قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الرابع عشر

كانت جولة كرة القدم الالكترونية حامية وكانت صرخاتها هي وياسين تتعالى باضطراد مع كل همجمة من فريق احدهما تجاه مرمى فريق الاخر حتى ان هاتف ياسين رِن عدة رنات متتالية حتى انتبه لرنينه أخيرا و كان قد قرر تجاهله لولا ان طالعه اسم من يطلبه، فاندفع تاركا يد اللعب و تناول هاتفه في اهتمام واضح و نهض منتفضاً يجيب في سرعة..
-نعم، عمتى، بخير، حسنا، الموضوع ليس كما سمعتِ، حسنا، حاضر، حااضر.

كانت هذه ردوده على الطرف الاخر، انها عمته، وهل له عمة..!؟، تساءلت مى عندما تناهى لمسامعها تلك الكلمات المختصرة من المكالمة و التي لم تفهم منها ماذا يحدث، لكنها ادركت ان هناك مشكلة ما..
كان ياسين في طريق عودته اليها، جلس مكانه امام شاشة اللعب و امسك اليد الالكترونية و لكنه فقد شهيته للعب فجأة، و شعر بتوتر وصلت لها ذبذباته بسهولة..

هتف في عجالة قبل ان يفكر في الامر ويتراجع عن طلبه: - هل لى بطلب معروف منكِ..!؟.
هتفت مؤكدة: - بالطبع، ماذا هناك..!؟.
أشار للهاتف: - انها عمتى..
صمت، فشجعته ليسترسل باشارة إيجابية من رأسها، فاستطرد محرجاً: - لقد علمت بطريقة ما موضوع زواجنا، انها بالطبع غاضبة لانها كل ما تبقى لى من عائلتى، هي من تولت تربيتى ان صح التعبير..

و ابتسم و هو يقول مازحاً: - لكن يبدو ان التربية لم تتمر بى كما قالت عمتى لتوها..
ابتسمت بدورها و لم تعقب، فاستكمل قائلا: - هي تريدنى، اقصد تريدنا، انا و زوجتى، نزورها في بيتها و الاعتذار منها لاننى لم ألجأ اليها كما يجب لتخطب لى الزوجة التي أريدها.
أومأت موافقة: - ولما لا، زيارة لاسترضاءها و العودة، ماذا في ذلك..!؟، انه ليس معروفا حتى..

صمت قليلا ثم تكلم محرجا: -عمتى لا تعيش هنا، انها تعيش في بلدة ريفية تبعد عن هنا قرابة الساعتين، و هذا يعنى ان هناك احتمال لنبيت الليلة هناك..
أسرعت تجيب كعادتها دون تفكير: - و ماذا في ذلك..!؟ ستكون زيارة رائعة بالتأكيد..
سأل: - هل هذا يعنى انكِ موافقة!؟.
-بالطبع، أوافق جداا..
-و ماذا عن عملكِ..!؟.

ابتسمت متحسرة: - عن اى عمل تتكلم..!؟، العيادة لم يدخلها مريض واحد للأن، و أنا قدمت أوراقى و مؤهلاتى كلها في اكثر من مركز طبى و لم يرد أحد حتى الان بقبولها، مما يعنى ان لا عمل لدى سوى الانتظار..
اومأ رأسه مؤيدا و قال بحماس: - حسنا، فلتكن رحلة الى الريف طلبا لبعض التغيير..
ابتسمت: - نعم، فلتكن..

كانت رحلة جميلة على الرغم من ذاك الطريق الغير ممهد في نصف الرحلة الأخير الا ان المناظر الريفية و اللون الأخضر على امتداد البصر أعطى صفاء و راحة نفسية لكلاهما..

وصلا أخيرا لمشارف القرية التي تقطنها عمة ياسين، و بدأ يسير ببطء شديد حتى يستطيع المرور من خلال تلك الطرق الضيقة الغير ممهدة و أخيرا انتهى ذلك الطريق ليصل لباحة واسعة هي الباحة الأمامية لذاك البيت الريفي المكون من طابقين مبنى على الطراز البسيط بنوافذ تشبه المشربيات القديمة المطعمة بالارابيسك، أعجبها المنزل ووقعت في غرامه منذ اللحظة الأولى و شعرت براحة عجيبة و هي تخط أولى خطواتها تجاهه، انتفضت و هي تخفض رأسها مبعدة نظراتها عن استطلاع المنزل و التركيز على ذاك الصوت الانثوى.

الذى تناهى لمسامعها مرحبا في فرحة، اندفع ياسين تجاه امرأة طويلة القامة ممتلئة الجسم قليلا على مشارف الخمسين من عمرها تطل ابتسامة مريحة على شفتيها و هي تفتح ذراعيها لاستقبال ياسين بود و محبة خالصة..
كان ياسين وهى ينحنى لتقبيلها كطفل صغير يستقبل امه بعد طول غياب، انه يحب تلك المرأة حقا و يكن لها معزة خاصة، و هي أيضا لا تقل عنه محبة و تقدير..

انتهت من ترحيبها لياسين و نظرت اليه و هي تنقل بصره بينها و بينه، شعرت مى لحظتها انه يتم تقييمها بعينى أنثى فتوترت و شعرت بالخجل يعتلى وجنتيها لكن كل هذا زال لحظة ان اقتربت منها المرأة و احتضنتها في مودة و ترحاب حقيقى هاتفة: - مرحبا بزوجة الغالى..
ياسين هذا ولدى البكر، قبل ان يرزقنى الله بولدى صالح..
و على ذِكْر ولدها، اندفع فتى في الخامسة عشر من عمره يحتضن ياسين بتعلق محموم.

و أخيرا ينقل نظراته باتجاه مى، فينكمش بخوف بين ذراعىّ ياسين..
شعر ياسين بخوف صالح فأمسك بكفه و جذبه خلفه برفق في اتجاه مى و ربت على كتفه مطمئنا: - انها مى يا صالح، زوجتى..

ادركت مى منذ اللحظة الأولى حالة صالح الصحية، كان من الأطفال الذين يعانون من متلازمة داون، او ما يطلق عليه الطفل المنغولي، ابتسمت مى في وجهه محاولة أشعاره بالطمأنينة ومدت كفها لتبادله التحية و تضع كفها في كفه الذى امسك بها ياسين ليشجع صالح ليعتاد عليها و يأنس لوجودها..
كان لقاء قصيرا و مؤثرا، قطعته العمة هناء و هي تهتف: - لن نبقى هنا اليوم بطوله، هيا للداخل، فقد احضرت لكم فطورا فاخرا..

اندفع ياسين مهللاً: - ها هو الكلام المضبوط، كم أوحشنى الطعام من صنع يديكِ يا عمتى..
قهقهت العمة هناء هاتفة بفخر: - أعلم ذلك لذا أعددت لك كل ما تحب من أطعمة، يا غالى..
همست مى ساخرة: - يبدو انك ستقوم ببناء الدور الثانى لتلك الشرفة الغالية، ياااغالى..

انفجر ضاحكاً على تعليقها مما استرعى انتباه عمته، فابتسمت بدورها في حبور لضحكات بن أخيها و الذى افتقدت ضحكاته المرحة تلك منذ زمن بعيد و هاقد عادت بفضل تلك الفتاة التي تزوج...

جلسوا جميعا على الطبلية في صحن الدار الواسع تأخرت قليلا تهذبا حتى يجلس الجميع لكن لم يجلس احدهم حتى أتت و اجلستها عمته بجوار زوجها و اتخذت هي جانبه الاخر بينما اصر صالح على الجلوس قرب مى مما دفع امه لتضحك قائلة: - يبدو ان مى ستحتل مكانتك في قلب صالح يا ياسين...
ابتسم ياسين في مودة لمى التي اعتلى الخجل وجنتيها وقال: - يبدو ذلك يا عمتى فهي قادرة تماما على احتلال القلوب و بمهارة..

رفعت نظراتها الخجلى و الصدمة تزاحم الخجل فيهما لتطل من عينيها جلية لكلماته..
يبدو ان الريف و جوه الخلاب و طعامه الشهى الذى ينهل منه الان قد أثروا جميعهم على حسن منطقه..
ابتسمت هناء عندما قرر ياسين ان يزيد من حيرة مى و تخبطها و مد كفه بلقيمة صغيرة من الفطير الطازج المملؤوة بالعسل في اتجاه فمها.

فغرت فاها في صدمة لفعلته و كان هو المطلوب بالضبط ليلقى قطعة الفطير في فمها و يعود ليتناول طعامه كأن ما فعله أمر اعتيادى بالنسبة له، كانت صدمتها كبيرة حتى انها كادت تختنق بطعامها فتنفست في عمق و حاولت ان تولى اهتمامها لصالح الذى كانت كفه تطيش في صحنه ببراءة طفل في الرابعة على أقصى تقدير، ابتسمت له و بادلها الابتسامة في محبة وليدة و اذ فجأة يرفع صالح كفه بقطعة من طعامه و يضعها في فم مى تقليدا لياسين، انتبهت امه و ياسين لفعلة صالح، فعلت نوبة من الضحك و هتفت هناء: - ألم أقل لك يا ياسين..!؟، هاهو صالح يقرر ان ينافسك في قلب مى..

هتف ياسين مازحاً: - و انا قبلت التحدى..
ذابت مى في مكانها خجلاً، خاصة عندما هتفت هناء مشاكسة: - انا لا احب لولدى ان يدخل في تحدى خاسر من البداية..
ثم نهضت في حماس و هي تشير لولدها: - تعال معى يا صالح نعد الشاي..
نهض الصبى في عجالة خلف أمه و هو يودع مى ملوحاً، فابتسمت و بادلته التلويح بكفها..
ما ان عادت بنظراتها لياسين حتى وجدته قد ابتدرها بتقديم لقيمة أخرى في اتجاه فمها..

تجمدت يده امام فمها المغلق ونظرات عينيه تستفسر، رفعت نظراتها لتواجه نظراته بحزم هامسة: - عمتك رحلت، فلا داع لما تفعل..
اخفض كفه ليضع اللقيمة على اطراف احد الاطباق هامساً و نظراته يكللها التعجب: - أتعتقدى انى افعل ذلك لأجل عمتى..!؟.
همست محاولة كظم غيظها و عدم رفع صوتها قدر الإمكان: - بالطبع، اكيد هي لا تعرف طبيعة علاقتنا و انت تريد ان توضح كم انت سعيد مع عروسك الجديدة، أم انى مخطئة..!؟

نظر اليها نظرة مطولة أودعها كل غيظه و همس حانقاً: - أنتِ لا تخطئ ابدا، انتِ دوما على حق..
ساد الصمت للحظات حتى قطعه قدوم صالح مندفعا تجاه مى وجاذبا كفها لتنهض و تحاول مجارة خطواته المسرعة حيث يصحبها..
دخلت في تلك اللحظة هناء حاملة صينية عليها أكواب من الشاي، فنهض ياسين و تسلمها منها و خرجا ليجلسا في مقدمة الدار حيث خرج صالح و مى منذ لحظات..

أبتدرته هناء و هي تقدم له كوب الشاي: - يبدو انك سعيد مع مى، انا لا اصدق ان ياسين يفتح قلبه من جديد للحب، أخيرا اُستجيبت دعواتى.
ابتسم ياسين ابتسامة يملؤها الشجن: - الامر ليس كما ترينه يا عمتى، الوضع..
قاطعه صريخ ما قادم من حظيرة الماشية حيث اختفى صالح و مى منذ لحظات..
و فجأة تندفع مى وصريخها يتعالى وهى تخرج من الحظيرة تجرى في ذعر و حمار صغير ثائر يندفع خلفها..

كان المشهد يدفع بحق للضحك و لم يستطع ياسين ان يتمالك نفسه و هو يراها تندفع خلفه لتحتمى به أخيرا من ذاك الجحش الصغير الذى على ما يبدو لم تلق مى اعجابه..
استطاع صالح الاندفاع خلف الجحش و السيطرة عليه بسهولة بينما ظلت مى تختبئ خلف ياسين الذى كان لايزل يقهقه غير قادر على السيطرة على نفسه حتى دمعت عيناه..

اخرجها أخيرا من خلف ظهره و هو يهمس مغيظا أياها: - أخيرا وجدت من يأخذ بثأرى منكِ، كم كان مشهد رائع اثلج صدرى بحق..
اندفعت مى لائمة: - و ماذا لو اصابنى ذاك الحمار بسوء و انت تقف في حبور تضحك.!؟

ابتسمت هناء و هي تناول مى كوب الشاي: - لا تخافى، انه غير مؤذ و ياسين يعرف ذلك، انه يفعل ذلك مع الجميع حتى انا، الوحيد الذى يحبه و يطيعه هو صالح، لذا هو أخذكِ عنده لتشاهدى حماره الصغير تعبير عن صداقته و محبته تجاهكِ..

أومأت مى برأسها دلالة على إدراكها للوضع و للمرة الثانية تشعر انها تثير سخط ياسين فتنظر تجاهه نظرة جانبية تحاول ان تستنتج منها ما يدور بخلده، لكنها لم تستطع فقد كان هادئ على غير العادة كماء راكد..
قطعت هناء الصمت هاتفة: - هيا يا ياسين خذ عروسك في جولة في ارضنا، و تمتعا بذاك الجو المنعش حتى اعد الغذاء فأرسل في طلبكما
هتفت مى معترضة: - لا، سأبقى معكِ لأساعدك في تحضير الغذاء..

أكدت هناء بحزم: - انتِ هنا للمرة الأولى، و انتِ عروس جديدة، لذا ما عليكِ سوى الاستمتاع بصحبة زوجك و انتظار الغذاء الذى أعده لأجل أحب شخص على قلبى، و عروسه الجميلة..
ابتسم ياسين و هو ينحنى ليقبل جبين عمته التي ربتت على كتفه في حنو و أخيرا دفعت بهما خارج الدار بحماسة ليستمتعا قدر استطاعتهما.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة