رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الرابع
في صباح اليوم التالي استيقظت ريتال بكسل شديد على صوت المنبه خاصتها ممزوجًا بصوت والدتها الحنون وهي تداعبها كي تستيقظ.
خلاص يا ماما صحيت أهو. تمتمت ريتال وهي تُمسك الهاتف الموضوع أعلى الكومود في محاولة لإسكاته لينتهى بها الأمر بالهاتف مصطدمًا بأنفها، تأوهت بآلم بينما تهمس: هو شكله يوم باين من أوله،.
صباح الخير يا ماما. تمتمت ريتال وهي تتجه إلى خارج حجرتها بعد أن قامت بتبديل ثيابها.
صباح الخير يا عيون ماما، جهزتلك السندوتشات والعصير ألبسي الطرحة وتعالى ننزل عشان نفطر.
حاضر.
ريتال أنا أسفة بجد على اللي حصل امبارح، مكنش المفروض اتعصب عليكي أنتي ملكبش ذنب في حاجة بس أنا حقيقي كانت أعصابي فالتة.
ولا يهمك يا ماما محصلش حاجة. كذبت ريتال فهي تعرف جيدًا بداخلها أنها مستاءة من والدتها وتشعر بالحزن الشديد، عبس وجه والدتها لثوانٍ قبل أن تعاود الإبتسام وهي تسأل ريتال بنبرة تدليل: طب أنتي كنتي عايزة تحكيلي حاجة امبارح؟ معرفناش نتكلم خالص في يومك.
لا مفيش حاجة. كذبت ريتال مجددًا بعد أن قررت أن تُخفي عن والدتها ما حدث بالأمس، تأخرها عن المدرسة والذي لا تدري كيف لم تنتبه والدتها لحدوثه فلقد كان أحد الأسباب الرئيسية في تأخر ريتال بالأمس.
كما أنها بالطبع لم تكن تُخبر والدتها بشأن سقوطها بين أحضان صالح أو بمعنى آخر إلتقاطه لها على الدرج، وإيصالها إلى المدرسة بعد ذلك، حديثها مع تليد وسخرية نانسي، كل تلك الأشياء يجب أن تبقى سرًا بين ريتال ونفسها فقط فهي تعلم جيدًا أن والدتها ستقوم بتوبيخها ولا طاقة لها لذلك.
متأكدة؟
اه يا ماما متأكدة، لو حضرتك جاهزة يلا عشان منتأخرش على الفطار.
ماشي على راحتك بس خليكي عارفة إن مفيش حاجة بتستخبى على ماما، صحيح حاولي تفوتي أي حاجة هتتقال النهاردة على الفطار عشان جدتك أكيد متضايقة عشان منزلناش نتعشى معاهم.
حاضر يا ماما، أنا مش فاهمة بجد هو أحنا هنتعشى بالعافية؟ طب ولو مش جعانين يعني؟
تجاهلت ريتال نصف جملة والدتها وأجابت على النصف الآخر، وقد كانت ريتال تتحدث بصوتٍ مسموع في البداية ولكن سرعان ما أصبحت تهمس.
كفاية برطمة ويلا بينا.
توجهت ريتال نحو الطابق السفلي برفقة والدتها بينما كانت تنظر بعيناها بفضول عن صالح والذي لم تعرف عنه أي شيء منذ ما حدث بالأمس.
صباح الخير يا تيتا، صباح الخير يا عمتو. تمتمت ريتال بمجرد أن دلفت إلى الداخل دون أن تُلقي التحية على نانسي أو عمها.
صباح النور.
قالت جدتها بجفاء دون أن ترفع عيناها عن الطاولة كي تنظر إلى المتحدثة إليها، أطلقت ريتال تنهيدة صغيرة وهي تجلس في موضعها المعتاد بعد أن ألقت والدتها التحية على جميع حتى شقيق زوجها الذي كانت تتشاجر معه بالأمس مما أثار حنق ريتال.
لم تكن ريتال ذات العقل الغير ناضج كفاية تُدرك أنه في بعض الأحيان يُجبر المرء على التعامل مع أشخاص يمقتهم أو يشعر بالغضب تجاههم لأن حياة الكبار ببساطة لا تسمح بحذف الأشخاص أو تجاهلهم لمجرد حدوث جدال.
هي توتو مش هتروح المدرسة؟ سألت ريتال بعد مدة لتقطع الصمت المُسيطر على المكان وقد أدركت تغيب عطر عن مائدة الطعام على غير العادة، رفع عمها عيناه ببرود تام قبل أن يُردف:
لا.
ليه؟ سألت ريتال مجددًا لتحمحم والدتها وهي ترمقها بطرف عيناها بمعنى أن تصمت وأن تكف عن التحدث إلى عمها لكي لا يسوء الوضع أكثر.
أهو ده اللي ناقص يا ريتال هانم أديكي تقرير عن بنتي! ما هو لو الكبار يخلوهم في حالهم مكنوش الصغيرين عرفوا ينطقوا!
كانت نبرة عمها أقرب إلى الصياح وهو يذكر بصورة غير مباشرة الجدال الذي حدث بالأمس بينه وبين زينة والدة ريتال، أعتلت الصدمة ملامح ريتال قبل أن يحل محلها الإمتعاض على الفور وقد ضمت حاجبيها في غضبٍ واضح من قول عمها وكانت على وشك أن تُعقب على ما قاله بغضب شديد لكن أوقفها صوت والدتها وهي تُردف:
يلا يا ريتال خلصي الأكل اللي في طبقك عشان متتأخريش على الباص.
شبعت!
أدي آخرة دلعك فيها وكمان آخرة تصرفاتك زي ما حضرتك بتتشنجي علينا وتقومي من على الأكل بنتك المحروسة بقت تعمل زيك!
معلش يا ماما حقك عليا. نبست زينة مع ابتسامة صغيرة مُصطنعة محاولة ألا تثير المزيد من الجدل.
أنا رايح الشغل لو احتجاتي حاجة يا ماما أو لو حد احتاج حاجة ابقوا كلموني. أردف أحمد والد صالح وهو يستقيم من مقعده بينما يجذب معطف بذلته الرسمية ليرتديه أثناء توجهه نحو الخارج.
في غضون ساعة كانت الأجواء في المنزل قد سكنت، توجهت ريتال إلى المدرسة برفقة نانسي وتوجه أحمد إلى عمله وقد تم جمع الأطباق وتنظيفها وصعدت زينة إلى الطابق الخاص بها.
في تلك الأثناء عاد صالح من الخارج والذي لم يكن يعلم أحدٍ أين قضى ليلته بعد أن غادر المنزل غاضبًا بالأمس، صعد إلى الطابق خاصة والده وهو يسير على أطراف أصابعه وكأنه لص، كان يدعو بداخله ألا يقابل أي شخص وبصورة خاصة والده لكنه كان يعلم أن والده قد ذهب إلى العمل بالفعل فهو يُقدس المواعيد بشكلًا مبالغ فيه.
صالح أنتَ جيت؟ جاء صوت عطر بلهفة من الداخل وهي تهرول نحو الخارج ليجثو صالح على ركبتيه على الفور وهو يعانقها بينما يسأل ببعض التعجب قائلًا:
عطر؟ أنتِ مروحتيش المدرسة؟
لا، على فكرة أنا مخصماك ومش بتكلم معاك. تمتمت بغضب طفولي وهي تفصل العناق ليأخذ صالح نفس عميق قبل أن يُردف الآتي بنبرة جادة:
توتو أنا بجد أسف إني سببتك مع بابا لوحدكوا امبارح، أنا مكنش المفروض اعمل كده، قوليلي هو زعقلك ولا حاجة؟ أو مد ايده عليكِ؟
لا، أنا مكنتش لوحدي، ريتال كانت معايا وبعدين طنط زينة جت وبابا زعقلها جامد.
أجابت عطر وهي تعبث في خصلات شعرها بقليل من التوتر، عقد صالح حاجبيه بمجرد أن سمع ما قالته قبل أن يسألها بنبرة جادة لا تخلو من الضيق:
بابا زعقلها ازاي يعني؟ تعالي اقعدي واحكيلي.
طيب هقولك بس متقولش لحد ماشي؟ أومئ صالح بنعم لتبدأ عطر في سرد المحاورة التي حدثت بالتفصيل الممل فابالرغم من حالة الهلع التي كانت بها إلا أنها استطاعت استجماع معظم ما قيل في ذلك النقاش الحاد الواصل إلى مرحلة الجدال.
بعد أن انتهت عطر من التحدث زفر صالح بضيق شديد وهو يشعر بالذنب ينهشه نهشًا، فهو فقط لم يترك شقيقته الصغرى بأنانية مفرطة ويذهب تاركًا وحشًا ثائرًا من خلفه برفقتها، بل بسببه قد تسبب في الحرج والضيق لزوجة عمه والتي يعتبرها أمًا له أو شقيقة كبرى نظرًا لأن فارق العمر ليس بكبير.
طيب خلاص متزعليش أنا هحل المشكلة دي وهصالح طنط زينة وريتال.
وعلى فكرة بابا زعقلها تاني على الفطار، أنا منزلتش أفطر عشان كنت زعلانة بس عمتو كانت بتحكي لعمو عبدالرحمن.
عمو عبدالرحمن؟ مفيش فايدة في عمتو دي بجد والله! لازم تولع الدنيا حتى الراجل اللي مسافر مش عتقاه! علق صالح بحنق شديد غير مُدرك أن ما يقوله غير مناسب ولا يجب على شقيقته الصغرى أن تسمعه والتي طالعته بعدم استيعاب لثوانٍ.
هي عمتو ولعت في أيه؟ أنا مشوفتش أي نار. عقبت عطر بحمق طفولي ليقهقه صالح بقوة وهو يضمها قبل أن يهمس:
بس يا توتو خلاص اعتبريني مقولتش حاجة! بقولك أيه أنا هطلع أتكلم شوية مع طنط زينة وبعدين انزلك هنا نحضر حاجة ناكلها ماشي؟
ماشي.
تركها صالح واتجه نحو الطابق الذي تقطن فيه زوجة عمه وهو يشعر بالضيق والحرج في الوقت ذاته فهو يعرف جيدًا أن اعتذاره لن يكون كافيًا لرد كرامتها التي هو واثق تمامًا من أن والده قد أهانها!
طرق صالح الباب بهدوء وفي غضون ثوانٍ كانت زينة قد فتحت الباب بالفعل، رمقته بإبتسامة صغيرة قبل أن تقوم بفتح الباب على مصرعيه وهي تُردف:
حمدلله عالسلامة يا باشمهندس، أخيرًا رجعت؟
أنا بجد أسف، بجد حقك عليا أنتِ وريتال، أنا مكنش المفروض أسيبكوا مع بابا وأمشي بعد ما خليته يتعصب بالطريقة دي،.
طيب انزل اقعد في الجنينة ونادي على عطر تنزل تلعب تحت وأنا هجيب حاجة نشربها ونقعد نتكلم تحت تمام؟
قالت زينة بنبرتها الهادئة الحنونة ليومئ صالح بحرج وهو يتجه نحو الأسفل، بعد مرور بضع دقائق اتجهت زينة إلى الحديقة الخلفية الصغيرة الخاصة بالمنزل وهي تحمل صينية وضِع بها ثلاثة أكواب من العصير وبجوارهما قطع من الكعك الطازج، وضعت الصينية أمام صالح وذهبت للجلوس في الكرسي المقابل له بينما كانت عطر تلهو بالكرة خاصتها بالقرب منهما.
بص يا صالح بما إني في مقام والدتك أو أختك الكبيرة خليني أقولك إن اللي عملته كان غلط، مش علشان مشيت وسيبت باباك متعصب علينا بس علشان مش المفروض تسيبه وتمشي وهو بيتكلم.
حضرتك عارفة كويس أنا لو فضلت الموضوع هيوصل لإيه وأظن إن حضرتك ميرضكيش كده برضوا ولا أيه؟
أكيد ميرضنيش، بس يا صالح أنتَ مش صغير ولا لسه عارف باباك إمبارح أنتَ طول عمرك عارف طبعه وعارف إنه عصبي، حاول تريحه يا صالح، حاول تبعد عن الحاجات اللي بتضايقه.
بس أنا مش بعمل حاجة غلط! هو اللي غلط هو اللي طول الوقت عايز يتحكم فيا وأنا مش هسمح بحاجة زي كده أنا مش عيل صغير!
أنا عارفة وعبدالرحمن أتكلم مع باباك أكتر من مرة في الموضوع ده وأنتَ عندك حق بس برضوا يا صالح لازم تقول وجهة نظرك بأدب وبهدوء لأن برضوا مهما كان هو باباك.
حاضر يا طنط.
وحاجة كمان، أنتَ عارف إن باباك عصبي وعارف كويس هو بيعمل أيه لما بيتعصب يعني مينفعش تسيب عطر معاه لوحدها، لحسن الحظ إن ريتال كانت موجودة وفضلت معاها شوية.
في دي عندك حق فعلًا، عطر ملهاش ذنب في حاجة وهو بيطلع عصبيته كلها عليها، بقولك هو مينفعش عمو عبدالرحمن يشوف شغل لبابا برا معاه؟ أهو نرتاح شوية. أردف صالح بنبرة ساخرة لتقهقه زينة بقوة قبل أن تُعقب على حديثه قائلة:
مفيش فايدة فيك يا صالح والله!
ما كده كده مفيش فايدة فيا، صحيح أنا كنت عايزة أقول لحضرتك على حاجة بس، مش عارف المفروض أقول ولا لا،.
بدء صالح حديثه ممازحًا لكن سرعان ما أخذ حديثه منعطفًا جادًا لتطالعه زينة بقلق وهي تنتظر ما سيخبرها عنه لكن قبل أن يفعل صدح في المكان صوت رنين هاتفها وقد كان المتصل زوجها الحبيب الذي كان مختفيًا لوقتٍ طويل.
ثواني هرد على التليفون وهاجي نكمل كلامنا. أومئ صالح بهدوء وهو يطالع زينة التي تبعتد عنه هو وعطر وتذهب للتحدث في الهاتف وقد توقع من ابتسامتها الواسعة أن عمه عبدالرحمن هو المتصل.
عبدالرحمن وحشتني أوي، وكمان قلقتني جامد عليك أنتَ كنت فين؟
مشغول، بقولك أيه أنا معنديش وقت عشان لازم أرجع أكمل شغل، أنا حولتلك مبلغ على حسابك تاخديه وتنزلي تشتري سلسلة دهب لماما عشان عيدميلادها، اشتري حاجة تقيلة وقيمة بلاش بخل يعني وهبعتلك مبلغ تاني بكرة إن شاء الله ده هيبقى ليكي أنتِ وريتال.
حاضر يا حبيبي اللي أنتَ عايزه، بس يعني أنا بقولك وحشتني وقلقانة عليك يعني ولا أنتَ مسمعتش ولا أيه؟
لا سمعت بس أكيد مش هقعد أحب فيكي في التليفون وأنا في الشغل بالعقل يعني!
صح عندك حق أنا مخدتش بالي،.
إلا قوليلي صحيح هو أنتِ فعلًا اتخانقتي مع أحمد أخويا؟
أنتَ عرفت منين؟
مش مهم عرفت منين. أجابها بتملل وبنبرة باردة ليزداد غضب زينة والتي عقبت على حديثه مُردفة:
لا قولي يا عبدالرحمن لو سمحت، ريتال هي اللي حكتلك ولا حد تاني؟
غادة كلمتني وحكتلي اللي حصل ومن فضلك يا زينة متدخليش في حاجة، يتخانق مع صالح، يضرب صالح، يطرد صالح حاجة متخصكيش أنا اللي أتكلم مع أخويا وأديله النصيحة مش أنتِ!
بجد يا عبدالرحمن؟ يعني أنتَ فاضي تكلم أختك تسمع شكوتها والخناقات اللي بتحصل في البيت ومش فاضي تطمن عليا أنا وبنتك الوحيدة؟
يالهوي عالقرف اللي أنا فيه، أنا عايز أعرف هو أنتِ بقيتي نكدية كده ليه؟ واه يا ست هانم طبعًا لازم اعرف اللي بيحصل في البيت في غيابي!
صاح عبدالرحمن بحنق موبخًا إياها ومتفوهًا بكلمات قاسية دون أن يراعي مشاعر زوجته والتي قد تعالى صوت بكاءها بالفعل، ساد الصمت لثوانٍ قبل أن تصيح زينة بنبرة لا تخلو من الإنكسار قائلة:
طب ما تكلمني أنا وتسألني ولا أنا خلاص مبقتش فارقة معاك؟ ألو، ألو،.
أعتلت الصدمة تعابير وجه زينة حينما أدركت أن عبدالرحمن قد أنهى المكالمة دون أن يودعها أو يُخبرها على الأقل بأنه سينهي الحديث، لقد فعل ذلك بكل قسوة وبرود غير مباليًا بتأثير فعلته على نفسيتها، ازدادت دموعها في الإنهمار وهي تحاول كتم شهقاتها كي لا يسمع صالح وعطر ولكن ذلك لم يشكل فارقًا فلقد استمع صالح لمعظم المكالمة بالفعل عن غير عمد نظرًا لإرتفاع صوتها.
كفكفت زينة دموعها سريعًا وهي تعود إلى صالح وعطر بينما تقول الآتي مع ابتسامة صغيرة حاولت جاهدة إظهارها مُردفة:
معلش أنا هطلع بقى عشان دماغي مصدعة، ياريت يا صالح متنساش اللي اتفقنا عليه ماشي؟
حاضر، تمتم صالح وهو يومئ لها، دنت زينة من عطر لتطبع على وجنتها قبلة قبل أن تتجه نحو الداخل صاعدة إلى الجزء خاصتها من المنزل لتعاود البكاء مجددًا في الأعلى ولكن براحة أكثر.
في تلك الأثناء كانت ريتال في المدرسة وتحديدًا في الصف الخاص بالتربية الرياضية، الجميع يرتدون الثياب الرياضية ومن بينهم ريتال.
جماعة أنا جاهزة يلا نعلب volleyball. تمتمت حنين وهي تحتضن الكرة لتُطالعها ريتال ببعض التعجب قبل أن تردف وهي تضحك:
حنين،.
نعم؟
دي كرة ال Basketball أصلًا!
ياستي أي كورة وخلاص، هي هتقول لا يعني؟ سألت حنين بإستنكار ممزوج بالسخرية لتسحب منها عالية الكرة ببعض العنف وهي تُردف:
بس هبل يا حنين لو سمحتِ الميس هتجيب كرة ال volley دلوقتي وهنتقسم فريقين.
لا أتكلمي معايا عدل بدل ما أعملها معاكي!
بس بس هتفرجوا المدرسة كلها علينا. قالت ريتال وفي تلك اللحظة جاءت المعلمة لتبدأ في تقسييم الفتيات إلى فريقين بينما كان الفتيان في الملعب الآخر يلعبون كرة القدم.
بدأ الجميع في اللعب بينما كانت ريتال شاردة، حيث كانت تُفكر فيما حدث بالأمس كما أن عقلها مازال عالقًا مع صالح فهي تشعر بالقلق حياله، وماذا عن والدتها ذات الحالة النفسية السيئة؟ ووالدها المُختفي أو الذي يتجاهلهم عن قصد...
ريتال حاسبي! نبهتها حنين بنبرة أقرب إلى الصراخ لتنتفض ريتال وتضرب الكرة التي كادت أن تصطدم بها بواسطة يدها بقوة شديدة دون أن تقصد لتضرب الكرة رأس أحدهم بقوة عن طريق الخطأ ليسقط الأخير أرضًا...
أنا أسفة، أنا حقيقي أسفة يا، يا نهار أبيض تليد! أعتذرت ريتال بهلع حقيقي قبل أن تقترب من الفتى لتجد أنه تليد! ألم تجد شخصًا أفضل كي تضربه بالكرة؟
علي أي حال هرولت ريتال نحوه وبرفقتها عدة فتيات من ضمنهم حنين وعالية، اقتربت ريتال منه وهي تجثو على ركبتيها لتتأكد من سلامته وبمجرد أن رأها سأل الآتي بنبرة درامية:
أنا فين؟ أنا مين؟ أنتِ مين؟
تليد أنتَ كويس؟ أنا أسفة والله، كررت ريتال اعتذراها ليرمقها تليد بعيناه الزاهية قبل أن يسأل مجددًا بالنبرة الدرامية ذاتها:
تليد؟ هو ده اسمي؟
ما تقوم ياض وتبطل مرقعة! يعني خبطة بالكورة هتخليك تفقد الذاكرة؟ صدرت هذه الجملة من عالية والتي كانت ترمقه بإشمئزاز ليرفع رأسه قليلًا وهو يصيح بغيظ:
ياستي أنتِ مالك أنتِ متخلنيش أتعصب عليكي!
طب ما أنتَ كويس أهو حرام عليك خضتني! وبخته ريتال وهي تضربه بالكرة مجددًا لكن عن عمد هذه المرة ليستقيم من موضعه وهو يصرخ في وجهها مستنكرًا:
أنتِ مجنونة ولا أيه؟ وبعدين والله دماغي وجعتني، يالهوي هي ورمت؟ أكيد أتشوهت، سأل بهلع وهو يتحسس بيده موضع الإصابة لتُطالعه عالية بإزدراء قبل أن تقول بسخرية:
لا متقلقش أنتَ مشوه من الأول،.
جرس الحصة ضرب يلا كله على الفصل بسرعة، وأنتَ يا تليد تعالى معايا نخليهم يحطولك تلج مكان الخبطة. أعلنت المعلمة بصوتٍ مرتفع لينفذ الجميع ويتجهوا نحو الصف بينما أصطحبت هي تليد لتبحث عن الثلج.
قضت ريتال يومها في شعور الذنب بسبب ما حدث مع تليد خاصة بعد أن رأته في نهاية اليوم وقد صُبغت بقعة من وجهه بالقرب من رأسه باللون الأزرق نتيجة لإصطدام الكرة برأسه، عادت ريتال إلى المنزل أخيرًا ولحسن الحظ أن نانسي لم تعبث معها طوال اليوم ولم تتفوه بحرفٍ واحد معها.
ماما أنا جييت افتحي! صاحت ريتال وهي تضغط على جرس الباب بقوة لكن والدتها لم تُجيب.
أنتِ نمتي يا ماما ولا أيه؟ همست ريتال مُحدثة نفسها بينما تخلص حقيبة الظهر خاصتها بحثًا عن مفتاح الباب بداخلها وبينما تفعل جاء صوت أحدهم من خلفها قائلًا:
بتدوري على أيه؟
بسم الله الرحمن الرحيم. قالت ريتال وهي تضع يدها أعلى قلبها بفزع بينما أفلتت الحقيبة من يدها، قهقه صالح بقوة وهو يحمل الحقيبة من الأرض بدلًا عنها بينما يعتذر منها وهو يضحك قائلًا:
أنا أسف بجد، هو أنتِ كل مرة تتخضي كده؟
مش بسمع صوت خطواتك خالص بجد، بتتسحب زي الحرامية.
زي الحرامية؟ ربنا يسامحك ياستي.
أنا مش قصدي، أنا،.
أنا بهزر يا ريتال ليه بتاخدي كل حاجة جد كده؟ سألها ممازحًا وهو يضحك لتبتسم هي بتوتر ويسود الصمت لبرهة قبل أن يحمحم ثم يقول بنبرة جادة:
أنا كنت عايز أقولك حاجة، أنا أسف بجد على كل اللي حصل بسببي امبارح، وحقيقي شكرًا جدًا إنك فضلتي مع عطر وأنك طول الوقت بتخدي بالك منها لأني ببقى مشغول كتير، وعلى فكرة هي بتحكيلي كل حاجة بتحصل وكمان بتحكيلي على الحاجات اللي بتجيبيها علشانها من مصروفك.
توتو دي زي أختي الصغيرة. عقبت ريتال على حديثه بخجل شديد وبإبتسامة واسعة ليبادلها الإبتسام قبل أن يُضيف الآتي:
وأنتِ كمان زي أختي وأختها وأكتر.
اختفت ابتسامة ريتال على الفور حينما تفوه صالح بجملته تلك، عقد هو حاجبيه حينما لاحظ اختفاء ابتسامتها وقبل أن يسألها حول سبب ذلك فُتح الباب بواسطة والدة ريتال والتي اضطربت معالمها قليلًا حينما رأتهم يقفون سويًا.
حمدلله عالسلامة يا ريتال، معلش أنا كنت جوا ومسمعتش الجرس وبعدها سمعت صوتك عالسلم بالصدفة، أيه يا باشمهندس صالح مش رايح الجامعة النهاردة ولا أيه؟
لا رايح دلوقتي أهو، أنا بس كنت بشكر ريتال على اللي عملته امبارح وكده، عن إذنكوا. تحدث صالح ببعض التوتر والخجل لتومئ زينة بتفهم، رحل صالح عن أعينهم ودلفت ريتال إلى الداخل تحت أنظار والدتها الشاخصة.
في حاجة يا ماما؟
أنتِ عارفة في أيه.
علشان واقفة بكلم صالح يعني؟ سألت ريتال بتملل وهي تعرف الإجابة مسبقًا، تنهدت والدتها تنهيدة طويلة قبل أن تُجيبها بجدية قائلة:
علشان واقفة بتكلمي صالح عالسلم، لو عايزين تتكلموا ممكن تقعدوا في الجنينة تحت أو تقعدوا تتكلموا عند جدتك تحت لكن الوقوف لوحدكوا عالسلم منظر مش حلو ومش مقبول!
حاضر يا ماما مش هتتكرر تاني، بس على فكرة أنا مش قاصدة يعني هو قابلني عالسلم ووقف قالي جملتين وعمومًا يعني يا ماما أحنا أخوات، أخوات وبس!
علقت ريتال على حديث والدتها بإستياء شديد وواضح بينما تُلقي حقيبتها على الأريكة بإهمال وتتجه نحو الداخل تاركة والدتها واقفة في حيرة من أمرها، ابنتها لا تتحدث بهذه النبرة الحادة قط، كانت زينة على وشك أن تغضب لكنها حاولت أن تهدأ لثوانٍ وتفكر في سبب ذلك.
تركت زينة ابنتها لكي تهدأ قليلًا ولكي تحظى ببعض الراحة قبل أن تذهب للتحدث إليها ومناقشة ما حدث لكن حينما فعلت ذلك وجدت ريتال قد غفت بالفعل دون حتى أن تُبدل ثيابها!
مالك بس يا ريتال؟ سألت زينة بنبرة أقرب إلى الهمس قبل أن تُقبل رأس ابنتها وتنزع عنها وشاح رأسها ومن ثم تُغلق الأضواء وتتجه نحو الخارج.
لم تستيقظ ريتال في موعد الغداء ولا العشاء بل أكملت نومها دون إنقطاع ولم تجدي معها محاولات والدتها لإيقاظها وفي النهاية استيقظت ريتال قبل آذان الفجر لتبدأ في إنهاء فروضها المدرسية سريعًا ومن ثم قامت بالإستعداد إلى المدرسة.
ماما، مامتي، اصحي أنا حضرتلنا فطار. أردفت ريتال وهي تقوم بفتح ستائر غرفة والدتها، استيقظت والدتها على الفور وهي تسأل بدهشة:
أيه ده؟ صباح الخير، أيه اللي صحاكي بدري؟
صحيت بدري لوحدي صليت وعملت الواجب وحضرتلنا فطار بسيط كده.
أيه الشطارة دي كلها، بس ثواني طب وجدتك؟
نبقى نقولها إننا صحينا متأخر وإني مستعجلة على المدرسة.
بس أحنا كده نبقى بنكدب يا ريتال. تمتمت والدتها بينما تقوم بجذب وجنتي ابنتها ممازحة إياها لتضحك ريتال بينما تقول:
كدبة بيضاء صغننة يا مامتي، إلا صحيح هو أحنا هنجيب لتيتة الهدية أمتى؟
النهاردة المفروض، طب أيه رأيك أعدي عليكي بعد المدرسة ونروح نشتريها مع بعض؟
أيوا أيوا موافقة، كده مركبش في الباص وأنا مروحة صح؟
اه وأنا مش هتأخر عليكي إن شاء الله.
خلاص اتفقنا. قالت ريتال مع ابتسامة واسعة لتبادلها زينة الإبتسام، لم يكن اقتراح زينة في اصطحاب ريتال معها لشراء الهدية أمر عبثي بل هي تعمدت فعل ذلك لكي تحظى هي وريتال بوقتٍ هادئ وبعض الخصوصية بعيدًا عن البيت والضغط المنتشر في أجوائه وكي تستطيع التحدث معا بكل راحة حول عدة مواضيع.
بالفعل ذهبت ريتال إلى المدرسة وكان اليوم هادئًا لحسن الحظ ولكن ذلك لم يمنع عقل ريتال من الإنشغال بعدة مواضيع ومن ضمنها تليد والذي لم تراه اليوم مما أصابها بالقلق، هل تغيب عن المدرسة اليوم بسبب ما حدث بالأمس؟ هل عليها البحث عن رقم هاتفه وإرسال رسالة للإطمئنان عليه؟ أم هل تقوم بسؤال أحد أصدقائه عنه؟
المزمزيل سرحانة في أيه؟
بسم الله الرحمن الرحيم، أنتَ جيت أمتى؟
أنا موجود من الصبح بس كنت باخد جولة في المدرسة زي كل يوم يعني.
طب أنتَ كويس؟ دماغك لسه وجعاك؟
يااه أخيرًا افتكرتي تتطمني عليا؟ كتر خيرك أوي يا ريتال هانم، تحدث بحزن مصطنع وبطريقة درامية لتقلب ريتال عيناها قبل أن تُعقب على حديثه بإزدراء قائلة:
ممكن بلاش أ?ورة؟ ما أنتَ زي القرد أهو وبعدين ما أنا دورت عليك طول اليوم عشان أشوفك كويس ولا لا وأنتَ مكنتش موجود.
بجد؟ أخس عليا، تحدث بنبرة لعوب وهو يبتسم كاشفًا عن أسنانه لتبتعد عنه ريتال أكثر وهي تُطالعه بقلق بينما تسأله مُستنكرة:
مالك؟ أنتَ بتعمل كده ليه أنتَ عبيط؟
لا أنا تليد.
لا أنتَ كده ظريف مش تليد، بقولك أيه أنا خلاص اطمنت عليك إنك كويس عشان محس بالذنب يلا اتفضل أمشي بقى.
محسساني إن المدرسة بإسمك ما أقف براحتي في الحتة اللي تعجبني.
طب خلاص همشي أنا.
قفوشة أوي مش ممكن بجد!
تمتم بصوتٍ منخفض بينما ابتعدت ريتال عنه حيث أخذت تبحث عن والدتها بين أولياء الأمور بالقرب من الباب وبمجرد أن رأتها ريتال من مسافة بعيدة حاولت أن تُشير إليها لكن والدتها لم تنتبه لذا أردفت ريتال بسخرية قائلة:
ماما بتدوري على مين؟ أنا هنا أهو.
لا طالما الموضوع فيه ماما يبقى اطير أنا! قال تليد وهو يبتعد عنها مُسرعًا، تعجبت ريتال من فعلته لكن سرعان ما أدركت أن فتى سيء مثله بالطبع لن يروق لأهالي زملاءه بالمدرسة ولقد كان يتوقع أن تعامله والدتها بحدة أو بطريقة سيئة لذا ابتعد من نفسه كي يتجنب الإحراج.
انسان عجيب بجد، همست ريتال وهي تضحك وكانت تظن أن صوتها غير مسموع لكن ذلك لم يكن صحيح تمامًا فلقد سألتها والدتها الآتي بفضول:
هو مين ده؟
ها؟ لا مفيش حاجة، يلا بينا؟
يلا يا حبيبتي.
في غضون ساعة ونصف كانت ريتال تجلس برفقة والدتها في أحد المطاعم الشهيرة بعد أن قامت هي ووالدتها بشراء سلسال من الذهب من أجل جدتها، كانت ريتال تتناول طعامها بنهم وسعادة ولم يكن سبب ذلك هو نوعية الطعام بل بسبب شعور ريتال بالحرية المطلقة، فهي تتناول ما تريد في التوقيت الذي تريده، وكذلك برفقة والدتها فقط مما يعني عدم سماعها لتعليقات سخيفة أو جمل فظة تُصعب من ابتلاعها للطعام.
مش عايزة تحكيلي بقى يا ريري عن حاجة كده ولا كده؟
أنتِ مش عايزة يا زوزو تحكيلي حاجة كده ولا كده؟ راوغت ريتال وهي تسأل والدتها السؤال ذاته لتبتسم والدتها ابتسامة صغيرة لكونها ترى نسخة مُصغرة من نفسها أمام عيناها.
احكيلي أنتِ الأول، أنا حابة اسمعك.
طيب هحكيلك بس متتعصبيش عليا ولا تزعلي مني ممكن؟
هحاول. بدأت ريتال في سرد ما حدث لوالدتها، ركوبها السيارة برفقة صالح، شجارها مع نانسي حول صالح وتليد، الحديث حول من يكون تليد مع حذف بعض الأحداث بالطبع.
يااه يا ريتال مخبية عني كل ده؟ وأنا اللي فاكرة إني عارفة بنتي كويس وبقول عمرها ما تخبي حاجة عني.
ماما هو مش أحنا اتفقنا قبل ما أحكيلك إنك مش هتتعصبي ولا هتزعلي مني؟
بصي يا ريتال أنا معنديش أي استعداد أدخل في خناقات ومشاكل مع عمك أو عمتك فا ياريت تبعدي عن صالح وعن نانسي.
متقلقيش يا ماما صالح قالي بنفسه إني زي أخته، ونانسي أنا والله مش باجي جنبها أصلًا هي اللي بتيجي تضايقني وأنا مش مصدقة يا ماما إنك سايبة كل حاجة بحكيها ومشاعري ومركزه في اللي بتقوليه ده بس!
عقبت ريتال بحزن واضح على حديث والدتها وهي تشعر بغصة في حلقها، وفي تلك الأثناء كان الندم يسيطر على ريتال ليس ندمًا على ما فعلته أو ما حدث بل الندم على إخبار والدتها بما حدث فلو علمت ريتال أن تلك ستكون ردة فعل والدتها ما كانت لتخبرها بما حدث من البداية...
أتكلمي معايا كويس يا ريتال! واه أنا هركز في ده بس عشان مشاعرك دي مجرد مشاعر مراهقة أنا ببص لبعيد مش لدلوقتي وانا بصراحة ولا عندي وقت ولا طاقة لخناقات تاني مع عائلة باباكي!
تمام يا ماما، مش هكلم صالح ومش هكلم نانسي ومش هكلم تليد ومش هكلم حد خالص ياريت حضرتك ترتاحي بقى. أردفت ريتال بإمتعاض شديد وهي تضع الشطيرة أمامها في الصحن بإهمال.
كملي أكلك علشان نمشي.
شبعت.
على راحتك. تمتمت والدتها وهي تُشير للنادل كي تأخذ ما تبقى من طعام ريتال إلى المنزل علها ترغب في إكماله في المساء.
كان الصمت يسود بين ريتال ووالدتها طوال الطريق، كانت تعابير الغضب مازالت تعتلي وجه ريتال...
هي لا تصدق كيف تغير أسلوب والدتها في التحاور وكيف أصبحت بهذا الجفاء والجمود إنها لا تهتم بتاتًا بشعور ريتال كما أعتادت أن تفعل في السابق ولا تعرف ريتال حتى ما سبب ذلك، وحتى وإن كانت هناك أسباب منطقية فلا ذنب لريتال بها!
كنتِ فين يا ست زينة أنتِ وبنتك؟ صدر هذا السؤال من جدة ريتال فور أن دلفت زينة وابنتها داخل المنزل، اضطربت معالم زينة لبرهة قبل أن ترسم ابتسامة صغيرة وهي تقول:
أهلًا يا ماما، أحنا كنا بنشتري كام حاجة كده بعد المدرسة وأتغدينا برا.
كنتِ بتبعزقي فلوس ابني يعني.
لا يا ماما أنا مش ببعزق الفلوس ولا حاجة، عبدالرحمن هو اللي باعت الفلوس دي وهو اللي قالي أجيب بيها حاجات.
طبعًا ما أنتِ تلاقيكي كلمتيه بسهوكه وأقنعتيه يبعتلك فلوس كتير، يلا مش مشكلة أهو كله علشان حفيدتي في النهاية. بصقت بثينة كلماتها القاسية لتذم والدة ريتال شفتيها قبل أن تُردف بأدب:
طيب بعد إذنك يا ماما أحنا هنطلع شقتي علشان مرهقين لو عوزتي أي حاجة كلميني.
ربنا ما يحوجني لحد، يلا اطلعي شقتك. أومئت والدة ريتال وهي تسحب يد ريتال بقوة وتتجه نحو الأعلى، لم تنبس ريتال ببنت شفة لكنها حاولت إفلات يدها من خاصة والدتها.
بمجرد أن دلفت والدة ريتال إلى الجزء المخصص لها قامت بصفع الباب بقوة ومن ثم إلقاء الحقائب على الأرضية بحنق شديد، كانت تطالعها ريتال بتوتر قبل أن تتجه نحو غرفتها لكي تتجنب الشجار مع والدتها.
أمسكت ريتال بهاتفها لتجد أنها قد فوتت اتصال من والدها، أعتلت الإبتسامة فمها وهي تعاود الإتصال به من خلال تطبيق مخصص للمكالمات، انتظرت بضع ثوانٍ قبل أن يأتيها صوت والدها الذي اشتاقت له.
ألو أيوا يا بابا يا حبيبي وحشتني أوي.
وأنتِ كمان يا حبيبتي، طمنيني عنك.
أنا بخير الحمدلله، المهم أنتَ كويس؟
كويس يا حبيبتي الحمدلله، أنتِ كمان وحشتيني أوي وعلى فكرة أنا اشتريت هدايا كتير ليكي وهجيبها معايا لما ارجع إن شاء الله، قوليلي يا حبيبتي جبتوا الهدية لتيته؟
ربنا يخليك يا بابا كفاية أنتَ ترجع بس وأشوفك ومش عايزة حاجة تاني، اه اشترينا سلسلة دهب حلوة أوي هبقى أصورهالك.
كانت ريتال تتحدث بجدية تامة ففي تلك اللحظة لم تكن تهتم كثيرًو بالماديات أو بأي شيء سيبتاعه والدها من أجلها فكل ما تريده هو أن يعود والدها وأن يكون بصحبتها هي ووالدتها وأن يعودوا للمكوث في منزلهم القديم بدلًا من العيش هنا برفقة العائلة، فالأمور كانت أكثر استقرارًا في ذلك الحين...
أنا واثق في ذوقك أنتِ وزينة، على العموم أنا مش هعطلك عشان لو وراكي مذاكرة أنا قولت بس اسمع صوتك و،.
كان يتحدث والدها بنبرة لطيفة ولكن قاطع حديثه صوت ضوضاء بالقرب منه، عقدت ريتال حاجبيها حينما أدركت ماهية هذه الضوضاء لتسأل والدها بمزيج من الفضول والإضطراب مُردفة:
هو أيه صوت عياط البيبي اللي عندك ده يا بابا؟