قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثلاثون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثلاثون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثلاثون

كانت زينة في حالة من الصدمة والحيرة وكأن عقلها توقف عن العمل أو كأن أحدهم كام بسكب دلو من الماء المثلج فوق رأسها، هربت جميع الكلمات وتشنج لسانها فباتت لا تدرِ ماذا تقول وكل ما خطر على بالها في تلك اللحظة هو أنها تتمنى لو أن تنشق الأرض إلى نصفين وتبتلعها بداخلها لكي تخرج من ذلك المأزق الذي وضعت فيه رغمًا عنها...

كانت في حالة من التيه لا تدرِ بماذا تُجيب على ذلك الوغد على الجانب الآخر من الهاتف وفمها لا يقوى على الإبتسام في وجه ذلك الذي وقف يُطالعها بنظرات تعرفها هي جيدًا، نظرات تحوي في داخلها مشاعر حب وإعجاب في حين أنها وقفت تنظر إليه بنظرات مرتعبة متوترة لا تخلو من الصدمة.

ميس زينة أنتِ كويسة؟ لا تعلم إن كان صوته جعلها تستفيق من حالة التيه تلك أم جعلها تغوص داخل دوامة آخرى، أشارت له برأسها ب أجل أي أنها بخير قبل أن تُشير إليه أن ينتظر وهي تتجه نحو الداخل بحثًا عن مكان فارغ لتُجيب عن ذلك الوغد.

زينة أنتِ سمعاني؟ لو سمحتِ ردي عليا حتى لو هتتخانقي معايا، أنا حقيقي نفسي اسمع صوتك.
أنتَ عايز أيه يا بني آدم أنتَ؟ مش كفاية كل حاجة عملتها؟ حاولت زينة أن تتحدث بنبرة حازمة غاضبة وفي الوقت ذاته ألا يعلو صوتها حتى لا يسمع أحد ما يدور في تلك المكالمة.

أنا أسف يا حبيبتي حقك عليا، أنا حقيقي ندمان على كل كلمة زعلتك بيها وعلى كل جرح أتسببت فيه وعندي إستعداد نرجع أنا وأنتِ وريتال بنتنا.
والله؟ دلوقتي أفتكرت إن عندك بنت؟ بعد أيه يا أستاذ عبدالرحمن؟ وبعدين ده أنا بحمد ربنا كل يوم إنه خلصنا منك وإنك طلعت من حياتنا.

قالت بنبرة حادة وهي تشعر بصدرها يكاد يشتعل من الغضب والغيظ الشديد، لقد كان يمتاز عبدالرحمن بمستوى مبهر من الوقاحة والبرود، يتحدث وكأنه دعس على قدمها عن طريق الخطأ لا قام بتعنيفها وطردها وتحطيم حياتها هي وابنتهم الوحيدة، ساد الصمت البرهة قبل أن تستطرد حديثها قائلة: أنا وبنتي خلاص اتخطيناك يا عبدالرحمن، أنتَ كنت إبتلاء شديد والحمدلله ربنا عفانا منه فياريت بقى متحاولش تاني لأن خلاص مبقاش ليك مكان ولا في قلبنا ولا في حياتنا.

يااه للدرجة دي بقيتِ قاسية يا زينة؟ مكنتش أعرف إن قلبك أسود كده، على العموم أنا لسه عند كلامي ومستعد نرجع من النهاردة قبل بكرة لو أنتِ موافقة. تحدث بتأثر لم تُصدقه زينة فلقد كانت نبرته درامية مبتذلة وكان من السهل عليها ملاحظة ذلك فهي تعرفه جيدًا أو هكذا كانت تحسب نفسها.

لم تُجيب عن سؤاله أو عرضه السخيف بل قامت بإنهاء المكالمة دون مقدمات، تنهدت تنهيدة طويلة وهي تشعر بالحرارة في وجهها وكأنها تستشيط من الغضب، لقد بعثر كيانها بمكالمة هاتفية وجعلها تعود عدة أشهر للوراء، كان الأمر أشبه بغرز السكين في موضع الجرح مرة ثانية بعد شفاؤه...

حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا أخي! همست من بين أسنانها وهي تتجه لدورة المياه لتقون بغسل وجهها بالماء البارد لعلها تهدأ قليلًا ولبرهة من فرط الصدمة والضيق نسيت فؤاد الذي ينتظرها بالخارج هو وفريدة الصغيرة لذا قامت بتجفيف وجهها وتعديل غطاء رأسها قبل أن تتجه نحوهم.
معلش أسفة عالتأخير كانت مكالمة ضرورية كان لازم أرد عليها.

أنتِ كويسة؟
أنا تمام الحمدلله متقلقش، كذبت مع ابتسامة مصطنعة ليُطالعها بنظرة تعني أنه لم يُصدقها لكنه لم يُريد أن يضغطها أكثر من ذلك لذا ابتسم ابتسامة صغيرة لطيفة قبل أن يقول الآتي وهو يُقرب الباقة من يديها:
الورد ده علشانك يا ميس زينة.
عل، علشاني أنا؟ بس ده بمناسبة أيه؟

النهاردة 4 نوفمبر. أجاب ببساطة لتعقد حاجبيها وهي تحاول أن تسترجع في عقلها إلام يشير ذلك التاريخ لكنها لم تستطع تذكر أي شيء فمازال عقلها يحاول التعافي من الإعصار الذي عصف به بسبب تلك المكالمة الهاتفية المشئومة.
توترت معالم فؤاد قليلًا قبل أن يُجيب عن سؤالها بقليل من الحرج والخجل قائلًا:.

عيد الحب، بتاع المصريين يعني مش العالمي. ضيقت زينة عيناها وهي تحاول إستيعاب لم قد يبتاع لها الورود في مناسبة كتلك فلا يوجد بينهم علاقة رسمية بعد وما فعل قد يتسبب في حدوث جلبة و شوشرة بين العاملين بالروضة لكن قبل أن تُبدِ هي أعتراضها سبقها هو سريعًا بتفسير مقنع لم تتوقع هي سماعه: هما هنا في ال Nursery الروضة كانوا قالوا للأطفال إن عيد الحب ده ممكن نعبر فيه عن حبنا لماما وبابا وأنتِ عارفة إن فريدة،.

وضح بهدوء شديد وكاد أن يُكمل حديثه لكنه شعر بغصة في حلقه وعلى الفور وجه نظره إلى تلك الصغيرة التي تنظر إليه بعيناها الواسعة البريئة قبل أن يتابع حديثه مُردفًا الآتي مع ابتسامة صغيرة: فريدة جابتلي هدية صغيرة وطلبت إن أحنا يعني نشتري الورد ده علشانك علشان هي بتعتبرك في مقام مامتها. أجاب بخجل وهو يتحاشى النظر إلى عيناها، أختلطت معالم الدهشة والسعادة على وجه زينة وهي تُبدل نظرها بينه وبين ابنته الصغيرة قبل أن تجذب يد فريدة بلطف وتُقربها منها بعد أن جثت على ركبتيها لتقوم بمنحها عناق صغير دافئ.

شكرًا يا فوفو على الهدية الحلوة دي، شكرًا إنك فكرتي فيا، أنا بحبك أوي.
أنا كمان يا زوزو، أنتِ هتيجي تقعدي عندنا أمتى بقى؟ أنا عايزاكِ معانا. غمغمت الصغيرة بصوت مسموع نسبيًا لتشعر زينة بالخجل يُسيطر عليها على الفور بمجرد التفكير بالأمر قبل أن تفصل العناق ثم تقول الآتي:.

ما هو أنا مش هينفع أقعد معاكوا في البيت، يعني على الأقل مش دلوقتي، بصي يا فوفو ده كلام كبار مش مناسب في سنك. حاولت زينة التملص من ذلك الحوار لكن بطريقة لا تُحزن الصغيرة وتجعلها تستوعب أنه في مثل هذا عمرها لا يمكنها التحدث أو مناقشة جميع الأمور، ابتسم فؤاد حينما سمع إجابتها قبل أن يُخبرها أنه حان وقت الرحيل والعودة إلى المنزل.

ودعها فؤاد مع ابتسامة صغيرة لا تخلو من القلق فهو واثق من أنها ليست بخير فعيناها منطفئة على غير العادة لكنه لم يكن في موضع يسمح له بالسؤال مرة آخرى والإلحاح، بعد أن رحل فؤاد تنفست الصعداء وهي تحمل باقة الورود التي لفتت أنظار الجميع قبل أن تتجه نحو المكتب الخاص بالمعلمين لتضعها إلى جانب حقيبتها وهي تدعو بداخلها ألا تُعلق أحداهن أية تعليقات سخيفة حيال ذلك الأمر.

بعد مرور ساعتين تقريبًا وبالعودة إلى القاهرة عاد عبدالرحمن من عمله مرهقًا وكالعادة توجه لإلقاء التحية على والدته أولًا قبل أن يصعد نحو الأعلى، لم تُحسن والدته إستقباله كما كانت تفعل في السابق بل طالعته بطرف عيناها وهي تمد يدها نحوه ليُقبلها.

صحتك عاملة أيه النهاردة يا ست الكل؟

فضل ونعمة.

مالك بس يا أمي مين زعلك؟ حد من أخواتي قال حاجة ضايقتك؟ ولا يكون حد من العيال؟

سأل بإهتمام حقيقي ليمتعض وجه والدته أكثر فلقد كان يدعي البراءة في حين أنه كان هو سبب حزنها وضيقها ليس اليوم فقط بل طيلة الأشهر الماضية، ساد الصمت لبرهة قبل أن تقطعه والدته وهي تسأله بإستنكار شديد:.

بتضرب مراتك يا عبدالرحمن؟ وقدام ابنك؟ هو أنتَ أيه يا أخي مش بتتعلم؟ ده الحمار اللي اسمه حمار بيحفظ طريق بيت صاحبه وبيتعلم، وأنتَ! أنتَ يا ابن بطني مفيش فايدة فيك، دخلت مدارس وجامعات وسافرت بلاد برة وزيك زي البهيمة. صاحت موبخة إياه وهي تلكمه في كتفه بقليل من العنف بينما تطالعه بنظرات إحتقار، أخفض رأسه وهو يستمع إلى حديث والدته وبمجرد أن فرغت عقب هو على ما قالته بقليل من الندم مُردفًا:.

أنا غلطت اه يا أمي بس مش مستاهلة كل الغلط وقلة القيمة دي، هي اللي ست مش متربية بتعلي صوتها عليا وبتكلمني بقلة أدب وتستاهل تتربى.

وهو مين اللي كان جاب قليلة الرباية دي هنا؟ مش حضرتك يا بيه؟ مش أنتَ كان معاك بنت الأصول المتربية؟ عملت فيها أيه؟ مش رامتها في الشارع هي وبنتها، لحمك!

غلطت يا أمي غلطت وبعدين زينة مكنتش ملاك يعني هي اه أكيد أحسن من التانية دي بس في النهاية ست زي أي ست نكدية وبتاعت مشاكل.

هي برضوا اللي نكدية وبتاعت مشاكل؟ دي بسم الله ما شاء الله من وقت ما بعدت عنك وشها بقى بدر منور وأشتغلت وجابت قرش وبتصرف على بنتها وبتخدم أبوها. كانت تتحدث بصدق عن وضع زينة الحالي ولم يكن غرضها هو إثارة غيظه أكثر لكن ذلك ما حدث في النهاية ليعقد حاجبيه بضيق قبل أن يسألها بحنق واضح:
يا ماما هو أنتِ معايا ولا معاها؟

أنا مع الحق، الحق اللي عيشت سنين عاملة نفسي مش شايفاه وفضلت اضغط عليها وأقول فيها العبر وهي استحملت وكانت شيلاني من على الأرض شيل علشان بتحبك وعايزة ترضيك بس الحمدلله أنا توبت لربنا وندمت على كل مرة ظلمتها فيها وطلبت منها تسامحني ويارب تكون سامحتني لأني مش حِمل أشيل ذنبها. تحدثت بنبرة تنم عن ندم حقيقي فلقد أذت زينة كثيرًا في السابق ولقد أدركت كم اخطأت في حقها وكلما رأت تصرفات زوجة ابنها الجديدة شعرت بقيمة زينة التي لم تكن ترفع صوتها ولا ترفض لها طلبًا.

تفتكري هي ممكن تسامحني يا أمي؟ سأل بحزن شديد وهو ينظر داخل عين والدته بحثًا عن أمل، أمل أن تسامحه زينة وتعود إلى أحضانه كما يتمنى لكنه لم يجد ما ينتظر، لقد طالعته والدته بنظرات لوم وعتاب بينما تقول الآتي بصدق شديد:.

كسر القلوب والنِفس مش بالساهل يا ابني، وأنتَ بدل ما كسرت قلب حد واحد كسرت قلب اتنين ومش مكفيك لا رايح كمان تدمر حياة حتة العيل الصغير اللي ميعرفش حاجة في الدنيا غيرك أنتَ وأمه، بدل ما تكونله مصدر أمان بقيتله مصدر رعب وهلع!

هو يوسف نزل أتكلم معاكي ولا أيه؟

أتكلم؟ ده الواد يا حبة عيني من ساعة ما صحي من النوم وهاتك يا عياط مش عايز يبطل لولا إن سالي نزلته يقعد معايا وقعدنا لعبنا سوا أنا وهو مكنش سكت.

هو هنا دلوقتي ولا فوق؟

فوق مع أمه، عبدالرحمن أنتَ غلطت وقت ما أتجوزت الست دي وسيبت مراتك بس خلاص يا ابني الكلام ده معدش له لزوم أنتَ بقى عندك حياة جديدة وزوجة وابن حبهم وراعي ربنا فيهم ومتخليش الشيطان يضحك عليك ويخرب بيتك بدل المرة اتنين. نصحته والدته بخوف حقيقي ليتنهد عبدالرحمن قبل أن يقول بقلة حيلة:
حاضر يا أمي.

صعد عبدالرحمن إلى الأعلى على مضض، طرق باب المنزل بهدوء لتقوم سالي بفتح الباب وبمجرد أن رأت وجهه أشاحت بنظرها بعيدًا عنه، لقد كان وجهها ملونًا بفعل الكدمات الناتجة عن شجار الأمس، جذبها برفق ليُعانقها بينما يعتذر منها قائلًا:
حقك عليا يا سالي أوعدك مش هتكرر تاني، أنا أسف بس أنتِ برضوا اللي بتعصبيني وبتكلميني بإسلوب مش كويس.

وده يخليك تمد إيدك عليا؟ وقدام ابننا؟

ما أنا قولتلك حقك عليا بقى ولو على يوسف يا ستي أنا هصالحه وهاخده أفسحه النهاردة أيه رأيك بقى؟

هتفسحه هو لوحده؟

لا طبعًا وهفسح مراتي حبيبتي كمان. تمتم مع ابتسامة صغيرة مصطنعة وهو يعانقها بينما في داخله كان يتمنى لو كانت زينة هي من بين أحضانه الآن بدلًا منها...

توجه عبدالرحمن إلى حجرة صغيرة والذي بمجرد أن رأه قام بإخفاء وجهه بواسطة أغطية فراشه وأغلق عيناه بقوة مُدعيًا النوم، ابتسم عبدالرحمن من تصرفه البرئ قبل أن يجلس على طرف الفراش، قام بجذب صغيره بلطف بينما يقول:
أنا عارف إنك زعلان مني، أنا أسف يا سيدي حقك عليا مش هعمل كده تاني.

أنتَ وحش.

كده يا يوسف؟ ده أنا بحبك جدًا هو بابا بس كان متضايق شوية بس أوعدك مش هكرر اللي عملته ده تاني. أردف عبدالرحمن وهو ينظر إلى عين صغيره والذي صمت لثوانٍ ليفكر قبل أن يقول الآتي ببراءة شديدة:
وعد يا بابا؟

وعد يا عيون بابا وعلشان تصدق إن أنا بحبك هاخدك النهاردة أنتَ وماما وهنخرج ونجيب لعب وحاجات حلوة وكل اللي نفسك فيه.

وهتجيب ريتال كمان؟ سأل يوسف بغتة ليُطالعه عبدالرحمن بقليل من الصدمة فهو لم يتوقع سماع شيء كهذا بل لم يكن يعلم أن يوسف مازال يذكر ريتال أو على الأقل يهتم بشأنها.

هنعمل الحاجات اللي قولنا عليها النهاردة أما بقى ريتال، ريتال هخليك تكلمها لحد ما، لحد ما تاخد أجازة وتيجي عندنا هنا اتفقنا؟ تحدث عبدالرحمن بتلعثم شديد فلقد أصبح التفوه بإسم ريتال أمر مؤلم وعسير بالنسبة إليه.

اتفقنا. تمتم يوسف وهو يعانق والده، لقد استطاع عبدالرحمن النجاح في إشغال يوسف عن حقيقته البشعة السيئة ببعض الألعاب ووعد بالذهاب للحصول على بعض المرح لكن كيف يستطيع أن يفعل المثل مع ريتال؟ فهي ليست طفلة من السهل جعلها تنسى أو على الأقل تشتيتها عن الواقع المرير، لكنه سيجد الحل مؤكد أنه سيفعل...

لقد حاول إصلاح مع فعله بالأمس مع زوجته وابنه الصغير إرضاءًا لوالدته ولأن طفله ليس له أي ذنب لكن ذلك لن يجعله يتراجع في أمر زينة فهو ينوي فعل المستحيل من أجل أن تعود إليه مرة آخرى لكن ربما عليه الإنتظار قليلًا فلقد كانت ردة فعلها عنيفة وربما يعود ذلك لصدمتها وعدم توقعها أنه قد يتحدث إليها بعد كل ما حدث بينهم لكنه شخص صبور وسينتظر، هكذا كان يفكر هو...

لاحقًا في ذلك اليوم، بمجرد أن انتهى دوام زينة في الروضة قامت بطلب سيارة أجرة وكانت وجهتها إلى المكتب خاصة مريم والتي لحسن الحظ كانت في الإسكندرية لهذا الأسبوع. أقتحمت زينة المكان بتوتر وغضب واضح، حينما رأت المساعدة خاصة مريم وجه زينة سمحت لها بالدخول على الفور.

مساء الخير يا زوزو، أيه ده مالك في أيه؟

الزفت اللي اسمه، اللي اسمه عبدالرحمن ده، كلمني النهاردة وأنا في الحضانة!

طيب أهدي كده بس، مروة خليهم يجيبوا كوباية ليمون من محل العصير اللي تحت، روقي كده وأقعدي وفهميني اللي حصل واحدة واحدة علشان أعرف أساعدك. أومئت زينة وهي تجلس ومن ثم تزفر بضيق شديد قبل أن تسرد لمريم ما حدث بالتفصيل بما في ذلك قدوم فؤاد لكنها لم تتطرق إلى المحادثة التي دارت بينهم فلم يكن الوضع مناسب.

بعد مرور عشرة دقائق تقريبًا كانت زينة تتحرك ذهابًا وإيابًا بحركات ترددية داخل مكتب مريم بينما تضع يدها على رأسها الذي كاد أن ينفجر من فرط الصداع، مكالمة اليوم ليست بالأمر الهين فهي لا تكاد تصدق أن يملك القدر الكافي من الجرأة والوقاحة لكي يهاتفها طالبًا منها أن تسامحه وتعفو عن ذلاته وليس ذلك فقط بل أن تعود إليه مرة آخرى هي وريتال.

يعني يوم ما أحس إن أنا بدأت أتعافى من اللي حصل وأفكر أدي للمستقبل فرصة يحاول هو يرجع بالبساطة دي ويهد كل حاجة بنيتها؟ سألت زينة بإنكسار شديد وهي تحاول كبح دموعها بينما ربتت مريم على كتفها وهي تقول بحنان وصدق شديد:.

هو مهدش حاجة يا زينة، اللي حصل إن أنتِ بس أتهزيتي لما كلمك وده طبيعي جدًا لكنه مش هيغير أي حاجة من اللي حصلت هو جرحك وهو إنسان مؤذي بغض النظر عن شعوره بالذنب أو الندم زي ما بيدعي يعني.

أنتِ مش فهماني يا مريم أنا ما صدقت أتعافيت من اللي حصل و، كادت زينة أن تُكمل حديثها الذي لم يبدو منطقيًا كثيرًا بالنسبة إلى مريم التي قاطعتها على الفور مُردفة:.

لا يا زينة غلط، أنتِ متعافتيش أنتِ لسه بتحاولي في فرق بين الإتنين، المشكلة إنك مستعجلة على إنك تتعافي وتتخطى، أنا عارفة إن شعور الوجع والخذلان والحاجات دي بشع جدًا والواحد بيحاول يطلع منهم بأقصى سرعة بس ده مش صح، لازم تسيبي الموضوع ياخد وقته مش أنتِ اللي دايمًا بتقولي كده؟

أيوا قولت كده، بس الكلام سهل، أنا بحاول أقنع نفسي إن أنا أخد وقتي بس في جزء جوايا مش قادر يصبر، أنا تعبت من شعوري بالخذلان والزعل والإحباط وإنعدام الثقة في كل اللي حواليا وشعور إن أنا مش كفاية، صرحت زينة بما كتمته داخل صدرها لأشهر وهي تنفجر باكية تاركة العنان لشهقاتها ودموعها لتنهمر بحرية، لقد كانت بحاجة إلى هذا الأنهيار لعل ذلك يُثلج النيران التي أشعلت صدرها.

زينة يا حبيبتي التجربة مكنتش سهلة والوجع على أد الغلاوة وعبدالرحمن كان غالي عندك أوي، كان غالي للدرجة إنك فضلتي تجرحي نفسك بنفسك سنين وتستحملي قرف محدش يستحمله. قالت مريم بصدق شديد ليزداد بداء زينة أكثر، لقد كان حديث مريم مريرًا حتى وإن كان واقعيًا لكنه زينة لم تكن مستعدة لسماعه فلقد كانت تهرب من مواجهة نفسها لأشهر، استطرد مريم قائلة:.

أنتِ بتعاقبي نفسك يا زينة وبتجلدي في ذاتك علشان غلطي في اختيارك وضحيتي بحاجات كتير علشانه بس خلاص مفيش داعي لكل ده، هو راح والبيت أتهد بس ده مش معناه إنك متقدريش تبني بيت جديد بأساس ثابت وقواعد جديدة تخلي إن مفيش حد يجي على حق التاني.

طالعتها زينة بذهول بأعين مُحمرة من فرط البكاء، لقد كانت مريم مُحقة ولقد كان ذلك مؤلمًا للغاية بالنسبة لزينة والتي قضمت على شفتيها وهي لا تدرِ ماذا تقول بعدما قيل الآن لقد ذكرت مريم بالتفصيل ما تفعله زينة بل وقامت بذكر أسوء مخاوفها وهو تكرار الفشل مرة آخرى...

بصي يا زوزو، أنتِ تحطي رقم عبدالرحمن في ال Blacklist القائمة السوداء، وتمسحي أي صور ليكوا مع بعض وحاولي متشغليش بالك بيه على الإطلاق وكملي في العلاج مع الدكتورة بتاعتك.

أنا خايفة أوي يا مريم، خايفة أنتكس أو أضعف، خايفة أفضل في نفس الحتة اللي أنا فيها بقالي شهور، خايفة أكرر التجربة مع فؤاد قدام أفشل من تاني وخايفة مخدش التجربة أفوت سعادة وخير كانوا مكتوبين ليا، تحدثت زينة بوهن من بين دموعها لتُكفكف مريم دموعها بيدها بينما تقول الآتي مطمئنة إياها مع ابتسامة صغيرة:.

مفيش حد بيفوت حاجة مكتوب ليه يا حبيبتي، المكتوب لازم هنشوفه وبعدين خدي بالك إن زينة اللي فشلت في الجوازة الأولى أو بلاش نقول فشلت نقول عملت أخطاء كبيرة مش هي زينة اللي قاعدة قدامي دي نسخة قديمة ساذجة منها لكن أنتِ دلوقتي حاجة تانية.

طالعتها زينة بنظرات تحوي بداخلها القليل من الأمل، لقد لامس حديث مريم شعورها ولقد جعلها تشعر أنه ربما، ربما يحمل لها المستقبل القليل من السعادة، أنه يمكن لها أن تنجح في تجربتها الجديدة وأن الحياة كاملة مازالت أمامها، أبوابها منفتحة على مصرعيها، ساد الصمت لبرهة قبل أن تستطرد مريم قائلة:
فؤاد مش عبدالرحمن يا زينة خليكي فاكرة الجملة دي كويس وحطيها قدام عينك طول الوقت.

يارب ميكونش زيه، همست زينة وهي تكفكف دموعها قبل أن تأخذ نفس عميق وتتناول العصير الطازج الذي أحضرته مريم من أجلها، انتظرت مريم بضعة دقائق حتى تهدأ زينة قبل أن تسألها بمراوغة وهي تغمز بإحدى عينيها:
مش هتقوليلي بقى فؤاد كان جايبلك ورد ليه؟ ابتسمت زينة لبتسام في صغيرة وقد لمعت عيناه لكن ليس بسبب الدموع هذه المرة بل بسبب ذكر اسم فؤاد وتذكرها للمحادثة التي جرت بينهم اليوم.

بعد أن فرغت مريم من عملها قامت بتوصيل زينة إلى منزلها في طريقها وبعد أن تأكدت من صعودها إلى المنزل بسلام توجهت إلى بيت شقيقها لكي تثرثر معه قليلًا بشأن اليوم.

تصدق يا فؤاد الواحد بقاله كتير نفسه في ورد بس محدش بيجبلي بس إن شاء الله جوزي قرة عيني لما يرجع هيجبلي.

أيه اللي فكرك بالورد دلوقتي يعني مش فاهم؟ اه أنا كده فهمت، أنتِ شوفتي ميس زينة النهاردة؟

اه هي جتلي المكتب بعد الشغل. أجابت إجابة مختصرة متعمدة لترى إن كان سيسأل عن تفاصيل أكثر أم لا وكما توقعت لقد فعل ولكن على إستحياء.

طيب هي كويسة؟ أصل كان شكلها مش مضبوط خالص النهاردة في الحضانة.

هي كانت متضايقة شوية، جالها مكالمة كده بس تمام يعني أنا فرفشتها قبل ما تمشي. كررت مريم تجربتها الأولى لترى إن كان سيتعمق أكثر في الأسئلة أم لا لكن هذه المرة خاب ظنها حيث طالعها بتعابير هادئة وهو يقول الآتي:
طيب كويس الحمدلله.

أيه ده خلاص كده؟ مش عايز تعرف كانت بتكلم مين أي حاجة؟ سألته مريم وفي الواقع هي لم تكن لتخبره أي شيء يخص المكالمة الهاتفية أو هوية صاحبها لكنها أرادت أن تختبر صبره.

دي حاجة متخصنيش أصلًا، أنا النهاردة سألتها إن كانت كويسة أو لا وهي ردت عليا بالنسبالي طالما هي مش عايزة تقول تفاصيل يبقى خلاص.

يا سلام على كرم الأخلاق والتفهم، والله البت زوزو دي محظوظة، طب أنتَ مش عايز تسألني عن زينة في المطلق يعني؟

يعني أيه اسألك عن زينة؟ ما أنا بتطمن عليها من فريدة وبشوفها أحيانًا في ال Nursery الروضة لو عندي وقت. أجاب عن سؤالها بنفاذ صبر بينما يتناول الطعام الموضوع أمامه، أطلقت مريم تنهيدة طويلة قبل أن توضح مقصدها قائلة:
لا مش قصدي الإطمئنان، أقصد تسألني عن طاليقها مثلًا تفاصيل عنها كده يعني.

هي لو عايزة تحكي حاجة هتحكي.

أيه يا ابني المثالية دي؟ مفيش شوية فضول كده؟ تدوير ورا أسرار؟ أي أكشن؟

مش أنتِ قولتيلي من بدري إن جوزها مكنش كويس وكان سايبها هي وريتال وراح أتجوز عليها؟ تفتكري في أيه تاني محتاج أعرفه يعني؟ سأل فؤاد بجدية تامة فهو يظن أنه عرف ما يكفي من المعلومات المبدأية التي هو بحاجة لمعرفتها ما يفوق ذلك لزينة كامل الحرية في سرده أو إبقائه لنفسها.

أنتَ غريب جدًا بجد، لا عقلية تجيب 99. 2? في الثانوية العامة فعلًا.

أيه العلاقة يا عبيطة أنتِ؟ الفكرة كلها إن أنا لما إن شاء الله أخطب زينة أو نقرأ فاتحة هسألها على كل اللي محتاج أعرفه وهي هتعمل نفسي الشيء ده على أعتبار إنك معملتلهاش ملف فيه ملخص عن حياتي كلها يعني.

أنا أعمل كده؟ عيب يا فؤاد، أنتَ بتتهمني؟ سألت مريم بنبرة درامية ليرفع فؤاد أحدى حاجبيه وهو ينظر إلى داخل عيناها فهو يعلم شقيقته جيدًا وكان واثقًا من أنها قد فعلت دون حتى أن تُبادر زينة بالسؤال عنه.

بعد مرور أربعة عشرة يومًا آخرى، لم يكن هناك شيء جديد يذكر فريتال كانت منشغلة بالمذاكرة وكذلك الإختبارات التي لا تنتهي، أما عن زينة فكانت تحاول أن تُبقي تركيزها كاملًا مع ابنتها وأبيها وبالطبع عملها وقد حاولت إخراج أمر عبدالرحمن وطلب فؤاد للزواج منها خارج رأسها بصورة مؤقتة لكن بالطبع كان كل ذلك يتلاشى بمجرد أن ترى وجه فؤاد حينما يأتي لإصطحاب فريدة ولقد أصبح يفعل ذلك بنفسه كثيرًا في الآونة الأخيرة.

ريتال وحشتيني أوي معلش معرفتش أشوفك طول الأسبوع اللي فات بعيد عنك مقضية الوقت كله بين السكاشن والمحاضرات وعم محمد.

قالت فريدة وهي تعانق ريتال بينما تقوم بإلقاء حقيبة الظهر خاصتها والمعطف الطبي على الأريكة بإهمال قبل أن تضع صندوق الأدوات خاصتها بحرص شديد، عقدت ريتال حاجبيها وهي تسألها بدهشة:
مين عم محمد؟

بتاع عربية الفول اللي قدام الكلية متشغليش بالك أنتِ، طمنيني أيه أخبار المذاكرة والدكتورة وصحابك وتليد وصالح وجدو وتيته؟

أيه بس بس في أيه؟ أنا كويسة الحمدلله ويعني منتظمة في مواعيد الجلسات يعتبر وبذاكر أول بأول المفروض وبس،.

متعرفيش حاجة عن صحابك يعني؟

كويسين مسحولين في المذاكرة الدروس ومش بيفتحوا نت كتير، تليد بعرف أخباره من بوستات الصياح على الفيس بوك.

وصالح؟

ليه السيرة دي طيب؟ يعني أنا عملت نفسي مش سامعة لما قولتي اسمه فوق تقومي تسألي تاني؟

أصل أنا رخمة. تمتمت فريدة ضاحكة بسخرية قبل أن تقلب ريتال عيناها بتملل قبل أن تُقول الآتي:
معرفش عنه حاجة، أتصل من يومين يسلم على ماما ويطمن علينا، أول لما عرفت إن هو اللي بيتكلم دخلت على أوضتي وقفلتها وشغلت حصة من المتراكمين عليا، مش عايزة اسمع صوته ومش عايزة أعرف عنه حاجة ولا أعرف كان بيقول أيه من الأساس.

بتهربي يعني؟

مش بهرب، أنا عارفة نفسي كويس لو فضل كل شوية ينط قدامي مش هقدر أنساه ولا أنشغل عنه وأنا ما صدقت يطلع من بالي.

المهم يطلع من قلبك ده على اعتبار إنه موجود أصلًا، لو تاخدي بالك أنا شوية بتعامل على أساس إنك بتحبيه وساعات بتعامل على أساس إنه وهم بحيث ننوع علشان منزهقش. عقبت فريدة على حديث ريتال ساخرة لتقلب ريتال عيناها بتملل قبل أن تتنهد تنهيدة طويلة ثم تقول:
لا هو وهم، وهم أنا بقنع نفسي بكده وخلاص قربت أقتنع الحمدلله.

أعتقد إن زيارة تليد اللي كانت من شهر تقريبًا دي فرقت معاكي جدًا.

فوق ما تتصوري مش علشان أي حاجة بس كفاية إن تليد فضل يُفرك لحد ما لاقى طريقة يجي بيها هنا ونتقابل في جو أسري كده ومعانا ناس كبار مش لوحدنا في حين إن صالح مفكرش ولا مرة إنه يجي يزورنا ولا يطمن علينا مع إنه معاه عربية وكان بيلف بيها مصر كلها مع صحابه.

كان حديث ريتال مُقنعًا وحقيقيًا، ربما كان تليد أقل ثباتًا وهدوءًا من صالح فلقد كان متهورًا بعض الشيء إلا أنه لم يتردد في إظهار مشاعره بكل الطرق المتاحة أمامه وكان يفعل المستحيل للإطمئنان على ريتال دون إزعاجها أو تخطي الحدود المسموحة.

في حين أن صالح في المقابل والذي كان له الحق في التحدث إليها والسؤال عنها لم يفعل ولو جزء بسيط مما أقدم تليد على فعله وكأنه لم يعد يهتم أو كأنها لم تكن تُشكل ولو جزء بسيط من حياته منذ أشهر قليلة مضت، ساد الصمت لبرهة قبل أن تقول فريدة الآتي مؤكدة على حديث ريتال:
فهماكِ، أنتِ عندك حق اللي عايز حاجة بيتشقلب ويعمل المستحيل علشان يوصلها ده لو عايز بقى.

تخيلي إن صالح اللي متربية معاه واللي كمان ماما تعتبر شاركت في تربيته مكسل إنه يجي هنا علشان يطمن علينا وتليد اللي أعرفه بقالي سنة وكام شهر مكسلش، هي فعلًا طلعت مش بالوقت ولا بالعشرة، معرفش هي بإيه بصراحة برضوا. كانت ريتال تتحدث بجدية في بداية حديثها قبل أن تختمه بجملة ساخرة تنم عن مرارة الخذلان الذي تعرضت له مرارًا في الآونة الأخيرة...

في ذلك الوقت بالتحديد وبالإنتقال إلى القاهرة كان تليد يجلس برفقة ياسين كالمعتاد وقد وضعت أمامه عدة أوراق وكتب تخص مادة الكيمياء وبدلًا من أن يصب تليد تركيزه في الأوراق الموضوعة أمامه كان عقله منشغلًا بأمر مختلف تمامًا.

ريتال وحشتني أوي يا ياسين هتجنن وأشوفها أو أكلمها بجد، غمغم تليد وهو يعبث بالقلم الذي في يده بعد أن توقف عن الإجابة عن الأسئلة الموضوعة في ورقة الإختبار التجريبي الذي أمامه ليُطالعه ياسين بإستياء قبل أن يقول بنبرته الهادئة المعتادة والتي لم تكن تخلو من التهديد:.

يا تليد الله يهديك يا حبيبي سيبك من الكلام ده وأوزن المعادلة قبل ما تحل السؤال علشان عندك امتحان شامل chemistry كيمياء بكرة إن شاء الله ولو نقصت نص درجة هنفخك.

يا عم شامل أيه؟ مفيش حاجة شاملة غيرها، البنت شاملة كل الصفات اللي بدور عليها. أردف بأعين حالمة وهو ينظر إلى القمر من شرفة حجرته قبل أن يقوم ياسين بسكب القليل من المياه من الكوب خاصته فوق رأس تليد لجعله يستفيق.

يا ياسين حرام عليك الجو برد! لا وكمان بوظت شعري أروح الإمتحان أنا بكرة ازاي كده؟

يا عيل يا بارد أقعد ذاكر عِدل زي الناس علشان تعرف تدخل كلية كويسة وتروح تتجوزها. قال ياسين بنفاذ صبر، لم يكن ينوي قول ذلك في البداية لكنه توصل إلى ذلك السيناريو كحل مؤقت لتشجيع الجالس أمامه والذي على وشك أن يتسبب في ضياع مستقبله بسبب الإنشغال بإحلام بعيدة عن متناول يده على الأقل في الوقت الحالي.

صح أقنعتني ولما أنا أخطبها بقى وبعدين نتجوز هتلاقيلك حجة مقنعة تكلم بيها فريدة قريبتها بدل ما أنتَ هتموت وتكلمها ومش لاقي حجة.

على فكرة أنا لو عايز أكلمها هتلكك وهلاقي بدل الحجة ألف بس أنتَ عارف أنا مليش في الشغل ده ومبحبش أتعامل من بنات مفيش بينا صلة قرابة غير في أضيق الحدود، إنما لو عالمرقعة مفيش أسهل منها صدقني.

يااه نموذج للشاب والزوج الصالح. علق تليد بمزيج من الصدق والسخرية ليقلب ياسين عيناه بتملل قبل أن يقول الآتي:
طب عقبالك كده إن شاء الله لما تبقى شاب صالح الأول وبعدين نبقى نشوف حوار الزوج ده بعدين وأتفضل كمل حل وبطل استعباط.

حاضر حاضر متزقش. تمتم تليد وهو يعاود النظر إلى الأوراق الموضوعة أمامه.

في مساء اليوم التالي في وأثناء عودة نانسي إلى المنزل بعد قضاء يوم طويل كامل في الإنتقال بين الدروس والسناتر، لمحت وجود شيء صغير مضيء وبعد تدقيق رأت أنها لفافة تبغ مشتعلة وفي الغالب كان صاحبها هو صالح.

أيه ده؟ أنتَ بتشرب سجاير؟ صاحت نانسي بصوتٍ عالٍ فور رؤيتها لصالح الذي جلس يدخن في أحد أركان الحديقة في بقعة غير مرئية.

بس بس أيه الفضايح دي؟ وطي صوتك!

فضايح ليه ما أنتَ ولد عادي.

لا هو مش علشان أنا ولد يا نانسي علشان تيته وبابا ميعرفوش ولو عرفوا هيتضايقوا ويتخانقوا معايا والحكاية مش ناقصة. قال بضيق شديد وهو يسحب نفس عميق من لفافة التبغ خاصته، ساد الصمت لبرهة قبل أن تقول نانسي ساخرة:
طب هات نفس ده الكيف مناولة.

نعم؟ سأل بإستنكار شديد وقد أتسعت عيناه لتعود هي خطوتين نحو الوراء وهي تُردف:
بهزر بهزر، مالك قاعد حزين مكتئب ليه كده؟ هي سارة رمتلك الدبلة في وشك ولا أيه؟

لا، بس شكل ده اللي هيحصل قريب عمومًا.

طب الحمدلله، هي دي الأخبار التمام. تفوهت نانسي دون إدراك ليُضيق صالح عيناه وهو يطالعها بحيرة قبل أن يقول مستنكرًا:
نانسي ده خبر مش حلو أنتِ فرحانة ليه؟

يا صالح ما أنا قولتلك مليون مرة البنت دي مش كويسة، أنا وريتال بصراحة قولنا كده ومن قبل ما تخطبها أصلًا بس أنتَ اللي الحماس وعنفوان الشباب كانوا قاتلينك ومسمعتش لحد.

عندك حق. غمغم وساد الصمت لبرهة قبل أن تلمح نانسي كدمة على ذراع صالح مع وجود بقعة حمراء في وجهه، أعتدلت في جلستها على الفور وهي تسأله بقلق واضح:
أيه اللي في وشك وفي إيدك ده؟ أيه اللي حصل؟ أنتَ اتخانقت ولا أيه؟

أنا وبابا اتخانقنا مع بعض.

تاني يا صالح؟ أنتوا مش كنتوا بقيتوا كويسين مع بعض أخيرًا حصل أيه؟

لما عرف إن أنا بفكر أفسخ شدينا مع بعض في الكلام، قالي قولتلك إنك عيل ومش أد الخطوة دي بس أنا سيبتك تجرب بمزاجي ومرة تانية لما أنا أقول حاجة تتسمع بدون نقاش.

وده الكلام اللي خلاك تتعصب والموضوع يوصل لمد الإيد زي كل مرة؟

لا طبعًا هي مش دي الصيغة اللي إتقال بيها الكلام ده أنا عدلت فيه وشيلت كام لفظ يعاقب عليه القانون وعلشان مخدش حياءك يعني وكده.

أجاب صالح عن سؤالها بنبرة ساخرة لا تخلو من المرارة قبل أن يسحب نفس آخر من لفافة التبغ خاصته بينما أخذت هي تراقبه في صمت وحيرة لا تدرِ ماذا عليها أن تقول في موقف كهذا، بقي الوضع كما هو عليه لدقيقة تقريبًا قبل أن يقول صالح مطمئنًا إياها:
أنا كويس يا نانسي ومتعود على كده متشغليش بالك، قوليلي بقى أخبار باباكِ أيه؟

كويس الحمدلله بس أنا اللي مش كويسة، مش عارفة اتأقلم على وجوده أو يعني خايفة أتعود عليه وكمان، مش قادرة أخبي عن ماما أكتر من كده بس في نفس الوقت مش عارفة ازاي أعرفها حاجة زي دي،.

لو حابة مساعدتي ممكن نفتح الموضوع ده معاها مع بعض أظن كده هيبقى الوضع أحسن. عرض عليها صالح لتتنهد نانسي بضيق بينما تفرك عيناها بإرهاق قبل أن تقول:
بعدين يا صالح بعدين، هو الشيء اللي مش مناسب خالص دلوقتي هو قاعدتنا دي لو حد لمحنا هنتفهم غلط وش يعني، أنا هقوم بقى، تصبح على خير.

وأنتِ من أهله، نانسي، شكرًا إنك مهتمة.

عفوًا يا صلوحة. تمتمت وهي تنظر نحوه بأعين لامعة وابتسامة واسعة قبل أن تتجه نحو الأعلى، لقد أصبح حديثها مع صالح كل بضعة أيام بمثابة روتين علاج نفسي.

كلاهما يبوح بما يؤلم قلبه ويشغل باله وعلى الرغم من أن كلاهما لا يتوصل إلى حل في الغالب لكن الحديث عن الأمر وإخراج المشاعر السلبية في وجود شخص يهتم حقًا كان أمرًا غاية في اللطف، لم تعد ترى نانسي والدها بصورة متكررة في الأيام التي تلت تلك المحادثة ولقد شعرت مرة ثانية بالوحدة ولقد أعتقدت أنه رحل مرة آخرى ولقد عصف ذلك الشعور بقلبها وعادت إلى حالتها السابقة.

بعد مرور ثلاثة أسابيع تقريبًا تعرضت نانسي للطرد من أحدى حصص المدرسين وكان ذلك بسبب كثرة تأخرها وطلب المساعد أن تهاتف والدها لكنها رفضت وتشاجر كلاهما، كان ذلك الشاب سمجًا على أي حال، غادرت نانسي المكان لتّقابل والدها هناك عن طريق المصادفة، نمت ابتسامة متوترة على ثغرها تلقائيًا قبل أن تُرحب به بنبرة غير مفهومة قائلة:
أهلًا.

أيه اللي مخرجك بدري كده؟ هو مش الدرس لسه بادئ من نص ساعة أو ساعة تقريبًا؟

اه ما أنا اتطردت علشان اتأخرت. أجابت وهي تعبث في سحاب حقيبتها متجنبة النظر إلى عين والدها ليتنهد هو قبل أن يقول:
طب خلاص تعالي نطلع أنا وأنتِ، أتكلم معاهم فوق وتعتذري للمستر ونحل المشكلة.

لا مش مهم أنا هشوف مدرس تاني أو سنتر تاني أصلًا، الأسيستنت بتاعه رخم وبيفضل يهزق فيا ربع ساعة عالتأخير فيخليني اتأخر زيادة.

طيب يا بنتي ما تخليني أتكلم معاه وأعتذر له ما أنتِ أكيد برضوا مش بتتكلمي معاه كويس.

وحضرتك عرفت منين بقى؟ شوفتني بتعامل مع المدرسين والمساعدين بتوعهم ازاي قبل كده.

لا بس أنا عارف إنك لمضة يا نانسي وعارف إن حصل مشاكل كتير قبل كده مش هنا بس وفي المدرسة كمان بس مش مشكلة هنحاول نحل كده مع بعض وهتبقي بنوتة هادية وكويسة. أردف والدها بنبرة هادئة كانت كفيلة لإثارة غيظ وغضب نانسي في الوقت ذاته، أتسعت عيناها قبل أن تُعقب على حديثه قائلة الآتي بإمتعاض واضح:.

طيب بقولك أيه أنتَ متعرفش حاجة عن مشاكلي ولا عن المواقف اللي بتتكلم فيها دي فلو سمحت بطل تعمل فيها الواعظ والعارف بكل حاجة.

صاحت نانسي بإمتعاض واضح وهي تعيد خصلات شعرها المنسدل نحو الخلف بقليل من العنف ليتنهد والدها قبل أن يقول بهدوء شديد:
بس أنا عارف عنك أكتر ما تتوقعي يا نانسي، أكتر بكتير كمان.

والله؟ زي أيه مثلًا ما تقولي كده؟ سألته بسخرية واضحة فهي واثقة من أن كل معلوماته عنها مجرد معلومات سطحية يمكن معرفتها بسهولة كان ذلك قبل أن يصمت والدها لبرهة وهو يُطالعها بجدية تامة قبل أن يتفوه بالآتي بثبات شديد:
عارف إن كان هيتقبض عليكي، أيه رأيك كده؟

أنتَ، أنتَ عرفت حاجة زي دي منين؟ سألت بهلع واضح وأعين دامعة ليأخذ والدها نفس عميق وقبل أن يُجيب عن سؤالها قاطعته هي مُردفة:
أنتَ اللي، اللي أقنعتهم يتنازلوا مش كده؟

أيوا أنا وطلبت من أستاذة مريم متعرفكيش كنت لسه مش مستعد أواجهك والوضع مكنش هيكون أحسن حاجة لو كنت عملت كده وقتها، شوفتي إن أنا عارف عنك كل حاجة؟

أخذت نانسي تُحرك رأسها يمينًا ويسارًا غير مُصدقة لم يُقال الآن، عقلها يكاد يشت فلقد بقيت لأشهر تحاول أن تعرف أو على الأقل تتوقع من قد يكون استطاع إقناعهم بعدم سجنها ولم تكن لتتوقع أن يكون والدها ولو كان آخر شخص في الكون، فهو لم يكن له وجود في حياتها من الأساس.

شوفتي بقى إن أنا عارف كل حاجة عنك فعلًا...
عارف حاجات غادة اللي عايشة معاكي ولا تعرف عنها حاجة ولا حاسة بيها!

تابع والدها حديثه لترفع عيناها نحوه بأعين جمعت بين الإنكسار والغضب، لقد شعرت بالإذلال من قوله هذا فلقد كان هو سببٍ فيما حدث حتى ولو بصورة غير مباشرة، حاولت أن تتفوه بكلمات عتاب أو غضب لكن صوتها أبى أن يُغادر حلقها وكأنها فقدت النطق.

أنا مش قاصد أضايقك يا نانسي أنا،.

أنتَ؟ أنتَ أيه؟ أنتَ مين أصلًا وأيه اللي دخلك حياتي؟ يا أخي حرام عليك أنا كنت أتعودت إن أنا يتيمة الأب أيه اللي خلاك تظهر وتبوظ كل حاجة؟ تعرف يا بابا؟ أنتَ أكتر إنسان أناني شوفته في حياتي كلها!

كانت تصيح نانسي بأعين دامعة وهي تعيد خصلات شعرها نحو الخلف بعنف، لقد كانت في حالة يرثى لها فلقد كان حديثه صادم للدرجة التي جعلتها تشعر بكل المشاعر السلبية الموجودة في الكون بأكمله داخل قلبها في الوقت ذاته، شعر هو بالندم وأقترب منها خطوتين في محاولة بائسة منه لتهدأتها مُردفًا:
أهدي بس يا حبيبتي وتعالي نتكلم،.

أبعد عني، أبعد، مش عايزة أشوف وشك تاني أنا مليش أب أنتَ سامع؟ صرخت نانسي بطريقة هستيرية وهي تدفع والدها بعيدًا عنها ليُشير لها بيديه أن تهدأ لكنها لم تفعل...

ابتعدت نانسي عن والدها بخطوات مسرعة وهي تسير نحو الخلف دون أن تنظر إلى الطريق، حاول والدها أن يجذبها لكنه لم يستطع لم يكن هناك وقت كافي لفعل ذلك فلقد حدث كل شيء سريعًا...

صوت مكبح السيارة الصاخب، صراخ المارة، خصلات شعرها وهي تطاير بفعل الهواء، صوت ارتطام جسد نانسي على الأرض الصلبة، وآخر شيء وصل إلى مسامعها صوت والدها وهو يصيح برعب قائلًا:
بنتي!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة