قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وسقطت بين يدي شيطان للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

رواية وسقطت بين يدي شيطان للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

رواية وسقطت بين يدي شيطان للكاتبة مي علاء الفصل الثامن

- عرفتي اسمي منين؟
قالها بهدوء غاضب عندما اخفض رأسه وامسك بملعقة طعامه، شعرت بالخوف والتوتر من نبرته ولكنها تصنعت الجمود
- سألت واحدة من الخدم و قالتلي
بلع اللقمة الموجودة في فمه قبل ان يقول امرا
- متنادنيش بالأسم دة، اسمي الشيطان وبس
رفعت حاجبيها بإستغراب وهي تقول بعفوية
- بس انت اسمك بيجاد
فزعت عندما ضرب السفرة بقبضته بغضب وهو يرفع انظاره الحادة الشيطانية ويقول
- كلامي واضح.

اومأت برأسها بخوف وخضوع، امسكت بالملعقة بيد مرتجفة قليلا واكملت تناول طعامها بصعوبة!، بينما هو نهض غاضبا وغادر، فرفعت انظارها لنحايته واسأة كثيرة تطرح داخلها بشأنه.

دلف لغرفة مكتبه واغلق بابه بغضب، جلس وهو يضرب على طاولة المكتب بغضب وعينيه الحادة قد اظلمت فجأة في حين ذاكرته تعيده للماضي، للماضي البعيد الذي جعله على هذا الحال، الآن.
امسك بسيجارته الفاخرة واشعلها، وضعها بين شفتيه بهدوء و هو يخرج دخانها بغضب من انفه، صوت والدته اصبح يتردد في اذنه وهي تناديه، بأسمه اللعين.

صعدت ريحانة درجات السلم وهي تنوي الإتجاه للجناح ولكنها تذكرت امرا هام كانت قد نوت ان تفعله في بداية مجيئها ولكنها نسيت، اكملت صعود السلالم حتى وصلت للطابق الثالث ومن ثم إتجهت للغرفة المنعزلة عن البقية، وقفت امام الأخيرة لدقائق وبداخلها تردد كبير، استجمعت قواها ووضعت يديها على قبضة الباب وظلت لثواني على هذة الحالة حتى برمتها ودلفت، مررت نظراتها حول الغرفة بحذر حتى استقرت على ذلك الرجل الذي يبدو عليه الكبر حيث احتل رأسه الشعر الأبيض وتجاعيد يديه الظاهرة، كان جالس على كرسي متحرك وهو مغمض العينين وكأنه نائم.

اغلقت الباب ببطء خلفها وتقدمت بهدوء منه حتى توقفت امامه وهي تنظر له بترقب، هناك شبه كبير بينه وبين الشيطان، اهذا والده؟!
إتسعت مقلتيها في صدمة وفزع وهي تعود للخلف بتلقائية عندما وجدته يفتح عينيه فجأة
- انت مين؟
حركت جفونها ببلاهة وملامحها مازالت مفزوعة، فعاود سؤله
- انت مين؟، دخلتي هنا ازاي؟
- انا ريحانة
قالتها بحذر بعد ان ادركت نفسها، اومأ برأسه وهو يبتسم بعفوية و يقول
- برضه معرفتش، انت مين؟

شعرت بالحرج، ماذا ستقول له؟، اتقول انها عشيقه للشيطان!، تعمق في النظر إليها ومن ثم إبتسم و قد فهم بما تفكر وتفهم حرجها، فقال
- طيب دخلتي هنا ازاي؟
رفعت نظراتها له و قالت بخفوت وهي تكذب
- لاقيت الباب مفتوح فدخلت
اومأ برأسه وساد الصمت لدقائق قبل ان يقول
- حركيني وودخليني البلكونة
اومأت برأسها وهي تلتف من خلفه وتمسك بيد الكرسي المتحرك وتقوده، سألته.

- ممكن اعرف حضرتك مين؟، اصل حضرتك شبه الشيطان اوي، انت ابوه؟!
ضحك بخفه وهو يقول ممازحا
- حرام عليكي يا بنتي تشبهيني به
إبتسمت على اثر مزحته وهي توافقه الرأي
- فعلا
- تعالي اقعدي
قالها بعد ان ادخلته للشرفة، اومأت برأسها وجلست على الكرسي البلاستيكي الموضوع بجانب سور الشرفة المقابل له، نظر لها بتمعن قبل ان يقول بإبتسامة صادقة
- شكلك طيبة، ارتحتلك.

شعرت بصدقه فإبتسمت من اعماق قلبها له، فهي شعرت بالراحة من مجرد النظر له، انه اول من يتحدث معها بعفوية وصدق في هذا القصر البائس، هذا ما شعرت به.
- تعرفي ان لو الشيطان عرف انك دخلتي هنا هيعمل فيكي اية؟
قالها بهدوء، فظهر الجزع على ملامح وجهها، فإبتسم واكمل في مرح
- هيحميكي من على وجه الأرض.

إبتسمت بصعوبة والقلق مازال يجتاح نظراتها، انتفضت بخفه على اثر صوت مزعج سبب لها خضة، نظرت لمصدر الصوت وكان بداخل الغرفة، فألتفتت له واتت ان تسأله فسبقها بقوله
- موعد اكلي، تلاقي الخدامة طالعة دلوقتي
و اكمل هو يبتسم
- امشي لتروح تفتن للشيطان وتبقي وقعتي في مصيبة
نهضت وهي تقول وعلى وجهها إبتسامة صافية
- ماشي همشي، بس معرفتش حضرتك مين؟

- هستناكي تجيلي في اي يوم وهبقى اقولك اكمل بتحذير بس من دون ما حد يعرف و إلا، اكيد عارفة العواقب
اومأت برأسها وقالت ببعض من المزاح
- ماشي، عن اذنك بقى عشان الحق اهرب قبل ما اتقفش
ضحك بخفة وقال
- هستناكي يا ريحانة.

عادت للجناح وهي شاردة الذهن بعض الشيء، وفي طريق عودتها قابلت زهرة التي تقدمت منها بلهفة وقلق وهي تقول
- كنت فين؟، دورت عليك وملقتكيش
نظرت لها ريحانة بهدوء، كذبت
- كنت بدور على الشيطان
- هتلاقيه في مكتبه
اومأت ريحانة برأسها و قالت بتساؤل
- كنتي بتدوري عليا لية؟ في حاجة!
- ايوة، سيد جلال باعتلك حاجة
قالت جملتها بهمس، فنظرت لها ريحانة بفضول
- باعت اية؟
- اتفضلي.

قالتها وهي تخرج ظرف من جيبها وتعطيه لها، فأخذته ريحانة وهي تتحسس الظرف بإستغراب متسائلة
- اية دة؟
- معرفش، بس سيدنا جلال بينبه عليكي انك تخبي اللي في الظرف كويس وتستعمليه في الوقت اللي هيحدده معاكي
- هيحدده!

إتجهت للمخزن القابع في الطابق الثاني بعد أن ارشدتها زهرة لطريقه، دخلته دون ان يراها احد، كانت تنظر حولها وهي تبحث عنه، فجأة شعرت بيد تلتف حول خصرها من الخلف، إنتفضت في البداية وسرعان ما استعادت هدوءها عندما قال لها بهمس
- وحشتيني
عرفته من صوته، فإرتسمت إبتسامة خجلة على وجهها وهي تخفض رأسها قليلا، تسارعت دقات قلبها عندما شعرت بأنفاسه الحارة على عنقها
- و انت كمان، وحشتني اوي.

قالتها وهي تلتفت له، اقترب منها اكثر وطبع قبلة سريعة على شفتيها، غمغم بتلذذ وإستمتاع، لم تكن ترى وجهه بسبب الظلمة التي تعم المكان وهو ايضا، ابتعد عنها واشعل احدى الأضواء الخافتة، فشهقت من منظره بينما هو ضحك بخفة وهو يقول
- متنكر بقى، اعمل اية!
نظرت له بتدقيق، فهو كان يرتدي مثل العاملين في الأرض -جلابية وطاقية-، إبتسمت عندما اكمل
- مش حلو و لا اية!
اقتربت منه اكثر وقالت بخجل
- انت حلو بكل حالاتك.

لامس بأصبعه ارنبة انفها وهو يمازحها
- يا بكاشة
ضحكت بخفه وسعادة، ومن ثم نظرت له وقالت بجدية
- ازاي دخلت لهنا؟، دخلوك كدة عادي!، مشكوش فيك؟!
- يشكوا في مين بس، دة انا جلال ومخطط لكل حاجة
قالها بتهكم، اومأت برأسها و قالت وهي تخرج الظرف من جيب الجاكيت التي ترتديه
- صحيح، اية دة!؟ و كنت عايز تقولي اية
نظر للظرف ومن ثم لها و قال بمزاح
- متستعجليش، خلينا ندردش مع بعض شوية، اصلك وحشتيني.

و غمز لها، فضربته بخفه على صدره بخجل
- عيب اللي بتقوله، وغيركدة متضمنش ايه اللي يحصل، ممكن حد يدخل او يحسوا بينا
إبتسم و اومأ برأسه وصمت لبرهة قبل ان تظلم عينيه بغرابة مع قوله المريب
- دة سم
- نعم!
تلاشت إبتسامتها وحدقت به لبرهة غير مستعوبة ما يقول، حيث اكمل هو
- السم دة عايزة يتحط للشيطان، وانت اللي هتحطيه
و اتى ان يكمل ولكنها قاطعته برفضها لما يطلبه
- اسفة، مش هعمل اللي بتطلبه مني دة، مقدرش اموت حد..

قاطعها بهدوء وهو يحتضن وجهها بكفيه
- مش هتموتيه، انت بس هتحطيله السم وهو هيموت لوحده
- انا اللي حطتله السم يعني انا اللي موته يا جلال، اسفة مش هقدر، انا نفذتلك وهنفذلك اي حاجة بس اموت حد، اموت روح، لا
قالت الأخيرة بإرتباك وخوف من الفكرة، تنهد جلال واعاد يديه لجانبه عائدا للخلف ببضع خطوات وهو يقول بحزن مصتنع اتقنه.

- الشيطان مش روح يا ريحانة و لا إنسان حتى، دة ناوي يموت ٢٠٠ شخص من اهل القرية، عارفة يعني اية؟ يعني هيموت روح، مستخسرة فيه الموت؟
نظرت له وهي تشعر بالحيرة والتخبط، بينما اكمل هو
- دة شيطان متجسد على هيئة انسان في الأرض دي، بيموت الناس بدون ما يحس بتأميب الضمير حتى او التردد، وانت شفتي لما حرق الولد في الساحة، شفتي بعنيك، صح!؟

اومأت برأسها هي تتذكر المشهد الأليم، فأغمضت عينيها بألم وخوف، بينما إبتسم جلال بالخفاء، فهو بدأ في النجاح، اقترب منها وضم كفيها بين كفيه مكملا استعطافها
- انت لما هتحطيله السم هتنقذي ٢٠٠ شخص من الموت يا ريحانة
فتحت عينيها ببطئ تهز رأسها رافضة، فضغط علي كفيها بخفه وهو يكمل
- لو معملتيش اللي بطلبه هتلاقي القرية دي كلها دم، دم البشر، وجثث.

و من ثم ترك احدى كفيها وامسك بزجاجة السم الصغيرة ووضعها بين كفها واغلق عليه و يديه فوق يديها.
- انت اللي هتنقذيهم يا ريحانة، انت الوحيدة
قبل جبينها قبلة عميقة ثم ابتعد مودعا اياها بود
- فكري كويس، سلام
ترك كفيها وعاد خطوات للخلف مبتعدا، وضع يده على مقبض الباب وقبل ان يبرمه سمعها تقول بخفوت
- هموته
إبتسم بإنتصار واومأ برأسه وهو مازال يلويها ظهره، قال.

- يوم الخميس الصبح، تحطيله السم في القهوة اللي بيشربها، اهم حاجة انك تحطيله السم وتتأكدي انه شربه قبل ما يخرج من القصر، فهمتي!
غمغمت وهي تومأ برأسها، فألتفت برأسه ونظر لها من فوق كتفه ليحذرها
- حاولي متخلهوش يشك فيكي، بس بحدود، فهماني اكيد
خطت خطواتها بإتجاهه ولكنه برم قبضة الباب وخرج بحذر دون ان يراه احد، توقفت في مكانها لبرهه وهي تتنهد بعمق ومن ثم غادرت المخزن وهي شاردة، تفكر وتخطط بما ستفعل!

مساءً
وضع الشيطان يده اليمنى على مسندة الكرسي ونهض بتثاقل، خطا خطواته ببطئ إتجاه باب مكتبه وقطرات الدماء تسيل من كفه حتى تستقر على الرخام الأبيض، توقف امام الباب مباشرةً وهو ينظر لتلك اللوحة المعلقه بجانب الأخير، اقترب ووقف مقابلا لتلك اللوحة وهو يتعمق في النظر لها.
نظرة عتاب، ألم، مرارة، غضب.

كل تلك الأحاسيس اجتمعت في نظرة واحدة، انه يشعر بالتخبط، لا يعلم أمن المفترض ان يلوم ويعاتب أم يشعر بالألم والمرارة بسببها أم يغضب منها!، ف هي السبب في حالته هذة، هي من تجعله يشعر بالتخبط، وهو يكره هذا الشعور كثيرا.
- اللي عملتيه مش مسامحك عليه على فكرة، بس بدوري انا هجبلك حقك من كل واحد ساهم في موتك، ومش حقك بس، حقي انا كمان.

اغلقت صنبور المياة لتخرج بعدها من حوض الأستحمام وقطرات الماء تتساقط من على جسدها، التقطت المنشفة وبدأت في تجفيف جسدها بها.
بعد ان انتهت من ارتداء ملابسها خرجت وهي تجفف شعرها بالمنشفة، لم تنتبه له حيث كان يقف مقابلا لها فأصطدمت به، انتفضت في البدايه ولكن سرعان ما استعادت هدوءها او اصطنعت ذلك، بينما كان هو ينظر بجمود، ابتعدت بضع خطوات للخلف وهي تقول
- امتى رجعت؟
نظر لها ببرود وقال
- ملكيش دعوة.

و تخطاها، رفعت حاجبيها ببلاهة تحاول استيعاب هذا الموقف المحرج، حين تداركت الموقف التفتت بغضب وفتحت فمها لتقول ما كانت تريده ولكنها تراجعت عن ذلك وهي تنظر ليده اليسرى بفزع، يديه مجروحة، ألا يشعر بها؟!، اسرعت بخطواتها له
- ايدك مجروحة، انت مش حاسس بيها ولا اية؟
نظر لها ببرود وقال
- لا
- بتنزل دم
ظلت تحدق به بعدم تصديق، فقال بنفاذ صبر
- ابعدي عن طريقي
و تخطاها، فأسرعت وعاقت طريقه مرة اخرى
- استنى.

تركته وإتجهت للكومود وفتحت احد ادراجه لتخرج منه صندوق الأسعافات الأولية، لقد لمحتها من قبل، اخذتها وعادت له، توقفت امامه ونظرت له لبرهة قبل ان تمد يدها بتردد لتمسك بيده المجروحه بين كفيها، نظر ليدها ثم لها بجمود
- بتعملي اية؟
- هعالج ايدك.

اجابته بهدوء وهي تحاول استنباط حالة جرحه، التقطت زجاجه مطهر الجروح لتشرع في تطهير جرحه، كان ينظر لها بإقتضاب وإنزعاج من تصرفها هذا، الشعور الذي بداخله الآن يشعره بالغضب بل يؤلمه!، ازاح يدها بقسوة آلمتها لتفرع نظراتها المندهشة له
- مالك؟
رمقها بحدة وغضب يخفي خلفهما ما بداخله تماما، قال بصرامة
- متتخطيش حدودك
عقدت حاجبيها بإنزعاج مستنكرة
- حدود!، انا عملت اية؟

نظر لها بطرف عينيه وهو يتخطاها ولكنه توقف عندما سمعها تقول بغضب
- انت اخر واحد تتكلم عن الحدود، أنت مش عامل حدود بينا اصلا، ولما جيت اساعدك جاي تتكلم عن الحدود!، محسسني اني..
بترت باقي كلماته لتتنهد بعمق وتضيف بأستياء
- انت واحد مريض وانا بشفق عليك اصلا
و تنهدت مرة آخرى وهي تقترب منه وبيدها الشاش الطبي وزجاجة المطهر، توقفت خلفه لتقول بهدوء.

- بس انا عندي ضمير ميسمحليش اني اشوف حد محتاج مساعدة مني واسيبه
التقطت يده اليسرى وسحبته خلفها لتجلسه على حافة السرير، جلست مقابلة له واخذت تتمتم بسخرية دون ان تفكر انه قد يسمعها
- مع اني مش شايفاك حد اصلا، أنت شيطان
انهت كلماتها وانشغلت فيما بدأته، فلم تلاحظ تلك النظرة التي ظهرت في عينيه، نظرة الإنكسار التي ظهرت بوضوح برغم محاولته لإخفائها بنظرته الباردة المصطنعة.

إنتهت من مداواة جرحه فرفعت نظراتها له وقالت بإقتضاب
- خلصت
ثم نهضت ولم تخطي خطوتين حتى شعرت بيديه التي تجذب ذراعها من الخلف ووضعها خلف ظهرها وجذبه لها، فأرتطم ظهرها بصدره بقوة، شعرت بأنفاسه الحارة وهو يهمس في اذنها بطريقة غريبة جعلت قشعريرة مريبة تعتريها
- شكرا.

وتركها متجهاً للمرحاض، وضعت ريحانة يدها على صدرها الذي اصبح يعلو ويهبط من إرتباكها، هزت رأسها بعنف لتتخلص من إرتباكها وإتجهت للسرير لتهرب من كل شيء حتى مشاعرها، نامت سريعا دون ان تشعر.

نظر لصورته المنعكسه على المرآة الذي غطاها بخار الماء الساخن، مد يده اليمنى ومسح ذلك البخار حتى توضح صورته، تعمق في النظر لنفسه، فأختلطت عليه صورته عندما كان صغير والآن، هناك فارق كبير بينهم، وكأن ذلك الصغير شخص وهو شخص اخر.
بدأت ذكريات كثيرة تتصور امامه، اطبق جفونه بقوة فهو لا يريد ان يتذكر ماضيه، لا يريد تذكر مرحلة طفولته التي تشعره بالضعف.

خرج من المرحاض واتجه مباشرةً للفراش ليتخذ مكانه بجوار ريحانة، وضع ذراعه اسفل رأسه ليشرد ويأخذه عقله لحيث لا يريد ان يكون، حيث ذكرياته المؤلمة.

طفل صغير لا يتعدى عمرة الخامسة عشر، يدخل ذلك القصر الكبير وهو يركض منادياً والدته بصوته المزعج الذي تملأه السعادة
- ماما، يا ماما، عرفت اركب الحصان واخيرا، يا ما...
توقف عن اكمال جملته عندما دخل غرفة والدته وكانت تبكي، اقترب منها ببطئ وهو ينظر لذلك الشخص المستلقي على السرير ومغطى جسده ووجهه بالملائة البيضاء
- ماما!
قالها بخفوت وهو يحاول يكذب اعتقاده.

التفتت ونظرت له وزادت في البكاء وهي تأخذه بين احضانها، اخذ يبكي معها فقد تأكد انه مات بعد ان قالت والدته من بين شهقاتها
- ابوك مات يا بيجاد، فخر الدين مات.

والده قد مات حقا!، منذ وفاة والده اصبح كل شيء مختلف، فهو اصبح يحمل مسؤليات كثيرة واولها والدته، فهو يجب ان يوفر لها الطعام على الأقل لذلك كان يعمل في الأراضي ليلا نهارا بلا رحمة، ليس بإرادته بل هذا كان امر من حاكم القرية الجديد، الذي شرده هو وامه بعد وفاة والده.

لقد عاش الكثير من الآلم، وتعرض للكثير من الأهانة والضرب واكثر، لكنه تحمل كل هذا من اجل والدته، فتأتي له اول صفعة التي لم يتوقعها ابدا وهي، زواج والدته من من ظلمه!

افاق من ذكرياته عندما شعر بيد توضع على صدره، كانت يدها، التفت ونظر لها فوجدها نائمة، ولكن من الظاهر انها منزعجة فيبدو انها تحلم الآن بحلم مزعج.
مسح وجهه بكفيه ثم استقرت نظراته عليها، اقترب منها وحاوطها بذراعيه لتصبح بين احضانه، فظهرت ملامح الأنزعاج اكثر على وجهها في البداية ولكن سرعان ما تحولت ملامحها إلى الراحة!
- شيفاني شيطان!
قالها بتهكم قبل ان يكمل بتوعد.

- هعذبك على هوايا يا ريحانة، وهتحبي عذابي
ظهرت إبتسامة جانبية خبيثه على وجهه مع انتهاء حروفه، ثم نام.

اشرقت شمس يوم جديد
فتحت عينيها ببطئ وهي تحرك جسدها، فشعرت بجسد يحضتنها وعلمت انه هو، عرفته من رائحته النفاذة فرفعت نظراتها لوجهه حيث اصبحت تحدق به، وهذة المرة الأولى التي تلاحظ ملامح وجهه الهادئه التي تعكس حالته عندما يكون مستيقظا.
اغمضت عينيها بسرعة عندما شعرت بأنه بدأ بالأستيقاظ، فتح عينيه بهدوء وحول نظراته لها وإبتسم بسخرية عندما شعر بتنفسها الغير منتظم فهي الآن تمثل النوم وهو يدرك ذلك.

- ريحانة
همس بها، فتسارعت دقات قلبها اكثر وبدأت تحرك جفونها لا إراديا، فأكمل عندما لاحظ حركة جفونها الخفيفة
- تبقي تمثلي النوم كويس
ابعدها عنه ونهض من على السرير، ففتحت هي عينيها بذهول و نظرت له بسخط، فضحك بصوت عالي.

عادت للجناح وتوقفت للحظة تنظر حولها بتفكير، اين هو؟ لقد كان في الغرفة قبل مغادرتها، لم تهتم كثيرا واكملت طريقها للطاولة، التقطت كوب الماء واتت ان تشرب ولكنها سمعت صوته، فألتفتت و هي تنظر للشرفة، فالصوت يأتي من داخلها، إتجهت بخطواتها البطيئه الحذرة للشرفة وتوقفت بالرقب من الأخيرة وهي تستمع لما يقوله للطرف الآخر
- هاجي اشرف على صفقة السلاح يوم الخميس، عايز كل حاجة تتنفذ زي ما اتفقنا.

و من ثم صمت ليستمع لحديث الطرف الأخر، رد على الطرف الأخر بنبرة توعد
- كل واحد هياخد عقابه في الوقت المناسب
و صمت مرة آخر قبل ان يقهقة بخشونة وهو يقول
- هموتهم و انا مرتاح
وضعت يدها على فمها لتكتم صوت شهقتها التي خرجت منها وابتعدت سريعا لتجلس على الأريكة، رفعت يديها المرتعشة الممسكة بكوب الماء واحتست القليل منه وهي تحدث نفسها بضياع
((- صفقة سلاح، يوم الخميس، هيموتهم، يعني، هيموتهم بالسلاح يوم الخميس )).

وضعت يدها على فمها بخوف وهي تهمس لنفسها
- اهدي، أهدي يا ريحانة، أنت هتموتيه قبل ما يموت اي حد، هتموتيه
خرج من الشرفة بعد ان انهى مكالمته الهاتفية، نظر لها وقال بجمود
- جهزي نفسك النهاردة
رفعت نظراتها له و هي تحاول ان تظهر بأنها طبيعية، قالت بخفوت
- لية؟!
إتجه للباب وغادر دون ان يعطيها اجابة.

دخل احد حراسه ليخبره ب
- سيد جلال، في واحدة برة عايزة تقابلك
- مين؟
- مرضيتش تقول اسمها
اومأ برأسه وأمره
- دخلها
بعد ثواني دخلت تلك الفتاة وهي ترتدي وشاح اسود يخفي ملامح وجهها، كان يتابعها بهدوء حتى جلست على الكرسي، ساد الصمت لدقائق قبل ان تقول بإبتسامة خبيثة وهي تزيل الوشاح من على وجهها
- عامل اية يا، أخويا
تحولت نظراته الفضولية للبرود وساد الصمت لثواني قبل ان يقول بتهكم
- اية اللي فكرك بأخوكي؟

رمقته ببرود واجابت بطريقة مستفزة
- عادي، جاية اطمن عليك
- مش عايزك تطمني عليا
- لية؟، دة انا اختك ودة واجبي
- واجبك واختِ مرة واحدة!
تهكم ليلحق قوله بضحكة خشنة، اردف بغيظ مكبوت
- واجب مين يا ام واجب انتِ!، هو انتِ فاكرة بعد العملتيه وبيعانك ليا هفضل اعتبرك اختي مثلا!
نظرت له بحزن اصطنعته
- لا لا يا جلال، متقلش كدة على عيودة حبيبتك، إحنا اخوات مهما حصل مابينا
- معنديش اخت راحت لعدوي برجليها.

قالها بحدة، فقالت بهدوء
- مش عدوك، هو اخوك و اخويا
- بجد!
قالها بسخرية وهو يقذفها بنظراته الغاضبة، فبلعت ريقها لترد بعدها
- ماشي ماشي، عارفه انك مش معتبره ولا هتعتبره اخوك، ولا انا كمان بعتبره اخويا اصلا
- مش معتبراه اخوكي، لأنك بتحبيه وزي الغبية جريتي عليه
رمقته بحدة هاتفة بغضب
- جلال
إرتسمت إبتسامة جانبية ساخرة على وجهه قبل ان ينهض ويتجه لباب المكتب، قال قبل ان يغادر
- مش فاضي اتكلم معاكِ، سلام، يا اختي.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة