رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الخامس والأربعون
لم تُجيب نانسي عن سؤاله لكنها غادرت مقعدها وأقتربت منه ورفعت يدها لتضعها أعلى جبهته لكن صالح انتفض من موضعه قبل أن تلمسه يدها، طالعها بدهشة قبل أن يسألها من بين ضحكاته:
أنتِ بتعملي أيه؟
بشوف لو حرارتك عالية أصلك بتهلوس يا صالح! ولا أنتَ شكلك بتتعاطى حاجة! قالت نانسي وهي تقف بالقرب من مقعده، هربت ضحكة آخرى من صالح قبل أن يسألها بجدية تامة:
أيه يا بنتي في أيه لكل ده؟ أنا سألتك سؤال.
أنتَ شايف إن ده مجرد سؤال عادي؟
اه، ها قولتي أيه بقى؟
قولت لا إله إلا الله يا صالح.
سيدنا محمد رسول الله، موافقة يعني ولا لا؟
أنا هقوم أشوف الشاي بلبن فار على تيته ولا أيه اللي حصل. تمتمت نانسي بجملة لا معنى لها وهي تغادره جالسًا بمفرده، لم تُجيب عن عرضه سواء بالموافقة أو الرفض مما ترك صالح في قليل من الحيرة فهي لم تمنحه الإجابة الشافية فمؤكد أنها صُعقت من طلبه.
ساد الصمت أثناء تناولهم العشاء ولقد كانت نانسي تتحشى النظر اتجاه صالح وبالفعل لم تفوت أعين جدتها الشاخصة ذلك الأمر، فلقد كان الحفيدان يمزحان منذ دقائق فترى ماذا حدث ليحتل الوجوم وجه نانسي والتوتر الممتزج ببعض الخبث وجه صالح.
مالكوا يا ولاد؟ واكلين سد الحنك ولا أيه؟
شكل نانسي مرهقة وعايزة تنام يا تيته. أجاب صالح بدلًا من نانسي على لسانها، رمقته بحدة قبل أن تقول ساخرة:
ما هو لو في كلام عليه القيمة يتقال يا تيته كنت قولته لكن أنا شايفة إن السكوت أحسن من الهلفطة في الكلام. أخرسته كلها نانسي الصادمة في حين ابتسمت جدتها رغمًا عنها فلقد ورثت نانسي اللسان الحاد والسليط في بعض الأحيان من والدتها.
عيب كده يا بت أنتِ، قصدك أيه يعني؟
عيب أيه بس يا تيته وأنتِ بتضحكي على كلامها؟ أقولكوا حاجة؟ مش واكل! أردف صالح بغيظ شديد وبفم ممتلء بالطعام قبل أن يُمسك بكوب الشاي خاصته مع ثلاثة من الشطائر ويغادر المكان.
أومال لو كان هياكل؟ كان هيبلعنا؟ عايشين مع ديناصور أحنا ولا في أيه؟
يا بت بالهنا والشفا على قلبه حفيدي حبيبي.
اه منك يا تيته ياللي بتميزي الولاد عن البنات أنتِ ربنا يسامحك. قالت نانسي لتدفعها جدتها في كتفها بخفة بعد أنا تأكدت من مغادرة صالح للمكان قبل أن تقول:
يا بت يا عبيطة بتقفلي معاه الموضوع ليه من أولها مش تسمعي اللي عنده للآخر؟
موضوع أيه؟ يا تيته يا لئيمة أنتِ سمعانا من جوا؟ أومال بتشتشكي من ودنك وعايزة سماعة وعاملة فيها عجزتي.
ما تلمي نفسك يا بنت. قالت جدتها وهي تصفع يدها برفق لتتأوه نانسي وقبل أن تعلق سبقتها جدتها وهي تقول بإبتسامة واثقة:
لا هو أنتِ يا هبلة فاكرة إن صالح هيفتحك في موضوع زي ده من غير ما ياخد رأيي ومباركتي؟
يعني أنتِ عارفة يا تيته؟ طب ومقولتيش ليه؟ وازاي تطاوعيه على حاجة زي كده؟ تحدثت نانسي بإنفعال شديد لكن جدتها كانت متفهمة للموقف ولم تحزن لإسلوب حفيدتها ذات الرأس الصلد والشخصية المندفعة.
هو لا طلب حاجة عيب ولا حرام، وبعدين الشاب ميعبوش أي حاجة وخلاص بقى بيشتغل ومسك قرش والدنيا بدأت تضبط معاه.
كل ده مش كفاية يا تيته، شهادة تخرج من كلية حلوة وشغلانة بمرتب كويس وشقة كل ده مش كفاية المهم الشخص اللي هعيش معاه.
وهو ماله بس صالح يا بنتي ده أنتوا حتى شبه بعض في حاجات كتير في ظروفكوا، كادت أن تكمل جدتها حديثها لكنها أدركت ما تقوله لذا سرعان ما توقفت عن التكلم وقد وضعت يدها أمام ثغرها كحركة تلقائية لشعورها بالذنب.
عادي يا تيته كملي كلامك، أنتِ عندك حق أنا وهو شبه بعض، هو مامته متوفية وأنا بابا كان عايش بس زي الميت بالنسبالي، وأحنا الإتنين أتربينا غلط وحسينا بوحدة كبيرة بس ده مش معناه إننا لو بقينا مع بعض هنبقى مبسوطين.
طب خدي وقتك وفكري مترفضيش على طول من برا برا كده.
حاضر يا تيته، ثواني كده هي ماما تعرف حاجة عن الموضوع ده؟ تذكرت نانسي على الفور والدتها والتي بالتأكيد لن تفوت فرصة كتلك فهي تُحب صالح كما أنها تعلم أن ذلك الأمر قد لا يروق لريتال ووالدتها وكذلك لن تنكر نانسي أن والدتها قد نصبت عيناها على ثروة وأموال أخيها.
لا طبعًا محدش فينا فاتحها في الموضوع.
طب حلو جدًا ياريت محدش يحكي قدامها حاجة لحد ما أخد قرار لو رفضت وده الأرجح يعني القصة هتتقفل ومحدش هيعرف ولو، لو، لو بعد الشر أتهفيت في عقلي ووافقت كله هيعرف علشان هيبقى رسمي.
أومئت جدتها بإبتسامة واسعة وهي بداخلها تعلم بأن حفيدتها لن تقوى على الرفض وبالتأكيد إن علمت ابنتها فهي لن تهدأ قبل أن يُغلق بابٍ واحد على صالح ونانسي وهو ما تريده الجدة لكن في الوقت ذاته هي لا تريد أن تتعرض نانسي لضغط من قِبل والدتها يُجبرها على الموافقة.
أنهت نانسي طعامها وطلبت الإذن من جدتها بأن تصعد لتنام، بالطبع لم تفعل نانسي مباشرة بل ظلت تسير ذهابًا وإيابًا داخل حجرتها وهي تفكر في عرض صالح، ذلك المخبول ذو القرارات المتهورة والأفكار التي لا تعلم مصدرًا لها لكن كل ما تعرفه هي أنها لم تشعر بالراحة للأمر برمته، لقد سعدت قليلًا ربما، لكن ليس ذلك القدر من السعادة التي كانت تتصور أن تشعر به حينما يعرض عليها أحدهم الزواج لقد كان الأمر أشبه بإنتصار على المجهول والشعور بالرضا وتمجيد الذات لا أكثر ولا أقل.
كما أن نانسي على علم بمشاعر صالح تجاه ريتال والتي يزعم هو أنها لم يعد لها وجود لكن نانسي لم تصدقه كما أنها لم تكن ترغب في الحصول على بقايا ريتال، الأشياء التي رفضتها ريتال وأصبحت متاحة أمام نانسي، بقايا اهتمام وحب ودعم!
أعادت نانسي خصلات شعرها الناعمة نحو الخلف بعنف وكأنها توبخ نفسها على طريقة تفكيرها السيئة، ريتال تُحسن إليها وتعاملها بلطف وحب في حين أن نانسي تُفكر بتلك الطريقة! لعنت نانسي صالح، نفسها وتلك الظروف التي وضعتها في ذلك الموقف!
في صباح اليوم التالي استيقظت نانسي بأعين قد سكن السواد أسفلها لكنها عملت جاهدة على إخفاء ذلك بواسطة مساحيق التجميل، كان من الواضح على مظهرها أنها لم تنم جيدًا والفضل يعود إلى صالح وأحاديثه ذات التوقيت السيء.
صباح الخير يا نانسي، عاملة أيه النهاردة؟ رحب بها صالح حينما لمحها ترتدي الحذاء متجهة إلى الجامعة على ما يبدو، في البداية لم تُجيب هي عنه بل نظرت إلى الفراغ بأعين شاردة قبل أن تقول الآتي بجدية وبدون مقدمات:
طيب هو مش الأصول إنك تكلم بابا الأول؟ جاي تفاتحني أنا الأول ازاي بس؟
هي دي كل مشكلتك يعني يا نانسي؟ يعني لو كلمته هو هتوافقي؟
أنا مقولتش هوافق أو لا أنا بتكلم في الأصول دي أول حاجة أوافق أو أرفض بقى دي حاجة ترجع ليا أنا. أردفت نانسي وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة ليطالعها صالح بغيظ شديد قبل أن يقول:
لا ما هو أوبشن الرفض مش موجود أصلًا، أنتِ تطولي تبقي خطيبتي؟
يا ابني أنتَ اللي بتتحايل عليا فوق! وبعدين يا صالح، بص، مش عارفة أقول اللي عايزة أقوله ازاي علشان مجرحش مشاعرك،.
بدأت نانسي حديثها بنبرة لا تخلو من المزاح لكن سرعان ما أصبحت جلطة تمامًا، اضطربت معالمه حينما أدرك أنها ستنطق بشيء لن يروقه كثيرًا وفي الغالب الأمر سيتجاوز مجرد الرفض، توقفت عن الحديث لثوانٍ حيث ذهبت للجلوس في الحديقة وفعل هو المثل ليجلس أمامها.
صالح أنا وأنتَ محتاجين نتعالج. نطقت بها نانسي بصعوبة شديدة لكن تعابير وجهها كانت هادئة تمامًا وكأنها راضية عن ما نطقت به لكن صالح انتفض من مقعده وكان ينوي المغادرة لولا أن أوقفه صوت نانسي.
أقعد يا صالح واسمعني للآخر لو سمحت، أنا وأنتَ محتاجين علاج مش علشان أحنا مجانين.
أومال علشان أيه؟ ضغطنا عالي؟ صاح صالح ساخرًا من حديثها بنبرة لم تخلو من السخط.
أحنا أتظلمنا وكان عندنا ابتلاء شديد في موضوع العائلة ده، اختبار من ربنا، أنتَ مامتك أتوفت من زمان وباباك موجود بس بيعنفك طول الوقت، أنا أبويا سابني زمان وأمي كانت شخصية صعبة معرفتش تحب نفسها فكرهتني في نفسي وفي الناس وخلتني أضر أقرب الناس ليا،.
كان حديث نانسي مؤلم للغاية لكنه كان حقيقي ولقد ساعدتها شجاعتها على النطق بتلك الأشياء بصوت مسموع على الرغم من صالح الذي كان يصعب عليه الإعتراف بحقيقة أمره وبالتأكيد لم يروق له ما قالته هي لذا أعترض على حديثها مُردفًا:
وعلشان أحنا أتظلمنا هنظلم نفسنا قدام بقى ونحرم نفسنا من الحب والجواز؟ هنحرم نفسنا من تكوين أسرة وبيت نلاقي فيه الدفاء اللي أتحرمنا سنين منه؟
لا يا صالح مش هنحرم نفسنا بس نبني البيت ده لما نبقى مستعدين، محدش بيبني بيت جديد على هدم وتكسير بيت قديم لازم ننضف الأول ونساوي الأرض وبعدها نعمل اللي نعمله.
أنتِ كتر قعدتك مع ريتال والدكتورة بتاعتها علمك الفلسفة ولا أيه؟
أهو أنتَ كده يا صالح أول ما حد يواجهك بالحقيقة تقعد تشلط وتلوش زي العيال الصغيرة علشان خايف تشوف الأمور على حقيقتها.
كانت كلمات نانسي لاذعة قد أحرقت قلب صالح لكنها كانت على حق وهذا أكثر ما أحزنه، لقد ظن بسذاجته المعهودة أنها ستطير فرحًا بطلبه الزواج منها لكنه تلقى صفعة قوية على وجهه على عكس توقعاته تمامًا ولكن ما لم يُدركه هو أن نانسي لم ترفض عرضه أو تستنكره لمزيد من الدقة لكونها تراه غير لائقًا بها أو شخص سيء بل لأنها ترى أن الأمر برمته غير منطقي ويحتاج إلى مزيد من التريث والتفكير العميق.
فإن كان صالح ينوي حقًا الدخول في علاقة جدية سواء إن كانت هي طرفًا فيها أو أي فتاة آخرى فهو عليه الخضوع لعلاج نفسي للتخلص من ندوب الماضي والصراعات التي تنهش عقله وقلبه نهشًا على حد سواء لكن كما قالت نانسي إن صالح يغضب ويصيح إعتراضًا كالأطفال حينما يُواجه بالحقائق.
يعني ملخص الكلام إنك مش موافقة علشان شايفة إن أنا مجنون ومعقد من اللي بابا عمله معايا صح كده؟
لا إله إلا أنتَ سبحانك إني كنت من الظالمين، هو أنتَ يا ابني قاعد بتكلم حد غيري؟ ولا أنتَ سامع حاجة غير اللي أنا بقولها؟ أقولك شرق تقولي غرب؟ أنتَ ليه مقتنع إني بعيب فيك؟
ولما تقولي إني مريض كده مش بتعيبي فيا؟ أومال لو هتعيبي فيا هتشتميني بأهلي ولا أيه؟
جمع حديث صالح بين السخط والسخرية مما أثار حنق نانسي، لقد كان صالح يستمع إلى نصف حديثها وكأنه يُجيب عن شيء غير الذي تقوله هي!
أنا بقولك تساعد نفسك يا بني آدم! تساعد نفسك علشانك أنتَ، علشان صالح مش علشان حد أي حد تاني، لما تبقى كويس ومستقر نفسيًا هتقدر تختار صح، هتبقى مدرك أكتر للخطوات اللي بتاخدها ونسبة فشل الحاجة اللي أنتَ داخل عليها هتقل وبالتالي نسبة الندم اللي بيقطعك من جواك دلوقتي دي هتقل!
لقد كانت نبرة نانسي لا تخلو من الإنفعال لكنها كانت تتحدث بإهتمام وخوف حقيقي، هي لا تريد من صالح أن يكرر أخطاءه ويتسبب في كسر قلبه من جديد وكسر قلبها هي كذلك، إن تكرر ما حدث مع سارة خطيبته السابقة أو ما حدث مع ريتال فسيكون قد خسر نانسي؛ التي فتاة يريد الزواج منها وكذلك نانسي قريبته وصديقة الطفولة.
تمام يا نانسي أنا فهمت وجهة نظرك بس برضوا مش هعتبر إن ده ردك وقرارك النهائي وهسيبلك فرصة تفكري ويومين كده ونبقى نتكلم. أومئت نانسي ولم تجادله فعلى الرغم من أنها لا تشجع كثيرًا فكرة إرتباطهما إلا أن الشعور بأن هناك شخصًا لديه إصرار شديد على الدخول في علاقة رسمية معها والزواج منها كان شعورًا لذيذًا أرضى ولو قليلًا من غرورها وجعلها تشعر بأنها مرغوبة.
بالعودة إلى الإسكندرية وفي ذلك الوقت بالتحديد كانت ريتال تتحدث إلى تليد عبر أحدى تطبيقات التواصل الإجتماعي، كانت كاميرا هاتفها مغلقة بينما كانت خاصة تليد مفتوحة بحيث كانت تراه وهو يقف داخل المطبخ الصغير بينما يقوم بإعداد معكرونة سريعة التحضير من أجل العشاء.
تليد أنتَ مش كنت قايلي صحابك هيعملوا حفلة علشان موضوع ارتباطنا وبتاع وبعدين الموضوع نام كده ومحكتش أي حاجة. أردفت ريتال بنبرة مرحة وإن كانت تحاول التحقيق مع تليد بطريقة غير مباشرة كي لا يشعر بالإستياء.
أنا قولتلك كده؟ مش فاكر، عدى وقت بقى تلاقي نسيت عامة لا محتفلناش يعني هما بس باركولي وكده.
مأجلين الإحتفالات لحفل توديع العزوبية والجو ده؟ سألته ريتال مجددًا وكأن الإجابة الأولى لم تقنعها كثيرًا فأرادت سماع المزيد منه.
الظاهر كده وبعدين أنتِ محرجة عليا مروحش أسهر وبتاع وأنا مؤدب وعندي كلية وشغل.
ماشي يا عم المؤدب هصدقك.
أخبار المذاكرة أيه؟ عايزين تقديرات حلوة كده السنة دي علشان لما أنزل للخطوبة تبقى دماغنا رايقة كده إن شاء الله.
مش بعمل حاجة غير المذاكرة متقلقش. كانت ريتال صادقة إلى حد كبير فهي لم تنشغل بشيء سوى المذاكرة وربما بعض المشاكل الأسرية التي تحدث في كل منزل وإن كانت قدرة والدتها على الشجار أو إفتعال شيء يؤدي إلى الجدال تفوق قدرة أي أم.
مش للدرجة دي برضوا مش هنقطع الكتب خلي في وسط، صحيح بعد امتحانات نص السنة محتاجة تلفي على فساتين للخطوبة وتشوفي اللون بقى.
مش المفروض نختار مع بعض؟ على أساس لون البدلة والقميص يبقوا لايقين على فستاني.
اختاري أنتِ يا ستي وأنا هحدد عليكِ، كل فدا عيونك يا جميل.
تليد أنتَ بيرفكت لدرجة مُقلقة. ضحك تليد على جملتها تلك لكن في الحقيقة ريتال لم تكن تمزح.
يقولون أن من إعتاد القلق ظن الطمأنينة فخًا وهذا ما حدث معها بالفعل، لقد كانت الأوضاع بينها وبين تليد مستقرة منذ سفره لا شجار ولا جدال، فلقد توقف تمامًا عن السهر وكان يصب كامل تركيزه على المذاكره والعمل في المساء وكان يتحدث إليها بصورة منتظمة على الرغم من إرهاقه وتعبه مما جعلها تضع احتمالين لا ثالث لهما، تليد يقوم بخيانتها أو يُخفي أمرًا عنها...
في صباح اليوم التالي انتهت محاضرات ريتال سريعًا لذا قابلت فريدة في أحد المطاعم المطلة على البحر لتناول الفطور معًا وفي تلك الأثناء وصلتها مكالمة من نانسي لم تفهم ريتال مغزاها لقد كان حديثها مبعثرًا لا يخلو من التلعثم دون وجود سبب واضح أو شيء معين تُخبرها به.
مالك يا ريتال متنحة ليه كده؟
نانسي فيها حاجة غريبة بس أنا مش عارفة أيه هي وقلقانة عليها.
يعني أيه حاجة غريبة؟ صوتها زعلان يعني؟ سألت فريدة بحيرة ليسود الصمت لفترة بينما تحاول ريتال التفكير في الأمر قبل أن تُجيبها:
مش زعلان بس كأنها مخبية حاجة، عايزة تقولي حاجة بس مترددة مش عارفة عمالة تحكي حاجات ملهاش علاقة ببعض،.
يمكن الولد اللي كانت بتحبه ده بيحاول يرجعلها. أقترحت فريدة ولقد خطر ذلك على رأس ريتال بالفعل لكنها كانت لسبب ما تشعر بأن الأمر لا علاقة له بذلك الشاب.
أدهم؟ لا مظنش هي بقالها كتير مش بتحكي عنه ولو كان أدهم الزفت ده كانت هتحكي على طول أيه اللي هيخليها تلف وتدور يعني؟
طيب سيبيها على راحتها وهي شوية وهتحكيلك كل حاجة أكيد.
أنا بس خايفة يا فريدة، خايفة نانسي تعمل أي حاجة من غير تفكير أو بتهور زي زمان أنا بجد خايفة عليها.
ساعات بستغربك بصراحة يا ريتال، هي اه بقت تيجي كتير وبقيت بشوفها وبتكلم معاها وبقت التالتة بتاعتي أنا وأنتِ بس برضوا بحس إني لسه واخدة موقف منها علشان اللي كانت بتعمله فيكي زمان بس أنتِ نسيتي كل حاجة وعديتي وبقيتي بتخافي عليها فعلًا.
أفصحت عما يجول في خاطرها ولقد كان حديثها منطقيًا بلا شك، لم تكن فريدة تنتقد ريتال بالطبع لكنها كانت تحاول فهم كيف استطاعت أن تتخطى كل الذكريات البشعة التي كانت نانسي جزء لا يتجزء منها بل وسامحتها وسمحت لها بالعودة إلى حياتها وأن تسمح لها بأن تكون بهذا القرب.
أنتِ عندك حق أنا نفسي ساعات مش بفهم، بس أنا اتربيت إني أسامح وكمان، بصي لما تفكري من وجهة النظر الطرف التاني بتحسي إنك شايفة الأمور بشكل مختلف، نانسي أتظلمت زيها زيي.
بس ده مش ذنبك يا ريتال! أحنا مش عايشين علشان نعالج الناس اللي حوالينا.
أنتِ عندك حق بس الكلام ده تقوليه لو هي كانت لسه مؤذية ومش كويسة لكن نانسي دلوقتي أتغيرت فعلًا، بتابع مع دكتورة نفسية، وعلاقتها مع باباها أتحسنت الحمدلله ده غير أنها أتلسعت في أكتر من موقف وده كان إنذار من ربنا ليها علشان تفوق لنفسها وتعرف إنها كانت ماشية غلط ومن أصعب المواقف اللي مرت بيها وغيرتها طبعًا موضوع الحدثة وإنها فضلت فترة مش بتتحرك بصورة طبيعية.
طب وأنتِ متأكدة إنها بقت كويسة خالص؟ يعني مبقاش في ولو سم واحد من السم اللي كانت بتمشي تبخه في وش الناس كلها؟
جمعت أسئلة فريدة بين الخوف الحقيقي على مشاعر ريتال وبعض مشاعر الغيرة التي لم تستطع أن تُنكرها، فمنذ ظهور نانسي في حياة ريتال مرة آخرى وهي تخشى أن تحل نانسي محلها في قلب ريتال على الرغم من أنها تعرف أن لكل منهن مكانة خاصة في قلب الفتاة.
ما أنا برضوا مبقتش ريتال الساذجة بتاعت زمان لما بتعك في الكلام بديها على دماغها عادي.
جدعة، بقولك أيه صحيح كنت عايزة أخد رأيك في حاجة كده.
قوليلي، حاجة ليها علاقة بالشقة ولا أيه؟
مش بالضبط يعني، بصي يا ستي ياسين عايز يقدم ميعاد الفرح ويخليه مع خطوبتكوا مش في نفس اليوم أكيد بس يبقى في نفس الشهر مثلًا لأن تليد مش هيعرف ياخد اجازة مرتين ورا بعض فبما إنه نازل قريب كده كده علشان يخطبك فياسين بيقولي نعمل الفرح علشان يحضر التجهيزات والفرح نفسه أكيد.
أفصحت فريدة عما كان يجول في خاطرها ولم يبدو عليها الحماس لذلك الإقتراح بل كان عدم الرضا واضحًا في نبرتها وإن كانت تعلم ريتال أن إقناعها ليس بالأمر الصعب بالنسبة إلى ياسين لكن في الحقيقة لم يكن الإقتراح يروق لريتال نفسها كذلك.
هي الفكرة منطقية بس بصراحة شايفة ملهاش لازمة، أكيد لازم تليد يحضر التجهيزات والكلام ده بس أنتوا كده هتكروتوا حاجات كتير وهتجروا علشان تلحقوا ميعاد اجازة تليد وكمان حاسة فرحتنا هتتقسم فاهمة حاجة؟
حاولت ريتال أن تصيغ حديثها بطريقة لا تسبب الضيق أو الحرج لفريدة لكن على عكس المتوقع لقد كانت فريدة تتفق معها تمامًا.
كنت عايزة أقول كده بس خوفتي تفهميني غلط، كل واحدة بتبقى عايزة تحس بنفسها وتبقى مميزة في فترة تجهيز جوازها سواء خطوبة أو فرح فلما نقرب المواعيد من بعض كده مش هنحس بنفس الفرحة وبعدين أنا لازم أبقى بكامل تركيزي معاكي وقت خطوبتك وأنتِ نفس الكلام في فرحي.
متفقة تمامًا، طبعًا ياسين مخطرش على باله الكلام ده كله الرجالة دماغها أبسط من كده بكتير، محتاجين نوصله الفكرة بقى من غير ما يتقمص ويفتكر إنك بتأجلي ومش عايزة تبقى معاه بسرعة زي ما هو عايز أو إنك مش فارق معاكي إن صاحبه مش هيبقى موجود والكلام ده.
صح، كده كده مش هنحدد الفرح غير لما نضبط مع تليد لأن أنتِ شخصيًا مش هتيجي الفرح لو تليد مش حاضر.
حقيقي فعلًا.
هو أيه اللي حقيقي؟ تمتمت فريدة بإستنكار وهي تصفع يد ريتال لتتآوه الأخيرة قبل أن تقول:
أكدب يعني؟ بقولك أيه كُلي كُلي.
قضت ريتال ما تبقى من يومها برفقة فريدة لكن بالطبع تخلل حديثهم مكالمات من قِبل كلًا من ياسين وتليد.
بعد مرور يومان فوجئت ريتال بمكالمة هاتفية من نانسي تخبرها بأنها في الإسكندرية ليس ذلك فقط بل وأنها تنتظر داخل أحد المطاعم، هنا تأكدت ريتال من أن هناك شيء هام قد حدث مع نانسي؛ شيء لا يمكن تأجيل التحدث بشأنه ومكالمة هاتفية لن تفي بالغرض بل يتعين عليها سماع ما ستقوله وجهًا لوجه وبالفعل لم تكن ريتال مخطئة في توقعها.
وأنا أقول إسكندرية منورة ليه.
علشان أحنا الصبح يا أو?ر، وحشتيني. تمتمت نانسي وهي تبادل ريتال العناق قبل أن تفصله وهي تخرج من حقيبة الظهر الكبيرة خاصتها علبة بلاستيكية لتمنحها لريتال.
تيته عملت امبارح شوية قراقيش وبسكوت وقالتلي أخدلك معايا.
هي تيته عارفة إنك جاية؟ لا ده شكل الموضوع خطير أوي بقى.
أنتِ عرفتي إن في موضوع؟ سألت نانسي بهلع ظنًا منها أن ريتال قد علمت بشأن طلب صالح بغض النظر أن ذلك ليس منطقيًا فمن أين لها أن تعرف بشأن شيء كهذا.
خمنت، صوتك في التليفون مكنش مريحني، أيه اللي حصل أحكيلي. أدفئت كلمات ريتال قلب نانسي التي كانت تشعر بالقلق الشديد لكن شعورها بأن ريتال تهتم حقًا بشأنها وترغب في سماع ما ستنوي نانسي قوله.
من غير مقدمات يا نانسي، متتوتريش قولي اللي عندك كله. أضافت ريتال لتزدرد نانسي ما في فمها بصعوبة قبل أن تأخذ الفتاة نفس عميق وتقرر أن تُفصح عن الأمر بدون مقدمات.
ريتال صالح عرض عليا نرتبط،.
ترتبطوا؟ ترتبطوا ازاي يعني مش فاهمة؟
عايز يخطبني. فجرت نانسي القنبلة بهدوء شديد على عكس المشاعر التي عصفت بها داخليًا، هربت ضحكة ساخرة من ريتال ظنًا منها أن نانسي تمزح لكن سرعان ما تلاشت ضحكتها حينما رأت تعابير وجه نانسي الجادة المختلطة بقليل من الضيق بسبب استهزاء ريتال.
أنا مش بتريق والله بس أصل الكلام هزار يعني ولا، هو مش الكلام ده هزار يا نانسي؟
ليه هزار؟ أيه يا ريتال هو أنا مشبهش إن صالح يبقى عايز يتجوزني؟ مستحقش يعني؟
كما توقعت ريتال لقد اسأت نانسي فهم حديث ريتال، هي لم تقصد أنا نانسي لا تستحق الحب أو أخذ خطوة كبيرة كتلك من أجلها لكن ما كانت تقصده ريتال هو أن الحديث عبثي لدرجة كبيرة كون الطرف الآخر هو صالح!
ذلك الذي تجاهل مشاعر ريتال تمامًا في البداية وركض خلف فتاة آخرى لا تشبهه تمامًا ولا تناسبه وحينما أدرك أنه كان مخطئًا عاد للركض مرة آخرى لكن خلف ريتال هذه المرة في الوقت الذي كانت هي قد تخطته وبدأت في بناء حياة جديدة برفقة تليد والآن بعد أن صُفع بالرفض من ريتال أصبح يريد نانسي؛ التي من السهل الإيقاع بها نظرًا لمرورها بتجربة قاسية حديثة وجروحها لم تلتئم بعد كما أن ندوب علاقتها بوالدها - في السابق - وهجرانه لها في طفولتها يجعل منها هدفًا سهلًا لأي شاب يريد العبث بقلبها أو إستغلالها بأي شكل كان.
أنتِ تستحقي الدنيا كلها يا نانسي أنتِ فهمتي كلامي غلط لكن، صالح؟ أنا مش مصدقة العك اللي هو بيعمله بجد عايز يظلمك معاه ويدخلك في دوامة ملهاش آخر، صالح مش عارف هو عايز أيه في حياته.
أنا معاكي إن ده صح بس هو الآراء دي مظهرتش بوضوح كده غير لما طلب إيدي؟
أنا مش هزعل من كلامك يا نانسي وهعدي إنك مصممة تظلميني وتاخدي كلامي بمعنى غلط غير اللي أقصده علشان أنا حاسة بيكي، صالح لحد يوم قراءة فاتحتي كان بيحوم حواليا يا نانسي وقبلها كمان وأنتِ أكتر واحدة عارفة الكلام ده فمش معقول يعني في خلال كام أسبوع تخطى مشاعره ناحيتي وحب من جديد صح ولا أيه؟
صح، بس،.
لو عايزة تديله فرصة أو توافقي على العرض بتاعه دي حاجة تخصك أنتِ كده كده ومحدش ليه إنه يمنعك لكن واجب عليا كأختك أنصحك.
أختي؟ سألتها نانسي بدهشة شديدة فلقد كان وقع الكلمة على أذنها ليس بالهين، ابتسمت ريتال ابتسامة حنونة قبل أن تقول:
طبعًا يا نانسي أومال أنتِ فاكرة أيه؟
شك، شكرًا، شكرًا إنك قولتي كده وإنك خايفة عليا يعني، لم تجد نانسي الكلمات الكافية للتعبير عما شعرت به بعد أن خاضت تلك المحادثة مع ريتال لكن ريتال كانت متفهمة للأمر برمته.
فكري براحتك وخدي وقتك محدش مستعجل وعامة أنا هدعمك في أي قرار هتاخديه بس أتمنى من كل قلبي إنك تاخدي القرار الصح. كانت كلمات ريتال تلك هي نهاية الحديث قبل أن تجد نانسي شيء آخر للتحدث حوله لا يزعج أيًا منهن.
سمعتي اللي آخر الأخبار صحيح؟ مش چودي اتخطبت؟
چودي مين؟ چودي بتاعتنا؟ اللي كانت معانا في المدرسة؟
اه اتخطبت لمحامي قريبهم من بعيد وأكبر منها بحوالي 10 سنين وممشيها على العجين متلغبطوش ومبقاش في لبس قصير ولا صحاب ولاد ولا خروج من غيره وحاجات كده.
ده فور حياتها تمامًا، طب وهي بتحبه بقى ولا ليه حطيت نفسها في الموقف ده؟
روشنة بقى قدام باقي صحاب والشلة وبتتفاخر بيه ده اللي ظاهر قدام الناس بس اللي عرفته بيني وبينك يعني إن لسانه طويل وفالت وفي الغالب بيمد إيده عليها. كانت نانسي تتحدث بحماس على الرغم من أن الأخبار لم تكن مناسبة لتلك النبرة.
يا نهار أبيض! يا ساتر، دي لازم تسيبه هي كده بتظلم نفسها.
طب ما هي بنت حلال وتستاهل ولا نسيتِ اللي كانت بتعمله فيكي؟ والمسدچات اللي كانت بتتبعت والصور والحركات دي؟ أنا اه كنت بعمل زيها في فترة بس أنا توبت وأعتذرت عن غلطتي وكمان أتعلمت الدرس بالطريقة الصعبة،.
كادت ريتال أن تعترض على بداية حديث نانسي فمن وجهة نظر ريتال أن كون چودي شخصية سيئة أو متنمرة أو كانت كذلك في مراهقتها لا يجعلها تشعر بالشماتة تجاهها حينما تراها في مثل هذا الوضع كما أنها كانت على وشك تذكير نانسي بأنها شكلت جزء من حملة التنمر التي وجهت صوب ريتال منذ سنوات لكن نانسي أعترفت بذلك بنفسها في نهاية حديثها.
من الآخر كده كل واحد فينا بيدفع تمن الغلطات اللي عملها بإختلاف الطريقة بقى أو اللي هيحصل، عامة أنا عرفت كل ده لما قابلتها صدفة وهي زي ما تكون ما صدقت وفضلت تحكيلي حاجات كتير والباقي شوية نم من الشلة القديمة.
مسألتش عني ولا جابت سيرتي؟
بصراحة جابت سيرتك طبعًا بس أنا أديتها على دماغها كانت بتقول إنك مش سهلة وعرفتي توقعي تليد وتجيبه على بوزه لحد باب بيتكوا.
والله هو اللي جيه أنا مجبتش حد، تفتكري يا نانسي چودي لسه بتبعت رسايل تسخف عليا بيها ولا مين اللي بعتلي آخر فترة،؟ سألت ريتال بقلق لكونها دائمًا تشعر بأنها محاطة بأعداء يرتدون طاقية الإخفاء، لا وجود لهم لكنهم قادرين على التسبب في أضرار جسيمة لريتال وتحطيم حائط الدعم النفسي خاصتها.
هو لسه هو حوار المسدچات دي؟ مش يمكن البنت اللي كانت مع تليد برا؟
بس دي هتجيب رقمي منين؟
أنتِ عايشة سنة كام يا ريتال؟ سهل جدًا تجيب رقمك يعني اللي أنتِ عاملة بيه أكونت الإنستجرام وتلاقيكي سايباه على فيس بوك في ال Info المعلومات. سخرت نانسي من سذاجة ريتال التي لم تستطع التخلي عنها على الرغم من كل التجارب التي مرت بها في الآونة الأخيرة.
ممكن صح،.
عامة فكك من الكلام ده كله غيران والناس دي جبانة مش عارفين يواجهوا فبيبعتوا مسدچات من رقم غريب ويجروا.
على رأيك، بقولك أيه ما تيجي تقعدي معايا في البيت عند ماما، إياد بقى سكر لازم تشوفيه. عرضت عليها ريتال بحماس شديد لتبتسم نانسي بقليل من الحرج قبل أن تقول:
يا حياتي، كان نفسي بس أنا يا دوب أروح علشان الطريق.
ملحقناش نقعد مع بعض.
الإمتحانات قربت وبعدين محدش يعرف إن أنا هنا غير تيته وماما وبابا لو أتصلوا وقالولي أروح وملقونيش في خلال ساعة هيعملوا حوار.
طيب هاجي معاكي محطة القطر أوصلك وبعدها هبقى أروح عالبيت.
شعرت نانسي بمشاعر كثيرة مختلطة، لم تتخذ قرارًا بشأن صالح لكنها على الأقل شعرت بأن هناك من يدعم قرارها أيًا كان القرار، راودها شعور بالدفء كانت تفتقده ولقد أصبحت واثقة من أن ريتال لن تتخلى عنها أيًا كانت الظروف ولقد أسعدها ذلك كثيرًا لأنها وأخيرًا لم تعد وحيدة.
بعد أن قامت ريتال بإيصال نانسي عادت إلى المنزل كي تحصل على قسط من الراحة وتتناول العشاء لكنها عادت لتجد والدتها تصيح لأن يحيى قد أسقط شيء ما عن غير قصد قبل أن تنهار باكية دون وجود سبب واضح.
ماما مالك في أيه؟ أهدي أهدي.
حاولت ريتال أن تحتوي والدتها لكن ذلك جعلها أكثر عصابية وإنهيارًا لذا تركتها ريتال حتى تُفرغ كامل طاقتها قبل أن تقوم بتحضير كوب من عصير الليمون من أجل والدتها وتذهب للجلوس بجانبها بهدوء بعد أن قامت بالإنتهاء من تنظيف الفوضى التي تسبب بها شقيقها الصغير.
شكرًا يا ريتال.
عفوًا يا حبيبتي، ممكن تحكيلي أيه اللي حصل؟ أكيد اللي يحيى كسره ووقعه مش هو سبب العصبية دي كلها. سألت ريتال وكأن زينة كانت تنتظر هذا السؤال لتُفصح عن كل شيء دفعة واحدة.
خالة عطر جت النهاردة ولما لاقت فؤاد مش موجود مقعدتش غير عشر دقائق وأتحججت بأي حاجة ومشيت.
طيب فين المشكلة؟
المشكلة إنها بقت بتيجي كتير وبتتصل كتير وحاسة إن، حاسة إن في حاجة غلط!
حاجة أيه بس؟ ما طبيعي يا ماما يا حبيبتي هي خالتها وعايزة تطمن على بنت أختها الله يرحمها وتفضل متابعة كل حاجة ليها علاقة بيها كانت ريتال تتحدث بالمنطق لكن والدتها لم تتقبل ما قالته ولم يكن مقنعًا كفاية بالنسبة إليها.
وليه مش بتيجي غير وفؤاد موجود؟ ولو مش موجود بتقلب وشها وتمشي على طول، وبعدين ليه بتيجي البيت ليه مش بتقولي أكلمها ونتقابل برا أحنا التلاتة؟ ليه كل كلامها بيبقى معاه هو مش معايا أنا؟ سألت زينة أسئلة عديدة دون أن تلتقط أنفاسها، تنهدت ريتال تنهيدة طويلة وهي تحاول إيجاد الكلمات المناسبة للرد على أسئلة والدتها بمنطق ودون أن تُسبب لها المزيد من الضيق.
يا ماما حطي نفسك مكانها، بعد الشر عن خالتو طبعًا بس أنتِ لو جوز خالتو متجوز واحدة غيرها وهي اللي بتربي ولادها طبيعي هتبقي متضايقة وواخدة منها موقف لأنها مكان أختك.
كانت ريتال تناقش والدتها بالمنطق ولقد كانت ريتال محقة تمامًا لكن الأمور لا تسير دائمًا على هذا النحو ففي بعض الأحيان تُسيطر المشاعر الجياشة على العقل وتتشوش الرؤية تمامًا كالآن.
مش مقتنعة، غيرانة، غيرانة على فؤاد وغيرانة على فريدة وقلقانة عين فؤاد تروح عليها هي حلوة وصغيرة ومش متجوزة وتعليمها كويس جدًا وبتلبس براحتها.
يا ماما هو لو كان بيفكر فيها كان أتجوزها من زمان من قبل ما أنتِ تظهري في حياتهم وبعدين يا ماما أنتِ بتشوفي بابا بيعامل كل البنات بحدود وبيراعي ربنا فيكي فبلاش تحطي الحاجات دي في دماغك وتعملي مشاكل بينكوا من غير أي داعي.
معرفش يا ريتال، حاسة إن فؤاد بقى مشغول عني خاصة بعد ما ربنا رزقنا بإياد وأنا اضطريت أسيب الحضانة علشان أتفرغ ليه هو وفريدة،.
ماما ماما حبيبتي أنتِ كده بتخلطي الأمور ببعض، أنتِ بس حاسة بزهق علشان قاعدة في البيت وعلشان طبيعة شغل بابا علشان هو دكتور فعلى طول مشغول فأنتِ حاسة بالوحدة خاصة بعد ما فريدة بقت تروح المدرسة.
استطاعت ريتال أن تضع أصبعها على موضع الجرح، الشعور بالوحدة والفراغ وبالتأكيد التهديد من جميع النسوة التي يراهن فؤاد في عمله.
أنا تعبت.
طب بقولك أيه يا مامتي أيه رأيك يوم الجمعة تسيبي إياد وعطر معايا أنا والناني وتخرجي أنتِ وبابا لوحدكوا زي زمان؟
بجد؟ سألت زينة بحماس شديد لتومئ ريتال قبل أن تقول الآتي:
طبعًا بجد.
شكرتها زينة بعد أن عانقتها عناق قوي كادت ريتال أن تختنق بسببه، قبلت ريتال رأس والدتها قبل أن تصعد إلى حجرتها وتُلقي بجسدها المُنهك على السرير، لم تعلم ريتال لم عادت الحياة للتعقيد المعتاد مرة آخرى، فما أخبرتها به نانسي بشأن صالح شغل بالها كثيرًا وما قالته والدتها كذلك كما أن هناك بعض الخلافات بين والد فريدة وبين والد ياسين بشأن بعض التجهيزات في منزل العروسين، والآن والدتها تشعر بالغيرة والملل وعلى وشك أن تُدخل المنزل في حالة من التوتر عن غير عمد، لقد ظنت ريتال أن الضغط لن يزداد سوءًا لكنها كانت مخطئة تمامًا!
أخذت ريتال تعبث بهاتفها قبل أن تغفو وعن طريق المصادفة لمحت تاريخ اليوم لتُدرك شيئان أولًا أن الإختبارات العملية قد أقتربت كثيرًا وثانيًا أن عيد مولد تليد قد اقترب كثيرًا وأنها لم تبتاع له شيء أو حتى دون أن تقوم بالعد العكسي للإحتفال بيوم ميلاده، لقد كانت تنوي شراء هدية من أجله وأن تمنحه إياها حين عودته إلى مصر قريبًا.
مع بداية الإسبوع التالي ذهبت ريتال إلى العديد من المتاجر برفقة فريدة لشراء بعض الأغراض وبالطبع كانت خالتها ترافقهم في أغلب الأوقات لكن في بعض الأحيان كانت فريدة تذهب برفقة ريتال وحدها خاصة إن كان الأمر يحتاج إلى الرجوع إلى ياسين للسؤال عن رأيه لتجنب الجدال بين والدتها وزوجها المستقبلي، كانت فريدة تقف أمام العديد من الستائر ذات التصاميم المختلفة والتي قامت بإرسال صور قد إلتقطتها لها لياسين لسؤاله عن رأيه.
يا فريدة اللون ده مش لايق مع لون الحيطان وأنا اتفقت معاكي قبل كده فمش فاهم مشكلتك فين؟
ياسين هو أنتَ بتتكلم معايا كده ليه؟ وبعدين الراجل في المحل قالي اللون ده هيليق مع ال?انيلا لاتية فمشكلتك فين بقى؟
يا حبيبتي أوضة النوم جريش مش ?انيلا لاتية كام مرة هقولك؟
طب هو أنتَ بتزعقلي كده ليه؟ يا ريس قولتلك مش عايزها على الإرتفاع ده، يوه! بقولك أيه يا حبيبتي شوية وهكلمك مع السلامة.
كانت ريتال تستمع إلى الشجار بين ياسين وفريدة عبر الهاتف أثناء وقوفها بجانب فريدة أمام أحدى متاجر الستائر والمفروشات، أنهت فريدة المكالمة مع ياسين لتنفجر باكية دون أي مقدمات.
أنا مش فاهمة هو بيتكلم معايا كده ليه؟ وازاي يقفل في وشي كده؟
أهدي بس يا حبيبتي هو واقف مع الصنايعية وشكل الدنيا ملغبطة معاه أكيد مش قصده يكلمك وحش يعني. حاولت ريتال أن تُخفف من شعورها بالحزن والحرج لكن حديثها لم يكن مؤثرًا بتاتًا.
ما هو أنا كمان الدنيا ملغبطة معايا ماما عمالة تزن عليا ننزل نشوف الفرش ونشتري الحاجة وهو بيتخانق عالألوان وفي نفس الوقت مش عارف يجي يختار معايا بنفسه علشان كل واحد فينا في محافظة شكل ومش عارفين نشوف بعض وحاجة تقرف بجد!
صاحت فريدة من وسط دموعها لتعانقها ريتال قبل أن تمنحها زجاجة المياه خاصتها لترتشف منها قليلًا لعلها تهدأ.
بقيتي أحسن دلوقتي؟
الحمدلله، أنا بس حاسة بضغط كبير أوي الفترة دي من بابا ومن ماما ومصاريف كتير عمالة تدفع وياسين متوتر وبقى شغال شغلانة بارت تايم جنب شغله علشان يعرف ينجز الحاجة اللي اتفق مع بابا عليها وبابا بجد مش راحمه خالص،.
معلش صدقيني أونكل مش بيعمل كده رخامة هو عايز الحاجة تتطلع كويسة وعايزها تخلص في وقتها، معلش هو أونكل دماغه مقفلة شوية في الحاجات دي.
وفرق المسافات يا ريتال بجد تعبني كل شوية حد فينا يسافر للتاني ولسه لما هنقل جهازي وحاجتي عالقاهرة هيبقى حوار.
متفكريش في كل ده دلوقتي وبعدين فكري إن كل ده علشان تبقي مع الشخص اللي بتحبيه.
حاولت ريتال التخفيف من الحزن الذي تشعر به فريدة قبل أن تُدرك أنها ستكون في الوضع ذاته في خلال سنة أو اثنتين على الأكثر لكن وضعها سيكون أسوء فتليد لا يقطن في محافظة آخرى بل في قارة آخرى وبلد بعيدة تمامًا!
في صباح اليوم التالي تحدثت ريتال إلى نانسي لتسألها عن ما كانت قد توصلت إلى قرار أم لا لكن الأخيرة أخبرتها بأنها لم تصل إلى قرار نهائي بعد فالأمر برمته مُربك للغاية وبعد أن انتهت المكالمة اصطدمت نانسي بصالح بالقرب من بوابة المنزل.
خدتي قرار ولا لسه؟
الناس بتقول صباح الخير الأول على فكرة.
صباح الخير، خدتي قرار ولا لسه؟ كرر صالح ما قالته بتملل حتى تُجيب عن سؤاله، قلبت نانسي عيناها بتملل قبل أن تُجيبه قائلة:
لسه بس عايزة أتكلم معاك.
قولي يا ستي.
ممكن توعدني إنك تفضل واقف جنبي وتفضل موجود أيًا كانت إجابتي هتكون أيه؟
أوعدك إني عمري ما هتخلى عنك، ها قررتي أيه بقى قولي؟
لسه مخدتش قرار، وبصراحة أنا محتاج مهلة أفكر قد شهر شهرين كده. أردفت نانسي بصوت منخفض خشية ردة فعل صالح والذي بالفعل صرخ في وجهها قائلًا الآتي بحنق ممتزج بالسخرية:
نعم ياختي؟ ليه بخطب الملكة إليزابيث.
مش عاجبك الباب يفوت جمال، وعامة مش بس كده أحنا هنتعامل مع بعض عادي الفترة دي ولا كأنك عرضت عليا الموضوع ويا صالح بجد لو حد عرف إنك عرضت عليا الجواز هخلص عليك!
وبخته نانسي بشدة وقد تحدثت بثقة شديدة فهي صاحبة القرار هنا والأمر برمته في يدها الآن ولا يحق لصالح الإعتراض، طالعها هو بغيظ شديد قبل أن يقول الآتي من بين أسنانه:
استغفر الله العظيم، ماشي يا ستي حاضر.
مالك بتقولها من تحت ضرسك كده؟ على فكرة لو مش عجبك نفضها سيرة.
هو أحنا لسه بدأنا حاجة علشان نفضها؟ بقولك أيه كفاية رغي عالباب وتعالي أوصلك الجامعة في سكتي. عرض عليها صالح وهو يقوم بفتح البوابة لتمر هي أولًا، ساد الصمت لبرهة قبل أن تُضيف نانسي بثقة شديدة:
وتفطرني.
هنقضيها إستلواح من أولها؟ ماشي يا ستي.
ضحكت نانسي ضحكة رنانة وهي تدلف إلى داخل السيارة وبالفعل اصطحبها صالح لأحد المطاعم لتناول الفطور قبل أن يقوم بإيصالها إلى الجامعة وبالطبع لفت الأمر أنظار العديد من أصدقاء نانسي وزملائها دفعتها ولقد خالجها شعور مختلف بالسعادة والثقة لم تكن قد شعرت به من قبل بالإضافة إلى قدر رائع من الإهتمام ولفت الأنظار الذي كانت نانسي تعشقه.
خلي بالك على نفسك، وصحصحي في المحاضرة يلا أشوفك بليل.
سوق على مهلك وبلاش تهور.
ودعتها نانسي ووقفت تلوح به حتى غاب عن نظرها بالسيارة، قبل أن تقف لتتأمل الفراغ وهي تحاول تنظيم مشاعرها وأفكارها، لقد شعرت بالسعادة حينما كانت برفقته والأمر برمته ترك أثر لطيف داخل نفسها لكن أكانت تلك مشاعر أخوة وصداقة أم شيء آخر؟ لم تستطع هي تحديد ذلك ولقد كان هذا هو سر ترددها في إتخاذ قرار، فهي تخشى رفض عرضه فيخالجها الشعور بالندم بعد فترة وتخشى الموافقة فيتضح أنها كانت مشاعر أخوية لكونهم أقارب يجمعهم منزل واحد والدماء ذاتها التي تجري في عروق كليهما.
حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا أدهم، أنتَ السبب في العك ده كله!
تمتمت نانسي بغيظ شديد قبل أن تتجه إلى داخل المبنى كي لا تفوت المحاضرة.
مرت الأيام سريعًا حتى حان موعد عيد ميلاد تليد، أخذت ريتال تُطالع الهدايا التي ابتاعتها من أجله، زجاجة من العطر الذي يُفضل رائحتها بالإضافة إلى ساعة اليد التي قامت بإختيارها من عشرات الساعات من أجله خصيصًا.
كانت بداخلها تتمنى لو كان هنا الآن ليرى ما قامت بتحضيره من أجله وتمنت لو يستطيع تناول الكعكة التي أعدتها خصيصًا من أجله وقد زينتها بإسمه وبعد الورود مع وجود شموع تحمل أرقام عمره، أخذت تُطالع ريتال الساعة بحماس تنتظر وصولها للثانية عشرة بتوقيت إنجلترا كي تهاتفه للإحتفال.
ريتو!
كل سنة وأنتَ طيب يا تليدي! كل سنة وأنتَ أهم وأحسن وأحن واحد في الدنيا كلها ويارب أشوفك دايمًا بخير ومبسوط ومحقق كل اللي نفسك فيه! أردفت ريتال بحماس شديد لتتسع ابتسامة تليد وهو يستمع إلى حديثها قبل أن يقول الآتي بمزاح:
وأنتِ طيبة يا حبيبتي، إن شاء الله زي النهاردة كمان سنتين تلاتة أربعة كده نبقى في بيتنا.
متأفورش يا تليد لو سمحت.
بهزر بهزر إن شاء الله السنين الجاية كلها نحتفل بيه مع بعض ويارب نحتفل بيه في بيتنا بقى!
يارب، شكرًا على كل حاجة بتعملها علشاني وشكرًا على وجودك، شكرًا على إنك بتوفي بوعدك وإنك بتحافظ على مشاعري وإنك مش بتخبي عليا حاجة ومش بتكدب عليا وعلشان أنتَ موجود. تمتمت ريتال بحب وإمتنان حقيقي، كانت ابتسامة تليد تتسع مع كل كلمة تنطق بها وبداخله كان يدعو الله أن يجمع بينهم عما قريب.
وبعدين بقى في الكلام الحلو اللي يخلي الواحد يحجز أول طيارة وينزل مصر دلوقتي؟ بس للأسف لو عملت كده هترفد من الجامعة والشغل ومش هلاقي أكل فمش هنعرف نتجوز.
لا وعلى أيه؟ نستنى شهر ونص أحسن.
هسيبك بقى علشان تنام بس استني عايزة أوريك حاجة الأول. قالت ريتال قبل أن تقوم بتحويل المحادثة من صوتية فقط إلى صوت وصورة وقد صوبت الكاميرا نحو الكعكة التي أعدتها والهدايا داخل الصندوق الصغير أعلى الطاولة.
بتهزري يا ريتال بجد!
هابي بيرث داي تو يو، قامت ريتال بالغناء بصوت منخفض قبل أن تقوم بإطفاء الشموع بنفسها بدلًا من تليد.
كلفتي نفسك وتعبتي نفسك بجد، مش عارف بجد أنا عملت أيه علشان أستاهل حد زيك كده؟ أنا بحبك أكتر مما تتخيلي وشكرًا بجد على كل حاجة وبجد متحمس أوي أرجع علشان أشوفك وأشوف الهدية الحلوة دي ولازم وقتها تعمليلي كيكة بدل اللي هتاكليهالي دي.
تعالى أنتَ بس وملكش دعوة.
طب مش هتقوليلي بحبك بقى والكلام ده؟
تصبح على خير يا تليد علشان عندك شغل.
قالت ريتال بقليل من الخجل قبل أن تودعه وتنهي المكالمة دون أن تنتبه أن والدتها كانت تقف في نهاية الرواق وقد استمعت إلى المحادثة بأكملها، تناولت ريتال قطعة من الكعكة وقامت بوضع واحدة في أحد الصحون من أجل والدتها والتي أدركت ريتال أنها كانت تراقبها منذ مدة.
بعد أن انتهت ريتال من تناول الكعك صعدت إلى حجرتها لتنام وفي تلك الأثناء كانت تعبث في هاتفها وتشاهد الصور ومقاطع الفيديو التي قام أصدقاء تليد بالإشارة إليه فيها من أجل الإحتفال به وقد قام تليد بإعادة نشرهم، كانت الصور والمقاطع الأولى تخص ريتال والتي تليها شقيقة تليد ومن ثم ياسين ومن بعدها عشرات الأشخاص الذين لم تعرفهم ريتال ولم تكن تهتم كثيرًا حتى توقفت أمام أحدى الصور التي تم الإشارة له فيها...
أخذت ريتال تُطالع الصورة بعدم فهم، تليد يقف في ملهى ليلي يحمل في يده زجاجة من الخمر ومن حوله فتيات يرتدين ثياب غير مفهومة بالنسبة إليها أو بمعنى أدق ثياب تكشف أكثر مما تستر، كانت ضحكته مُريبة والضوء الأحمر المنعكس داخل عيناه جعل شكوكها مؤكدة، تليد كان مخمورًا في حفل برفقة أصدقائه وبرفقتهم فتيات ليل!