قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السابع عشر

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السابع عشر

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل السابع عشر

وقعت عيناها على الحديقة متوسطة الحجم وقد صُدمت من كِبر المسافة بين موقعها في أعلى المبني وبين العُشب الأخضر الذي يكسو أرضية الحديقة...

ريتال! أوعي تتحركي من مكانك، تمتم صالح بنبرة هادئة قدر المستطاع على عكس التوتر الذي عصف بقلبه، حاول جاهدًا أن يجعل ريتال تهدأ لكن صوته المفاجئ بالنسبة إليها تسبب في ذعرها أكثر...
اختل توازنها فكادت أن تسقط نحو الأسفل لولا أن تحرك مسرعًا وهو يجذبها بذراعه القوي نحوه أي للداخل، تحرك جسدها الهزيل نحوه لتصطدم به ويسقط كلاهما على أرضية السطح الباردة.

ارتجف جسدها بخوف شديد وقد شعرت ببعض الآلم في أماكن متفرقة في جسدها نتيجة اصطدامها بالأرضية وإن كان صالح قد تأذى أكثر كونه اصطدم حاملًا وزنه ووزنها معًا.
أنتِ كويسة؟ سألها بهدوء وهو يحاول إلتقاط أنفاسه بصعوبة فلقد تعرض لموقف يُعد من أكثر مواقف حياته رعبًا، لم تُجيبه ريتال وأكملت بكاءها وهي تضم ركبتيها إلى صدرها ليطالعها بحزن شديد امتزج بالغضب لفعلتها الحمقاء تلك.

ساد الصمت لثوانٍ لا يعلم فيها ماذا عليه أن يفعل، هل يجب أن يُقظ عمته أو جدته؟ هل عليه مهاتفة والدتها لعل تحدث ريتال إليها قد يهديء من روعها؟ لكن لا فلو تحدثت ريتال إلى والدتها وهي في هذه الحالة ستتسبب في إصابة الأخيرة بسكتة قلبيه بلا شك، رفع عيناه نحوها ليجدها ترتدي ثياب منزليه لن تشعرها بالدفء في مثل هذا الطقس بالإضافة إلا أنها كانت بلا حجابها؛ بالطبع هي لم تُفكر في أنها قد تقابل صالح أثناء صعودها للقفز من أعلى المبني!

ريتال خليكي هنا ثواني متتحركيش هجبلك حاجة تغطي بيها شعرك وتدفي علشان الجو برد.

تمتم صالح بهدوء قدر الإمكان وهو يستقيم من جلسته وبعد أن كان على وشك المغادرة عاد أدراجه وهو يُردف: ولا أقولك أنا مش ضامن هتعملي أيه، استنيني على السلم تحت.

هستنى هنا، مش هعمل حاجة،
كانت نبرتها صادقة للغاية ومع نحيبها كالأطفال شعر صالح بأنه مُجبر على منحها الثقة وإن كان مازال قلقًا بداخله، هرول صالح نحو الخارج ودلف إلى شقته هو ووالده باحثًا عن وشاح رأس من خاصة والدته رحمها الله ومعطف كذلك.

بعد خمسة دقائق تقريبًا عاد نحو الأعلى راكضًا ليجدها كما تركها في البقعة ذاتها من الأرض بينما يرتجف جسدها لم يكن واثقًا إن كان من البرد أم من النحيب والبكاء.
اتفضلي. تمتمت وهو يمنحها أغراض والدته دون أن ينظر نحوها لتتناوله من يده، ترتدي الوشاح أولًا يليه المعطف وفي غضون ثوانٍ شعرت بالدفء يحيط بجسدها.

أنا جبتلك مياه، أتفضلي. قال قاطعًا الصمت وهو ينظر نحوها هذه المرة وبمجرد أن تلاقت أعينهم ولمح ثياب والدته عليها شعر بوخزة في قلبه، لقد كانت تناسبها تمامًا، لقد أختلطت مشاعره في تلك اللحظة فهو لم يكن ليسمح لأي امرأة أو فتاة آخرى بإستخدام ثياب والدته الراحلة لكن ريتال كانت استثناء من هذه القاعدة بالنسبة إليه.
بقيتِ أحسن دلوقتي؟

الحمدلله. همست بوهن ليتنهد قبل أن يُشير إليها بأن تستقيم كي يجلس كلاهما على الأريكة بدلًا من الأرضية الباردة، فهمت على الفور ونفذت طلبه.
حاول صالح التفكير في كيف عليه أن يبدأ حديثه، لكن في النهاية مشاعر الهلع، الغضب، واللوم سيطرت عليه ليجد نفسه يصيح فيها موبخًا إياها دون إرادة منه قائلًا:.

ممكن أعرف أيه اللي الجنان اللي كنتِ هتعمليه ده يا ريتال؟ أنتِ مدركة طيب كنتِ هتعملي أيه؟ ليه كده يا بنتي ليه؟ تجمعت الدموع في عيناها أكثر فآخر ما تحتاج إلى سماعه في مثل هذا الوقت هو التوبيخ هكذا كانت تفكر لكنها لم تكن تعلم أنها ربما تلك هي الطريقة المُثلى لإخراج نفسها من الفقاعة التي حُبست داخلها.

أنا أسفة، همست بضعف وهي تطالع صالح بأعين خجلة وإن كانت غير نادمة على فعلتها لكنها ليست في وضع يناسب التعرض للتأنيب.

أسفة على أيه يا ريتال بس؟ أنتِ شايفة إن اللي كنتِ هتعمليه ده ممكن يتحل بمجرد أسف؟ ساد الصمت لبرهة حيث لم تجد ردٍ مناسب على أسئلته.
لقد اخطأت أجل لكنها كانت ترى أن هذا هو الحل الأمثل لجميع مشاكلها والآن عتاب صالح لم يجعلها تشعر بأي شيء سوى الفشل، لقد فشلت حتى في إنهاء حياتها وحل مشاكلها والآن عليها أن تعيش عواقب فعلتها الحمقاء!

طب مفكرتيش حتى في طنط زينة؟ مفكرتيش ممكن يحصل فيها لما تعرف؟ طب وتيته، عطر أو فيا مثلًا؟ فكرتي أنا هحس بإيه لو كنتِ موتي! جعلها تشعر بالمزيد من الذنب حتى أن قلبها كاد أن يقفز من موضعه حينما ذكر نفسه في وسط من ستُدمر حياتهم إن كانت نفذت خطوتها تلك، صمتت لبرهة قبل أن تُعقب على حديثه بمرارة مُردفة: صالح، مش ملاحظ إنك مجبتش سيرتي في جملتك أصلًا؟ وكأن كل اللي يفرق هو زعلكوا طب وأنا؟ أنا يا صالح،.

طيب خليني أقول كلام ليكي أنتِ، ريتال الإنتحار مش هو الحل.
أومال أيه الحل؟

في حلول كتير غير إنك تقضي على حياتك بسبب شوية مشاكل أكيد ليها حل.
قولي حل واحد منهم! طالما أنتَ مش مكاني يبقى مش من حقك تحكم عليا يا صالح، أنتَ مش عارف أنا عايشة في أيه من وقت ما عرفت اللي بابا عمله! صاحت في وجهه وهي تبوح بما يجول في خاطرها ليمتعض وجهه قليلًا وقد أدرك أنه ربما اخطأ في الإتجاه الذي اتخذه الحوار بينهم.

تنهد صالح وهو يعيد خصلات شعره نحو الخلف كحركة لا إرادية عندما يشعر بالتوتر وهو يفكر هل عليه أن يبوح بذلك السر الذي أخفاه داخله لوقتٍ طويل أم أن قول شيء كهذا لن يُفيد؟
طيب لو قولتلك إن أنا كنت مكانك هنا قبل كده وكنت هعمل نفس العملة بس حسيت انه ملهاش لازمة هتصدقيني؟

سألها صالح بجدية ليخيم الصمت على المكان لبرهة وهي تُفكر في احتمالية أن يكون حديثه صادق لكن في النهاية عقلها رفض تصديق الأمر فمؤكد أنه يقول ذلك كنوع من أنواع الدعم لكنها ليست بهذه السذاجة، أخذت نفسٍ عميق قبل أن تُجيبه ببساطة:
لا.

كنت عارف والله، عالعموم لو مش مصدقة أنتِ ممكن تسألي طنط زينة هي هتبقى فاكرة كويس الموضوع ده.

ماما؟ وهي ماما هتعرف حاجة زي كده منين؟ هي اللي حاولت تلحقك؟ سألته بعدم اقتناع وهي تضم ركبتيها إلى صدرها مرة آخرى في محاولة منها للحصول على أكبر قدر من الدفء، تنفس الصعداء قبل أن يقول بإختصار:
اه يعني مش بالضبط بس هي اللي لاحظت إني مش موجود وطلبت من عمتي إنها تطلع تطمن عليا ولما طلعوا لاقوني مغم عليا.

ليه بقى عملت أيه في نفسك يعني؟

عايزاني أقولك فأبقى بديكي أفكار جديدة تنهي بيها حياتك؟ أنتِ فاكراني ساذج للدرجة دي؟ سألها مستنكرًا وهو يبتسم ابتسامة صغيرة بمرارة لتزدرد ما في فمها ببطء قبل أن تُردف:
أنتَ هتفضل تذلني يعني بالموضوع؟

يا بنتي أنا مش بذلك! مش ده قصدي أكيد، أنا بس، ريتال أنا مخضوض من الموقف اللي حصل وبحاول أشوف أيه أنسب طريقة كلام معاكي في وضع زي اللي أنتِ فيه ده؟

أيه الوضع اللي أنا فيه بقى؟

ريتال أنتِ في الغالب مريضة. تمتم صالح بهدوء شديد لتتسع أعين ريتال قبل أن تضحك بمرارة وهي تستقيم من مقعدها ليجذبها من معطف والدتها دون أن يلمس يدها وهو يُردف:
أقعدي يا ريتال لو سمحتِ، أنا مش بشتمك أكيد بس أنتِ أكيد مريضة اكتئاب ولازم نشوف حل للموضوع ده.

سيبني يا صالح لو سمحت أنا عايزة انزل أنام.

أحنا لسه مخلصناش كلام بلاش شغل العيال الصغيرة، اقعدي من فضلك واسمعيني، أنا خايف عليكي وأنتِ بجد غالية عندي وعندنا كلنا وأنا مش هستحمل إني أخسر حد تاني أنا بحبه!

تلفظ صالح بتلك الكلمات دون وعي منه، أمتلئت عيناه بالدموع دون إرادة منه حينما تخيل لوهلة ما كان سيحدث لو تأخر لدقيقة آخرى لكان خسرها كما خسر والدته سابقًا...

صالح أنتَ بتعيط؟ طب أنا أسفة حقك عليا،.

ريتال أوعديني إنك مش هتعملي حاجة زي دي تاني من فضلك. أردف بنبرة جادة وهو ينظر إلى داخل عيناها لتتأمل ريتال عيناه البنية التي صُبغت بالحمرة قبل أن تشيح بنظرها بعيدًا عنه وهي تهمس:
أوعدك، صحيح هو أنتَ كنت طالع في الوقت ده تعمل أيه؟ سألته في محاولة بائسة منها للهرب من الحوار الذي كان يدور بينهم ليفرك صالح عيناه قبل أن يُجيبها بهدوء:
أشرب سيجارة.

فاضية ولا محشية؟ كان سؤالها غير متوقع بتاتًا خاصة في سياق حديثٍ كهذا، انفجر صالح ضاحكًا حتى آلمته معدته قبل أن يسألها مستنكرًا:
كمان عارفة السجاير المحشية؟ لا لا سيجارة عادية عادي من اللي بتتجاب من الكشك دي.

اول مرة اعرف انك بتدخن.

مكنتش بشرب وكنت بكرهها جدًا، تعرفي إن ماما الله يرحمها كانت على طول بتتخانق مع بابا عشان السجاير وانا كمان كنت طالع بكرهها، معرفش أيه اللي حصل وخلاني اشربها، شكلي واحدة واحدة بتحول لنسخة منه،.

لا طبعًا يا صالح أنتَ مش زي عمو خالص، أنتَ طيب وقلبك أبيض على الأقل ده اللي ظاهر واللي أعرفه يعني.

قصدك أيه؟

قصدي إن أنا مبقتش واثقة في حاجة ولا في حد كل لما أثق في حد بطلع مغفلة في الآخر، تفوهت بمرارة شديدة ليبتسم صالح ابتسامة صغيرة في محاولة لتلطيف الأجواء بينما يُردف ممازحًا:
عيب عليكي والله ده أنا صلوحة يا ريتال اللي متربي معاكي من سنين.

طب ما بابا اللي خلفني طلعت مخدوعة فيه أكيد أنتَ مش هتبقى أقرب ليا من بابا ولا أيه؟

عندك حق تقلقي وتخافي من الناس بس صدقيني لو الناس دي كلها بتمثل عليكي الحب والإهتمام فأنا عمري ما كنت ولا هكون زيهم.

أتمنى يا صالح،.

طيب أنا بقول الوقت اتأخر أوي وأنتِ شكلك مرهق خالص يلا ننزل ننام. أومئت بإستسلام وهي تستقيم من جلستها ويفعل هو المثل وفي طريقهم نحو الأسفل توقفت لبرهة واستدارت لتواجهه بينما تطلب منه الآتي:
ممكن تديني مفتاح شقة تيته، أنا مش عايزة أنام في الشقة تحت مع بابا ومراته عايزة أبات في حضن تيته النهاردة.

أكيد طبعًا، هي أصلًا شوية وهتلاقيها صحيت لأنها بتقوم قبل الفجر تصلي وتقرأ قرآن.

تمام أنا عايزة بقى ألحق انزل قبل ما تصحي لأن معنديش طاقة أجاوب على أي سؤال،.

ماشي نامي وإن شاء الله لينا قاعدة تاني مع بعض الصبح لأن الكلام لسه مخلصش.

أومئت ب حسنًا وهي تتجه نحو الأسفل بعد أن منحها المفاتيح خاصته، ودعها صالح بعد أن تأكد من أنها دلفت بسلام إلى شقة جدتها، تنفس الصعداء وهو يفرك عيناه بتعب وإرهاق لقد استنذفت تلك التجربة الشنيعة ما تبقى من طاقته...

توجهت ريتال بخطوات بطيئة نحو حجرة جدتها، خلعت المعطف ووشاح رأسها ثم اختبأت أسفل الأغطية إلى جانب جدتها والتي استيقظت على الفور لشعورها بحركة ريتال لكنها لم تسألها عن شيء ولم تبدو عليها الدهشة قط بل على العكس قامت بفتح ذراعيها لكي تستقبل ريتال والتي لم تتردد وغاصت في أحضان جدتها، كانت هذه المرة الثانية على مدار كل تلك السنوات التي شعرت بها ريتال بحنان جدتها.

في صباح اليوم التالي قرب الساعة الحادية عشرة توجه صالح إلى الأسفل كي يتحدث إلى جدته والتي من المؤكد أن الحيرة قد أصابتها حينما وجدت ريتال إلى جانبها، رحبت الجدة بحفيدها وقامت بتحضير الفطور من أجله بإصرار شديد بالرغم من أنه لم يمكن يرغب في إتعابها.

قولي بقى يا صالح أيه اللي خلى ريتال تنزل هنا قرب الفجر كده؟

مفيش يا تيته حضرتك عارفة إن مرات عمي مش سالكة وبتفضل تضايق في ريتال وهي مبتعرفش تتصرف معاها فقولتلها انزلي باتي عند تيته.

وأنتَ قولتلها فين؟ مش كل واحد فيكوا كان في شقته ولا أنتوا كنتوا مع بعض ولا أيه؟

سألت الجدة وهي تحاول استيعاب ما يقوله صالح، اضطربت معالمه قليلًا فهو لا يريد من جدته أن تُسيء فهم ما حدث فلو أخبرها أنه كان برفقة ريتال قرب الفجر لظنت أن هناك شيء خاطئ كان على وشك أن يحدث ولربما طلبت منه أن يتزوجها في التو واللحظة لكي لا تنتشر الفضيحة.

لا لا كنا مع بعض أيه بس يا تيته؟ هي بعتتلي على الموبايل من بدري وأنا قولتلها انزلي باتي عند تيته بس شكلها كده كانت مستنية لما يناموا بقى علشان تعرف تنزلك وكده. كذب صالح بنبرة هادئة محاولًا إخفاء توتره لتومئ الجدة بهدوء وهي تمنحه المزيد من الطعام.

طيب تيته بعيدًا عن الكلام ده بقى ممكن اطلب طلب من حضرتك؟

اشجيني يا أخويا.

ممكن تقولي لعمو عبدالرحمن إنه يخلي طنط زينة تيجي وتقعد مع ريتال يومين، ريتال مش هتقدر تستحمل شهرين كمان أو لآخر الترم من غير مامتها هيجرالها حاجة صدقيني.

في أيه يا صالح وغوشتني عليها؟ حصل أيه؟ أنا قولت برضوا حكاية البيات هنا دي فجاءة كده مش داخلة دماغي!

مش مهم اللي حصل يا تيته، المهم إن طنط زينة لازم تبقى هنا على...

لم يُكمل صالح جملته حيث أخترق أذنه صوت زينة زوجة عمه السابقة، لوهلة ظن أنه يتوهم من كثرة تمنيه قدومها لمساعدة ريتال لكنه تأكد أنه لا يهلوس حينما قامت عمته بفتح الباب الخارجي للمنزل والسماح لها بالدخول.

أهلًا أهلًا يا زينة نورتي، اتفضل يا حاج البيت بيتك. رحبت بهم غادة بدهشة واضحة فهي لم تظن قط أن زينة قد تعود وبرفقة والدها؟ لقد كان الأمر غير متوقع بتاتًا، ابتسم رضوان بتكلف وهو يُردف:
لا ربنا يباركلك أنا هستنى هنا ياريت بس تنادي على أخوكي يطلع علشان محتاجين نتكلم معاه شوية على انفراد.

عيوني يا حج، عاملة أيه يا زينة؟ ليكي واحشة والله، كل يوم تيجي في بالي وأقول ولا يوم من أيامك يا زينة يا حبيبتي. تحدثت غادة بشوق زائف كان من السهل على زينة أن تستشعره لتظهر ابتسامة جانبية ساخرة على ثغرها بينما تُعقب:
لا والله؟

أيه يا زينة مش مصدقاني ولا أيه؟ ده أنتِ غلاوتك عندي في غلاوة الأخت، استني هنادي على عبدالرحمن وريتال.

تنادي ريتال؟ هي ريتال مش في المدرسة؟ وغادة نفسها مش في المدرسة، عقدت زينة حاجبيها بقليل من التعجب وقد شعرت بالقلق يزداد داخلها مرة آخرى لكن قاطع تدفق أفكارها ومشاعرها ظهور صالح من اللامكان فجاءة.

صباح الخير يا طنط زينة، حمدلله عالسلامة.

صالح! ريتال فين؟ أنا كنت هروحلها على المدرسة بس عمتك بتقول إنها هنا.

اه هي هنا فعلًا نايمة جوا عند تيته.

عند جدتك؟ ليه حصل أيه؟

محصلش حاجة يا عمتو اهدي بس هي محبتش تبات فوق عند عمي ومراته فأنا اقترحت عليها تبات عند تيته.

وأنتَ كلمتها أمتى بليل علشان تعرف إنها مش عايزة تبات فوق؟

تعالي بس جوا يا طنط متقفيش على باب العمارة كده، أنا هفهمك كل حاجة.

نبس صالح محاولًا طمئنتها لتومئ زينة وهي تدلف معه نحو الداخل بحيث تقف أمام مدخل شقة حماتها سابقًا، في تلك الأثناء كانت تجلس بثينة بالداخل غير مدركة لوجود زينة بعد.

في ذلك الوقت استيقظت ريتال بتكاسل شديد وهي لا تدرِ كيف استطاعت النوم لكل هذا الوقت؟ فهي في العادة تنام لسبعة ساعات على الأكثر وفي الأيام القليلة الماضية لم تكن تكمل الخمسة ساعات من الأساس لكنها اليوم فاقت ذلك الرقم بكثير، غادرت حجرة جدتها بعد أن وضعت الحجاب خاصة والدة صالح على رأسها.

تسلل إلى أذنها صوته من الخارج وهو يتحدث إلى أحدٍ ما لكن لم يكن الحديث واضحًا نظرًا للمسافة بين الحجرة ومدخل الشقة، بعد أن خطت خطوتين نحو الخارج لمحت جدتها تجلس على الأريكة لذا ابتسمت ابتسامة صغيرة بينما كانت على وشك إلقاء التحية على جدتها لكن سرعان ما تخلل أنفها رائحة عطر محببة إلى نفسها، رائحة اشتقات إليها كثيرًا في الأيام الماضية تبع شذى العطر صوت والدتها الحنون لتمتليء عيناها بالدموع دون أن تدرك وهي تركض نحو المصدر الصوت لتُلقي بنفسها داخل أحضان والدتها الحنونة.

ماما، ماما وحشتيني أوي،.

يا روح قلبي، وحشتيني أكتر، وحشتيني يا حبيبتي، أردفت زينة من بين دموعها وهي تربت بيدها على ظهر ابنتها، دام العناق لدقيقة تقريبًا قبل أن تفصله والدتها وهي تفحص ابنتها جيدًا بعيناها، لقد فقدت الكثير من الوزن وأصبح وجهها شاحب، أصبحت عيناها ذابلة من كثرة البكاء كما أن الرعشة التي في يدها كانت واضحة للغاية.

أيه اللي حصلك يا حبيبتي؟ أنتِ مش بتاكلي كويس ولا أيه؟ سألت زينة وهي تعيد فحصها مرة آخرى في انتظار جواب ريتال لكن سبقتها الجدة بثينة مجيبة بدلًا عنها قائلة:
مش بتاكل خالص يا زينة يا بنتي، بحط اللقمة في بوقها بالعافية والله حتى اسألي صالح.

ليه كده يا ريتال؟ مش أحنا اتفقنا إنك تفضلي كويسة لحد أما أرجع علشان أخدك معايا؟ لم تستطع ريتال الإجابة على جملة والدتها حتى أنها تحاشت النظر إلى عيناها لتقع عيناها على صالح الذي طالعها بنظرات لوم وعتاب وكأنه يذكرها بالذنب التي كانت على وشك اقترافه قرب الفجر.

أنا أسفة يا ماما حقك عليا، أوعدك إن أنا هحافظ على صحتي، هو، هو مش أنتِ جاية تاخديني معاكي النهاردة؟

لا، بس هاجي قريب أوي صدقيني، أنا جيت علشان حسيت إنك مش كويسة، نغزة في قلبي كده وأحساس بالضيق كان ملازمني طول اليوم امبارح ومقدرتش أتحمل أكتر من كده كان لازم أجي أشوفك. انهمرت دموع ريتال أكثر وهي تشعر بالذنب يمزق قلبها إلى أشلاء صغيرة، رمقت صالح بنظرات ذات مغزى قبل أن تُردف:
متقلقيش أنا بخير أهو الحمدلله، قوليلي طيب أنتِ هتاخديني أمتى؟

إن شاء الله شهر أو اتنين بالكتير ده لو باباكي نشف دماغه لكن لو اتفقنا بالود كده هاخدك قريب، قريب أوي كمان. تحدثت زينة بنبرة مطمئنة لا تخلو من الحماس والثقة فلقد جعلتها تشعر مريم أنها في موضع قوة، قاطع صالح نبرتها الحالمة وهو يسألها بجدية:
طيب يا طنط هي ازاي هتيجي معاكي في نص الترم كده؟ مش في مدرسة؟

مش مهم، أنا ممكن أعيد السنة مش فارق معايا المهم أفضل مع ماما!

لا لا إن شاء الله مش هنحتاج لكده، أنا هحاول أتصرف في الموضوع ده أكيد ليه حل بس متشغليش بالك بالموضوع ده دلوقتي خليه لوقته.

حاضر يا ماما.

بصي أنا هخرج استنى في العربية برا علشان محتاجة أتكلم مع باباكي ضروري وهحاول أعدي عليكي تاني هنا قبل ما أسافر ماشي؟ أعلنت زينة بلطف شديد وهي تكور وجه ريتال بين يديها ثم تكفكف دموعها لتومئ الأخيرة بقلة حيله فهي لم تكتفي قط من والدتها لكن تلك المقابلة على الأقل قامت بالرفع من روحها المعنوية وأنارت بداخلها بصيص من الأمل على عودة والدتها وتحسن الأمور.

صالح زي ما اتفقنا ريتال أمانة في رقبتك أنتَ وماما بثينة لحد أما أرجع.

صدقيني يعز عليا فراقك أنتِ وبنتك عن بعض يا زينة بس أنا مفيش في إيدي حاجة أعملها يا بنتي، عبدالرحمن مسحوب وراها زي اللي معموله عمل! تحدثت بمرارة شديدة وهي توجه حديثها إلى زينة مرة آخرى وهذه المرة منحتها زينة الإهتمام الكافي وأجابت على حديثها مُردفة:.

مبقاش في داعي للكلام ده دلوقتي يا ماما بثينة، أنا عارفة إن حضرتك ملكيش ذنب، أنا محتاجة استنى برا دلوقتي لو في أي حاجة يا ريتال أو لو حسيتي إنك متضايقة في أي وقت كلميني ماشي؟

حاضر يا ماما. همست ريتال بضعف وهي تقترب من والدتها لتعانقها مرة آخرى قبل مغادرتها للمكان، ومن شدة توتر الأجواء نسيت زينة أن تطلب من ريتال أن ترافقها للخارج لإلقاء التحية على جدها والذي لم تعلم ريتال بمرافقته لوالدتها من الأساس.

جلست ريتال إلى جانب جدتها في محاولة بائسة منها لإستيعاب ما يحدث فلم يكن عقلها قادرًا على تصديق أنها قد قابلت والدتها للتو، في تلك الأثناء كان والدها يتجه نحو الخارج ليقابل والدتها.

يااه زينة؟ أخيرًا عقلتي ورجعتي بيتك؟ كنت عارف على فكرة إن ده هيحصل وكنت مستني بفارغ الصبر.

تمتم عبدالرحمن بنبرة رومانسية مبتذلة لترمقه زينة بسخرية ولكن قبل أن تجيبه شعر عبدالرحمن بيد أحدهم تصفع قفاه وقد كان والد زينة الذي قال:
تعالى يا حبيبي اركب معانا العربية.

عم رضوان؟ أيه النور ده كله؟ أتفضل يا حمايا. نبس عبدالرحمن برعب واضح وهو يحاول أن يسير نحوهم بخطوات سريعة دون أن يتعثر، رمقه والد زوجته السابقة بإزدراء قبل أن يُعقب على جملته بحنق واضح:
أنا مش حماك ولا زفت هتركب معانا العربية بالذوق ولا تحب أفرجك البلطجة اللي بجد؟

لا لا وعليه بس ممكن بس أغير هدوم البيت؟

قدامك عشر دقائق. حاولت زينة كتم ضحكاتها وهي تراقب تعابير وجه طليقها المرعوبة من والدها وللمرة الأولى شعرت بلذة الإنتصار!

بعد عشرة دقائق توجه عبدالرحمن إلى الأسفل بينما وقفت زوجته تراقبهم بمزيج من الغيظ والإحتقار بالداخل فلقد كانت تعتقد بسذاجتها أن زينة جائت لطلب السماح منها هي وزوجها كي يقوم بردها إلى زمته مرة آخرى لقظ تحطمت كل أحلامها حينما رأت السيارة الفاخرة التي قادت زينة ووالدها إلى هنا وقد زاد فضولها لمعرفة هوية صاحب أو صاحبة السيارة والذي لم يغادرها قط!

أنتَ هتروح معاهم بجد؟

أنتِ شايفة أيه يعني؟ عايزاني أقول لا وفي الآخر أطلع من بيتي متهزق قدامك أنتِ وابني؟

لا يا أخويا راجل أوي وعندك شخصية! متتأخرش عليا بس يا حبيبي.

حاضر خلي بالك على يوسف وريتال لحد أما أرجع. أومئت وهي تضع أحدى يديها على خصرها بإعتراض، لوح لها عبدالرحمن بأن تدلف إلى الداخل لترمق زينة بإشمئزاز لمرة أخيرة قبل أن تنفذ طلب زوجها على مضض.

أركبي يا زينة قدام جنب الأستاذة وأنتَ تعالى أقعد جنبي ورا. نفذ عبدالرحمن بخوف كجرذ صغير يهرب من صائده، ساد الصمت طوال الطريق بينما يسب عبدالرحمن نفسه واليوم الذي قرر فيه الزواج من تلك المرأة وترك زينة فالأمور أصبحت غاية في التعقيد الآن ولكونه أحمقًا لم يظن لوهلة أن والد زينة قد يدعمها سواء على الجانب المادي أو المعنوي لكنه كان مخطئًا تمامًا على ما يبدو.

توقفت السيارة أمام مقهى بسيط بالقرب من المنزل ليرتجل الجميع من السيارة، جلست زينة في مواجهة أبيها الذي جلس إلى جانب عبدالرحمن بينما كان الأخير في مواجهة المحامية وكان الهدف من ذلك هو أن تتحاشى زينة النظر إليه تمامًا كي لا تشعر بأي نوع من الحنين الذي قد ينشأ داخل قلبها رغمًا عنها.

طيب يا أستاذ عبدالرحمن علشان منضيعش من وقت حضرتك أو من وقتنا، أنا الأستاذة مريم وائل المحامية بتاعت طليقة حضرتك.

محامية؟ أنتِ لحقتي توكلي محامية؟ دفعتيلها منين إن شاء الله؟ ولا كنتِ بتدكني من فلوسي؟ سأل عبدالرحمن بحنق شديد فلقد شعر أنه على وشك أن يفقد عقله، كيف استطاعت إيجاد محامية بهذه السرعة؟ بل ومن أين جاءت بالمال الكافي من الأساس؟ نكزه والدها في كتفه بحدة وهو يُردف من بين أسنانه:
اضبط يالا واسمع الكلام اللي هتقوله الأستاذه.

تحت أمرك يا عمي.

عمى الدببة، أنا مش عم حد. سخر منه حماه سابقًا ليحمحم عبدالرحمن بحرج شديد أن يقول:
اتفضلي يا أستاذة أنا سامعك، أيه المطلوب مني يعني علشان مش فاهم؟

مش مطلوب منك حاجة خالص أنا بص عندي عرض ليك معرفش هيعجبك ولا لا.

تمتم بثقة شديدة وهي تبتسم ابتسامة سمجة ليصك عبدالرحمن فكيه بإستياء فلقد كان يقول الكلام ذاته لزينة منذ أسبوعين أو ثلاثة تقريبًا والآن هو يسمع الجملة ذاتها بعد أن أصبح في موضع ضعف بدون أي مقدمات!

طبعًا حضرتك عارف إن في نفقة ومؤخر وإن المفروض في حاجات كمان مكتوبة في قائمة المنقولات وحضرتك طبعًا مدفعتش جنيه منهم ولا رجعت الحقوق لصاحبتها. اضطربت معالمه وبدأ في تحريك قدميه بحركات ترددية متكررة بينما يفرك كفيه في توتر واضح، زادت ابتسامة مريم اتساعًا وهي تتابع:.

حضرتك قدامك حل من اتنين، واحد ترجع حقوق مدام زينة كاملة وفوقهم طبعًا حضانة البنت، اتنين حضرتك تقرر تعند وندخل بقى في سكة محاكم ونحدد دخل حضرتك كام بالضبط وعلى أساسه هتحدد النفقة وتتبهدل معانا لا وكمان لسه هتدفع أتعاب محامي وبرضوا بعد كل ده أحنا اللي هنكسب القضية.

ده تهديد يعني ولا أيه؟

أنا بكلمك بالقانون لو حضرتك شايف إن القانون تهديد ليك تبقى مشكلة حضرتك مش مشكلتي أنا، أنا هسيب لحضرتك مهلة أسبوع واحد تفكر ولما الأسبوع ده يخلص هتلاقينا أحنا التلاتة تحت بيت حضرتك يا إما علشان نعمل قاعدة عرب كده ونوصل لاتفاق عادل بالنسبة لينا كلنا يا إما علشان أوصلك إخطار من المحكمة بنفسي.

أردفت وهي ترتشف من كوب القهوة الذي وضعه النادل أمامها بينما تضع أحدى قدميها فوق الآخرى، ازدرد عبدالرحمن ما في فمه بصعوبة وهو يحاول أن يستوعب ما يُقال له ويحسب نتائج القرارات المتاحة أمامه في النهاية قرر أن يطلب منها أن تمنحه المهلة المحددة لكي يُفكر.

يبقى اتفقنا يا أستاذ عبدالرحمن، قدامك أسبوع واحد وترد علينا.

طيب أنا عايزة أخد بنتي معايا يا عبدالرحمن من النهاردة، أنتَ شايف شكلها بقى عامل ازاي وحالتها النفسية وبما إنها كده كده في الآخر هتبقى معايا يبقى ملهاش لازمة المماطلة.

لا مش موافق، ريتال هتفضل معايا على الأقل لحد لما نلاقي حل مشترك وبعدين يا أستاذة زينة بنتك عندها مدرسة ودروس وأكيد مش هيعجبك يعني إنها تعيد السنة علشان شوية عِند ده خلاص الترم قرب يخلص. عقب على حديث زينة بإستفزاز شديد لتضحك هي ساخرة قبل أن تقول بمزيج من المرارة والإستنكار:.

ده على أساس إن مصلحة ريتال فارقة معاك أوي يعني؟ بقولك بلاش تمثيل يا عبدالرحمن ده أنتَ، كان الإستياء واضحًا من نبرتها وقد بدأت علامات الغضب في الظهور على وجه عبدالرحمن الذي كان على وشك أن يُعقب على حديثها لكن والدها سبقه وهو يقاطع ابنته بصوته الرخيم قائلًا الآتي لإنهاء الجدل الذي كان على وشك أن يبدأ:.

استني يا زينة هو بيتكلم صح، غالبًا ريتال لازم تفضل لحد ما الترم ما يخلص والترم التاني أنا هحاول أتصرف وننقلها عندنا ووقتها إن شاء الله هتبقى الحضانة معانا والنفقة وكل حاجة في صفنا أحنا ومحدش هيقدر يفتح بوقه أو يعترض.

هنشوف يا عمي مع إن أنا واثق إن الحق هو اللي هيكسب في الآخر علشان اللي بنتك بتعمله فيا ده مش عدل أبدًا! ربنا على الظالم يا شيخه! أردف عبدالرحمن بنبرة درامية وهو يُمثل دور الضحية، رمقته زينة بأعين متسعة لا تكاد تصدق أن بجاحته وصلت إلى هذا القدر لكنها لم تستطع أن تجد كلمات تُعبر عن شعورها لذا سبقها والدها قائلًا:
بقولك أيه قوم غور من هنا علشان أنا راجل كبير عندي الضغط والسكر ومش حِمل سماجتك دي!

أمرك، أمرك يا عمي. تمتم وهو يستقيم من مقعده مغادرًا المكان فلقد وجد فرصة جيدة للهرب من هذا الحصار، ساد الصمت لبرهة بعد رحيله قبل أن تُردف مريم بجدية مع ابتسامة صغيرة:
أظن هو أدرك كويس الوضع اللي بقى محطوط فيه، معتقدش أنه هيوافق على الحل الودي أصلًا.

أومال ليه خلتينا نجرب معاه؟

أولًا أنا حبيت أشوفه لأني لازم أشوف الخصم قبل المحكمة، ثانيًا بقى وجودنا قدامه كده من غير ترتيب عمله حالة من الرعب واللغبطة وده طبعًا مفيد بالنسبالنا، أنا أصلًا أفضل إننا نحل الموضوع في المحكمة علشان كل مستحقاتك ترجعلك كاملة لأن واحد زيه ممكن يحاول يلعب في الورق أو يغير حاجة كده ولا كده.

ربنا يحميكي يا مريم يا بنتي، الحمدلله إن ربنا كرمنا وحطك في طريقنا.

العفو يا مستر ده شغلي وبعدين حضرتك جمايلك فوق رأسي يعني.

تابع ثلاثتهم الحديث لبعض الوقت قبل أن يتوجب عليهم العودة إلى الإسكندرية من أجل العمل، لم تستطع زينة أن ترى ريتال مرة آخرى قبل رحيلها لكنها هاتفتها وأخبرتها بأنها ستزورها مجددًا قريبًا.

في تلك الأثناء كانت تجلس ريتال أمام صالح على طاولة الطعام خاصة جدتها وكانت تلك هي المرة الأولى التي وافقت فيها ريتال على تناول الطعام دون إبداء أي اعتراض فرؤية والدتها اليوم حسنت من مزاجها للغاية، ساد الصمت بينهم لتقرر ريتال مقاطعته موجهة حديثها إلى صالح قائلة:
صالح على فكرة أنتَ مقولتليش أنتَ ليه كنت عايز تنتحر.

بس وطي صوتك هتفضحيني! هحكيلك يا ستي بس أوعي تقولي لحد.

هقول لحد زي مين مثلًا يعني؟ شايفني بكلم حد من الأساس؟ سألته ساخرة بمرارة ليزم شفتيه قبل أن يقول:
خلاص براحة أنا أسف، بصي هو الموضوع ده حصل وقت وفاة ماما الله يرحمها، هي كانت تعبانة أوي آخر أيامها وأنا كنت لسه عيل بقى كنت مشغول شوية عنها بالمدرسة والدروس وكده وفي يوم رجعت على صوت بابا وهو بيزعق وبيعيط وبيقولهم أنتوا أكيد غلطانين هي وعدتني أنها مش هتموت وتسبني،.

تحدث صالح وقد نمت على ثغره ابتسامة مهزوزة تنم عن الآلم الشديد، كان يفرك كفيه بتوتر شديد محاولًا السيطرة على مشاعره وعدم إطلاق العنان لدموعه، رمقته ريتال بتأثر شديد امتزج بالشعور بالذنب لأنها جعلته يسترجع تلك الذكريات المؤلمة...

بس أنا دخلت بقى لاقيتها نايمة، كانت شبه الملايكة وكل الإرهاق والتعب مكنوش باينين على وشها كأنها كانت بصحتها، قربت منها وبوست إيديها وفضلت اتحايل عليها أنها ترد عليا وتقوم بس مردتش، توقف صالح عند تلك النقطة وهو يمسح دمعة فرت هاربة من عيناه دون رغبة منه قبل أن يحمحم ثم يتابع:.

المهم يعني بعد وفاتها بابا أتغير معايا أوي بقى قاسي جدًا، بيسبني طول اليوم أنا وعطر وبيرجع الفجر، بقى بيضربني، مبقاش مهتم بيا ولسبب معرفوش كان مقتنع إن أنا وهي السبب في وفاتها، بس يا ستي كل ده اتجمع فوق بعضه مع ضغط المدرسة والصحاب فلاقيت نفسي مفيش قدامي حل غير إن أنا أحاول أنهي حياتي.

طب وبعد ما أتلحقت عمو عرف؟

لا طبعًا ده كان بهدلني لو عرف! بصي هي طنط زينة خبت الموضوع قالتله إن جالي تسمم من أكل الشارع وكده وطبعًا اتهزقت يعني بس مش مهم.

أنا برضوا مش فاهمة، ما تقولي الموضوع كله يا صالح وتخلص! أردفت ريتال وكاد أن يُجيبها بكل صراحة لكي يتخلص من الزن.

قاطع حديثهم صوت رنين هاتفه ولقد كانت المتصلة هي حبيبته وزوجته المستقبلية كما كان يتمنى لذا اضطر إلى أن يستأذن من ريتال ويتجه نحو الأعلى كي يتحدث بإريحية، عبس وجه ريتال بمجرد أن غادر وتوقفت عن تناول الطعام وذهبت لمشاهدة التلفاز لعل ذلك يشغل بالها عن تلك الأفكار السلبية.

بعد نصف ساعة عاد عبدالرحمن إلى المنزل وهو يستشيط غضبًا مما حدث، لقد تمت إهانته من قبل والد زوجته وكذلك تم إحراجه من قِبل تلك المحامية الأفعى التي جلبتها زينة معها، بمجرد أن خطى خطوته الأولى نحو الداخل وجد سالي تقف وقد عقدت ذراعيها بإعتراض واضح قبل أن تسأله ساخرة:
أخيرًا شرفت، حمدلله عالسلامة يا أخويا قولي بقى عملت أيه يا سبع البرومبة؟

ما تتكلمي عدل أنتِ كمان هو في أيه؟ كل اللي ملوش لازمة هيفضل يهزق فيا؟

وكمان اتهزقت؟ مين اللي هزقك؟ هي ولا أبوها الراجل الكبير الغتت ده.

هي وأبوها والمحامية اللي معاهم، معرفش بس طلعولي منين دول على الصبح كده؟ سأل بحنق شديد وهو يقترب من السلم لكي يصعد نحو الأعلى لكن أوقفه صوت سالي وهي توسوس له بالآتي:
أكيد ريتال بنتك متفقة معاهم طبعًا، دي أول لما صحيت خرجت على صوت أمها أكيد كانت عارفة إنها جايه ومش بعيد تكون كانت بتسرق من فلوس البيت وتبعت لأمها في الأسبوعين اللي فاتوا.

أنتِ جبتي الكلام ده منين؟

أنا شوفت ريتال بعيني بتشيل فلوس في أوضتها، خمسين في مية في متين جنيه بس مكنتش أعرف بقى هي كانت ناوية تعمل أيه بالفلوس، بس برضوا الله وأعلم مش عايزة أكون بظلمها ولا حاجة.

قالت بنبرة بريئة مصطنعة بعد أن تأكدت من أنها حققت هدفها، نمت ابتسامة خبيثة على ثغرها حينما عقب عبدالرحمن على حديثها بغضب واضح مُردفًا:
يا بنت ال، ، أنا هوريها!

دلف عبدالرحمن إلى شقة والدته بخطوات سريعة وهو يصيح بحثًا عن ريتال التي بمجرد أن سمعت صوته هرولت نحو حجرة جدتها بفزع لتختبيء هناك ولسوء الحظ كان صالح بالأعلى وكانت جدتها في دورة المياه لذا لم ينقذها أحد من والدها.

تعاليلي، فاكرة نفسك هتجري مني؟ أنتِ كنتِ عارفة إن أمك جاية ومعاها جدك ومحامية صح؟ سألها بصراخ وهو يركض من خلفها ليجذبها من يدها بقوة نحو الخارج قبل أن يصفعها على وجهها بقوة.

والله يا بابا مكنتش أعرف حاجة،.

أنتِ كدابة يا بت، وعلى فكرة بقى أمك دي جبانة ولا هتعرف تعمل حاجة ومبقاش راجل بحق لو ما خليتها تيجي لحد هنا تبوس إيدي ورجلي علشان بس أردى أردها! صرخ وهو يسحبها من ثيابها لكي تستقيم بعد أن سقطت على الأرضية الباردة، في تلك اللحظة جاءت جدتها التي حاولت أن تفصل بينهم وهي تصيح:
أبعد إيدك عن البنت يا عبدالرحمن أنتَ اتجننت!

ملكيش دعوة يا أمي من فضلك، بنتي ومن حقي أربيها بالطريقة اللي تعجبني!

يا بابا والله مكنتش أعرف إنهم جايين أنا أصلًا مش بكلم ماما كتير،.

أنا هقطعلك لسانك ده علشان تبطلي كدب! صرخ مهددًا إياها لتنهمر دموعها أكثر، لم تقدر جدتها على إبعاده عنها لذا هرولت نحو الخارج بأقصى سرعة ممكنة نظرًا لكِبر سنها وهي تصيح باسم صالح والذي توجه نحو الأسفل راكضًا في غضون دقيقتين.

في أيه؟ أيه اللي حصل؟ سأل جدته لكنها قبل أن تجيبه جاءه صوت ريتال الباكي من الداخل ليدلف مسرعًا وبحركة واحدة استطاع أن يفصل بينهم، أختل توازن ريتال وسقطت على الأرض على الفور بينما استطاع والدها أن يحافظ على توازنه.

أنا حذرتك قبل كده يا عمي بس الظاهر إن مفيش فايدة فيك! صرخ صالح وهو يدفع عمه من كتفه بكل قوته ليصطدم الأخير بالحائط بقوة.

أنتَ اتجننت يا حيوان أنتَ؟

كفاية بقى يا عبدالرحمن! أيه مبقاش في احترام خالص لوجودي؟ غور من وشي اطلع على شقتك وعارف لو إيدك دي اترفعت عليها تاني هقطعهالك! تطلع حالًا تجيبلي لبسها وكل حاجتها، هي هتفضل عندي لحد ما أمها تيجي تاخدها من هنا.

صاحت الجدة بصرامة شديدة في محاولة منها لإنهاء ذلك الموقف البغيض المؤلم، ساد الصمت لبرهة بينما يطالعها ابنها الأصغر بعدم تصديق قبل أن يسألها بإستنكار واضح:
أنتِ يا أمي مدركة أنتِ بتقولي أيه؟ أنتِ بتنصري زينة والعيل اللي مترباش ده عليا؟

والله الوحيد اللي مترباش فعلًا هو أنتَ يا ابني، خسارة السنين وصحتي اللي ضيعتها عليك! قالت بحزن وحسرة وهي تلكمه في كتفه بخفة، طالعها بنظرات منكسرة قبل أن يغادر المكان وبالفعل صعد للأعلى كي ينفذ طلب والدته.

معلش يا صالح يا ابني اطلع أنتَ كمان فوق أنا محتاجة أقعد مع ريتال لوحدنا شوية.

حاضر يا تيته لو في أي حاجة كلميني. أومئت ليهم هو بالمغادرة بعد أن ألقى نظرة أخيرة على تلك المسكينة المنكمشة على نفسها على الأرضية الباردة.

قومي معايا يا حبيبتي نغسلك وشك وتدخلي جوا تريحي شوية. استقامت ريتال بصعوبة وهي تحاول جاهدة أن تستعيد توازنها كي لا تصبح حملًا على جسد جدتها الضعيف نسبيًا.

لم تتفوه ريتال بحرفٍ واحد بل جلست تستمع إلى كلمات جدتها التي حاولت تهدأتها بقدر الإمكان، بعد نصف ساعة تقريبًا أحضر والدها معظم أغراضها إلى شقة جدتها، لتقوم بمنحها منامة نظيفة لترتديها ثم قامت بإغلاق الأنوار سامحة لريتال للحصول على قسط من الراحة.

قضت ريتال ساعة ونصف تقريبًا في تأمل سقف الحجرة والبكاء قبل أن تغوص في نومٍ عميق استمر لصباح اليوم التالي أي قضت أكثر من عشرة ساعات في النوم المتواصل وهو شيء لم يكن يحدث معها في السابق.

استيقظت ريتال في الصباح الباكر لتبحث عن ثياب المدرسة خاصتها في خزانة جدتها حيث قامت بوضع ثياب ريتال بصورة مؤقتة، بدلت ثيابها واتجهت نحو الخارج تنتظر حضور الحافلة بالطبع بعد أن حاولت التملص من محاولات جدتها لإقناعها بتناول الفطور، وفي النهاية استسلمت ريتال وقامت بتناول شطيرة واحدة على مضض.

في طريقهم إلى المدرسة جلست ريتال إلى جانب عطر كالمعتاد بينما جلست نانسي في المقعد المجاور لهم في الجهة الآخرى من الحافلة، كانت تتحدث في الهاتف من خلال سماعات الأذن خاصتها وقد كان صوتها أقرب إلى الهمس بحيث لا يصل حديثها إلى مسامع من حولها، لم تهتم ريتال كثيرًا بها فهي باتت لا تطيق رؤية وجهها لكن ما لفت نظر ريتال هو صوت الضحكات المايعة التي كانت تصدر منها من الحين للآخر حتى أن مشرفة الحافلة قامت بتحذيره مرة أو اثنتين.

دلفت ريتال إلى الصف بتوتر واضح فهي على وشك مقابلة تليد، عالية، وحنين والتي لا تعلم كيف عليها أن تتعامل معهم بعد ما رأته وقراءته في تلك الرسائل التي أرسلها ذلك الشخص المجهول، كانت تنوي أن تتجاهلم لكن بمجرد أن جلست وجدت ثلاثتهم قد تجمعوا من حولها.

ريتال هو أنتِ مش بتردي عليا ليه أنا عايز أفهم؟ سأل تليد بنبرة قلقة وإن بدت حادة بعض الشيء لكنها لم تُجيب عليها وتجنبت النظر إليه ولكن وقع نظرها نحو عالية التي سألتها بحيرة تليد ذاتها:
ولا بترد علينا أحنا كمان! أحنا زعلناكي في حاجة طيب؟

عالية معلش ممكن تاخدي حنين أنا عايز أتكلم مع ريتال الأول وبعدين أبقوا اتكلموا معاها.

هتقولها سر يعني؟ رمقها تليد بنظرة حادة لتطالعه بغيظ قبل أن تسحب حنين نحو مقعد بعيد عنهم دون أن تُبعد عيناها عنهم فهي لا تثق في سلوك تليد.

ممكن تقوليلي في أيه؟ ليه شكلك مرهق كده ووشك أصفر؟ أنا عملت حاجة زعلتك طيب؟

تليد هوريك رقم وتقولي بتاعك ولا لا.

رقم أيه مش فاهم؟ رقم تليفون يعني؟ وريني. كانت تعبيرات وجهه محتارة وصادقة لكن ذلك لم يكفي ريتال لكي تثق فيه فلقد عانت بما فيه الكفاية من أشخاص كانت تثق بهم يومًا...

الرقم ده بتاعك؟ ومتكدبش عليا يا تليد بعد إذنك.

لا مش رقمي بس أنا حاسس إني عارف الرقم ده بس مش فاكر بتاع مين.

أحلف يا تليد إنه مش بتاعك.

يا ستي والله مش بتاعي، أنا مش فاهم طيب الرقم ده بيرخم عليكي ولا بيبعتلك مسدچات ولا أيه؟ رمقته ريتال بتردد شديد وهي لا تعلم إن كان يجب عليها أن تصدقه أم لا، لقد بدت نبرته صادقة وتعبيرات وجهه كذلك لكنها لطالما كانت مخطئة حينما يتعلق الأمر بالحكم على الآخرين.

الرقم ده كان بيبعتلي مسدجات بشعة وقاسية أوي، وصاحب الرقم ده أكيد حد قريب مني لأنه كان بيذلني وبيهددني بحاجات ميعرفهاش غير القريبين مني وأنتَ واحد منهم.

نعم؟ بيهددك ازاي يعني؟ وأنتِ ازاي مقولتيش لحد أنا مش فاهم؟ أنتِ يا بنتي تقدري تسجني صاحب الرقم ده بالكلام اللي هو بيبعته!

بجد؟

اه طبعًا! هنا بدأت ريتال تتأكد من صدق حديثه فلو كان هو صاحب الرقم لم يكن ليخبرها معلومة كتلك، هي بالفعل قادرة على اتخاذ إجراء قانوني ضد ذلك المبتذ، ساد الصمت لبرهة قبل أن يقطعه وهو يطلب منها بنبرة جادة:
هاتي الرقم كده وأنا في ظرف يومين إن شاء الله هكون جايب ابن ال، اللي بيبعتلك المسدجات.

حاضر، بس تليد أنا مش عايزة مشاكل من فضلك أنا كفاية عليا اللي أنا فيه أنا بس عايزة أعرف هو أو هي مين.

متقلقيش من حاجة، ابعتيلي الرقم بس وابقي روحي شوفي عالية وحنين عايزين منك أيه.

أومئت ريتال وبالفعل قامت بإرسال الرقم له قبل أن تذهب للجلوس برفقة عالية وحنين فالآن عليها أن تُجري تحقيقًا آخر...

ممكن تقوليلنا أحنا عملنا أيه يزعلك بقى؟ سألت عالية بنفاذ صبر ناجم عن شعورها بالضيق لإبتعادها عنها هي وحنين فلقد كانت ريتال الفتاة الوحيدة التي سمحت لها بالإقتراب منها هي وحنين، تنهدت ريتال تنهيدة طويلة قبل أن تقول:
شوفو الإسكرينات دي الأول وبعدين نتكلم. أومئت عالية وهي تتناول الهاتف من يدها ليسود الصمت لبرهة وهي تقرأ بعيناها هي وحنين قبل أن تقطع عالية الصمت وهي تُردف بثقة وهدوء:.

الشات ده فيك طبعًا أولًا دي مش صورة ال wall paper خلفية الشات بتاعتي ولا بتاعت حنين، ثانيًا بقى لو ركزتي هتلاقي كل المسدجات مبعوتة في نفس الوقت بالضبط.

على فكرة الشخص اللي عامل الإسكرينات دي غبي ومتأمر مش عارف يحبكها صح، وبعدين أنا هكتب عالية باسمها الثنائي ليه ومن غير قلب كمان هي ضرتي يعني؟ هو أنا اه مش بطيقها بس مش للدرجة دي يعني.

عقبت حنين مؤيدة لحديث عالية ولم تكن من عادة حنين أن تُبدي رأيها في أي شيء من الأساس فلقد كانت تفضل الجلوس في سلام دون الإنخراط في المشكلات من حولها.

وهي الشغلانة باظت من شوية؟ المهم نرجع للجد أنا وحنين مقولناش الكلام ده ولو مش مصدقه خدي موبايلي قلبي فيه من أوله لآخره ده غير إن حنين أساسًا موبايلها بايظ وبيتصلح بقاله شويه وماشية بموبايل بزراير موديل التسعينات.

حقيقي الموبايل ده المفروض يتحط في المتحف أساسًا لو اتقفشت بيه هتمسك تجارة آثار. سخرت حنين بتعابير وجه جامد لتقهقه عالية وهي تلكمها في كتفها بمزاح بينما صمتت ريتال وهي تحاول أن تتخذ قرار بتصديقهم أم لا.

طب ما هو أنتِ ممكن تكوني مسحتي الشات اللي بينكوا مثلًا.

بصي يا ريتال علشان أكون صريحة معاكي چودي ونانسي جم كلمونا فعلًا بس مش على الموبايل هما جم كلمونا هنا في المدرسة في وقت أنتِ مكنتيش قاعدة معانا فيه وفعلًا عرضوا علينا نساعدهم إنهم يرخموا عليكي وعملوا حوارات إنك بتشتمي فينا وإنك فاكرة إني برسم على تليد والهبل ده وأحنا هزقناهم وإديناهم السكة وقولنالهم لو كرروا الكلام معانا كده تاني هنشتكي عليهم.

أعلنت عالية لتُزيل الغموض عن الأمر كله، شعرت ريتال بغصة في حلقها قبل أن تسأل عالية بحزن:
طب ليه مقولتليش؟

هو أنتِ أديتي حد فينا فرصة؟ أنتِ حتى السلام مكنتيش بترميه علينا وبدأتي تغيبي من المدرسة كتير الفترة اللي فاتت،.

طب وتليد، تفتكروا تليد ليه علاقة بيهم؟ سألت ريتال بإضطراب واضح، لقد اختلطت جميع الأوراق وما باتت تعرف من عليها أن تُصدق ومن عليها أن تُكذب؟ كما أن الشعور بالذنب أخذ ينهشها نهشًا فلماذا صدقت ما قاله شخص أخذ يتنمر عليها ويبتذها نفسيًا لأسابيع وكذبت الثلاث رفاق الذي لم يهتم غيرهم لشأنها منذ أن خطت قدمها تلك المدرسة البغيضة!

بصي يا ريتال هو تليد زمان كان عيل متنمر حقير بس عمره ما كان أو?ر زي چودي ونانسي وشلتهم هو آخره كان يرخم على حد بكلمتين يصاحب بنت وبعدها بشهرين يصاحب صاحبتها شغل مراهقين يعني بس القذارة اللي بيعملوها التانيين لا تليد ملوش علاقة بيها.

أنا بشوف تليد ده عيل أهبل أصلًا دماغه متوديهوش لكل اللفة دي هو لو عايز يحرجك هيحرجك بالكلام وخلصنا. تمتمت حنين مؤكدة على ما قالته عالية، شعرت ريتال بآلم كاد أن يحطم رأسها متبوع بإختلال في التوازن لتُمسك بها عالية على الفور بينما تسألها بقلق:
ريتال أنتِ كويسة؟

اه أنا تمام، أنا بس محتاجة أغسل وشي،.

انتهى اليوم بسلام ظاهري بينما كان عقل ريتال يكاد ينفجر من فرط التفكير وتداخل الأحداث، لقد كان أسوء ما في الأمر هو شعورها بالذنب لأنها شكت ولو للحظة في أصدقائها وقد صدقت شخص متنمر مُبتذ يحاول تدمير حياتها، حاولت إبعاد تلك الأفكار عن رأسها بصورة مؤقته لحين معرفة هوية ذلك الشخص حينها ستتمكن من مواجهته ومعاقبته ومعرفة الجزء الحقيقي والجزء الملفق من حديثه أو حديثها...

في تلك الأثناء كان تليد يجلس في منزله يتحدث إلى صديقه ياسين في الهاتف وقد كانت المحادثة كالتالي:
ياسين أنا هبعتلك رقم تشوفلي ده بتاع مين أنا عارف إنك هتعرف تتصرف.

ماشي بس مالك متعصب ليه كده؟

انجز يا عم وهبقى افهمك بعدين. أنهى المكالمة مع ياسين وهو ينتظر على أحر من جمر وبالفعل بعد نصف ساعة أرسل له ياسين رسالة محتواه كالتالي:
بص يا سيدي صاحبة الرقم واحدة ست، اسمها غادة، غادة محمد.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة