولكن في الوقت ذاته هي تعلم أنها شكرته ربما لأنه احترم رغبتها ورحل؟ أو ربما لأنه اعتذر منها وقد جعلها ذلك تشعر بأن هناك أحدًا يحترمها ويقدر حزنها؟
ريتال أنتِ بتكلمي نفسك؟
بسم الله الرحمن الرحيم خضتني!
هو أنا كل لما أكلمك تتخضي؟ هو أنا صوتي مرعب للدرجة ولا أيه؟
لا أنا بس كنت سرحانة، عايز حاجة؟
أيه المعاملة الجافة دي؟ أنا جيت أشوفك أصلك قولتي هتروحي تجيبي حاجة تاكليها أو تشربيها وتيجي تاني بس مرجعتيش.
وأنت أستوعبت إني مرجعتش بعد ساعة ونص تقريبًا؟ سألت مستنكرة وهي تحاول جاهدة أن تُخفي الإستياء داخلها كي لا يظهر عليها لكنه استشعر ضيقها فأعتذر منها بأدب قائلًا:
عندك حق أنا أسف، محستش خالص بالوقت. زادت جملته تلك الطين بلة فهو عند جلوسه مع سارة تلك لا يشعر بمُضي الوقت حتى أنه نسي أن يطمئن على شقيقته الصغرى وعلى ابنة عمه المراهقة والتي قد أودعتها والدتها أمانة عنده لحين قدومها.
عادي يا صالح حصل خير.
بتقوليها من غير نفس أنا عارف بس متضايقيش أنا هعزمك على حاجة حلوة علشان تنسي الزعل، هو أيه ده؟ كان صالح يتحدث ضاحكًا لكن سرعان ما تبدلت نظرته تلك حينما لمح خاتم فضي موضوع على الطاولة أمام ريتال.
أيه؟
الخاتم ده، شكل حد كان قاعد قابلك نسيه هنا.
اه، لا ده بتاعي.
بتاعك؟ بس هو مش ده خاتم شبابي يعني، قصدي بتاع ولد يعني. تمتم صالح ولم يبدو عليه الإقتناع كثيرًا لتضطرب معالم ريتال وهي تبتلع ريقها بتوتر قبل أن تقول:
أيوا هو مش بتاعي أنا يعني بتاع أخو صاحبتي وهي كانت قاعدة هنا من شوية ونسيته، هاته بقى هخليه معايا وهديهولها لما أقابلها في المدرسة.
وصاحبتك من المدرسة أيه اللي جابها هنا؟
الشلة بتاعت المدرسة كلها بتيجي هنا لو مش مصدقني أسأل نانسي.
وأنا مش هصدقك ليه؟ من أمتى وأنتِ بتكدبي عليا أو على حد أصلًا؟ ألمتها جملته تلك فالجميع يثق في صدق حديثها لكنها قد استنفذت مخزونها من الكذبات الصغيرة البيضاء في الآونة الأخيرة.
مش هتروح تشوف حبيب، صاحبتك؟ كادت ريتال أن تُخطيء وتقول حبيبتك لكنها سرعان ما تداركت الخطأ لتبدل الكلمة على الفور.
سارة؟ هي مشيت أصلًا.
اه علشان كده افتكرتني يعني؟ سألت بإستنكار بينما ضحكت بمرارة ليرمقها صالح بإستياء حقيقي ولم يكن مستاءًا منها هي بل من نفسه وكان ينوي أن يعتذر مجددًا لكن قاطع الحديث وصول والدتها وعمتها.
دوخنا عليكوا وأنتوا قاعدين هنا.
كنت باكل ومستنياكوا وعطر بتلعب هناك ونانسي راحت تتصور تقريبًا. عقبت ريتال على حديث والدتها بينما قامت بإخفاء خاتم تليد داخل قبضتها.
طيب بما إنكوا جيتوا شوفوا هتشربوا أيه وهروح أنا وريتال نجيبلكوا.
لا روح أنتَ أنا مش قادرة وبعدين عايزة اقعد أكمل أكل. حاولت ريتال إيجاد حجة مناسبة لأنها لا تريد أن ترافق صالح كي لا يبدأ في فقرة الأسئلة والتحقيقات خاصته مرة أخرى.
أومئ صالح بقليل من الضيق قبل أن يسأل عمته وزوجة عمه فيما يرغبون في تناوله ثم ذهب ليبتاعه من أجلهم بينما كانت زينة ترمق ريتال بتعجب شديد ممتزج ببعض الفضول لكون ريتال رفضت الذهاب برفقة صالح.
أنا هروح أدور على نانسي، بعد إذنكوا. غادرت ريتال الطاولة لكي تتخلص من نظرات والدتها تلك وذهبت بالفعل لتبحث عن نانسي وبينما كانت تسير بحثًا عنها كانت تعبث في أحد جيوب ثوبها لتلمس أصابعها ذلك الخاتم الفضي والتي كانت قد نسيت وجوده بالفعل في الدقائق الماضية.
وبعدين معاك بقي يا تليد، همست بها ريتال لنفسها وهي تتنهد تنهيدة طويلة.
مر اليوم في هدوء وسلام وقد حاولت ريتال تجنب صالح قدر المستطاع على مدار اليوم لكن ذلك لم يمنعها من سرقة بعض النظرات نحوه، فشعورها بالإستياء منه لم يستطع إلغاء مشاعرها تمامًا نحوه فهي مازالت تراه فارس أحلامها حتى وإن لم تعترف لنفسها بذلك.
في صباح اليوم التالي ذهبت ريتال المدرسة وقد كان يوم الخميس أي نهاية الأسبوع أخيرًا، بمجرد أن خطت ريتال إلى داخل المدرسة شرعت تبحث عن تليد كي تعطيه الخاتم خاصته لكنها لسوء الحظ لم تجده في الصف.
ريتال هو أنتِ في حاجة واقعة منك؟ سألت حنين بسخرية ولكن بنبرتها الهادئة المعتادة لتعقد ريتال حاجبيها وهي تسألها ببلاهة:
أيه؟
أصلك من ساعة ما جيتِ وأنتِ عمال تتلفتِ في كل الإتجاهات كل 3 ثواني كأنك بتدوري على حاجة واقعة منك.
مش يمكن بتدور على حد مش على حاجة. صدرت هذه الجملة من عالية التي إلتفتت نحوهم وهي تغمز بأحدى عينيها لريتال لتضطرب معالم ريتال وقد فهمت من تشير إليه عالية ولكنها قررت أن تلعب دور الحمقاء لذا سألتها قائلة:
أيه ده قصدك مين مش فاهمة؟
قصدي على تليد، هو مش أنتوا كنتوا مع بعض في النادي إمبارح برضوا؟
يالهوي هو لحق يحكيلكوا؟ يا نهار أبيض ده زمان المدرسة كلها عرفت كده!
اهدي اهدي بس، هو مقالش حاجة أصلًا عالية بترخم عليكي هو مجاش النهاردة، أحنا بس شوفنا صورتك مع نانسي في النادي وبعدها صورة لنانسي مع تليد فقولنا يبقى أكيد شوفتيه بس مش أكتر.
هو أحنا فعلًا اتقابلنا بس مكنتش عايزة أصلًا ده أنا كنت قاعدة باكل في أمان الله لاقيته ظهر من اللامكان زي ما على طول بيعمل.
وبعدين؟
الطفس أكل من أكلي وقالي كلمتين وبعدين مشي بس مش دي المشكلة،.
ما شاء الله هو في مشكلة كمان؟
مش مشكلة أوي يعني بس هو صالح، كادت ريتال أن تُكمل جملتها لكنها رأت چودي تقترب من حيث تجلس لتصمت وهي تطالع بقليل من التعجب فماذا عساها چودي تفعل بالقرب من مجلسهم؟
ازيك يا ريتال أيه الأخبار؟
تمام الحمدلله، أنتِ عاملة أيه؟
كويسة، بس قوليلي إيه الصور الجامدة دي؟ كان شكلك حلو وأنتِ مع نانسي في النادي أتاريكي بتعرفي تلبسي حلو برا المدرسة مش زي في المدرسة يعني.
أردفت چودي بنبرتها الباردة المعتادة وهي تتكئ على المقعد خاصة ريتال، ابتسمت ريتال ابتسامة صغيرة وهي تشعر بصراع ينمو بداخلها، هل تعرضت للتو للسخرية أم للمديح، لم تدرِ!
ما طبيعي يعني يا چودي، هي المفروض تيجي المدرسة بفستان سوارية يعني ولا أيه مش فاهمة؟ ما أكيد كلنا شكلنا بيبقى متبهدل في المدرسة وبيبقى أحلى برا.
دافعت عالية عن ريتال بقليل من الحدة وهي تسخر من جملة چودي وقد ظنت عالية أنها انتصرت عليها لبرهة لكن ذلك لم يحدث حيث طالعتها چودي من الأعلى إلى الأسفل بينما نمت على ثغرها ابتسامة ساخرة قبل أن تقول:
ياريت تتكلمي عن نفسك وبس يا عالية لأن أنا بيبقي شكلي زي القمر سواء في المدرسة أو برا، وبعدين دي حاجة متخصنيش إن في ناس بتسيب نفسها متبهدلة يعني.
أتسعت أعين عالية حينما سمعت تلك الجملة وكادت أن تنقض على چودي كما ينقض الثعلب على فريسته لولا أن جذبتها حنين حقنًا للدماء.
سيبك منها سيبك منها، خلاص يا چودي يا مش قولتي الكلمتين اللي عندك يا حبيبتي؟ هوينا يلا.
قالت حنين بينما حاوطت عالية بذراعيها ومن ثم أشارت لچودي بالإبتعاد لترمقهم الأخيرة بإزدراء قبل أن تذهب بعيدًا عنهم.
هي دي اللي بقت كويسة وجت تصالحك مش كده؟ سألت عالية بإستنكار وهي ترمق ريتال بنظرة حارقة لتنكمش ريتال على نفسها دون أن تنبس ببنت شفة.
عادت ريتال من المدرسة في ذلك اليوم وبمجرد أن غادرت حافلة المدرسة هي والفتيات لمحت صالح يقترب من المنزل وهو يقود دراجته النارية بينما يشير بأحد يديه لريتال بأن تنتظره لكنها تظاهرت بأنها لم تراه ودلفت إلى الداخل مسرعة.
هي ريتال أتجننت ولا أيه؟ همس صالح لنفسه فور توقفه أمام المنزل قبل أن يدلف إلى الداخل.
بتكلم نفسك يا صالح؟ أنتَ كويس؟ ؛.
اه يا عمتو كويس مفيش حاجة، هي ريتال فين؟
ريتال؟ بتسأل عليها ليه؟ سألت عمته بغيظ غير مفهوم ليزفر صالح بضيق قبل أن يُجيبها مستنكرًا:
يعني أيه ليه؟ عايز أقولها على حاجة.
طيب هي طلعت لأمها فوق.
لأمها؟ همس صالح مستنكرًا وهو يهز رأسيه لليمين ولليسار بإعتراض شديد بينما يصعد السُلم متجهًا إلى الطابق حيث تسكن ريتال ووالدتها.
بمجرد أن توقف صالح أمام الباب وكاد أن يضغط على زر الجرس جاءه صوت زوجة عمه الغاضب وهي توبخ ريتال قائلة:
واطي صوتك وأنتِ بتتكلمي معايا!
يا ماما يعني حضرتك سايبة كل اللي أنا بقوله وماسكه في نبرة صوتي؟ جاية بتسأليني عن أيه يا ماما وأنتِ كل اللي فارق معاكي أصلًا هو خناقاتك مع بابا! كانت المرارة تفوح من حديث ريتال بينما تنهمر دموعها بغزارة شديدة.
لا تكاد تصدق أن والدتها تقوم بعمل تحقيقات معها حول ما فعلته في اليومين الماضيين بالتفصيل لأنها لم تهتم لسؤالها بسبب شجارها مع زوجها، والآن تريد أن تقوم بالتفتيش في هاتفها ومن ثم سؤال عمتها حول كل خطوة تخطوها ريتال داخل المدرسة لأنها وببساطة لا تثق في صدق حديث ابنتها كفاية.
أقولك يا ماما أنتِ هتعملي أيه دلوقتي؟ هتهزقيني وأنا هقعد أعيط في أوضتي، وبعدين بقى لو بابا صالحك هتيجي تعامليني كويس وتصالحيني أما لو فضلتوا متخانقين بقى هتفضلي قالبة عليا!
نبست ريتال بتلك الكلمات بنبرة قوية غاضبة بالرغم من أنها مهزوزة من الداخل وبشدة، كان وقع جملتها قاسيًا على أذن والدتها لكن ريتال لم تهتم فهي لم تنطق سوى بالحقيقة ولقد كانت تلك الحقيقة تؤلم ريتال أضعاف ما تؤلم والدتها.
تركت ريتال والدتها تقف وحيدة في حزنٍ وذهول بينما هربت ريتال إلى المكان الوحيد الذي تشعر فيه بالراحة وهو حجرتها، أوصدت الباب بالمفتاح والذي كانت قد عثرت عليه أخيرًا بعد أن خبأته والدتها منذ المرة الأخيرة التي غفت فيها ريتال والباب مغلق بالمفتاح من الداخل.
في تلك الأثناء سكنت الأصوات وابتعد صالح عن الباب وهو يشعر بالصدمة مما سمعه قبل قليل، وإن كان لم يسمع كل كلمة بالطبع نظرًا للمسافة لكن ما سمعه كان كافيًا بالنسبة إليه!
لطالما كان يظن أن زوجة عمه أم مثالية بل كان يعتبرها أم له أو شقيقة كبرى نظرًا لعدم وجود فارق في العمر كبير بينهم ولكن هذه المرة الأولى التي يشعر فيها أن مُقصرة في حق ابنتها، هو بالطبع لم يسمع وجهة نظر زينة لكنه يثق تمامًا أنه طالما ريتال قد تفوهت بكلماتٍ كتلك فذلك يعني أنها حقًا قد جُرحت من تصرفات والدتها بل وشعرت كذلك أنها عديمة القيمة بالنسبة إليها...
قرر الصالح الخروج من المنزل لإستنشاق الهواء بدلًا من الجلوس في شقته هو ووالده، بينما توجهت زينة إلى الطابق السفلي لإعداد طعام الغداء تاركة ريتال تبكي وحيدة بإنهيار في المنزل.
بعد نصف ساعة تقريبًا كانت ريتال قد فرغت من البكاء، جسدها الهزيل ممدد على السرير تتأمل سقف الحجرة بأعين فارغة مُحمرة مُنتفخة من أثر البكاء، إنها المرة الأولى التي تُدرك فيها أنها بلا قيمة لهذه الدرجة...
المرة الأولى التي تُدرك فيها أنها عبء ثقيل على والدتها وأنها لو لم يكن لها وجود لكانت والدتها أكثر سعادة وراحة ولربما تحسنت علاقتها بوالدها،
لو لم تكن هنا لكان أيسر بالنسبة لوالدتها السفر إلى الخارج لتكون بجانب زوجها...
ربما لو لم تكن هي هنا لكانت حياة الجميع أفضل بكثير وما كانت لتشعر هي بكل ذلك الآلم، لكن ماذا عساها أن تفعل لكي تختفي دون أن يبقى لها آثر؟ هذا ما كان يشغل بالها في تلك اللحظة...
استيقظت ريتال على صوت والدتها من خارج الحجرة وهي تناديها لكي تخبرها بأن عليها الخروج من مخبأها لأن موعد الغداء قد حان، فركت ريتال عيناها بضيق وهي تتأفف قبل أن تستقيم من نومتها وتقوم بإرتداء اسدال الصلاة قبل أن تفتح الباب لتقابل وجه والدتها.
عجبك منظرك كده يا ريتال؟ عينيكي منفخة ووشك كله وارم من كتر العياط!
عاجبني يا ماما. تمتمت ريتال بنبرة خالية من الحياة والتي أثارت غيظ والدتها ولم تكن ريتال متعمدة فعل ذلك لكنها حقًا لم تهتم في تلك اللحظة في كيف يبدو مظهرها فهي تعلم أن مظهرها غير مقبول في جميع الأحوال.
توجهت ريتال بصحبة والدتها إلى الطابق السفلي، لم تتفوه ريتال بحرف بل لم تلقي التحية على أحد بل جلست في مقعدها في هدوء دون أن ترفع عيناها نحو أحد وأخذت تأكل ما وضع في طبقها بصمت.
بنتك مالها يا زينة؟
مفيش يا ماما هي بس لسه صاحية من النوم.
لا يا زينة بنتك شكلها متضايق، يادي الخيبة على الأمهات مش عارفة تميزي زعل بنتك من كونها نعسانة؟ علقت بثينة جدة ريتال ساخرة من حديث زينة وموبخة إياها بطريقة غير مباشرة بينما لم تكن ريتال تستمع لم يُقال من الأساس.
ريتال كلمي تيته وقوليلها إنك كويسة، هي فاكرة إنك متضايقة.
هاه؟ بتكلميني يا ماما؟ سألت ريتال بفزع حينما أدركت أن والدتها تتحدث إليها، وفي تلك اللحظة ارتسمت ابتسامة جانبية على ثغر جدة ريتال لأنها قد انتصرت وقد كانت محقة بشأن ريتال.
أيه اللي مزعلك يا حبيبة تيته؟ أمك ولا أيه؟
لا مفيش حاجة يا تيته ربنا يخليكي، أنا بس يعني دماغي مشغولة شوية علشان امتحانات الشهر هتبدأ وكمان بابا وحشني أوي،.
أجابت ريتال بنبرة منكسرة وفي تلك اللحظة غزت أنفها رائحة عطر ثقيل لترفع ريتال عيناها على الفور حينما أدركت من يكون صاحبه، صالح؛ والذي لم تلاحظ من الأساس تغيبه عن تناول الطعام.
مساء الخير.
مساء النور يا صالح، حماتك بتحبك تعالى كُل. تمتمت العمة وهي تضحك حينما رأت صالح والذي كان يقف بالقرب من الباب بينما كان يُخبئ شيء ما خلف ظهره.
لا ربنا يخليكي يا عمتو أنا كلت حاجة سريعة وأنا في الجامعة. قلبت ريتال عيناها حينما سمعت رده فلقد توقعت بالفعل برفقة من قد تناول طعامه.
ريتال ممكن لما تخلصي أكل تيجي في الجنينة ثواني عايز أخد رأيك في حاجة.
طب أيه مش هتاخد نانسي كمان معاك؟
لو عايزة تيجي أهلًا وسهلًا يعني بس أنا هاخد رأي ريتال في حاجة ليها علاقة بالرسم نانسي مش هتفهم فيها. أجاب صالح على جملة عمته محاولًا قد الإمكان ألا يبدو سخيفًا لكن محاولته قد فشلت فلقد أحرجها بالفعل بل وقام بإحراج نانسي والتي لم تنبس ببنت شفة من الأساس.
معلش يا صالح أنا ورايا مذاكرة كتير بعد الأكل ولازم اطلع بسرعة.
يا ريتال بلاش رخامة ده أحنا في weekend نهاية الأسبوع وبعدين ده الموضوع مش هياخد غير خمس دقائق يعني. كانت نبرة صالح مُترجية وصادقة لذا أومئت ريتال ب حسنًا بإستسلام.
بعد أن انتهت ريتال من تناول الطعام اتجهت مباشرة نحو الحديقة الخلفية والتي قد سبقها إليها صالح بالفعل قبل قليل لتجده يجلس على أحد الكراسي وقد وضع أمامه أحدى اللوحات الخاصة بمشروع من مشاريع الكلية خاصته.
كنت عايزني في حاجة يا صالح؟
تعالي اقعدي هنا يا آنسة ريتال من فضلك. تمتم صالح بطريقة رسمية غير مألوفة لتضحك ريتال دون إرادة منها قبل أن تسأله مستنكرة:
آنسة؟ من فضلك؟ في أيه؟
أصلك بتتعاملي معايا بطريقة رسمية فقولت أكمل بنفس طريقتك بقى وكده. لم تجد ريتال ما تُعلق به على جملته فلقد كان محقًا تمامًا هي تفعل ذلك عن عمد لكن لم تظن بأنه سيلاحظ بل وسيعلق.
طيب أنا جبتك هنا علشان كنت عايز اعتذر منك تاني عاللي حصل في النادي، وبصي جبتلك أيه، قال صالح بأسف حقيقي قبل أن يُخرج من أحدى جيوبه لوح شيكولاتة كبير باهظ الثمن من نوع مُعين كانت تعشقه ريتال في طفولتها.
دي علشاني!
لا، مش علشانك دي علشان واحدة كده أمورة وقموصة كمان وتبقى بنت عمي و،.
ابتسامة واسعة ظهرت على ثغر ريتال حينما سمعت ما يقوله ولكن سرعان ما اختفت حينما أدركت تكمله حديثه مُسبقًا لتقاطعه هي قائلة:
وأختك الصغيرة طبعًا مش كده؟
أنا مش عارف الجملة دي فيها إهانة بالنسبالك ليه بس خلاص أنا هبطل أقولها طالما بتضايق.
صدقني مش فارقه هتقولها ولا لا طالما أنتَ كده كده مقتنع بيها من جواك. طالعها صالح بحيرة لا يفهم ما مقصدها أو ربما تعمد ألا يفعل هي لم تعرف لكن ما تعرفه هو أنه لم يجد ما يُعلق به.
ابتسمت ريتال بمرارة وهي تستقيم من مقعدها ببطء في رغبة منها للعودة إلى الداخل بينما تُمسك بلوح الشيكولاتة في يدها لكنها توقفت قبل أن تغادر وهي تُلقي نظرة على لوحة صالح قبل أن تُردف:
عالعموم شكرًا على الشيكولاتة يا صالح، صحيح المشروع بتاعك حلو يا صالح بس غالبًا هيترفض علشان الورق اتبهدل من كتر المسح والإعادة.
تركته جالسًا في ذهول يحاول تحليل ما حدث قبل قليل ومن ثم طالع لوحته لثوانٍ قبل أن يهمس:
عندها حق شكلي هعيد اللوحة فعلًا، أنا بقترح إن ريتال تيجي هندسة مكاني. نبس ساخرًا وهو يعيد خصلات شعره نحو الخلف بينما يتأفف بضيق.
صعدت ريتال إلى الطابق العلوي، سألتها والدتها حول ما كان يريده صالح لتُجيبها ريتال بإختصار بأنه كان يأخذ رأيها بشأن مشروع يخص الجامعة قبل أن تدلف ريتال إلى حجرتها.
ذهبت ريتال للجلوس على المكتب الصغير خاصتها وهي تُلقي لوح الشيكولاتة بإهمال ليستقر إلى جانب الخاتم الفضي خاصة تليد، تنهدت ريتال بضيق وهي تُطالع الإثنين بينما تُفكر في أي مأزق وضعت نفسها فيه؟ إن قلبها مُتعلق بصالح منذ وقتٍ طويل والآن قد جعلت لتليد مكانًا داخل حياتها عن غير عمد في لحظة غضب وحماقة!
أخرج ريتال من تفكيرها العميق صوت إشعار صادر من هاتفها لتمسكه بتملل لتجد رسالة من أحدهم، لم تُعير اسم المرسل اهتمام بل قرأت محتوي الرسالة مباشرة وكان كالتالي:
يسعد مساءك يا ريتال هانم، وصلني خبر من الأولاد في الفصل بتاعنا إنك سألتني عني، هل الكلام ده صحيح؟