قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وسقطت بين يدي شيطان للكاتبة مي علاء الفصل السادس عشر

رواية وسقطت بين يدي شيطان للكاتبة مي علاء الفصل السادس عشر

رواية وسقطت بين يدي شيطان للكاتبة مي علاء الفصل السادس عشر

نظر الشيطان لعايدة بطرف عينيه بجمود، نقل نظراته امامه فرأى صورة ريحانة المنعكسة على المرآة فشعر بالضيق لرؤيتها لذلك لكنه لم يظهر شيء حيث اكمل طريقه لمكتبه ودخله، بينما التفتت ريحانة وعادت إلى غرفة الطعام، جلست على احدى مقاعد السفرة في حين لم تفارق شفتيها تلك الإبتسامة الشامتة السعيدة لما حدث لعايدة، سندت مرفقيها على الطاولة بعد ان تلاشت إبتسامتها وهي تفكر، لماذا شعرت بالضيق والغيرة عليه!، هي لا تكن اي مشاعر بداخلها له لكي تشعر بذلك الشعور، اغمضت عينيها وهي تتذكر لحظة إقتراب عايدة منه، فشعرت بالضيق لتذكرها للأمر، فتحت عينيها وهي تهز رأسها بعنف وتعود بظهرها للخلف وهي تقول لتبرر ضيقها.

- انا مش مضايقة، هضايق لية اصلا!؟، اصلا لو اي حد في مكاني وشاف حاجة زي دي مكنش هيعجبه حاجة زي دي تحصل قدامه، يعني لو كانوا لوحدهم ماشي و..
توقفت عن إكمال جملتها في حين كانت تعيد جملتها الأخيرة بضيق
- لو كانوا لوحدهم ماشي!، ولا حتى لوحدهم، اية قله الأدب دي؟

بعد ان انهت جملتها نهضت بحدة وخرجت من غرفة الطعام فتوقفت عندما وجدت عايدة مازالت على حالتها، فرمقتها بإستحقار قبل ان ترسم على شفتيها إبتسامة شامتة باردة وهي تتقدم من الأخيرة وتقف امامها، فرفعت عايدة نظراتها لريحانة فرأت تلك النظرة الشامتة التي تتراقص في حدقتي الأخيرة وهذا اشعرها بالغضب، فقالت ببرود مصتنع
- جاية لية؟
- كنت معدية من هنا فلقيتك واقعة على الأرض، قلت اساعدك.

قالتها ريحانة بخبث وهي تميل قليلا لتمد يدها لعايدة، فنظرت عايدة ليد ريحانة بغيظ وقالت
- مش محتاجة مساعدة واحدة عقربة زيك
- انا!
قالتها ريحانة بذهول مزيف، فرمقتها عايدة ب بغض وهي تنهض بصعوبة بسبب الآم ظهرها، وقفت على قدميها وهي تتألم، إتجهت للسلم و لكن ريحانة اوقفتها بقولها
- على فكرة انا بشفق عليكِ اوي
نظرت لها عايدة من فوق كتفها وهي تلويها ظهرها، بينما اكملت ريحانة.

- مش بيصعب عليكِ نفسك لما تتذلي وتعرضي نفسك على واحد مش عايزك!
استدارت عايدة نصف التفاته ونظرت لريحانة ببرود مصطنع وقالت
- حاجة متخصكيش
- لا، دي حاجة تخصني
التفتت عايدة واصبحت مقابلة لريحانة، فحدقت بها لبرهة قبل ان تقول عايدة بتهكم
- هو الشيطان دلوقتي بقى يخصك!
صمتت ريحانة قبل ان تقول بثبات
- ايوة، مش انا عشيقته؟
إبتسمت عايدة بسخرية وقالت بإستخفاف.

- ويعني اية عشيقته مثلا! محسساني انها علاقة مقدسة مثلا، دة يومين، اسبوعين، شهر و هيرميكي
إبتسمت ريحانة بطريقة مستفزة و قالت بثقة اتقنتها
- اليومين والأسبوعين والشهر دة مع واحده تانية مش معايا، انا هفضل معاه، لا مش انا الهفضل هو اللي هيكون متمسك بيا
- ولية هيفضل معاكِ مثلا!، بيحبك؟
قالتها عايدة بإستخفاف قبل ان تقهقه وتكمل.

- متخليش افكارك توديكي على ان الشيطان ممكن يحبك او يحب عامةً، هو مش عشان بيعاملك كويس يبقى خلاص بدأتي توقعيه، لا دة انتِ لازم تخافي منه، دة الشيطان ومش سهل يا قطة
- وانا مش سهلة برضه، انتِ متعرفنيش لسة، لو عايزة اوقعه في حبي هوقعه
نظرت لها عايدة بطرف عينيها وهي تلتفت
- ثقتك في نفسك هتوقعك على الأرض وهتكسر رقبتك، فحاسبي من كسر رقبتك ومني، لأني مش هسمح للشيطان انه يكون لوحدة غيري.

- قصدك مش هتسمحي ان كل الثروة دي تروح لغيرك
قالتها ريحانة بإستحقار، فقالت عايدة ببرود وهي تصعد السلم
- بظبط
اختفت عايدة من امام عيني ريحانة فألتفتت الأخيرة وهي تشعر بالضيق والندم لما قالته، لم يكن يجدر بها ان تقول ذلك الهراء لعايدة، فبقولها اظهرت انها تهتم بالشيطان، هزت رأسها بعنف وهي تضرب شفتيها بكفيها وتلعن نفسها مئة مرة.

في مكتب الشيطان.

كان جالس على كرسي مكتبه وهو ينظر امامه بشرود فهو كان يتذكر سؤال عايدة اللي في قلبك ريحانة؟، هو يبحث عن إجابة لهذا السؤال الصعب، نعم انه لسؤالا صعب عليه، فهو شخص قاسي بنى حياته على اساس الكره والقسوة وكرسها كلها لشيء واحد وهو الإنتقام فمن الصعب إستيعاب دخول الحب لبابه بعد ان قتل ذلك الجانب منذ زمن طويل، اعاد رأسه للخلف وهو يغمض عينه ليسترخي، لكن صورة ريحانة قفزت في مخيلته فجأة وبدون سبب، ففتح عينيه بضيق ونهض، إتجه للحائط في الجانب الأيمن ليصل امامه ويمد يده ليبعد الستارة فظهر باب، فتحه ودخل.

زحف جلال على الأرض حتى وصل للحائط فسند جسده عليه وهو يخرج تأوهات تظهر مدى ألمه في حين كان وجهه ينزف وقميصه الأبيض تغير لونه للون الأحمر بسبب الدماء، نظر جلال ل سالم بنظرات مشتتة فقد كانت رؤيته مشوشة ومتداخلة.
- اية رأيك في الدرس دة، عجبك!
قالها سالم بتهكم وهو ينظر لجلال ببرود وعلى وجهه إبتسامة جانبية، فقال جلال بتوعد وحدة رغم صوته الضعيف الذي يمتلأ بالألم
- هتندم على العملته يا سالم، هندمك.

قهقه سالم بسخرية وقال بإستخفاف
- وهو انا هخاف منك لما تقولي الكلمتين دول
بعد ان انهى جملته، نهض وسار بخطوات هادئة لإتجاه جلال ليقف امامه، نزل لمستواه وقال
- انت ضعيف جدا يا جلال، انت بدوني و بدون الناس اللي بيسندوك تبقي ولا حاجة، فجاي دلوقتي وتقول انك هتندمني! قهقه بخفة واكمل ها قولي هتندمني ازاي وانت لوحدك ضعيف
- انا مش لوحدي.

- بجد!، طب قول مين معاك؟ ايمن اللي في السجن ولا فريد اللي فلس ولا عصام اللي اداك فكرة انك تزور الفلوس دي وتجبهالي
نظر جلال لسالم بدهشة وقال
- عرفت منين؟
نهض سالم واجاب بهدوء
- مفيش حاجة بتتخبى عليا
التفت ولاواه ظهره وهو يسير بخطوات باردة وهو يقول
- اقولك حاجة، انت وقعت في فخ الشيطان.

- المليون ونص الطلبتهم منك معايا اضعافهم، اكيد هتستغرب لما اقولك ان الشيطان عرض عليا اني اخونك مقابل الفلوس وانا وافقت، وكذلك نفس الموضوع حصل مع عصام.
بدأ جلال يفقد الوعي، فتوقف سالم واستدار ليعود وينظر له، قال قبل ان يفقد جلال الوعي كليا
- احسنلك انك تتراجع عن اللي كنت مخطتله بخصوص الشيطان عشان اللعب مع الشيطان مش سهل، نصيحه من واحد خانك، خدوه.

قال الأخيرة لحراسه، فتقدم حراس سالم وامسكوا بجلال من ذراعيه وجروه خلفهم.

وقفت ريحانة امام مكتب الشيطان وطرقت على الباب بتردد، انتظرت سماع الإذن منه لكنها لم تسمع اي صوت من الداخل فطرقت مرة آخرى قبل ان تضع كفها على مقبض الباب وتبرمه، فُتِح الباب وتقدمت للداخل بخطوات حذرة في حين كانت نظراتها تتجول في ارجاء المكتب حتى توقفت عند تلك اللوحة المعلقة بجانب الباب فاقتربت وهي تدقق النظر في حين كانت تحاول ان تتذكر اين رأت مثل هذه اللوحة في مكان آخر، نعم لقد تذكرت فهي قد رأت مثل هذه اللوحة عند جلال، إبتسمت لأنها تذكرت، إتجهت لمكتب الشيطان والتفت من حوله حتى وقفت خلف كرسي مكتبه وهي تنظر للأشياء الموضوعة على مكتبه فجذب إنتباهها تلك الساعة الذهبية، مدت يدها وامسكت بها وهي تنظر لها بإنبهار فكل انش في هذه الساعة فيه ذهب، حركت يدها الممسكة بالساعة لتنظر لكل جوانب الأخير فلاحظت ذلك الأسم المنقوش على باطن الساعة، فقرأتها بتمعن.

- العاشقان، فيروز وفخر الدين
نظرت امامها وهي تردد الأسمين بتفكير، من يكونا اصحاب هذه الأسماء؟ والديه؟!، قاطع تفكيرها صوت صرير باب خافت فرفعت نظراتها ومررتها حولها بإستغراب، اعادت نظراتها للساعة ولكنها سمعت الصوت مرة آخرى فبدأ الخوف بتملكها، اعادت الساعة لمكانها لتسير بخطوات حذرة في الإتجاه الأيمن بعد ان دققت في إتجاه مصدر الصوت، ‎ ‎‏توقفت امام الحائط وهي تنظر له بإستغراب وتقول لنفسها.

- الصوت جي من هنا بس ازاي؟

مدت يدها للحائط فلامست اناملها الأخير في حين قضبت حاجبيها بحيرة، هناك شيء غريب، هذا ليس ملمس الحائط وصلابته، ابعدت يدها من على الحائط ببطء وهي تشعر بالحيرة وعدم الإرتياح، فألتفتت وهي تنوي المغاردة، وقبل ان تخطوا خطوة واحدة شعرت بيد تمسكها من رسغها وتجذبها إلى غرفة مظلمة من خلف الجدار فصرخت بفزع، نظرت للشخص الذي يقف امامها وهو ممسك بذراعها، لم تستطيع رؤية ملامحة بسبب الظلام ولكن رائحته تعرفها جيدا، همست بصوت مهتز.

- بيجاد!
كان صدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها ويدها ترتجف قليلا من الخوف، لم تسمع اي رد من الطرف الآخر في حين شعرت بيده تترك ذراعها، فنظرت حولها بخوف وهي تسمع صوت تنفسه، فقالت وهي تحاول ان تصطنع الثبات
- مين هنا؟، انت بيجاد!، انا مش خايفة على ف...

شهقت بخوف وفزع عندما جذبها من خصرها بطريقة مُفاجئة وسريعة في حين اشتعلت شمعة صغيرة من على الرف الموجود بجانب رأسها، نظرت للشمعة في حين مد يده وامسك بالشمعة ووضعها امام وجهها، فنقلت نظراتها له فرأت وجهه، وتبادلا النظرات فذابت بعينيه التي لاحظت ان لونهما هو البني القاتم فشبهتهما بالقهوة القاتمة التي برغم مرارتها ولونها القاتم تجبرك على عشقها، نعم هي تعشق جمال عينيه برغم القسوة التي تكمن فيهما، لا تعرف منذ متى بدأت في عشقهم، ولكن ما تعرفه الآن ان جمال عينيه تفقدها عقلها، فجأة!، أخفضت رأسها وهي تشعر بدقات قلبها الذي ينبض كالمجنون عندما تكون بجانبه، وضعت يدها على يده الملتفة حول خصرها وحاولت إبعادها لكنه لم يسمح بذلك حيث القى بالشمعة على الأرض فأنطفأت و من ثم امسك بيدها التي تضعها على يده ووضعها خلف ظهرها والصقها به، فرفعت نظراتها له بجزع وقالت بتلعثم.

- في اية؟، ناوي على اية ها، ابعد...
كانت تحاول تخليص يدها من قبضته وهي تكمل
- انا عايزة اخرج من هنا
- لية؟، خايفة كالعادة!
قالها بطريقة مستفزة، فقالت بإنفعال مفاجئ
- انت مش هتقدر تعملي حاجة
إبتسم إبتسامة ماكرة شيطانية اظهرت مخالبه وهو يقول بهمس
- هنشوف، هقدر ولا لا زي ما بتقولي
بلعت ريقها بصعوبة وهي تقول بثبات فشلت في إتقانة
- مش هتقدر، مش هسمحل..

لم يسمح لها بإكمال جملتها حيث طبق شفتيه على شفتيها بهدوء مما سبب لها الصدمة في البداية قبل ان تستجيب له ولقبلته الحانية، الناعمة، فبادلته القبلة، فأدرك انها استجابت له فحرك ذراعها الذي كان يضعها خلف ظهرها ووضعها على كتفه وبدورها رفعت ذراعها الآخرى وطوقته من رقبته وهي ترفع جسدها قليلا، لا تعلم ماذا حدث لها ولماذا استجابت له ولماذا تشعر بأنها ترغب به!، هي تريد ان تبتعد ولكن رغبتها تمنعها، تنهدت من بين قبلتهما وهي تغمض عينيها في حين شعرت ان مشاعرها إتجاهه بدأت توضح امامها، والآن ستعترف، هي معجبة به وتنجذب له بطريقة خطيرة فهل هذا معناه انها احبته؟!، لم تهتم كثيرا بالتفكير في هذا السؤال فهي تريد الإستمتاع بهذه اللحظة، معه!

سار بها للخلف حتى اصطدم ظهرها بالحائط فتأوهت بخفه في حين رفع كفيه ومررهم على رقبتها ومن ثم احتضن وجهها بكفيه فابتعدت عنه قليلا لتلتقط انفاسها، فأبتعد هو عنها اكثر حيث تركها وتراجع للخلف وهو يشعر بشعور يزعجه، مسح وجهه بكفه وهو يخلص نفسه من ذلك الشعور ولكنه لم يستطع فرفع نظراته لها ومن ثم سار لناحيتها وتخطاها ليفتح الباب ونظر لها مرة آخرى وقال بهدوء اصطنعه امام نفسه، رغم بعثرة مشاعره بداخله
- اخرجي.

نظرت له بدهشة من موقفه، فنظر امامه بنفاذ صبر ليتقدم منها بعدها ويمسكها من ذراعها ويخرجها، قال قبل ان يغلق الباب
- مش عايز اشوفك في مكتبي، اخرجي
واغلق الباب بينما ظلت هي واقفة في مكانها تستوعب ما حدث.

- الحقي ابوكِ يا زهرة، الحقيه
قالتها والدة زهرة وهي تبكي عبرالهاتف، فقالت زهرة بقلق
- بابا ماله؟
- تعبان اوي، تعالي البيت يا زهرة، هو عايز يشوفك
- هستأذن وهاجي
- متتأخريش يا بنتي
انهت زهرة المكالمة وهي تشعر بالقلق والخوف على والدها، فنهضت سريعا وخرجت من غرفتها، وفي طريقها للمطبخ قابلت رئيسة الخدم فأوقفتها وقصت عليها ما حدث واستأذنتها بأن تغادر فوافقت الأخيرة
- شكرا جدا، شكرا.

قالتها زهرة بإمتنان قبل ان تغادر.

في جناح عايدة
كانت عايدة مستلقية على الأريكة وعلى وجهها إبتسامة جانبية في حين كانت تنظر للهاوية بشرود، كانت تتذكر اقوال ريحانة عن الشيطان وعن تحديها لها بأنه سيصبح لها، قهقهت فجأة بإستخفاف وهي تحرك رأسها و تقول
- الغبية فاكرة انها هتقدر تغير الشيطان وتخليه يحبها بعد السنين دي كلها، هي عارفة انه شيطان، بس اللي متعرفوش انها لازم تعمل معجزة عشان تغير الشيطان دة لإنسان يحب بس صعب، صعب جدا تغيره.

اعتدلت عايدة إلى وضع الجلوس بصعوبة وهي تكمل ببرود في حين متجاهلة ألمها
- بس يلا خليها تجرب وهتفشل ومع فشلها هتبقى نهايتها، ونهايتها قربت
انهت جملتها ونهضت، سارت بخطوات بطيئة لإتجاة السرير والقت بجسدها عليه، اغمضت عينيها وهي تبتسم وتقول بلهجة حالمة
- امتى هيجي اليوم اللي هشوف فيه ريحانة وهي بتولع كدة على الخشبة قدام الناس.

سارت ريحانة بخطوات بطيئة لإتجاة الباب وهي في حالة ذهول، ماذا حدث له؟، وضعت يدها على مقبض الباب وبرمته، توقفت والتفتت ناظرة لباب مكتبه الذي اغلقته وبدأت تدرك الأمر، لقد طردها بعد ما حدث، فهذه إهانة لها، صحيح؟!، إتسعت مقلتيها بصدمة وتمتمت لنفسها
- دة انا اتهنت!
اخذت تضرب رأسها بضيق وهي تتمتم وتلعن نفسها
- انا غلطانة، أنا غبية، أنا اية الخلناني استسلم له!، حقيره يا ريحانة حقيرة وغبية.

اخذت تبعثر خصلات شعرها بغضب وضيق من نفسها ثم هتفت بصوت مسموع غاضب ومتوعد
- حقير، هوريك
واستدارت لتسير في الممر وهي مازالت تلعن وتسب نفسها على إستسلامها له، كيف استسلمت له؟، كيف ضعفت امامه؟، اين ذهب عقلها!، هل سلبه منها بهذه السهولة ام هي التي اوقفت عمله!؟

في الناحية الآخرى، جلس على الكرسي ومال قليلا ليسند مرفقيه على فخذيه وفجأة اظلمت عينيه من بين ذلك الظلام الدامس الذي يعم من حوله، كان يحاول القضاء على شعوره الذي صنعته هي له، فهو مؤخرا اصبح يشعر بأن هناك مشاعر جديدة تكمن بداخله وخاصةً لناحيتها، هي المرأة الأولى الذي شعر بإتجاهها بالإنجذاب والرغبة!، ف لكونة الشيطان هو لم يكن يشعر بأي من تلك المشاعر سابقا ولذلك تغيره هذا يضايقه ويغضبه، نهض بضيق وضرب الحائط بقبضته ومن ثم قال من بين أنفاسه الهادرة بعنف، مُذكراً نفسه بقسوة.

- انا الشيطان، عمر ما اي واحدة هتغيرني او هترجعني لهيئة إنسان له قلب عشان يحس بِه، انا معنديش قلب، انا شيطان وبس.

مر الوقت حتى حان موعد الغداء، دخلت ريحانة لغرفة الطعام فرأته جالس في مقعده وقد بدأ في تناول الطعام، رمقته بضيق وهي تجلس في مقعدها، أمسكت بالملعقة بهدوء ووضعتها في طبق الحساء وهي تقول.

- مش من الذوق انك تستناني؟
نظر لها بطرف عينيه ببرود بينما اكملت
- مدام انا عايشة هنا كفرد في القصر
- شكلك خدتي عليا اوي، صح!
قالها بهدوء وهو ينظر لها بنظرات خالية من اي تعبير، فإبتسمت إبتسامة جانبية ساخرة وهي تُجيبه ببساطة
- طبيعي اخد عليك لأني عايشة معاك.

اعاد نظراته لطعامه بهدوء بينما ظلت هي تنظر له في حين كانت تفكر وتخطط، تريد ان تنتقم منه لفعلته ولإهانته لها، إرتسمت على شفتيها إبتسامة ماكرة، نظرت لطعامها وبدأت في الأكل وهي تحدث نفسها
- هنتقم منه بطريقتي، الخطوة الأولى، اضايقه.

بلعت الطعام الموجود في فمها ومن ثم رفعت نظراتها الماكرة لناحيته ببطء فوجدته يمد يده ليأخذ رغيف من الخبز فمدت يدها سريعا واخذت الرغيف الذي كان سيأخذه، لم يهتم وهم ليأخذ رغيف آخر لكنه وجدها تأخذه ايضا، رفع نظراته لها بجمود وهو يمسك برغيف آخر فوجدها تمسكه، نقل نظراته ليدها ومن ثم لها، فقالت بهدوء
- انا عايزة اكل الرغيف دة
تركه وامسك بآخر ففعلت كالسابق، رمقها بنفاذ صبر، قالت ببراءة خبيثة.

- معلش سبهولي، اصل عايزاه
- هتاكلي كل دة؟!
قالها بضيق، فإبتسمت بطريقة مستفزة وهي تومأ برأسها، فتركه وامسك بملعقته واخذ يحتسي الحساء، بينما كانت الإبتسامة الماكرة اللعوبة تتراقص على شفتيها وهي تحدث نفسها
- الخطوة التانية، اغيظه واعصبه
- اقولك حاجة
قالتها بهدوء قبل ان تضع قطعة من الخبز في فمها، بينما تجاهلها، رفعت نظراتها له وقالت بضيق
- مش بكلمك!
هز رأسه بلا، فأغتاظت من رده ولكنها قالت بهدوء اصطنعته.

- لا بكلمك على فكرة
تجاهلها مرة آخرى وهذا اغاظها اكثر واغضبها، فرمقته بغضب وقالت
- انت مش بترد لية! أنا بكلمك، على الأقل بصلي عشان اقول العايزاه
تجاهلها ايضا، فزفرت بضيق وهي تشيح بوجهها للناحية الأخرى وحدثت نفسها بضيق
- فشلت في الخطوة التانية، اوووف، اعمل اي...

لم تكمل حديثها لنفسها حيث ضاقت عينيها وهي تخطط لما تفعله الآن وقد قررت، فإرتسمت على شفتيها إبتسامة شيطانية وهي تلتفت برأسها وتنظر له بنظرات حانية مزيفة، فقالت بصوت ناعم
- اصبلك شاي؟
- مش عايز
لم تهتم لرده حيث امسكت بإبريق الشاي وملأت الفنجان ومن ثم مدت ذراعها له وقالت
- إتفضل
نظر لها وقال بصرامة
- قلت مش عايز
اعادت الفنجان امامها وسألته وهي تمسك بعبوة السكر
- عايز كام معلقة سكر؟

بلع الطعام الموجود في فمه ونظر لها بنفاذ صبر قائلاً
- عايزة اية يا ريحانة؟
نظرت له بعد ان وضعت معلقة واحدة من السكر في الفنجان وقالت بهدوء
- و انا هبقى عايزة منك اية!
انهت جملتها وحملت الفنجان وقدمته له فرمقها بنفاذ صبر وقال
- مش بتفهمي!
- ايوة مش بفهم
قالتها من بين اسنانها وهي تسكب الشاي عليه، فنهض سريعا وتقدمت الخادمة بفزع وهي تتمتم بجزع
- سيد..

نظر الشيطان لريحانة بغضب بينما كانت الأخيرة تضحك بإستمتاع وشماتة، فمد ذراعه وامسك ريحانة من شعرها فحل محل ضحكاتها تأوهاتها من قبضته.
- اخرجي برة
قالها للخادمة بصوت مرتفع يمتلأ بالغضب، فخافت الخادمة وغادرت سريعا فظلت ريحانة معه وحده
- حسابك تقل
قالها بهدوء مخيف مما جعلها تخاف لكنها حاولت إخفاء ذلك بقولها الهادئ الذي اتقنته نسبيا
- كنت بهزر معاك، بس
- شكلي اتساهلت معاكِ زيادة عن اللزوم
- سيب شعري.

قالتها و هي تضع يدها على قبضته الممسكه بشعرها، فجذبها له بقسوة هامساً بفحيح
- شكلك مش خايفة!
بلعت ريقها وقالت بثبات
- لا، مش خايفة
- هعاقبك على اللي عملتيه
إبتسمت بلامبالاة وقالت ببرود وهي تبعد نظراتها عنه
- عارفة عقابك ومش خايفة منك، عارف لية!، لأنك هتسبني كالعادة.

تعجبت ريحانة مما قالته، من اين اتت بهذه الثقة والبرود المفاجئ والتي ستندم عليه حتماً، اعادت نظراتها له فأرتجفت قليلا وهي ترى احمرار وجهه وقسوة نظراته المظلمة عليها، همهمت بخفوت بجانب إبتسامتها المضطربة
- بتبصلي كدة لية؟، أنا مش هخا...

قاطعها بصفعته القوية التي اطاحت بها ارضا، فوضعت يدها على وجهها بصدمة، رفعت نظراتها الدامعة له فوجدته يقترب منها حتى انقض عليها ضرباً، لا يعلم لما كان يضربها؟، ولكن ما يعلمه انه غاضب منها جدا، فتصرفاتها معه وتصرفاته معها في السابق جعلها تتوهم انه اصبح ضعيف!، هذا اعتقاده، ابتعد عنها بعد ان شعر بأنها تتراخى تحت يده ونهض، نظر لها من فوق وقال بتحذير من بين انفاسه اللاهثة
- خافي مني يا ريحانة، خافي.

ثم ابتعد وغادر، فظلت ريحانة ملقاة على الأرض وهي تبكي وتتألم، مررت نظراتها حولها بعجز ومن ثم أعتدلت بصعوبة إلى وضع الجلوس ولامست وجهها بأناملها وابعدتهم لترى الدماء تملأهم فوضعت كفيها على وجهها وهي تبكي بصوت مرتفع، فهي تتألم.

اخرج جلال تنهيدة تمتلأ بالألم بعد ان القى بجسده على السرير فهو قد تلقى اليوم الكثير من الضرب، مرر انامله من بين خصلات شعره بضيق وهو يحدث نفسه بصوت مسموع
- كل خططي بتفشل وكل الحوليا بيسبوني وكل اللي عملته بينهار، لية حظي كدة لية!

قال الأخيرة بغضب ومن ثم اغمض عينيه وفتحها، امسك بهاتفه وضغط على الزر الأوسط فأنارت شاشة الهاتف فدخل لخانة الصور وفتحها، بحث عن صورتها فوجدها وضغط عليها فظهرت صورة ل ريحانة، ظل ينظر لصورتها بصمت ومن ثم حدث صورتها.

- هرجعك لحياتي يا ريحانة وهنكمل حياتنا زي ما كانت، انتِ الفاضلة ليا دلوقتي، اصل الكل خاني وسابني وراحوا لصف الشيطان، بس انتِ مش هتسيبيني انا عارف ومتأكد لأنك بتحبيني بطريقة عامية ودة احلى ما فيكِ، ياريت الكل كان زيك كان زماني حققت هدفي من زمان
وضع الهاتف بجانبه وهو ينظر للهاوية بشرود فأثناء شروده تذكر شيء فأمسك بهاتفه وفتح التقويم ونظر للتواريخ ومن ثم رفع رأسه وإبتسم وقال
- بكرة اليوم الموعود.

بعد ان خرج الشيطان من غرفة الطعام إتجه لحديقة القصر حيث الإسطبل، اخرج جواده الأسود واعتلاه ومن ثم خلع قميصه المتسخ والقاه على الأرض قبل ان يمسك باللجام ليضرب الجواد بخفة فيركض.

- ها يا حكيم، بابا كويس؟
قالتها زهرة بقلق، فرد الحكيم
- متقلقيش هو كويس بس لازم يرتاح ويبعد عن اي حاجة تعصبه او تتعبه
- ماشي يا حكيم، شكرا، تعبناك
- دة واجبي
نهضت زهرة واوصلته للباب ثم عادت لوالدها وجلست بجانبه وامسكت بيده، قالت بعتاب
- ماشي يا بابا ماشي، كدة تخوفنا عليك
نظر لها والدها بضيق فقالت
- بتبصلي كدة لية يا بابا؟
- كل حاجة بتحصلي واللي هيحصلي بسببك يا بنتي
تنهدت و قالت
- لية بتقول كدة؟

نظر لها نظرة تعرفها جيدا، فإبتسمت وقالت
- انت مش بتثق فيا وفي قراراتي؟
- لا
ضحكت وقالت
- لا انت بتثق وانا عارفة
- قوليلي يا زهرة، اية المخبياه عني؟
تنهدت زهرة وقالت
- لو قلتلك مش عارفة هتبقى ردة فعلك اية
- قولي يا زهرة، عملتي اية من ورايا، قولي يا جلابة المصايب
ضحكت على كلماته الأخيرة وقالت
- ماشي، هقولك
تنهدت بعمق قبل ان تبدأ في قول ما فعلته بدون علم والدها.

في الطابق الثالث، تحديدا غرفة عبد الخالق.

- مين العمل فيكِ كدة؟
قالها عبد الخالق بصدمة بعد ان دلفت ريحانة لغرفته وجلست على الكرسي المقابل لسريره، فردت ريحانة بصوتها المتحشرج من البكاء
- الشيطان
نظر لها بشفقة واسف، استفسر
- عملتي اية عشان يعمل فيكِ كدة
صمتت ريحانة وظلت تنظر للأرض ودموعها تسيل على وجنتيها، فتنهد بآسى وساد الصمت في الغرفة
- تقدر تحميني منه؟
قالتها ريحانة فجأة وبدون سبب بعد صمت طويل، فنظر لها في حين نظرت له واكملت.

- تقدر تحميني منه لما يكتشف اني جاسوسة لجلال؟

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة