قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الأول

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الأول

رواية وصال مقطوع للكاتبة إيمان عادل الفصل الأول

في تمام السادسة والنصف صباحًا في صباح يوم الأحد وتحديدًا في فصل الخريف حيث الشمس الدافئة المزينة بنسمات هواء باردة ومشهد سقوط أوراق الأشجار المُحبب إلى القلب والغلاف الملون بطبقة تميل قليلًا إلى الصفرة...

دلفت زينة ذات الخمسة وثلاثون عامًا إلى غرفة ابنتها في هدوء تام وهي تقوم بفتح الستائر لتسمح بأشعة الشمس التي بالكاد بدأت في الظهور لتُنير الحجرة نسبيًا ومن ثم جلست على طرف سرير ابنتها وهي تقوم بتحريك كتفها برفق بينما تُردف: ريتال! قومي يلا عشان نفطر، يلا مش معقول كمان تتأخري عالمدرسة في أول أسبوع! لم تتلقى والدتها رد لتقوم بتحريك كتف ابنتها مجددًا لتستيقظ الأخيرة بحنق وهي تفتح عيناها ببطء.

صباح الفل يا ماما، فين الفطار؟ سألت ريتال بنبرة ناعسة ودون استيعاب لمدى سخافة سؤالها وكأنها تبحث عن الطعام بجوار السرير لتتنهد والدتها وهي تجذب ذراع ابنتها بلطف كي تساعدها على النهوض بينما تُتمتم: كل يوم نفس السؤال؟ هنفطر عند جدتك تحت.

مفيش مرة نفطر في بيتنا زي الناس الطبيعين،
همست ريتال ذات السبعة عشرة عامًا بضيق شديد وهي تُعيد خصلات شعرها السوداء المُبعثرة نحو الخلف بضيق لترتد خصلاتها المجعدة إلى حيث كانت، تنهدت والدتها بنفاذ صبر فلقد حفظت تلك الكلمات التي تتفوه بها ابنتها الوحيدة في كل صباح.

ريتال حبيبة ماما أحنا بقالنا كام سنة ساكنين هنا وسايبين شقة التجمع؟
تلات سنين تقريبًا؟ لا خمسة!

طيب وكل يوم في الخمس سنين تصحي معترضة عشان هننزل نفطر مع ماما ثناء لا وجرعة الإعتراض بتبقى زيادة أوي في فترة الدراسة.
علقت زينة بتملل وهي تقوم بترتيب سريرها ابنتها فور أن غادرت ريتال السرير وهي تقوم بجذب ثوب المدرسة خاصتها استعدادًا لتبديل ثيابها.

عشان يا ماما أنا زهقت من الصحيان كل يوم بدري أوي عشان دي القواعد وأحنا بنفطر في الميعاد ده، ده غير طبعًا التعليقات والتريقة اللي باخدها طول الوقت!
مين يا ريتال اللي بيتريق عليكِ؟ طب خلي حد يقول عليكِ نص كلمة في وجودي وهتشوفي هعمل أيه في اللي هيتكلم!

تمتمت زينة بإستياء شديد لتزفر ريتال بضيق دون أن تنبس ببنت شفة فهي تعلم جيدًا أن والدتها لا تملك حق الإعتراض على ما يُقال أو يحدث وبالرغم من أنهم في العادة لا يسخرون منها أمام والدتها إلا أنها تعرف جيدًا أنه في حالة حدوث ذلك أمام والدتها فلن يختلف الأمر كثيرًا.

بدلت ريتال ثيابها سريعًا وهي تضع وشاح الرأس بعشوائية نسبيًا فهي ستضطر إلى إعادة ضبطه بعد الإنتهاء من تناول الطعام على أي حال، وبينما كانت ريتال تعبث في أغراضها بحثًا عن الدفتر الكبير الذي تدون فيه ما يتم شرحه في المدرسة لحين شرائها لدفتر مخصص لكل مادة قام بتعطيلها عن ذلك صوت الجرس الصاخب لتُلقي بحقيبتها وكتبها على المكتب بإهمال وضيق ثم تذهب لفتح الباب.

صباح الفل يا توتو.
صباح الخير تيتا بتقولك إن الفطار جاهز ويلا بسرعة عشان كله مستني.

أعلنت الفتاة ذات التسعة أعوام وهي تعيد خصلات شعرها البنية الناعمة المرفوعة على هيئة ذيل حصان نحو الخلف.
حاضر أديني دقيقة وهنزل، بقولك أيه هو صالح كمان قاعد معاهم؟ ابتسمت لها ريتال وهي تُردف الشق الأول من حديثها ولكن سرعان ما تبدلت ملامحها وجهها ليكسوها التوتر وهي تسألها عنه، صالح شقيقها الأكبر.

لا، صالح نايم مش هيصحى دلوقتي لما أشوفه أقوله إنك سألتي عليه؟ عرضت الصغيرة بسذاجة طفولية لتتسع أعين ريتال على الفور وهي تُشير بيدها بحركات متتابعة ب لا بينما تنبس في الوقت ذاته بتوتر: لا لا مفيش داعي، أنا بسأل عادي مش عايزة منه حاجة يعني،.

بترغي مع مين يا ريتال، أيه ده أهلًا بالقمر بتاعتنا صباح الفل يا روحي.
صباح الفل يا طنط، يلا أنا هستناكوا تحت.

غادرت الفتاة ثم تبعتها ريتال ووالدتها بعد أن تأكدت ريتال من وضع جميع أغراضها داخل حقيبتها المدرسية ذات اللون الأزرق الداكن والتي حملت شعار أحد الفرق الغنائية الشبابية الشهيرة.
ماما بقولك أيه هو اليوني فورم واسع أوي عليا؟

لا مش أوي وبعدين ده أصغر مقاس هناك ملقتش أصغر من كده وأحنا بنشتري.
طيب، تمتمت ريتال بتملل بينما لم تفارق عيناها إنعكاسها في المرآة لكن تنبهها والدتها بلطف لتعود إلى وعيها بينما تحمل حقيبة الظهر خاصتها ومن ثم ترافقها والدتها نحو الطابق السفلي.

صباح الخير يا تيتا. تمتمت ريتال فور رؤيتها لجدتها التي تجلس على رأس المائدة الطويلة، تنحني ريتال قليلًا لتُقبل يد جدتها في لطف بينما كان الجمود يعتلي وجه جدتها فهذا الأمر معتاد بالنسبة إليها، حيث أن ريتال لم تُقبل يد جدتها من منطلق الحب بل هذا فرض على الأحفاد كلهم.
أيه تيته دي؟ قديمة أوي، اسمها نانا!

صدر هذا التعليق من نانسي، ذات خصلات الشعر البنية اللامعة المنسابة وقد امتزجت بخصلات شقراء صُبغت حديثًا وقد زين وجهها زوج من الاعين البنية وإن كانت تفضل إخفاءهم عن طريق ارتداء عدسات أعين لاصقة تميل إلى اللون الأزرق، كانت نانسي تلك هي ابنة عمة ريتال وهي في العمر ذاته وإن كانت ريتال أكثر نضجًا وهدوءًا من قرينتها المزعجة.

كل واحد حر يا نانسي، أنتِ بتحبي تقولي نانا أنا بحس نانا دي مياصة أوفر فبقول تيته عادي.

أنا بتكلم عشان البرستيچ يعني، يلا أنتِ كده كده متعرفيش عنه حاجة، قوليلي يا توتي هو صالح فين؟ لسه نايم ولا أيه؟

هو كله بيسأل على صالح ليه النهاردة؟ صالح نايم ومش هيصحى دلوقتي.

قالت الصغيرة بتملل فلا يتحدث إليها أحد دون أن يدمج اسم صالح في جملته وبشكل خاص نانسي، عقدت نانسي حاجبيها وهي تسألها بفضول لا يخلو من الغضب:
ليه هو مين تاني سألك عن صالح النهاردة؟

كانت نانسي قد توقعت الإجابة مسبقًا وكانت تنوي أن تفتعل شجار هي واثقة تمامًا من أنها ستفوز في نهايته لكن قاطعها صوت والدتها والتي تكون عمة ريتال وصالح والصغيرة وقد قالت لتنهي الجدل:
في أيه الرغي ده عالصبح؟ بالعين راديو ولا أيه؟ يلا قولوا بسم الله وانجزوا في الأكل عشان متتأخروش على مدارسكوا.

حاضر يا مامي.

تمتمت نانسي بنبرة مصطنعة لتسعل ريتال وهي تشرب الماء وقد حاولت جاهدة على ألا تضحك على كلمة مامي التي تستخدمها نانسي، ولم تكن ريتال لتسخر من تلك اللفظة في العموم ولكنها تسخر لأن نانسي تعشق الإدعاء واستخدامات العبارات والجمل الإنجليزية في وسط حديثها فقط للفت الإنتباه وليست عادة عندها أو عند باقي العائلة.

انتهى الطعام سريعًا واستعد الجميع للذهاب إلى المدرسة، تلك المدرسة التي تولت عمة ريتال إدارتها حديثًا وقد أصرت على أن يتم نقل ريتال إلى تلك المدرسة بل ونقل شقيقة صالح الصغرى كذلك لكن بالنسبة لصالح فقد تخطى مرحلة الذهاب إلى المدرسة بالفعل، أما عن نانسي فلقد كانت تذهب إلى تلك المدرسة منذ الروضة.

بمجرد أن توقفت حافلة المدرسة أمام باب المنزل الكبير الفخم صعد الثلاث فتيات لتجلس كلًا منهن في مقعد منفصل عن الآخرى لكن ريتال قامت بتغير مقعدها بعد دقيقة لتجلس إلى جانب الصغيرة.

كان الصمت يغلف المكان نظرًا لكون الحافلة شبه فارغة، كانت نانسي تستمع إلى أغاني صاخبة في سماعات الأذن اللاسلكية خاصتها والتي تعمدت إزاحة خصلات شعرها نحو الخلف كي يلاحظ الجميع ارتدائها تلك السماعة باهظة الثمن، أما عن ريتال فأخذت ترسم رسومات عشوائية صغيرة في دفترها الصغير الذي تصحبه معها في كل مكان والصغيرة جلست تتأمل الطريق من النافذة التي تجلس إلى جانبها وبمجرد أن توقفت الحافلة اقتربت نانسي من ريتال لتهمس لها بالآتي بنبرة حاسمة:.

أنا جوا المدرسة يا ريتال معرفكيش ما هو مش معقول أكون مشهورة في المدرسة وليا شلة كبيرة مش أي حد يعرف يخشها وفي الآخر الناس تعرف إننا قرايب، سمعاني عشان متجيش تسأليني على حاجة زي اليومين اللي فاتوا!

صدقيني يا نانسي يا حبيبتي أنا مش مهتمة أتكلم معاكي ولا أقعد معاكي أصلًا! ولو عايزة اسأل على حاجة هبقى اسأل حد بيفهم وعنده ذوق.

صُعقت نانسي من جملة ريتال الغير متوقعة فا بالنسبة إليها ريتال كانت فتاة مسالمة أو بمعنى آخر كانت تراها كضعيفة الشخصية لا تقوى على رد الإساءة، عقدت نانسي حاجبيها بإستياء شديد قبل أن تدفع ريتال بكتفها بخفة عن عمد لتسبقها إلى خارج الحافلة.

تبعتها ريتال بتملل وهي تسير إلى جانب الصغيرة والتي بمجرد أن لمحت بعضًا من أقرانها داخل ساحة المدرسة عبس وجهها وأقتربت أكثر من ريتال وكأنها تعانقها من الجانب لتعلو التساؤلات وجه ريتال.

مالك يا توتو زعلانة ليه؟ حد من البنات دول عملك حاجة ولا أيه؟

دول؟ لا لا معملوش حاجة.

أجابت الفتاة بتلعثم ليزداد قلق ريتال والتي تحركت خطوة إلى الأمام ومن ثم جثت على ركبتيها وهي تنظر إلى داخل أعين الفتاة البنية وهي تسألها بمزيج من الجدية والحنان:
توتو حبيبتي مش أنتِ بتعتبريني زي أختك الكبيرة؟ ممكن لو حد ضايقك تحكيلي؟

مفيش حاجة صدقيني، حاولت الفتاة الهروب من الاسئلة خاصة ريتال وبعد أن نبست بتلك الجملة أخذت تركض بعيدًا عن ريتال تاركة الأخيرة في حيرة من أمرها.

كان هذا هو الأسبوع الأول منذ بدء الدراسة ولكن بالنسبة للصغيرة قد كان الأسبوع الثالث نظرًا لبدء الدراسة باكرًا بالنسبة للمراحل المُبكرة، كانت ريتال لم تعتد بعد على الأجواء في تلك المدرسة ولا على الأشخاص كذلك لذا ذهبت لتقف وحيدة في الصف وبمجرد انتهاء طابور الصباح الروتيني توجهت إلى الصف خاصتها لتجلس وحيدة في المقعد الأخير كما اعتادت أن تفعل في اليومين الماضيين.

كانت تجلس في مقعدها وحيدة شاردة تمامًا يُعيد عقلها صياغة ما حدث منذ بضعة أشهر، تتذكر محادثها الأخيرة مع والدها وكيف كانت تبكي وهي تضمه أثناء رحيله وهي تطلب منه البقاء وعدم المغادرة لكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد...

بِس بِس يا آنسة، على فكرة المكان اللي أنتِ قاعدة فيه ده مكاني، بس أنا يعني هسيبهولك بمزاجي، يلا أي خدمة.

أخرجها من شرودها صدور هذه الجملة من صوت خشن نسبيًا ينتمي إلى شاب بلا شك، يصفع الجزء المخصص للكتابة وهو يتفوه بجملته تلك لتنتفض في موضعها لثوانٍ وترفع عيناها السوداء الكحيلة لتقابل خاصته المائلة للزرقة أو الرمادي ربما، لا تدري هي تميل أكثر إلى كونها شفافة، على أي حال لم يمكن هناك وقت كافي لتأمل ملامحه لأنها صاحت في وجهه بنبرة هادئة نسبيًا وإن كانت تحمل في طياتها غضب دفين مُردفة:.

في حد يخض حد كده؟ وبعدين أنا، أنا قاعدة هنا من أول الأسبوع ومشوفتش حد اشتكى ولا جيه قعد يعني!

اه مكنش في حد، أصل أنا مش بحضر أول كام يوم في الأسبوع الأول في اعتراض؟

تمتم بغرور شديد ونبرة لا تخلو من العجرفة وهو يبتسم ابتسامة جانبية وفي تلك الأثناء كان الجميع قد ألتفتوا نحوهم في اهتمام ليشاهدوا إلى أين ستؤول تلك المحادثة الحادة.

أنا مقولتش إن في اعتراض أنا بقول إن أنا لاقيت المكان فاضي فقعدت بس كده. تحدثت هي بذات النبرة الهادئة محاولة أن تنهي ذلك النقاش السخيف لكنه عقب على حديثها بنبرة حادة وهو يُردف:
وأنا بعرفك يعني إن أنا سايبك بمزاجي، وبعدين أنتِ متقدريش تعترضي أصلًا!

هو أنتَ بتتكلم كده ليه؟ أنا بكلمك بهدوء واحترام على فكرة. في تلك اللحظة كانت نبرة ريتال قد اكتسبت بعض الحدة نتيجة لإسلوبه السخيف، نظر نحوها بإزدراء قبل أن يُردف الآتي محاولًا تقليد نبرة صوتها الناعمة:
ما هو أنتِ معندكيش اختيار تاني على فكرة.

مالك بيها يا نجم؟

صدر هذا السؤال من فتاة لا تدري ريتال من أين ظهرت لكنها شكرت الله على وجودها لأنه على ما يبدو أنها تعرف ذلك الفتى جيدًا، كانت الفتاة خمرية البشرة ذات ملامح وجه رقيقة وزوج من الاعين الواسعة نسبيًا يزينهم من الأعلى حاجبين كثيفين أكسبا وجهها جاذبية استثنائية، كانت تقف إلى جانبها فتاة ذات بشرة قد سرقت من الثلج لونه بالإضافة إلى ملامح هادئة لطيفة وزوج من الأعين ذات اللون البني الزاهي.

يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم عايزين أيه عالصبح؟ سأل بضيق حينما لمح الفتاتان وإن كانت الأخيرة لم تتحدث، رمقته الفتاة الأولى والتي تحدثت قبل قليل بإحتقار قبل أن تُردف:
ملكش دعوة بيها، خلاص يعني ضاقت الدنيا بيك ومش لاقي مكان تاني تقعد فيه؟

بقولك أيه أنا خارج وحتى الحصة الأولى مش هحضرها خالص عشان وجع الدماغ، وأنتِ يا، أيًا كان اسمك كلامنا مع بعض مخلصش.

بذات النبرة المتعجرفة تحدث قبل أن يحمل حقيبته التي كان من الواضح أنها شبه فارغة قبل أن يُغادر المكان تحت نظرات الذهول والتساؤلات التي ملئت أعين ريتال.

سيبك منه ده واد عبيط فاكر إنه مشتري المدرسة باللي فيها، بالمناسبة أنا عالية.

اتشرفت بيكي يا عالية.

وأنا حنين، تؤامها.

تؤام بجد؟ ما شاء الله، بس أنتوا مش شبه بعض خالص!

اه ما أحنا مش أخوات. صدرت هذه الجملة من عالية لتعقد ريتال حاجبيها بتساؤول وقد أعتلت البلاهة ملامح وجهها لتقهقه الفتاتين قبل أن تقوم حنين بتوضيح الأمر قائلة:
أحنا فعلًا مش أخوات أحنا جيران، بس أنا وعالية أتولدنا في نفس اليوم ونفس الوقت تقريبًا، ماما ومامتها كانوا صحاب أوي بس ومن وقتها وهما بيعتبروا أننا تؤام يعني.

دي صدفة غريبة أوي، عالعموم أنا بجد مبسوطة إني اتعرفت عليكوا وشكرًا أنكوا دافعتوا عني لما اسمه أيه ده جيه يرخم عليا،.

أردفت ريتال بإمتنان وود لتضحك كلًا من حنين وعالية قبل أن تُعقب عالية على ما قالته مُردفة:
قصدك على تليد؟ ده عيل أهبل سيبك منه!

تليد؟ اسم غريب أوي، أول مرة اسمعه، ما علينا، المهم ممكن اطلب منكوا طلب؟

اه طبعًا اتفضلي. قالت حنين بلطف لتبتسم لها ريتال ابتسامة صغيرة قبل أن تنبس بحرج:
ممكن يعني من فضلكوا في البريك تبقوا تعرفوني عالمدرسة والناس وكده أنا اليومين اللي فاتوا مكنتش بتحرك من مكاني،.

من عنيا بس عالية متجيش معانا!

أنا جيت جنبك يا ستي؟ ده أيه أصله ده؟ سألت عالية بغيظ بينما ترمق حنين بطرف عيناها بإحتقار.

وبينما كانت تثرثر ريتال مع عالية وحنين دلف المعلم إلى الصف ليجلس الجميع في أماكنهم ليبدأ المعلم في شرح مادة الكيمياء وفي أثناء فترة الراحة لمحت ريتال ذلك المدعو ب تليد والذي استطاعت أن تتبين ملامحه في هذه المرة، يفوق معظم أقرانه في الطول ويميل جسده إلى النحافة، يمتلك خصلات شعر باللون البني الداكن وقد اتخذ شكل لفائف عديدة بدت لطيفة إلى حدٍ ما.

كان يقف ذلك الفتى برفقة مجموعة من رفاقه يقومون بإشعال السجائر في بقعة غير مرئية بوضوح في المدرسة، لم تستطع ريتال أن تُخفي دهشتها من كون طلاب المدرسة يقومون بإشعال السجائر في وضح النهار أثناء اليوم الدراسي ومؤكد أنه على الأقل هناك معلم واحد يعلم بحدوث ذلك لكنه لا يهتم كثيرًا بمنعهم، في النهاية أشاحت ريتال بنظرها بعيدًا عنهم وهي تبدأ في تناول طعامهم.

في نهاية اليوم وأثناء عودتهم في الحافلة جلست ريتال وحدها بعيدًا عن نانسي والفتاة التي تُلقبها ب توتو وجلست تُكمل الرسومات العشوائية خاصتها.

بمجرد أن توقفت الحافلة وهبط ثلاثتهم هرولت الصغيرة نحو المنزل وقد امتلئت عيناها بالدموع دون سابق إنذار أو أية مقدمات، ركضت ريتال مسرعة لتلحق بها ولحسن الحظ قد نجحت في فعل ذلك واستطاعت أن تجعل الفتاة تتوقف.

ضمت ريتال الصغيرة إلى صدرها برفق وهي تمرر يدها على خصلات شعرها الناعمة بلطف بينما تسألها بقلق نابع عن حنان:
مالك بس يا حبيبتي حصل أيه؟ مين زعلك؟

أصل، أصل، مفيش حاجة، كانت تُجيب على ريتال بتلعثم وقد تخللت الشهقات حديثها في تلك الأثناء كانت تسير نانسي بجوارهم ببرود تام ولم تهتم حتى أن تُلقي نظرة على الصغيرة لترى ماذا أصابها ولماذا تبكي.

احكيلي، مش أحنا صحاب واتفقنا نحكي كل حاجة لبعض ولا أيه؟

أصل هما في المدرسة زعلوني،.

مين اللي زعلك بس يا حبيبتي؟ الميس زعلتك؟ ولا حد من صحابك؟ سألت ريتال بالنبرة القلقة ذاتها بينما تكفكف دموع الصغيرة بيدها.

أصل، أصل، هما في المدرسة، بيضحكوا على، اسمي بيفضلوا يقولوا حاجات وحشة،.

بيقولوا أيه يا حبيبتي احكيلي.

بيقولوا بيرفيوم و برفان و ريحة وأنا بزعل أوي وبقولهم ميعملوش كده بس مش بيسمعوا كلامي،.

طيب مش أحنا اتفقنا قبل كده إن أنتِ اسمك جميل ومميز؟ هما بس مش فاهمين هو حلو ازاي وهما أطفال مش كويسين لأن أحنا أصلًا مينفعش نتريق على اسم حد.

لا يا ريتال أنا اسمي وحش!

لا يا توتو، طب أنتِ عارفة معنى اسمك أيه؟ سألت ريتال ليسود الصمت لبرهة من الوقت كانت تُفكر فيها الصغيرة بينما تقوم بمسح دموعها المنهمرة بيدها الصغيرة الناعمة، هي كانت تعلم الإجابة ولكنها غير متيقنة منها لذا طالعت ريتال بحيرة وهي تنتظر أن تُخبرها الإجابة.

بصي أنتِ اسمك عطر صح؟ واسم عطر ده معناه الريحة الحلوة أوي واللي بتنتشر في المكان كله وتخلي ريحته جميلة، شوفتي بقى اسمك معناه جميل ازاي؟

طيب لما هو جميل ليه بيضحكوا عليه؟ سألت الفتاة بحزن ممتزج ببعض الحيرة لتتنهد ريتال بإستياء وهي لا تدرِ بماذا تجيب الصغيرة، ساد الصمت لبرهة قبل أن تُجيبها ريتال مُردفة:
عشان هما نوتي يا توتو، خلاص بقى امسحي دموعك ومتعيطيش تاني ولو حد ضايقك قولي للميس أو أقولك، أنا هبقى أوريكي ال Class الصف/الفصل بتاعي فين عشان لو حصل أي حاجة أو لو حد زعلك تيجي تحكيلي اتفقنا؟

اتفقنا،.

الكتاكيت الصغيرين بيعملوا أيه؟

صدر هذا السؤال بصوت مبحوح بنبرة مُحببة إلى أذن ريتال وتعرفها جيدًا، انتفضت من موضعها لتستقيم فتقابل عيناها خاصته لتجده واقف بشموخ وهو يحمل خوزته في يده وفي الآخرى الهاتف بينما يُطالعها هي وعطر بإبتسامة لطيفة، يرتدي قميص باللون البني جعل لون عيناه العسلية زاهية أكثر، لم تُجيبه ريتال بينما حاولت عطر أن تكفكف دموعها سريعًا كي لا يلاحظ هو بكاءها.

أنا أسف خضيتكوا ولا أيه؟

لا لا، أحنا، تمام مفيش حاجة، أجابته ريتال بتلعثم وتوتر واضح لتتسع ابتسامته أكثر وهو يسألها مرة آخرى:
طب أيه واقفين في المدخل ليه كده؟ أيه ده مالك يا توتو في أيه؟

كان يسأل بنبرة مرحة في البداية لا تخلو من الفضول لكن سرعان ما تحولت نبرته ليشوبها القلق فور رؤيته لوجه شقيقته الصغيرة والتي تُعد أغلى شيء بالنسبة إليه في هذه الدنيا، أخذت الفتاة تنظر إلى عين شقيقها لثوانٍ قبل أن تنبس بالآتي:
مفيش حاجة،.

لا قوليلي بس مين زعلك؟ بابا ولا أيه؟

مش هقول ده سر! تمتمت الفتاة ومن ثم ركضت مسرعة مبتعدة عن أعينهم وهي تحاول الفرار من سؤال شقيقها ولم تدرِ هي أن بحركتها تلك جعلت ريتال في موضع إحراج بوقوفها وحيدة مع صالح.

احكيلي يا ريتال أيه اللي حصل؟ هي أكيد حكيتلك هي مش بتخبي عنك حاجة.

مفيش، هو بس يعني، في ناس معاها في المدرسة كانوا بيرخموا عليها بس متقلقش أنا هعرف اتصرف معاهم.

بيرخموا عليها ازاي يعني؟ وليه مرحتش تحكي لعمتو وتشتكي هي مش المفروض المديرة برضوا ولا وجودها زي عدمه مش فاهم أنا؟

تحدث صالح بنبرة غاضبة وهو يزيح خصلات شعره الناعمة التي ازدادت طولًا مؤخرًا نحو الخلف وقد امتعض وجهه وهو يضم حاجبيه الكثيفين، ساد الصمت لبرهة قبل أن تحمحم ريتال ثم تُردف:
مفيش داعي للعصبية دي كلها، أنتَ عارف الأطفال والسخافة بتاعتهم في السن ده وأنا قولتلك أنا هحاول اتصرف في الموضوع ده وهكلم عمتو أنا متقلقش.

خلاص هعتمد عليكي في الموضوع ده بس لو فضلوا عالوضع ده أنا هضطر اتدخل واعمل مشكلة.

تمتم بنبرة أكثر هدوءًا وهو يبتسم كاشفًا عن الحفرة في أحدى وجنتيه لتشرد ريتال لبضع ثوانٍ وهي تتأمل ملامحه قبل أن تُدرك أن ما تفعله خاطئ، تفيق من شرودها وهي تحاول إنهاء تلك المحادثة سريعًا وهي تُردف الآتي بتوتر:
إن شاء الله مفيش مشاكل ولا حاجة، أنا بقى، هطلع عن إذنك.

لم تنتظر ردًا منه واتجهت نحو السلم مباشرة لتصعد إلى الجزء المخصص لها هي ووالدتها، كانت تبتسم ابتسامة بلهاء بينما تداعب كلماته عقلها خاصة تلك الجزئية حول ثقته بها في حل المشكلة وبينما كانت تشعر بسعادة غريبة تتملكها جاءها صوت والدتها الغاضب الباكي من داخل المنزل، هرولت بخطوات أسرع وهي تبحث عن المفتاح خاصتها كي تقوم بفتح الباب سريعًا لترى ماذا يحدث.

يعني أيه مش هتعرف تاخد أجازة؟ على فكرة دي مبقتش عيشة بقى وأنا زهقت!

مالك يا ماما في أيه؟

مفيش مفيش! صاحت والدتها من وسط دموعها وهي تغلق الخط في وجه زوجها دون أن تودعه ودون أن تنهي الحوار ثم تُلقي بهاتفها على الأريكة بعشوائية ومن ثم تدلف إلى حجرتها وتغلق بابها.

أمسكت ريتال بهاتف والدتها والذي صدرت منه نغمة الرنين مجددًا مُعلنة عن اتصال والدها، أجابت ريتال بإشتياق كبير وهي تقول:
بابا حبيبي، وحشتيني أوي.

أنتِ كمان يا حبيبتي، هي مامتك فين؟ ازاي تقفل في وشي وتكلمني بالأسلوب ده؟

معلش يا بابا هي تلاقيها مضغوطة بس أكيد مش قصدها، هو أنتوا اتخانقتوا؟

وحتى لو اتخانقنا يعني حصل أيه؟ وبعدين مضغوطة؟ مضغوطة من أيه إن شاء الله؟ أنا هنا في الغربة عشان أجبلكوا فلوس تتمتعوا بيها وتتفسحوا وتروحوا وتيجوا وفي النهاية تتعامل معايا بالإسلوب ده؟

بصق والدها كلماته القاسية بنبرة غاضبة بينما كانت تستمع ريتال إلى حديثها بمزيج من الحزن والغضب، ربما قد اخطأت والدتها في ما فعلته قبل دقائق لكن ما يقوله والدها الآن خاطئ ومُسيء كذلك!

يا بابا بعد إذنك! ماما مضغوطة اه كفاية عليها البيت وأنا وكمان العائلة هي مش قاعدة بتلعب يعني! وكفاية إن حضرتك مش معانا،.

خلاص خلاص أنتِ بقيتِ تتكلمي زيها بالضبط، عالعموم أنا مش هعرف انزل أجازة الشهر ده زي ما وعدتكوا غالبًا هاجي على اجازة نص السنة بقى.

كان الخبر كالصاعقة بالنسبة إليها، لقد انتظرت سنة كاملة دون رؤية والدها وكان من المفترض أن يأتي إلى مصر في زيارة تمتد لمدة شهر لكنه لن يفعل بل ويتحدث عن الأمر بعدم إكتراث وكأنه لا يعاني آلم الفراق كما تعاني هي ووالدتها، أنهت المكالمة دون أن تُعلق على تلك الجزئية قبل أن تدلف إلى حجرتها بحركة أشبه بالإنسان الآلي وهي تسمح لدموعها بالإنهمار دون أن تُصدر صوت...

قاطع بكاءها صوت وصول إشعار إلى هاتفها، أضاء الهاتف مُعلنًا عن صول رسالة من رقمٍ مجهول، عقدت ريتال حاجبيها وهي تقرأ الرسالة بتملل قبل أن تعقد حاجبيها وتكسو الحيرة والصدمة وجهها...

حلوة أوي النمرة اللي عملتيها النهاردة عشان تلفتِ نظر تليد، بس ياريت متكرريهاش تاني يا حلوة وده أحسنلك!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة