قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثاني والأربعون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثاني والأربعون

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الثاني والأربعون

بقول أيه، هي مبتجيش غير كده، تتجوزيني؟
أنتَ مجنون. قالت ريتال وهي تضحك ضحكة رنانة وقد أغلقت عيناها، طالعها تليد بأعين لامعة يتأمل حسنها ونغمتها المميزة قبل أن يقول:
يا مثبت العقل والدين يارب!
جدو مستني برا على فكرة أبقى قوله اللي أنتَ قولتهولي وشوف رده هيبقى أيه.

أردفت ريتال وهي تغمز بإحدي عينيها قبل أن تسبقه ببضع خطوات نحو الخارج، تبعها تليد بحماس شديد وفي الخارج كان ينتظرهم ياسين وبرفقته زوجته المستقبلية وجد ريتال أما عن أسرة تليد فلم يقوم بإخبارهم بموعد عودتهم لكي يُفاجئهم.
جدو حبيب قلبي. أردف تليد مرحبًا بجد ريتال بطريقة مبتذلة ليضحك الجد ضحكته ذات الإيقاع المميز قبل أن يقول:
هنبدأها بكش من أولها؟

مقدرش يا جدو أنتَ عارف اللي في قلبي، يا عريس ليك وحشة! قال تليد ممازحًا جدها قبل أن يوجه حديثه إلى ياسين الذي ضمه في عناق قوي، ساد الصمت لبرهة قبل أن يُردف ياسين:
ياريت تعمل حسابك بقى إن الأجازة الجاية تبقى على فرحي إن شاء الله.
متقلقش أنا عامل حسابي عالموضوع ده، مش هتوريني بقى عملت أيه في الشقة؟

طب يا ابني خد نفسك وروح عالبيت كده سلم على أهلك وخد شاور وبكرة الصبح نروح نبص على الشقة مستعجل على أيه؟
أصل كل حاجة في مصر وحشتني أوي، أردف تليد بنبرة لاعوب قبل أن يخطف نظرة نحو ريتال والتي كانت تُطالعه في الوقت ذاته، تبادلوا النظرات لثوانٍ قبل أن تشيح ريتال بوجهها بعيدًا عنه بكسوف واضح لتنمو ابتسامة جانبية على ثغره.

تليد أحنا لازم نرجع على اسكندرية دلوقتي وإن شاء الله نتقابل تاني بس تكون ارتاحت كده وقعدت مع أهلك وصحابك.
بس أنا ملحقتش أشبع منك يا ريتال! نطق بها تليد بصوت مسموع بدون وعي لتلمع أعين ريتال قبل أن تُردف بمراوغة:
لسه هنقعد كتير مع بعض، مش أنتَ ناوي توفي بوعدك ولا أيه؟

من ساعة ما عرفتيني عمري قولت كلمة ومكنتش قدها؟ ومتقوليش قولت هفضل جنبك وسافرت علشان دي متتحسبش. كانت ريتال على وشك ذكر أمر سفره لكن تليد سبقها فلقد توقع ما ستقوله، عقدت ذراعيها أما صدرها بينما تقول:
أنتَ بتخُم على فكرة.
هكلمهم أول ما أروح والزيارة الجاية لإسكندرية هتبقى قراية فاتحتنا إن شاء الله.

طب مش هتقول لجدو؟ سألته ريتال بتلقائية لينفجر تليد ضاحكًا، عقدت حاجبيها في انتظار سماع تفسير للضحك الغير مُبرر ليبتسم هو ابتسامة صغيرة قبل أن يقول: أنتِ طيبة أوي يا ريتال، أنتِ فاكرة إن جدو مش عارف؟ ده يعرف من سنة فاتت، ده ياسين وفريدة شخصيًا يعرفوا الظاهر محدش متفاجئ غيرك أنتِ.

اه ده أنا بتغفل بقى؟ سألت ريتال بغيظ شديد قبل أن تلكم فريدة لكمة خفيفة في كتفها لتتأوه الأخيرة وقبل أن تلتفت ريتال لتليد كي تُكمل الشجار سبقها هو مغازلًا إياها وهو يبتسم ابتسامته الخبيثة التي تُذيب قلبها بينما يقول: بذمتك في تغفيلة أحلى من كده؟

لا مفيش ويلا أركب مع ياسين العربية وروح أرتاح كده وبعدين نبقى نتكلم.
ماشي يا ستي، خلي بالك من نفسك وياريت حد يبقى يطمنا لما توصلوا بالسلامة.

ودعته ريتال مؤقتًا وهي تدلف إلى داخل سيارة جدها الصغيرة، لم تسع أجنحتها المكان من حولها من فرط السعادة، سعادة لم تشعر بها من قبل وكل ذلك فقط لأنها تتخيل اللحظة التي سيطرق بها تليد باب منزل جدها وفي يده باقة من الزهور وإلى جانبيه يقف والديه وشقيقته وقد قطعوا جميعًا مسافة طويلة من القاهرة للإسكندرية فقط لطلب يدها، مجرد التخيل جعل قلبها يكاد يُغادر ضلوعها من فرط السعادة فماذا عساه يكون شعورها حينما يُصبح ذلك التخيل حقيقة!

سرحانة في أيه يا ريتال؟

سيبها يا جدو ريتال مش معانا خالص دلوقتي.
بتكلموني؟ سألت ريتال بعد أن أخرجها صوت فريدة من شرودها لتضحك ضحكة صغيرة قبل أن تقول بنبرة لا تخلو من التهكم:
مش قولتلك يا جدو إنها مش معانا!
دماغي مشغولة أوي، تفتكروا تليد هيتقدم فعلًا ولا بيقول أي كلام؟ جدو هو بيقول إنه إتكلم معاك هو ده بجد؟ سألت ريتال جدها بوضوح ولم تتوقع سماع إجابة مُرضية منه لكن على العكس تمامًا لقد أجابها جدها بكل وضوح قائلًا:.

أيوا يا ستي بجد، تليد فاتحني في موضوع إنه يتقدملك ده من وقت ما جيه في خطوبة فريدة لكن اتفقنا نأجل الموضوع شوية وأنتوا برضوا لسه صغيرين لكن دلوقتي أنتِ خلاص قربتي على تالتة كلية ولو عملتوا خطوبة سنتين ولا سنتين ونص على ما تخلصوا دراستكوا هيبقى معقول.
طب يا جدو متعرفش هو كلم أهله ولا لا؟ أصل أنا بصراحة قلقانة أوي من الموضوع ده،.

مش عارف يا حبيبتي والله بس متقلقيش إن شاء الله خير.
إن شاء الله.

ساد الصمت طيلة الطريق وبمجرد وصول ريتال إلى الإسكندرية لم تحظى ببعض الراحة بل اتجهت مباشرة إلى منزل والدتها كي لا تشعر الأخيرة بأن ريتال أهملتها من أجل تليد، بُمجرد أن فُتح الباب جاءها صوت ضحكات شقيقها الأصغر إياد والذي كان يجلس على الأرض الباردة وهو يلوك شيء في فمه لم تتبينه ريتال في البداية.

أهلًا أهلًا يا صغنن، أنتَ بتاكل أيه؟ ماما هو إياد بياكل أيه؟ سألت ريتال حينما لم تجد صحن فيه طعام أمام إياد، هرولت زينة نحوها وهي تقول:
مش بياكل حاجة! حط حاجة في بوقه ولا أيه؟ سألت زينة وهي تحمل إياد وبحركة خاطفة تدل على خبرة واسعة قامت بقلب الطفل بحيث أصبحت رأسه نحو الأسفل، بصق على الفور ما كان يتناوله والذي أتضح أنه قطعة خبز جافة لم تعلم من أين إلتقطها.

يالهوي أيه الأكشن ده بجد؟

أهو أنا عايشة في الرعب ده ليل نهار من وقت ما بدأ يزحف.

حبيب أخته يا ناس اللي بيعمل شقاوة، أومال فين فريدة؟

خالتها جت خدتها الصبح تقضي معاها اليوم، أنتِ عارفة فؤاد حريص دايمًا إن عائلة مامتها يشوفوها. قالت زينة بتلقائية شديدة قبل أن تنتبه أنها لا تفعل المثل مع ابنتها بل كانت تمنعها من زيارة عائلة أبيها وحينما أصبحت الأخيرة قادرة على زيارتهم دون أن تصطحبها والدتها كانت زينة تستاء وتفتعل الشجارات.

ريتال،.

نعم يا ماما. أردفت دون أن تنظر إلى والدتها حيث كان إياد يقوم بجذب وشاح رأسها محاولًا نزعه عن رأسها، طالعت زينة ابنتها بأعين دامعة قبل أن تقول بنبرة لا تخلو من الشعور بالذنب:
أنا أسفة يا ريتال، أنا أسفة معرفتش أكون أم كويسة ليكي،.

أيه يا ماما الكلام ده بس؟ لازمته أيه دلوقتي؟ سألت ريتال بتعجب شديد وهي تنزع حجابها أخيرًا ليُطالعها إياد بحماس قبل أن يجذب خصلات شعرها، خطفت زينة نظرة نحو عنق ريتال الذي ما يزال يحمل أثر ذلك اليوم المشئوم، حاولت كبح نفسها من البكاء وهي تُجيب عن أسئلتها مُردفة:
لازمته إني كل ما ببص في وشك بفتكر اللي عملته يومها والحالة اللي وصلتك ليها، أنا كنت أنانية أوي حقك عليا.

أنا مش زعلانة منك يا حبيبتي حصل خير، المهم إن أحنا دلوقتي كويسين. جذبت والدتها في عناق دافئ وهي تُربت على كتفها.

لم تنسى ريتال ما حدث في ذلك اليوم بكل تأكيد لكنها اختارت أن تعفو عن والدتها فهي تعلم أنها عاشت حياة قاسية مثلها تمامًا كما أنها راعت كون والدتها حاملًا في ذلك الوقت مما زاد من شعورها بالضغط والإرهاق النفسي، كالعادة لم تلوم من حولها على ما حدث بل ألقت باللوم على نفسها في حين أنها كانت الضحية بلا شك هذه المرة.

خلاص كل ده عدى يا زوزو يا قمر والمهم إننا مع بعض وصحتنا كويسة الحمدلله وأستاذ إياد شرف بالسلامة والدنيا مستقرة. حاولت ريتال ممازحة والدتها لكي تُخفف من توتر المحادثة، ابتسمت زينة ابتسامة صغيرة قبل أن تقول:
ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي، أنتِ نعمة من ربنا ليا وعارفة أنا مستعدة أعمل أي حاجة في الدنيا بس أشوفك مبسوطة حتى لو هضطر أوافق على جوازك من العيل الملزق اللي اسمه تفيد ده.

تليد يا حبيبتي تليد. صححت لها الاسم لتقلب زينة عيناها بتملل قبل أن تقول:
أيًا كان يعني، شوفتيه ياختي؟

جدو كان معايا على فكرة.

ما أنا عارفة على فكرة، قوليله ينجز بقى ويجي يخطبك قبل ما الدايت يبوظ وملاقيش فستان حلو على مقاسي.

هي دي أكبر مشاكلك يا ماما؟ حاضر يا حبيبتي هقوله ينجز وماله.

قضت ريتال اليوم برفقة والدتها لكنها في النهاية عادت إلى منزل جدها كي تبيت عنده كي لا يبقى بمفرده، أما عن تليد فلقد قضى يومه الأول بهدوء برفقة والديه دون أن يذكر أمر ريتال لكن سرعان ما نفذ صبره وقرر مصارحتهم بالأمر.

أنا عايز أتكلم معاكوا في موضع مهم. قال تليد مع ابتسامة متوترة، لم يكن يخشى ردة فعل والديه على الإطلاق لكن الحديث معهم حول شيء جاد كالزواج جعله يشعر بغصة في حلقه.

ناوي تخطب ولا أيه؟ سأل والده محاولًا تيسير الحديث على طفله الذي أصبح شابًا في غمضة عين، ضحك تليد ضحكة مشوبة ببعض الإضطراب قبل أن يؤكد على حديث والده مُردفًا:
ده أنا طلعت أبويا بصحيح وبتفهمني وكده، أيوا أنا عايز أخطب،.

ويا ترى خطيبتك عايشة في مصر ولا برا؟ صدر هذا السؤال من والدته بنبرة لا تخلو من المراوغة وهي تغمز بإحدي عينيها ظنًا منها أنه يقصد لوچين لكن تليد حطم جميع طموحاتها حينما أجاب عن سؤالها قائلًا:
لا عايشة في مصر.

أممم، ويا ترى تعرفها منين بقى؟ اسمها أيه؟ أهلها يبقوا مين وبيشتغلوا أيه؟ سألت والدته دفعة واحدة وكانت أسئلتها تحوي نبرة أشبه بالهجوم وليس بعض الاستفسارات، لم تروق لتليد كثيرًا نبرة والدته ولقد وجه نظره نحو شقيقته بنظرة خاطفة وكأنه يطلب منها المساعدة والدعم.

براحة بس يا ماما واحدة واحدة وهو هيحكي كل حاجة وهيقولنا كل التفاصيل أكيد.

والله شكلك عارفة الموضوع من بدري ومخبية علينا ما أنتِ وأخوكي سركوا مع بعض.

ما أكيد سرنا هيبقى مع بعض يا ماما وهو أحنا لينا غير بعض؟

سأل تليد والدته سؤال استنكاري وإن كان الغرض من ورائه هو تذكير والديه بغيابهم وتنقلهم الدائم، رفعت والدتها أحدى حاجبيها بإعتراض لكن تليد تجاهل ردة الفعل وتابع حديثه مُجيبًا عن أسئلتها:.

كانت زميلتي في المدرسة في ثانوي، اسمها ريتال عبدالرحمن وفي كلية طب أسنان جامعة اسكندرية مامتها كانت بتشتغل في حضانة وجوز مامتها دكتور بيشتغل في مستشفى كبيرة في اسكندرية وكمان عنده عيادة خاصة بيه. استوقف والدة تليد أمر زوج والدة ريتال وقد تجاهلت جميع ما قيل لتسأله بنبرة لا تخلو من الإستنكار:
جوز مامتها؟

أيوا جوز مامتها، أيه الغريب؟ مامتها وباباها إنفصلوا من سنتين أو تلاتة تقريبًا ومامتها قابلت شخص كويس وأتجوزته.

ويا ترى مامتها وبابها إنفصلوا ليه؟ سألت والدته في حين كان والده يراقب الحوار الذي يدور بصمت وكأنه يُحلل الموقف بأكمله.

معرفش يا ماما ودي حاجة متخصنيش أكيد مش هسألها أهلك سابوا بعض ليه، وبعدين كل الكلام ده ملوش أهمية بالنسبالي ومش هيغير رأيي فيها.

طيب يا تليد يا ابني أهدى خلينا نسأل عليها وعلى عائلتها ونتكلم تاني.

ماشي يا بابا طبعًا حضرتك من حقك طبعًا تدور وتسأل عليهم كويس بس خليكوا عارفين إن أيًا كان اللي هتلاقوه أو هتسمعوه مش هيأثر على قراري. كانت نبرة تليد حادة مليئة بالإصرار، لم يكن على إستعداد أن يبتعد عن ريتال لأي سبب من الأسباب وكل ما حدث معاها في السابق أو مع عائلتها هو على علم به ولقد رضي تمامًا بذلك فهو يعلم أن لا ذنب لها في أي شيء وأنها كانت ضحية لأب مخبول وعائلة قاسية.

انتهت المحادثة بينهم عند هذا الحد ولقد حاولت تسنيم جعل شقيقها يهدأ فمثل هذه الأمور لا يمكن حلها بالشجار بل بالنقاش بهدوء، أخبر تليد صديقه بما حدث وكان ياسين قد توقع ردة الفعل تلك منذ البداية ليس فقط لأن أسرة تليد تفوق خاصة ريتال من الناحية الإجتماعية والمادية بل لأن والديه لن يشعروا بالطمأنينة حينما يعلموا بأمر إنفصال والديها وما تبع ذلك الأمر من مشكلات عديدة.

راسل تليد ريتال في هذا اليوم لكنه لم يُخبره بأنه تحدث إلى والديه بعد بل قام بالتحدث في مواضيع عشوائية كي لا تسمح لها الفرصة لسؤاله عن هذا الأمر وحينما شعرت منه بالتهرب لم تجرؤ على سؤاله حفاظًا على كرامتها وخوفًا من سماع الحقيقة.

في ذلك الوقت وبالإنتقال إلى منزل العائلة كانت نانسي تعبث في هاتفها بتملل فمنذ اختفاء أدهم وتوقفه عن مراسلتها وهي تشعر بفراغ كبير، في البداية ظنت أنه منشغل بالعمل وكذلك بالدراسات العليا التي كان يُخطط للبدء فيها لكن ظنها لم يكن في محله ولقد أدركت ذلك من خلال منشور، مجرد منشور كان كفيل بتدمير كل شيء، صورة واحدة كانت قادرة على العصف بقلبها الضعيف...

طالعت نانسي الصور التي تم نشرها بواسطة خديجة شقيقة أدهم بذهول، عقلها عجز عن إستيعاب ما رأته عيناها وحينما حاولت قراءة ما كُتب شعرت بأنها فقدت القدرة على الإستيعاب وكأنها لم تتعلم القراءة قط في حياتها، تجمعت الدموع بكثافة داخل عيناها وقد تسببت في تشوش رؤيتها لتُبعدها سريعًا لكي ترى بوضوح أكثر...

أدهم يجلس على أريكة لشخصين باللون الأبيض مُزين بأقمشة مُبركشة وإلى جانبه فتاة، في البداية لم تنتبه نانسي لهيئة تلك الفتاة لكن كل ما لفت نظرها هو ذلك الخاتم الذهبي الذي أحاط بإصبعها البنصر في يُمنها وكان المثل في يُمناه مع كونه من الفضة بالطبع وإلى جانبهم كانت تقف خديجة وهي تبتسم ابتسامة واسعة فرحًا بشقيقها العريس.

كان أدهم يبتسم ابتسامة هادئة بينما كانت السعادة بادية بوضوح على وجه الفتاة ولم لا تسعد؟ فلقد فازت بقلب زينة الشباب الدكتور أدهم.

يعني أيه؟ لا لا يعني أيه بجد؟ سألت نانسي متحدثة إلى نفسها قبل أن تضحك بهستيريا وكأنها فقدت عقلها تمامًا، أخذت تبكي وتبكي وهي تُطالع الصور وتعليقات المُباركات التي كُتبت أسفلها.

بحثت نانسي عن حسابه لكي ترى ما قام بنشره هو أيضًا لكنها فوجئت بأنه قام بحذفها من قائمة الأصدقاء من الأساس، لم يكن ذلك مجرد إلغاء صداقة على تطبيق تواصل إجتماعي بل كان نفي تام من حياته بأكملها، لقد ألقى بها إلى الخارج دون تفسير ودون سبب منطقي حتى أنه لم يتكبد عناء توديعها بل رحل عنها وكأنها لم تكن شيء بالنسبة إليه في يوم من الأيام...

أخذت نانسي تبكي بحرقة كما لم تبكي من قبل، صوت نغمات الأغاني الحزينة في الخلفية والزمان قد توقف من حولها وفي تلك اللحظة تمنت الموت وهي لم تفعل من قبل وكل ذلك بسبب مشاعر سخيفة نمت داخل قلبها بدون إذن منها، لم تجد نانسي من تتحدث إليه ولقد كان الوقت متأخر فلم تريد إزعاج ريتال لذا ظلت تبكي حتى غلبها النعاس.

بعد مرور ثلاثة أيام تقريبًا كان تليد يجلس على نار في انتظار سماع قرار والديه النهائي وإن كان رأيهم أو قرارهم لن يُشكل فارق بالنسبة إليه لكنه كأي شاب كان يطمح في الحصول على رضا والديه خاصة في أمر حساس كهذا، تناولت الأسرة الغداء في صمت غير معهود ولقد كان تليد يتحرق شوقًا لإنتهاء العشاء كي يجلسوا للتحدث وهذا ما حدث بالفعل أثناء احتساء الأسرة للشاي.

بص يا تليد يا حبيبي بهدوء كده ومن غير عصبية أحنا سألنا على البنت وأهلها، البنت فعلًا سمعتها كويسة وعائلة مامتها ناس محترمين وحتى سألت على جوز مامتها وطلع دكتور شاطر وله اسم كبير في إسكندرية.

قص والد تليد ما وصله من معلومات حول عائلة ريتال ولقد كان حديثه إيجابيًا على الأقل حتى الآن لكن تليد استشعر من نبرته أن هناك شيء خاطئ، مؤكد قد ذكر أحدهم أمر والد ريتال وهو بمفرده كفيل بجعل والديه يرفضوا أمر تلك الزيجة بأكملها، قاطع تليد حديثه والده فقط ليُحثه على إفراغ ما في جعبته دفعة واحدة.

طيب جميل أوي.

أنا لسه مخلصتش كلامي، الفكرة كلها إن زي ما أنتَ أكيد عارف إن باباها كان متهم في قضية وإن مراته كانت رافعة عليه قواضي وتقريبًا خلعته وفي قصص مش لطيفة كتير بتتقال عنهم.

أنا عارف يا بابا الكلام ده كله بس البنت زي ما قولت قبل كده ملهاش أي ذنب وهي أصلًا خلاص مش عايشة مع باباها دي سابتله الدنيا كلها هي وعائلته وراحت تعيش في محافظة تانية.

أيوا يا ابني بس،.

يا بابا أنا بحبها، مش شايف حد غيرها وقبل ما تقولي لسه هتعرف ناس تانية أنا سافرت وروحت وجيت وقابلت ناس من جنسيات تانية أساسًا لكن مفيش ولا واحدة فيهم تيجي ضفر ريتال.

كان تليد يُفصح عن ما يجول في خاطره دون ذرة تفكير، لقد أباح بمشاعره أمام والديه وفي تلك اللحظة أدرك كم يُحبها حقًا، كذلك أدرك أنه على أتم الإستعداد لخوض حرب طويلة فقط لكي يفوز بها في النهاية غير مباليًا بالخسائر طالما أن الخسارة ليست ريتال!

بس أحنا مش موافقين يا تليد.

يعني أيه مش موافقين؟ طيب يا ماما أنا هخطب ريتال وأنا بقولكوا على اللي هعمله مش بتناقش هعمله ولا لا.

يعني هتتجوز من ورانا؟ هتخلينا نغضب عليك علشان خاطرها؟ ما تقولي حاجة يا تسنيم ردي على أخوكي!

صاحت والدته بغضب شديد وقد طلبت من ابنتها البكرية أن تُساعدها لعلها تستطيع إقناع شقيقها بالتراجع عن قراره الأرعن من وجهة نظرها لكن تسنيم كالمعتاد كانت تقف على أرض محايدة وإن كانت تميل نحو كافة تليد قليلًا كونه شقيقها الأصغر ولطالما شعرت بأنها مُلزمة بالدفاع عنه.

يا ماما تليد إسلوبه مش كويس اه بس هو عنده حق، البنت فعلًا كويسة وأهلها ناس طيبين.

أبوها كان هيدخل السجن وكان عنده مشاكل في المحكمة مع مراته التانية يعني عائلة كلها مشاكل والبنت أكيد معقدة.

أردفت الأم بقسوة شديدة لتتسع أعين تليد من صدمة ما سمعه، لم يتوقع قط أن تنطق أمه بمثل هذه الكلمات وفي تلك اللحظة قرر تليد أن يستخدم الصلاح ذاته الذي تستخدمه والدته، إن كانت تنوي والدته التحدث عن الأمراض النفسية التي تُسببها العائلة للأبناء فتليد لا يمانع على الإطلاق خوض مثل هذا النقاش لكن الحوار لن يروق لها على الإطلاق!

أنتِ هتاخديها بذنب أهلها؟ بتفترضي إنها مريضة علشان اللي حصل معاها؟ أنتِ عارفة يا ماما إن لو حد فينا كلنا قعد في جلسة مع دكتور نفسي في مستشفى مش هيطلعونا منها؟

قصدك أيه يعني؟

قصدي إن لو أنتوا شايفين إنها هتبقى متعقدة ومش سوية علشان أهلها كان بينهم مشاكل فأنا كمان مش سوي علشان طول عمركوا بتسافروا وسايبني لوحدي أنا وأختي وخالتي بتيجي تزورنا كل كام يوم ولا أيه يا ماما؟

كان وقع كلمات تليد قاسيًا على أذن والديه لكنه كان محقًا وأيًا كانت المبررات أو الأسباب فذلك لن يُغير من مرارة الواقع، لقد هجره والديه منذ أن كان صغيرًا وإنشغل كلاهما بالعمل والنجاح الذي تطلب سفرهم إلى عدة دول مختلفة معظم أوقات العام، ولقد أفصح تليد عن ما يجول بخاطره في هذا الأمر ليس فقط من أجل الدفاع عن حبيبته بل لأن تذكرتهم بتقصيرهم ورؤية الندم داخل أعينهم كان يُرضي تليد ولو قليلًا.

أنتَ بتعاقبنا يعني بإنك تتجوز واحدة أحنا مش موافقين عليها؟ بتفتح مواضيع قديمة ليه مش وقتها نتكلم فيها.

وأمتى وقتها يا ماما؟ هو حضرتك عندك وقت ليا أنتِ وبابا ولا وراكوا ميعاد طيارة مش هينفع يتأجل برضوا. سأل تليد والديه ساخرًا ولقد كان الهجوم واضح في نبرته، انتفضت والدته من مقعدها وهي تسأله بإستنكار:
أنتَ عايز أيه يا تليد؟

عايز أرتبط بالبنت اللي بحبها يا ماما، أنتوا طول عمركوا مش جنبي وملكوش دور واضح في حياتي أتمنى إن يومي ما أروح أطلب إيدها محسش كأني يتيم زي ما حسيت طول حياتي.

ممكن تهدوا شوية! في أيه؟ أنتوا خلاص مش عاملين أي اعتبار إني قاعد وسطكوا؟ أقعدوا. صاح والده وهو يستقيم من مقعده ليفصل ذلك الشجار، جفل تليد من نبرة والده الحادة قبل أن يعتذر منه قائلًا الآتي بينما يعاود الجلوس:
أسف يا بابا،.

بص يا تليد يا ابني الموضوع مش هيوصل طبعًا لإننا نغضب عليك والكلام ده والدتك مش قصدها لكن أحنا في الأول وفي الأخر بننصحك علشان أحنا بنحبك وعايزين مصلحتك، لو أنتَ شايف إنك هتبقى مبسوط وسعيد مع البنت دي أعمل اللي يريحك بس متجيش تشتكي بعد كده.

مش هشتكي يا بابا.

وخليك حاطط في دماغك إن ممكن سمعة أبوها دي تأثر على ولادك قدام، فكر صح ومتندفعش ورا شوية مشاعر.

مش بندفع ورا مشاعري يا بابا، أنا واثق كويس جدًا من اختياري وعمري في حياتي ما هندم إني اختارت ريتال.

خلاص طالما واثق أوي كده أديلنا يومين وبعدين تكلم حد من أهلها ونحدد ميعاد نعمل قعدة تعارف ولو اتفقنا نقرأ الفاتحة.

أقر والده ليومئ تليد بإنتصار بينما طالعته والدته بضيق شديد فهي لم تقتنع بأمر تلك الفتاة ولقد غضبت كثيرًا من أن زوجها لم يمنع ابنها من إرتكاب مثل هذه الحماقة - من وجهة نظرها بالطبع - قرر تليد أن يغرب عن وجه والدته قبل أن تنفجر في وجهه، هرول نحو حجرته لترافقه تسنيم التي وقفت تستند على باب حجرته وقد عقدت ذراعيها قبل أن تسأله بجدية:
تليد أنتَ واثق من اللي بتعمله؟

حتي أنتِ يا تسنيم؟ ما أنتِ عارفة اللي فيها من الأول خالص.

علشان كده بسألك، تليد حبيبي من غير زعل، قولي كده اتخانقت مع ريتال كام مرة؟ اختلفتوا كام مرة؟ غير موضوع سفرك ده. لم يستطع تليد فهم الغرض من وراء تلك الأسئلة التي كانت عشوائية من وجهة نظره.

مش فاهم الغرض من السؤال.

قصدي أنتَ وريتال من وقت ما عرفتوا بعض وأنتوا في صراع، طول الوقت بتجروا من هنا لهنا، مشاكل مع باباها وبعدين تتعب تروحلها المستشفى وبعدين فرح مامتها كل المواقف اللي بتجمعك بيها شوية إنسانية وجدعنة، عمركوا قعدتوا في هدوء اتناقشتوا نقاش حقيقي؟ عمرك عرفت مثلًا هي بتحب أيه؟ بتكره أيه؟ أيه الصفات اللي بتضايقها في الشخص اللي قدامها؟

كاد تليد أن يعترض على حديث شقيقته لكن حينما أمعن فيما تقوله أدرك أنها محقة بشكل أو بآخر لذا قرر أن يصمت ويجعلها تتابع حديثها.

نفس الكلام بالنسبالك، هي تعرف مثلًا أيه الحاجة اللي بتضايقك؟ تعرف لونك المفضل أصلًا؟ طب حاجة بسيطة هي تعرف أنتَ عايز تتخص أيه في كلية الطب؟ تعرف أنتَ عايز تخلف كام بيبي؟ أيه الحاجات اللي بتخليك تتعصب أو تغير؟

أحنا، يعني، أنتِ عندك حق في جزء طبعًا بس ده مش معناه إن مشاعري ناحيتها مش حقيقية أو لعب عيال، مش بيقولوا الحب يولد من رحم المعاناة؟ أنا وريتال شوفنا بلاوي مع بعض وده قربنا من بعض أكتر. أجاب تليد عن أسئلتها ببعض الإضطراب فلقد كانت شقيقته محقة في جزء كبير من حديثها لكن ذلك لا ينفي حقيقة مشاعر كلاهما تجاه الآخر.

ساعات يا تليد بحس إنك بتحبها أكتر ما بتحبك، أنتَ اختارت تحب ريتال من الأول على الرغم من وجود بدائل كتير لكن ريتال حبيتك علشان أنتَ لعبت دور المنقذ في حياتها مش أكتر، أنتَ حبيتها علشان هي ريتال لكن هي حبيتك وخلاص،.

تسنيم أنتِ كده بتخرفي في الكلام على فكرة!

قولتلك من الأول متزعلش مني.

متقوليش كلام يزعل وتطلبي مني مزعلش بصي كل ده مش هيفرق دلوقتي أنا كده كده هخطب ريتال وهناخد وقت نتعرف على بعض أكتر وفي النور المرة دي قدام الناس كلها ووقتها هثبتلك إن كل اللي قولتيه كان غلط.

يارب يطلع كلامي غلط يا تليد علشان أنا نفسي أشوفك فرحان ومبسوط بجد لأني أختك مش عدوتك. حينما نطقت تسنيم بالكلمات الأخيرة بتأثر شديد أدرك تليد أنه أخطأ حينما تحدث إلى شقيقته بهذه النبرة الحادة وأنه من فرط خوفه أن يفسد أمره هو وريتال لم يعد يُدرك ما يقوله وكيف يقوله.

أنا أسف يا تسنيم حقك عليا متزعليش أنا بس موضوع ريتال ده شاغلني أوي،.

أنا مش زعلانة يا حبيبي أنتَ عارف أنا أهم حاجة عندي إن أنتَ تبقي مبسوط.

قالت تسنيم ليعانقها تليد عناق سريع قبل أن ترحل عن حجرته وتتركه غارقًا داخل دوامة من المشاعر أجل لقد كان يشعر بالسعادة لأنه انتصر بشكل مبدأي لكن بداخلة مايزال يشعر بعدم الراحة، كان الوقت قد تأخر ولم يستطع مهاتفة جد ريتال كي يُخبره بما حدث ويقوم بتحديد موعد لذا قرر تأجيل تلك المكالمة إلى الصباح.

في صباح اليوم التالي كانت ريتال تجلس في انتظار نانسي والتي كانت قد أصرت على دعوتها لقضاء عطلة نهاية الأسبوع معها في الإسكندرية خاصة بعد أن أخبرتها عمتها أن حالة نانسي النفسية غير مطمئنة على الإطلاق وأنها لاحظت بكاء ابنتها المستمر وجلوسها بمفردها على الدوام وكذلك تناولها للطعام بكميات كبيرة غير معتادة الأمر الذي جعل عمتها تشك أن ابنتها وقعت داخل دوامة من الإكتئاب كما قرأت في أحدى صفحات الفيس بوك، لم ترفض نانسي دعوة ريتال بل تحمست وكأنها كانت تنتظر أن يشعر أحد بوحدتها ويُساعدها على الخروج من تلك الدوامة.

قابلتها ريتال في محطة القطار قبل أن تصحبها لتناول الغداء في أحد المطاعم التي كانت تُفضلها نانسي لعلها تُحسن من نفسيتها قليلًا وتعرف السر وراء كل ذلك الحزن، وبالفعل كما قالت عمتها لقد كانت أعين نانسي ذابلة من فرط البكاء والسواد قد أتخذ مسكنًا أسفل عيناها حاولت جاهدة إخفاءه بواسطة مساحيق التجميل.

أيه الأخبار يا نانسي طمنيني عليكي؟ أخبار الكلية أيه ولا لسه بتنفضي للمحاضرات؟

بقالي أسبوع مش بنزل أصلًا، كده كده معظم المواد مفهاش Attendance حضور.

طب جامد بس حاولي متراكميش بقى الحاجات اللي فاتتك دي علشان متعيطيش آخر ترم.

كل حاجة بتتلم في الآخر عادي بقى، تمتمت نانسي بلا مبالاة قبل أن ترتشف من كوب المياه الموضوع أمامها، إذًا الأمر ليس متعلق بالجامعة وكذلك ليس بوالدتها وعلى حد علم ريتال أن علاقة نانسي بوالدها أصبحت جيدة للغاية لذا لم يبقى سوى شخص واحد لتسأل ريتال عنه لربما يكون هو السبب في تعاسة الجالسة أمامها.

نانسي هو مفيش أخبار عن أدهم؟ بقالك كتير مش بتحكي حاجة عنه.

سألتها ريتال بحسن نية كان مصدره إهتمام حقيقي، فلقد لاحظت ريتال أن نانسي قد توقفت عن ذكره وإرسال سكرين شوت لكل ما يقوم أدهم بتحديثه منذ مدة طويلة تخطت الثلاثة أشهر تقريبًا لكن نظرًا لإنشغال ريتال بأخيها الرضيع وما يتعلق بأمور الجامعة وكذلك عودة تليد لم تنتبه لذلك الأمر.

لم تُجيب نانسي عن سؤال ريتال بل حركت رأسها إلى اليمين واليسار بمعنى لا قبل أن تُغلف طبقة بلورية عيناها وقبل أن تُدرك ريتال ما يحدث صدح في المكان صوت شهقات نانسي، جذبتها في ريتال في عناق قوي لتنهمر دموع المسكينة بغزارة قبل أن تقول من وسط بكاءها:.

أدهم خطب يا ريتال، خطب ونسيني، نسي كل كلامنا وهزارنا ونسي وعده ليا، نسي كل حاجة كأنه مكنش يعرف واحدة اسمها نانسي أصلًا كأني كنت معدتش عليه في حياته، نسيني كأني ولا حاجة، هو أنا ليه دايمًا بطلع ولا حاجة في حياة الناس اللي بحبهم؟ ليه بتنسي وكأني مجتش،.

طالعتها ريتال بصدمة عاجزة عن إيجاد كلمات كافية لمواساة نانسي فلقد كان الجرح غاية في العمق هذه المرة، أعمق من أي كلمات يمكن النطق بها، دمعت أعين ريتال رغمًا عنها وهي تحاول أن تُهدئ من روع نانسي بلا جدوى:.

لا يا حبيبتي أنتِ مستتنسيش، هو اللي حيوان يا نانسي ومكنش قد كلامه معاكي، هو اللي دخل حياتك وفضل يهتم وعرف ازاي يوقعك ولما حس إنك واخدة الموضوع جد وأتعلقتي بيه قرر يهرب علشان جبان ومش قد المسئولية!

بس ما هو بيخطب يا ريتال عادي أهو! ما هو مقتدر ماديًا وشخص كبير ومؤهل للجواز طيب ليه مختارنيش أنا؟ مع إن كل حاجة كانت بتقول إنه بيحبني ليه عمل فيا كده؟

مش عارفة أقولك أيه، حسبي الله ونعم الوكيل فيه بجد.

بس أنا هستغرب ليه؟ مقدرش أعتب عليه إنه سابني إذا كان أبويا اللي خلفني أتخلى عني زمان وكل صحابي وبعدوا عني مجتش على الشخص الوحيد اللي حبيته بجد يعني،.

أردفت نانسي بينما تنهمر الدموع من عيناها، شعرت بقلبها يعتصر من الآلم وهي تنطق بتلك الكلمات التي كانت منطقية من وجهة نظرها فإن كان والدها قد تخلى عنها فلما لا يفعل أدهم المثل؟

متقوليش كده يا نانسي، أنتِ جميلة وتتحبي ومش معنى إن حصل ظرف زمان أو إنك اتصرفتي غلط زمان إن ده ليه علاقة بأي حاجة أو إنك تستاهلي يحصل فيكي كده!

قلبي واجعني أوي يا ريتال، أنا حبيته بجد، عارفة أنا دعيت ربنا كتير يجمعني بيه أكتر حاجة دعيت بيها في حياتي، شعرت ريتال بقلبها ينفطر حينما سمعت كلمات نانسي تلك، ضمتها إليها في عناق لطيف بينما تقول مطمئنة إياها:
لو من نصيبك يا نانسي هيرجعلك ولو بعد مية سنة ولو مش من نصيبك حتى لو البنت دي مكنتش ظهرت في حياته كان عمره ما هيخطبك، ولعل المنع خير.

يعني تفتكري ممكن يرجعلي؟

كل شيء وارد اه بس دي مش حاجة هنحط أمل عليها لأننا منعرفش وبعدين أحنا لسه صغيرين يا نانسي وقدامنا وقت وياما هنقابل ناس.

مش قصدي حاجة يا ريتال بس أنتِ عمرك ما كنتِ هتقولي كده لو كنتِ في مكاني، لو كان تليد سابك وخطب واحدة تانية كنتِ هتفكري كده؟ لم يكن غرض نانسي إزعاج ريتال على الإطلاق بسؤالها، ساد الصمت لبرهة بينما تحاول ريتال إيجاد الرد المناسب على سؤالها الذي كان متوقعًا لكن على الرغم من ذلك لم يكن لديها الرد المناسب.

نانسي أنا في الأول كنت بحب صالح أو فاكرة إني بحبه وكله كان عارف ده وشوفته وهو بيخطب غيري وبعدها حبيت تليد، حبيته بجد، وبعدها سافر ودخلت بنت حياته وبعدها رجعلي وبعدها اتخانقنا وشوية وأتصالحنا ولا كأننا في مراجيح ده غير في ولد كان بيحاول يقرب مني ويتعرف عليا في الجامعة.

ده أنتِ طلعتي مقطعة السمكة وديلها. سخرت نانسي ممازحة ريتال التي عقدت حاجبيها بضيق قبل أن تقول بجدية:
بلاش استظراف بقى، أنا مش بقولك الكلام ده علشان بستعرض لا سمح الله أنا بحكيلك علشان أقولك الحياة مليانة اختيارات، مرة هتحبي ومرة هتتحبي ومرة هتسيبي ومرة هتتسابي، أنا عارفة إن التجربة صعبة بس صدقيني لو أديتي نفسك فرصة تتعافي وتحاوليه ترميه في آخر دماغك كده هتلاقي مليون واحد يتمنى بس نظرة منك.

أنا مش أنتِ يا ريتال، أنتِ الناس بتحبك سواء بنات أو ولاد علشان أنتِ من جواكي طيبة ونضيفة وعلى طبيعتك لكن أنا لا،.

لقد صُعقت ريتال لسماعها تلك الكلمات فلقد ظلت لسنوات تشعر بالغيرة لكون نانسي محبوبة أكثر منها وتملك العديد من الأصدقاء ولأنها كانت تظن في السابق أن نانسي تملك ثقة كبيرة في ذاتها سواء من الناحية الشكلية أو الشخصية لكن اتضح أن كل ذلك لم يكن سوى فقاعة كبيرة كانت تُخفي نانسي داخلها شعورها بإنعدام الثقة والدونية.

مشكلتك الكبيرة يا نانسي نظرتك لنفسك، أنا كنت في حالة أسوء منك وكنت دائمًا بغير من ثقتك في نفسك لأني كنت شايفة نفسي قليلة أوي.

أنا بمثل يا ريتال، أنا ولا واثقة في نفسي ولا نيلة ده مجرد كلام بقوله علشان أرسم هالة حواليا تخلي الناس تفتكرني واثقة من نفسي وبحبها لدرجة توصل للغرور أحيانًا.

على الرغم من إن ده مش صح بنسبة 100? إلا إن قدرتك على تمثيل ده هو بداية الطريق الصح، في مقولة كده بتقول Fake till you make it يعني تتظاهري بالحاجة لحد ما تصدقيها من جواكي، أنتِ عندك نفس المشكلة بتاعتي يا نانسي أحنا الكلام اللي بنقوله لنفسنا أسوء مليون مرة من الكلام اللي الناس اللي حوالينا بيقولوه لينا.

قدمت لها ريتال النصيحة بكل بساطة لتُطالعها نانسي بذهول قبل أن تنفجر ضاحكة، نظرت إليها ريتال بعدم فهم وهي تنتظر سماع تفسير من الجالسة أمامها والتي انتقلت من البكاء والتأثر إلى الضحك بسرعة البرق لكن اتضح في النهاية أنها كانت تضحك من فرط المرارة والتعجب لا من المرح أو الفرحة بكل تأكيد.

هو أنتِ ليه كده يا ريتال؟ ليه بتسامحي الناس بسهولة كده؟ ازاي طيبة كده من جواكي؟ معقول أنتِ نسيتي كل اللي عملته معاكي زمان؟

أكيد منسيتش بس اختارت أسامح وأعدي اللي حصل، بصراحة مش حابة افتكر أي حاجة من الماضي علشان كانت تجربة قاسية وبايخة أوي واختارت إني أبدأ بداية جديدة مع الناس اللي حاولوا يخلوني أسامحهم وأنتِ أعتذرتي أكتر من مرة فمفيش داعي أفضل واخدة موقف منك.

على فكرة تليد محظوظ إنه لاقى بنت زيك. أردفت نانسي مع ابتسامة لا تخلو من الآلم فرغمًا عنها شعرت بقليل من الغيرة ليس لوقوع تليد في حب ريتال بل بالغيرة نحو ريتال نفسها كونها الشخصية التي هي عليها والتي تجعل الكل يقع في حبها دون الحاجة لبذل الكثير من الجهد.

وأنا محظوظة إنك بنت عمتي وأختي، شوفي هتاكلي أيه بقى وأمسحي دموعك دي.

الماسكرا هببت تحت عيني مش كده؟

مش فارقة مش فارقة.

قطع تناولها الطعام مع نانسي صوت رنين هاتف ريتال ولقد كان المتصل تليد، استأذنت الأخيرة من ابنة عمتها لتُجيب عن الهاتف وقد ذهبت للتحدث بعيدًا قليلًا مراعاة لمشاعر نانسي.

ازيك يا تليد؟ سألته ريتال بقليل من الخجل وقد نمت على ثغرها ابتسامة واسعة لكن الإجابة التي تلقتها من تليد جعلتها في حالة من عدم الفهم:
هبقى أو?ر أوي لو لبست بدلة كاملة في قراءة الفاتحة مش كده؟

ثواني بس أنا مش فاهمة حاجة أنتَ بتقول أيه؟

نلبس ماتشينج صح؟ اختاري اللون بقى. أجاب بإجابة لا علاقة لها بسؤالها مرة آخرى لتأخذ نفس عميق قبل أن تطلب من الآتي:
يا تليد واحدة واحدة مش فاهمة حاجة؟

أنتِ بالعة الديلر ولا أيه؟ بقولك هتلبسي أيه في قراءة فاتحتنا الجمعة الجاية؟

أنتَ بتتكلم جد؟ سألته ريتال وهي تضحك ضحكات هستيرية من فرط السعادة وقد دمعت عيناها كرد فعل تلقائي.

هي الحاجات دي فيها هزار؟ على فكرة أنتِ آخر من يعلم العائلة كلها عارفة من الصبح وزمانهم بيجهزوا هيلبسوا أيه ما عدا أنتِ.

أنا مش مصدقة نفسي، الحمدلله يارب، يعني بجد يا تليد أحنا هنبقى مع بعض بشكل رسمي؟

إن شاء الله يا ريتو إن شاء الله. أردف بحماس وإن كان مشوبًا ببعض التوتر الذي عمل جاهدًا على إخفاءه كي لا يُفسد سعادتها إلا أنه بداخله كان يشعر ببعض القلق فلقد كان يخشى أن يُفسد والديه الأمر على الرغم من أنه قد ترجاهم ألا يفعلوا على الأقل كي لا يقوموا بإحراجه وإحراج أنفسهم أمام عائلتها.

أنهت ريتال المكالمة وعاودت الجلوس مع نانسي لكنها لم تخبرها بما دار في محادثتها مع تليد ليس لأي شيء بل حفاظًا على مشاعرها وقد قررت أن تُخبرها بأمر تليد ولكن ليس اليوم على الأقل حينما يتم التأكد من الموعد، عادت ريتال إلى المنزل وأول ما فعلته هو الهرولة نحو جدها لتمنحه عناق قوي قبل أن تبدأ في الدوران حول نفسها في سعادة غير معهودة عليها.

أنا مش مصدقة نفسي يا جدو! هو بجد؟ بجد تليد هيجي يتقدملي؟

بجد يا حبيبة جدو.

تفتكر أهله هيوافقوا؟ تفتكر بابا فؤاد هيطلب منهم أيه؟ وأنتَ يا جدو هتقول أيه؟ وماما، أنا قلقانة ماما تشد معاهم في الكلام.

أهدي بس وخدي نفسك، أقعدي كده بدل ما تدوخي وتقعي مني، سيبي كل حاجة لوقتها وإن شاء الله خير والإتفاقات هتمشي زي الفل.

يارب يا جدو يارب، عارف يا جدو دي أول مرة في حياتي أكون حاسة إني طايرة كده يارب الموضوع يتم على خير.

عارف يا حبيبتي وأوعدك إن كل حاجة تمشي زي ما أنتِ بتتمني بس قوليلي، أنتِ هتبلغي عائلة باباكي مش كده؟ سأل جدها لتتلاشى ابتسامة ريتال قبل أن تقترب لتجلس إلى جانب جدها، لقد شغل ذلك السؤال رأسها طيلة الطريق أثناء عودتها إلى المنزل، ساد الصمت لبرهة قبل أن تقول:
مش عايزاهم يعرفوا يا جدو، هما ملهمش دور في حياتي أصلًا وهو كده كده مش هياخد قرار في حاجة زي دي،.

بس يا حبيبتي، قاطعها جدها لكن ريتال كانت تعلم جيدًا ما سيقوله ولكن كان لديها الرد على كل إعتراضاته وكل ما يشغل باله.

لما نقرأ الفاتحة ونتفق مبدأيًا هقولهم أكيد وطبعًا هعرفهم ميعاد ومكان الخطوبة لما تتحدد لكن قبل كده محدش منهم هيعرف.

ماشي يا حبيبتي اللي يريحك، المهم عايزين بقى نجيب حد ينضف الشقة تنضيفة حلوة كده ونشوف مع بعض هنسيب أيه في الصالون ونشيل أيه في الأوض ولو عايزة نشتري أي ديكور ولا حاجة جديدة عرفيني.

حبيبي يا جدو مفيش داعي تكلف نفسك كده كده هضبط كل حاجة أنا وماما متشغلش بالك.

فؤاد كان عايز الزيارة دي في ال?يلا عنده بس أنا قولتله لا أنا عايزهم يجوا يشوفوا بيت جدها ويشوفوا هي عايشة ازاي، بس لو حاجة زي دي هتضايقك،.

لا طبعًا يا جدو حضرتك عندك حق أنا خلاص بقيت مقيمة عندك بقالي فوق السنتين وده بقى بيتي ولازم يجوا هنا فعلًا.

طب بقولك أيه هتنزلي معايا أمتى اشتري قميص وبنطلون جداد علشان قراءة الفاتحة؟

ننزل من بكرة إن شاء الله يا حبيبي أنا عندي كام جدو يعني؟ مازحته ريتال قبل أن تطلب من الإذن للذهاب إلى حجرتها.

أخذت ريتال تقفز في حجرتها بحماس شديد وقد كان عقلها عاجزًا عن إستيعاب ما يحدث وقلبها غير قادرة على تحمل كل هذا القدر من الحماس والسعادة في الوقت ذاته، أخذت تنظر إلى إنعكاسها في المرآة ومن ثم إلى السلسال الذي حاوط عنقها، ابتسم ابتسامة واسعة لكن سرعان ما تلاشت تلك الإبتسامة حينما خطر والدها على بالها ومن ثم غرقت داخل دوامة من الأسئلة التي لا إجابة لها...

لمَ كان أب سيء إلى هذه الدرجة؟ لماذا ستحرم من وجوده في يوم كهذا؟ لماذا ليست كسائر الفتيات التي تحيط بها عائلتها في يوم مميز كهذا؟ لماذا كان على والدها أن يكون بهذه القسوة التي جعلتها قاسية عليه بدورها؟ لماذا يوجد حزن عميق في كل مرة تحاول الشعور بالسعادة؟

أخرجها من شرودها صوت إشعارات متتالية من هاتفها والتي كانت من تليد حيث قام بإرسال عشرات الصور بها العديد من الأقمصة والبناطيل لكي تساعده في اختيار اللون انفجرت ريتال ضاحكة على حماس تليد المبالغ فيه ومنذ تلك اللحظة فقدت ريتال إدراكها بالوقت فمن فرط السعادة ووجود العديد من الترتيبات والتفاصيل لم تعد تدرك في أي يوم تكون حتى جاءتها لحظة استيعاب أن بضع ساعات فقط تفصلها عن اليوم الحاسم حيث ستصبح هي وتليد شيء، شيء ذو مسمى ومعنى أمام الجميع، تلك المشاعر الطفولية تحولت إلى شيء حقيقي.

كانت ريتال تجلس داخل حجرتها بتوتر شديد، لقد كان تليد على بعض دقائق من الوصول إلى منزل جدها وبرفقته والديه وشقيقته كما كانت تتخيل في السابق، شعرت بآلم مفاجئ في معدتها ولقد كانت تعلم أنه بسبب اضطرابها، على قدر تطلعها لتلك المقابلة على قدر خوفها من ألا تتفق العائلتين فلم تقتنع ريتال كثيرًا حينما أخبرها تليد أن والديه قد رحبوا بفكرة قدومه لطلب يدها للزواج.

فلقد كانت ريتال واثقة من أنهم علموا بشأن والدها وزوجته الثانية - سابقًا - كما أنها شعرت بقليل من الذنب كونها لم تُخبر أي فرد من عائلة أبيها سوى نانسي التي حضرت اليوم في الخفاء دون أن تخبر أي شخص بالسبب الحقيقي وراء زيارتها إلى الإسكندرية خاصة أنها كانت هناك منذ مدة ليست بطويلة لكن كل ذلك لم يعد يهم الآن فلقد اتخذت ريتال قرارها بإخفاء الأمر لحين إتمام كل شيء بصورة مبدأية ومن ثم ستُخبر الجميع فهي لا تنتظر الإذن أو الموافقة من والدها على أي حال فلقد كانت في كنف جدها من الأم ووالدتها وزوجها.

علي أي حال لقد سعدت والدتها كثيرًا كونها لم تخبر أفراد عائلة أبيها ظنًا منها أنهم سيقومون بإفساد الأمر وبشكل خاص صالح الذي لم يعد يروق لوالدتها على الإطلاق في الواقع لقد أصبحت تبغض كل من يتعلق بعبدالرحمن فيما عدا نانسي فلقد كانت الوحيدة المستثناة من تلك القاعدة بالطبع بعد محاولات عديدة من ريتال لإقناع والدتها أن نانسي قد تغيرت كثيرًا عما كانت عليه في السابق.

وصلوا يا ريتال وصلوا! صاحت فريدة بحماس لتهرول ريتال نحو الشرفة وهي تُمسك بهاتفها لتقوم بتصوير مقطع فيديو لتليد أثناء مغادرته السيارة، لقد كانت سيارة والديه فارهة وعلى ما يبدو أنها كانت إصدار العام الماضي.

لم تتبين ريتال جيدًا ما يرتديه تليد نظرًا لبعد المسافة لكنها سرعان ما أنهت المقطع وركضت نحو الطرقة لتختبيء خلف الستائر بحذر لكي تراه أثناء دخوله إلى المنزل دون أن يراها هو، دلف تليد بطلته البهية عبر الباب وكان يرتدي قميص باللون السُكري مع بنطال باللون الأسود ولقد كانت تلك الألوان تتماشى مع ثياب ريتال حيث كانت ترتدي بلوزة سوداء من الستان مع تنورة طويلة باللون السُكري مُزينة بنقوش على شكل ريش أسود اللون مع حجاب للرأس باللون السكري في وبالطبع لم تنسى ريتال إرتداء السلسال الذي أهداها إياه تليد.

كان تليد يحمل في يده باقة كبيرة من الورد، زين ثغرة ابتسامة واسعة وهو يُلقي التحية على جدها وزوج أمها قبل أن تتبين والديه من خلفه، لقد كان تليد يُشبه والدته إلى حد كبير وقد أخذ لون عينيها وطول قامة والده أما عن شقيقته فلقد كانت تشبه والدتهم أكثر، جلس الجميع بعد أن رحب بهم جد ريتال بحرارة وبالطبع وجود زوج زينة ترك إنطباع جيد عند عائلته، كان ياسين يجلس إلى جانب تليد ويهمس في إذنه ببعض العبارات القصيرة من حين لآخر محاولًا طمأنة إياه فلقد كان في الموضع ذاته منذ عام تقريبًا.

اسكندرية كلها نورت.

منورة بأهلها يا أستاذ رضوان، طيب بما إن أحنا خلاص هنبقى أهل ومفيش داعي للتكليف بينا وطبعًا سبب الزيارة معروف بس خلينا نقولها بالطريقة التقليدية، أحنا جايين علشان نطلب إيد بنتكوا ريتال لإبننا الدكتور تليد.

أردف والد تليد ليبتسم الكل وكذلك تليد لكن سرعان ما تلاشت ابتسامته حين أضاف والده لقب دكتور قبل اسمه تفخيمًا له ولقد لاحظ تليد تعابير وجه جد ريتال ووالدتها ليشعر بنبضات قلبه تتضاعف فمؤكد أنهم لن يدعوا ذلك الأمر يمر مرور الكرام خاصة أن عدم إقتناع والدته بالأمر برمته كان واضحًا للكل.

أهو كده بقى دكاترة العائلة هيزيدوا واحد، يعني أنا طبيب بشري ودكتورة ريتال بنتنا دكتورة أسنان قد الدنيا وعندنا برضوا دكتورة فريدة أسنان هي كمان ودلوقتي هيبقى في دكتور تليد لو حصل نصيب إن شاء الله.

لم يستطع تليد كبح نفسه من الإبتسام حينما نطق زوج والدة ريتال بتلك الكلمات فلقد استطاع أن يسحق كل ما قاله والد تليد بل ويقوم بإحراجه دون التفوه بشيء خاطئ ودون أي شجار، ابتسم فؤاد ابتسامة واثقة وهو يعتدل في جلسته ليحمحم والد تليد بحرج قبل أن يقول:
ما شاء الله عائلة عريقة وتشرف وإن شاء الله عائلتنا أحنا كمان تزداد شرف بالنسب ده.

ده أكيد إن شاء الله، مش بس علشان الألقاب والمكانة العلمية رغم إنهم حاجة مهمة وكبيرة لكن علشان الأصل الطيب و التربية الفاضلة زي ما هو واضح على حضراتكوا كده.

مرة آخرى قام فؤاد بإحراج والد تليد بالأدب، كانت ريتال تراقب ما يحدث من خلف الستار وقد شعرت أنها على وشك أن تفقد الوعي من فرط التوتر فلقد كانت الأجواء مشتعلة بالخارج الأمر الذي لم يكن مبشرًا على الإطلاق.

متقلقيش يا ريتال. همست بها فريدة في محاولة بائسة منها لجعل ريتال تمطئن لكن ذلك لم يُفيدها على الإطلاق.

أنا مرعوبة يا فريدة مرعوبة.

هو في الأول بيبقى في تنشنة كده مش فاكرة بابا هزقهم ازاي لما جم أول مرة؟

أيوا بس عمو طبعه حاد كده كده لكن بابا عمره ما أتكلم مع حد بالنبرة دي.

متخافيش مش جدو وعدك إنه هيضبط كل حاجة متشيليش الهم بقى.

استرها يارب. همست ريتال ومن فرط توترها أزاحت الستار لثوانٍ ليلمحها تليد الذي خطف نظرة نحوها قبل أن ينظر إلى الجهة الآخرى وقد نمت على ثغرة ابتسامة جانبية صغيرة حاول جاهدًا إخفاءها والمحافظة على تعابير وجهه الجادة، في تلك اللحظة شعرت ريتال بأنها قد نسيت كل شيء من حولها وكأن القلق قد تبخر فقط بنظرة واحدة منه.

أخرجها من شرودها صوت إشعار صدر من هاتفها ولسذاجتها ظنت أن تليد هو مُرسل الرسالة على الرغم أنه من المستحيل أن يستطيع كتابة رسالة وإرسالها وهو في جلسة كتلك وعلى عكس توقعاتها لم يكن تليد مرسل الرسالة...

ريتال أنا فكرت وقررت، ريتال أنا بحبك بجد أنا عارف إنك مش هتصدقيني بس الفترة اللي بعدنا فيها عن بعض أكدتلي حقيقة مشاعري أحنا عمرنا ما كنا صحاب ولا مجرد قرايب أحنا أكتر من كده بكتير، لما تشوفي المسدچ دي كلميني من فضلك.

قرأت ريتال الرسالة بأعين متسعة لا تكاد تُصدق ما رأته بعيناها لقد فقد صالح عقله بالكامل! لقد انتهى أمرهم منذ زمن بعيد هذا إن كان هناك شيء قد جمعهم من قبل من الأساس، لم تستطع ريتال إخفاء الذهول عن وجهها وقبل أن تمنح الهاتف لفريدة لكي تقرأ الرسالة جاءها صوت جدها من الخارج وهو يقول بسعادة:
مش تجيبوا العروسة تسلم على الضيوف؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة