قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس

كان يتحدث والدها بنبرة لطيفة ولكن قاطع حديثه صوت ضوضاء بالقرب منه، عقدت ريتال حاجبيها حينما أدركت ماهية هذه الضوضاء لتسأل والدها بمزيج من الفضول والإضطراب مُردفة:
هو أيه صوت عياط البيبي اللي عندك ده يا بابا؟
صوت أيه؟ مفيش صوت بيبي ولا حاجة،.

لا يا بابا أنا سمعت دلوقتي صوت عياط بيبي عندك أنا متأكدة.
كانت ريتال تتفوه بتلك الكلمات وهي تشعر بيدها ترتجف خوفًا من إجابة والدها، كانت إجابته كما توقعت وكان من المفترض أن تطمئن لحديثه لكن لسبب ما لم تقتنع بإجابته المُتوترة المضطربة والتي كانت كالآتي:
اه، ده التلفزيون صوته كان عالي شوية معلش، المهم مش هتروحي تنامي بقى علشان عندك مدرسة الصبح؟

أنام أيه بابا الوقت لسه بدري، عالعموم حضرتك شكلك مشغول فأنا هقفل.

طيب يا حبيبتي مع السلامة. أردف والدها من الجانب الآخر قبل أن يُغلق الخط سريعًا قبل أن يسمح لها بتوديعه بشكلًا لائق.
عقدت ريتال حاجبيها بعد أن أبعدت الهاتف عن أذنها، ما صوت بكاء الرضيع ذلك؟ ولم توتر والدها لهذه الدرجة حينما سألته؟ توتر للدرجة التي جعلته ينهي المكالمة سريعًا وبطريقة لا تمت بأي صلة بالنبرة الحنونة التي كان يتحدث بها طوال المكالمة...

حاولت ريتال إبعاد تلك الأفكار عن رأسها وقد قررت ألا تُخبر والدتها بما سمعته فالعلاقة بين والديها متوترة بما فيه الكفاية ولا داعي لزيادة الأمر سوءًا خاصة وأنه لا يوجد شيء مؤكد يجعلها تثير القلق والشك في نفس والدتها، تركت ريتال الهاتف وقامت بإحضار الدفاتر خاصتها كي تقوم بحل الواجبات المدرسية خاصتها.
ريتال خلصتِ مذاكرة؟

اه يا ماما، يعني فاضلي حاجة بسيطة أوي في واجب الإنجلش وهبقى خلصت.
طب كمليه لما نطلع من تحت، قومي أغسلي إيديك وألبسي الإسدال علشان ننزل نتعشى.

حاضر، هو صالح نازل يتعشى معانا أصلًا؟
المفروض اه.

هو خلاص يعني صالح عمو وهيرجع البيت؟
صالح مسابش البيت أصلًا علشان يرجعله هو كان متضايق وراح يبات عند صاحبه يوم، وبعدين أحنا مالنا يا ريتال؟ هو مش أحنا اتفقنا ولا أيه؟

اتفقنا اه، همست ريتال ساخرة وهي تستقيم من مقعدها وتتجه نحو دورة المياه لكي تنفذ ما طلبته منها والدتها.

مر اليوم بهدوء والذي يليه كذلك، لا جديد في حياة ريتال ذهبت للمدرسة كما تفعل كل يوم وكانت تحاول تجنب تليد كما أعتادت أن تفعل في الأيام القليلة السابقة منذ أن بدأت العام الدراسي، لم تتحدث إلى صالح سوى ببعض الجمل المختصرة أثناء تلاقيهم على طاولة الطعام، وكما قررت ريتال لم تُخبر والدتها بأمر الرضيع الباكي.

كانت الأجواء ساكنة حتى جاء يوم عيدميلاد جدتها، قام والد صالح بحجز طاولة للعشاء في أحد المطاعم الفاخرة والتي تطل على نهر النيل، ذهب نصف العدد بسيارة من سيارتي والد صالح بينما الجزء الآخر جاء في سيارة والدة نانسي ولقد كانت ريتال في سيارة عمتها برفقة والدتها بينما ذهبت نانسي لركوب السيارة برفقة صالح ووالده وجدتها.

بالطبع تمنت ريتال لو بإمكانها أن تكون في موضع نانسي إلى جانب صالح لعلها تسرق منه بضع كلمات لطيفة وتُجري حوارًا صغيرًا معه لكنه لم تملك الجرأة لطلب تبديل المقاعد في السيارات ولم تكن والدتها لتسمح لها بذلك على أي حال وخاصة بعد الجدال الذي حدث بينهم مؤخرًا.

أنا مش عارفة أحمد يعني اختار كافية بعيد عننا ليه كده؟ أردفت والدة نانسي وهي تتابع الموقع الجغرافي للمطعم، لم تعلق زينة وأعتبرت أن غادة تتحدث إلى ذاتها بتلك الكلمات.
إلا قوليلي يا زوزو أنتِ وعبدالرحمن اتصالحتوا ولا لسه؟ سألت غادة بمراوغة لترسم زينة ابتسامة زائفة على ثغرها قبل أن ترواغ هي الآخرى في إجابتها والتي بدت كسؤال أكثر.

ليه هو كان حصل أيه بينا عشان نتصالح؟
اضطربت معالم غادة قليلًا وقد أدركت الخطأ الذي ارتكبته قبل ثوانٍ، لقد تسببت عن قصد في شجار بين عبدالرحمن وزينة أو من المفترض أن يكون الوضع على هذا الحال بعد أن أخبرته بالشجار الذي دار بينها وبين أحمد لكن على ما يبدو من سؤال زينة أن ذلك لم يحدث أو ربما حدث ولكنها علمت أنها هي من قامت بنقل الأحداث إلى عبدالرحمن.

لا، معرفش، قصدي يعني مش من فترة كانت ماما قالت إن عبدالرحمن أشتكى منك؟
أشتكى مني؟ أيه أشتكى مني دي؟ هو أحنا عيال صغيرة؟ وبعدين عادي يعني، ما أنتِ عارفة يا غادة إن مفيش جوازة بتخلى من الخلافات دي حاجة طبيعية.

أجابت زينة بهدوء قدر الإمكان وبكلمات عقلانية لا تدعو إلى الجدال، لكن لسبب ما قد اتخذت كلماتها منعطفًا آخر داخل عقل غادة والتي شعرت بالضيق تجاه رد زينة لذلك عقبت على حديثها بإستنكار واضح مُردفة: اه أنتِ بترمي عليا كلام يعني؟ عالعموم شكرًا يا ست زينة مكنش العشم.

أنا مقولتش حاجة يا غادة أنا برد عليكي عادي،
عمتو هو ممكن تشغلي أغاني؟ صدر هذا الطلب من ريتال وقد كان مقصدها هو إنهاء الجدال الذي على وشك أن يزداد حدة فلا طاقة لها لسماع هذا الحديث الآن ولسوء حظها لم تتذكر جلب سماعات الأذن خاصتها والتي كانت ستشكل خلاصًا لها.

بمجرد وصولهم إلى هناك ذهب الجميع للجلوس على الطاولة الكبيرة التي قام والد صالح بحجزها فيما عدا صالح الذي ذهب للتحدث في الهاتف، جلست نانسي في الجهة المقابلة لعطر وقد تركت كرسي فارغ بجانبها لكي يجلس به صالح حينما يعود، والذي سيكون في مواجهة لريتال حينما يجلس والتي ذهبت بدورها للجلوس بجانب عطر، كانت جدتهم تترأس الطاولة كالمعتاد بينما جلست زينة وغادة وأحمد بصورة عشوائية.

أيه يا بنتي اللي أنتِ لابساه ده؟ سألت نانسي فجاءة لتقطع الصمت السائد في المكان، اضطربت معالم ريتال قليلًا وهي تضع يدها أعلى ثوبها بينما تسأل بقليل من الحرج:
ماله؟ مش حلو؟

وحش جدًا ومش لايق عليكِ إطلاقًا! يعني أولًا لابسة فستان ودي حاجة ياريت متعمليهاش تاني لأنها مبينة رفعك جدًا ومطلعك شبه خلة السنان، ثانيًا قولتلك مية مرة أنتِ سمراء والفواتح بتغمقك زيادة بس أنتِ مبتفهميش تقريبًا!

بصقت نانسي كلماتها اللاذعة لتكسو الحمرة وجه ريتال خجلًا وحرجًا، ودت لو تقوم بتوبيخها والصراخ في وجهها بأنها لا تملك الحق في التحدث إليها بتلك الطريقة ولا وصفها بتلك العبارات المهينة!

لكنها كالعادة لم تملك الجرأة لفعل ذلك، وبالرغم من أن شخصية ريتال بشكل عام لم تتصف بالضعف إلا أنه حينما يتعلق الأمر بنانسي وتعليقاتها تفقد ريتال قوتها وتندثر شخصيتها أسفل عبارات نانسي القاسية الجارحة...

بسم الله ما شاء الله، أحنا عندنا عروسة ولا أيه؟ أيه ده دي ريتال، الفستان تحفة عليكي.

بجد؟ سألت ريتال بلهفة وهي تشعر بنبضات قلبها تتسارع كخيول عربية أصيلة في حلبة سباق، ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغر ريتال ليبتسم لها صالح في المقابل قبل أن يُجيبها قائلًا:
بجد، هو أنا عمري كدبت عليكي؟

لا.

طب أيه يا صلوحة مش هتقول حاجة على ال outfit بتاعتي أنا كمان؟ سألت نانسي بنبرة لا تخلو من التدلل وهي تغمز بأحد عينيها لصالح والذي رمقها بإزدراء قبل أن يُجيبها مستنكرًا:
صلوحة ازاي يعني؟ وبعدين ما أنتِ أكيد عندك مراية في البيت وبصيتي فيها قبل ما تنزلي.

والله؟

اه والله عندك مراية جنب باب الشقة بالأمارة. أجابها صالح ساخرًا لتضحك ريتال ضحكة مكتومة، زفرت نانسي بحنق شديد.

ساد الصمت لبعض الوقت قبل أن يأتي النادل بقوائم الطعام فيبدأ الكل في اختيار ما يرغبون في تناوله، استغلت ريتال جلوس صالح أمامها واستماع نانسي لشيء ما بواسطة سماعات الأذن خاصتها وأنحنت ريتال نحو الأمام وهي تُحدثه بصوتٍ منخفض قائلة:
صالح ممكن أتكلم معاك ثواني؟

اه طبعًا ممكن، تعالي نتمشى برا.

تمام، ثواني استأذن ماما إني هجيب حاجة من برا وأنتَ قولها أنك هتخرج معايا علشان مبقاش لوحدي ماشي؟

تمام ماشي مع أننا ممكن نقولها أننا خارجين برا وجايين بسرعة عادي بس براحتك.

صدقني كده أحسن، أومىء لها صالح فهو لا يهتم كثيرًا بما ستقوله بل كل ما يهتم به ألا تعتاد هي على الكذب وإخفاء الأمور فإن كانت تفعل ذلك في مثل هذه الأمور البسيطة فماذا ستفعل حينما تكون هناك كارثة حقيقية؟

بعد أن ابتعد صالح وريتال قليلًا عن أعين الجميع وقفت تستند على السور الحديدي الذي يطل على نهر النيل بينما تُردف:
بص يا صالح هو ماما عيد ميلادها بعد كام يوم وبابا مش فاكر أصلًا، وكمان شكله مش هيبعتلها هدية ولا حاجة، أصلًا بابا مش بيهتم غير بعيد ميلاد تيتا،.

طيب تحبي إن أنا أكلمه وأفكره أو ألمحله من بعيد يعني؟

لا لا مش ده قصدي خالص، بص أنا محوشة فلوس وكده وكنت عايزة اجيب لماما تورتة صغيرة كده من غير ما حد يعرف واحتفل أنا وهي بس أنا مش هعرف أعمل كده لوحدي لأني بروح المدرسة وبرجع بالباص فلو ينفع وأنتَ راجع من الجامعة تجيب التورتة هكون شاكرة جدًا ليك بجد،.

بس كده ياستي؟

اه، لا، مش عارفة،.

شكلك عايزة تحكي حاجة كمان، قوليلي أنا سامعك ومستعد أساعدك لو في أي مشكلة. عرض عليها صالح بنبرة لطيفة وهو يداعب خصلات شعره بينما يستمع إليها، ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثغرها قبل أن تُردف:
هي حاجة هبلة بصراحة مش عايزه أشغلك ويطلع بيتهألي أو حاجة،.

احكي بس يا ريتال.

هو أنا كنت بكلم بابا من يومين وسمعت جنبه عياط بيبي، صوت عياط قريب أوي يعني كأن البيبي ده جنبه ومعاه في الشقة.

طب عادي ممكن يكون صوت في فيلم ولا صوت ابن العاملة اللي بتنضف مثلًا. علق صالح على ما قالته بأكثر أقتراحات منطقية والتي تطابقت أحداها مع إجابة والدها، أطلقت ريتال تنهيدة صغيرة قبل أن تُعقب على جملته قائلة:
بابا قالي إنه صوت التلفزيون فعلًا وأنا حاولت أقنع نفسي لحد ما،.

لحد ما أيه؟

لحد لما بابا نزل الصورة دي امبارح، أجابت ريتال بإنكسار وتوتر واضح وهي تخرج الهاتف من حقيبتها الصغيرة ومن ثم تقوم بفتح صورة محددة من معرض الصور.

كانت الصورة لوالدها داخل المنزل الذي يقطن فيه والذي كان على ما يبدو وكأنه بيت كبير منعزل ?يلا وليست مجرد شقة سكنية يقطن بها مع رفاقه كما أخبرهم في السابق ولكن لم تكن المشكلة تكمن هنا من الأساس بل في ظهور ألعاب أطفال مبعثرة في أحد الأركان...

هو، أنا فاهم صح؟

مش عارفة يا صالح، أنا خايفة اسأله يتعصب عليا وخايفة أقول لماما اطلع فاهمة غلط وازود المشاكل اللي بينهم ومش عارفة اتصرف ازاي،.

لا لا متقوليش لطنط زينة طبعًا لو طلع الموضوع بجد هي هتتقهر ولو طلع سوء تفاهم هنبقى زودنا المشاكل اللي بينهم مشكلة.

طب اعمل أيه؟ سألت ريتال بحيرة شديدة ليطلق هو تنهيدة طويلة قبل أن يُجيبها قائلًا:
متعمليش حاجة أنا هحاول أشوف الموضوع ده.

هتسأل بابا؟ سألته ريتال بقلق واضح ليحرك رأسه بمعنى لا لتومئ هي بإضطراب.

خلاص إن شاء الله خير، تعالى نرجع بقى علشان ماما متقلقش عليا.

يلا بينا بس استني نقف نشتري أي حاجة علشان منبقاش fake مزيفيين أوي يعني.

تمام. ذهب صالح لأقرب بائع ليبتاع من عنده علكة ولوح شيكولاتة من أجل ريتال وواحدٍ آخر من أجل عطر.

دي علشانك.

علشاني أنا؟ شكرًا، سألته ريتال بلهفة وهي تُمسك بلوح الشيكولاتة بينما نمت ابتسامة كبيرة على ثغرها ليبادلها هو الإبتسام لثوانٍ قبل أن يُردف:
عفوًا بس متاكليهاش دلوقتي علشان نفسك متتسدش. أومئت بالإيجاب قبل أن تُخفي الشيكولاتة في حقيبتها وتعود برفقته إلى الداخل.

جلست ريتال في مقعدها وكذلك صالح، كان الصمت يسود في المكان فيما عدا ثرثرة بسيطة تدور بين والدة ريتال وعمتها.

قولتلك أحسنلك تبعدي عن تليد، أنتِ متعرفيهوش كويس وصدقيني مش هتحبي تعرفيه.

وصلت تلك الرسالة من الرقم المجهول ذاته مجددًا إلى ريتال والتي اعتدلت في جلستها وقد عقدت حاجبيها بإستياء شديد بينما تُفكر في ردٍ مناسب على تلك الرسالة، فهي لا تنوي تجاهلها مثلما فعلت في المرة السابقة وفي أثناء ذلك وقعت عيناها على نانسي التي لم يفارق الهاتف يدها بالإضافة إلى الإبتسامة الغير بريئة المرسومة على ثغرها.

أنا معرفش أنتِ مين، بس لو أنتِ شخصيتك قوية أوي كده وبتحاولي تفرضي رأيك عليا أنا أحسنلك تروحي تقوليله هو يبطل يتكلم معايا،.

أرسلت ريتال تلك الرسالة لتظهر علامة اتصال هاتف الطرف الآخر بالإنترنت وعلى أي حال لم تنتظر ريتال رد الفتاة فلقد قامت بحظر الرقم مباشرة.

سيبوا الموبايل شوية يا بنات أحنا جايين نقضي اليوم مع بعض مش مع التليفون. تمتمت زينة بنبرة لطيفة حينما لاحظت انشغال الفتاتين بالهواتف، نفذت ريتال طلب والدتها على الفور بينما طالعتها نانسي بإبتسامة مصطنعة بينما تقول:
ياريت يا طنط زينة توجهي الكلام لبنتك وبس، أنا مامي مش معترضة إني أمسك التليفون.

على فكرة كده عيب يا نانسي.

صدر هذا التعليق من الصغيرة عطر والتي لم تعتد أن ترى أحدًا صغير يتحدث بنبرة غير مقبولة كتلك التي تتحدث بها نانسي إلى أحدٍ يكبرها بكثير في العمر، ضحكت نانسي ساخرة من جملة عطر ولكن سرعان ما اختفت ابتسامتها حينما سمعت تعقيب صالح على جملة شقيقته والذي كان كالتالي:
عيب أيه يا حبيبتي من الواضح كده إن نانسي متعرفش إن في حاجة اسمها عيب من أصله!

كانت نانسي تستشيط غضبًا في تلك اللحظة من حديث صالح بينما كانت ريتال تشعر بآلم طفيف في معدتها نتيجة للأجواء المضطربة التي على وشك أن تغزو المكان وقد حدث كما توقعت تمامًا، فلقد تمكن الغضب من عمتها والتي عقبت على حديث صالح ببعض الحدة مُردفة:
جرا أيه يا باشمهندس صالح يا مؤدب يا متربي مش ملاحظ أنك كده بتغلط في تربيتي ليها؟ يعني بتغلط فيا أنا شخصيًا.

والله يا عمتو أنا مغلطتش في حد أنا قولت كلمة الحق بس كالعادة كلمة الحق بتزعل.

الظاهر كده إن مفيش حد في القاعدة دي كلها متربي وشكلكوا كده نسيتوا إن في كبيرة قاعدة هنا وسطكوا!

العفو يا ماما بثينة هما ميقصدوش، نبست زينة بقليل من التوتر في محاولة منها لتهدئة الأجواء لتقاطع جملتها والدة زوجها بإسلوبٍ حاد وبنبرة أقرب إلى الصياح:
اسكتي أنتِ أنا موجهتلكيش كلام! عبس وجه زينة على الفور وهي تشعر بحرارة تغزو وجنتيها قبل أن تحمحم بحرج وهي تستمع إلى تكملة حديث والدة زوجها.

الكل يسمع الكلمتين اللي هقولهم دول كويس، طول ما أنا عايشة وعلى وش الدنيا هتتعاملوا مع بعض بإحترام وبأدب لأني مش هسمح بحاجة بغير كده! وأنت يا أحمد ياريت تبقى تهتم شوية بتربية ابنك، عيب يبقى شحط ملوا هدومه كده ومش عارف ازاي يحترم عمته والكبار اللي قاعدين.

كانت كلماتها حادة وواثقة في الوقت ذاته، كان الكل يستمع في هدوء حتى ذكرت الجزء الخاص بصالح في تلك اللحظة اضطربت معالم الكل، أمتعض وجه والد صالح وهو يطالعه بتوعد قبل أن يُردف الآتي:
تحت أمرك يا أمي ومتقلقيش خالص أنا هحل موضوع صالح ده، طالما هو لسه بيتصرف زي العيال الصغيرة يبقى يتعاقب زيهم علشان يتعلم إزاي يحترم عمته وبنت عمته.

قهقه صالح بسخرية واضحة حينما استمع إلى جملة والده قبل أن يستقيم من مقعده ويتجه نحو جدته لينحني مقبلًا يديها بينما يتمتم:
طيب أنا أسف أنا هضطر إني مكملش القاعدة اللذيذة دي، كل سنة وحضرتك طيبة يا تيتا، الهدية في البيت لما أروح هنزلها لحضرتك، عن إذنكوا.

اقعد مكانك يا صالح بدل ما أقوم أكسر الترابيزة دي على دماغك! علق والده من بين أسنانه وقد ضم قبضة يده اليمنى، ابتسم صالح ابتسامة جانبية قبل أن يُردف بنبرة لا تخلو من الإستفزاز:
مش قاعد، رايح لأمي فيها مشكلة دي؟ بعد أن صدرت تلك الجملة من صالح كان والده على وشك النهوض من مقعده بطريقة أشبه بإنقضاض الصائد على الفريسة لولا أن أمسكت بيده جدة صالح وهي تقول بنبرة جامدة:.

خلاص يا أحمد سيبه على راحته بس ياريت يا صالح متتأخرش في رجوع البيت.

حاضر يا تيته. قال صالح بينما يأخذ أغراضه من أعلى طاولة قبل أن يقترب من شقيقته الصغرى ويطبع قبلة رقيقة على رأسها والتي كانت عيناها قد أغرورقت بالدموع بالفعل فزعًا من الجدال الذي دار أمامها قبل قليل.

رحل صالح من المكان تاركًا من خلفه أجواء مضطربة وأعين دامعة، لحسن الحظ لم تستمر تلك الجلسة كثيرًا حيث رحل الكل عائدين إلى المنزل بعد انتهاء الجميع من تناول الطعام.

لم ترى ريتال صالح مجددًا في تلك الليلة ولم تعلم ماذا حدث عند عودته إلى المنزل فلقد كان عليها النوم باكرًا كي تذهب إلى أحد الدروس الخصوصية في نهار يوم السبت.

في تمام الثالثة عصرًا كانت ريتال تسير بهدوء عائدة إلى المنزل بعد أن انتهى الدرس الخصوصي خاصتها وبمجرد أن توقفت أمام المنزل صدح في أذنها صوت الدراجة النارية المزعج لتنتفض وهي تلتفت نحو الخلف وهي على وشك أن تسب المتسبب في ذلك الصوت لكنها تراجعت على الفور حينما أدركت أنه هو، صالح!

صالح؟

أيه ده ريتال ازيك؟ رحب بها صالح وهو يزيح الخوزة خاصته لتصدر منها شهقة عالية ولكنه يضع سبابته أعلى شفتيه بينما يقول:
صه بس هتلمي الناس علينا!

أنتَ، أنتَ أيه اللي حصلك؟ سألت بتوتر شديد وهي تتأمل الكدمة البنفسجية أسفل عيناه والجرح الذي شق جزء من شفته السفلية.

مفيش حاجة خناقة صغيرة كده متخديش في بالك، صحيح هنشتري التورتة بكرة؟

بس ماما عيدميلادها بعد بكرة مش بكرة وبعدين نشتري أيه بس وأنت متشلفط كده؟

ياستي أنا كويس مفيش حاجة، عامة أنا بقول نجيب التورتة بكرة بليل وتحتفلي مع طنط زينة لما الساعة تدق 12.

صح عندك حق، طيب أبقى شوف بقى التورتة هتتكلف كام والشمع وكده وقولي تمام؟

ربنا يسهل إن شاء الله. أردف صالح تجنبًا للجدال فهو لن يسمح لها بإعطاه المال على أي حال لكن لا داعي للشجار من الآن.

طيب أنا هطلع بقى و، روح صيدلية ولا شوف أي مرهم ولا حاجة،.

حاضر متقلقيش. أردف بنبرة مطمئنة لتومئ هي وتتركه متجهة نحو الطابق الخاص بها هي ووالدتها بينما تركت عقلها وتفكيرها معه.

مر اليوم بهدوء تام لكنها لم ترى صالح مجددًا حيث أنه لم يتناول معهم وجبتي الغداء والعشاء وبالرغم من قلق ريتال من اجتماع والدتها بجدتها وعمتها وعمها على طاولة الطعام إلا أن الأمر قد مر بسهولة تامة وكأنه لم ينشب جدال حاد بين الجميع بالأمس.

ذهبت ريتال إلى المدرسة في اليوم التالي بحماس غير معه بها فهي لا تكاد تنتظر انقضاء اليوم الدراسي وحلول المساء حتى يأتي صالح بالكعكة من أجل والدتها كما أنها حضرت هدية صغيرة من صنع يدها من أجل والدتها كذلك.

في منتصف اليوم الدراسي ذهبت ريتال إلى دورة المياه وفي طريقها نحوها وقبل أن تدفع الباب برفق وجدت من يدفعها هي بعيدًا عن الباب ليختل توازنها فتجد نفسها تحتضن الأرضية الباردة، رفعت عيناها بصدمة لتجد فتاة قد رأتها في السابق برفقة نانسي لكنها لم تكن تعرف ما اسمها حتى تلك اللحظة.

معلش يا، مخدتش بالي إنك داخلة.

قالت الفتاة بنبرة ساخرة وهي تقهقه بغطرسة واضحة قبل أن تدلف إلى دورة المياه تاركة ريتال في صدمة جعلتها غير قادرة على الإستقامة لولا أن انتبهت لها أحدى العاملات والتي كانت على ما يبدو أنها تكبر والدتها ببضعة أعوام والتي ذهبت مهرولة نحو ريتال لتساعدها على النهوض.

أنتِ كويسة يا حبيبتي؟ سألتها بينما كانت ريتال تحاول الوقوف ومازالت آثار الصدمة على وجهها وإن أُضيف إليها دموع تنهمر بغزارة بعد أن حُبست لثوانٍ داخل عيناها.

أنا، كويسة، شكرًا،.

طيب تعالي معايا اغسلي وشك. عرضت عليها العاملة لتضطرب معالم ريتال أكثر فتفهم العاملة أنه لا رغبة لها في دخول دورة المياه وبشكل خاص بعد ما حدث قبل قليل.

متقلقيش مش هدخلك الحمام ده تعالي هدخلك حمام المدرسين تغسلي وشك. أومئت ريتال مع ابتسامة صغيرة حاولت جاهدة أن ترسمها على وجهها.

ذهبت ريتال برفقة العاملة والتي أخبرت ريتال بأنها تدعي ابتهال إلى دورة مياه المعلمين والتي كانت تقع في الطابق التالي للذي كانت فيه ريتال قبل قليل، قامت ريتال بصفع وجهها بالمياه الباردة ومن ثم حاولت تنظيف ثيابها من أثر الأتربة التي علقت ببعض مواضعها.

حاسه نفسك أحسن دلوقتي؟

الحمدلله، شكرًا بجد لحضرتك.

عفوًا يا حبيبتي أنا معملتش حاجة، لو عارفة اسم البنت اللي وقعتك وعايزة تروحي تشتكي للمديرة أنا ممكن أجي معاكي.

عرضت على ريتال بالرغم من أنها قد توقعت مسبقًا أنها سترفض ذلك العرض وكان توقعها ناجمًا عن خبرتهغ طوال السنوات الماضية حيث كانت تعمل في مختلف المؤسسات التعليمية فلقد مرت عليها الكثير من المواقف التي يمكن اعتبارها حادثة تنمر صريحة وكالعادة لم تملك الضحية الجرأة الكاملة لتقديم شكوى على الفاعل أو الفاعلة.

لا لا، أنا محدش وقعني أنا وقعت لوحدي.

بس أنا شوفت بنت داخلة و،.

صدقيني أنا تمام مفيش حاجة، عن إذنك،.

قاطعت ريتال حديثها بحدة غير مقصودة وهي تغادر المكان وتتجه نحو الطابق حيث يقع الصف خاصتها، كانت تحاول في تلك اللحظات أن تبتلع الغصة التي في حلقها وأن تُحاول تناسي ما حدث قبل قليل كي لا يلاحظ أحد أي شيء فلا طاقة لها للإجابة على أي سؤال في الوقت الحالي...

كل ده تأخير يا آنسة ريتال؟ ده الحصة خلصت!

صدر هذا التعليق من تليد فور وصول ريتال إلى الصف والذي كان في حالة من الهرج كون المعلم قد غادر المكان قبل بضع ثوانٍ، لم تنبس ريتال ببنت شفة ردًا على جملته الممازحة ولم يكن ليتعجب تليد من تجاهلها لحديثه فهي تفعل ذلك يوميًا تقريبًا لكنه لاحظ شيئًا مختلفًا عليها اليوم...

لقد كانت تبدو شاحبة أكثر من سائر الأيام السابقة كما أن عيناها قد صُبغت باللون الأحمر الزاهي لذا استنتج سريعًا أنه حتمًا حدث شيء غير اعتيادي...

أنتِ كويسة؟ شكلك تعبان أو معيطة؟

مفيش حاجة.

طيب أجبلك مياه؟ سألها بإهتمام حقيقي وإن كان بداخله قد توقع أنها قد تعرضت لجرعة سخيفة من التنمر من أحد فتيات الصف، ساد الصمت لبرهة قبل أن تُجيبه بصوت مبحوح وبكلمات حاولت جاهدة إخراجها:
مش عايزه.

متأكدة؟

بعد إذنك سيبني في حالي بقى أنا مش ناقصة! صاحت ريتال في وجهه بإندفاع وبصوتٍ عالٍ لدرجة كانت تكفي لجعل الجميع يتوقف عن الثرثرة ومن ثم إلتفتت الأنظار جميعها نحوهم.

طالع تليد ريتال بقليل من الصدمة قبل أن يعود بضع خطوات نحو الخلف مبتعدًا عنها وفي تلك اللحظة رمقته ريتال بأعين دامعة لثوانٍ قبل أن تهرول خارج الصف لتلحق بها عالية وهي تسحب حنين من خلفها.

مش واخد بالك إنك جايب لنفسك التهزيق يا تيتو ولا أيه؟ صدرت هذه الجملة من چودي وهي تضع ذراعها أعلى كتف تليد بينما تبتسم بسخرية ليقوم هو بإبعاد ذراعها بحدة بينما يُردف بتهديد:
خليكي في حالك علشان متزعليش!

ابتعد تليد بعد تلفظه بتلك الجملة عن چودي بل وعن الصف كاملًا واتجه نحو الخارج بحثًا عن ريتال أو عن أحدى الفتاتين وسرعان ما وجدها تبكي بين أحضان حنين بينما وجد عالية تُشير بيدها وكأنها تتوعد لأحدهم، لمحت ريتال وجود تليد لذا طلبت من الفتيات أن يعودوا إلى الصف لتوافق كلتاهما.

عالية ممكن تستني ثواني،.

أسبقوني أنتوا، ها عايز أيه بقى يا تليد بيه؟

هو أنتِ بتعامليني كده ليه؟ وريتال برضوا، هو أنا عملت أيه مش فاهم؟ هو في حد زعلها طيب؟

بص يا تليد أنا هقولك كلمتين من الآخر علشان نخلص من الحوارات دي كلها، ريتال مش محبوبة من الناس في المدرسة وأنا عن نفسي معرفش ليه هي مأذتش حد ولا زعلت حد وهي بجد انسانة لطيفة جدًا،.

أخذت عالية تثرثر في محاولة لإيجاد طريقة مناسبة لتقوم بإيصال وجهة نظرها إلى تليد والذي كان يستمع إليها في تملل وحنق فهو لا يهتم لتلك التفاصيل الواضحة والزائد بل كل ما يرغب فيه هو معرفة ما حدث لريتال قبل قليل بصيغة مباشرة!

يا ستي خلصي هو احنا في برنامج أنا والنجوم وهواك؟ ما أنا عارفة إنها لطيفة وجميلة وكل ده!

اصبر على رزقك! المشكلة إن محاولاتك إنك تتكلم معاها ووقوفك معاها في كل حتة مزعل العرر اللي أنتَ تعرفهم وبيضايقوها أكتر، يعني بطريقة ما أنتَ السبب في كل اللي بيحصلها يا تليد!

بس ده حرام وظلم! أنا معملتش حاجة وأنا أصلًا مش عايز اضايقها، كان الضيق والإستياء واضحًة على نبرة تليد فهذه المرة ومع ريتال تحديدًا لم يكن ينوي جرحها أو مضايقتها بأي شكلًا كان والآن قد حُشر في الزاوية نفسها مجددًا ولقد أصبح الشخص السيء مجددًا...

لو مش عايز تضايقها فعلًا يبقى تبطل كلام معاها وتسيبها في حالها وياريت كمان تلم كتاكيتك.

كانت هذه كلمات عالية الأخيرة قبل أن تترك تليد واحيدًا شاردًا وغاضبًا وهو يُفكر في كيفية رد الإهانة والسخرية لأيًا من كان المتسبب في حزن ريتال.

لم يعلم تليد لماذا يود مساعدتها ولماذا يغضب لهذه الدرجة بالرغم من معرفته السطحية بها والتي لم تتجاوز المحادثات القصيرة والجدال في بعض الأحيان لكن كان هناك شيء بداخله يغضب لتعرضها إلى التنمر...

عادت ريتال إلى المنزل في ذلك اليوم دون أن تنبس ببنت شفة مع أي شخص، حاولت عطر التحدث إليها وحاولت نانسي إغاظتها ببعض الجمل السخيفة داخل الحافلة لكنها لم تجيب كلتاهما بل لم تستمع إلى حديثهم من الأساس وكأن عقلها قام بتقديم استقالته وتوقف عن العمل تمامًا.

حمدلله عالسلامة يا حبيبة ماما أخبار المدرسة أيه النهاردة؟ سألت والدة ريتال بمجرد أن قامت بفتح الباب من أجلها، لم تُجب ريتال بل قامت بإلقاء حقيبتها على الأرضية بإهمال ثم هرولت نحو غرفتها ومن ثم أغلقت الباب بواسطة المفتاح.

ريتال مالك في أيه؟ أنتِ كويسة طيب؟ أنتِ يا بنتي حد عملك حاجة طيب؟ فهميني يا حبيبتي،.

مش، قادرة أتكلم، يا ماما سبيني لوحدي، أجابت ريتال من الداخل بكلمات متقطعة يتخللها شهقات وبنبرة أشبه بالحشرجة.

حاضر يا حبيبتي، أنا هفضل واقفة هنا لحد لما تحسي نفسك أحسن وتخرجي. تمتمت والدة ريتال بنبرة حنونة تخفي في طياتها قلق وحزن شديد على ابنتها الوحيدة والتي لا تعلم ما الذي أصابها...

بعد بضعة دقائق لاحظت زينة أن صوت بكاء ابنتها قد تلاشى من المكان لذا استنتجت أنها قد غفت أثناء بكاءها، أستغلت زينة الوضع وقامت بإحضار المفتاح الإحتياطي لغرفة ابنتها وهي تدعو بداخلها ألا تكون ريتال قد تركت المفتاح داخل الباب ولحسن الحظ أنها لم تتركه لذا استطاعت أن تدلف إلى الداخل بسهولة.

كانت ريتال ممدة بشكل عشوائي على السرير بثياب المدرسة، خصلات شعرها مبعثرة ودموعها لم تجف بعد والتي بللت ملاءة سريرها بالقرب من وجهها، جلست زينة على السرير بهدوء وهي تُقبل رأس ابنتها بينما تهمس:
مالك بس يا ريتال أيه اللي حصلك؟ وأنا اللي كنت عماله اسأل نفسي همهدلك موضوع صالح ده ازاي؟ شكل كده كل حاجة اتلغبطت خالص،.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة