قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثاني والعشرون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثاني والعشرون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثاني والعشرون

زينة أنا عندي ليكي خبر حلو أوي، الجلسة بتاعتك أتحددت كمان أسبوعين!

بجد؟ يعني خلاص كده؟ سألت زينة بأعين قد أضاءت بعد إنطفاء دام لأسابيع لتبتسم مريم وهي توميء لها بنعم ثم تقول: أيوا إن شاء الله الجلسة دي هتبقى الفيصل بينا وبينه، وبعد ما نكسب القضية إن شاء الله هيبقى قدامك شهرين بس وتخلص ريتال الترم التاني وناخدها معانا اسكندرية بقى.

اسكندرية؟ هو أنتِ هتروحي اسكندرية؟ سأل تليد بهلع مقاطعًا حديثهم وهو ينظر إلى ريتال بنظرة لم تفهمها وكأنه ينتظر منها أن تُنفي ذلك الخبر لكن لسوء الحظ جاءه الرد الذي لم يريد سماعه: اه، يعني لما ماما تخلص المشاكل اللي بينها وبين بابا هنقل من المدرسة وهسافر معاها إن شاء الله نقعد مع جدو.

وأنا مش هشوفك تاني؟ قصدي أحنا يعني مش هنشوفك تاني؟ سأل تليد بلهفة جعلت قلب ريتال ينبض بطريقة مختلفة قبل أن تشيح بنظرها بعيدًا عنه حينما أجابت والدتها عن سؤاله بدلًا منها مُردفة: لا هجيبها القاهرة في الأجازات والمناسبات مش عايزاكوا تقلقوا هو أحنا أصلًا معظم قرايبنا ومعارفنا هنا مش في اسكندرية.

أيوا يا طنط بس ده مش كفاية، يعني بعد ما كانت معانا كل يوم في المدرسة هنبقى بنشوفها مرة كل شهرين أو تلاتة. أردفت عالية بحزن شديد وقد قالت ما كان يرغب تليد في قوله، عانقتها زينة بينما تُعقب على حديثها بواقعية لم تخلو من الحنان واللطف مُردفة: أوعدك هجيبها على فترات أقرب من كده وبعدين يا عالية أنتِ عارفة إن كلها شهر ولا اتنين بعد ما تخلصوا السنة دي وهتبدأو كلكوا دوامة الثانوية العامة وكل واحد هيتشغل في دروسه وحياته.

خلاص يا طنط وأنا هثق في وعدك، مالك يا ريتال ساكتة ليه؟ ما تشاركينا في الكلام ولا خلاص بقى هتنسينا من قبل ما تسيبينا وتمشي؟
أيه يا عالية يا دراما كوين؟ ريتال شكلها سرحانة أساسًا خفي على البنت شوية. تمتمت حنين ممازحة إياها لتضربها عالية بخفة قبل أن تُعقب ريتال على حديثهم قائلة:.

مش سرحانة ولا حاجة بس بحاول استمتع بكل لحظة النهاردة من غير ما أفكر في حاجة ممكن تزعلني أو تشغل تفكيري، اليوم لطيف أوي وعايزة أتبسط فيه وأقضي معاكوا أكتر وقت ممكن لأن فاضل عشر دقائق وأسرتكوا هتتصل تشتمكوا على التأخير لحد دلوقتي.
صح فعلًا عندك حق.

بقولكوا أيه ما تيجوا ناخد صورتين مع بعض كده للذكرى، لينا أحنا الأربعة بس. أقترح تليد عليهم لتستقيم نانسي مُقتربة منهم لكن تليد وضح أنه لم يقصدها هي بجملته بل كان يوجه حديثه إلى عالية وحنين وريتال بالتأكيد لتحمحم نانسي بحرج، لكن ريتال تداركت الموقف سريعًا وأردفت بلطف: معلش يا نانسي هاخد صورتين معاهم لوحدنا وبعدين أنتِ تيجي وبعدها صالح وعطر وكده.

ماشي تمام أنا ممكن أصوركوا بالموبايل بتاعي.
لا شكرًا يا نانسي خدي موبايلي أحدث أصلًا من بتاعك. للمرة الثانية على التوالي قام تليد بإحراجها فهو لم يسامحها على فعلتها مع ريتال ومع سائر من قامت بمضايقتهم والتنمر عليهم وبداخله كان يشعر بالضيق تجاه ريتال لأنها سامحت نانسي على ما يبدو وهو يرى أنها لا تستحق هذا الغفران.

انتهت الليلة بسلام حيث رحل كلًا من عالية وحنين أولًا وتبعهم تليد بعد أن ودع ريتال بتأثر واضح حاول جاهدًا أن يُخفيه، بالطبع شكرته على قدومه وعلى هديته اللطيفة قبل أن تراقبه وهو يدلف إلى سيارته ويقودها مبتعدًا عن المكان بعد أن لوح لها.
مش هنمشي بقى ولا أيه؟ أنا عايزة أنام وعطر نامت على الكرسي أصلًا.

سألت نانسي لتُخرج ريتال من شرودها قبل أن تومئ مُتفقة معها أن عليهم الرحيل فهي تشعر بقليل من الإرهاق كذلك، وبالفعل بعد أن تم دفع ثمن ما قاموا بتناوله توجهوا إلى سيارة مريم حيث أن صالح لم يحضر سيارته.

صالح أركب قدام وأنا والبنات هنقعد ورا وهاخد عطر على رجلي. قامت زينة بتوزيعهم لينفذ الكل انطلقت مريم نحو منزل جدة ريتال أولًا، ساد الصمت طوال الطريق بينما كان صالح يرمق ريتال بحدة من حيث لآخر من خلال المرآة قبل أن يقرر أن يقطع هو ذلك الصمت مُردفًا:.

طنط زينة هو حضرتك مش شايفة إنه ميصحش إن تليد ده يكون موجود معانا النهاردة أصله يعني موجود بصفته مين؟ سأل صالح بحنق شديد موجهًا حديثه إلى زينة لا ريتال لأنه يعلم جيدًا أن سؤاله لن يروق إلى ريتال وإن كان يعلم أنها لن تُعلق على الأمر لكن الأخيرة فاجئته بأنها أجابت بدلًا من والدتها صائحة بإستياء شديد: هو أنتَ مالك يا صالح؟ معلش أنا أسفة يعني بس ده عيد ميلادي وتليد زميلي أنا وعالية وحنين وساعدني كتير الفترة اللي فاتت لما كنت تعبانة وأنا أصلًا علاقتي بيه في حدود الزمالة وبس. صُعق صالح من نبرة ريتال التي لم يعتادها قط فهو كان ينتظر منها أن تصمت وتستمع إلى حديثه في اعتراض ربما لكن دون اتخاذ ردة فعل، ازداد استياءه أكثر ليُردف بضيق:.

زمالة ولا غيره ده غلط على فكرة ومش مقبول نهائي!
بص يا صالح أنتَ ولا أبويا ولا أخويا ولا جوزي، أنتَ اسمك صالح أحمد وأنا ريتال عبدالرحمن خليك فاكر ده كويس! بصقت ريتال جملتها بنبرة تحمل كم كبير من الغضب والإستياء، كانت نبرتها غاية في الغضب للدرجة التي جعلت صالح يعجز عن الرد لبرهة قبل أن يسألها بإستنكار واضح:
هو أنتِ بجد بتتكلمي معايا أنا كده علشان العيل الملزق السمج ده!
صالح متغلطش لو سمحت!

بس بس ممكن تسكتوا أنتوا الإتنين وتعملوا احترام لزينة الكبيرة اللي معاكوا ولا أيه؟ صاحت مريم وهي تطالعهم من خلال المرآة أثناء قيادتها ليسود الصمت لبرهة وقد عقدت ريتال ذراعيها أمام صدرها بإعتراض واضح.

شكرًا يا مريم على ذوقك والله علشان هما شكلهم متعلموش حاجة عن الأدب والإحترام، أولًا يا صالح يا حبيبي أنا مقدرة إنك غيران على بنت عمك اللي زي أختك والكلام الجميل ده كله بس أنا موجوده على قيد الحياة أهو الحمدلله وأنا بس اللي من حقي أعلق على بنتي في أي حاجة.

كانت زينة تتحدث بنبرة حادة إلى حدٍ ما، لم يروق حديثها إلى صالح بالطبع لكنه لم يقوى على الإعتراض أولًا لكون زينة تكبره في العمر والمقام ثانيًا لأنه يعتبرها أمه الثانية وشقيقته الكبرى، نمت ابتسامة تنم عن الإنتصار على ثغر ريتال لكن سرعان ما تلاشت حينما نالت نصيبها من التوبيخ حيث أكملت والدتها حديثها مُردفة:.

أستاذه ريتال حتى لو معترضة على كلام صالح أو مش عاجبك في حاجة ممكن نوضح ده بإسلوب أهدى وأرقى من كده.

حاضر يا ماما أنا أسفة. أعتذرت ريتال بأدب ليتنهد صالح قبل أن يعتذر هو أيضًا مُردفًا:
أنا كمان أسف يا طنط وأسف يا ريتال مكنش قصدي أتكلم بإسلوب مش حلو أو أكون قليل الذوق حقك عليا.

والله نانسي دي أروق واحدة فيكوا حاطة الهاند فري في ودنها وبتتفرج على مسلسل في الموبايل وكارفة للخناقة. علقت مريم ساخرة بينما تنظر إلى الطريق الذي أمامها، ساد الصمت ما تبقى من الطريق حتى توقفت مريم أمام منزل عائلة ريتال لتبتسم الأخيرة بسعادة لأنها وللمرة الأولى تمر من أسفل المنزل دون أن تضطر إلى الإقامة فيه.

حمدلله عالسلامة يلا إيدكوا على تمن البنزين بقى علشان أنا لفيت لفة حلزونية علشان أوصلكوا هنا.

معلش يا مريم سيبيهم ينزلوا وأنا هديكي اللي أنتِ عايزاه. قالت زينة ممازحة إياها، ودعت ريتال كلًا من نانسي وصالح قبل أن تنطلق مريم متوجهة نحو منزل والدها، أخذت تتأمل ريتال الشوارع الفارغة نسبيًا نظرًا لتأخر الوقت بينما لفحت نسمات الهواء الباردة وجهها ممتزجة بصوت ألحان أغنية للست لكن قاطع تلك الأجواء اللطيفة توقف السيارة أمام العمارة العتيقة.

أيوا يا فؤاد، أنا خلاص روحت أنا وزينة وبنتها، متقلقش هنقفل الباب كويس ومش هنتأخر بكرة إن شاء الله، سلملي على حبيبة عمتو، الله يسلمك يلا أقفل بقى. تمتمت مريم وهي تتحدث إلى شقيقها عبر الهاتف لتطالعها زينة بطرف عيناها دون أن تنبس ببنت شفة، أنهت مريم المكالمة وهي تضغط على زر الإضاءة لتُنير المكان بينما تقول:
فؤاد بيسلم عليكِ، عليكوا يعني.

مين ده أصلًا؟ سألت ريتال بفضول وهي تتأمل المكان من حولها فلقد كان أثاث المنزل فاخر وكل شيء منمق وفي مكانه الصحيح.

ده أخو مريم الكبير يا ريتال وخليكي في حالك ها خليكي في حالك.

في أيه يا ماما مستفسرش يعني؟

لا يا لمضة متستفسريش، بقولك أيه تعالي بقى أوريكي الهدية بتاعتك ولا أنتِ نسيتي؟

لا منستش طبعًا وريني يلا،.

رافقت ريتال والدتها إلى الحجرة التي كانت تبيت بها هي ومريم لتجد ريتال صندوق كبير مُزين، جذبته على الفور وهي تقوم بفتحه بحماس شديد لمعرفة محتوياته وقد كان بداخله دفتر كبير للرسم وألوان مائية وألوان إكريليك وبعض أنواع الفرش المستخدمة في الرسم، طالعت ريتال زينة بحماس شديد بينما تصيح مُردفة:
ده بجد؟ يالهوي يا ماما دول غاليين أوي أنتِ كده دفعتي كتير جدًا.

مش مهم فداكي أي حاجة في الدنيا، أنا عارفة إنك كان نفسك في الألوان دي من كتير.

ده حقيقي بس، أنا آخر مرة رسمت كان من كتير أوي وعمري ما جربت ارسم بفرش وكده يعني لسه هجرب خايفة معرفش وتبقي دفعتي فلوس على الفاضي،.

على الفاضي ليه؟ أنتِ هتتعلمي وتجربي ومش بس كده أنا كمان هدور على أكاديمية لتعليم الرسم في اسكندريه وتنزلي تتعلمي.

بس أنتِ عارفة إن أنا هيكون عندي دروس يعني مش هيبقى في وقت ولا فلوس للكلام ده.

ريتال أنتِ ملكيش دعوة بالفلوس والمصاريف متفكريش خالص فيهم، بالنسبة للدروس مفيش مانع نحاول ننظم وقتنا بين حاجة بنحبها وحاجة مهمة زي المذاكرة حتى علشان متحسيش بضغط وملل وبعد فترة لو حسيتِ إنك مش عارفة توافقي الإتنين مع بعض هنوقف الرسم مؤقتًا.

شكرًا يا ماما إنك بتعملي كل حاجة تقدري عليها علشان تفرحيني وشكرًا إنك دايمًا عندك حلول لكل حاجة في الدنيا. قالت ريتال وهي تنقض على والدتها لتمنحها عناقٍ قوي، قاطع تلك اللحظة السعيدة صوت مريم وهي تُخبرهم بأنها تنوي أن تطلب طعام من أجل السهرة بالإضافة إلى بعض الحلوى والتسالي، مر ما تبقى من الليل في سلام وهدوء وسط ضحكات ثلاثتهم حتى غفت ريتال بين أحضان والدتها على الأريكة.

في صباح اليوم التالي بمجرد أن بدأت جميع المصالح الحكومية اتجهت سالي برفقة عبدالرحمن لمقابلة المحامي خاصتهم ليقوم بالإجراءات المتفقة عليها بنقل ملكية السيارة وبعض المال إلى سالي.

ألف مبروك يا سالي كده بقى العربية بقت بإسمك وكمان في حوالي ميتين وخمسين ألف جنيه في حسابك في البنك وأنتَ يا عبدالرحمن عايزك تطمن خالص كل حاجة ماشية زي ما أحنا اتفقنا. أعلن مرزوق موجهًا حديثه لتلك الواقفة تحمل مفاتيح السيارة في يدها بسعادة وانتصار قبل أن يقاطع ذلك المشهد صوت عبدالرحمن القلق وهو يسأل المحامي قائلًا الآتي:
أنت متأكد ولا هتلبسني في الحيط؟

عيب عليك الورق هيطلع فيه إنك بتقبض أربعة آلاف جنيه بدل العشرين اللي بتاخدهم يعني أقصى حاجة طليقتك وبنتك هياخدوها هي ألف ونص يعني بدل ما ياخدوا منك من تمانية. تمتم بنبرة واثقة مع ابتسامة سمجة زينت ثغره، بادله عبدالرحمن الإبتسام قبل أن يُردف:
يخرب عقلك يا أستاذ مرزوق، ده قريبك ده طلع داهية زيك يا سالي.

علشان تعرف بس وعلى فكرة أنا هستنى منك هدية كبيرة كده تقديرًا لمجهودي ده غير أتعابه هو طبعًا أنا مليش دعوة. أردفت سالي وهي تميل بجسدها على جسد زوجها ليطالعها بطرف عيناه قبل أن يقول بإستنكار:
يا شيخة أتقي الله ده أنتِ لسه واخدة اللي ورايا وقدامي الفلوس ملحقتش تبرد حتى!

يا بودي دول سلف يعني وأنتَ عارف إن أنا أكيد هرجعهم تاني في حسابك بعد حوار القضية ده.

ماشي يا ستي ليكي عندي الهدية اللي تختاريها بس لما أشوف زينة مزلولة وبتتمني أرجعلها وتبقى توريني بقى هتسدد أتعاب المحامية اللي معاها دي منين بالمبلغ الكحيان ده!

أردف عبدالرحمن بنبرة تدل على مدى السوء الذي وصل إليه فهو بدلًا من أن يتمنى انتهاء الأمر بالمعروف بينه وبين زوجته السابقة يريد أن يراها في أسوء حال في حين أنها لم تؤذيه عن عمد يومًا طيلة تلك السنوات الماضية بينهم.

بعد مرور أسبوع على ذلك اليوم كان مرزوق المحامي في طريقه إلى المكتب خاصته بعد أن استلم الأوراق المزورة التي تُفيد بأن راتب موكله أقل من نصف المبلغ الحقيقي وبينما كان يعيد ترتيب الأوراق أخبرته المساعدة أن هناك شابة تود مقابلته في أمر ضروري ليأمرها بإدخالها على الفور.

أستاذ مرزوق صح؟ سألت تلك الواقفة بقامتها الممشوقة وبذلتها النسائية الرسمية، أعتدل هو في جلسته حينما رأى الحسناء التي تسأل عنه قبل أن يسألها هو بإعجاب واضح:
أيوا يا فندم أنا، مين حضرتك؟ أخدمك ازاي؟

لا ده أنا اللي جاية أقدملك خدمة العمر يا محامي يا نصاب يا مرتشي. صاحت بصوتٍ حاد لا يليق بهيئتها الرقيقة والراقية لتضطرب معالم وجهه على الفور وهو يُشير لها بأن تُخفض صوتها كي لا يُفتضح أمره بين الموكلين المنتظرين بالخارج قبل أن يُردف مستنكرًا بإستياء واضح:
أفندم؟ أيه اللي حضرتك بتقوليه ده يا أستاذة أنا إنسان محترم وشريف وبعدين أنتِ مين أصلًا؟

أنا اللي هخرب بيتك! على فكرة الموظف اللي كان بيساعدك في ضرب الورق واللي كان بياكل حقوق الناس علشان تساعد موكلينك يا نصاب أتقبض عليه النهاردة وطبعًا طبعًا اسمك جيه في المحضر والتحقيقات وكلها نص ساعة كده وهتلاقي نفسك متحول للتحقيق ويمكن تتحبس كمان مش عارفة بصراحة وأبقى سلملي على مدام سالي الحربوءة قريبتك.

بصقت مريم تلك الحقائق في وجهه لتضطرب معالمه على الفور وهو يصيح طاردًا إياها إلى الخارج لكنها لم تهتم فهي كانت تنوي الرحيل على أي حال فلقد انتهى عملها هنا والآن بات عليها العودة وطمئنة زينة والرفع من روحها المعنوية وكذلك مراجعة ما سيتم في المحاكمة الأسبوع القادم.

مرت الأيام سريعًا لكن غاية في البطء بالنسبة إلى زينة والتي ازداد توترها بإقتراب موعد المحاكمة، قررت هي ألا تشارك ذلك التوتر مع ابنتها لذا رفضت أن تُخبرها باليوم المُحدد للمحاكمة فهي لا تريد أن تُعطلها عن دراستها وتؤرق راحتها بسبب شيء كهذا، على الرغم من محاولات زينة إلى أن عقل ريتال لم يتوقف عن التفكير الزائد طوال الوقت وقد بدأت تتشتت أثناء سماع ما يتم شرحه وأثناء المذاكرة.

وفي تلك الليلة التي تسبق المحاكمة لم تستطع زينة أن تنام بسلام قط فلقد كان القلق ينهشها نهشًا فهي أصبحت تعلم مدى خبث عبدالرحمن زوجها السابق وسالي زوجته الجديدة وفي الواقع لم يكن يشغلها أمر المال والحقوق من أجلها هي بل كل ما يهمها كان ابنتها الوحيدة التي لم تستطع أن تختار أبٍ صالح من أجلها لذا على الأقل تتمنى أن يتم تعويضها ماديًا ولو بنسبة بسيطة.

زينة مش هتنامي بقى ولا أيه؟ كده مش هتبقي مركزة في حاجة بكرة. سألت مريم بمجرد أن غادرت حجرة المكتب ولحمت طيف زينة التي تجلس بالقرب من الشرفة.

مش جايلي نوم يا مريم، متوترة أوي وخايفة بجد، خايفة الدنيا متمشيش زي ما أحنا عايزين.

مش أنا قولتلك إن أحنا عملنا كل اللي نقدر عليه وإن شاء الله ربنا هيكرمنا وحقك هيجيلك خلاص بقى اطمني يا ستي.

مش عارفة من غيرك كنت هعمل أيه بجد، لولا إن بابا قابلك صدفة كان زماني لسه تايهة ومعرفش مصيري أنا وريتال هيبقى أيه. أردفت زينة بإمتنان واضح لتبتسم مريم ابتسامة لطيفة قبل أن تقول:
دي كلها ترتيبات ربنا الحمدلله إني قابلت باباكي والموضوع مشي في السكة دي، يلا قومي صلي ركعتين كده ونامي وإن شاء الله كل حاجة هتبقى زي الفل. أومئت زينة قبل أن تستقيم من مقعدها وتذهب لتنفيذ ما قالته مريم.

في صباح اليوم المنتظر دلفت زينة إلى مبنى المحكمة بخطوات مترددة وأقدام مرتجفة، لا تعرف كيف سينتهي الأمر وبالرغم من أن مريم قامت بطمئنتها إلا أن قلبها لم يهدأ قط فبعيدًا عن صعوبة الموقف في العموم إلا أنها كانت لا تطيق التفكير في أنها سترى عبدالرحمن إلى جانب تلك الحية، أولئك الذين سلبوها حياتها وسكينتها، تلك المرأة التي خربت منزلها وسرقت حبيب عمرها وزوجها أو بمعنى أدق زوجها السابق.

أهدي يا زينة ومتفكريش كتير، كلها ربع أو نص ساعة بإذن الله وكل حاجة هتخلص على خير وهتخرجي كسبانة وهو هيروح يعيط جنب الست الوالدة. طمئنتها مريم بثقة شديدة وهي ترتدي الروب خاصتها استعدادًا للدخول، أومئت زينة وهي تحاول تنظيم أنفاسها لتضمها مريم كنوع من أنواع الدعم قبل أن يدلف كلتاهما نحو الداخل.

بعد مرور خمسة دقائق جاء عبدالرحمن وإلى جانبه زوجته وبرفقتهم المحامي خاصته لكنه لم يكن مرزوق ذلك الذي يقرب إلى سالي حيث أختفى بدون أية مقدمات ولم يعلم عبدالرحمن السبب وراء ذلك لكن أحد المحامين بالمكتب ذاته تبرع بإستلام القضية بدلًا منه وقد طمئنهم بأن الفوز سيكون حليفهم، طالع عبدالرحمن زينة بثقة شديدة وقد نمت ابتسامة سمجة على ثغره بينما طالعتها سالي بإزدراء شديد لتضطرب معالم زينة لكنها قررت أن تتجاهلهم حفاظًا على ما تبقى من أعصابها...

مرت الدقائق على زينة كأعوام حتى جائها قرار القاضي باستحقاقها نفقة لإبنتها تقارب من الثمانية آلاف جنيهًا شهريًا مستحقة لسنواتٍ عديدة أما عن زينة فلها نفقة لمدة عام.

ألف مبروك يا زينة يا حبيبتي، أبسطي يا ستي الحمدلله كل حاجة مشيت زي ما خططنا. قالت مريم وهي تعانق زينة لتبادلها الأخيرة العناق وهي تُردف بأعين دامعة:
الحمدلله الحمدلله، قاطع لحظة الإنتصار السعيدة صوت عبد الرحمن الكريه والذي لم تُدرك زينة ما يقوله إلى حينما أقترب منها هي ومريم.

أوعي تكوني فاكرة إنك انتصرتي عليا يا زينة، أنا هخلي حياتك دي جحيم صدقيني وهندمك على كل قرش هتاخديه من تعبي وشقايا! صاح عبدالرحمن موجهًا حديثه إلى زينه والتي لم تُعقب على ما قاله بل لم تنظر تجاهه من الأساس وقررت أن تصمت وتمضي في طريقها لكن مريم لم تفعل بل وقفت تطالعه بإزدراء قبل أن تُردف بسخرية:.

لم الدور يا عم الأمور بدل ما أعتبر كلامك ده تهديد رسمي وأسجله ونروح نعمل محضر بقى وتتشحطط في الأقسام كفاية عليك المحكمة النهاردة. استشاط غضبًا من تهديد مريم المقترن بالسخرية لذا قرر تجاهلها ووجه حديثه إلى زينة مُردفًا بحنق:.

ماشي يا مدام زينة بس خليكي فاكرة إنك أنتِ اللي اختارتي وإن أنا كنت كويس معاكي لحد آخر وقت. اضطربت معالم زينة حينما تحدث إليها بتلك اللهجة لتقترب مريم بحيث تقف في المنتصف بينهم بينما تصيح موبخة إياه:.

كنت كويس مع مين يا أخويا؟ ده أنتَ كنت عايز تطردها بالهدوم اللي عليها خلينا ساكتين أحسن وأنتِ يا تس تس غوري من وشي وأه أبقي اطمني على المحامي قريبك أصله أتوقف عن العمل وأحتمال يتسجن كمان. أنهت مريم حديثها الذي كان أشبه بالطلقات النارية بسخرية شديدة قبل أن تسحب يد زينة وتتجه نحو الخارج حتى تقوم بتهدأتها قليلًا.

متسيبيش أي كلام قاله الحيوان ده ينسيكِ أننا كسبنا وبقى في نفقة بمبلغ معقول ليكي أنتِ وريتال وكمان لسه لما تاخدي المؤخر اللي هو واكله عليكِ يعني كل حاجة هتتضبط.

كان نفسي اليوم يمشي من غير ما أشوف وشه هو واللي معاه دي، حتى لو أنا كسبت بس ده مش هيعوض الضرر النفسي اللي سببه ليا أنا وبنتي، يا مريم ريتال مش كويسة خالص أنا حاسة بيها مهما كانت بتحاول تداري عليا. كانت زينة تتحدث بإنكسار شديد وقد لمعت عيناها بدموع رفضت أن تدعها تنهمر، جذبت مريم يدها بلطف قبل أن تقول:.

صدقيني يا زينة أنا مسكت قضايا كتير فوق ما تتصوري وخليني أقولك إن دي تعتبر واحدة من أسهل وأحسن القضايا اللي مسكتها والموضوع الحمدلله مكملش ست شهور وكان خلصان هو اه لسه في إجراءات لازم تتعمل تاني بس لحد دلوقتي الدنيا ماشية تمام فحاولي تبصي للجانب الإيجابي علشان كده هيجرالك حاجة.

الحمدلله على كل شيء، ممكن نمشي بقى لو خلاص كده علشان بجد مش قادرة أقف. تمتمت زينة حينما شعرت بالضعف يتمكن من جسدها فهي لم تحظى بساعات كافية من النوم ولم تتناول قدر كافي من الطعام كذلك في الأيام الماضية وفجاءة شعرت زينة بالمكان من حولها يدور لتتكيء على ذراع مريم على الفور، حدث كل شيء سريعًا ولم تدرِ زينة ماذا يحدث...

فتحت زينة عيناها بعد مدة مجهولة لتجد نفسها على فراش أبيض اللون وهناك محلول مغذي متصل بيدها، أخذت تنظر حولها بتيه شديد قبل أن تقع عيناها على ذلك الذي يقف بالقرب من الباب بمعطفه الأبيض ناصع البياض وتقف إلى جانبه ممرضة يهمس إليها بشيء ما مُشيرًا نحو المحلول المغذي خاصتها.

أنا فين؟

متقلقيش يا مدام زينة حضرتك أغم عليكِ وأنتِ خارجة من المحكمة ومريم كلمتني وأنا كنت في القاهرة بالصدفة وقولتلها تجيبك على المستشفى هنا، مريم راحت تجيب قهوة وجايه على طول.

شكرًا، معلش تعتبك. تمتمت بوهن شديد ممتزج بالحرج ابتسم هو ابتسامة صغيرة دون أن يوجه نظره نحوها مانحًا إياها الخصوصية الكافية قبل أن يقول بلطف:
مفيش داعي للشكر ده واجبي، خليكي هنا مع مدام زينة ولما المحلول يخلص بلغيني.

حاضر يا دكتور. تمتمت الممرضة ليومئ لها فؤاد قبل أن يُلقي نظرة خاطفة على زينة ثم يتجه نحو الخارج تاركًا إياها لتحظى ببعض الراحة.

أخيرًا فوقتي يا ست زينة؟ يا شيخة حرام عليكي أنا اترعبت وكان فاضل دقيقة ويغم عليا جنبك في الشارع من الخضة.

حقك عليا والله وبعدين ما كنتِ جبتِ أي برفان وفوقتيني لازم يعني تتصلي على أخوكي؟

ياستي أهو اللي جيه في بالي وكمان أنا أفتكرت أنه كان قايلي إنه هيبقى في القاهرة الأسبوع ده.

ياربي كل مواقفي معاه محرجة كده، بقولك أيه أنا عايزة أمشي خليهم يشيلوا الموضوع ده بقى ويالا نروح.

الممرضة هتشيله لما يخلص ولو على الإحراج يا ستي متقلقيش مش هنشوف فؤاد تاني لأن في اجتماع مهم وهو مشغول. طمئنت مريم زينة لتومئ الأخيرة ب حسنًا وبالفعل بعد مرور ساعة تقريبًا توجه كلتاهما إلى المنزل.

بمجرد أن عادت زينة من المستشفي هاتفت ريتال لتخبرها بالأخبار السعيدة التي حدثت، تحمست الأخيرة كثيرًا وهي تحصي داخل عقلها الأيام الباقية على انتهاء العام الدراسي حتى تتمكن من الإنتقال للعيش مع والدتها في الاسكندرية.

ماما هو أنتِ هتيجي تاخديني أمتى؟ سألت ريتال والدتها عبر الهاتف بحماس شديد لتُجيبها زينة بالحماس ذاته مُردفة:
بصي المفروض إن أنا كنت هستنى لما تخلصي امتحانات الترم التاني وبعدها نسافر مع بعض بس أنا عارفة إنك مش هتبقي عايزة تستني فمريم عرضت عليا إن أحنا نقعد في شقة باباها الله يرحمه الشهر اللي فاضل ده.

أنا موافقة ها هتيجي تاخديني أمتى بقى؟ قالت ريتال دون إهتمام بما قالته والدتها في جملتها السابقة لتقهقه زينة قبل أن تُجيب عن سؤالها:
يومين بالكتير كده إن شاء الله هاجي أنا ومريم بالعربية علشان الشنط، أنا عايزاكي تاخدي الحاجات المهمة أوي بالنسبالك لكن أي حاجة تانية نشتري زيها من هناك وخلاص.

مفيش داعي للمصاريف يا ماما أنا حاجتي اللي هنا كلها بستخدمها وكلها سليمة عمومًا متقلقيش أنا هعرف أجهز حاجتي كلها إن شاء الله.

أنهت ريتال المكالمة مع والدتها ثم أخذت تدور في الغرفة بحماس طفولي بينما نمت ابتسامة واسعة على ثغرها، والآن قد بدأت الحياة تبتسم في وجهها مرة آخرى أو على الأقل هكذا كانت تظن فهنالك جزء بداخلها كان على علم تام بأن الأمور لن تسير باليسر الذي تتخيله...

فأيامها الأخيرة في المنزل هنا ستكون بمثابة جحيم بالنسبة إليها خاصة بعد انتصار والدتها على والدها في المحكمة كما أنه سيكون من الصعب عليها أن تُغادر ذلك المنزل الذي عاشت فيه لسنواتٍ طويلة حتى وإن كان المكان كئيب يُشعرها بالإختناق إلا أن ذلك لن يمحو ذكرياتها وسنوات عمرها...

ومن ناحية آخرى لا تكاد تُصدق أنها ستقضي أسابيع وأشهر بعيدةً عن جدتها التي أتضح مؤخرًا أنها تحمل داخل قلبها حنية العالم مجتمعة في امرأة واحدة، وماذا عن الصغيرة عطر التي أتخذت منها شقيقة صغرى منذ أن وُلدت تقريبًا.

ونانسي التي تحسنت العلاقة فيما بينهم حديثًا أيضًا ولقد وجدت كلًا منهن ضالتها في الآخرى فنانسي التي عانت من الوحدة لسنوات طويلة قد وجدت في ريتال شقيقة وداعمة لها في الآونة الأخيرة بعد أن قضت فترات طويلة تعاني من كونها الأبنة الوحيدة أولًا وثانيًا بسبب كونها شخصية سامة تُسيء معاملة من حولها أما عن ريتال فبمساعدتها لنانسي ودعمها لها شعرت بأن لها قيمة في هذه الدنيا وأنها تستطيع فعل شيء يُذكر.

أما عن صالح، آهٍ من صالح، ذلك الذي نشأ إلى جانبها منذ أن كانت طفلة وحتى الآن، ذلك الشاب والذي كان في السابق صبي يتسابق معها ويُفسد ضفائرها التي كانت تستغرق زينة العديد من الوقت لتصفيفها والذي كان يذهب لشراء الحلوى من مصروفه الخاص من أجلها، ذلك الذي هوته ريتال لأنها لم ترى غيره طوال سنوات عمرها القليلة، صالح الذي كان مثالًا حي لفارس الأحلام بالنسبة إليها والذي بالرغم من كل عيوبه وتصرفاته الغير مبررة أحيانًا فذلك لم ينقص منه شيء في عيناها أو قلبها وكل ما كانت تنوي أن تتحدث فيه أو تعاتبه عليه قد تبخر من ذهنها حينما أدركت أنها ستبتعد عنه.

يمكن كده أحسن، همست إلى نفسها تحاول منع نفسها من البكاء، فربما سفرها وإنشغالها عن صالح سيُخفف من ذلك الألم الذي يعصف بقلبها حينما تراه برفقة سارة أو حينما يتحدث بشأن تجهيزات الزواج بشكلٍ عام فحينما تنشغل في حياتها الجديدة لن تجد مكانٍ لصالح وذكرياته...

كان يشغلها أيضًا أمر المنزل الجديد بل المحافظة الجديدة بأكملها، مكانٍ لم تذهب إليه سوى لمرة واحدة تقريبًا في عمرها وماذا عن جدها ذلك الذي لم تراه من سنواتٍ طويلة وبالتالي لن تشعر بالراحة في التواجد بقربه على الأقل في الفترة الأولى من وصولها، ومدرستها الجديدة، هل ستُقابل بالتنمر كما حدث معها في بداية العام الماضي؟ أم أنها ستجد رفقاء صالحون كحنين وعالية و، تليد، لكن لحسن الحظ أنها ستكون في عامها الأخير أي لن تضطر إلى الذهاب إلى المدرسة إلا لمرات معدودة مما سيقلل من إحتكاكها مع الجميع.

قاطع تفكير ريتال العميق صوت باب المنزل وهو يُفتح بعنفٍ شديد تبعه صوت والدها الغاضب وهو يصرخ مُردفًا:
هي فين البت اللي اسمها ريتال دي؟ تعاليلي يا بنت ال، تعالي شوفي أمك عملت فيا أيه! أطلق والدها العديد من السباب صائحًا لتنتفض هي من جلستها وتهرول نحو باب الحجرة تنوي إغلاقه بواسطة المفتاح لكن لم يكن هناك وقتٍ كافي لذلك حيث أخترق والدها الباب كذئب مفترس ينوي أن يفتك بفريسته.

بتستخبي مني؟ مش أنتِ اللي عرفتيها من الأول إن أنا اتجوزت يا زبالة أنتِ؟ بتستخبي بعد ما خربتي بيتي وحياتي وخليتي أمك تلهف مني كام ألف جنيه ولسه اللي هتاخده! كان والدها يوبخها بينما يجذب من ذراعها بقوة لتتأوه هي بآلم وقد أغرورقت عيناها بالدموع، حاولت جدتها أن تُبعد والدها عنها لكن قوتها لم تكن كافية.

بسببك خسرت سعادتي ومراتي وفلوسي وكل حاجة، ياريتني ما خلفتك يا شيخة! صرخ وهو يركلها في قدمها بقوة.

يا غادة، يا غادة اطلعي نادي على صالح وأحمد بسرعة الله يخليكي يا بنتي! صرخت في ابنتها لتنفذ غادة على الفور مهرولة نحو الأعلى وبالفعل لم يمر سوى ثلاثة دقائق تقريبًا حتى جاء صالح ليبعد عمه عن ابنته المسكينة لكن تلك الدقائق القليلة كانت كافية لتتعرض ريتال لبضع صفعات من والدها والقليل من اللكمات في كتفها وذراعها تركت بقع مزيج بين اللونين الأحمر والبنفسجي.

أنا قولتلك لو قربت منها تاني مش هسكتلك! صرخ صالح بحنق شديد وهو يجذب عمه بكل قوته قبل أن يُلكمه لكمة قوية وقع على أثرها الأخير أرضًا وسط صراخ الجدة والعمة.

مش كده يا صالح أنا جايباك تحوش عنها مش تضربه ميصحش كده يا ابني! صاحت الجدة لكن ذلك لم يفيد فلم يستمع صالح إلى ما تقوله وأخذ يلكم عبدالرحمن مرة آخرى حتى جاء والده ليفصل بينهم أخيرًا ويسحب شقيقه نحو الخارج.

كانت ريتال تجلس في أحد الأركان في حالة يرثى لها، هلع شديد سيطر على كيانها وقد ملأت الدموع عيناها وتناثرت خصلات شعرها المموجة على وجهها، طالعها صالح بتأثر شديد بينما يتنفس بقوة وهو يقوم بإعادة خصلات شعره المبعثرة نحو الخلف بينما يطالع قبضة يده التي لوثتها دماء عبدالرحمن نتيجة للكمة في أنفه.

تيته خديها أغسليلها وشها وأنتِ يا عمتو معلش هاتيلها عصير أو مايه.

تمتم وهو يحاول تنظيم أنفاسه قبل أن يجلس على السرير وهو يزفر بضيق، نفذت الجدة ما طلبه صالح وسحبت ريتال ببطء شديد والتي لم تقاوم فلقد كانت في حالة من الذهول نتيجة لما حدث قبل قليل، دلفت العمة إلى الحجرة لتحضر غطاء رأس من أجل ريتال ثم تبعتهم نحو الخارج.

جلس صالح يتأمل المكان وهو يحاول أن يحذف من رأسه المشهد الذي رأه قبل قليل، صرخات ريتال التي تطلب النجدة ووالدها الذي يُعنفها بلا أي رحمة أو شفقة ودموعها التي تنهمر كشلالٍ عظيم وجسدها الذي يرتجف، شعر بقلبه يحرقه لأنه لم يستطع حمايتها ولأنه تأخر كثيرًا على إنقاذها.

مرت بضع دقائق قبل أن يأتيه صوت شهقات ريتال بالخارج ليتجه نحوها على الفور ليجدها تجلس على الأريكة إلى جانب جدتها بينما تبكي داخل أحضانها، ضغط على فكيه بغضب شديد قبل أن يسأل:
أنا عايز افهم حصل أيه بقى لكل ده؟

المحكمة كانت النهاردة وزينة كسبت القضية وطلعت بمبلغ محترم يعني للنفقة وعمك من أول لما عرف أتجنن. أجابت عمته فور دخول نانسي التي وقفت تطالعهم بذهول لوهلة قبل أن تستنج ما حدث وسبب بكاء ريتال.

أنا ازاي محدش يقولي إن المحكمة النهاردة؟ كان المفروض أكون معاهم.

على فكرة ريتال قالتلك يا صالح بس أنتَ كنت بتعمل حاجة في الموبايل ومركزتش تقريبًا. نبست نانسي ليرمقها صالح بحدة وغيظ بينما لم تستطع ريتال التفوه بحرفٍ واحد.

أنتِ طلعتي منين أصلًا؟ جايه بعد ما المشكلة ما حصلت وياريتك بتقولي حاجة عدلة!

أنا كان عندي مراجعة يا صالح وبدل ما تتشطر عليا كنت خليك جنبها وأحميها مش دي اللي بتقول عنها أختك وبنت عمك وكل حاجة في دنيتك والجو الأو?ر ده!

تصدقي أنتِ صح أنا فعلًا معرفتش أحميها منه أنا بقى هطلع دلوقتي أدغدغ البيت عليه علشان ترتاحي ومش بس كده بعد أما أخلص هبلغ أنه بيعنف بنته القاصر أيه رأيك؟ صاح صالح بإستياء شديد وإن كان حديثه قد يبدو ساخرًا إلا أنه كان ينوي فعل شيء كهذا بالفعل.

يا ابني أهدى بس وأقعد وأنتِ يا نانسي تعالي هدي بنت عمك بدل ما أنتِ عمالة تشعللي الدنيا.

حاضر يا ماما. تمتمت نانسي وهي تجذب ريتال برفق كي تقف ويتجه كلتاهما نحو الحجرة ليطالعهم صالح لثوانٍ قبل أن يُغادر المنزل غاضبًا.

في تلك الأثناء بالطابق العلوي حيث كان يجلس عبدالرحمن المُصتب برفقة شقيقه الأكبر والذي منحه بعض المناديل الورقية ليقوم بوضعها على أنفه لحين إحضار القطن الطبي.

شوفت ابنك ابن ال، يا أحمد، أنا العيل ده يعمل فيا كده؟ سأل مستنكرًا وهو يُحاول إيقاف نزيف أنفه بينما رمقه شقيقه بحنق شديد بينما يُردف:
متغلطش يلا! وتصدق بقى إن لو كان صالح مضربكش كنت نزلت أنا أديتك العلقة التمام علشان أنتَ محتاج اللي يفوقك!

أنتَ واقف في صف ابنك قليل الرباية على أخوك! ده بدل ما ترنه علقة موت على اللي عمله فيا؟

والله أنتَ اللي محتاج علقة علشان الظاهر مخك فوت! من أمتى وأنتَ بتمد إيدك على ريتال؟

ده على أساس إنك كنت بتطبطب على صالح يعني؟ وبعدين ما طول عمر أبونا كان بيضربنا عادي يعني جرا أيه في الدنيا؟

أبونا كان بيضربني أنا وأنتَ بس إيده مكنتش بتترفع على غادة وإن كنت أنا بقسى على صالح ومرة أو اتنين زقيت عطر ولا خبطها كده فأنا بطلت أعمل كده لكن عيب تبقى بنتك آنسة كبيرة وأنتَ تضربها كده يا جحش أنتَ! على الرغم من أن أحمد لم يكن أب جيد في معظم الأحيان ولم يكن بالشخص المتحضر في العموم إلا أنه كان محق نوعًا ما في حديثه، وبالطبع لم يروق ما قاله إلى شقيقه الذي أمتعض وجهه وأردف بإستياء شديد:.

بقولك أيه أنا حر أربي بنتي على كيفي.

حلو أوي وأنا بقى حر أربي أخويا الصغير على كيفي هو مش الأخ الكبير بيبقى في مقام الأب بعد موته؟ أنا بقى هربيك من الأول يا عبدالرحمن!

يالهوي، أيه اللي عمل فيك كده يا راجل؟ أنتَ دخلت خناقة ولا أيه؟ سألت سالي التي عادت من الخارج حديثًا برفقة طفلها الصغير ليُخفي زوجها وجهه خجلًا بينما يُجيب بمرارة:
لا مفيش دي حادثة بسيطة، عربية نص نقل خبطتني،.

عربية نص نقل عندها واحد وعشرين سنة و 185 متر. علق أحمد ساخرًا من شقيقه لتتطالعه سالي بإحتقار قبل أن تقول:
يادي الوكسة بقى العيل الصغير ده يمد إيده عليك؟ يرضيك كده عمايل ابنك يا أستاذ أحمد؟

يرضيني اه وياريت بقى أنتِ وجوزك تتلموا كده وتبطلوا تعملوا مشاكل وتأذوا الناس، يلا ومن غير سلام عليكم. أردف بحنق وهو يستقيم من مقعده ويغادر المكان بعد أن رمق شقيقه الأصغر هو وزوجته بإحتقار شديد.

خيبة عالرجالة بقى أنتَ يا عبدالرحمن يحصل فيك كده؟

بقولك أيه أتكتمي أنتِ كمان بدل ما تاخدي علقة زي اللي خدتها ريتال، غوري من وشي! صرخ في وجهها لتستقيم من مقعدها وتذهب إلى حجرتها تاركة إياه وحيدًا.

مرت ثلاثة أيام على تلك الحادثة وخلال تلك المدة القصيرة لم ترى ريتال والدها وبالكاد كانت ترى صالح ونانسي فلقد كانت تقضي يومها بالكامل داخل مخبأها رافضة التحدث إلى أي شخص حتى جاءتها مكالمة من والدتها تخبرها بأن تبدأ بالإستعداد للرحيل وبالفعل بدأت ريتال في جمع أغراضها على نحو بطيء فوالدتها لم تُحدد بعد اليوم الذي ستأتي لإصطحابها به لكنها لم تعد تطيق التفكير في البقاء في هذا المكان فربما تجهيزات الرحيل عن عنها تستطيع تحسين نفسيتها ولو بنسبة ضئيلة.

خلاص هتمشي يا ريتال؟ سألت بثينة بإنكسار شديد وهي تتأمل حفيدتها التي تقوم بإغلاق الحقائب استعدادًا للرحيل، كانت تعرف مقدمًا الإجابة على هذا السؤال لكنها كانت تسأل من باب العادة ولربما سمعت جوابٍ آخر، طالعتها ريتال بإبتسامة صغيرة حزينة بينما تقول:
اه يا تيته يا حبيبتي همشي مبقاش ينفع استنى هنا أكتر من كده،.

هتبقي تتصلي تطمني عليا صح؟

أكيد طبعًا يا تيته وكمان هاجي أزورك أول لما أخد اجازة مش عايزاكي تقلقي خالص.

طب سيبي بيچاما ولا اتنين هنا علشان أصدق إنك هتيجي تباتي معايا.

حاضر يا حبيبتي. نفذت ريتال طلب جدتها فقط لكي تُريح قلب تلك العجوز على الرغم من أنها قد قررت ألا تخطو ذلك المنزل مجددًا بعد رحيلها عن هذا المكان الذي لم تعد تطيق التواجد فيه.

في صباح اليوم التالي كان قد جاء اليوم المنتظر منذ أسابيع لقد حضرت والدة ريتال أخيرًا لتنتشلها من ذلك البيت الذي لم يكن لها منزلًا دافئًا قط، ذلك المبنى ذو الأربعة جدران الباردة القاسية، تلك الأركان التي لطالما بللتها بدموعها ليلًا لكي يصل صوت إلى مسامع أفراد تلك العائلة الذين لم يكونوا ليهتموا على أي حال، دلفت ريتال إلى تلك الحجرة التي كانت تقطن بها مؤخرًا عند جدتها لتقوم بتجميع أغراضها سريعًا استعدادًا للرحيل ومع كل قطعة ثياب تضعها داخل الحقيبة كانت تشعر بالحرية تقترب أكثر فأكثر.

يلا يا ريتال مامتك مستنياكي برا.

أعلن صالح لتتهلل أساريرها وتحمل حقائبها غير مبالية بكونها ثقيلة فسعادتها في تلك اللحظة منحتها للقوة الكافية، اقترب منها صالح ليساعدها في حمل الحقائب وبمجرد أن رأت والدتها هرولت نحوها في عناقٍ قوي.

أيه اللي عمل في وشك كده؟ وقعتي ولا حد مد أيده عليكي؟

مش مهم دلوقتي يا ماما المهم نمشي، يلا بينا.

مش مهم ازاي يعني؟ قولي أنتَ يا صالح أيه اللي حصل؟ سألت صالح ليتجنب النظر إليها فلقد كان خاجلًا مما حدث ومن كونه لم يستطع حماية ريتال التي وضعتها والدتها أمانة عنده.

أنا أسف،.

أسف يعني أيه؟ أبوكي اللي عمل فيكي كده؟ ما تردي عليا يا ريتال.

يا ماما أبوس إيدك خلينا نمشي من هنا أنا مش قادرة لأي خناق ومشاكل أكتر من كده، يا ماما لو بتحبيني خلينا نمشي أنا مش طايقة أقف في المكان ده دقيقة واحدة. طلبت ريتال من وسط شهقاتها بينما انهمرت دموعها بغزارة وبالطبع لم تستطع زينة أن تجادل أكثر ورضخت إلى رغبتها.

في ذلك الوقت وبالإنتقال إلى المنزل الفخم حيث يقطن تليد، جلس يتأمل هاتفه في هدوء غير معتاد منه حتى أنه لم يلحظ دخول ياسين إلى حجرته إلا عندما سأله الأخير حول الآتي بنبرة ساخرة:
مالك يا تليد قاعد متنح في أيه؟ صورة بنت جديدة مش كده؟

لا لا يا عم بنت جديدة أيه وبتاع أيه؟ أنا مش فاضي للكلام ده. سأل تليد بإستنكار حقيقي لتعتلي الدهشة ملامح ياسين قبل أن يسأله بسعادة:
طب الحمدلله إنك فوقت لنفسك وعرفت إنك وراك حاجات تانية أهم وريني بقى بتتفرج عليه. تمتم ياسين وهو يسحب الهاتف من يد تليد ليرمقه الأخير بغيظ قبل أن يُردف بحنق:
قولتلك مية مرة يا ياسين متشدش التليفون من إيدي كده علشان بتعصب.

حقك عليا، أيه ده أيه ده، مش دول صحابك بتوع المدرسة؟ واللي في النص دي ريتال مش كده؟

اه ريتال، في حاجة بقى؟

علشان كده بتقولي مش بكلم بنات ومستنكر أوي الموضوع أتاري في حد شاغل بالك.

لا يا ياسين أنتَ المرة دي بجد فاهمني غلط، ريتال بالنسبالي غير أي حد وأنا مش بجري وراها علشان أصاحبها زي ما كنت بعمل ولا هي بتجري ورايا علشان ترتبط بيا، البنت دي بجد متربية ومحترمة جدًا وحاطة حدود قدر الإمكان بينا وأنا اللي كنت بحاول أكسر الحدود دي بس أنا خلاص قررت إن أنا أديها المساحة اللي هي طالباها وهي كده كده خلاص هتمشي من المدرسة ومش هشوفها تاني.

وضح تليد الأمر بنبرة جادة تمامًا لم يعهدها ياسين وقد كان الحزن يفوح من نبرته فهو لا يكاد يُصدق أن ريتال سترحل عنه وعن المدرسة، أجل لقد كانت علاقتهم ذات حدود ولم تكن ريتال تمازحه وتتحدث إليه طويلًا كما كان الجميع يفعل لكن ذلك لم يمنع شعوره بالحزن الشديد لرحيلها فهو حتى لن يتمكن من رؤية وجهها وابتسامتها اللطيفة من بعيد.

بص يا تليد هو يمكن الكلام اللي هقوله ده هيبقى بالنسبالك old fashioned عتيق/قديم الطراز بس أنتَ لو ليك نصيب مع ريتال بأي شكل كان بقى هتتقابلوا تاني بغض النظر عن الظروف والمسافات وأي حاجة.

تفتكر ولا ده جو أفلام هندي؟ سأل تليد بجدية قبل أن يبتسم ياسين ابتسامته الصغيرة الهادئة المعتادة قبل أن يُردف بنبرة لا تقل جدية عن خاصة تليد قائلًا الآتي:.

أنا واثق من ده، أنتَ بس المطلوب منك تركز في مذاكرتك والثانوية العامة اللي أنتَ داخل عليها وتدخل كلية كويسية أنتَ حاببها وتبقى بني آدم كده وبعدين إن شاء الله هنشوف موضوع ريتال ده، علشان أنتَ محتاج تشوف حياتك وتضبطها وتقرب من مامتك وباباك زي ما أتكلمنا مليون مرة قبل كده وهي كمان محتاجة تتعود على حياتها الجديدة وتركز في مذاكرتها.

الواحد مش عارف كان هيعيش من غير نصايحك ازاي يا ياسين ربنا يخليك ليا يا صديقي.

يلا على الله يطمر فيك، قوم غير هدومك بقى علشان هنروح نلعب كورة ومفيش تزويغ زي كل مرة سامعني؟ أردف ياسين وهو يدفع تليد بخفة لكي يستقيم من مقعده ليفعل الأخير دون جدال.

بعد مرور ثلاثة أسابيع تقريبًا وبمجرد انتهاء ريتال من اختباراتها التي تقدم موعدها لحسن الحظ قررت الرحيل هي ووالدتها عن القاهرة في أسرع فرصة ممكنة، كانت تقف إلى جانب والدتها في أحد الأركان تنتظر وصول القطار لكي ترحل عن هذا المكان أخيرًا.

كانت ريتال تنظر إلى بعض المسافرين الذين حضر أصدقائهم لتوديعهم أو ربما بعض أقاربهم بينما كانت تقف وحيدة هي ووالدتها، لم يحضر صالح ولا جدتها ولا نانسي والسبب يعود إلى رفض ريتال لإخبارهم بموعد رحيلها فهي تكره لحظات الوداع وتخشاها أكثر من أي شيء في هذه الدنيا وخاصة حينما يتعلق الأمر بالعائلة، هذا إن كان يمكن اعتبارهم عائلة بالطبع...

أنا قولت أجي أسلم عليكي قبل ما تمشي أنا وأسدين قصر النيل دول. أردف تليد ممازحًا لتلمع أعين ريتال لمعة جمعت بين السعادة وتجمع الدموع تأثرًا بالموقف فهي لم تعتقد أنهم قد يأتون لتوديعها في محطة القطار وبالرغم من سعادتها الشديدة لفعلتهم اللطيفة تلك وأنها استطاعت رؤيتهم قبل أن ترحل إلا أن ذلك ضاعف من الآلم الذي عصف بقلبها فهي لم تكره شيء في هذه الحياة أكثر من لحظات الوداع المريرة.

أخذ تليد يتأمل المكان من حوله والمسافرين بحثًا عن صالح فلقد توقع أنه سيكون هنا بالطبع لكي يودعهم لكنه لم يصيب التوقع هذه المرة وبالرغم من تعجبه إلى أنه شعر بالسعادة لأنه استطاع أن يلوذ باللحظات الأخيرة مع ريتال في حين أن الآخر لم يفعل، سرعان ما تبدلت ملامحه حينما رأى الثلاثة فتيات يبكون بينما يعانقون بعضهم البعض بتأثر شديد ليُعلق ساخرًا:.

لا لا لو عيطتوا أنتوا التلاتة همشي أنا مشاعري فياضة ومش هستحمل الكلام ده.

هتوحشوني أوي يا بنات، هتوحشوني كلكوا يعني وكل الناس، القطر جيه لازم أمشي، تمتمت ريتال ولكن سرعان ما قامت بتعديل جملتها حينما رمقها تليد بطرف عيناه بحدة ثم قاطع وداعهم صوت صاخب مُعلنًا عن وصول القطار.

ألقت ريتال نظرة أخيرة على أصدقائها ولوحت لهم قبل أن ينطلق القطار نحو وجهتها الجديدة التي لم تكن تعلم إلى أين ستقودها، لم يستغرق السفر الكثير من الوقت لكنه كان كافي لتغفو ريتال وتتناول وجبة صغيرة هي ووالدتها.

ماما ينفع وأحنا في طريقنا للبيت نعدي نشوف البحر الأول؟

أحنا معانا شنط كتير أوي وبعدين يا ستي ماهو البحر هيبقى موجود كل يوم عادي وكده كده التاكسي هيعدي عليه في طريقنا للبيت.

يوه بقى يعني أول طلب أطلبه كده ترفضيه؟ سألت ريتال بغيظ طفولي لتقوم زينة ب قرصها بخفة في ذراعها قبل أن تقول:
بلاش دلع جدك هيبقى مستني وكمان بنت خالتك بايته عند جدك من أسبوع إحتفالًا إنك جاية.

الله يعني أنا عندي بنت خالة بجد؟ يارب متبقاش زي نانسي.

لا يا شيخة نانسي أيه حرام عليكِ! فريدة أحسن من كده بكتير. حينما ذكرت زينة اسم فريدة ابنة شقيقتها خطر على بالها فريدة ابنة فؤاد تلك الفتاة الصغيرة من الروضة فلقد اشتاقت إليها كثيرًا حيث لم تستطع الذهاب إلى العمل بإنتظام مؤخرًا بسبب الإجراءات والقضية.

بعد نصف ساعة توقف القطار في المحطة لتقوم ريتال بحمل الحقائب الثقيلة نسبيًا بمساعدة والدتها وبمجرد أن خطت أقدامهم أرض عروس البحر المتوسط شعرت ريتال بإختلاف في الهواء والأجواء وكل ما حولها لتتسع ابتسامتها تلقائيًا.

زينة، ريتال، تعالوا يا حبايبي. صدرت هذه الجملة من ذلك الراجل الواقف في أحد الأركان يراقب ابنته وحفيدته بسعادة شديدة، هرولت زينة نحو أبيها لتمنحه عناقٍ قوي بينما أخذت تسير ريتال نحوه بخطوات بطيئة لا تخلو من الخجل.

تعالي في حضني يا حبيبة جدو. تمتم لتقترب منه وتمنحه عناقٍ صغير، لم يطيل العناق لأنها ربما لم تشعر بالراحة من فعلته تلك.

حمدلله عالسلامة، تعالوا أنا جايب العربية معايا برا، هاتوا الشنط دي ويلا بينا. بالفعل نفذت ريتال ووالدتها طلب جدها وبعد مغادرة المحطة دلفت إلى سيارته ذات الطراز القديم نسبيًا.

كانت قيادة جدها جيدة إلى حدٍ كبير، لفح وجهها هواء الإسكندرية المُنعش وتمتع نظرها بمياه البحر الزرقاء اللامعة بينما تستمع إلى أغنية عتيقة صدر صوتها من مشغل الصوت خاصة عربية جدها، أطلقت تنهيدة طويلة وهي تُطالع الطريق الذي يقودها نحو المجهول...

بالعودة إلى القاهرة في الوقت ذاته كانت سالي تتجول في أرجاء المنزل بإنتصار شديد، لقد رحلت ريتال عن المنزل للأبد ولا أمل في عودتها هي أو زينة كما أن السيارة ومبلغ مالي ضخم ومعظم شئون زوجها أصبحت ملكًا لها هي وطفلها الصغير مستقبلًا لكن على الرغم من ذلك كان ما يزال أمر إفساد علاقة صالح وخطيبته يُشغلها فهي تريد منه أن يتزوج بريتال حتى تستطيع هي وزوجها أن يحظوا بجزء لا بئس به من ميراث والد صالح.

أما نشوف كده يا ست ريتال سايبة أيه هنا ينفعنا، أردفت سالي مُحدثة نفسه وهي تتجه إلى حجرة ريتال السابقة بينما تقوم بالتفتيش بين أغراضها التي لم تهتم بأخذها معها أثناء رحيلها أو ربما قد نسيتها في ظل تلك الأحداث فعندما قررت العيش برفقة جدتها لم تنقل جميع أغراضها إلى الطابق السفلي وبينما كانت سالي تبحث وجدت دفتر مجهول الهوية مُخبأ أسفل العديد من الأغراض.

مذكراتي My Diary، بس كده هو ده اللي بدور عليه!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة