قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الرابع والأربعون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الرابع والأربعون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الرابع والأربعون

هو أيه ده؟ فهمني أيه ده؟ لم يُجيب تليد على الفور في البداية أستقام من مقعده بفزع لرؤيته لرد الفعل البادي على وجه ريتال قبل أن يقترب منها ليرى ما تُشير إليه في هاتفها وحينها هربت الدماء من وجهه وأخذ يُطالعها في صدمة محاولًا إيجاد الرد على سؤالها...

كان في هاتف ريتال صورة تم إرسالها بواسطة لوچي والتي كانت صورة لتليد نائمًا في فراشه بينما كانت لوچي تستند على ذراعيه وكأنها بين أحضانه بينما تقوم بإلتقاط الصورة، للوهلة الأولى بدت الصورة مقنعة للغاية وبالطبع لم يكن هناك أي شك أن تكون الصورة غير حقيقية أو تم التلاعب بها فلقد كانت جميع التفاصيل واضحة.

ريتال، ريتال ممكن تسمعيني، أنا والله العظيم والله العظيم ما أعرف أي حاجة عن الصورة دي، أنا أول مرة أشوفها زيي زيك دلوقتي حالًا!
أنتَ بتخوني يا تليد؟ بتخوني من قبل حتى ما تبقى معايا؟ لم تكن ريتال تصرخ أو تتحدث بنبرة إنفعالية بل خرجت كلماتها منكسرة مشوبة بالخزلان، اضطربت معالم وجه تليد وهو يحاول الدفاع عن نفسه بهلع واضح:.

والله العظيم ما حصل، والله ما حصل بينا أي حاجة أنا سايب البيت بتاعهم بقالي أكتر من سنة علشان،
علشان أيه بقى؟

أوعديني إنك هتصدقيني وأنا هحكيلك كل حاجة والله ما هكدب في ولا كلمة.

أوعدك، نطقت بها بقلة حيلة فعلى الرغم من أنه لن يستطيع إقناعها بأن الصورة مُزيفة إلا أنها كانت على أتم الإستعداد لسماع دفاعه عن نفسه لعله يُخبرها بشيء يجعلها تصدقه، لقد كانت تبحث عن أي شيء يُثبت براءته لأن ببساطة قلبها الضعيف لن يتحمل أن يكون تليد خائن وأن يكون شخصًا آخر أُضيف إلى قائمتها السوداء للأشخاص الذين دعسوا مشاعرها بل ودعسوها هي شخصيًا أسفل أقدامها.

أشار لها تليد بأن تجلس على طاولة بعيدة عنهم فلا داعي لسماع الجميع لمبرراته والمحادثة التي ستدور بينهم فيكفي هذا الكم من الفضائح ونظرات الشك في أعين الكل واللوم في أعين ياسين والتي كانت أقسى من الطعنات فعلى عكس المتوقع لم يتدخل ياسين ولم يحاول الدفاع عنه بل كان ينظر إليه بتساؤول لا يخلو من الشك.

ريتال بصي، دي تعتبر قريبتي من ناحية ماما أو يعني، مش هتفرق صلتنا بيها أيه بس هما عايشين في England من زمان وهما كانوا مستضيفني عندهم في البيت أول ما سافرت.

في البيت ولا في أوضتها؟ لا تدري ريتال كيف نطقت بتلك الكلمات التي كان لها معنى ليس غاية في البراءة، اندهش تليد من ما قالته وطالعها في ذهول لبرهة قبل أن يقول.

ريتال أنا مش كده، أنا ممكن أبان صايع وبتاع بنات بس عارف حدودي، أنا مش ملاك وبغلط اه بس والله العظيم عمر ما أوصل لكده، هي متربية برا وطريقتها غيرنا وحاولت تقرب مني كتير بس أنا كنت بصدها ولما الموضوع بدأ يوسع منها سبت البيت عندهم ومشيت أساسًا.

أومال الصورة دي أيه؟ ذكاء إصطناعي؟ سألته بنبرة لا تخلو من السخرية ليتنهد تليد تنهيدة طويلة قبل أن يقول: لا من الواضح أوي أنها مش Fake ولا متعدلة بس لو أنتِ بصيتي في الصورة هتلاقيني نايم، رايح في النوم خالص وأنا نومي تقيل وسهل أوي تدخل تقعد جنبي وتاخد صورة ومش هحس بيها أساسًا. كان تفسير تليد منطقي بنسبة لا بأس بها لكن قلب ريتال لم يكن مطمئن لذا ساد الصمت لبرهة قبل أن تقول:.

وأنت بتسيب الباب مفتوح ليه أصلًا؟ خاصة وإن أنتَ عارف إن نيتها مش كويسة. طالعها تليد بذهول قبل أن ينفجر ضاحكًا رغمًا عنه، عقدت ريتال حاجبيها بضيق واضح وقبل أن توبخه إعتذر منها قائلًا وهو يضع يده أمام وجهه وكأنه يحمي نفسه من لكمات قد تنهال عليه منها: أنا أسف أنا أسف والله أصل الجملة غريبة أوي يا ريتال، أصل هي مش هتجبرني على حاجة يعني، استغفر الله العظيم يارب هو أيه اللي أنا بقوله ده؟ بصي أنا أكيد كنت بقفل الباب طبعًا بس هي معاها مفتاح تاني لإن دي أوضة أخوها أساسًا.

وأخوها سايبها كده؟ سألت ريتال بتلقائية شديدة ليتنهد تليد تنهيدة طويلة قبل أن يُفسر الأمر مُردفًا الآتي: هو مسافر مكان تاني وبعدين كل ده ميشغلش بالي لأن أنا والله ما شايف حد غيرك والبنت دي أنا صديتها كتير وقولتلها أنا في بنت في حياتي ومش بحب غيرها وهخطبها لما هنزل مصر وبعدها سيبت البيت بتاعهم خالص واشتغلت وأجرت المكان اللي أنا فيه بقالي فوق السنة دلوقتي.

راق لها كثيرًا أن تليد ذكرها أمام تلك الفتاة في بنت في حياتي ومش بحب غيرها كانت هذه الجملة كفيلة بتشتيت ريتال وجعلها تنسى أمر تلك الصورة وتلك الفتاة لثوانٍ معدودة لكنها كانت كفيلة بجعلها تنوي تصديق تليد وربما مع قليل من الإعتذار قد تسامحه وتتجاوز الأمر برمته.
ماشي هحاول أصدقك، بس هي تبعتلي حاجة زي كده؟ وأشمعنا دلوقتي مش قبل كده؟

صدقيني مش بكدب عليكي وهي عيلة كيادة لما شافت بوستات قراءة الفاتحة وأنا عاملك منشن فهي تلاقيها عرفت تجيب رقمك من الفيس بوك ولا من أي حتة وقالت توقع بينا.
والحل دلوقتي؟

هتعمليلها بلوك.
لا هستنى مش يمكن يكون عندها صور تانية عايزة توريهالي؟ تمتمت ريتال بنبرة لا تخلو من الشك ليُطالعها تليد بحزن ممتزج بالضيق وهو يسألها:
أنتِ برضوا مش مصدقاني؟ عامة أنا هبعتلها دلوقتي أهزقها وهعملها بلوك.

لا ثواني أنتَ هرد أنا عليها من عندك وبعدها نعمل بلوك أحنا الإتنين. طالعها تليد بدهشة فهو لم يتوقع أن تُصدر ريتال فرمان كهذا، سرعان ما نمت ابتسامة على ثغره قبل أن يقول:
موافق طالما ده هيريحك.

هي بتفهم عربي؟

معرفش بتعرف تقرأه كويس ولا لا بس هي قردة يعني أكيد بتعرف أو تبقى تترجم. نظرت إليه ريتال نظرة جانبية حادة قبل أن تقول:
ما في كلمات ملهاش ترجمة.

ليه هو أنتِ هتقوليلها أيه؟ نمت ابتسامة خبيثة على ثغرها قبل أن تقوم بمد يدها نحو تليد كي يمنحها هاتفه ليتنهد تنهيدة طويلة قبل أن يقوم بفتح الهاتف واعطائها إياه، أمسكت ريتال هاتفه الذي كان قد اشتراه تليد حديثًا من الخارج.

ظن تليد أنها ستقوم بكتابة الرسالة مباشرة لكنها لم تفعل بل قامت بإلتقاط صورة لهم معًا سيلفي، في التو واللحظة لترفقها في الرسالة قبل أن تكتب الآتي:.

صباح الخير أو مساء الخير على حسب ما هتقرأي الرسالة، كنت حابة أبعتلك سلامي أنا وتليد من مصر تحديدًا من اسكندرية وأقولك ملهاش لازمة الحركات اللي أنتِ بتعمليها دي و If you can t afford a fireplace to keep you warm إن لم يكن في استطاعتكِ شراء مدفأة لتُبقيكِ دافئة ممكن تشتغلي وتشتريها متروحش تتلزقي في الناس، جميلة الصورة أعمليلها Forward إعادة توجيه لأخوكي والست الوالدة.

أرسلت ريتال الرسالة وقد ختمتها بإيموچي يُرسل قبلات عديدة متعمدة إثارة غيظها، صُعق تليد مما قامت ريتال بكتابته وقبل أن يعترض أو يطلب منها تعديل أي شيء كانت قد أرسلت الرسالة بالفعل، طالعها في ذهول قبل أن يُتمتم:
أعوذ بالله من الستات وهي غيرانة بيطلع منكوا حاجات غريبة.

بتقول حاجة يا تليد؟

بقول لا إله إلا الله. نبس بقلق فهو لم يرى ريتال في هذه الحالة من قبل، لقد كانت أشبه بحيوان مفترس لن يكتفي فقط بتمزيق فريسته بل سيمزق أي شيء يتحرك أمامه.

بغض النظر عن إنك مرعبة وأنتِ غيرانة بس أنا مبسوط إنك غيرانة يعني.

بطل رخامة لو سمحت. تمتمت ريتال بخجل وهي تُخفي وجهها بيدها وكأنها ليست الفتاة ذاتها التي كادت تنقض على فتاة آخرى لأنها ليست فقط تحاول سرقة زوجها المستقبلي ولم تكتفي بذلك بل تحاول إثارة غيظها.

في ذلك الوقت عادت نانسي للجلوس على الطاولة وتبعها تليد وريتال بعد أن تأكدت ريتال من صدقه، كانت الأجواء مازالت مضطربة والكل ينتظر تفسير من ريتال عن ما حدث قبل قليل لكنها أكتفت بالإشارة لهم بأن كل شيء على ما يرام وقد احتفظت بالتفاصيل كاملة لوقت لاحق، تناولت نانسي ما تبقى من طعامها في هدوء قبل أن تستأذن منهم قائلة:
أنا عايزة أحاسب وأتحرك علشان ألحق أوصل القاهرة بدري.

بس لسه شوية يا نانسي وميعاد القطر بتاعك الساعة 8 وربع مش دلوقتي. قالت ريتال لتضطرب معالم وجه نانسي وقد أدركت أنها قد أرتكبت خطأ حينما أخبرتهم بموعد القطار فالآن أصبحت مجبرة على الإنتظار معهم حتى موعد رحيلها الأمر الذي جعلها تشعر بعدم راحة.

اضطرت نانسي للجلوس معهم لبعض الوقت لكنها في النهاية أخبرتهم بأنها ستذهب لقضاء بعض الوقت بمفردها بالقرب من الشاطئ ومن ثم ستنطلق إلى محطة القطار، لم تكن ريتال راضية عن ذلك كثيرًا فلقد كانت تشعر بأن نانسي ليست على ما يرام لكن لم يكن بإمكانها فعل أي شيء حيال ذلك.

هو أحنا هنلحق نتقابل تاني قبل ما تسافر؟ سألت ريتال بهدوء شديد جعل الجميع متعجبًا فلقد كانت المتحدثة على وشق أن تسحق تليد قبل قليل، أرتشف قليلًا من العصير خاصته قبل أن يُجيبها:
غالبًا يوم السفر مش عارف هنلحق قبلها ولا لا. عبس وجه ريتال على الفور لكنها سرعان ما حاولت رسم ابتسامة صغيرة على وجنتها وهي تقول:
مش مشكلة الأيام جاية كتير إن شاء الله.

مر ما تبقى من اليوم بهدوء، قامت ريتال بتوديع نانسي التي اتجهت إلى محطة القطار قبل الموعد بوقت كافي، قام ياسين بإيصالهم إلى منزل والدتها بسيارته ومن ثم قام بإيصال جدها الذي لحق بهم في نهاية اليوم وشقيق فريدة إلى منازلهم.

زوزو أحنا جينا. صاحت فريدة بعد أن قامت ريتال بفتح الباب بواسطة المفتاح خاصتها، لقد قررت ريتال قضاء الليلة في منزل والدتها وزوجها برفقة فريدة كنوع من التغير.

حمدلله عالسلامة خلاص بقيتي عروسة بقى ورايحة جاية مع خطيبك؟

أولًا أنا مستأذنة من جدو ومنك ومن بابا، ثانيًا تليد لسه مش خطيبي، ثالثًا بقى تليد مسافر كمان كام يوم يعني مفيش رايحة جاية خالص دي.

ماشي يا لمضة صحيح هو أنتِ اتخانقتي مع تليد النهاردة وأنتوا قاعدين؟ سألت زينة لترمق ريتال فريدة بنظرة حادة على الفور لكن فريدة أشارت لها ب لا أي أنها لم تُخبر زينة بشيء.

متبصيش لفريدة مش فريدة اللي قالتلي.

أنتِ أخوكي ده مش بيتبل في بوقه فولة؟ أنتِ بتديله رشوة يا ماما علشان يفتن علينا؟ وبعدين هو لحق يحكيلك أمتى أساسًا؟ سألت ريتال بغيظ شديد موجهة حديثها نحو فريدة في البداية قبل أن يكون السؤال الثاني لوالدتها.

كل ده مش مهم، أنا عايزة أعرف بقى تليد عمل أيه خلاكي في الحالة دي؟

فين الحالة دي يا ماما؟ أحنا يعني حصل بينا خلاف بسيط زي أي اتنين وبعدين تليد أتكلم معايا وطلعت فاهمة غلط. أجابتها ريتال مع ابتسامة لطيفة في محاولة منها لإنهاء تلك المحادثة بأسرع وقت فلا داعي لتعكير صفو اليوم الذي كان جيدًا لدرجة لا بأس بها.

طب ما تقوليلي كده أيه اللي كنتِ فاهماه غلط وأنا أشوف إذا كنتِ فاهمة غلط فعلًا ولا هو ضحك عليكِ بكلمتين.

لا يا ماما أنا أسفة بس دي حاجة خاصة بيني أنا وتليد ومش المفروض حد يعرفها. لم يروق لزينة كثيرًا ما قالته ريتال، أتسعت عيناها لبرهة قبل أن تقول الآتي بحنق:
الكلام ده يمشي على أي حد معادا أنا وبعدين يا حبيبتي لما يبقى يتقفل عليكوا باب أبقي خبي عليا لكن طول ما أنتِ لسه في بيتي يبقى كل حاجة لازم أعرفها.

يعني بالعقل كده يا ماما ازاي الكلام ده؟ يعني هو المفروض إن كل ما يحصل خناقة ولا شد بيني أنا وتليد أجي أحكيلك؟ ده مش منطقي يعني.

أيوا طبعًا لازم تحكيلي أنا أكبر منك وفاهمة عنك، مش يمكن يطلع مش كويس؟ مش يمكن بيأذيكي؟ مش ممكن بيلعب على مشاعرك وعاطفتك؟ من دلوقتي بتخبي أومال قدام هيحصل أيه؟

ماما أنتِ مكبرة الموضوع أوي محصلش حاجة لكل ده! صاحت ريتال رغمًا عنها بينما وقفت فريدة تُطالعهم بتوتر شديد دون أن تنطق ببنت شفة فلم يكن هناك ما تقوله كما أنها شعرت بحرج شديد لتواجدها في وسط هذا الشجار.

أنا كنت بقول زيك كده والنتيجة أيه اللي حصل؟ مش رماني في الشارع قدامك!

تليد مش زي بابا وأنا مش أنتِ يا ماما!

كانت كلمات ريتال أشبه بصفعة على وجه والدتها، لقد كان الرد جارح، ربما، غير متوقع، بالتأكيد، لكنه كان الرد الأمثل وعلى الرغم من قسوة الرد إلا أن ريتال كانت محقة، أجل لقد كانت تصرفات زينة نابعة عن خوف غريزي لكنها لم تكن تحسن تظهر هذا الخوف النابع عن الحب بطريقته الصحيحة، وبالطبع كانت التجربة القاسية التي مرت بها زينة تلعب دور في ردود فعلها تلك وكانت ريتال تحاول مرارًا تفهم ذلك الأمر لكنها لم تعد تطيق الأمر.

لقد مرت زينة بصدمات عديدة وكذلك ريتال ولقد استطاع زينة تجاوزها نسبيًا وإيجاد شخصًا آخر مناسب وقد قضت معاه لحظات سعيدة واستطاعت بناء عش جديد لها فما بالها تمنع ريتال من فعل الشيء نفسه؟ لم تحرم ابنتها من خوض التجربة والعيش كفتاة طبيعية فقط بدافع الخوف؟

ماما أنا،.

خلاص يا ريتال حصل خير، أدخلي على أوضتك غيري هدومك وتعالي علشان نشوف هنتعشى أيه ولا أنتِ رايحة لجدك النهاردة؟

لا هبات هنا أنا وفريدة النهاردة. أومئت زينة قبل أن تختفي عن أنظارهم على الفور.

أيه اللي حصل ده؟ سألت فريدة بنبرة أقرب إلى الهمس لتتنهد ريتال قبل أن تقول:
دراما ماما المُعتادة، ما هو مينفعش اليوم يعدي كده أبدًا خناقة مع تليد الصبح وخناقة مع ماما بليل كومبو رائع!

طب مش هتقوليلي اتخانقتي مع تليد ليه؟ أيه حوار الصورة دي؟

حتى أنتِ يا فريدة! هحكيلك ياستي بس نطلع الأوضة فوق الأول. على أي حال لم تكن ريتال لتُخفي عن فريدة ما حدث لكنها كانت بحاجة إلى الراحة أولًا وثانيًا أن تتأكد من أن والدتها لن تستمع إلى ما سيُقال.

في ذلك الوقت كانت نانسي قد وصلت حديثًا إلى القاهرة، كان الوقت قد تأخر قليلًا ولم يكن من اليسير على نانسي أن تجد سيارة تأخذها إلى المنزل لكن على أي حال وجدت واحدة في النهاية.

حمدلله عالسلامة. جاءها صوت صالح لتنتفض في موضعها بينما تسحب المفتاح خاصتها من بوابة المنزل الحديدية.

الله يسلمك، أفتكرتك نايم لاقيت البيت كله مضلم ده حتى ماما نامت ومستنتنيش. علقت نانسي مع ابتسامة تنم عن مرارة شديدة، أقترب صالح أكثر قبل أن يُشعل المزيد من أضواء مدخل المنزل قبل أن يقول:
أنا قولتلها إني هستناكي فخليتها تنام بدل ما تفضل مستنية، مكلمتنيش ليه أجي أخدك من محطة القطر؟ الوقت اتأخر.

بسيطة بسيطة ما أنا الحمدلله كبرت وبقيت بعرف أروح وأجي لوحدي وزي ما أنتَ شايف كده لسه متخطفتش.

مالك يا نانسي؟ سأل صالح وللمرة الأولى لم تكن نبرته تحمل أي لمحة من السخرية بل صدر سؤاله بصدق وإهتمام حقيقي وقبل أن تُكفر نانسي في إجابة سبقتها دموع عيناها التي شوشت رؤيتها دون أي مقدمات.

أد، هم أ، دهم خطب، خطب وسابني.

تمتمت بضعف قبل أن تنفجر باكية لم يستطيع صالح إستيعاب ما تقوله بصورة جيدة فلم قد ذابت كلماتها وسط شهقاتها، كاد أن يُربت على كتفها لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة وبدلًا من ذلك أشار لها بأن تجلس على أحد المقاعد في حديقة المنزل وغاب عنها لدقيقة وعاد ومعه مناديل ورقية وكوب مياه.

أشربي مياه وأهدي كده وفهميني، أنا مش فاهم أي حاجة،.

أرتشفت نانسي قليل من المياه وكفكفت دموعها ثم حاولت تنظيم أنفاسها، ساد الصمت لبرهة بينما تفكر نانسي هل عليها إخباره بكل شيء بكافة التفاصيل أم عليها الإكتفاء بما تفوهت به رغمًا عنها في لحظة الضعف تلك...

مين أدهم؟ مين خطيبته؟ أنا سمعت الاسم ده قبل كده منك فعلًا.

أدهم، أدهم ده كان دكتور العلاج الطبيعي بتاعي وقت ما عملت الحادثة يعني، قعدت شهور بروحله العيادة وبقى في كلام بيني وبينه وكمان بيني وبين أخته.

حينما بدأت في سرد قصتها بدأ صالح يتذكر الأمر فلقد كان مقربًا لنانسي لفترة ليست بطويلة بعد الحادث خاصتها مباشرة كنوع من الدعم لكن سرعان ما إنشغل كلًا منهم في عالمه أو بمعنى أدق إنشغلت نانسي بأمر أدهم وغاص صالح داخل دوامة من الحزن ولوم نفسه على ضياع ريتال.

أخذ يستمع صالح إليها بإهتمام ولقد كانت القصة بأكملها على ما يرام، تصرفات لطيفة تدل على إهتمام حقيقي يليها محادثات خجولة ومن ثم التحدث من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، من وجهة نظر صالح لقد كان كل ذلك بداية علاقة قد تنتهي على نحو جيد حتى وصلت نانسي إلى النقطة حيث انتهى كل شيء...

فجأة بدأ يختفي، بيرد متأخر بيتصرف بطريقة غريبة من غير ما يحصل أي حاجة، عارف آخر مرة كلمني قبل ما يخطبها شكرني على وجوده في حياتي وقالي أد أيه أنا كويسة وحلوة وقلبي طيب، كنت فاكرة إنه بيعترف بإعجابه مكنتش أعرف إنه بيودعني،.

قالك إنه خطب بعدها؟

ياريته قال! أنا شوفت الصور من عند أخته ولما دخلت على الأكونت بتاعه لاقيته شالني من كل حتة أصلًا كأني كنت ولا حاجة، أنا مش عارفة هو أيه حظنا مع إننا نحب حد ويخطب حد تاني ده!

تمتمت نانسي وقد تجمعت الدموع في عيناها مرة آخرى وإن كانت دموع ضيق وغيظ أكثر من كونها دموع حزينة، أزدرد صالح الغصة التي في حلقه حينما أدرك أن له نصيب من جملتها نحب حد ويخطب حد تاني أو ربما كانت تقصد ريتال لم يستطِع أن يُجزم فلقد كان في الموقف ذاته مرتين لكن في كل مرة كان في موضع غير الآخر.

ففي المرة الأولى كانت ريتال هي من تحبه ولقد تجاهل هو حبها وذهب لخطبة فتاة آخرى والآن قد أنقلبت الآية وأصبح هو العاشق وهي محبوبته التي وجدت لنفسها حبيبًا آخر، لقد شعر الآن صالح بكم الآلم الذي تسبب فيه لريتال حتى وإن لم يكن متعمدًا حينها لكن كون الفعل عن عمد أم لا لا ينفي كونه مؤلمًا في جميع الأحوال لكن أسوء ما في الأمر كان علم صالح أن حبه لسارة ربما لم يكن حقيقيًا ولم تكن هي فتاته لكن الأمر يختلف كليًا بالنسبة إلى ريتال وتليد لأنه من اليسير إدراك أن كلًا منهما يُحب بل يعشق الآخر بصدق.

بس هو أكيد هيندم، هيندم وهيضرب نفسه مية جزمة إنه سابك في يوم من الأيام وخطب واحدة تانية، أنتِ متتعوضيش وملكيش زي.

أنتَ بتكلمي أنا ولا بتكلم ريتال؟ شكلك مبقتش قادر تميز بينا خلاص.

للدرجة دي شايفة نفسك قليلة ومتستحقيش الكلام ده فمقتنعه إن كل كلمة بقولها ليكي موجهة لريتال أصلًا؟ صُعقت نانسي من سؤاله وشعرت بسخونة في وجهها وكأن داخلها على وشك الغليان، لم تكن تعرف إن كان صالح يقصد حقًا ما قاله أم أنه يحاول تبرير موقفه عن طريق إحراجها.

هو أنتَ سهران ومستنيني كل ده علشان تسمعني كلمتين ملهمش لازمة؟

لا الكلمتين ليهم لازمة أنا خايف عليكِ ونفسي تشوفي نفسك بصورة أحسن من كده علشانك مش علشان حد. كانت نبرة صالح حادة وإن كان غرضه جيدًا، ابتسمت نانسي رغمًا عنها ابتسامة لا تنم عن سعادة بل وكأنها رد فعل من وجهها للتخفيف من الحرج وحدة الموقف.

وأيه كمان؟

وكمان متعشميش نفسك بحاجة ولا تعلقي نفسك براجل مهما عمل طالما معترفش بمشاعره بصراحة ولا جيه أتقدم يبقى كل اللي بيعمله ملوش أي معنى بجنيه.

بس هو عمل حاجات كتير علشاني وجابلي هدايا وكان بيكلمني وبيهتم بيا وحتى أخته كانت بتكلمني وتسأل عليا. حاولت نانسي تبرير موقفها وحاولت أن تثبت له بأنها لم تتسرع ولم تكن مغفلة كذلك لقد قام هو بفعل عدة أشياء تجعلها تصدق بأنه قد وقع في حبها بصدق.

كل الكلام ده ملوش لازمة ممكن يخرجك ويجيب هدايا ويصرف ويهتم بس في سبيل إنه يتسلى ويقضي وقت ظريف.

وأنتَ عملت كده قبل كده بقى؟

لا، يوم ما عجبتني بنت خطبتها والتانية بقى ملحقتش أخطبها. أجاب صالح عن سؤالها بسخرية لا تخلو من المرارة، لم تجد نانسي ما تقوله لكنها ربتت على يده دون أن تُدرك ما تفعله لكنها فعلت حينما رأت النظرة الغير مفهومة في أعين صالح.

طيب يا صلوحة أنا هطلع أنام بقى الوقت اتأخر وأنا وأنتَ لوحدنا والشيطان شاطر والحاجات دي، تصبح على خير.

أردفت نانسي مع ضحكات متقطعة لا تخلو من التوتر وهي تحمل حقائبها وتتجه نحو الأعلى تاركة صالح يجلس في موضعه في ذهول من لمسة يدها الغير متوقعة، أفاق صالح من شروده حينما أدرك أن ما حدث لم يكن غير غلطة غير مقصودة من نانسي، لقد كان يتوجب عليه وضع المزيد من الحدود بينهم كي لا يترك مجال للشيطان بالعبث في قلب أيًا منهم.

لم يكن العام الدراسي الجديد قد بدأ بعد لكن بالنسبة إلى نانسي فلقد كان لديها ثلاث مواد في الصيف أو بما يُعرف حديثًا ب Summer course، لم تكن نانسي مُغرمة بذلك الأمر لكن نظام الساعات المعتمدة الحديث وجدول المحاضرات السيء الذي وضعته بنفسها العام الماضي أجبرها على إضافة بضع مواد للفصل الصيفي.

كانت نانسي قد فوتت بضع محاضرات أثناء بقاءها في الإسكندرية برفقة ريتال والآن توجب عليها أن تقوم بتعويضها، لقد كان اليوم سيء بما فيه الكفاية بالنسبة إلى نانسي التي طُردت من المحاضرة الأولى لأنها كانت تقوم بضبط ملمع الشفاه خاصتها أثناء المحاضرة كما أنه دار شجار بينها وبين والدتها في الصباح لأن نانسي أخبرتها أنها ستقضي عطلة نهاية الإسبوع في منزل والدها الذي أخبرها أنه أعد لها مفاجأة ولقد ظنت نانسي أن اليوم لن يزداد سوءًا، أليس كذلك؟

كان هذا ما تظنه نانسي قبل أن تدلف إلى مقهى لتحتسي كوب كبير من القهوة ذات السعر المبالغ فيه لكن لم تكن تلك المشكلة بالطبع بل أنه دونًا عن جميع المقاهي في محافظة القاهرة لقد اختار أدهم ذلك المقهى ليجلس به مع زوجته المستقبلية، تلك الفتاة التي ترك نانسي من أجلها أو بمعنى أدق التي ألغى وجود نانسي من قاموسه من أجلها.

لقد كانت نانسي قد تخيلت ذلك المشهد مرارًا وتكرارًا، مشهد المواجهة حينما تتلاقى عيناهم وإن كانت لم تعرف ما إذا كان سيجمعهم مكان ما لكن المصادفة حدثت وقوانين الإحتمال غلبت ظنون نانسي وها هي تجلس في المكان نفسه هي وهو و، هي؛ فتاته الجديدة.

لقد كانت تعتقد نانسي أنها ستذهب لتوبخه، ستُهين كرامته بكلام جارح وستصرخ في وجهه بأسئلة لن يقوى على الإجابة عنها، لماذا رحل؟ لماذا أقتحم حياتها ليشغل الفراغ الذي خلفه والدها؟ لماذا قدم دعم أكثر بكثير من مجرد دعم طبيب لمريضته؟ لماذا قام بإهامها بالوقوع في الحب فقط ليرحل عنها دون مقدمات ودون أسباب واضحة؟ لماذا أقترب إن كان ينوي الرحيل من البداية؟

لكن جميع تلك الأسئلة اندثرت حينما رأته وقلبها المُحترق ومشاعرها المُلتهبة تحولت إلى تعابير وجه جامدة ونظرات باردة وكأنها لم تعشقه يومًا وتدعو بإسمه في صلواتها، جلست نانسي تنتظر أن تتلاقى أعينهم ولقد أستغرق الأمر بضع دقائق قبل أن يلحظ وجودها وحينما فعل أهتز كيانه واضطربت معالمه وفرغ ثغره وكأنه كان ينوي التحدث على الرغم من كونها على مسافة بعيدة منه وفي الغالب لن يصل صوته إلى أذنيها لكنه فعل ذلك كرد فعل تلقائي وكأنه يحاول تبرير موقفه البشع - الذي لا يوجد له أي مبرر بالمناسبة -.

لكن كل ذلك تم مقابلته بنظرات خاوية من الحياة، تلك العيون التي كانت تطالعه بشغف وإنبهار في كل مرة رأته فيها خلال جلاساتها المتعددة لم تعد تُبصره من الأساس وكأنه لم يكن يومًا، دام تلاقي أعينهم لثوانٍ قبل أن تُشيح نانسي بنظرها بعيدًا عنه وكأنها لا تعرف من يكون، لقد ظنت نانسي أنه لن يخاطر بكرامته وكبريائه وسيتجاهل وجودها كما فعلت لكنها لم تُفكر ولو لبرهة بأن وقاحته قد تسمح له بمغادرة طاولته والسير نحوها ليقف أمام طاولتها بالضبط وقد نمت ابتسامة صغيرة على ثغره.

نانسي!

أيوا؟ تمتمت نانسي وقد رسمت الدهشة على وجهها وكأنها لا تعرف من يكون، اضطربت معالمه لبرهة قبل أن يعاود الابتسام بينما يقول:
عاملة أيه؟ وأخبار الكلية؟

كله حلو يا دكتور ميرسي. أجابته بأقتضاب وبأكثر ابتسامة سمجة قبل أن تشيح بوجهها بعيدًا عنه، شعر هو بالحرج لكن لسبب ما لم يرحل وكأنه يريد اكتساب المزيد من الدقائق بجانبها لكن ذلك لم يدوم حيث جاءت فتاته ووقفت بالقرب من الطاولة وهي تقول:
أدهم حبيبي مش تعرفني؟ شعرت نانسي بمعدتها تلتوي من لفظة حبيبي وشعرت بالدموع تحارب للتجمع داخل عيناها لكنها منعت نفسها من البكاء أو إظهار أي ردة فعل.

نانسي كانت Patient مريضة عندي، كانت عاملة حادثة بس الحمدلله بقت كويسة. قال أدهم لتبتسم الفتاة ابتسامة صغيرة لا تنم عن راحة فمؤكد أنها شعرت بأن نانسي لم تكن مجرد مريضة فالنساء يملكن قدرة هائلة على الشعور بمثل تلك الأشياء، طالعته نانسي بإزدراء لثانية قبل أن تعاود الإبتسامة قائلة الآتي بنبرة لا تخلو من الإستهزاء لكنها كذلك كفيلة بجعل فتاته تشعر بالغيرة.

دكتور أدهم من أشطر دكاترة العلاج الطبيعي ومش شاطر بس في العلاج الطبيعي ده ينفع دكتور نفسي كمان أصله بيخاف أوي على مشاعر ال، Patients المرضى بتوعه.

قطرات عرق غلفت جبهة أدهم من التوتر على الرغم من برودة المكان ووجود مكيفات هواء، ابتسمت نانسي بإنتصار حينما لمحت بطرف عيناها ردة فعله التي جعلت شكوك زوجته المستقبلية حول علاقاتهم تزداد في غضون ثوانٍ.

أدهم حبيبي مخلص أوي في شغله وطبيعي لما يشوف واحدة كانت مشلولة مثلًا أو عندها إعاقة إنه يديها دعم نفسي لأن ده أهم جزء من العلاج.

حاولت نانسي الحفاظ على تعبيرات وجهها قدر الإمكان، منعت عيناها بصعوبة من أن تدمع وجاهدت للتنفس بصورة طبيعية متجاهلة نبضات قلبها التي تسارعت من فرط الصدمة والإهانة التي أشعرتها بها تلك الكلمات القاسية، لم تكن نانسي في السابق تخسر في أي حرب كلامية حادة لكنها الآن شعرت وكأنها طُعنت في قلبها، عجز عقلها عن إيجاد الرد المناسب وساد الصمت لثوانٍ قبل أن يقطعه صوت أدهم وهو يُعقب على ما قالته زوجته المستقبلية برد لم تتوقع نانسي بتاتًا.

لميس احترمي نفسك! دي ناس بيحصلها ابتلاء كبير وربنا بيقدرنا إننا نساعدهم دي مش طريقة أبدًا نتكلم بيها، جرالك أيه؟

يا حبيبي أنا أسفة مكنش قصدي أقول كده،.

متعتذريش ليا أنا أنتِ مغلطتيش ليا أنتِ غلطتي فيها هي يبقى تعتذري ليها هي. أتسعت أعين الفتاة بصدمة بينما نمت ابتسامة جانبية خبيثة على وجه نانسي وقد شعرت بلذة الإنتصار، ساد الصمت لبرهة بينما أخذ أدهم ينظر إلى فتاته في انتظار سماع إعتذارها.

أنا أسفة، مكنش قصدي.

ولا يهمك حصل خير.

أنا أسف مرة تانية بالنيابة عنها أتمنى متكونيش لسه زعلانة.

محصلش حاجة يا دكتور. تمتمت نانسي قبل أن تعاود النظر إلى الكتاب الذي في يدها متجاهلة وجوده تمامًا، حمحم بحرج قبل أن يستأذن منها ويعاود الذهاب إلى مقعده هو وفتاته، كانت نانسي تشعر بنظراته نحوها طيلة وجوده في المكان لكنها تجاهلته تمامًا ولم تنظر نحوه ولو لمرة.

بعد مرور ساعة ونصف تقريبًا غادرت نانسي المكان دون أن تنظر وراءها وأول ما خطر على بالها في تلك اللحظة هو أن تهاتف صالح لتخبره بكل ما حدث ولقد تعجبت كثيرًا من فعلتها حيث قامت باختيار صالح لمشاركة ما حدث معه بدلًا من ريتال على سبيل المثال!

مش هتصدق قابلت مين!

الناس بتقول صباح الخير الأول.

صباح الخير الأول، مش هتصدق قابلت مين!

أدهم وخطيبته. أردف صالح بلا مبالاة ظنًا منه أن مجرد تخمين خاطئ على سبيل السخرية لكن حينما ساد الصمت بينه وبين نانسي أدرك أنه لم يكن مجرد تخمين بل هو ما حدث بالفعل!

أدهم وخطيبته؟ أنا كنت بستظرف، طب أنتِ كويسة ولا حصل حاجة؟ على الفور تبدلت نبرة صالح، أجل لم يدل صوت نانسي على الحزن بتاتًا لكنه لسبب ما شعر ببعض القلق.

أنا زي الفل مفيش حاجة، أنا بس استغربت إنك خمنت صح، هحكيلك اللي حصل. قامت نانسي بسرد كل ما حدث بالتفصيل ولقد أبدى صالح إهتمام شديد بما تسرده على غير المتوقع.

أما ناس قليلة الأدب وقليلة الذوق بصحيح، بس أنتِ طلعتي جدعة أهو وعرفتي تديلوا على دماغه هو واللي معاه دي، أنا فخور بيكي، بس أهم حاجة تبقي كويسة بجد مش عاملة فيها كويسة.

لم تستمع نانسي لأيًا مما قاله من بعد أنا فخور بيكي لقد كان وقع الجملة لطيف على أذن نانسي، لا تظن أنها سمعتها من قبل، ساد الصمت لبرهة قبل أن تطلب منه نانسي إعادة ما قاله كونها شردت.

بص هو أول ما مشيت من هناك على طول عيطت بصراحة مش هكدب عليك بس بعد كده حسيت إنه خلاص، كنت محتاجة أخد الصدمة دي علشان يطلع من دماغي نهائي، مبقاش في أي أمل نرجع لبعض،.

هو كده كده مكنش في أمل حتى من غير ما تقابليه يا نانسي. لقد كانت كلماته قاسية لكن كان محقًا بلا شك لكن نانسي كانت ترفض مواجهة نفسها بالحقائق، دمعت عيناها وحاولت التحدث على الرغم من الغصة التي في حلقها.

ما هو كان ممكن يسيبها ويرجعلي.

وأنتِ ترضي يا نانسي ترجعي لواحد عملك أن فريند وطلعك من حياته بدون أي مقدمات؟ من غير حتى ما يقولك إنه هيبعد أو إن في واحدة دخلت حياته ولازم يحترم وجودها.

أنتَ عندك حق بس قلبي الساذج بقى محسبهاش كده خالص، تمتمت نانسي وهي بتتنهد بحيرة وقبل أن يُعلق صالح على ما قالته نانسي سبقته هي مباغتة إياه بالسؤال التالي:
يعني أنتَ دلوقتي يا صالح لو ريتال سابت تليد وجت قالتلك نرجع مش هترجعلها؟ ساد الصمت قرب الدقيقة للدرجة التي جعلت نانسي تتفقد الهاتف ظنًا منها أن المكالمة قد انتهت لكن أنفاس صالح المضطربة نفت شكوكها.

لا.

متأكد؟ سألته نانسي وكأنها ترغب في سماع لا مرة آخرى منه، تريد منه تأكيد نسيانه لريتال تمامًا وحذفها من قلبه، صمت صالح لبرهة قبل أن يجيب عن سؤالها بتلعثم:
مت، متأكد.

هصدقك، أشوفك عالغداء إن شاء الله.

خلي بالك من نفسك. أردف صالح قبل أن ينهي المكالمة، راود نانسي شعور لم تستطع فهمه لكنها حاولت إلقاء كلماته إلى مؤخرة رأسها فمؤكد أن كل ما ينطبق به صالح من أشياء لطيفه فقط من منطلق الصداقة والأخوة لا أكثر.

مرت الأيام بطيئة هادئة حتى حان موعد رحيل تليد،
كانت ريتال تجلس برفقته هو وياسين، فريدة، جدها وشقيقة تليد في مقهى بالقرب من المطار، كانت أعين ريتال مُحمرة دامعة فكلما تذكرت أمر رحيله انهمرت دموعها رغمًا عنها على الرغم من أنه قد وعدها بأن يتحدثوا بصورة شبه يومية وأنه سيحاول العودة إلى مصر في أقرب فرصة ممكنة.

تليد بقولك أيه، ما تديني هودي من بتوعك أخليه معايا. طلبت منه ريتال وهي تطالع الحقائب العديدة خاصته، ضيق تليد عيناه بشك قبل أن يسألها بنبرة درامية:
هتعمليلي بيه عمل ولا أيه؟

وأعملك عمل ليه؟ هو أنتَ محتاج؟ ما أنتَ كده كده دايب في دباديبي. أجابت عن سؤاله بلا مبالاة وهي تبتسم ابتسامة واثقة، ضحك تليد قبل أن يُجيبها بمزاح:
كلام مقنع بصراحة، يبقى طمعانة علشان جايبهم من برا، طب ما أنا جايبلك حاجات معايا.

يا تليد يعني يوم ما أبقى رومانسية تروح أنتَ مبوظ اللحظة؟ يا ابني مش الشتاء بيبقى موسم تبادل الهوديز بين الأحبة؟ عايزة بقى يبقى معايا علشان لما الجو يبرد أوي أنتَ مش هتبقى هنا.

طيب هبقى أديهولك في الخباثة علشان جدك هيقوم يطوح فينا الضرب أحنا الإتنين علشان بنتكلم بصوت واطي.

تمتم تليد من بين أسنانه ليحمحم جد ريتال ليعتدل تليد في جلسته ويقوم بتغير مجرى الحديث تمامًا موجهًا جملته لها ولجدها:
كان نفسي طنط زينة توافق تيجوا زيارة عندنا في البيت قبل ما أسافر.

معلش الوقت كان ضيق الزيارة دي وكمان أنتَ عارف أخوات ريتال هيجننوا زينة مش هتعرف تسافر بيهم دلوقتي، إن شاء الله الزيارة جاية ساعة الخطوبة نبقى نزوركوا في البيت.

لم يقتنع تليد كثيرًا بتلك الحجج لكنه ابتسم برضا كي لا يسبب الحرج لجد ريتال فلقد كان على دراية تامة بأن والدة ريتال قد رفضت تلك الزيارة عن عمد فهي لا ترغب في الإختلاط بوالدته ومؤكد أنها تخشى أن تقوم الأخيرة بإحراجهم في منزلها ويتم تصعيد الأمر إلى جدال وشجار قد يؤدي إلى خراب كل شيء بينه وبين ريتال لكن إن كانت تلك حقيقية الإعتذار عن القدوم فذلك لم يقوم بحل المشكلة بل بتأجيل الأمر لبضع أشهر فقط فمؤكد أنه سيحدث إختلاط ومقابلات بين العائلتين.

تليد طمني أول ما توصل من فضلك.

هتكوني نايمة أساسًا في عالم تاني وهرن مش هتردي عليا.

لا لا هحاول استنى وعد.

مر الوقت بسرعة أكبر من المعتاد أو هكذا ظنت ريتال حينما وجدت نفسها أمام مدخل المطار تودع تليد على أمل اللقاء بعد بضعة أشهر، انهمرت الدموع من عيناها وهي تلوح له مودعًا بينما تمتم هو:
لا إله إلا الله، أشوف وشك بخير يا ريتو.

سيدنا محمد رسول الله، خلي بالك على نفسك.

بمجرد أن غاب عن عيناها ضمها جدها بين ذراعيه لتنفجر ريتال باكية بينما حاول جدها تهدأتها، لحسن الحظ أن والدي تليد لم يكونوا حاضرين ذلك المشهد فلقد كان من المتوقع أن تُعلق والدته بتعليق قد يسبب الحرج لريتال.

مش عايزة تعدي على جدتك وباباكي تسلمي عليهم قبل ما نرجع اسكندرية؟

سألها جدها لتطالعه ريتال بدهشة، لم يخطر على بالها قط أن تفعل وبداخلها لم تريد أن تفعل فتلك الزيارة ستكون أشبه بالانتحار بالنسبة إليها خاصة وأنها تشعر بالحزن والفراغ لرحيل تليد والذي لم يمر عليه سوى دقائق معدودة.

مش قادرة يا جدو.

بس أنتِ عارفة يا حبيبتي إن في صلة رحم، أنا عارف إن أنتِ عندك ذكريات مش لطيفة معاهم بس خليكِ أنتِ أرحم بيهم.

لقد كان يعلم أن الأمر ليس بيسير عليها ومن ناحيته هو لقد كان يمقط عبدالرحمن وأي شيء أو شخص يتعلق به فهو وعائلته لم يكتفوا فقط بتحويل حياة ابنته إلى جحيم بل فعلوا المثل لحفيدته قرة عينه لكن في الوقت ذاته كان يحاول حثها ناحية الصواب دون أن يسبب لها أي ضغط.

أوعدك يا جدو هحاول بس المرة دي مش قادرة خالص صدقني.

اتفقنا يا حبيبة جدو.

بعد رحيل تليد بأيام معدودة كانت بداية العام الدراسي الجديد، كانت ريتال تشعر بقليل من التوتر حيال ذهابها إلى الجامعة بعد إعلان علاقتها الرسمية بتليد فصديقاتها أو بمعنى أدق زميلاتها من الجامعة سيلقون عليها اللوم أنها لم تخبرهم قط بأن هناك شخص يملك قلبها الأمر الذي كانت تراه ريتال شيء خاص لا يجب مشاركته مع من لا تجمعهم بها علاقة وثيقة لكن الفتيات لم يملكن التفكير ذاته.

كما أنها شعرت بعدم راحة لمجرد تخيلها للمحادثة التي قد تدور بينها وبين مازن، لقد صارحته منذ مدة طويلة بأنها هنا للتعلم لا للعيش داخل قصة حب ولم يكن من الصعب عليه تخمين أن قلبها ينتمي لشخص آخر لذا فإن المحادثة لن يكون لها أي معنى أو مغزى من الأساس لذا أخذت تدعو أن يتجاهل وجودها أو يكتفي بإلقاء التحية على الجميع والمضي قدمًا نحو وجهته أو أصدقاءه.

لحسن الحظ في اليوم الأول لها لم تقابله بمجرد وصولها بل قابلت صديقاتها، الثلاث من الأعوام الماضية رزان، ندى، ياسمين.

يا ريتو يا جامدة!

ألف مبروك يا عروسة طب مش تقوليلنا!

وقعتي عليه منين ده؟ سألت ياسمين بإسلوب مزاحها السخيف المعتاد، ابتسمت ريتال بخجل وهي تحاول الرد على الأسئلة والمباركات التي كانت تنهال على رأسها.

الله يبارك فيكوا شكرًا، كان زميلي من أيام المدرسة وأهلي عارفينه وكده وجيه أتقدم بس.

لما كنا بنسألك لو في حد في حياتك مكنتيش بتقولي يعني ولا أنتِ بتخافي من الحسد. صدر هذا التعليق من رزان بنبرة لا تخلو من المزاح لتصدر ضحكة متوترة من ريتال قبل أن تقول:
لا مش علشان الحسد ولا حاجة بس علشان مكنش في حاجة أقولها لكن لما جيه البيت وأتكلم بقى في حاجة رسمي بينا عامة أحنا هنعمل خطوبة إن شاء الله بس مش دلوقتي وطبعًا أنتوا هتبقوا معزومين.

ألف مبروك الله يسهلك ياستي عرفتي تقعي على واحد داخل في الجد وجيه أتقدملك والدنيا ماشية زي الفل معرفش أنا ليه بقى حظي كده بقع في ناس زبالة.

والله أنتِ مش متخيلة يا ياسمين أحنا مرينا بإيه علشان نقدر نوصل للي وصلناله ونبقى مع بعض فا متحكميش على الموضوع من برا.

أنتِ بتبرري ليه يا ريتال؟ وأنتِ يا ياسمين يا حبيبتي متعلمتيش تقولي اللهم بارك أو بسم الله ما شاء الله ولا أيه؟

قامت ندى بإحراجها ليُصبغ وجه ياسمين بالحمرة وكي تهرب من ذلك الموقف السخيف لمحت مازن يمر بالقرب منهم لذا قامت بمناداته وأشارت له بأن يأتي، أزدردت ريتال ما في فمها بتوتر وهي تحاول تحاشي النظر في وجهه.

صباح الخير عاملين أيه؟

الحمدلله كلنا كويسين وبالذات ريتال ما هي بقت عروسة بقى.

أطلقت ريتال سبة بصوت غير مسموع، لم يكن هناك أي داعي لتلك الإضافة في نهاية حديثها فهي لم تتسبب في أي شيء سوى بالمزيد من الحرج لها وله.

اه ما أنا عرفت، ألف مبروك يا ريتال ربنا يتمملك على خير يارب، بعد إذنكوا. أردف مازن دون أن يرفع نظره عن الأرض وبمجرد أن أنهى جملته رحل عنهم دون أن يترك لها المجال للرد على ما قاله.

أنا هروح أشوف المحاضرة بدأت ولا لا. استأذنت ريتال أيضًا على الفور لتغيب عن عيناهم، وبخت رزان ياسمين وفعلت ندى المثل في حين أنها لم ترى نفسها مخطئة في شيء كالعادة.

حينما فرغت ريتال من محاضراتها لليوم جاءتها مكالمة من تليد جعلتها تنسى كل سخافات اليوم والإرهاق الذي شعرت به.

أول يوم مدرسة أول يوم مدرسة، أردف تليد بحماس مقتبسًا الجملة الشهيرة من فيلم الكرتون نيمو، ضحكت ريتال قبل أن تقول:
ياريتني كنت رايحة المدرسة على الأقل كنت هبقى معاك دلوقتي أنتَ والبنات.

معلش خلاص هانت وهنبقى مع بعض على طول إن شاء الله أما بالنسبة لعالية وحنين فالناس دي على جثتي إنهم يعتبوا فرحي، ده أنا هخليكي تقطعي علاقتك بيهم. تمتم تليد ممازحًا إياها وقد تذكر كل المرات التي قامت حنين بالإستهزاء به فيها وبالطبع لم يفوت إحراج عالية له في كل مرة كانت يحاول أن يوقع بريتال في شباكه.

لا معلش كله إلا دول دول حبايبي وبعدين دول لعبوا دور كبير أوي في علاقتنا.

لعبوا دور كبير إنهم يبوظوا علاقتنا قصدك بس يلا المسامح كريم، المهم روحي عالبيت على طول وكلي كويس ماشي؟

حاضر، خلي بالك على نفسك ها؟

حاضر وأنتِ كمان، معلش هقفل علشان يا دوب خلص الجامعة هرجع أنام ساعتين وأصحى للشغل بتاع بليل.

ماشي يا حبيبي ربنا معاك. تمتمت ريتال بتلقائية شديدة دون أن تستوعب ما تفوهت به وفي ظروف آخرى كان تليد سيستغل الموقف ليجعلها تشعر بالخجل لكنه كان مرهقًا بالفعل كي يفعل شيء كهذا.

لقد كانت محادثتها هي وتليد تصبح أقصر فأقصر بمرور الوقت فمنذ بدء الدراسة في الخارج لم يعد تليد يملك سعة من الوقت للتحدث معها كالسابق وعلى الرغم من شعورها بالحزن إلا أنها كانت متفهمة للغاية كون الأمر ليس بيده وتقديرًا للمجهود المضاعف الذي يبذله من أجلها.

في مساء ذلك اليوم وبالعودة إلى القاهرة وقف صالح يعد طعام العشاء بمساعدة جدته قبل أن يسكب القليل منه من أجل عمه عبدالرحمن.

ازيك يا عمي النهاردة يارب تكون بخير. تمتم صالح وهو يحمل في يده طعام العشاء من أجله عمه المريض، أومئ الأخير برأسه بضعف على أنه بخير.

كنت عايز أفضفض معاك بكلمتين، أنتَ الوحيد اللي بتسمعني من غير إعتراض، أنا أسف، قصدي يعني أنتَ فاهمني؟ سرعان ما أدرك صالح ما نطق به فإعتذر من عمه على الفور، لكن عبدالرحمن لم يكن يشعر بأي إهانة مما قاله بل على العكس تمامًا لقد كان وجود صالح يشعره بالونس والطمأنينة على الأقل هو الوحيد الذي يتحدث إليه براحة وصدق ويعامله على أنه ليس بعاجز وأنه بكامل قواه.

مش عارفة أنتَ عرفت ولا لا بس ريتال، تمتم صالح ليُطالعه عبدالرحمن بقلق شديد لكن صالح تابع حديثه على الفور كي لا يُدخل القلق إلا قلبه الضعيف.

مفيش حاجة متقلقش، ريتال اتقرأت فاتحتها، أنا كمان مكنتش أعرف زيك وعرفت بالصدفة بس فرحتلها، يعني زعلت من جوايا بصراحة بس أنا عارف إن مفيش في إيدي حاجة أعملها أنا أعترفت بمشاعري وقولتلها إني مستعد أخد خطوة بس أنا كنت اتأخرت شوية،.

لو كانت لغة العيون تُسمح لملأ صوت عبدالرحمن المذهول المكان، لقد كان صالح يُخبره بمعلومات كثيرة في الوقت ذاته لكن عبدالرحمن وعلى الرغم من شعوره بالحزن لعدم مشاركته لريتال يوم كهذا حتى وإن كان هو السبب الرئيسي في ذلك البعد والجفاء بينه وبين ابنته الكبرى إلا أنه شعر بالسعادة لأنها استطاعت أن تجد شريكًا لها يُحبها وتحبه على حسب ما يظن.

لكن أكثر ما أدهشه في الأمر كله هو إعتراف صالح بمشاعره ورفض ريتال له فلقد كان يظن طيلة السنوات الماضية أن ريتال تشعر بالإنجذاب نحو صالح منذ أن كانت صغيرة لكن على ما يبدو أن ظنونه كانت خاطئة ككل شيء كان يعتقده في حياته من قبل.

لو كنت خدت القرار بدري شوية كنت ممكن ألحق ريتال وهي لسه بتحبني، عالعموم دلوقتي في مشكلة كبيرة تانية أنا حاسس إني مختل علشان اللي هقوله دلوقتي ده بس أنا بقيت بشوف نانسي بطريقة مختلفة وحاسس كده أني على وشك أقع على وشي.

مرة آخرى زادت حيرة عبدالرحمن وفي هذا الوقت كان يشاركه صالح الحيرة نفسها فهو لم يعرف حقيقة مشاعره تجاه نانسي لكنه في الآونة الأخيرة شعر بأنه يرغب في الحديث معها أكثر، يخشى أن تُصاب بأي مكروه ويُريد تدمير ذلك الطبيب السخيف لأنه كسر قلبها وفي الحقيقية هو لا يعرف إن كان السبب وراء كل تلك المشاعر والأفكار المختلطة هو الحب الأخوي العائلي أم شيء آخر.

أظن محتاج أفصل يومين بعيد عنها وعن أي حاجة تخص ريتال علشان أعرف أفكر بشكل سليم، علشان مجرحش حد تاني بغبائي وفي نفس الوقت مجرحش مشاعري أنا شخصيًا، بس برضوا مع شوية تفكير كده بلاقي إن أنا ونانسي شبه بعض أوي في كل حاجة ولو بقينا مع بعض ممكن نعرف نحاول نساعد بعض إننا نكون أحسن، كان صالح يتحدث إلى نفسه أكثر من كونه يتحدث إلى عمه، ساد الصمت لبرهة وهو يفكر قبل أن يصب تركيزه على عمه مرة آخرى وهو يساعده على تناول طعامه.

لم يستطع صالح أن يمحي ذلك التفكير من داخل رأسه حتى وإن كان شبح ريتال مازال يطارده إلا أن وجود نانسي أمامه طيلة الوقت جعلها تحتل جزء كبير من تفكيره خاصة بعد أن صارحته بأمر أدهم وما حدث بالتفاصيل وإدراكه أن قلبها فارغ الآن.

مرت بضع ليالي هادئة لم يعكر صفوها سوى الشجار المعتاد بين صالح ووالده لكن لحسن الحظ الأمر لم يصل إلى العنف الجسدي كما كان يحدث في السابق، عمه يتحسن تحسنًا طفيف وصحة جدته مستقرة إلى حدٍ كبير أما عن عطر فلقد أصبحت أكثر شجاعة في المدرسة ولم تعد تشكو من التنمر لحسن الحظ، كان صالح يشعر ببعض الضغط من عمله الجديد لكن الراتب كان جيد وهذا كان يكفيه.

صالح تيته بتقولك يلا علشان نتعشى.

أخرجه من شروده صوت نانسي ليُلقي بالسيجارة خاصته بعيدًا كي لا تراها، اضطربت معالمه قليلًا قبل أن يومئ بحسنًا لتتحرك هي خطوتين عائدة نحو الداخل لكنها توقفت فجأة لتُضيف الآتي:
اه، وأبقى رش إسبراي بقى وأغسل إيدك كويس علشان ريحتك سجاير. نمت ابتسامة جانبية على ثغره وهو يُحرك رأسه يمينًا ويسارًا، سبقته هي نحو الداخل بينما فعل هو ما طلبته منه قبل أن يلحق بها.

أيه الروايح الحلوة دي يا تيته، بيض بالبسطرمة، وجبن وفول بالزبدة وشاي بلبن حاجة دلع خالص. تمتم صالح بسعادة شديدة وهو يطالع أصناف الطعام التي وضعتها جدته على الطاولة، ضحكت العجوز على ردة فعله لتُربت على كتفه بحنان وهي تقول:
ألف هنا وشفا على قلبكوا يا حبايبي، عمتك نامت بدري هي وعطر وأبوك مش عايز ينزل ياكل معانا فهنتعشى أحنا التلاتة بس.

يا تيته اللي بياكل على ضرسه، تعالي أقعدي يا حبيبتي.

نسيت أحلي الشاي، هدخل أجيب السكر وأجي.

طيب خليكي أنتِ يا تيته أنا هجيبه.

لا أنتَ مش هتعرف تحليه حلو أنا عارفة كل حد فينا بيشرب سكر أد أيه. لم يُصر صالح وتركها تعود إلى المطبخ لكنه لم يضع الطعام في فمه منتظرًا عودتها أولًا.

بقولك أيه يا نانسي. قال صالح وهو يُطالعها بإبتسامة واسعة غير معروف الغرض من وراءها، كانت نانسي تُمسك بالملعقة بيُمناها وبهاتفها في اليد الآخرى تحاول تحصيل بعض المعلومات قدر الإمكان من أجل الإجابة عن الأسئلة المطلوب تسليمها في أحد المواد.

هممم.

هممم أيه؟ وبعدين سيبي المعلقة، هتاكلي أيه بالمعلقة مفيش حاجة تاكليها بيها.

سيبني يا صالح مركزة في اللي بقرأه. أردفت بضيق ليسحب الملعقة من يدها لتتأفف هي بغيظ قبل أن تترك الهاتف من يدها وهي تزفر بحنق:
أفندم عايز أيه؟ على الله تطلع حاجة مهمة بس.

أهم حاجة في حياتك. تمتمت بثبات لتعتدل في جلستها وتُطالعه بجدية قبل أن تقول:
استر يارب، بقولك أيه أنتَ شكلك هتقول حاجة كارثية لأن بقولك أيه بتاعتك دي بيجي بعدها مصايب دايمًا، خير إن شاء الله. بمجرد أن أتمت نانسي الحرف الأخير من جملتها كان صالح قد فجر القنبلة ناطقًا بالآتي:.

ما تيجي نتخطب؟ سألها صالح ببساطة شديدة بنبرة جمعت بين الجدية والمزاح في الوقت ذاته كعادته، طالعته نانسي بصدمة تنتظر منه أن يضيف أي جملة تدل على أنه يسخر منها لكنه في النهاية ظل صامتًا منتظرًا سماع ردها وفي تلك اللحظة كل ما خطر على بالها هو شيء واحد...

صالح قد فقد عقله!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة