رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الحادي والثلاثون
بنتي، نانسي! صرخ والدها وهو يهرول نحوها، يتناول رأسها بين يديه بينما غلفت الدماء المكان.
غادر السائق السيارة والذي كان شاب يبدو في العشرينيات وكان الهلع باديًا على وجهه بينما يقول: أنا مشوفتهاش هي ظهرت فجأة، حد يطلب إسعاف بسرعة، تحدث إلى الحشد الذي تجمع من حولهم والذين حاولوا الإمساك به خوفًا من هربه بعد فعلته تلك وحينما استشعر ذلك منهم أردف:
أنا، أنا هوديها المستشفى، وهتكفل بمصاريف العلاج كلها، أنا هفضل معاهم والله،.
لو بنتي حصلها حاجة هروح فيك في داهية! صرخ والد نانسي في وجه الشاب وهو مازال ممسكًا بجسد ابنته الممد على الأرض الأسفلتية، الدماء غلفت يداه والتي لم يعلم أين مصدرها فلقد كانت إصابتها عديدة.
اللي حضرتك تشوفه، محدش بس يحركها لحد ما الإسعاف ما تيجي علشان منعملش مشكلة أكبر.
تحدث الشاب وعلى ما يبدو أنه كان على إدراك تام بما يقوله.
في خلال دقائق وصلت سيارة الإسعاف والشرطة كذلك ليتم تحرير محضر ضد ذلك الشاب ولقد تم مراجعة كاميرات المراقبة في الأماكن القريبة للتأكد من أن الحادث كان عن غير عمد وكذلك لمراجعة ملابسات الحادث بالكامل، كان الشاب متعاونًا للغاية وإن كان يشعر بالهلع لكنه كان متقبلًا للوضع الراهن.
أما عن والد نانسي فكان يبكي ابنته الفاقدة للوعي والتي لم يستطع الأطباء والمساعدين داخل سيارة الإسعاف طمئنته على وضعها فلم يكن الأمر واضحًا بعد فمن المحتمل أن تكون هناك عدة إصابات غير واضحة ولن تظهر سوى بالفحوصات والأشعة.
ألو، أيوا يا صالح يا ابني أنا عمك أشرف.
أهلًا بحضرتك، هي نانسي معاك؟ موبايلها مقفول وبحاول أوصلها من بدري مش عارف هي قالتلي هتخلص الدرس وتكلمني.
نانسي عملت حادثة وأحنا في عربية الإسعاف دلوقتي رايحين المستشفى، أدعيلها يا ابني.
أيه؟ حادثة؟ حادثة أيه؟ طب أنتوا رايحين أني مستشفى أحصلكوا على هناك أنا وعمتو.
طب تعالى أنتَ الأول لحد ما نطمن عليها، غادة لو عرفت هيجرالها حاجة،.
لا طبعًا مينفعش هي من حقها تعرف، طيب ممكن حضرتك تقولي العنوان وأنا في خلال ربع ساعة هكون قدامك إن شاء الله.
تحدث صالح وهو يبحث عن أول قميص وبنطال أمامه ليبدل ثيابه سريعًا بينما يحاول عقله إستيعاب الكارثة التي حدثت وللأسف لم يكن عنده رفاهية الإنهيار والقلق فلقد كان عليه التظاهر بالقوة حتى يتسنى له إخبار عمته وجدته بما حدث.
بدل صالح ثيابه سريعًا وتوجه نحو الأسفل، كانت جدته تجلس لمشاهدة التلفاز بينما كانت عمته تجلس في شرود تام وهي تنظر نحو الشرفة، وقف صالح يُطالعها بحسرة وهو لا يدرِ كيف يبدأ حديثه أو ماذا يقول فهذه المرة الأولى التي يوضع فيها في موقف لا يحسد عليه كهذا...
عمتو أنتِ كويسة؟ عمتو،.
هاه بتكلمني يا صالح؟ معلش يا حبيبي مخدتش بالي. أجابته بعد أن أفاقت من شرودها ليبتلع هو الغصة التي في حلقه قبل أن يسألها مجددًا: حض، حضرتك كويسة؟
مش عارفة، حاسة بنغزة في قلبي كده، قلقانة، هي نانسي فين؟ كلمها هي اتأخرت المفروض تكون هنا من نص ساعة.
طيب عمتو أنا هقولك على حاجة بس أبوس إيدك أهدي وأسمعيني للآخر،.
نانسي حصلها حاجة؟ بنتي جرالها أيه يا صالح؟
حادثة، حادثة بسيطة بس هي، هي كويسة، حاول صالح أن يكذب فهو لا يعلم مدى خطورة الوضع ولقد خانته عيناه التي دمعت وهو يجذب عمته في عناق قوي والتي إنهارت من البكاء وهي تصرخ قائلة:
بنتي! بنتي لا يا صالح، أنا عايزة بنتي، نانسي حصلها أيه متكدبش عليا!
طمنا يا صالح يا ابني أبوس إيدك أحنا مش حِمل مصايب ولا صدمات،.
صدقوني هي كويسة غيري بس هدومك بسرعة يا عمتو وتعالي معايا وأنتِ يا تيته خليكِ هنا علشان عطر متبقاش لوحدها. أردف صالح فهو لا يريد أن يرهق جدته العجوز وفي الوقت ذاته لن يتحمل رؤيتها منهارة هي أيضًا.
في خلال دقائق معدودة كان صالح يقود السيارة بأقصى سرعة ممكنة متوجهًا نحو المستشفى، عمته تبكي إلى جواره بينما تدعو الله أن يحفظ ابنتها الوحيدة، ابنتها التي كانت حظها الوحيد من الدنيا، لقد كانت تعويضًا لها عن كل ما خسرته ولم تحظى به يومًا والآن هي على بعد خطوة أو اثنتين من خسارتها إلى الأبد...
الحادثة حصلت ازاي؟ قولي أي حاجة؟ وعرفت منين؟ مين كلمك وقالك فهمني أي حاجة،
وهي، وهي نازلة من الدرس عربية، عربية يعني خبطتها من غير قصد وهي مش لوحدها دلوقتي متقلقيش،.
معاها ربنا، كلنا معانا ربنا، استرها علينا يارب ده أنا غلبانة ودي بنتي الوحيدة نور عيني، يارب أنا من غيرها ولا حاجة، تمتمت عمته وهي تبكي بإنهيار شديد، لم يكن ذلك مقصد صالح من الحديث بالتأكيد إن الله معنا جميعًا لكنه كان يقصد والدها لكن لم تتاح له الفرصة لتوضيح ذلك ولم يكن وضع عمته مناسبًا على أي حال لتلقي صدمة آخرى كتلك.
في خلال نصف ساعة توقف صالح أمام المستشفى، كان التوتر قد سيطر عليه تمامًا ليس بسبب وضع نانسي المجهول فقط بل لأنه لم يُخبر عمته بوجود والد نانسي في المستشفى، دلف ثلاثتهم نحو الداخل وقد هرول صالح بحثًا عن شخص ليسأله عن حالة نانسي وأين حجرتها أو أي شيء من هذا القبيل.
كان ذلك قبل أن تقع عين غادة عن طريق المصادفة على زوجها السابق الجالس يبكي وهو يدعو الله أنا تُصبح ابنته بخير، نوبة من الغضب والإنهيار تملكت منها وهي تسير مسرعة نحوه لتجذب من ثيابه وهي تصرخ في وجهه قائلة: أنتَ، أنتَ أيه اللي جابك هنا؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا أخي!
غادة، غادة أسمحيلي أشرحلك بس،.
تشرحلي أيه؟ أنتَ السبب في الحادثة مش كده؟ أكيد قولتلها أنا أبوكي اللي رميتك من سنين وأكيد أكيد، هي، هي إنفعلت وجريت وسط العربيات!
لا يا غادة مش ده اللي حصل، أنا فعلًا أتكلمت معاها بس، حاول تفسير الأمر لكنها دفعته في كتفه بعنف شديد بينما تصرخ في وجهه قائلة الآتي من وسط شهقاتها:
بس أيه؟ بس أيه يا شيخ منك لله! البنت كانت في حضني سنين وزي الفل، أيه اللي رجعك بس؟
أهدي بس يا عمتو علشان خاطر نانسي، أقعدي بس أرتاحي.
أنتَ كنت عارف؟ كنت عارف إنه رجع يا صالح مش كده؟
بصراحة اه، بس كله ده مش وقته المهم الدكتور يطمنا على نانسي وتقوم بالسلامة.
قولي يا أشرف هي، هي أتعورت جامد؟ هو، هو الدم اللي على هدومك ده،؟ سألت بتلعثم شديد وبأعين ممتلئة بالرعب قبل أن تنهار باكية بين ذراعي صالح والذي أحتضنها برفق وهو يحاول تهدأتها وطمأنتها وفعل المثل مع نفسه فلقد كان على وشك البكاء هو كذلك.
ربما لم تكن علاقته هو ونانسي تسير على تيرة جيدة طيلة السنوات الماضية لكن مؤخرًا أصبح كلاهما مقرب من الآخر، كما أنه كان يعتبر شقيقته، ربما كانت حادة الطباع صعبة الإرضاء ولاذعة اللسان لكن ذلك لم يُغير كونها شقيقته وصديقته المقربة في الآونة الأخيرة، ساد الصمت لبرهة قبل أن يتذكر هو أمر هام ويسأل والد نانسي بإنفعال:
هو فين الحيوان ابن ال، اللي خبطها ده؟ أوعى يكون هرب يا عمو!
خدوه عالقسم وأنا كلمت المحامي بتاعي راح على هناك علشان يتابع كل حاجة هتحصل بالنيابة عني لحد ما أطمن على نانسي.
ده أنا هخرب بيته! لما هو مبيعرفش يسوق بيتنيل يركب عربية ويخبط الناس ليه! صاح صالح بضيق شديد وهو يُطلق العديد من السباب بصوت منخفض ليحمحم والد نانسي قبل أن يقول:
الولد ملوش ذنب،.
نعم ياخويا؟ ملوش ذنب ازاي يعني؟ لا تكون أنتَ اللي زقتها عالعربية يا أشرف. سألته غادة بإستنكار شديد وبالتأكيد لم توجه له إتهام حقيقي لكن جملتها كانت ساخرة من سذاجة قوله.
أنا ونانسي كنا بنتكلم و، وهي إنفعلت شوية و، بعدت عني، كانت بترجع بضهرها لورا من غير ما تبص على الطريق ونزلت من عالرصيف، كل حاجة حصلت فجأة وبسرعة، حاولت أمسكها وأشدها ناحيتي بس ملحقتش،.
يعني أنتَ السبب! أنا كان عندي حق، حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا شيخ!
قام صالح بسحب عمته من ذراعها برفق بعيدًا عن والد نانسي، أبتاع لها الماء وحاول تهدأتها وبعد مرور عشرة دقائق تقريبًا حضر والد صالح وعمه وجلس جميعهم في انتظار سماع معلومة عن وضعها الحالي.
في تلك الأثناء وبالعودة إلى الإسكندرية كانت ريتال تجلس لإنهاء أحد الإختبارات لمادة الچيولوچيا وبينما كانت تفعل شعرت بآلم في الرأس وبعض الملل لذا قررت العبث في هاتفها لبعض الوقت ليمر أمامها منشور لصالح كُتب فيه الآتي:.
(برجاء الدعاء فضلًا لأبنة عمتي وشقيقتي الصغرى نانسي أشرف بالشفاء العاجل. ) قرأت ريتال ما كُتب بأعين متسعة، لم تدرِ ماذا حدث لكنها شعرت بغصة في قلبها وعلى الفور أخذت تنظر إلى التعليقات لعلها تصل إلى معلومة ما حتى وجدته يُجيب على أحد أصدقائه ويُخبره بأنها تعرضت لحادث سير.
تجمعت الدموع في عيناها وهي تهاتف جدتها على الفور ولحسن الحظ أنها كانت على علم ببعض التفاصيل، هرولت ريتال نحو حجرة والدتها والتي كانت قد غفت منذ وقت ليس طويل لتقوم بإيقاظها.
ماما، ماما قومي بسرعة أبوس إيديك. صرخت ريتال وهي تحرك جسد والدتها بينما تنهمر دموعها بغزارة لتنتفض زينة من نومها وهي تسألها بهلع:
مالك في أيه؟ جدك فيه حاجة ولا أيه؟
نانسي يا ماما، نانسي عملت حادثة لازم نسافر القاهرة دلوقتي مش هقدر أستنى للصبح، فسرت ريتال من وسط دموعها لتجلس زينة وهي تمسك برأسها بآلم قبل أن تقول:
يا ستار يارب! حادثة أيه؟ فهميني براحة طيب.
كانت خارجة من الدرس وعملت حادثة وهي في المستشفى دلوقتي وتيته وعمتو وصالح وبابا وكله هناك أنا عايزة أروح أطمن عليها بنفسي.
طيب حاضر حاضر متقلقيش هكلم مريم دلوقتي لو صاحية توصلنا بالعربية معرفش هنلاقي قطر في الميعاد ده ولا لا. أردفت زينة وهي تبحث عن هاتفها، لم يكن الوقت متأخرًا للغاية ولم يكن باكرًا كذلك لذا لم تكن تعرف إن كانت ستجد مريم مستيقظة أم لا ولم تكن واثقة أنها في الإسكندرية من الأساس لكنها قررت المحاولة من أجل ريتال.
ماشي بس بسرعة،.
طب الدكتور قال أيه؟ حد طمنهم؟
مش راضي يقول حاجة وهما مش فاهمين حاجة خالص وكله منهار،.
طيب يا حبيبتي أهدي كده وأدعيلها ربنا يقومها بالسلامة وروحي غيري هدومك وأنا هكلم مريم.
بالفعل هاتفت مريم والتي لم تتردد لثانية في أن تحضر إليهم بسيارتها، قرر جد ريتال مرافقتهم فلم يكن مطمئنًا لسفرهم بمفردهم ليلًا كما أنه أراد أن يطمئن على الصغيرة المسكينة من باب الرحمة والتعاطف، على الفور حضرت مريم لتقوم بالقيادة بحرص شديد متجهة نحو القاهرة وفي خلال وقت قياسي كان أربعتهم في القاهرة وبقي فقط وصولهم إلى المستشفى.
متقلقيش يا ريتال يا حبيبتي خلاص كلها ربع ساعة بالكتير إن شاء الله وهنبقى قدام المستشفى وعلى فكرة أنا كلمت فؤاد لأنه هنا في القاهرة وهو قالي هيسبقنا عالمستشفى ويحاول يعرف أي حاجة من الدكاترة ويطمنا. قالت مريم وهي تنظر إليها من خلال إنعكاس المرآة لتبتسم لها ريتال وهي تقول الآتي بصوت مبحوح:
شكرًا يا مريم ربنا يخليكي.
ربنا يباركلك يا مريم يا بنتي معلش على طول كده تعبينك أنتِ ودكتور فؤاد معانا. قال والد زينة لتبتسم مريم ابتسامة واسعة وهي تقول:
والله عيب الكلام ده؟ هو أنا مش زي بنتك ولا أيه؟ وبعدين زوزو دي أختي وريتال زي بنتي طبعًا بغض النظر إن أنا مخلفشي كل دي أنا لسه صغننة يعني. كانت مريم تتحدث بجدية في البداية قبل أن تختم حديثها بمزاح لعلها تُخفف من التوتر الذي غلف الأجواء.
طبعًا زي بنتي ودكتور فؤاد زي ابني. قال والد زينة لتقوم بالغمز بإحدي عينيه وهي تنظر إلى زينة في المرآة لتقلب الأخيرة عيناها فلم يكن الوقت مناسب لمزاح مريم بتاتًا.
بمجرد أن توقفت السيارة أمام المستشفى هرولت ريتال نحو الداخل بتوتر شديد دون أن تنتظر أيًا منهم، لمحت عمتها تقف مستندة إلى الحائط وهي تبكي لتركض ريتال نحوها وتجذبها في عناق قوي، بادلتها عمتها العناق بينما تقول:
شوفتي يا ريتال، شوفتي اللي حصل لنانسي،.
متقلقيش، متقلقيش يا عمتو إن شاء الله خير، هي لما تعرف إن أنا جيت هتصحى وهتبقى كويسة هي قالتلي إني وحشتها ونفسها تشوفني وأنا اتأخرت عليها أنا أسفة، أردفت ريتال من وسط شهقاتها، حديثها كان مؤثر نابع من القلب وقد تسبب في إنهيار عمتها أكثر، أقترب صالح منهم وهو يقول:
بس أهدوا كده، إن شاء الله هتبقى كويسة هي محتاجة دعواتنا أكتر من أي حاجة دلوقتي.
أومئت ريتال وهي تفصل العناق وفي تلك الأثناء حضر والدتها وجدها ومريم ليقوموا بإلقاء التحية على الجميع وبالطبع حينما رأت زينة وضع غادة الذي تتمزق له القلوب ضمتها بقوة ليجهش كلتاهما في البكاء فبغض النظر عن المشكلات والمواقف القديمة إلا أن زينة كانت تعتبر نانسي ابنة لها.
أهو فؤاد وصل أهو. قالت مريم وهي تسير نحو شقيقها مسرعة، عانقها عناقًا سريع قبل أن يُلقي التحية على الجميع وأولهم والد زينة بالطبع.
ده دكتور فؤاد أخو مريم وهو طبيب بشري وليه زمايل كتير هنا في المستشفى هيحاول يعرفلنا أي تفاصيل عن حالة نانسي ويطمنا عليها وإن شاء الله خير. وضحت زينة بقليل من الحرج لتومئ غادة بإمتنان شديد، وعلى الفور ذهب فؤاد لتنفيذ ما قالته زينة قبل قليل.
بعد بضع دقائق عاد فؤاد ليهرول جميعهم نحوه لعله يطمئنهم عن وضعها وبالفعل لقد كان يحمل تقريرًل مبدأيًا عن حالتها.
الدكتور قالي في كسور، رجلها اليمين ودراعها الشمال، في إرتجاج في المخ وكدمات. شرح فؤاد الوضع بالكامل بنظرة طبية وإن كان حديثه جامدًا بعض الشيء، اقتربت ريتال منه بأعين دامعة وهي تُمسك بيده بتلقائية شديدة غير مقصودة وهي تقول:
طب يا أونكل هي، هي هتبقى كويسة؟
اه يا حبيبتي متقلقيش، هو الوضع مش خطير أوي هي بس تفوق ونعمل كام فحص مبدأي كده وهتبقى بخير بإذن الله.
أنتَ أيه اللي جابك هنا وجاي بصفتك مين؟ مش شايف المصيبة اللي أحنا فيها يا راجل بارد!
سأل عبدالرحمن وهو يصيح في وجه فؤاد بعد أن وقف في المنتصف ليفصل بينه وبين ريتال، طالعه فؤاد بهدوء تام ولم ينبس ببنت شفة حيث سبقته مريم وهي تقول الآتي بحنق:
ولا ولا مش عايزين صدع يالا.
جاي بصفته دكتور وبعدين أنتَ بتتكلم معاه كده ليه؟ وأنتَ مالك أصلًا؟ يا أخي خلينا في المصيبة اللي أحنا فيها دي وبدل ما بتزعق وتتخانق أدعي لنانسي اللي زي بنتك أنها تقوم بالسلامة.
وبخته زينة بنبرة حادة لم يعتاد عبدالرحمن على سماعها لينكمش على نفسه على الفور وهو يحاول أن يُخفي شعوره بالإحراج والذي كان واضحًا على وجهه الذي صُبغ باللون الأحمر، لم تتحدث ريتال لكنها أكتفت برمقه بنظرات تنم عن الإزدراء قبل أن تعاود الجلوس في مقعدها مرة آخرى في انتظار سماع أي أخبار جديدة لتطمئنهم.
بعد مرور ساعة تقريبًا كان الوقت قد تأخر ولم يكن مسموحًا لهم البقاء في المستشفى أكثر من ذلك، أقترب صالح من مقعد زينة وهو يوجه لها حديثه قائلًا الآتي:
يلا يا طنط زينة مش هينفع نفضل قاعدين هنا مش هينفع حد يبات أصلًا وأحنا قدرنا نقنع عمتو بالعافية إنها تروح وتيجي الصبح.
ربنا يخليك يا صالح يا حبيبي، أحنا هنرجع على إسكندرية دلوقتي والصبح إن شاء الله نيجي من بدري نتطمن على نانسي.
لا طبعًا يا طنط الوقت اتأخر أوي والطريق مش هيبقى أمان تعالوا باتوا عندنا و، قال صالح بقلق حقيقي وقبل أن يُكمل حديثه قاطعته ريتال بنبرة حادة وإمتعاض واضح مُردفة:
نيجي نبات عندكوا فين؟ أنتَ سامع نفسك بتقول أيه يا صالح؟ هنيجي نبات بصفتنا مين أصلًا؟ ماما مش على ذمة الراجل ده وأنا ومبعتبرش نفسي بنته من الأساس هنبات عندكوا ليه؟
هو أنتِ بتزعقي فيا ليه؟ الحق عليا قلقان عليكوا؟ وبعدين ده بيتك سواء أقتنعتي بكده أو لا وفي الآخر القرار هيرجع لطنط زينة. تحدث صالح بحدة وإن كان قد حافظ على نبرة صوته إحترامًا لوجودهم في مستشفى.
ممكن تسكتوا أنتوا الإتنين وتهدوا لأن الوضع مش مستحمل خناق، شكرًا يا صالح عالعرض ده بس أحنا مش هينفع نرجع معاكوا فعلًا. ابتسم ريتال بإنتصار ليحمحم صالح بحرج قبل أن يقول:
طب ما هو برضوا مش هينفع ترجعوا اسكندرية في الوقت ده.
سيبني أنا يا صالح هعرف أقنعها، يا زينة يا بنتي البيت ده بيتك وبيت ريتال وفي الأول والآخر بيتي أنا كمان ولو وجود عبدالرحمن ومراته مش هيخليكِ مرتاحة أنا ممكن أنيمهملك في الشارع.
ربنا يباركلك يا ماما، صدقيني أنا مش هقدر أدخل البيت ده تاني. تحدثت زينة بقليل من الحرج لتتنهد والدة زوجها وهي لا تدرِ كيف عليها أن تقنعها لكن مريم قد سبقتها مقترحة الآتي:
أنا هحل المشكلة دي، أنتِ هتيجي أنتِ وريتال تباتوا عندي في شقة بابا.
ودكتور فؤاد هيبات فين؟ سألت زينة بإهتمام حقيقي لتبتسم مريم قبل أن تقول ببساطة:
في المستشفى.
يعني يا زينة هانم عايزة تباتي في بيت الأغراب أنتِ وبنتك وبيت أبوها لا؟ سأل عبدالرحمن بنبرة لا تخلو من اللوم وبإسلوب سخيف مهين، كادت زينة أن تُجيب عنه لكن قاطعها صوت مريم وهي تُردف الآتي بحدة قائلة:
لا إله إلا الله، يا عم أنتَ حد وجهلك كلام؟ نفسي تبطل تحشر نفسك في اللي ملكش فيه!
وأنا بكلم مرا، طليقتي وأم بنتي.
أيه يا عبدالرحمن؟ على صوتك كمان وفرج الناس علينا ما أنتَ تموت في الفضايح، سيب زينة وبنتها على راحتهم يباتوا في المكان اللي يعجبهم وبعدين زينة معاها والدها مستني في العربية والكلمة كلمته هو.
تدلخت جدة ريتال لحل الجدل ولم تتردد قط في توبيخ عبدالرحمن وإحراجه أمام الجميع فهي ترى أنه يستحق ذلك فهو من قام بإحراج نفسه من البداية، ابتسمت زينة بإنتصار شديد قبل أن تقول:
شكرًا يا ماما أحنا هنروح نبات عند مريم والصبح إن شاء الله هنيجي تاني نتطمن على نانسي.
عادت ريتال ووالدتها وجدها برفقة مريم إلى منزل والد الأخيرة وبمجرد أن وصلوا إلى هناك خلد الجميع إلى النوم مباشرة فلم يتبقى لديهم ذرة طاقة بعد التعرض لهذا الكم من الإرهاق، في صباح اليوم التالي استيقظت زينة باكرًا وغادرت المنزل لتُعد الفطور بعد أن طلبت من مريم المفتاح ولقد منحته أياه الأخيرة دون وعي فلقد كانت بين النوم واليقظة.
عادت زينة من الخارج وبينما كانت تقوم بتجهيز الطعام وقعت عيناها على صورة لفؤاد تعود لعشرون عامٍ إلى الوراء أي حينما كانت في الثامنة عشرة أو العشرون من عمره، كان يافع ملئ بالحيوية لكن هيئته لم تختلف كثيرًا عدى أن خصلات شعره الآن أقصر وقد خالطها اللون الرمادي.
قفشتك بتعملي أيه؟ سألت مريم بصوت مرتفع لتنتفض زينة من موضعها وهي تضع يدها أعلى صدرها بهلع قبل أن توبخها قائلة:
منك لله خضتيني يا شيخة! مبعملش حاجة!
الله فول وفلافل، أيه الدلع ده كله.
قولت أجيب أكل علشان نفطر ونروح المستشفى على طول.
طب جدعة، هروح أصحي ريتال بقى. قالت مريم وحينما ذهبت لإيقاظ ريتال وجدت الأخيرة مستيقظة وتتحدث في الهاتف.
بعد عدة دقائق توجهت ريتال نحو الخارج لتجد ثلاثتهم قد جلسوا على طاولة الطعام، جلست إلى جانب جدها قبل أن تقول:
ده تليد أتصل بيا لما قرأ عالفيس بوك عندي اللي حصل لنانسي وعالية وحنين كمان كلموني يطمنوا بس أنا قولتلهم يستنوا شوية وميجوش النهاردة لأن غالبًا مش هيبقى في زيارة.
كويس إنه أتصل وأهتم، أنا كنت فاكرة إن علاقته وعلاقة صحابك كلهم بنانسي مش تمام أوي.
دي حقيقة بس التعب والمرض مفهوش كده، هما حقيقي كويسين وقلبهم أبيض وعارفين إن ظرف زي ده كل الزعل والخناق بيتركن على جنب.
الحمدلله إن ربنا رزقك بيهم، المهم كلي بسرعة علشان نلحق نروح.
بعد ساعة ونصف تقريبًا توقفت السيارة خاصة مريم أمام المستشفى، سبقتهم ريتال نحو الداخل لتجد صالح يجلس بأعين محمرة على أحد مقاعد الإنتظار، أقتربت منه ببطء شديد وهي تسأله بتوتر واضح:
صا، صالح هو حصل حاجة؟
لا يا ريتال محصلش حاجة، هي بس نانسي،.
مالها نانسي؟ حصلها أيه؟ أتكلم بسرعة!
مفيش متخافيش، هي فاقت بس مش فاكرة حاجة، يعني،.
يعني فقدت الذاكرة؟ مش فكرانا خالص ولا أيه أنا مش فاهمة حاجة! سألت ريتال من بين دموعها ليستقيم صالح ويقف أمامها لتُدرك ريتال الفارق في الطول بينهم قبل أن يُخرج من أحد جيوبه منديلًا ورقيًا ويمنحها إياه قبل أن يُردف:.
أهدي يا ريتال أهدي، أنا أسف خضيتك، هي عندها فقدان ذاكرة مؤقت الدكتور قال ممكن في خلال ساعات ترجع تفتكر كل حاجة تاني، هو قال ده عرض للإرتجاج المخ علشان الحادثة أنا بس لما دخلت كلمتها وهي كانت تايهة كده مقدرتش أتمالك أعصابي، حقك عليا.
الحمدلله إنها كويسة وإنه بيقول حاجة مؤقتة، طب أنا عايزة اتطمن عليها هي فين؟
بصي هي نايمة دلوقتي وغالبًا مش هيدخلوا حد غير بعد ساعتين كده ولا حاجة بس ممكن أروح معاكِ ونشوف هيدخلونا ولا لا، صحيح هي طنط زينة وجدك فين؟
بيدوروا على ركنة للعربية برا وأنا سبقتهم. أومئ صالح قبل أن يُرشدها إلى اتجاه الحجرة وفي طريقهم إلى هناك كادت ريتال أن تصطدم في عمتها وزوجها السابق الذين كانوا يتشاجرون بحدة بجانب حجرة نانسي بصوتٍ مسموع وكان الحوار كالآتي:
البنت من حقها تعيش بين أب وأم حياة طبيعية. تحدث أشرف بهدوء محاولًا إقناع غادة بلا فائدة حيث أنها طالعته بنظرات حادة كحيوان مفترس ثائر قبل أن تصيح في وجهه موبخة إياه:.
الكلام ده كان ينفع زمان لما كانت نانسي طفلة مش دلوقتي يا أستاذ أشرف! مش بعد ما حياتها مشيت بنظام معين راجع بعد السنين دي كلها عايز تخربه بأنانيتك، شوفت ظهورك في حياتها اتسبب في أيه يا أستاذ أشرف!
أنا كنت أناني وغبي وراجل زبالة كمان ودمرت حياتك وحياة بنتي بس أبوس إيدك يا غادة أبوس إيدك سبيني أعوضها عن سنين الحرمان والبعد، سبيني أخليها تحس إن ليها أب الباقي من عمري.
صاح أشرف بإنكسار شديد وكأنه يحاول أن يترجى غادة في فرصة واحدة لتعويض نانسي فهو واثق من أنها في حاجة إليه كما هو في حاجة إليها وخاصة في مثل هذه الظروف العسيرة فشعورها بوجود أبيها برفقتها سيساعد في تعافيها بصورة أسرع فالحالة النفسية للمريض لا تقل في المفعول والأهمية عن الدواء والراحة.
عمتو، عمو مينفعش كده، ممكن نأجل النقاش ده لبعدين؟ على الأقل يعني مش قدام أوضة نانسي صدقوني هي لو سمعتكوا مش هتكون مبسوطة أبدًا. أردفت ريتال بنبرة هادئة وإن كانت حادة فهي مدركة تمامًا لمدى سوء الأمر حينما يتعلق بشجار الوالدين أمام أولادهم، قالت ريتال قبل أن تتجه نحو حجرة نانسي دون أن تستأذن منهم.
كانت نانسي مُغمضة العينين، خصلات شعرها الناعمة منسدلة على الجانبين وكان وجهها الرقيق مُلطخ بالكدمات والخدوش لكن ذلك لم ينقص من جمالها شيء، لقد بدت أكثر هدوءًا وبراءة على هذه الحال، أقتربت ريتال لتجلس منها وتمسد على خصلات شعرها بينما تقول الآتي من وسط دموعها:
وحشتيني أوي يا نانسي، عارفة أنتِ شكلك حلو وزي القمر أنا عارفة إنك لما تصحي هتضايقي أوي علشان التعاوير دي بس كلها هتخف صدقيني،.
حينما أنهت ريتال حديثها فتحت نانسي عيناها ببطء شديد وهي تحاول إستيعاب أين تكون وما يحدث من حولها، لقد كان عقلها مشوش والآم الذي في رأسها كاد أن يفتك بها.
نانسي حبيبتي أنتِ سمعاني؟
ريتال، أنتِ اتأخرتي ليه؟ سألت نانسي بوهن لتتسع أعين ريتال وتنهمر دموعها بغزارة قبل أن تعانقها بحرص شديد بينما تهمس:
الحمدلله، الحمدلله إنك بخير، أنهت ريتال حديثها وهي تهرول نحو الخارج بحثًا عن الطبيب خاصتها ليطمئن على صحتها.
مر أسبوع سريعًا بعد ذلك اليوم، كانت نانسي قد استردت ذاكرتها فلم يستمر الفقدان سوى لسويعات قليلة وقد طمئنهم الطبيب على وضعها، كانت ريتال تتردد على المستشفى بصورة يومية ولم تهتم قط بما يفوتها من دروس فهي لم تُفكر في أي شيء سوى نانسي وصحتها في ذلك الوقت.
في صباح اليوم الثامن طرقت ريتال باب الحجرة بمرح شديد وبإسلوب مميز قبل أن تفتح الباب بعد أن جاءها رد نانسي وهي تقول:
تعالي يا ريتال أنا صاحية.
نانسي في حد عايز يقابلك. أردفت ريتال بسعادة لم تفهم نانسي سببها فلم تكن نانسي ترغب في رؤية أي شخص خاصة وأنها مازالت مُتعبة للغاية كما أن مظهرها ليس في أفضل وضع بكل تأكيد.
رأسها كان محاط بشاش أبيض ولاصقة جروح بالإضافة إلى العديد من الكدمات والجروح في أنحاء متفرقة من وجهها وجسدها بالإضافة إلى ذراعها وقدمها التي تم وضعهم في الجبس الطبي لمدة لا تعلم متى ستنتهي.
مش قادرة أقابل حد يا ريتال لو حد من العائلة أو صحاب ماما قولي إن أنا نايمة لو سمحتِ.
أنا متأكدة لما تشوفي مين هتغيري رأيك خالص وبعدين يا ستي، قالت ريتال بحماس شديد وقبل أن تنهي جملتها قاطعها صوت الباب المزعج وقد تم إقتحامه ومن ثم تبعه صوت قد أشتاقت له ريتال بصورة خاصة كثيرًا.
أيه يا نانسي الدلع والمرقعة دي؟ ما أنتِ زي الفل أهو أيه رأيك ننزل حجز كورة؟
علق تليد بمرح شديد فور أقتحامه للحجرة بحركة درامية وهو يحمل في يده باقة كبيرة نسبيًا من الورود الزاهية، عقب ساخرًا بأمر كرة القدم حينما رأى قدم نانسي التي كُسرت، قهقهت نانسي بقوة من تعليقه ثم تأوهت بآلم قبل أن تقول الآتي حينما تبع تليد عالية وحنين وبضعة فتيات من صديقاتها من المدرسة، نمت ابتسامة صغيرة على ثغرها تنم عن سعادة حقيقية وهي تقول الآتي بصدق:.
مبسوطة إنكوا جيتوا، متوقعتش حد فيكوا يجي بصراحة شكرًا.
على أيه بس؟ ما أنا صحاب في الأول وفي الآخر هي صحبة واطية وكلها مشاكل بس مش مهم، أهم حاجة تخلي بالك من نفسك علشان تخفي بسرعة وتبقي كويسة.
علق تليد مجددًا بسخرية واضحة غير تاركًا أي مجال لشخص آخر أن يتحدث إليها، ابتسمت نانسي بقليل من الحزن وهي تنظر إلى بدنها المُجهد المصاب قبل أن تقول الآتي بأسى:
الموضوع هياخد وقت طويل أوي يا تليد وشكلي كده هأجل السنة وأعيدها من الأول السنة اللي جاية إن شاء الله،.
لا لا يا ستي مفيش الكلام ده أنتِ ممكن تحاولي تشوفي حاجات أونلاين أو مامتك وباباكِ يشوفوا مدرسين ليكي في البيت والسنة لسه طويلة لسه قدامك فترة طويلة. قالت حنين بنبرة لطيفة قبل أن تقول عالية:
ولو في حاجة وقعت منك أحنا نكلمك نشرحلك محلولة يعني.
شكرًا يا جماعة على كل حاجة بجد، أنا بحبكوا أوي حقيقي. قالت بأعين دامعة ليذهب كلًا من عالية وحنين وريتال لمعانقتها أما عن تليد فلقد شعر بآلم في قدمه فيقرر الجلوس ليجلس أعلى قدم نانسي المكسورة عن طريق الخطأ لتصرخ الأخيرة بآلم شديد لينتفض تليد من جلسته.
أنا أسف، أنا أسف!
يخربيتك هتخليه كسر مضاعف! صرخت نانسي في وجهه ليمتعض وجه تليد قبل أن يقول:.
ما أنتِ زي القردة وعارفة تزعقي أهو أومال ليه مستموتة فيها من ساعة ما جينا وشكرًا يا أخواتي وفرحتوني يا أخواتي، يا شيخة ده أنا الدمعة كانت هتفر من عيني! بمجرد أن فرغ تليد من حديثه أقتحمت الحجرة أحدى الممرضات لتوبخهم جميعًا بسبب الصخب الذي تسببوا فيه، صمت الجميع في حرج شديد منتظرين مغادرتها وبمجرد أن فعلت انفجر جميعهم ضاحكين.
بعد مرور خمسة دقائق وانتهاء موعد الزيارة طلب تليد من ريتال أن يُلقي التحية على والدتها والتي كانت تجلس في الكافتيريا خاصة المستشفى.
أهلًا بحضرتك يا طنط زينة، ازيك يا ريتو، ريتال ازيك يا آنسة ريتال أيه الأخبار؟
الحمدلله. تمتمت ريتال وهي تبتسم بخجل قبل أن تُجيبه زينة قائلة:
الحمدلله تمام أنتَ أخبارك أيه وأخبار ماما أيه؟
الحمدلله بخير بتسلم على حضرتك، كانت عايزة تيجي تطمن على نانسي بس هي مسافرة مع بابا علشان شغلهم.
طب وأنتَ قاعد لوحدك؟
قاعد مع أختي وخالتو وياسين بيجي يذاكر معايا وكده، عادي أنا متعود من زمان.
ربنا يوفقك يا حبيبي وإن شاء الله نتقابل تاني كلنا في اجازة نص السنة نقضي يوم كلنا مع بعض وبعدها في حفلة نجاحكوا إن شاء الله.
إن شاء الله يا طنط، بعد إذن حضرتك، باي يا ريتو. ودع والدة ريتال بأدب شديد قبل أن يفعل المثل مع ريتال بصوتٍ بالكاد مسموع.
في مساء ذلك اليوم كان والد نانسي يجلس إلى جانبها على فراشها بينما يساعدها على تناول العشاء وشرب العصير الطازج.
يلا الطيارة رايحة فين؟
لا هو حضرتك متأخر حوالي 16 سنة على الكلام ده، أنا دراعي مكسور مش بسنن. علقت نانسي ساخرة وهي تضحك ضحكة حقيقية ليبتسم والدها قبل أن يقول:
ياستي ما أنا بحاول أعوض اللي حصل، قولي الحمدلله بقى حد يلاقي الدلع وميتدلعش؟
لا خلاص هتدلع وأنا ساكتة، هو مفيش أخبار عن الشخص اللي خبطني؟ بدأت حديثها بإبتسامة وانتهت بنظرات حائرة قبل أن يُجيبها قائلًا:
مبدأيًا هيدفع غرامة وأحتمال يتحبس من ست شهور لسنة بس المحامي بيقولي إنهم لما راجعوا كاميرات المراقبة والردرات لاقوا إنه كان ماشي على السرعة المسموحة وكمان مكنش في أي فرصة إنه يتفاداكِ يعني من الآخر الغلط مش منه. أجاب والدها بضيق واضح قبل أن تسأله مجددًا:.
هيطلع براءة يعني؟
ممكن ياخذ حكم مع وقف التنفيذ بس أنا هطلع عين أهله لو طلع براءة.
لا يا بابا، هو فعلًا مغلطش، أنا مسامحه وكمان الحمدلله أنا كويسة وبتحسن.
بس يا نانسي،.
لو سمحت يا بابا، طالما قانونًا هو معملش حاجة غلط يبقى خلاص.
أردفت نانسي بنبرة حازمة لكنها هادئة كذلك، كل ما خطر في بالها هو إنقاذه من تلك الضائقة التي وقع فيها عن غير عمد كما تم أنقاذها ومسامحتها من قبل من قِبل عائلة تلك الفتاة التي كانت نانسي تؤذيها والآن حان دورها لتسامح وتعفو مع إختلاف الوضع والتفاصيل في كلتا الحالتين.
بعد مرور بضع أيام كانت نانسي قد بدأت تتحسن بعض الشيء ولكنها كانت مازالت في المستشفى بناءًا على طلب من والدها رغبة منه في أن تحظى بالرعاية والراحة التامة، كانت نانسي تتناول أحدى الأطعمة قليل الملوحة عديمة النكهة.
مساء الخير. أردف شاب في العشرينيات بمجرد أن دلف إلى الحجرة بعد أن طرق الباب، كان يرتدي ثياب مهندمة أما عن صفاته الشكلية فكان يملك عينان كحيلة ورموش كثيفة وحاجبين كثيفين نسبيًا كذلك، حليق الوجه ويملك بشرة سمراء أما عن خصلات شعره فكانت ناعمة قصيرة، كان في وسيمًا وجذاب بشكل عام.
مساء النور، مين حضرتك؟ سألت نانسي وهي تعقد حاجبيها فهي لا تعرف من يكون ولقد ظنت أنه أخطأ في دخول الحجرة.
أنا دكتور أدهم و، ألف سلامة على حضرتك. تحدث بتلعثم شديد وهو يضع باقة الزهور على الطاولة الصغيرة، عقدت والدة نانسي حاجبيها قبل أن تسأله بتعجب مع ابتسامة تدل على الحيرة:
الله يسلمك، هو حضرتك جاي تتابع حالتها مكان الدكتورة أميرة ولا أيه يا ابني؟
أنا اللي، أنا اللي خبطت بنت حضرتك،.
هو أنتَ؟ يا بجحتك يا أخي وجاي تعمل أيه؟ صاحت والدة نانسي موبخة إياه لتضطرب معالم وجهه على الفور والذي قد صُبغ بالحمرة، كادت غادة أن تنقض عليه لولا أن تدخل والد نانسي والذي ظهر من اللامكان ليقف في المنتصف بينهم.
والله أنا غرضي كويس، أنا جاي أعتذر وأكد ليكوا إن أنا فعلًا مكنش قصدي واللي حصل كان غصب عني وجاب أتطمن على آنسة نانسي.
طب أتفضل معايا نكمل كلامنا برا. قال والد نانسي وه يرشده نحو الخارج بعيد عن غادة في حين أن نانسي أخذت تراقبه بعيناها حتى أختفى من أمام ناظريها.
أنا أسف لو سببت مشكلة تاني أنا،.
ولا يهمك يا ابني، وشكرًا طبعًا إنك جيت تطمن على البنت بس مش شايف إنه مكنش في أي داعي تيجي هنا؟ قصدي كان ممكن تقول الكلام اللي قولته التليفون أو وصلته مع المحامي جاي هنا تعمل أيه؟ سأل والد نانسي ولم يكن يقصد إحراج الشاب لكنه لم يرى بُدًا من حضوره إلى هنا خاصة وأن غادة قد تحاول إلتهام الشاب حيًا عقابًا له على ما فعله.
أنا أسف مرة تانية عاللغبطة اللي عملتها بس أنا، كنت عايز أقول إنه مصاريف المستشفى كلها هتبقى عليا زي ما بلغت المحامي بتاع حضرتك.
بس أنتَ مش ملزم يا ابني، شكرًا طبعًا على إنك بتعرض حاجة زي دي بس مصاريف بنتي أنا اللي هتكفل بيها بالكامل كفاية الغرامة اللي دفعتها.
حضرتك كده بتحرجني حقيقي، أنا بحاول أكفر عن غلطتي، عارف إن صحة بنت حضرتك لا تقدر بتمن أو أي حاجة بس ده اللي في إيدي،.
تحدث الشاب بحزن شديد فلقد كان شعور الذنب ينهشه نهشًا حتى أنه كان يتجنب النظر إلى أعين والد نانسي خجلًا منه، أخذ والدها نفس عميق قبل أن يقول الآتي مع ابتسامة صغيرة:
خلاص يا ابني ربنا يكرمك كفاية ذوقك وقدر الله وما شاء فعل الحمدلله إن البنت بقت كويسة.
الحمدلله، طب أنا عرفت إنها محتاجة جلسات علاج طبيعي وأنا دكتور على فكرة ووالدي فاتح مركز فأنا بستأذن حضرتك إن الجلسات تبقى في المركز عندنا وهتبقى بالمجان تمامًا وأتمنى، أتمنى إن حضرتك مترفضش لو سمحت أنا إحساسي بالذنب بيموتني بجد،.
بعد الشر عنك يا ابني، خلاص لو أنتَ مصمم ممكن تديني رقم تليفونك وهتواصل معاك.
أتفضل ده الكارت، الكارت بتاعي فيه رقم المركز و، ومكتوب في ضهره رقمي الشخصي وأتمنى حضرتك فعلًا توافق وأنا برضوا هتابع مع حضرتك ولو هي مش هتقدر تيجي أنا ممكن أبعتلها حد للبيت. كان يتحدث بتلعثم واضح حتى أنه كاد أن يُسقط جميع محتويات الحافظة خاصته وهو يبحث عن الكرت الشخصي خاصته، ابتسم والد نانسي وهو يأخذ البطاقة من يده ويدسها في أحد جيوبه بينما يقول:.
تمام يا دكتور أدهم كتر خيرك وهتواصل معاك أكيد متقلقش.
اتفقنا، عن إذن حضرتك. استأذن ليرحل بأدب أسفل أنظار والد نانسي الثاقبة.
بالإنتقال إلى الإسكندرية، كانت ريتال تحاول العودة إلى حياتها السابقة لكن عقلها كان منشغلًا بنانسي طيلة الوقت كما أنها كانت تعاني من خوف زينة المرضي والذي تطور بعد ما حدث مع نانسي فلقد أصبحت والدة ريتال تهاتفها ما لا يقل عن الخمسة مرات في كل مرة تغادر فيها ريتال المنزل كما أنها تطلب منها أرسال موقعها المباشر Live location في معظم الأوقات كي يطمئن قلبها وعلى الرغم من أن ريتال كانت مُدركة أن والدتها تفعل ذلك من منطلق القلق والخوف إلا أنها بدأت تشعر بالملل وقد أصابها الأمر بالتوتر أو بمعنى آخر قد انتقل إليها من والدتها.
ماما أنا نازلة.
ماشي أول لما توصلي كلميني ومتتأخريش وطبعًا خليكي ماشية على الرصيف. كررت زينة تعليماتها للمرة المليون لتتأفف ريتال بينما تقول بتملل:
حاضر يا ماما حاضر.
مالك بتتكلمي معايا كده ليه؟ أيه الأسلوب ده؟
مفيش حاجة يا ماما بس أنا تعبت، كل يوم نفس التعليمات ونفس الكلام أنا مش عيلة صغيرة يا ماما. لم يعلو صوت ريتال على والدتها لكن نبرتها كانت حادة لا تخلو من الحنق لتصيح زينة في وجهها قائلة الآتي:.
وهفضل أقولك التعليمات دي كل يوم واه أنتِ عيلة صغيرة ولما أقول حاجة تقولي حاضر يا ماما سمعاني ولا لا؟ أجفلت ريتال من نبرة والدتها قبل أن تسحب حقيبتها وتتجه نحو الخارج دون أن تنبس ببنت شفة، هرولت زينة خلفها وجذبتها من ذراعها برفق قبل أن تقول:
استني يا ريتال استني، حقك عليا، أنا بس، خايفة عليكِ أوي أنتِ أغلى حاجة عندي ومن بعد اللي حصل لنانسي بشوف كوابيس كل يوم وقلقي عليكِ زاد الضعف.
خلاص يا مامتي حصل خير أنا كمان أسفة على الأسلوب اللي أتكلمت بيه. قالت نانسي قبل أن تعانق والدتها ومن ثم تودعها متجه إلى وجهتها.
أثناء سير ريتال كان عقلها منشغلًا بعدة أمور بالطبع أحتلت نانسي المركز الأول فلقد كانت ريتال تتمنى لو بإمكانها البقاء معها لمدة أطول لكن المذاكرة و الدروس لم تمنحها الفرصة لفعل ذلك وكان عليها الإنتظار لأجازة منتصف العام لكي تراها مرة آخرى لأنه كان عليها تكثيف الحصص والمذاكرة من أجل اللحاق بما فاتها في الأيام الماضية.
في مساء اليوم التالي داخل أحدى المستشفيات الشهيرة لمحافظة الإسكندرية كان فؤاد يجلس داخل الحجرة المخصصة له ويقوم بمتابعة الحالات وقراءة التقارير كان ذلك قبل أن تُقتحم حجرته.
مساء الخير يا دكتور فؤاد، محتاج أتكلم معاك. أردف عبدالرحمن الذي أقتحم المكتب خاصة فؤاد على الرغم من أن المساعدة خاصته حاولت منعه لكن الأخير لم يهتم لها بتاتًا، عقد فؤاد حاجبيه وهو يشير إلى مساعدته أن تغادر المكتب وتتركهم بمفردهم لتفعل على الفور.
أخذ. فؤاد يرمق عبدالرحمن بترقب شديد وقد عقد حاجبيه وهو يحاول أن يستشف سبب تلك الزيارة الغير متوقعة، فما السبب الذي قد يجعله يأتي إلى الإسكندرية فقط لكي يتحدث إليه؟ هل الغيرة قد أحرقت قلبه لهذه الدرجة؟
أتفضل يا أستاذ عبدالرحمن، أنا سامعك بس ياريت بسرعة علشان عندي مرضى وحالات محتاج أكشف عليها وأتابعها. تحدث فؤاد برسمية شديدة وبعدم إكتراث وهو يتابع الأوراق التي أمامه متجنبًا النظر إلى وجه الجالس أمامه، حمحم عبدالرحمن بقليل من الحرج قبل أن يقول الآتي بنبرة لا تخلو من الخبث والكذب:.
أنا جاي أقولك حاجات عن زينة، حاجات مهم أوي إنك تعرفها قبل ما تفكر في يوم من الأيام إنك ترتبط بواحدة زيها، عمرك سألت نفسك يا دكتور أنا وزينة أطلقنا ليه؟
ياريت يا أستاذ عبدالرحمن تطلع مدام زينة من كلامنا لأني مش هسمح لحضرتك تتكلم عليها نص كلمة وأنا مش مهتم أسمع ولا كلمة من اللي أنتَ جاي تقولها وياريت تتفضل بدل ما أطلب الأمن. أردف فؤاد من بين أسنانه مُحذرًا إياها بينما ضم قبضة يده تلقائيًا، ابتسم عبدالرحمن حينما تأكد من أنه وصل إلى هدفه قبل أن يعتدل في جلسته ببرود تام قبل أن يقول الآتي:.
من غير أمن ولا حاجة أنا هقولك حاجة واحدة بس وهمشي علشان ميخلصنيش إنكَ يضحك عليك وتتغفل، أنا طلقت زينة علشان هي خاينة وماشية في سكة بطالة،.