رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثاني والثلاثون
أومئ فؤاد بهدوء شديد مُدعيًا سماع ما يقوله ذلك الوغد بإنصات بينما يخلع ساعة يده قبل أن يستقيم وبحركة خاطفة يجذب عبدالرحمن من ياقة قميصه بقوة بحيث يصطدم جسد الأخير بمكتب فؤاد ومن ثم يتمدد عليه قبل أن يقوم فؤاد بلكمه عدة لكمات متتالية جعلت الأخير يتصبب عرقًا وخصلات شعره تتناثر على جبهته قبل أن يصيح بغضب حقيقي قائلًا الآتي محذرًا عبدالرحمن: أول وآخر مرة تجيب سيرة زينة على لسانك، اللي أنا عملته ده مجرد برو?ا على اللي هيحصل فيك لو شوفتك بتحوم حواليها ولا بتنطق حرف من اسمها سامع ولا مش سامع!
أومئ عبدالرحمن بخوف وهو يحاول التخلص من قبضة فؤاد، أرخى الأخير قبضته وهو يصدم جسد ذلك الحقير بالمكتب الخشبي مرة آخرى قبل أن يُعيد فؤاد أرتداء ساعة يده ويعيد ترتيب خصلات شعره وكأن شيء لم يكن قبل أن يُضيف الآتي على قائمة تحذيراته بشأن زينة: أقولك حاجة كمان، عارف لو لمحتك تاني لمحتك كده بس في اسكندرية كلها هرميك للسمك، ومش بس زينة لا وريتال، يعني أنتَ في مشاكل بينك وبين زينة بنتك ذنبها أيه؟ والله أنتَ ما تستاهل ضفر بنتك دي.
أنتَ هتعمل فيها الأب الحنون؟ إيش حال لما كنت بتحاول تصاحب زينة وتشق، لم يستطع أن يتابع حديثه حيث قام فؤاد بلوي ذراعه بقوة بينما يقول من بين أسنانه: أنا طلبت إيد زينة على سنة الله ورسوله ويوم لما حسيت بمشاعر ناحيتها كانت صادقة وبريئة وعلى فكرة قريب أوي إن شاء الله هتوصلك دعوة فرحنا اللي مش هتحضره كده كده، هبعتلك الدعوة بس علشان أذلك. صعق عبدالرحمن من حديث فؤاد والذي كان يتحدث بثقة تامة تنم عن صدقه، أي أنه ينوي الزواج من زينة بالفعل، قطب عبدالرحمن حاجبيه قبل أن يقول بإستنكار واضح:.
أنتَ كداب زينة عمرها ما هتتجوز واحد غيري!
على فكرة يا أستاذ عبدالرحمن أنتَ مكانك في مستشفى الأمراض العقلية لأنك حقيقي مضطرب، منين بتغلط في الست اللي كانت أم بنتك ومنين بتقول مش هتتجوز غيري؟ أنتَ بجد ساذج للدرجة اللي تخليك فاكر إن زينة ممكن في يوم ترجعلك؟
  زينة بتحبني أنا!
صرخ عبدالرحمن بنبرة أقرب إلى البكاء وفي ظروف آخرى كان فؤاد ليشعر ببعض الشفقة نحوه لكن الآن هو لا يرى أمامه سوى شخص وغد حقير يغتاب المرأة التي كانت زوجة له وأم لأبنته والتي حفظت سمعته وشرفه وعرضه طيلة سنوات زواجهم وقام هو بسبها والطعن في شرفها بكل بساطة فقط ليثير غضبه ويجعله يبتعد عنها، ياله من تصرف أرعن لا يصدر عن مراهق!
بقولك أيه، أمشي أطلع برا بدل ما أجيب الأمن يريمك سامعني؟ صاح فؤاد بنفاذ صبر وهو يدفع عبدالرحمن نحو الباب، طالعه الأخير بحنق شديد قبل أن يرحل تاركًا فؤاد في حالة من الحنق.
الآن تمنى فؤاد لو كانت زينة قد وافقت على عرضه سابقًا لكانت زوجته الآن وفي بيته كي يستطيع حمايتها بشكل كامل أما الآن فهو يشعر بالقلق ينهش قلبه نهشًا ولا يدرِ ماذا يفعل فهو لا يريد أن يكرر طلبه مرة آخرى في مدة زمنية قليلة حتى لا تشعر بأنه يقوم بالضغط عليها.
 في النهاية لم يجد فؤاد أي حل سوى مهاتفة شقيقته ليطلب منها القدوم إليه ولقد فعلت سريعًا حينما شعرت بالضيق الواضح من صوت شقيقها وعندما جاءت سرد لها كل ما حدث بينه وبين عبدالرحمن.
ده أنا هخرب بيته الحيوان الواطي ده وأنتَ يا حبيب أختك تسلم إيدك عالعلقة التمام دي.
  أنا قلقان أوي على زينة يا مريم، خليكي جنبها طول الوقت متسيبهاش أنا خايف الحيوان ده يفكر يعملها حاجة.
لا من الناحية دي اتطمن عبدالرحمن أجبن من كده بكتير هو بوق بس، ياريت أنتَ بقى تتجدعن وتتلم أنتَ وهي في بيت واحد وتحل كل مشاكلنا دي.
قالت ساخرة مُشجعة إياه على إتخاذ الخطوة التي تم تأجيلها لأسباب غير مقنعة كثيرًا بالنسبة إليها، تنهد فؤاد بقوة قبل أن يُعقب على حديث شقيقته قائلًا الآتي: أنا نفسي ومستعد من النهاردة قبل بكرة بس أنا مش عايز اضغط عليها هي وريتال، بنتها في سنة دراسية مهمة ونص السنة قرب يفوت أكيد مش هترضى نتجوز غير لما ريتال تخلص وتنجح.
هو ده غالبًا تفكير زينة فعلًا بس أنا هحاول يعني أزق معاها الموضوع شوية. قالت مريم لتنهي ذلك الحوار ولقد عزمت بداخلها أن تلك الزيجة ستتم في أقصر مدة ممكنة وأن زينة ستكون في بيت شقيقها هي وريتال قبل أن تبدأ ريتال عامها الدراسى الجديد في الجامعة.
في تلك الأثناء كان عبدالرحمن في طريقه للعودة ألى القاهرة بعد أن تم تأدبيه بواسطة فؤاد، توجه إلى أقرب صيدلية ليقوم بتضميد جراحه وتطهيرها ومن ثم توجه إلى محطة القطار، لم يستغرق الأمر الكثير من الوقت حتى يصل إلى القاهرة ولحسن الحظ أن الوقت كان متأخر قليلًا لذا توقع أن يكون الجميع قد خلدوا إلى النوم في المنزل لذا يمكنه تجاوز فقرة الإستجواب والأسئلة على الأقل لليلة.
كان يتمنى أن تسير الأمور لصالحه لكنه بمجرد أن أقترب من المنزل وصله صوت التلفاز الصاخب المتبوع بصوت ضحكات الجميع ليطلق سبة بصوتٍ منخفض، حاول السير ببطء مثل الحرامية لكن شقيقه لمح تحركاته من الشرفة ليُنادي عليه بصوتٍ مرتفع طالبًا منه الدخول، زفر عبدالرحمن بضيق قبل أن يضطر إلى الدخول وقد طأطأ رأسه محاولًا إخفاء ما في وجهه لكن ذلك لم يُفيد كثيرًا فلقد كانت ثيابه مُبعثرة وقد تلطخت ببقع صغيرة من الدماء.
يا خبر أبيض؟ مالك يا عبدالرحمن أيه اللي حصل يا ابني أنتَ بخير؟
مفيش حاجة يا جماعة، حادثة بسيطة.
حادثة بسيطة ازاي يا ابني ده أنتَ وشك أتشوه خالص، فهمنا أيه اللي حصل؟
دي ولا حادثة ولا حاجة عبدالرحمن كداب، تلاقي البيه أتضرب علقة موت من حد بقى بذمتكوا اللي في وشه ده يجي من حادثة؟ أيه دخلت في عربية عندها عضلات؟
 صاحت سالي بسخرية شديدة لتقوم بإحراجه أمام أشقائه ووالدته بل وأمام صالح ونانسي كذلك، نظر إليها عبدالرحمن بنظرات ثور ثائر أمام ستارة حمراء اللون وكاد أن ينقض عليها ليقوم بتنفيذ ما قام فؤاد بفعله قبل ساعات لكن شقيقه وقف أمامه ليمنعه من فعل ذلك، أستغلت سالي الموقف وقالت الآتي من وسط دموع التماسيح خاصتها:
شايفة يا ماما عايز يضربني ازاي؟ كل ده علشان بقول الحق!
قولتلك مية مرة متقوليش ماما دي! وأنتَ يا ابن بطني بدل ما تتشطر على مراتك قولنا أيه اللي حصل ومين اللي عمل في وشك كده؟ وجهت حديثها في البداية إلى سالي بإحتقار قبل أن تقوم بتوبيخ عبدالرحمن وهي تسأله عن سبب إصابته، أزدرد ما في فمه بصعوبة قبل أن يختلق أول كذبة خطرت على باله وكانت كالآتي:.
أتخانقت مع واحد وأنا جاي في القط، أدرك عبدالرحمن على الفور جرم ما أرتكبه فهو لم يخبر أحدٍ بأمر سفره إلى الأسكندرية لكنه قام بفضح نفسه بنفسه بسبب حماقته.
قطر؟ قطر أيه؟ أنتَ كنت عندها في اسكندرية؟ سألت سالي بغضب شديد وهي تصرخ في وجهه لتضطرب معالم وجه عبدالرحمن ويفرغ ثغره وهو يحاول إيجاد كذبة جديدة لكن في النهاية لم يجد شيء ليقوله سوى الإعتراف بالحقيقة كاملة.
روحت إسكندرية علشان أحذر الدكتور ال، اللي زينة ماشية معاه ده وأقوله يبعد عنها هي وريتال وأتخانقت أنا وهو مع بعض.
  أتخانقت معاه يا عمي ولا قولت كلام مش تمام فحق طنط زينة وريتال فدكتور فؤاد عمل معاك الصح؟ قولنا عادي متتكسفش. صدر هذا التعليق الساخر من صالح والذي كان يُطالع عمه بمزيج من الإشمئزاز والإستهزاء لينفعل عبدالرحمن أكثر وهو يوجه حديثه إلى شقيقه قائلًا:
شايف ابنك قليل الرباية يا أحمد!
والله أنا ما شايفة حد قليل الرباية غيرك يا ابني، سايب مراتك وابنك ورايح تدور على راجل ماشي في حاله ورايح تتخانق معاه وهو لا غلط فيك ولا جيه جنبك أصلًا وأنت اللي معترض؟
يعني يا أمي أسيب أم بنتي ترتبط بواحد تاني وبنتي تتربى في بيت راجل غريب؟ زينة دي كانت مراتي وأم بنتي وأنا مش هسمح،.
تحدث بحرقة شديدة وهو يشعر بالدموع على وشك أن تتجمع داخل عيناه، في الواقع لم يتأثر أحد ولم ينظر إليه أيًا منم بشفقة بل كانت نظراتهم لا تخلو من الشماتة والإزدراء في الوقت ذاته، ساد الصمت لبرهة قبل أن تقطعه والدته وهي تصيح في وجهه موبخة إياه مرة آخرى في محاولة منها لجعله يستفيق ويعود إلى رشده.
عبدالرحمن! أنتَ زودتها أوي، اللي بتقول كانت مراتك دي أنتَ رميتها في الشارع وطلقتها وبنتك وكنت مطلع عينها لحد ما طفشت من قرفك وغباوتك، دلوقتي أنتَ عندك زوجة وابن أتلم بقى وأتقي ربنا فيهم علشان ربنا يباركلك في اللي باقي من حياتك!
يا أمي أنا،.
ولا كلمة خد مراتك وأطلع على فوق قوم يلا غور، ويلا الحفلة خلصت كل واحد على بيته. أمرت بثينة الجميع وهي تحاول السيطرة على أعصابها كي لا يرتفع ضغطها أكثر من ذلك.
انتهى الأمر إلى هذا الحد بالأسفل بينما لم ينتهي في الطابق العلوي حيث أخذت سالي تصرخ في وجه عبدالرحمن موبخة إياه على ما فعله وعلى الفضائح التي حدثت قبل قليل وانتهى به الأمر وهو يصفعها كالمرة السابقة لينتهي الأمر بعبدالرحمن نائمًا في حجرة ريتال سابقًا إلى جانب طفله.
انتظرت مريم مرور بضع أيام قبل أن تذهب لمقابلة زينة في منزلها لكي تُفاتحها في أمر الزواج من فؤاد مرة آخرى ولقد استغلت غياب والد زينة كي يتمكنوا من الحديث على راحتهم، جلس كلاهما في الصالة بينما كانت ريتال تُنهي أحد الإختبارات في حجرتها.
أخذت مريم تفكر في الطريقة المناسبة لفتح مثل ذلك الموضوع خاصة وأن الصمت قد ساد بينها وبين زينة بعد الإنتهاء من التحيات والجمل المبتذلة ولقد شعرت الأخيرة أن هناك شيء غير مريح أو أن مريم تُخفي شيء ما، تنهدت مريم تنهيدة طويلة قبل أن ترسم ابتسامة صغيرة على ثغرها وهي تقول الآتي لزينة بطريقة مباشرة ودون أية مقدمات:.
بقولك أيه يا زوزو يا قمر هو مش أنتِ خدتي وقتك في التفكير في موضوع فؤاد؟ ما تيجي نتمم الموضوع بقى وتكتبوا الكتاب الشهر الجاي.
لا طبعًا مقدرش أعمل كده يا مريم أنتِ أتجننتي؟ قولتلك أنا لسه محتاجة وقت. قالت زينة بإنفعال شديد وقد تملك منها التوتر والهلع وكأن مريم تطلب منها شيء كارثي.
أنا عارفة إنك لسه محتاجة وقت بس صدقيني أنتِ لو خدتي الخطوة دي هتبقى سعيدة ومرتاحة ومش هتحسي بقلق من الفرقع لوز اللي كل شوية ينطلنا في حتة ويضايقك بالكلام وفؤاد كل مرة بيحاول يتعامل معاه بهدوء على شكلك وشكله وكمان لأنه لسه ملوش صفة رسمية في حياتك.
كذبت مريم لكنها حاولت التحدث بثبات لإقناع زينة، فلقد قام فؤاد بتأديب عبدالرحمن بالفعل على الرغم من أنه لا يملك صفة رسمية في حياة زينة بعد لكنه اضطر إلى فعل ذلك فعلى الرغم من أن فؤاد شخص هادئ مُسالم لا يميل قط إلى العنف في المعتاد إلا أن ما قاله وفعله ذلك الوغد جعله يفقد صوابه.
أنا عارفة كل ده بس، ريتال، ريتال ثانوية عامة وعندها مذاكرة كتير وأنا بتابع معاها مقدرش أنا أحطها في ضغط زيادة وجواز وإتفاقات ونقل من بيت لبيت تاني وحياة جديدة وراجل غريب بيحل محل باباها، لا يا مريم مقدرش.
مالك يا زينة هي ريتال دي طفلة؟ ما هي مضبطة مواعيد دروسها بنفسها وبتذاكر وما شاء الله عليها بتجيب درجة حلوة من غير أي مساعدة منك أو من حد متعقديش الأمور كده ولو على ريتال يا ستي أنا هتكلم معاها.
لا لا يا مريم أوعي، أردفت زينة بهلع شديد حيث أنها كانت تتخذ من ريتال حجة لكي تؤجل أمر الزواج، هي بكل تأكيد تهتم بإبنتها وتمنحها الأولوية في كل شيء لكنها تعلم أنه إذا تم أخذ رأي ريتال في ذلك الأمر فهي ستوافق على إتمام الزيجة في أقرب وقت ممكن، ابتسمت مريم بسخرية قبل أن تُقلد نبرة زينة بإستهزاء مُكررة نفس جملتها قبل أن تُضيف:.
لا لا يا مريم أوعي، طبعًا ما علشان لو أنا خدت رأي ريتال هتقولي خليهم يتجوزوا النهاردة قبل بكرة مش كده يا عروسة يا قمر؟
ما هو يا مريم أنا مش عارفة أقولك حاجة تقنعك بس أنا من جوايا حقيقي متلغبطة ومتوترة جدًا، أنا عبدالرحمن فضل غايب عني مدة طويلة وكان طول الوقت مش معايا وبعدها أتطلقت بقالي كام شهر أهو، خلاص مبقتش متعودة على وجود حد في حياتي وراجل قريب مني يعني، فهماني ولا أنا بكلم نفسي ولا أيه؟
 حاولت زينة شرح وجهة نظرها دون التحدث بجمل صريحة تمامًا لكن مريم استطاعت التوصل إلى ما تقصده الجالسة أمامه، ابتسمت مريم ابتسامة صغيرة وهي تطمئن زينة قائلة:
طبيعي يا زينة إنك تاخدي وقت لحد ما تتعودي على بيتك الجديد وجوزك والحياة المختلفة اللي هتبدأيها لكن الموضوع مش مُخيف ولا موتر للدرجة اللي أنتِ متخيلاها، أدي نفسك فرصة إنك تجربي وأنا واثقة إن فؤاد هيسعدك، ها أقوله يجي يكلم مستر رضوان أمتى؟
كانت مريم تتحدث بهدوء شديد في بداية حديثها لكن نبرتها أصبحت صاخبة في سؤالها الأخير وقبل أن تُجيب زينة عنها أقتحمت ريتال الحجرة وهي تُطلق زغرودة سيئة حاولت جاهدة أن تضبطها لكنها فشلت لكن ما فعلته كان يكفي حتى تُثبت لزينة أنها موافقة على تلك الزيجة وموافقة أن يحل فؤاد محل أبيها الذي لم يكن أبًا لها يومًا.
في مساء اليوم التالي كان فؤاد يجلس داخل منزل والد زينة للمرة الثانية، يحمل في يده باقة كبيرة من الأزهار الحمراء التي تُعبر عن الحب وكالعادة كان يرتدي بذلة رسمية أنيقة لكن هذه المرة لم يكن بمفرده بل كانت مريم تجلس إلى جانبه وعلى فخذه جلست ابنته الصغيرة فريدة.
مساء الخير يا عمي، أنا النهاردة جاي وبكرر طلبي تاني في طلب إيد ميس زينة بنت حضرتك وأوعدك إنها هتعيش سعيدة ومرتاحة طول ما ربنا كاتبلي عمر.
وأنا عن نفسي موافق، الشربات يا زينة.
قال والدها بسعادة شديدة لتُطلق مريم زغرودة غير متوقعة، في تلك اللحظة ظهرت زينة من وراء أحدى الستائر وهي تحمل في يدها صينية وضع عليها أكواب من العصير الطازج وضعتها هي على الطاولة.
كانت ترتدي ثوب باللون الأبيض تمامًا كلون قلبها مع وشاح باللون الأسود ليُظهر حلاوة ملامحها وتورد وجنتيها، أقتربت أكثر لتُلقي عليهم التحية بخجل واضح دون أن تنظر إلى عيناه.
طيب إن شاء الله أنا ناوي إننا نعمل كتب كتاب في أقرب وقت ممكن وبعدين نجهز البيت والفرش على ذوق زينة وبعدها نعمل الفرح إن شاء الله.
 أعلن فؤاد عن ما يجول في خاطره لتعتلي الدهشة ملامح وجه الجميع وبالأخص زينة بالطبع والتي توترت معالمها وهي تقول الآتي بهلع واضح:
لا لا فرح أيه بس يا دكتور فؤاد؟ أنا كبيرة على الحاجات دي وبعدين ألبس فستان فرح وجنبي ريتال ما شاء الله بقيت طولي وقربت هي نفسها تبقى عروسة؟ لا مقدرش،.
كبيرة أيه بس؟ أحنا الإتنين لسه شباب وبعدين هو أحنا هنعمل حاجة غلط ولا حرام؟ دي هتبقى حفلة صغيرة كده فيها المقربين مننا في مركب كده صغيرة علشان الإشهار وعلشان نفرح ولا أنتِ مش عايزة تفرحي زي؟
لا ازاي أكيد عايزة أفرح طبعًا بس،.
وأنا مفيش حاجة هتفرحني في الدنيا دي غير إن أنا أشوفك لابسة الفستان الأبيض ودبلة عليها اسمي في إيدك ناحية قلبك، بعد ما تكوني أتكتبي على اسمي رسمي وقدام الناس كلها.
قال فؤاد بأعين لامعة وبنبرة حنونة لم تسمع زينة مثلها من قبل، شعرت بأن قلبها على وشك أن يغادر صدرها من فرط تسارع نبضاته، وكأنها فجاءة عادت بالزمن إلى الوراء لتعود في سن الخامسة عشر وهي تستمع لكلمات الغزل لأول مرة، إن تأثير فؤاد عليها قوي، رهيب، يجعلها تشعر بالقلق والإضطراب لكن تلك المشاعر أمتزجت بحلاوة وسعادة رهيبة.
لقد كان لكل كلمة يتفوه بها مذاق خاص والآن وفي تلك اللحظة تمنت لو كانت زوجته لتصرخ في وجهه بكم المشاعر التي تكنها له وتُخفيها عنه حتى يحين موعد الإفصاح عنها، لقد أرادت أن تُخبره بمدى جماله قلبًا وقالبًا، ودت لو تبوح عن رغبتها في إحتضانه والإختباء بين ذراعيه من ظُلم العالم وقسوته، كم تريد منه أن يقوم بتعويضها عن سنوات قاسية من الهجر والحرمان لتعوضه هي عن سنوات الإفتقاد والوحدة ليصبح كلاهما شخص واحد، روح واحدة، بدن واحد ليُشفي كلًا منهم جراح الآخر.
ها قولتي أيه يا عروسة؟
أنا، م، موا، موافقة،.
 قالت زينة بتردد وهي تشيح بنظرها بعيدًا عنه لتقفز ريتال من مقعدها وهي تضمها بينما تقول بسعادة حقيقية أمتزجت بالحماس:
أخيرًا يا ماما!
خلاص يا دكتور فؤاد يبقى نكتب الكتاب الجمعة اللي بعد الجاية وبعد شهرين الفرح وتروحوا على بيتكوا وأهو تكونوا خلصتوا كل التجهيزات. قال والد زينة لتزغرد مريم مرة آخرى وتشاركها فريدة ابنة خالة ريتال أما عن فريدة الصغيرة فأخذت تضحك في سعادة شديدة على الرغم من أنها لم تستوعب تمامًا ما يُقال أو ما يحدث من حولها.
 بعد رحيل الجميع ذهبت ريتال لتمدد إلى جانب زينة على الفراش وهي تسألها الآتي بمراوغة:
ماما هو أحنا هنعزم حد على كتب الكتاب؟
غالبًا لا، أحنا هنكتب الكتاب في جامع صغير كده هيبقى معانا خالتك وجوزها وفريدة وبابا ومن عند فؤاد مريم و، أخت مراته الله يرحمها واتنين من صحابه تقريبًا ولو ليهم قرايب يعني.
  عدد قليل يعني أصل أنا كنت بفكر ده بعد إذنك يعني لو مفهاش مشكلة، كانت ريتال تتحدث بنبرة تنم عن براءة شديدة في محاولة منها لإقناع زينة بما تنوي أن تقوله لكن الأخيرة قاطعها وهي تكمل الجملة بدلًا عنها:
أخلصي يا ريتال، عايزة تليد يجي مش كده؟
بصراحة اه،.
ماشي أنا هكلم مامته أعزمها ولو فاضيين هيجوا وبفكر كمان أكلم صالح ونانسي، هي نانسي لسه تعبانة ومش بتعرف تتحرك بس أظن إنها هتغير جو يعني لو جت وكده.
  ليه صالح يا ماما ليه؟ سألت ريتال بضيق شديد وهي تُغطي وجهها بكلتا يديها لتتنهد زينة قبل أن تقول الآتي:
يعني هعزم نانسي وباباها وعمتك ازاي من غير ما أعزم صالح يعني؟
اه علشان يجي ويجيب ست سارة معاه؟ وبعدين أصلًا تليد مش بيحبه وهما الإتنين مش بيطيقوا بعض وهيقضوها خناق.
  ريتال أنا هكلم الإتنين أعزمهم خلاص خلصنا، اه صحيح لو بكرة خلصتي درسك بدري ممكن نروح نشوف فساتين مع مريم. قالت والدتها بحزم قبل أن تنهي جملتها بحماس شديد لتصفق ريتال بحماس كذلك قبل أن تُردف:
أيوا بقى يا مامتي يا عروسة يا قمر!
في مساء اليوم التالي ولمدة أسبوع متواصل كانت زينة تذهب للتسوق من أجل حفل كتب الكتاب، لم تجد بسهولة شيء يناسبها فلقد كانت تبحث عن ثوب يُظهر أنها عروس لكن ليس بشكل مبالغ فيه، فمن وجهة نظرها ترى أنها ليست صغيرة في العمر كي ترتدي شيء مبهرج لكن مريم كانت على عكسها تمامًا فلقد كانت تبحث عن أشياء مطرزة ولامعة لكن رقيقة في الوقت ذاته وبعد معاناة استطاعوا التوصل إلى ثوب يجمع بين كل الآراء في الوقت ذاته.
مرت الأيام سريعًا حتى وجدت زينة نفسها على بعد ساعات من حفل كتب الكتاب خاصتها هي وفؤاد، كان التوتر قد تملك منها حتى أنها أرادت أن تهاتف فؤاد لتطلب منه إلغاء الحجز بل وتأجيل أمر الزواج بأكمله من الاساس.
لا لا أنا مش هقدر، مريم كلميه يلغي بسرعة.
حاضر هكلمه أنا وأنتِ وريتال ومستر رضوان بس نلف الطرحة الأول بس وبعدين نشوف الموضوع ده مع بعض.
قالت مريم وهي تسخر من حديث وسذاجة زينة بينما تساعدها في إرتداء وشاح الرأس خاصتها ومن ثم تقوم بتثبيت قطعة الحلي التي تشبه فرع الشجر المرصعة بأحجار بيضاء لامعة وكأنها ألماس، كان ثوبها باللون الأبيض كلون وشاح رأسها، كان ثوبها من الستان وقد زين بالقرب من الخصر بقطعة من الحلي تشبه التي وضعتها مريم فوق حجاب زينة.
يا نهار أبيض يا مامتي عالجمال، شكلك زي القمر بجد أونكل فؤاد هيتهوس لما يشوفك.
دي حقيقة وأحتمال يلغي فكرة الفرح والتأجيل دي ونعمل حفلة عالضيق النهاردة ويروحوا على بيتهم بقى ونخلص.
بس بس يا مريم الله يباركلك أنا ناقصة أفكار وأقتراحات تخليني أتوتر زيادة؟ وبعدين أخوكي ده ما بيصدق! قالت زينة بهلع ليقهقه كل من مريم وريتال قبل أن يقطع صوت ضحكاتهم صوت والد زينة وهو يُردف الآتي بينما دمعت عيناه:.
بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله، طالعة زي الملايكة يا نور عين أبوكي، الحمدلله إن أنا عيشت وشوفتك عروسة من تاني ومبسوطة ووشك منور وربنا يجعل النهاردة بداية حياة كلها سعادة. أستقامت زينة من مقعدها لتعانق والدها عناق قوي دافئ لتنهمر دموع كلاهما وتشاركهم ريتال البكاء، كان المشهد مؤثرًا حيث سحبها جدها بذراعه الآخر بحيث أصبح يضم الإثنتين معًا.
يا مستر رضوان حرام عليك ده أنا طلع عيني في الميك أب اللي هيبوظ من كتر العياط ده.
أيه يا مريم أنتِ مش قايلة إن الحاجة كلها براند وأصلية هتسيح ازاي بقى؟
  بقول أي كلام علشان فقرة النكد دي تخلص الواد مستني في الجامع من صباحية ربنا عايزين نلحقه بدل ما يلاقي عروسة تانية. قالت مريم ممازحة إياهم لترفع زينة أحدى حاجبيها بإعتراض قبل أن تُردف الآتي بثقة شديدة:
لا طبعًا فؤادي ميبصش لواحدة غيري.
فؤادك؟ أخويا بقى فؤادها. علقت مريم ساخرة قبل أن تطلب منهم ارتداء الأحذية كي يتجهوا إلى المسجد حيث ينتظرهم فؤاد وسائر أفراد العائلة حيث صممت زينة ألا يحضر إلى هنا بل تذهب هي إلى هناك.
أطلق الجميع الزغاريد فور وصول زينة إلى القاعة، كان فؤاد يقف ببذلته السوداء الرسمية وقد صفف شعره الناعم بطريقة جعلته أكثر جاذبية، أقتربت هي بخطوات بطيئة وهي تتشبث في ذراع والدها بينما كادت أن تفقد الوعي من فرط الحماس والسعادة، تود أن ترى ردة فعله حينما يرفع وجهه لتقابل عيناه خاصتها وتقع عيناه على مظهرها لليوم فمؤكد أنه سيغرقها بكلمات غزل رقيقة خجلة مثله.
تبارك الرحمن الذي خلق فأبدع فأذهل عيون عبده الفقير، الحمدلله الذي مَنَّ على فمنحني زينة نساء الكون، حسناء لا يوجد في حسنها وجمالها مخلوق، أحبكِ حبًا لو وُزع على الكون لدثره وفاض، أحبكِ يا زينة قلبي ونور عيني.
قال فؤاد بأعين لامعة وبلغة عربية فصيحة أمتزجت بنبرة صوته الحنون الذي يحمل بداخله كل معاني الحب، أتسعت ابتسامة زينة أكثر وهي تشعر بالدموع تتجمع داخل عيناها، دموع لطيفة باردة تنم عن سعادة حقيقية لم تشعر بها منذ زمن بعيد.
وللمرة الأولى تقريبًا شعرت زينة بأنها تستحق أن تكون إلى جانب شخص يُحبها بحق، يُحبها ولا يتردد في إظهار حبه ومشاعره أمام الجميع دون خجل، صفق الجميع بحماس قبل أن يجلس كلًا منهم في موضعه وفي المنتصف المأذون الشرعي لكن ذلك لم يمنعهم من تبادل النظرات.
مرت الدقائق التي تلي ذلك بسرعة شديدة بينما يُردد والدها ما يقوله المأذون الشرعي وفعل فؤاد المثل بينما يداهم تتصافح من أسفل المنديل الأبيض الذي حمل اسم زينة وفؤاد والذي قامت ريتال بتطريزه بنفسها بمساعدة فريدة.
بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير. كرر المأذون الشرعي ثلاثة مرات والجميع من خلفه ليُعلن زواجهما رسميًا، الآن أصبحت زينة ملكًا له وأصبح هو ملكًا لها للأبد، لقد أصبحت هي سكنًا له وأصبح سكنًا لها...
علي الفور أستقام فؤاد من مقعده ليجذب زينة برفق في عناق قوي دافئ، خبأت رأسها في كتفه بخجل شديد وقد شعرت أن قلبها على وشك أن يخترق صدرها مُحلقًا بعيدًا، ودت لو تبقى بين أحضانه مدى الحياة لكن كان عليهم فصل عناقهم لتعانق والدها ومن بعده ريتال وثم فريدة ابنة فؤاد التي حملها بين يديه بحنان شديد.
  ألف مبروك لطنط زينة وعقبالنا إن شاء الله. قال تليد الذي ظهر من اللامكان ليقف إلى جانب ريتال، أعتلت الدهشة ملامح وجهها ولقد ظنت أنها اخطأت السمع لتلتفت إليه وهي تسأله بحيرة:
أيه؟
أيه خلاص فقدتي حاسة السمع دلوقتي؟ بقولك عقبالنا يا ريتال، عقبالي أنا وأنتِ لما تقعدي كده مكان طنط زينة وأنا أقعد مكان أونكل فؤاد أظن كده سمعتيني.
 قال تليد بجدية وهو يبتسم نصف ابتسامة جذابة، توترت معالم ريتال وهي تطالعه بصدمة قبل أن تظهر ابتسامة صغيرة على ثغرها قبل أن تنبس بنبرة أقرب إلى الهمس:
إن شاء الله.
العرسان المنتظرين إن شاء الله.
قالت فريدة بصخب وهي تقترب من تليد وريتال دون أن تنتبه أن صوتها قد وصل إلى مسامع صالح والذي أمتعض وجهه على الفور وهو يقترب منهم ليقف إلى جانب نانسي وفي تلك الأثناء جاء ياسين الذي كان يقوم بإرسال رسالة هامة من هاتفه ليقوم بالإصطدام بفريدة عن غير عمد.
يا نهار أبيض، أنا أسف جدًا حقك عليا.
لا لا أسف أيه؟ ولا يهمك عادي. أردفت فريدة وهي تبتسم ابتسامة بلهاء ليبادلها ياسين الإبتسام وهو لا يدرِ ماذا عليه أن يقول.
تليد، أنا حجزت أوضتين في Hotel فندق قريب من هنا، هبات أنا وأنتَ وطنط يومين.
  أيه ده؟ يعني أنتوا مش ماشيين؟ سألت فريدة بحماس شديد ليضحك ياسين رغمًا عنه قبل أن يوجه حديثه لها قائلًا:
لا هنقعد يومين نفصل من المذاكرة وكده.
طب حلو أوي، مفيش أجمل من البحر والهواء بتوع اسكندرية.
فعلًا إسكندرية فيها حاجات كتير حلوة أوي. تمتم ياسين دون إدراك قبل أن يحمحم ويستأذن منهم أن ينتظر في الخارج، وقفت فريدة تراقبه وقد أرتسمت ابتسامة واسعة خجلة على ثغرها.
كان الجميع سعداء تقريبًا، زينة وفؤاد بكل تأكيد فلقد وجد كلًا منهم نصفه الآخر أما عن والد زينة فلقد أطمئن قلبه على ابنته الصغيرة وحفيدته، ريتال كانت سعيدة من أجل والدتها وكذلك سعيدة لرؤيتها لتليد ووالدته مرة آخرى، فريدة كانت متحمسة لمقابلة ياسين للمرة الثانية على أرض الواقع، أما عن نانسي فشعرت بالسعادة لأن هذه كانت المناسبة الأولى التي تحضرها برفقة والديها مجتمعين معًا بغض النظر عن حالتها الصحية.
كان الكل يبتسمون ويثرثرون عدا صالح الذي وقف في أحد الأركان وقد عقد حاجبيه وكان مكفهر الوجه كان ذلك قبل أن تذهب ريتال للتحدث إليه وبمجرد أن أقتربت منه أرتخت معالم وجهه قليلًا.
واقف لوحدك ليه؟
  وهو في حد أقف معاه وأنا قولت لا؟ أجاب عن سؤالها بآخر وبنبرة سخيفة جعلتها تندم أنها ذهبت لتفقده من الأساس، زفرت بضيق قبل أن تقول:
ما كلنا واقفين مع بعض أنا وفريدة، تليد، ده حتى نانسي جابت كرسي علشان تبقى قاعدة في وسطنا أنتَ بس اللي كئيب حبيتين.
  بصراحة مليش في قاعدة العيال دي. سخر منها ومنهم لكن في الواقع كان يقصد بحديثه تليد وكان من السهل عليها فهم ذلك لذا قررت أن تستفزه أكثر قائلة الآتي مع ابتسامة جانبية:
غريبة ما أنتَ كنت بتقعد معانا زمان عادي.
ريتال هو أنتِ عزمتي تليد بصفته مين أنا محتاج أفهم؟ يعني مين ده علشان تجيبيه في مناسبة عائلية خاصة زي دي؟
بصفته صديقي وزميلي في المدرسة القديمة مش بس كده لا ده مامته وماما بقوا صحاب كمان.
ما شاء الله ناقص تقولي إنه طلب إيدك وأنا معنديش خبر.
ممكن أعرف الموضوع يفرق معاك في أيه؟ اه صحيح نسيت إن أنتَ أخويا، لا أخص عليا. علقت بسخرية شديدة قبل أن تتركه وتذهب للوقوف مع رفاقها متجاهلة إياه تمامًا.
مر ما تبقى من اليوم سريعًا، عاد الجميع إلى المنزل فيما عدا فؤاد وزينة حيث قرر أن يدعوها إلى تناول العشاء سويًا في أحد المطاعم الفاخرة، في البداية أخذ كلاهما يثرثر في تفاصيل اليوم ويستعيدون أحداثه قبل أن تكرر زينة أن تسأله حول شيء ما.
  فؤاد هو أنا ممكن اسألك سؤال؟ هو سؤال يعني خاص شوية، قالت زينة بقليل من الحرج ليُمسك هو بيدها قبل أن يُعقب على حديثها بلطف شديد:
خاص أيه بس؟ زينة أنتِ مراتي اسألي اللي أنتِ عايزاه طبعًا.
  هو أحنا، يعني، قصدي، نبست بتلعثم واضح لينظر إليها بنظرات حنان وطمئنة قبل أن يقول:
قولي يا زينة متتكسفيش.
أوضتنا يعني، هتحط السرير والحاجة في نفس الأوضة اللي كانت بتاعتك أنتَ و، مراتك الله يرحمها يعني؟
لا طبعًا، أنا قفلت الأوضة دي من زمان وهي في جنب لوحدها من ال?يلا أصلًا لكن أنا وأنتِ هنقعد في أوضة مختلفة خالص وبتشوف البحر على فكرة وكل حاجة فيها هتكون جديدة نو?ي وكله على ذوقك أنتِ.
أجابها بحنانه المعتاد وبنبرة مرحة لتتنفس زينة الصعداء وتزفر براحة، لقد خشيت كثيرًا من أن تبقى في حجرة زوجته القديمة فما كانت لتستطيع النوم قط ولم تكن لتشعر بالراحة وبكل تأكيد كانت مشاعر الغيرة ستتملك منها.
قولي يا فؤاد صحيح هو أنتَ كنت حافظ الكلام اللي قولته أول ما شوفتني ده ولا جايبه من النت ولا أيه بالضبط؟
بصراحة يا زوزو أنا كان بقالي كام يوم بحاول اضبط كام جملة كده أقولهم أول لما أشوفك بس بصراحة لما عيني جت في عينك النهاردة نسيت كل حاجة كنت كاتبها وقولت الكلام اللي جيه على بالي في لحظتها.
يا خبر أبيض، مش عارفة أقولك أيه بصراحة بس، شكرًا، شكرًا عالكلام اللي قولته وعاليوم وعلى كل حاجة عمومًا.
مفيش بين الحبايب شكر، يلا نطلب الأكل بقى علشان أنا واقع من الجوع، أول وجبة ناكلها وأنتِ مراتي رسمي.
أيوا بس بعد كده مفيش أكل من برا يا دكتور أحنا لازم نحافظ على صحتنا ونوفر برضوا.
قالت زينة بنبرة حازمة ممازحة إياه ليضحك بقوة حتى تُغلق عيناه قبل أن يسحب يدها ليطبع عليها قبلة رقيقة.
في تلك الأثناء كانت عائلة والد ريتال قد عادت إلى القاهرة، لقد أخفى الجميع عن عبدالرحمن خبر زواج زينة بصورة مؤقتة مراعاة لمشاعره وتجنبًا لإثارة المشكلات كذلك، كان صالح مستاء للغاية من تجاهل ريتال له سائر اليوم وأسلوبها في الحديث الذي لم يروق له كثيرًا وكذلك تحدثها مع تليد أمام الجميع وأمامه هو بالتحديد بلا خجل.
هتفضل قالب وشك كده يا صلوحة؟
سيبيني في حالي يا نانسي من فضلك.
طب ما هي كانت قدامك ولا الحاجة بتحلى أول ما بتضيع من إيدنا؟ ياه عالبني آدم ياه.
أنا مش فاهم أنتِ بتتكلمي عن أيه.
طيب خليك كده عامل فيها عبيط بس متجيش تعيط لما تلاقي دبلته في إيدها كمان سنة أو اتنين يلا تصبح على خير. فجرت نانسي القنبلة وجعلته أكثر غضبًا قبل أن تغادر المكان تاركة إياه بمفرده في حيرة مع أفكاره المتضاربة والتي تضاربت أكثر بعد حديثها...
هل ترى الأمر بين ريتال وتليد جاد بحق وقد يقدم هو على طلب يدها بالزواج بعد انتقالهم إلى المرحلة الجامعية؟ لكن لا فمن المؤكد أن زينة لن توافق على شيء كهذا فلقد كانت تجربتها مماثلة وانتهت نهائية سيئة، هكذا كان يحاول إقناع نفسه.
بعد مرور ثلاثون يومًا كان من المفترض أن تبدأ نانسي الجلسات خاصتها وكان هذا يعني أن تقابل ذلك الشاب الذي قام بدهسها بسيارته عن طريق الخطأ وعلى الرغم من شعور نانسي بالتوتر من أن يؤلمها الأمر إلا أنها أرادت أن تراه مرة آخرى بدافع الفضول وربما الإعجاب من الناحية الشكلية.
  مساء الخير يا آنسة نانسي، حمدلله على سلامتك جاهزة للجلسة؟ سأل أدهم مع ابتسامة صغيرة حرجة، عقدت نانسي حاجبيها وهربت منها ضحكة صغيرة قبل أن تسأل بإستنكار:
آنسة؟ نانسي بس.
تمام يا آنس، يا نانسي، أنا دكتور أدهم مش عارف أنتِ فكراني ولا لا بس،.
  أدهم؟ فكراك فكراك. تحدثت بإمتعاض شديد حينما ذكرت اسمه ليعقد حاجبيه بمزيج من التعجب والحرج وهو يسأل نفسه ما المشكلة في اسمه؟ أم أنه لا يروق لها بصورة شخصية، زم شفتيه قبل أن يقرر أن يسألها بصورة مباشرة قائلًا:
هو الإسم مضايقك في حاجة؟ كل ما تسمعيه بلاحظ إن وشك بيتقلب كل لما حد بينده عليا.
بصراحة عندي Bad history تاريخ سيء مع الاسم ده، لا وسبحان الله كان دكتور برضوا.
 أجابت عن سؤاله بضيق شديد ليعقد حاجبيه قليلًا قبل أن يقترح السيناريو الآتي والذي كان متكررًا بكثرة في الواقع:
سابك وأتجوز حد تاني؟
  لا، أتحبس. أجابت ببساطة لتعتلي الصدمة ملامحه وهو يسألها بقليل من الخوف:
أفندم؟ يا ستار يارب،.
ياريت متسألنيش أي حاجة ليها علاقة بالموضوع ده خالص.
أنا أسف لو كنت أقتحمت مساحتك الشخصية من غير قصد، على العموم في دكتورة اسمها عائشة هتدخل لحضرتك دلوقتي علشان تبدأي الجلسة.
أعلن لتعقد حاجبيها بحيرة، أليس من المفترض أن يفعل هو ذلك بنفسه؟ لم قام بإحضار طبيبة آخرى كبديلًا له؟ أرادت أن تسأله لكنه كان قد غاب عن عيناها لتحضر الطبيبة التي أخبرها عنها للتو، كانت صغيرة في العمر مثله على ما يبدو وكانت بشوشة الوجه كذلك وكانت ملامحها من النوع المألوف.
مساء الخير، ازيك أيه الأخبار؟
تمام الحمدلله.
أنا دكتورة عائشة وهنبدأ أول جلسة مع بعض، هي هتكون متعبة شوية بس متقلقيش بعد كده هتتعودي، وبعدين أنتِ عليكِ توصية جامدة من دكتور أدهم. ظهرت الدهشة على ملامح وجه نانسي والتي تعجبت من تحدث الفتاة بمرح شديد، أليس من المفترض أن تغار من إهتمامه بحالتها؟
فمن المؤكد أن الفتاة مُعجبه به بلا شك، فمن يعمل بصورة يومية مع شخص مثل أدهم مؤكد أنه سيقع في الحب، طردت نانسي تلك الأفكار إلى مؤخرة رأسها حينما أقتربت منها الطبيبة أكثر لتبدأ في أولى خطوات الجلسة والتي مرت ببطء شديد بالنسبة إلى نانسي وكانت مؤلمة ومُرهقة إلى حدٍ كبير.
انتهت نانسي من الجلسة أخيرًا لتقوم بأعادة ضبط ثيابها وهندمتها ومسح الدموع التي أنهمرت من عيناها بسبب شعورها بالآلم وقبل أن تغادر الحجرة دلف أدهم بعد أن طرق الباب، كان يحمل في يده شيء لم تتبينه هي قبل أن تُدرك ماهيته، لقد كان لوح من الشيكولاتة.
قولت أجي اطمن أيه الأخبار؟
الحمدلله يا دكتور الجالسة تمام ونانسي ما شاء الله عليها قوية وأستحملت بس حضرتك عارف طبعًا تعب أول جلسة.
  أيوا فاهم طبعًا، آنسة نانسي، دي علشانك. قال بقليل من الحرج وهو يمنحها لوح الشيكولاتة لتقوم هي بالتجول بنظرها بينه وبين لوح الشيكولاتة وقد ضيقت عيناها قبل أن تقول ساخرة:
أنتَ شايفني بنت أختك ولا أيه؟ هو شكرًا يعني بس أنا كبيرة على الجو ده.
لا هو أنا بعمل كده مع كل الناس اللي بتيجي هنا المركز وخاصة كبار السن وبعدين ما أنتِ صغيرة فعلًا أنا مغلطتش مش أنتِ في مدرسة؟
أيوا بس،.
يعني 14 أو 15 سنة بالكتير مثلًا. قال متعمد إثارة غيظها، لقد كانت تبدو صغيرة في العمر، خاصة وأن نانسي لم تضع أيًا من مساحيق التجميل التي تُلطخ بها وجهها في العادة لكي تبدو أكبر في العمر لكن أن يقوم بحذف ما يقرب من الأربع أو الثلات سنوات من عمرها فهو أمر غير مقبول بالنسبة إليها!
  لا هو أنا فاضلي أقل من سنة وأدخلي الجامعة حضرتك يعني عندي 18 سنة وقربت أتم ال 19 كمان يعني مش طفلة. وضحت نانسي بإستياء شديد ليبتسم هو بينما يحاول كتم صوت ضحكاته قبل أن يقول:
طيب أنا أسف متزعليش بس هو أنتِ برضوا لسه صغيرة أوي بالنسبالي على الأقل.
لو خلصنا أنا عايزة أمشي. قالت وهي تسحب أغراضها وتتجه نحو الخارج دون انتظار ردٍ منه.
وقف يتأمل تلك التي تتعامل بحنق الجميع ومع كل شيء تقريبًا، لقد كانت غريبة الأطوار حتى في الطريقة التي تعامل بها والديها، كان يريد الإنتظار حتى ترحل لكن للأسف كان منشغلًا بحالات آخرى.
 بمجرد أن عادت نانسي إلى المنزل ذهبت للجلوس في شقة جدتها لأنه يصعب عليها صعود السلم، كان صالح يجلس في الداخل وبمجرد أن رأها قام بفتح الباب أكثر ليساعدها على المرور قبل أن يسألها بإهتمام حقيقي:
عملتي أيه في الجلسة طمنيني؟
كويسة بس تعبت شوية والدكتور اللي هناك ده في منتهى السخافة بجد!
غريبة عمتو كانت لسه بتقول أنه محترم وعسول، هو عملك حاجة ولا أيه؟
  لا بيستظرف عليا وبيقولي كنت فاكرك عندك 14 سنة ولا حاجة. قالت بحنق شديد وهي تقلد أسلوبه في الحديث لينفجر صالح ضاحكًا قبل أن يقول الآتي:
طب خلاص معلش سيبك منه عادي يعني.
بني آدم مستفز بجد، ما علينا، صحيح نسيت أقولك البت ريتال بعتتلي أخيرًا صور الفوتوجرافر بتاعت كتب كتاب طنط زينة، الصور تحفة تحفة بجد. قالت نانسي بصوت مسموع وحماس شديد وهي تمنح الهاتف لصالح ولم تنتبه للواقف خلفها يستمع إلى ما تقوله...
كتب كتاب مين؟ زينة مراتي؟
 سأل عبدالرحمن بصدمة شديدة وهو يشعر بالمكان يدور من حوله حتى كاد أن يفقد وعيه لولا أن أفاق على صوت سالي وهي تهدده قائلة:
عارف يا راجل يا ناقص أنتَ لو قولت زينة مراتي دي تاني أقسم بالله لأخد ابني والفلوس كلها وأسيبلك البيت ده أنتَ سامعني؟
هددته سالي أمام الجميع لتجرح كرامته بلا أي إكتراث، الآن أصبح عبدالرحمن رسميًا بلا حبيبته، بلا مال، بلا ذرة كرامة والآن أصبح على بعد خطوة أو اثنتين من خسارة زوجته الجديدة وطفله، لقد دُمرت حياته بالكامل وهو المذنب الوحيد...