رواية وسقطت بين يدي شيطان للكاتبة مي علاء الفصل الثامن والعشرون
بعد منتصف الليل
في قرية مجاورة لقرية الشيطان
صعد الشيطان سيارته و هو يشعر بالسعادة فهو تأكد ان ريحانة في ذلك البيت الموجود في قرية بني سعيد و اصبح معه الآن العنوان، قبل ان يتحرك بسيارته سأله حارسه
- سيدنا، نعمل اية في دة
و اشار للرجل الذي اعطى لجلال هذا البيت، فقال الشيطان
- سيبوه
اومأ الحارس برأسه، فغادر الشيطان و خلفه سيارة يقودها حارسه.
امسك الشيطان بهاتفه و اتصل بأيمن الذي جعله يذهب لقرية بني سعيد
- ها وصلت للقرية؟
- وصلت لحدودها
- ماشي، روح للعنوان دة و راقب التحركات اللي هناك و خبرني
- حاضر، هات العنوان
اعطاه الشيطان العنوان و انهى المكالمة ليضع الهاتف بجانبه و ينظر للطريق و هو يتمتم بتوعد
- نهايتك هتبقى النهاردة يا جلال.
اليوم التالي
- انا اسف، الشيطان عرف مكانك
قالها الرجل لجلال الذي هتف بصدمة و غضب
- ازاي عرف، مين قاله؟
- هو جالي لغاية بيتي و كان هيموتني لو مقلتلهوش على مكانك
قالها الآخر بتلعثم، فصرخ الآخر بغضب
- جبان، مش انا منبهك
- نبهتني بس اعمل اية كان هيموتني
- اقفل
قالها جلال بغضب قبل ان يغلق الخط و يلقي بهاتفه على الأرض ليخرج من غرفته سريعا و يتجة لغرفة ريحانة و يقتحمها فتنهض هي بفزع
- يلا قومي، هنمشي.
قالها جلال بسرعة و هو يتقدم منها، فقالت
- هنمشي!
امسك بيدها و جذبها لتنهض، فسحبت يدها و نهضت بمفردها و قالت بهدوء مصتنع
- في اية؟، مالك متلهوج لية؟
- مش وقت اسئلة
قالها و هو يمسك بيدها و يسير بها للخارج، حاولت ان تستعيد يدها ولكنه لم يسمح لها.
- جلال خارج من البيت و معاه ريحانة، شكله عرف انك عرفت مكانه قالها ايمن للشيطان عبر الهاتف، فهتف الشيطان
- حاول تلهيه، متخلهوش يمشي، متخلهوش ياخدها
- ماشي، بس انت فين؟
- انا خلاص عند الحدود
- شيطان
- نعم
صمت ايمن لبرهه قبل ان يقول بتردد
- بتضرب، جلال بيضربها
كور الشيطان قبضته بغضب قبل ان يلقي بالهاتف على المقعد المجاور له
- جلال، مش هرحمك.
قالها من بين اسنانه و من ثم ضغط على دواسة الوقود بقوة وكأنه يفرغ غضبه فيها، فأزدادت سرعة السيارة بخطورة و لفحت نسمات الهواء وجهه، لتهدأ من حرارة الدماء المتصاعدة بغضب إلى رأسه.
كانت ريحانة ترفض صعود سيارة جلال، ف فقد جلال سيطرته و ضربها فهو لم يعد يتحمل عنادها و من ثم جعلها تصعد السيارة عنوه، اعادت ريحانة رأسها للخلف و هي تلتقط انفاسها بصعوبة فآلام ظهرها عادت، صعد بجانبها و قال للسائق
- يلا امشي
اومأ السائق برأسه و قبل ان يضغط على دواسة الوقود وجد احدهم يعوق الطريق، فقال السائق
- سيد جلال.
نظر جلال للسائق و من ثم نقل نظراته لأيمن فهو الذي اعاق الطريق، فقضب جلال حاجبيه و قال بإستغراب
- ايمن!
ترجل جلال من السيارة و تقدم من ايمن و توقف امامه و قال
- بتعمل اية هنا يا ايمن؟
- كويس انك لسه فاكرني يا، جلال
- هو انت تتنسي!
قالها جلال بتهكم، فإبتسم ايمن قبل ان ينقل نظراته لداخل السيارة و يقول بخبث
- اممم، مين اللي معاك في العربية؟، واحدة جديدة!
- مش لازم تعرف مين دي
طأطأ ايمن و قال بحزن مصتنع.
- ازاي مش لازم اعرف، دة انا صحبك برضه
- جاي هنا لية؟
قالها جلال بثبات، فقال ايمن
- عندي شوية شغل هنا
- كويس انك لقيتلك شغل، تبقي تتلهي بيه بقى
- عنيا
رمقه جلال ببرود قبل ان يلتفت و يعود للسيارة و يصعدها، بينما ظل ايمن واقفا في مكانه فأشار له جلال بأن يبتعد فهز ايمن رأسه بالرفض، فقال جلال للسائق
- انزل و انا هسوق.
ترجل جلال من السيارة و صعد في المقعد الأمامي بعد ان ترجل السائق و وقف جانبا، كانت ريحانة في حالة لا يرثى لها فقد تملكها الألم.
فتح جلال زجاج النافذة و قال بصوت مرتفع
- ابعد يا ايمن عشان اعدي
تجاهله ايمن و ظل واقفا، فهتف جلال مرة آخرى
- هدوسك و مش هيهمني
انهى جملته و ضغط على دواسة الوقود لتبدأ السيارة بالحركة بسرعة خطيرة، فتنحى ايمن جانبا قبل ان تصدمه السيارة، و هتف بحدة
- مش هتعرف تهرب.
بعد دقائق وصل الشيطان و توقف امام ايمن الذي تقدم و قال
- لسه ماشي، الحقه
نظر الشيطان للطريق و قال
- قول للحراس يستنوا هنا
- حاضر.
- وقف العربية
قالتها ريحانة بتعب لجلال، فنظر لها من المرآة الأمامية الداخلية و قال
- مالك؟
- تعبانة، وقف العربية
تعمق في النظر لها و من ثم نظر امامة و اتى ان يوقفها ولكنه لمح سيارة الشيطان خلفه، فدقق في النظر في المرآة الأمامية الخارجة فتأكد انه الشيطان فزاد من سرعة السيارة، فهتفت ريحانة بتعب
- بقولك تعبانة، طهري
- مش هقدر اوقفها.
نظرت له لبرهه و من ثم التفتت برأسها و نظرت للخلف فوجدت سيارة تلاحقهم، فسألته
- عربية مين دي اللي بتلحقنا؟
نظر لها من المرآة و قال
- متقلقيش، مش هخليه ياخدك مني
نظرت له بطرف عينيها و من ثم عادت بنظراتها للسيارة التي تلاحقهم و دققت في النظر فإتسعت مقلتيها بعدم تصديق و هي تهمس
- بيجاد!
و من ثم لمعت عينيها بالسعادة و هي تكمل بسعادة
- انت جيت.
كان جلال يزيد من سرعة السيارة و يدخل في اماكن ضيقة و منعزلة ليضل الشيطان و لكنه فشل في تضليله.
اوقف جلال السيارة عندما ادرك ان هذا الطريق نهايته الهاوية، و ترجل من السيارة سريعا و التف حولها ليخرج ريحانة منها، حاولت ريحانة ان تجعل حركتها بطيئة لكي يستطيع الشيطان المجئ لإنقاذها ولكن جلال فهم سبب بطئها فأصبح يجرها على الأرض و هي تتأوه بألم، وصل الشيطان و اوقف سيارته و ترجل منها سريعا و ركض ليلحقهم، التفت جلال برأسه و نظر خلفه فوجد الشيطان يقترب منهم، فأسرع و من ثم توقف عندما اصبح من المستحيل تقدمهم فهم اصبحوا على قمة الجبل.
- جلال
قالها الشيطان و هو يلهث، فإبتسمت ريحانة بإطمئنان، بينما امسكها جلال بإحكام و هو يلتفت ليصبح مقابلا للشيطان، فأكمل الأخير
- هتهرب فين تاني؟
- مش هتاخدها مني
قالها جلال بصوت مرتفع شرس، فإبتسم الشيطان إبتسامة جانبية و اتى ان يتقدم و لكنه تراجع عندما هدده جلال ب
- لو قربت هرميها من على الجبل، و انت شايف مفيش خطوتين و نبقى انا و هي، بح
نظر الشيطان لريحانة بقلق و من عاد و نظر لجلال و قال.
- عايز اية و تسيبها
- عايزها
- بس هي مش ليك
- و لا ليك
- لا ليا، هي مراتي
قالها الشيطان و ينظر لريحانة التي نظرت له بسعادة، فأبعدت نظراته عنها بتوتر، فهتف جلال بغضب
- بس هي كانت مراتي و انت سرقتها مني، انت دايما بتسرق مني كل حاجة بحبها، كل حاجة ملكي انت بتاخدها، فالمرة دي مش هسمح بكدة، مش هسمحلك تاخدها
- جلال، سبني
قالتها ريحانة برجاء لجلال، فنظر لها و قال بحزن.
- مقدرش اسيبك يا ريحانتي، انا لو سبتك، هموت.
- جلال...
قاطعها ب
- انتي عايزة تسيبيني عشان تروحيله، اسف، مش هسمحلك تكوني معاه، مش هرضى اشوفك مبسوطة مع حد غيري خاصا، معاه هو
- انت مريض
قالتها و هي تحاول ان تفلت من قبضته، فزاد من قوة قبضته على خصرها فتأوهت بألم فقال
- مريض بحبك يا ريحانتي
- قلتلك متقربش
صرخ بها جلال عندما رفع نظراته للشيطان الذي كاد يقترب منهم، و اكمل بحزم
- لو هتقرب هرميها، و انا مجنون و اعملها
- هتموت اللي بتقول انك بتحبها!
- اه هموت اللي قلت اني بحبها زي ما موتت اختي اللي من لحمي و دمي
نظرت له ريحانة بصدمة و كذلك الشيطان الذي هتف بصدمة
- عايدة!
- ايوة، عايدة، تعرف موتها ازاي
رسم على شفتيه إبتسامة مقززة على وجهه و اكمل
- خنقتها، تعرف لية؟، عشان هي اللي موتت ابويا
و من ثم نظر لريحانة و اكمل
- هي تستاهل، هي موتت ابويا و انا موتها و رمتها من الجبل، اية رأيك نلحقها؟
- ابعد عني يا مجنون.
قالتها ريحانة و هي تبكي و تحاول تبعده عنها، فقهقه و قال بطريقة اخافتها
- هوريكي المجنون هيعمل اية دلوقتي
تراجع بها للخلف، بينما ظلت تحاول الإبتعاد، فهتف الشيطان بخوف عليها
- اثبتي يا ريحانة، اثبتي
توقفت عما تفعله و نظرت للشيطان و قالت ببكاء
- بيجاد، خليه يسيبني
- هسيبك
قالها و هو يتراجع بها للخلف فأصبحت نصف قدمة لا تلامس الأرض، و اكمل
- سلام يا، بيجاد.
إتسعت مقلتي الشيطان بصدمة و خوف، وتسارعت دقات قلبه و انقطعت انفاسه و هو يراها تسقط من على الجبل.
انهى جلال جملته و هو يترك خصر ريحانة ببطئ، فركض الشيطان سريعا بعد ان ادرك نوايا جلال الأخيرة، فهتف الأخير بحدة
- لآخر مرة هقولك، اياك تقرب
توقف الشيطان على بعد مترين منهم و ظهر الخوف و القلق على ملامح وجهه، فإبتسم جلال و رفع ذراعيه للأعلى و هو يقول بهدوء
- اهو سيبتك، روحي
لم تستطيع ريحانة ان تخطو خطوة واحدة فخوفها جعل جسدها جامد غير قادر على الحركة، فصرخ بها الشيطان ليحثها على التقدم منه.
- تعالي يا ريحانة، تعالي
وضعت ريحانة كفها المرتجف على وجهها و زادت في البكاء، فضحك جلال بهستيرية و هتف
- شفت، سبتها و لسه جمبي، مش عايزه تسبني ف، قول سلام بقى
قال الأخيرة كإنذار جعل الشيطان ينتفض من مكانه ليقطع المسافة التي بينهم في حين تراجع جلال فسقط و قد امسك بقدم ريحانة قبل اختفائه، فصرخت ريحانة.
إتسعت مقلتي الشيطان بصدمة و خوف، وتسارعت دقات قلبه و انقطعت انفاسه و هو يراها تسقط من على الجبل فأسرع بذعر لحافة الجبل و القى بجسده على الأرض ليلتقط يدها بأعجوبة، رفعت نظراتها له و هتفت بخوف و صوت باكي
- بيجاد
- متخفيش، مش هسيبك، متخفيش.
قالها من بين انفاسه اللاهثة ليطمأنها، و من ثم بدأ في محاولته برفعها له، كانت تنظر للأسفل فيرتعد قلبها خوفا فتبكي و تتمتم بأسمه، لم يكن اقل منها خوفا، فخوفه عليها تملكه حتى النخاع، و فكرة انه سيفقدها للأبد تكاد تقتل خلايا عقله، هو لا يقبل بخسارتها ابدا.
- هموت، بيجاد هموت
قالتها بذعر و هي تنظر للأسفل و تزداد في نحيبها، فهتف بخوف و رفض لتوقع هذة الفكرة
- متقوليش كدة، مش هتموتي، مش هسمح بكدة.
رفعت نظراتها له فلمحت دموعه التي يحتجزها اسفل جفونه.
- امسكي ايدي بأيديكي الاتنين، يلا
امرها بذلك ففعلت فأستجمع جميع قوته ليرفعها و نجح.
اعتدل سريعا و نظر لها ليمد يده حولها و يرفع ظهرها من على الأرض و يسنده لذراعه، كان يتفحصها بعينه بقلق و خوف و راحة، احتضن وجهها بين كفه بلهفة و هو يقول من بين انفاسه المتقطعة
- ريحانة، افتحي عنيكي
فتحت عينيها ببطئ و نظرت له بتعب و همست
- بيجاد
- انا معاكي.
طبقت جفونها للحظات و من ثم فتحتهم لتعود و تنظر له بعدم تصديق و تنقل نظراتها للهاوية حيث سقط جلال، فأرتجف جسدها فضمها له و همس
- متخفيش، كل حاجة خلصت و انتهت
عادت و نظرت له لدقيقة كاملة قبل ان تبتسم بتعب و تهمس
- انت خوفت عليا، صح؟
صمت لبرهه و هو ينظر لحدقتيها بتعمق و من ثم قال بخفوت صادق كان له آثر عليها
- مخفتش بس، دة انا كنت هموت لو حصلك حاجة.
إمتلأت عينيها بالدموع و سالت على وجنتيها فمسح دموعها بإبهامه بحنان و من ثم امسك بيديها و ضغط عليهم بخفة ليطمأنها و ليوقف ارتجاف يدها و هو يقول
- انا معاكي، متخافيش
- احضني
قالتها بهمس قبل ان تدفن وجهها في صدره لتشعر بالأمان، فمد يده و ملس على شعرها بحنان قبل ان يحملها لينهض بها، فأخرجت من بين شفتيها تأويهه خفيفة تظهر ألمها، فنظر لها و قال بقلق
- مالك؟، في حاجة وجعاكي؟
- طهري.
قالتها بألم، فسار بها لسيارته و هو يقول
- حاولي تستحملي
اومأت برأسها و هي تمرر ذراعها حول عنقه لتدفن وجهها اكثر في صدره و تقول بصوت ضعيف
- كنت فكراك مش هتيجي
- بس جيت
شعر بدموعها تبلل قميصه و هي تهمس
- كويس انك جيت
نظر لها من فوق و قال بصوت دافئ
- خلاص كفايا عياط، كل حاجة خلصت و انا جمبك دلوقتي
لم تستطيع ان توقف سيل دموعها برغم سعادتها انه بجانبها.
ترجل الشيطان من السيارة و التف حولها ليفتح لها الباب، كانت نائمة فحملها و دخل بها لأحدى المباني الفاخرة نسبيا، توقف امام احد الشقق الموجودة في الطابق الأول و طرق عليه بقدمه ففتح ايمن الباب فدخل الشيطان و هو يقول
- ايمن، جبلي اي حكيم، بسرعة
- مالها؟، اتأذت؟
نظر له الشيطان بطرف عينيه فقال ايمن بإرتباك
- حاضر هجيب حكيم، حالا.
و من ثم التفت و غادر سريعا، بينما سار الشيطان في الممر القصير ليصل للغرفة المقابلة و يدخلها و يضع ريحانة على السرير بلطف و حذر، ابتعد قليلا و ظل يحدق بملامح وجهها الذي ظهر عليها التعب، تنفس بعمق قبل ان يلتفت و يخرج من الغرفة ليغلق الباب خلفه و يسير في الممر القصير ليخرج للصالون و يجلس على الأريكة الصغيرة الموضوعة على جانب الباب، عاد بظهره للخلف و هو يتنهد براحة، مسح وجهه بكفيه و هو يحمدالله على ان لم يصيبها اي مكروه، لا يعلم ماذا كان سيفعل ان حدث لها شيء، اطبق جفونه ليسترخي و لكن عقله آبى ذلك ليعرض له كل ما حدث كعرض سينمائي سريع، فتسارعت انفاسه و اضطربت دقات قلبه في لحظة تذكره لسقوطها، كم كانت هذة اللحظة صعبة عليه فقد شعر ان قلبه سقط معها، فتح جفونه و نظر امامه بشرود و هو يفكر ب، هل حان الوقت بأن يكشف عن نفسه و مشاعره؟