رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل التاسع
أخرج ريتال من تفكيرها العميق صوت إشعار صادر من هاتفها لتمسكه بتملل لتجد رسالة من أحدهم، لم تُعير اسم المرسل اهتمام بل قرأت محتوي الرسالة مباشرة وكان كالتالي:
يسعد مساءك يا ريتال هانم، وصلني خبر من الأولاد في الفصل بتاعنا إنك سألتني عني، هل الكلام ده صحيح؟
هو تليد لسه متفرج على رد قلبي ولا أيه؟ سألت ريتال نفسها هامسة بتهكم وهي تُعيد قراءة رسالة تليد أكثر من مرة بينما ارتسمت على ثغرها ابتسامة واسعة دون إرادة منها.
هو مش أحنا اتفقنا إنك مش هتكلمني private خاص تاني؟
ولما أحنا اتفقنا على كده يا ريتال هانم بتدوري عليا ليه في المدرسة ها؟
أنا مش عارفة أنتَ جايب الكلام ده منين؟ بس عالعموم يعني الكلام ده مش حقيقي.
يا كذابة، يا كذابة! قرأت ريتال رسالته بغيظ شديد لأنه يتهمها بالكذب ولكونه واثقًا للغاية أن له تأثير عليها وأنها ستبحث عنه بالفعل! لكنها لا تعلم هل أدرك بعد كون خاتمه الفضي مفقود وأنه في الغالب بحوزتها أم لا.
ريتال بقولك أيه، صدرت هذه العبارة من والدتها فور اقتحامها للحجرة لتنتفض ريتال من جلستها وتُغلق الهاتف على الفور ومن ثم تضعه إلى جانبها.
أنتِ بتعملي أيه؟
ولا حاجة بدور على معلومات عالنت علشان في بحث مطلوب مننا لمادة الأحياء.
كذبت ريتال ولم تكن تنوي الكذب مجددًا لكن طريقة والدتها والتي كانت أشبه بقوات مكافحة الجريمة جعلتها ترتبك وتؤلف إجابة منطقية سريعًا، رمقتها والدتها بإستراب قبل أن تسألها بقليل من الحدة:
أومال ليه اتخضيتِ اوي كده لما دخلت؟
علشان دخلتي فجاءة يا ماما من غير ما تخبطي واتكلمتي مرة واحدة.
فسرت ريتال موقفها برد مقنع لكن والدتها لم تقتنع كثيرًا فهي تعرف ابنتها جيدًا أو هكذا كانت تظن، ساد الصمت لبرهة قبل أن تسأل ريتال والدتها قائلة: حضرتك كنتِ عايزة حاجة يا ماما؟
كنت هطلب منك تكلمي باباكي تشوفي هو فين علشان مش بيرد عليا.
رنيت عليه مرتين النهاردة ومردش عليا برضوا، سيبيه على راحته يا ماما.
لا ما هو مش أنتِ اللي هتقوليلي هعمل أيه يا ست ريتال، من فضلك اتصلي عليه. جفلت ريتال من صوت والدتها وجملتها التي كانت عبارة عن أمر ولكن قد خففت والدتها من حدة الحديث بإستخدام عبارة من فضلك.
حاضر يا ماما ممكن بعد إذنك تستني برا وأنا لما بابا يرد هخرجلك؟
ماشي. قالت زينة وهي تغادر حجرة ابنتها بعد أن رمقتها بنظرة شك للمرة الأخيرة.
زفرت ريتال بضيق وقد شعرت بمزيج من المشاعر المختلطة، هي تعلم أنه ليس من المفترض أنا تتحدث إلى تليد وخاصة من دون علم والدتها لكنها تشعر أنها محاصرة من قِبله في كل مكان أو هكذا تظن، كما أن رؤيتها لنظرة الشك تلك داخل أعين والدتها جعلت ضميرها يؤنبها للغاية فهي لم تعتد إخفاء الأمور عن والدتها وبشكل خاص حينما يتعلق الأمر بفتى!
تليد لو سمحت أنا بتكلم بجد دلوقتي دي هتبقى بجد آخر مرة هرد فيها عليك private خاص كلامنا عن البحث في الجروب بس، غير كده بعد إذنك مفيش كلام بينا. أرسلت ريتال الرسالة قبل أن تُغادر التطبيق دون انتظار ردًا منه.
حاولت ريتال بعد ذلك مهاتفة والدها أكثر من مرة لكنه لم يجيب قط، أخبرت والدتها بذلك وقد شعرت بأن القلق بدأ يتسلل إلى قلبها لكن ربما يشعر والدها بالضيق بسبب شجاره المتكرر هو ووالدتها لذا قرر اتجاه اتصالاتهم، ولو أنه يُعد سبب غير منطقي بالمرة نظرًا لأن هذه هي وسيلة التواصل الوحيدة بينهم!
مرت الليلة بسلام تام وفي صباح اليوم التالي أي يوم الجمعة استيقظت ريتال على صوت إذاعة القرآن الكريم حيث كانت تُقرأ سورة الكهف بينما تسللت إلى أنفها رائحة بخور كانت قد ابتاعته جدتها في زيارتها الأخيرة لأداء مناسك العمرة.
فركت ريتال عيناها بقوة مرتين قبل أن تمد ذراعها إلى جانبها بحثًا عن الهاتف وبمجرد أن أمسكت به أنارت الشاشة وبدأت تنهال عليها الإشعارات وقد كان أهمها هو رسالة تليد ردًا على رسالتها بالأمس، أطلقت تنهيدة طويلة وهي تقرأ محتواها من الخارج:.
أنا بجد مش فاهم أنتِ بتعملي معايا كده ليه؟ هو مش أنتِ أصلًا اللي اختارتي أننا نبقى مع بعض في الجروب؟ وبعدين طبيعي لما نبقي مع بعض في المدرسة وفي جروب ونتقابل في النادي أننا نتكلم، أنا مش قادر افهم مشكلتك فين؟
زفرت بضيق حينما قرأت رسالته، لقد أخطأ الفهم كما توقعت أن يفعل، هو يظن أنها لا تود التحدث إليه هو لشخصه بينما في الواقع أنا ريتال لم تكن معتادة على الإختلاط بالفتيان بل الوحيد الذي تتحدث إليه هو صالح وربما ابن خالتها والذي لم تراه هي منذ سنوات طويلة.
أنتَ ليه واخد الموضوع بشكل شخصي يا تليد؟ أنا مش بتكلم مع ولاد عامة ومش حابه إني اعمل ده سواء أنتَ أو غيرك، وفعلًا عندك حق أنا اللي اختارت أننا نبقى في نفس الجروب بس ده مش معناه أي حاجة أحنا مكتبناش كتابنا يعني!
سخرت منه ريتال عن عمد دون جرح مشاعره في محاولة منها لجعله يفهم مقصدها، لأنه نظرًا لمعرفتها له في تلك المدة القصيرة فإن الأسلوب الوحيد الذي يستطيع تليد استيعابه هو السخرية والمزاح.
خلاص يعني المطلوب مني دلوقتي أجي أقابل أهلك وأكتب عليكي علشان نعرف نتكلم في البحث ولا أيه مش فاهم؟
قرأت ريتال الرسالة بأعين متسعة وقد أعتلت الصدمة وجهها لوهلة قبل أن تبتسم دون إرادة منها حينما تخيلت أن تليد قد يأتي لطلب يدها للزواج فقط لكي يتحدث إليها حول بحث مادة الأحياء.
أنا مقولتش كده يا ظريف، أنا كل اللي بقوله إن كلامنا بعد إذنك يبقى في إطار الجروب والشغل المطلوب مننا بس، صعبة دي؟
لا مش صعبة، أنا أصلًا غلطان إن أنا بتكلم معاكي ده فيه مليون بنت تانية تتمنى إن أنا ابصلها بس مش أتكلم معاها، ناس مش بتقدر النعمة صحيح.
كانت قد توقعت ريتال رده مُسبقًا، لقد أخذ الموضوع بشكل شخصي مجددًا وقد بدأ في قول أشياء لا يجب عليه قولها وكأنه يُخبرها بأنه قدم إليها معروفًا بتحدثه إليه لأنها مجرد نكرة ولن تُنكر ريتال شعورها بغصة في صدرها حينما قرأت كلماته لكن ذلك لم يؤثر على قرارها لذا قامت بالرد عليه كالتالي:.
أنتَ نعمة؟ استغفر الله العظيم يارب، بص يا تليد دي آخر مسدچ هكتبها ومش هرد هنا تاني، أحنا مش المفروض نتكلم غير في إطار الدراسة وده آخر كلام عندي عايز بقى تزعل تتقمص تتنمر عليا براحتك بس ده مش هيغير موقفي.
أرسلت الرسالة ثم قامت بوضع المحادثة خاصة تليد في الأرشيف كي لا تقرأ أي رسالة سيقوم بإرسالها قبل أن تقوم بإلقاء الهاتف بجانبها بإهمال ثم تتجه نحو الخارج بحثًا عن والدتها والتي كانت تجلس في أحد الأركان بينما تقرأ القرآن بصوتٍ منخفض.
صباح الخير يا ماما، أيه ده أسفة خلاص كملي قراءة. أعتذرت ريتال سريعًا من والدتها وبعدها اتجهت إلى دورة المياه وبعد خروجها وجدت والدتها قد انتهت من القراءة.
صباح النور يا ريتال، اتوضي لو متوضتيش بقى واقعدي اقرأي شوية في المصحف وبعدها نصلي وننزل نشوف عمك وصالح رجعوا من الصلاة ولا لا علشان هيجيبوا الفطار وهما جايين.
حاضر يا ماما، واه أتوضيت، ماما بقولك أيه، متزعليش مني علشان امبارح، أنا أسفة. اعتذرت ريتال من والدتها بأدب وهدوء وإن كانت غير مقتنعة بكونها مخطئة من الأساس لكنها لا تتحمل فكرة كون والدتها غاضبة منها.
خلاص محصلش حاجة، يلا روحي اعملي اللي قولتلك عليه.
حاضر يا ماما. نفذت ريتال ما طلبته منها ووالدتها وبعد مرور بعض الوقت صعدت عطر إليهم لتُخبرهم بقدوم صالح ووالده وقد قامت جدتهم بإعداد وجبة الإفطار بنفسها.
توجهت ريتال إلى الطابق السُفلي وهي تشعر بثِقل شديد فلقد أصبحت رؤية صالح تسبب لها المزيد من الضغوط النفسية وبشكل خاص بعد المواقف الأخيرة التي جمعتهم.
صباح الخير، أيه الفطار الجميل ده يا تيته؟ تسلم ايد حضرتك. تمتم ريتال بلطف فور دخولها ورؤية الطاولة والتي كانت تحمل العديد من أصناف طعام الإفطار المصرية المقدسة مثل الفول المدمس وتلك الأقراص اللذيذة التي يُطلق عليها طعمية أو فلافل بحسب اختلاف اللكنة.
بالهنا والشفا ياريت بس تكلي حلو ومتخطفيش لقمتين زي الكتكوت كده وتقومي. صدرت هذه الجملة من جدتها وهذه المرة لم تكن نيتها السخرية من حفيدتها بغرض مضايقتها بل قالت ذلك خوفًا عليها لرؤية جسدها يزداد نحالة وضعفًا مؤخرًا.
هحاول يا تيته حاضر. تمتمت ريتال بأدب مع ابتسامة صغيرة وقد شعرت بالقليل من الحرج.
أنا جيت أنا والشاي بلبن. أردف صالح بصوتٍ عالٍ نسبيًا فور خروجه من المطبخ مُتعمدًا لفت انتباه ريتال والتي انتبهت بالفعل حيث نظرت نحوه لكنها لم تنبس ببنت شفة.
أيه الإحراج ده؟ ماشي، نانسي ممكن تسلفيني ال Air pods سماعات أذن لا سلكية بتاعتك علشان مش لاقي بتاعتي وغالبًا نسيتها عند حد من صحابي، هرجعهالك تاني النهاردة متقلقيش.
يا سلام؟ من عيوني. شعر صالح بالندم من طلبه مثل هذا الطلب من نانسي بعد ردها المُبتذل ذلك لكنه حاول أن يكون لبقًا بقدر الإمكان وقال:
طول عمري بقول العائلة دي مجبتش إلا نانسي. رمقته ريتال بطرف عيناها بنبرة حادة بينما تقوم بتمزيق رغيف الخبر بقليل من الحدة دون أن تنتبه.
بقولك يا زينة هو عبدالرحمن متصلش عليكي يا بنتي ولا على ريتال؟
لا يا ماما وكلمته كذا مرة مردش، هو مكلمش حضرتك؟ ده متعود يكلمك كل يوم حتى لو مشغول أو حتى لو متخانق معايا! أردفت زينة بنبرة قلقة للغاية وقد شعرت بأن قلبها على وشك التوقف من كثرة الخوف والأفكار السيئة التي أخذت تقفز إلى عقلها في وقتٍ واحد.
ما ممكن مشغول يا جماعة، أنتوا ناسيين إن امبارح آخر الأسبوع وهو أكيد هلكان طول اليوم في الشغل وارد يكون رجع نام ولسه مصحيش. حاول صالح طمأنتهم بينما لم يتفوه والده بحرف بل اضطربت معالمه قليلًا لكنه حاول جاهدًا إخفاء ذلك.
هو متصلش عليك طيب يا أحمد؟
كان بعتلي رسالة امبارح الصبح وقالي إنه رايح الشغل واحتمال يعني يسهر شوية مع صحابه بليل مفيش داعي للقلق.
حاول أحمد طمأنتهم وبالفعل كانت كلماته كالقشة التي سيتمسك بها من على وشك أن يغرق لكن صالح لم يشعر بالراحة تجاه نبرة والده تلك وبالفعل لم يستطع أن يسأله بصيغة مباشرة أمام الجميع.
بعد انتهاء وجبة الإفطار كان والد صالح في طريقه إلى الخروج لكن صالح أوقفه وهو يطلب من الآتي:
بابا محتاج أتكلم معاك شوية.
عايز أيه؟ مش فاضيلك.
خمس دقائق بس وبعدها أمشي، بس تعالى نتكلم برا بعيد عن البيت. كان صالح يتحدث بنبرة باردة ردًا على طريقة والده الجافة، أومئ أحمد بضيق وهو يصطحب ابنه إلى الخارج.
خير؟
أنتَ تعرف حاجة عن عمو عبدالرحمن ومخبي علينا مش كده؟
أنتَ؟ اسمها أنتَ؟ وبعدين حتى لو أعرف حاجة ده شيء يخصك في أيه؟
هو فعلًا ميخصنيش أنا بس يخص الست الغلبانة اللي فوق هي وبنتها، هما هيموتوا من القلق عليه وهو مكسل حتى يطمنهم عليه! كان صالح يتحدث بإنفعال شديد فهو يعلم كم المعاناة التي تعانيها زوجة عمه وابنتها الوحيدة في غياب عمه.
فلا أحد في ذلك المنزل يعاملهم بطريقة لائقة كما أن ريتال كأي ابنة طبيعية تحتاج إلى وجود والدها إلى جانبها وخاصة في مثل هذه المرحلة العمرية الحرجة، فتلك هي أكثر الفترات احتياجًا لحنان الأب، اعتنائه، مدحه، وكلماته العطوفة كي لا تذهب للبحث عن مثل تلك المشاعر في الخارج!
متدخلش نفسك في حاجة متخصكش يا صالح، أخويا ده راجل واعي وكبير ملوش إن حد يحاسبه على حاجة ولو هي مش عاجبها عيشته ونظامه الباب يفوت جمل. كان والده يتحدث بلا مبالاة حقيقة وكأن هدم أسرة كاملة هو أمر يسير بالنسبة إليه، فتح صالح ثغرة بشدة فور سماعه لم قاله والده.
هو أنتَ ازاي بتفكر كده وبتتكلم كده؟ هو أنتَ سامع نفسك بتقول أيه؟ سأل صالح مستنكرًا من حديث والده بينما يطالعه بنظرات لا تخلو من الحنق.
أتكلم معايا عدل يالا ومتخلنيش افرج الشارع كله عليك! مبقاش إلا عيل زيك أنت هيقولي افكر ازاي ومفكرش ازاي!
تمتم والده بنبرة باردة تحمل في طياتها بركان من الغضب على وشك أن يثور وفي المقابل فإن لفظة عيل أزعجت صالح كثيرًا للدرجة التي جعلته يُعلق على جملة والده بإنفعال شديد بنبرة أقرب للصياح:
أنا مش عيل يا بابا، مبقتش عيل أنا كبرت ومن حقي أتكلم وأعبر عن وجهة نظري خصوصًا لما ابقى شايف حاجة غلط بتحصل قدامي!
كبرت اه، همس والده بغضب شديد وهو يضغط على أسنانه قبل أن يقترب من صالح بحركة سريعة ويصفعه صفعة قوية جعلت صالح يفقد توازنه لثوانٍ حتى كاد أن يسقط على الأرض لولا أنا استند على أحدى عواميد الإنارة.
يلا يا راجل يا كبير وريني هتعمل أيه؟ هتيجي تمد إيدك عليا وتردلي القلم؟ سأله والده بإستهزاء واضح متعمدًا إثارة غيظه، لم ينطق صالح بحرف ولكنه ضم قبضته في سخطٍ واضح وكأنه يتمالك نفسه كي لا يُقدم على فعل متهور.
لاحظ والده قبضة يده ليضحك ضحكة عالية متهكمًا قبل أن يقترب منه ومن ثم بحركة واحدة سريعة لوى ذراعه خلف ظهره بينما يهمس في أذنه:
إيدك دي اللي بتفكر تمدها عليا أنا ممكن أكسرها لا وأكسرلك دراعك كله كمان يا صالح، سامعني؟ حاول صالح التملص من والده بكل قوته وقد نجح في ذلك حيث ارتد جسد والده نحو الخلف بضع خطوات قليلة.
رمقه صالح بمقط حقيقي قبل أن يسير مبتعدًا عنه وعائدًا إلى المنزل وأثناء فعله لذلك اصطدم بريتال على السُلم والتي بمجرد أن رأت وجهه ولمحت كيف يُمسك بذراعه بآلم شديد أطلقت شهقة عالية ليُشير لها صالح على الفور بأن تصمت.
أنتَ، أنتَ اتخانقت في الشارع؟ سألته ببلاهة ليقلب صالح عيناه وهو يتمهد قبل أن يُجيبها بضيق واضح وإرهاق:
ريتال مش قادر أتكلم بجد، ممكن بعد إذنك تبعدي علشان عايز أطلع أجيب حاجة من فوق؟
هتاخد العربية وتهرب زي كل مرة؟
لا هاخد ال Race. تمتم بنبرة ساخرة قبل أن يخطو خطوة آخرى نحو الأعلى وبمعنى آخرى مقتربًا نحوها لتبتعد هي على الفور جهة اليسار سامحة له بالصعود بينما شعرت بقلبها ينبض بقوة وكأنه على وشك أن يقفز خارج قفصها الصدري.
هو، أيه اللي حصل ده؟ سألت نفسها وهي تحاول تنظيم أنفاسها، لقد كان صالح قريبًا منها ليس بالقرب المُفزع لكن في العادة تفصلهم مسافة أكبر من تلك بكثير وما حدث قبل قليل كان خاطئ تمامًا ولو أن استيعاب ريتال كان أسرع قليلًا لقامت بتوبيخ صالح أو على الأقل التعليق على ما حدث لكنه كان مُسرعًا ومضطربًا بشدة!
في الواقع لم يُدرك صالح ما فعله بل لم يكن ينظر إلى ريتال من الأساس ولم يلحظ أنه اقترب منها بدرجة زائدة عن اللزوم فلقد كان تركيزه كله منصبًا على الصعود وإحضار المفاتيح خاصته والهاتف وربما بعض النقود والرحيل من هنا قبل أن يأتي والده من الخارج ليُكمل وصلة التعنيف خاصته.
علي الجانب الآخر كان تليد في الوقت ذاته يجلس في منزله وتحديدًا داخل حجرته برفقة صديقه ياسين، كانت الحجرة مبعثرة إلى حدٍ كبير والكتب الدراسية والدفاتر مُلقاة بإهمال على السرير والمكتب خاصته لكنه لم يهتم بكل تلك الفوضى فلقد كان أمرًا آخر يشغل باله مسببًا فوضى ايضًا ولكن داخل رأسه.
أنا مش فاهم واحدة زي ريتال دي ازاي تقولي أنا إنها مش عايزة تتكلم معايا؟ مجنونة دي ولا أيه؟
كان تليد يتحدث إلى نفسه بغيظ شديد بعد قرأته للمحادثة خاصته هو وريتال لمرة الثالثة على التوالي بينما أخذ يسير ذهابًا وإيابًا في حجرته.
يا ابني اقعد بقى خيالتني! وبعدين فيها أيه لما تقولك كده؟ مين أنتَ يعني؟ سأله ياسين بإزدراء متعمدًا إثارة غيظه أكثر.
ولا؟ هضربك يالا! أنا تليد أحمد زكي.
أهلًا وسهلًا مين برضوا يعني؟ ملك جمال المدرسة الثانوية للغات؟
على فكرة أنتَ بقيت عيل، والكلام معاك ملوش لازمة! قام تليد بسب صديقه ليقوم الأخير بإلقاء زجاجة المياه البلاستيكية نحوه بغيظ شديد.
قولتلك مية مرة تبطل الألفاظ دي! كان يتحدث ياسين بضيق حقيقي فهو يكره سماع الألفاظ البذيئة والسباب أكثر من أي شيء، وفي المقابل لا يستطيع تليد التفوه بجملة واحدة تقريبًا دون أن يضع كلمة غير لائقة في المنتصف.
خلاص أسف، ممكن بقى تذاكرلي بعد إذنك؟
يا ابني هو أنا المدرس الخصوصي اللي أهلك جايبينه علشانك ولا أيه؟ سأله ياسين بإستنكار شديد ليسود الصمت لبرهة قبل أن يُجيبه تليد بعدما نمت على وجهه ابتسامة جانبية:
هو فعليًا اه يعني.
فعلًا عندك حق طيب تحب نبدأ بإيه؟ أكد ياسين على قول تليد بعد أن تذكر الإتفاق الذي دار بينه وبين والدي الأخير.
علي أي حال طرد ياسين كل ذلك إلى مؤخرة رأسه وهو يُمسك بأحد الدفاتر وقد أخذ وضعًا جاد لبدء المذاكرة لكن على الجانب الآخر أجابه تليد إجابة بعيدًا تمامًا عن السؤال مُردفًا:
نبدأ بإنك تقولي طريقة أخلي ريتال تكلمني بيها ومش بس تتكلم معايا في العموم لا ده هي اللي تيجي تكلمني بنفسها وتبقى هتتجنن عليا كده.
والله؟ طب بص يا تليد علشان نتفق كده، لو مقعدتش تذاكر زي البني آدمين وتسيبك من الهبل اللي شاغل دماغك ده هكلمك طنط وعمو وأقولهم على كل مصايبك مصيبة مصيبة وأنتَ عارف طبعًا هما هيعملوا أيه أول لما يرجعوا.
لا لا حرام عليك خلاص خلاص، أنا بجد مش هستحمل بهدلة تاني من غير عربية ولا إني أعيش الأسبوع كله بمتين جنيه بس!
طيب يبقى تقعد زي الشاطر كده تذاكر علشان عايز ألحق أمشي قبل ما أختك وخالتك يجوا.
أنا مش فاهم ليه يعني هيعضوك؟
أيه ياض خفة الدم اللي نزلت عليك مرة واحدة دي؟ هتموتني في مرة خلي بالك! اللي أقصده إن ميصحش أبقى هنا وهما موجودين علشان يبقوا على راحتهم يعني وأنا كمان بحس بإحراج. أفصح ياسين عن ما يجول في خاطره ليطالعه تليد بتعابير وجه جامدة لثوانٍ قبل أن يفجر ضاحكًا وهو يسخر منه قائلًا:
أنتِ بتتكسفي يا بيضة؟
تصدق إن أنا غلطان إني بقعد معاك؟ أنا ماشي. أردف ياسين بإستياء حقيقي وهو على وشك جمع أغراضه والمغادرة لكن تليد أمسك بذاعه برفق وهو يعتذر منه سريعًا:
خلاص أنا أسف بجد، معلش أنا انسان سخيف متزعلش، أنا مُدرك لكلامك كويس وعارف إنك يعني بتراعي حرمة البيت اللي أنتَ فيه علشان كده أنتَ الوحيد من صحابي اللي بسمح إنه يجي البيت لأني واثق في أخلاقك.
شكرًا يا سيدي ممكن بقى تتهبب تذاكر؟
حاضر. جلس تليد رغمًا عنه وبدأ ياسين في مساعدته في إنهاء فروضه المدرسية وشرح بعض النقاط التي لم يستطع تليد فهمها واحدة.
بالعودة إلى ريتال والتي دلفت إلى حجرتها بعد ما حدث مع صالح محاولة تناسي الأمر لذا أخذت تعبث في هاتفها لعلها تشغل بالها قليلًا ولكن بدون مقدمات أقتحمت والدتها الحجرة لتسحب من يدها الهاتف بحركة سريعة وخاطفة.
أيه يا ماما؟ خدتي الموبايل ليه؟
علشان أنتِ عندك مذاكرة يا هانم ولا أنتِ ناسية إن امتحانات الشهر خلاص هتبدأ؟
طيب حاضر يا ماما هذاكر بس مفيش داعي يعني إنك تاخدي مني التليفون بالطريقة دي أنا مش عيلة صغيرة يعني.
أومال المفروض أخده منك ازاي؟ سألتها والدتها بسخرية واضحة لتزم ريتال شفتيها قبل أن تُجيبها بضيق قائلة:
من غير تريقة يا ماما بعد إذنك، كان ممكن بكل بساطة تقوليلي ريتال أنا هاخد تليفونك علشان تعرفي تركزي في المذاكرة وكنت هديه لحضرتك عادي من غير شد وخطف كده.
طب يا دكتورة ريتال ممكن بقى تخلصي محاضرة علم النفس الأسري دي وتقعدي تذاكري؟
لم تغير والدة ريتال من نبرتها الساخرة تلك لتقلب ريتال عيناها وهي تزفر بضيق شديد قبل أن تعتدل في جلستها كي تتجنب والدتها وتسحب أحد الكتب الدراسية ودفتر كي تبدأ في المذاكرة وكانت تنتظر رحيل والدتها لكنها لم تفعل بل وقفت هناك ترمق ريتال بغيظ قبل أن تُضيف:
مسمعتش كلمة حاضر يعني؟
حاضر يا ماما حاضر! ما أنتِ شايفاني سمعت الكلام أهو وهبدأ مذاكرة في أيه بقى؟ تحدثت ريتال بنبرة أقرب إلى البكاء من شدة الغيظ، لم تُعقب والدتها على حديثها بل توجهت نحو الخارج مباشرة في صمت.
زفرت ريتال بضيق شديد وهي تقوم بفتح كتاب الكيمياء لتبدأ في المذاكرة والتي استمرت لمدة ساعة ونصف تقريبًا قبل أن تتخلل إلى أذنها صوت طرقات على الباب لكنها كانت ضعيفة وبالتأكيد لم تكن خاصة والدتها.
توتو؟ سألت ريتال وقد توقعت بالفعل من الطارق ولقد أصابت التوقع حيث وجدت عطر تقف في الخارج وقد امتلئت عيناها بالدموع وقد صُبغت وجنتيها وأنفها الصغير باللون الأحمر.
مالك في أيه؟ حد زعلك في حاجة؟ سألتها ريتال بقلق حقيقي وهي تجثو على ركبتيها حتى يصبح طولها قريب من خاصة عطر وهي تنتظر إجابتها بقلق حقيقي.
صالح، مشي، ومش هيرجع، تاني، كانت تتحدث بكلمات متقطعة من وسط شهقاتها لتعقد ريتال حاجبيها بصدمة وهي تسألها بعدم استيعاب:
أيه؟ مين اللي قالك كده؟
بابا،.
هو قالك كده ليه طيب أنا مش فاهمة حاجة،.
بابا وصالح زعلوا من بعض تاني، وصالح أخد التليفون والمحفظة ومشي، وبعدين بابا لما طلع من تحت قالي صالح مش بيحبك، وهو هيمشي ومش هيجي تاني، أنا مش عايزة صالح يمشي زي ماما يا ريتال،.
كان قلب المستمعة يتمزق مع كل حرف تتفوه به الصغيرة، دموع عطر أخذت تنهمر بغزارة بينما ضمتها ريتال بحنان شديد وهي تداعب خصلات شعرها الناعمة بينما تسب عمها أسفل أنفاسها، ذلك البغيض يتلاعب بمشاعر ابنته الصغيرة فقط ليقوم بالضغط على صالح لينصاع إلى أوامره والتي لم تكن تعلم ريتال تحديدًا ما هي...
حبيبتي صالح مش هيمشي ولا حاجة، هو بس متضايق شوية وراح مشوار بس هو أكيد هيرجع تاني صدقيني.
طيب ولو مرجعش؟ سألت بأعين تشبه خاصة الجرو الحزين لتتنهد ريتال لثانية وهي تنظر نحو والدتها التي وقفت تراقب المشهد من بعيد بقلة حيلة قبل أن ترسم ريتال ابتسامة صغيرة على ثغرها وهي تُجيب عن سؤال عطر قائلة:
هيرجع أنا هكلمه دلوقتي وهخليه يرجع وبعدين أنتِ مش لوحدك ولا حاجة أنا معاكي وماما وتيته وعمتو ونانسي كلنا حواليكي وبنحبك.
أيوا بس أنا عايزة صالح برضوا، طيب اتصلي بيه وخليه يجي دلوقتي،.
حاضر، ماما ممكن تجيب حاجة حلوة لتوتو لحد أما أكلم صالح وأجيلها تاني؟
حاضر، تعالي نغسل وشك الأول وبعدين نيجي تاني تختاري أي حاجة حلوة أنتِ عايزاها. أومئت عطر وهي تكفكف دموعها قبل أن تُمسك بيد زينة وتتوجه نحو دورة المياه.
بحثت ريتال عن هاتفها في الأرجاء نظرًا لأن والدتها قد أختفه سابقًا اليوم ولحسن الحظ استطاعت أن تجده سريعًا فلقد وضعته والدتها في مكان ظاهر؛ أعلى الفرن الكهربائي.
علي أي حال أخذت ريتال الهاتف وقامت بالإتصال بصالح دون تردد وإن كانت تشعر أن قلبها على وشك التوقف فهي ليست معتادة على التحدث إليه في الهاتف، مرت بضع ثوانٍ قبل أن يأتيها صوته الرخيم من الجانب الآخر.
ألو؟
ايوا يا صالح أنا ريتال،.
مسجل الرقم، خير يا آنسة ريتال في حاجة؟ كان يتحدث بطريقة ساخرة غير معهودة أثارت إرتباك ريتال والتي صمتت لبرهة قبل أن تحمحم ثم تُردف بنبرة مهزوزة:
هو يعني، أحم، عطر بتسأل عليك، هي عرفت إنك أنتَ وعمو يعني اتخانقتوا و، يعني،.
ها يا ريتال قولي بسرعة وترتيني! أردف صالح بنفاذ صبر لتشعر بريتال بغصة في حلقها قبل أن تتابع حديثها قائلة:
عمو قالها إنك سبتها واتخليت عنها ومش هترجع تاني وهي بتعيط فاكرة يعني إنك، مشيت خالص زي طنط الله يرحمها، بعد الشر عليك طبعًا،.
شعرت ريتال بألم في قلبها لمجرد تخيلها موت صالح أو غيابه الدائم كما أخبر عمها عطر، كان وقع عبارتها صادمًا على أذن صالح والذي صمت لبرهة قبل أن يُبعد الهاتف عن فمه بمسافة كافية قبل أن يتلفظ بلفظة بذيئة من شدة غضبه ولحسن الحظ أن ريتال لم تُفسر ما قاله.
طيب يا ريتال اقفلي دلوقتي وأنا شوية وهاجي قولي لعطر متخافش أنا عمري ما هسيبها أنا بس روحت اقعد مع صحابي وشوية وجاي.
تمام حاضر، طيب صالح، خلي بالك من نفسك، يعني سوق براحة مش هتبقى متخانق وكمان تعمل حادثة يعني! نبست ريتال دون وعي منها ليضحك الآخر رغمًا عنه قبل أن يُطمئنها قائلًا:
حاضر متقلقيش، سلام. أنهت ريتال المكالمة وهي تزفر براحة قبل أن تتجه نحو الخارج وتقص عليهم المكالمة ولكن بصورة بسيطة تُطمئن الصغيرة والتي أعدت لها والدة ريتال صحنًا من البوشار بالإضافة إلى لوح من الشيكولاتة.
بعد نصف ساعة تقريبًا صدح في المكان صوت جرس الباب لتنتفض ريتال من موضعها بحثًا عن إسدال الصلاة ومن ثم ارتدته سريعًا وذهبت لكي تفتح الباب وكما توقعت لقد كان الشخص المنتظر.
حمدلله عالسلامة.
الله يسلمك، فين توتو؟ مش سامع صوتها يعني.
نامت، كنا بنتفرج على فيلم ونامت عالكنبة.
مفيش فايدة فيها بجد، طيب ممكن تعديني ادخل اجيبها واخرج؟ سأل صالح لترمش ريتال عدة مرات ثم تبتسم بإحراج وهي تُفسح له الطريق بعد أن أدركت أنها كانت تسد عليه الطريق.
متصحيهاش حرام،.
متقلقيش مش هصحيها. أوضح صالح وهو يتجه صوب الأريكة مباشرة ومن ثم يحمل شقيقته بين ذراعيه ويغادر في هدوء دون أن ينطق بحرف حتى أنه لم يودع ريتال.
وأنتَ من أهله، همست بخيبة أمل وهي تُغلق الباب ومن ثم تتجه إلى الداخل بحثًا عن والدتها.
أما عن صالح فتوجه إلى الطابق خاصة والده، وأثناء بحثه عن المفتاح قام والده بفتح الباب من الداخل وهو يرمقه بإزدراء قبل أن يبتعد مفسحًا المجال له للدخول، حاول صالح تجنب النظر إلى والده واتجه إلى غرفة عطر ليضعها في سريرها الوردي الصغير.
فضلت تعيط طول اليوم بسببك، والله البنت دي حصلها عقدة نفسية هيبقى ذنبها في رقبتك!
تصبح على خير يا بابا. أردف صالح بهدوء غير مباليًا بحديث والده القاسي والذي يعرف جيدًا أنه تعمد قوله لأنه يعرف مدى تأثير عطر على صالح.
دلف صالح إلى حجرته مسرعًا قبل أن يتفوه والده بحرفٍ آخر، ألقى بجسده بإهمال على السرير وهو يتنفس الصعداء فلقد انتهى ذلك اليوم العصيب أخيرًا، أغمض عيناه وهو يسترجع ما حدث اليوم وشعر بالغضب يزداد داخله مجددًا...
اعتدل في جلسته ثم ألتفت إلى الكومود بجانب سريره ليلمح تلك الصورة الفوتوغرافية الموضوعة داخل برواز من الخشب، كانت صورة عائلية تجمعه بوالدته وجده قبل أن ينتقل كلاهما بالإضافة إلى ريتال ونانسي ولقد كان ثلاثتهم في عمر الطفولة ولكن كان هو يكبرهم بالطبع.
ليه مكنش ينفع نفضل أطفال على طول؟ بدل الهم والقرف اللي أحنا فيه دلوقتي؟ ليه كان لازم تسيبوني وتمشوا؟ كان صالح يسأل نفسه وهو يشعر بالدموع تتجمع في عيناه، ففي تلك الأيام كان كل شيء غاية في السهولة...
كان في ذلك الوقت يلهو ويمرح تحت رعاية والدته الحنون وكلما شعر بالحزن أو الخوف طمئنه عناقها الدافئ وصوتها الرقيق...
وماذا عن جده الذي كان يقوم بتدليله لكونه الحفيد الأول للعائلة والذي لم يكن يسمح لوالده بأن يُضايقه بتاتًا والآن كلاهما رحلا عن هذه الدنيا وتركاه وحيدًا لا يهون عليه شيء سوى ذلك الملاك الصغير اللطيف الذي تركته والدته من وراءها...
كفكف صالح دموعه في النهاية وهو يعيد الصورة إلى موضعها ومن ثم يقرأ الفاتحة قبل أن يخلد إلى النوم وهو يدعو بداخله أن تتحسن الأحوال.
وبينما كان على وشك الغوص في نومٍ عميق قفز إلى عقله تصرفاته الوقحة مع ريتال اليوم ليزفر بضيق شديد، فهو لم يتعمد أن يقوم بإحراجها لكن مزاجه السيء جعله يتحدث إليها بطريقة غير لائقة لكن في الواقع هو فقط كان يريد الإختفاء من أمامها سريعًا لكي لا تلاحظ تلك الكدمة في وجهه والناجمة عن صفعة والده اليوم.
ريتال أنا أسف أنا مكنش قصدي اتعامل معاكي بإسلوب سخيف النهاردة بس اليوم كان صعب،.
قام صالح بكتابة تلك الرسالة كإعتذار منه عن سوء معاملته وبعد أن انتهى ضغط على زر الإرسال أو هكذا ظن لأنه في الواقع لم يفعل بل أغلق الهاتف وخلد إلى النوم دون أن يُرسل الرسالة فعليًا...
في تمام الساعة الخامسة صباحًا استيقظت ريتال على صوت رنين هاتفها، انتفضت من نومها وهي تبحث عن الهاتف بجانبها وحينما أمسكت به فركت عيناها وهي تحاول قراءة اسم المتصل والذي اتضح أنه كان والدها والذي اتصل بواسطة أحد التطبيقات التي تسمح بالتحدث مع أشخاص من مختلف العام.
أعتدلت في جلستها وهي تحمحم قبل أن تُجيب على المكالمة بسعادة شديدة لأنها وأخيرًا ستطمئن أن والدها بخير بغض النظر عن موعد الإتصال الغريب.
ألو، بابا؟
مين معايا؟ جاءها هذا السؤال بصوت طفولي صغير لم تستطع تحديد إن كان صوت فتاة أو فتى ولكن صوت طفل لا يتعدي الخمسة سنوات تقريبًا.
أنتَ أو أنتِ اللي مين؟ ليه الموبايل ده معاك/ي؟
سألت ريتال بحيرة وهي تشعر ببعض القلق لكون طفل في مثل هذا العمر يتصل من هاتف والدها ولكنها ظنت أنه ربما يكون طفل أحد مُدبرين المنازل الذين يأتون لتنظيف منزل والدها ومساعدته في الأعمال المنزلية هو ورفاقه بالسكن.
لكن كل تلك الظنون قد تلاشت وتناثرت مع الريح حينما جاءتها إجابة ذلك الطفل/ة من الجانب الآخر، لقد كانت جملة صغيرة، بسيطة، واضحة وكارثية في الوقت ذاته وهي كالتالي:
ده تليفون بابا.