قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الحادي عشر

استيقظت فزعة على صوت جهاز الاستدعاء (الانتركم) يرن في إلحاح، نظرت الى ساعة هاتفها فاذا بها تجاوزت الرابعة فجرا بقليل، ماذا هناك يا ترى..!؟، اللهم اجعله خيرا، هتفت في وجل و هي ترتدى مئزرها المنزلى و تضع حجابها و تندفع خارج غرفتها حيث وجدت ياسين قد اندفع بدوره ليجيب في قلق: - ماذا هناك يا عِوَض..!؟.
استمع للحظات لصوت عِوَض على الطرف الاخر و أخيرا هتف في تأكيد: - بالطبع، اجعله يصعد على الفور..

ما كانت الا لحظات حتى تنبهت لذاك الظل لرجل يحمل احداهما و يدخل بها غرفة أشار اليها ياسين، كانت تقف هي في نهاية الرواق الطويل ترى الأمور من على البعد دون ان تتدخل، لا تعرف ما الذى يحدث بالضبط!؟.
لكن استنتاجها يؤكد انها حالة مرضية طارئة تستدعى تدخل ياسين..
ها هي تسمع صوته يناديها في إصرار: - يا دكتورة، احتاج لمساعدتك هنا على الفور..

لم تتردد لحظة و اندفعت لغرفة الكشف لتطالعها سيدة ممددة على سرير الكشف غائبة عن الوعى تماما، انها أقرب لفتاة منها لسيدة متزوجة و حامل في شهرها التاسع على حسب تقديرها المتواضع في تلك الأمور، كانت فتاة جميلة رغم شحوب وجهها الشديد نتيجة النزيف الذى يحاول ياسين إيقافه باستماتة..

نظرت اليه تلك اللحظة لتجد ياسين مختلف تماما عن من تعرفه، وجه صارم و قسمات مسيطرة و يد ماهرة تعمل بحرفية شديدة عاقد الحاجبين و قد اختفت الضحكة المجلجلة و الابتسامة الواسعة ليحل محلها التركيز
كانت تختفى تماما خلف جسد ياسين الضخم الذى تحرك في تلك اللحظة يلتقط احدى الأدوات الطبية ليطالعها الان ذاك الزوج الذى كان ينتحى جانباً لأحد أركان الغرفة في قلق و اضطراب و لم ينبس بحرف واحد..

في تلك اللحظة التي وقع نظرها عليه توقف الزمن، و بسرعة رهيبة عادت عجلته لما يقرب من ثلاث سنوات خلت لتتأكد انه هو، انه حازم بشحمه و دمه يقف هاهناك في توتر
و تساءلت سؤال احمق هي ادرى الناس باجابته، هل تلك الفتاة الممددة الان تصارع لإنقاذ نفسها و جنينها من براثن الموت هي، زوجته!؟.

بالتأكيد، إجابة لا مجال فيها للشك، نظرت مرة أخرى لملامح تلك الفتاة التي تزداد شحوب مع كل لحظة، هل هي تلك التي اختارها لتحل محلها و تصبح زوجته و تشاركه حياته و أحلامه و تكون اما لأطفاله..!؟.

هزت رأسها تطرد تلك الخواطر الحمقاء التي جعلتها تشعر بالذنب تجاه تلك الفتاة المسكينة التي يحاول ياسين انقاذها و جنينها باستماتة، وانتفضت من خواطرها عندما هتف فيها ياسين للمرة الثانية طالبا احد الأغراض الأقرب لها في عجالة، فاستجابت باضطراب حتى انه انتبه لتوترها فسألها في اهتمام: - هل انتِ بخير..!؟

أومأت برأسها إيجابا دون ان تجرؤ على النطق بحرف واحد فحلقها وصل لمرحلة الصحراء القاحلة و جف ريقها تماما تحت صدمة رؤية حازم بعد تلك السنوات..
انتهى ياسين أخيرا و استدار بكليته للزوج المتوتر هاتفاً في سرعة: - حاولت على قدر امكاناتى المتواضعة إيقاف النزيف مؤقتا، لكن زوجتك بحاجة لنقلها للمشفى بأقصى سرعة، و انا سأقوم باللازم..
اندفع ياسين خارج غرفة الكشف ليبدأ اتصالاته.

لتتضح الرؤية أمامها تماما و تراه بكل وضوح
يقترب في وجل من زوجته الراقدة و هو لا يدرى ما عليه فعله..
خرجت هي من خلف الحاجز الطبي الذى كان يحجب رؤيتها عنه لتصبح في مجال رؤيته تماما لتهتف في نبرة صادقة حاولت جعلها ثابتة الجأش على قدر استطاعتها: - باذن الله ستكون بخير..

كان سماعه لصوتها و رؤيته لها امام ناظريه وقع الصدمة الشديدة التي جعلته يتقهقر للخلف خطوة في عدم تصديق هاتفاً: - مى..!؟، هل هذه انتِ حقا..!؟.
ابتسمت في هدوء يتنافى مع دواخل نفسها المستعرة: - نعم يا دكتور حازم، انا هي..
دخل ياسين الحجرة ليهتف في ثقة: - لا تقلق ستكون زوجتك بخير باذن الله، ثوان و ستصل عربة اسعاف مجهزة لنقلها للمشفى لعمل اللازم..

لم ينتبه ياسين للصدمة التي تغرق الغرفة و تشملها وقد استدار باتجاه مى قائلا: - أشكركِ يا دكتورة على تعاونكِ، اتعبناكِ، يمكنكِ العودة
للنوم مجددا..
-لا، سأت معكم، فالدكتور حازم زميل قديم في المشفى الذى كنت اعمل به في الخارج..
هتف ياسين في حبور وهو يمد كفه لالقاء التحية بود حقيقى: - حقا..!؟، تشرفت بمعرفتك يا دكتور حازم..

رد حازم التحية في تيه عزاه ياسين لقلقه على زوجته، لم يطل الوقت حتى كانت سيارة الإسعاف تحمل المريضة للمشفى و خلفها كان ياسين و مى في سيارتهما..

جلس كل من حازم و ياسين و مى على الكراسى المقابلة لغرفة العمليات الجراحية
في انتظار ايه اخبار يجود بها الدكتور مؤمن صديق ياسين الذى أوكله الاشراف على علاج الحالة لثقته في كفاءته..
لقد طال انتظارهم القاتل خارج تلك الغرفة الباردة، و أخيرا خرج الدكتور مؤمن على عجالة ينزع القناع الطبي عن وجهه موجها حديثه لياسين: - لقد فعلت كل ما بوسعى لإنقاذ الام و جنينها، لكن للأسف لم استطع..

انتفض الجميع لكلماته التي أكملها لاهثا، إنقاذ الجنين، و الام فصيلة دمها نادرة و الكمية التي كانت في بنك الدم الخاص بالمشفى غير كافية، احتاج للمزيد، و فورا..
إنكمش حازم في لوعة يتخبط حتى انهار على مقعده ووقف ياسين لا يستطع الإتيان باى رد فعل حتى هتفت مى: - انها نفس فصيلة دمى و انا على استعداد للتبرع حالا..

هتف مؤمن: - حقا..!؟، و اندفع حازم واقفا و قد تبدى الامل في إنقاذ زوجته، بينما هتف ياسين و هو ينظر اليها في قلق: - الأهم ان لا يؤثر ذلك عليكِ، هل انتِ قادرة حقاً على التبرع..!؟.

أومأت بالإيجاب، أشار مؤمن لإحدى الممرضات لتقوم باللازم و قد هم ياسين بان يتبعها لولا ان جذبه مؤمن ليدخل معه غرفة العمليات ليساعده، تبعه ياسين بعد ان تنحى بالممرضة جانبا، و ألقى نظرة سريعة على مى قبل ان يندفع لحجرة التعقيم ليتبع مؤمن لغرفة العمليات..

انتهت الممرضة مما أوكل اليها لتنهض مى جالسة على الفراش الذى كانت تتمدد عليه لتتبرع بدماءها لإنقاذ زوجة حازم، و تغطى ذراعها المكشوفة التي كان وخز الحقنة به يؤلمها حتى بعد ان انتهى الامر..

غابت الممرضة لحظات و عادت تحمل بعض العصائر و المرطبات قدمتها لمى التي شكرتها رافضة في ذوق الا ان الممرضة هتفت في إصرار: - لا، لابد من تناولكِ لشئ ما، لا اريد ان يغضب منى الدكتور ياسين، لقد اوصانى بذلك قبل دخوله غرفة العمليات..
و ابتسمت الممرضة هامسة: - يبدو انه يحبكِ كثيرا و يخاف عليكِ..

ابتسمت مى في سعادة مفتعلة بل كادت تقهقه ساخرة وهى تقول لنفسها، كم هي المظاهر خادعة!، يحبنى..!، و نحن أعداء يتمنى كل منا الخلاص من صاحبه لتخلو له شقة العمر..

تناولت مى العصير و تجرعته في صمت، و عادت تجلس امام حجرة العمليات تنتظر خروج ياسين و اذا بحازم الذى فضلت الجلوس على مبعدة منه يقترب منها ليجلس بالمقعد المجاور لها و يهمهم محاولا البدء في الحديث الذى قطعته هي قبل ان يبدأ هامسة في صرامة: - لا عليك يا دكتور حازم، لست مطالباً بأى كلام ليس هذا موضعه او مكانه..
أغلق هو فمه في تفهم، و عاد لمكانه الأول..

وأخيرا انفرج الباب عن ياسين متنهدا في راحة و هو يقول: - الحمد لله..
هتف مؤمن الذى خرج من خلفه: - لولا الدماء التي تبرعت بها يا دكتورة ما تم انقاذها باى حال..
اقترب ياسين من مى هامساً: - هل انتِ بخير!
-نعم، لم تزد مى حرفا و قد شعرت بمدى اهتمامه و تحديقه بها فادارت رأسها خجلاً..
همس من جديد: - سأغير ملابسى على عجل لاصطحبك للمنزل، لترتاحى..

و اندفع فعلا ينفذ، و خلفه مؤمن، وقد لحقهما حازم بالشكر و العرفان لجميلهما ثم عاد ادراجه ليجلس من جديد على مقعده ينتظر خروج زوجته من غرفة العمليات ليتبعها لغرفة العناية الفائقة و لكن فجأة تندفع سيدة تخطت العقد السادس بقليل هاتفة في نزق: - ماذا حدث يا حازم، كم أخبرتك انها لا تُقدر النعمة التي بين يديها..!؟، انها لا تستحقك..
هتف حازم فيها بصوت مكتوم: - هذا ليس وقته يا امى، أرجوكِ..

انتبهت مى في تلك اللحظة لتلك النبرات المستفزة و ارتجف جسدها عندما أعادتها تلك النبرات لذكرى كثيرا ما حاولت وأدها في أعماق ذاكرتها لكنها عادت جلية حية في تلك اللحظة، انها امه، بالتأكيد هي، صاحبة الصوت ذو الرنة المميزة الذى ترك بها جرحا لم يندمل حتى تلك اللحظة، حاولت ان تضع كفها على اذنيها لتمحو اثر ذبذبات ذاك الصوت المقيت على روحها، لكن بدلا من ذلك، وجدت من يمسك بكفيها جاذباً أياها من على مقعدها يسألها: - يبدو عليكِ التعب جلياً، هيا بِنَا..

كان ياسين، صوته اخرجها من مأذق ذكرياتها المقيتة، و حجب بنبراته القوية المليئة بالأمان و الاهتمام نبرات تلك المرأة التى لا تزل تذكرها بوجعها..
جذبها ياسين خلفه و هو لايزل يحتضن كفها الا انه توقف عندما هتف حازم يناديه ليعرفه على والدته، كان ذلك فوق احتمالها، فهى كانت في سبيلها للابتعاد: - دكتور ياسين يا امى، له الفضل في إنقاذ زوجتى..

أومأت المرأة له بغطرسة واضحة دون حتى كلمة شكر واحدة، ثم أشار حازم لمى قائلا: - و هذه الدكتور مى، لولا تبرعها بالدماء ما تم إنقاذ نجلاء..
مطت امه شفتيها بنزق هامسة: - و ما الفائدة و الطفل قد مات..
تجاهلها حازم مكملا: - الدكتورة مى زميلة قديمة في المشفى الذى كنت اعمل به في الخارج..
انتبهت امه الان و قد التقطت إشارة ابنها، لتهتف في صدمة، : - هل هي، و لم تستطع ان تكمل تساؤلها و هي تنظر لياسين بريبة..

ليكمل حازم مؤكدا: - و الدكتور ياسين هو زوجها..
لتهتف ام حازم في صدمة لم تستطع إخفاؤها: - زوجها، حقا..!؟.
لينتبه ياسين لما يدور و الى وجه مى الشاحب و عدم نطقها بحرف واحد، فيدرك ان في الامر سر ما، و لا يعرف لما اندفع ليحتضن كتفى مى و يقربها اليه في مودة هاتفاً وهو ينظر لمى في سعادة: - نعم، زوجها، و لى الفخر طبعا.

ليمتقع وجه السيدة العجوز في حنق، و لا تنبس بحرف واحد، انزل ياسين يده من على كتفى مى و ضم كفها من جديد ليجذبها خلفه و يستأذن مودعاً، و نظرات المرأة المتغطرسة تتبعهم في عدم تصديق..

جلس كلاهما في السيارة في طريقهما للمنزل
و الصمت يشملهما كانت هي غارقة في ذكرياتها التي اثارتها رؤية حازم اليوم، و.

ومفاجأة رؤية والدته كانت القاصمة، وتنهدت بصوت مسموع لم تنتبه انه وصل لمسامع ياسين الذي كان يراقب خلجات نفسها مرسومة على ملامح وجهها الشاحب، لا يعرف ما الذى دفعه ليمد كفه ليحتضن كفها و للعجب لم تجذبها كما كان متوقع بل تركتها تركن للامان الذى تفتقده بين كفه، ابتسم في سعادة لردة فعلها الغير متوقعة و التي جعلته ينظر اليها في مودة قائلا: - الصراحة، زوجة الدكتورحازم كرمها الله بأم زوج، ملااااك...

انفجرت مى ضاحكة لتعليق ياسين، و لم تتنبه الا و هي تهتف مازحة: - المفروض انى احمد الله الف الف مرة، ففي يوم ما كنت سأكون مكانها..

قلت ضغطة كفه في احتضان كفها عندما استوعب الامر، و ادركت هي تأثير هذا الخبر المفاجئ عليه عندما انحرف مقود السيارة قليلا بين يده، قبل ان يترك كفها و يسيطر عليه بكلتا يديه، و يحل الصمت من جديد، حتى وصلا للمنزل، جمعهما المصعد وشملهما إحساس غريب في ذاك الحيّز الضيق، لا تعرف ما ذاك التوتر الذى شملها كلما رفعت نظرها لتقابل نظراته المتسمرة على وجهها..

انها تكاد تختنق، ليس من جراء ضيق المصعد بقدر ما كان بسبب تلك النظرات التي تراها تنبعث من عمق تلك العيون التي تتفرس فيها بذاك، ذاك ماذا..!؟، لا تعرف ما كنه ذاك الشعور المنبعث من حدقتيه الغائمة..
وصلا لطابقهما فخرجت من المصعد هاربة يتبعها هو في تململ عجيب..
قابلهما الحاج حسن و هو يفتح باب شقته يضع بعض من الأغراض خارجه، ابتسم في سعادة.

عندما رأهما لأول مرة قادمين من الخارج معا كأى زوجين طبيعيين، فهتف في غموض: - اكتمل الناقص، و لم يكتمل..
ودعهما بابتسامته المعهودة وهو يطالعهما لاخر لحظة قبل ان يغلق
بابه خلفه و هما يفتحا باب شقتهما، و لأول مرة لا تتعارك على أحقيتها في فتح باب شقتها بل تركته يفتح الباب بمفتاحها و يدفعه لتدخل هي، تضع قدمها داخل الشقة و كانها تدخلها لأول مرة أيضا يتملكها شعور عجيب، لا تستطيع وصفه او حتى تفسيره..

اندفعت لحجرتها تحتمى بها كعادتها، لكن أين يمكنها ان تحتمى من تلك الخواطر التي تطاردها و من تلك المشاعر العجيبة التي تنبثق من أعماق روحها تنذرها بان هناك شيء ما، غامض و آسر يجذبها اليه، و هي لا تستطع التراجع..
اندفعت لفراشها و أغلقت عيونها إرهاقًا و غطت جسدها بالكامل و تدثرت كشرنقة لعلها تهرب من ذاك الشئ المبهم، و أخيرا، غرقت في النوم، الذى دوما ما كان مهربها الوحيد..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة