قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثاني عشر

دخل حجرته، بعد تلك الليلة الطويلة، فمنذ الفجر و هم في عراك ما بين الموت و الحياة لإنقاذ حياة زوجة حازم، تنهد في تعب واضح
و تمدد على فراشه الذى ابتاعه حديثا بعد ان مل افتراش الأرض على تلك المرتبة..
أخذ حمام دافئ اعتقادا منه انه سينقله مباشرة لعالم الأحلام بعد ذاك الإرهاق طوال النهار..
لكن لا فائدة، فقد تقلب على الفراش لأكثر من ساعتين و لا نوم يأتي و لا حتى نعاس يقترب.

رأسه يغلى كمرجل من كثرة الخواطر و تداخلها و اضطرابها، و التي كانت كلها تدور حول تلك القصيرة القابعة بالغرفة المجاورة..
لا يعرف، ما تلك المشاعر التي بدأت في التحرك تجاهها، كثير من المسؤولية و قدر لا يستهان به من الاهتمام، و بعض من مودة مخلوطة بتعود محبب..
لقد عرف أين يكمن جرح قلبها، ذاك الحازم الاخرق، و أمه الشمطاء..

ادرك ذلك من تلك النبرة التي قالت بها جملتها الوحيدة في السيارة، انها لابد وان تحمد الله الف مرة لانها كانت في يوم ما ستكون في موضع زوجة حازم المسكينة، كانت نبرة تحمل القدر الكافى من الوجع و الألم، على قدر ما تحمل نفس القدر من الحمد و الشكر لانها لم تكن..

استطاع بسهولة ادراك مشاعرها و تضارب أحاسيسها في تلك اللحظة بمهارة و شفافية ادهشته هو نفسه في المقام الأول، كما ادهشه جرأته في إمساكه بكفها، و كذلك رد فعلها الذى زاد من تعجبه بقدر احساسه بالسعادة لحظتها..
تقلب على الفراش من جديد كانه ينام على فراش من اشواك تؤرق راحة باله و صفاء سريرته..
و فجأة، انتفض مندفعا من الغرفة على صرخاتها القادمة من خلف الجدران التي تفصلهما..

اندفع لداخل حجرتها دون استئذان، ليفتح ذاك الضوء الخافت بجوار فراشها ليجدها تنتفض و قد غطى شعرها القصير المتناثر ملامح وجهها
جلس على طرف الفراش و قد تناول من على المنضدة المجاورة كوب من الماء يقدمه لها هامساً وهو يربت على كتفها: - اهدأى، لم يكن سوى كابوس، لقد انتهى يا مى، انتهى..

رفعت وجهها اليه لتنكشف ملامح وجهها الملتاعة و قد هاله نظراتها الموجهة اليه بما تحمل من فرحة و عدم تصديق، لا يعرف ما الذى رأته في حلمها جعلها تنتفض بهذا الشكل و تنظراليه بهذا الفرح، كل ما كان يعنيه ساعتها هو تهدئة ارتجافات جسدها المتعاقبة و التي لم تنتهى بعد..
ربت من جديد على كتفها و هو يمد كوب الماء بقرب شفتيها لترشف منه في هدوء و لازالت نظراتها معلقة به و كأنها تتاكد انه لازال هنا..

وضع الكوب جانبا، و دفع كتفيها في بطء لتعاود التمدد من جديد و هو يزيح خصلات شعرها عن جبينها و يجذب الغطاء على جسدها
وما ان هم بالانصراف حتى وجد كفها الصغير يحتضن إصبعين من كفه و صوتها المتحشرج الباكى يهمس في ضعف و رجاء: - هل يمكنك البقاء بقربى قليلا..!؟.

كان ينوى الرفض، فنظراتها تلك تدفعه لمزيد من التشوش و عدم الاستقرار الذى يكرهه، لكن ارتجافة جسدها الان مع تلك الشهقة المنبعثة من أعماق روحها كتابع لبكاء حار و مضنٍ جعلته يومئ بالإيجاب بلا إرادة..

جلس مجاورا لها لا يعرف ما عليه فعله، الا انه وجد نفسه بغير وعى يمد كفه ليضعها على جبينها المتعرق و يهمس بأدعية بسيطة كانت دوما ما تجعله يغفو في حجر أمه عندما يصيبه الهم و تهاجمه الكوابيس، و كأن الادعية بصوت امه كانت الدرع الحصين لهجماتها..
لا يعرف لما تذكر تلك الادعية فجأة و تسلل اليه صوت امه العذب و هي تتلوها على جبينه الندى كجبينها الان..

ابتسم في شوق للذكرى، و استمر في ترديد أدعيته و تلاوة أياته، التي جعلتها تهمهم في راحة و تغرق في نوم عميق لم تنل مثله منذ زمن طويل..

شعرت بالبرد يحيطها و كانها تقف في مواجهة
ريح قوية تجعلها ترتجف مما جعلها تفكر في جذب الغطاء على جسدها كى تستمد منه بعض من دفء لكنها وجدت جسدها مكبل بأذرع من حديد لا تستطيع منها فكاكاً، اعتقدت انها تحلم
فقررت اخراج نفسها من ذاك الحلم الخانق و فتحت عيونها في رفق تتطلع حولها لتكتم أنفاسها في صدرها بقوة حتى لا تنتفض من هول ما رأته..

كانت بكليتها تقبع بين ذراعيه لا تستطع التحرك قيد أنملة كفاها نائمان على صدره و رأسها مزروع ما بين ذقنه و كتفه، و ذراعاه تحيطان بجسدها كأنهما أذرع من حديد يأسرانها..

لا شيء فيها يتحرك سوى عيونها التي ادركت بها الموقف بمجمله، و أخيرا تنبهت من أين يأتي ذاك البرد الذى تشعر به فاذا بها أنفاسه العميقة التي يزفرها فوق رأسها التي يرتكن عليها ذقنه، ارتجفت رغما عنها، و تعجبت على الرغم من غرابة الموقف الذى وجدت نفسها فيه الا انها ابتسمت في حبور، لا تعرف ما الذى دفعها للابتسام و لولا ما هي عليه لقهقهت ضاحكة، هل أصابها مس من جنون!؟، ربما..

رفعت رأسها ببطء شديد حتى لا توقظه و بدأت في ملاحظة قسمات وجهه و تفصيلات ملامحه الرجولية، جبهته العريضة و حاجباه الكثيفان، نزولا لعيونه المغلقة و رموشه الحادة ثم انفه الشامخ الذى يضرب وجهها بأنفاسه الحارة و هي لا تُبالى، و أخيرا شفتاه..
أزدرت ريقها في صعوبة، و صرفت نظرها عن وجهه و همت بان تشعره باستيقاظها الا انها عدلت عن الفكرة فورا، فكيف تجعله يدرك انها على علم بنومها في احضانه..!؟

الأحضان..!؟، دوما ما كانت تتساءل، ما كنه تلك المشاعر التي يستشعرها البشر في أحضان من يحبون..!؟، وها هي بين ذراعيه و في عمق احضانه و تشعر بأمان غريب ما مر عليها الإحساس به من قبل، شعور بالاحتواء و الرغبة في البقاء للأبد هاهنا، الرغبة في الاحتماء من ظلم العالم و مرارات الحياة، و بلا وعى منها دفنت رأسها في صدره كانما تستمد كل ما كان باستطاعتها ادخاره من أمان و حنان و دفء لتكتره في ايامها الباردة بعيدة عنه..

ادركت فجأة انه بدأ يتحرك في حذر معلناً استيقاظه فادعت هي النوم و أغلقت عيونها في سرعة لينسحب هو من الفراش مبتعداً و هو يلقى عليها نظرة أخيرة ليتأكد انها لاتزل نائمة.
هم بالرحيل و همت هي بفتح عينيها الا انها تنبهت بانه يعود ادراجه في هدوء لينحنى و يلثم جبينها في رقة و يندفع خارج غرفتها مغلقا الباب في حرص شديد..

ما ان تأكدت انه أغلق باب الغرفة حتى فتحت عيونها وهى ممددة تتطلع للسقف في صدمة و عدم تصديق، هل قبلها حقا..!؟.
رفعت كفها بتردد لتضع أصابعها على موضع قبلته على جبينها، و فجأة، تندفع من تحت غطاءها تقفز على الفراش كالمجنون الذى إصابته نوبة هيسترية قوية جعلتها تتقافز كالممسوسة في سعادة، و أخيرا تقذف بجسدها على الفراش و هي تلهث من فرط سعادتها، و جنونها..

مرت عدة أيام على تلك الليلة العجيبة، و الأعجب هو حالهما، فقد كانت تلك الليلة سبب جديد لتباعدهما في تلك العلاقة الغريبة التي تشبه حبل مطاطى..
فها هي لليوم الثالث على التوالي تحاول تجنب الظهور بحضرته و تنتظر خروجه او نومه و اعتزاله في حجرته حتى تستطيع الخروج من غرفتها و كسر عزلتها و لو قليلا..

دخلت للمطبخ تعد بعض الطعام، و فجأة تذكرت مشاعرها الدافئة و هي بين احضانه فابتسمت في حبور و شردت لتلك اللحظات و أخيرا رفعت كفها بشكل لا أرادى تتحسس موضع قبلته اليتيمة و تبتسم ابتسامة بلهاء هي عنوان وجهها منذ تلك الليلة، و أخيرا تستفيق على رائحة شيء يحترق على الموقد الذى تقف أمامه دون ان تنتبه، لتقهقه و هي تدفع الطعام المحروق بعيدا، و تحاول إنقاذ ما يمكنها إنقاذه.

وهى تهمس لنفسها مؤكدة انها حرقت أطعمة في الثلاثة أيام الماضية بقدر ما حرقت منذ تعلمت الطبخ..
انتبهت على خياله الذى مر بالمطبخ دون ان يستطلع ما يحدث بالداخل كعادته، حتى ان رائحة طعامها المحروق لم يسترع انتباهه..
انه يتجنبها بالمثل، لكن لما..!؟.
هي تتجنبه لانها لا قبل لها لمواجهته، فما ان يطالعها محياه و تتذكر تلك الليلة حتى تشتعل خجلاً لا تستطع مداراته أو إخفاء ملامحه البادية على وجهها..

لكن هو، لم يتجنبها، وقد وفرت على كلاهما الاحراج و الخجل و ادعت انها لازالت تغط في النوم..!؟.
انتفضت عندما أتاها صوت اغلاقه باب الشقة بعد رحيله فتنهدت و هي تهز رأسها في حيرة.
عادت لما كانت تصنع على الموقد، و ما هي الا لحظات حتى سمعت طرقا على باب الشقة
أغلقت المرقد خوفا من احتراق الطعام ربما للمرة العاشرة، و اندفعت تفتح الباب لتجده الحاج حسن يبتسم في وجهها كعادته..
-صباح الخير يا طبيبة عظامى..

انفجرت مى ضاحكة على اللقب الذى أطلقه عليها الحاج حسن متفكهاً..
و ردت في حبور: - صباح الخير يا حاج حسن، أرجو ان تكون عظامك بخير..
اومأ الحاج حسن مؤكدا: - بالطبع، انها بالف خير، وكيف لا و انتِ طبيبتها، و خاصة مع ذاك الدواء الذى وصفته لى في المرة الأخيرة، انه سحر، أعاد لمفاصلى شبابها الضائع..
ابتسمت مى في فخر: - اسعدنى سماع ذلك..

أبتدرها الحاج حسن متسائلا: - احتاج لبعض الأدوات اللازمة لاصلاح بعض الأغراض بشقتى، فهل اجدها لديكِ..!؟.
-لا اعرف، انا لا استطع التفريق بين تلك الأدوات و بعضها، لا خبرة لى بها..
أفسحت له الطريق و هي تستطرد هاتفة: - تفضل الى المطبخ حيث يمكنك التعرف على ما تريده..
دخل الحاج حسن و تركت هي الباب مواربا و توجها للمطبخ و اخذ يبحث حيث اشارت له..
و عادت ادراجها عندما سمعت طرقا على باب الشقة من جديد..

فتحت الباب لتفاجأ بحازم يقف و ابتسامة سمجة تكسو ملامح موجهه و بين كفيه باقة من الزهر و علبة من الشيكولاتة التي تفضلها، و التي ما ان ألقى التحية حتى ألقاها بين ذراعيها في عجالة مخافة ان ترفض استلامهما..
نظرت لهداياه القابعة بين ذراعيها و عادت للنظر اليه متسائلة في تعجب: - خيرا ان شاء الله، هل من جديد بخصوص زوجتك يا دكتور حازم..!؟.

ابتسم في اضطراب: - انها تشكرك و ترسل إليك محبتها و هذه الهدايا مجرد رد بسيط على ما تكبدته في سبيل انقاذها..
ردت في حزم: - أوليس من المفترض تقديم الشكر أيضا للدكتور ياسين، فالفضل الأول يرجع اليه، ام انى مخطئة..!؟.
اندفع هاتفاً: - أه، طبعا، بالتأكيد..
دفعت اليه هداياه وهى تقول في حسم: - اذن عد بهداياك عندما يكون موجود ليستقبلك هو في بيته و يرحب بها..

هتف حازم في حنق: - لا داع لهذه اللعبة يا مى، انا سألت و عرفت الحقيقة كاملة و، ما هي طبيعة علاقتكما..
تمسكت بثباتها و هي تجيب بنبرة حاولت تغليفها بالبرود: - حسنا، و ماذا تريد الان!؟.
هتف في لهفة: - أريد مى، مى التي أضعتها من بين يدى كالمغفل، و التي لن اسمح لاى من كان ان يبعدنى عنها من جديد..
ضحكت بسخرية: - حتى السيدة والدتك..!؟.

صمت و لم يعقب، لتقطع هي صمته الاخرق و تقول بحزم و صرامة: - هذا البيت لا تقربه من جديد، و ما عرفته عن علاقتى بالدكتور ياسين كان صحيح في البداية، لكن الان، انا زوجته و سأظل زوجته التي تحافظ على كرامته و اسمه، فرجاءً لا تقرب هذه البناية مرة أخرى، و اسقطنى من ذاكرتك القذرة للأبد..

رحل في هدوء غير مأسوف عليه و ظلت تتطلع اليه و هو يغيب داخل المصعد و تتعجب، كيف في يوم من الأيام احبت هذا الشخص و حزنت لابتعاده، دخلت الشقة لتترك بابها مواربا من جديد بعد ان تذكرت ان الحاج حسن لازال بالداخل يعبث بالادوات التي يبحث فيها عما يريده، و فجأة، تجد الباب يدفع بقوة ليدخل ياسين هائجا مندفعا اليها..

ما ان رأها أمامه حتى هجم عليها يمسك بمعصمها يهزها صارخاً وهو يغلق الباب خلفه في غضب هادر: - ماذا كان يفعل ذاك المسمى حازم هنا!، و هزها في عنف صارخاً من جديد: - انطقى، ما الذى أتى به..!؟.
لم تنطق بحرف واحد من شدة صدمتها لثورته و غضبه الهادر، انها المرة الأولى التي تراه فيها خارج عن السيطرة بهذا الشكل..

أستمر في هزها من جديد وهو يهتف في صوت كالرعد: - هل عاد ليجدد الود القديم و يعيد ما كان بينكما..!؟، هاااا..!؟، حسنا، لا مانع لدى فهذا شأنكِ لكن ليس و انتِ زوجتى و تحملين اسمى، حتى ولو كان زواجنا شكليا، فهذا لا يعطكِ الحق لتلويث اسمى، فهمتى..!؟

، لا تعرف ما الذى دهاها، ما الذى حل بلسانها و جعلها لا تسطع النطق بحرف واحد دفاعا عن نفسها و درأً أتهاماته الباطلة في حقها، لا تعرف ما الذى جعلها تقف خرساء لا قبل لها على مواجهته، تتقبل طعناته لكرامتها و كبرياءها، ولا تحرك ساكناً..
حتى دموعها أبت الظهور و ظلت تتطلع اليه بعيون زجاجية لا حياة و لا روح فيها..
حتى دفعا بعيدا عنه و هو يلهث من فرط عصبيته و ثورته الطاغية، و أخيرا..

قطع ظهور الحاج حسن من الداخل ذاك الجو المحموم، لينظر كل منهما اليه في صدمة..
هي نظرت اليه مصدومة و قد تذكرت انه لازال بالداخل و قد سمع كل ما قيل..
و هو نظر اليه مصدوما لعدم معرفته بوجوده من الأساس..
اقترب الحاج حسن و في يده مطرقة ما، و هتف في نشوة: - هاقد وجدت ما كنت ابحث عنه يا مى، أشكركِ يا بنتى..

وكأنه ادرك متأخرا وجود ياسين او هكذا ادعى، والذى كان يقف مشدوها و لم يتخلص من صدمة وجود الحاج حسن و الذى هتف في مودة: - مرحبا يا دكتور ياسين..

و بدأ في التوجه للخارج حيث شقته، و لكن قبل ان يفتح الباب مغادراً اتجه بكليته لمى و هتف في فخر: - احسنتى صنعاً بذاك الاخرق المدعو حاتم، او حازم، لم أتبين الاسم جيداً، رغم انه كان يحمل علبة من نوع الشيكولاتة الذى أفضله كثيرا، انفجر مقهقها، لكن لا بأس، فما فعلته به كافياً و زيادة ليمنعه من التفكير في المرور بذاك الشارع مرة أخرى لا الاقتراب من بنايتكما فقط كما حذرتيه..

رفع العجوز إبهامه في وجهها مؤكدا على صحة تصرفها ثم فتح الباب و غادر في هدوء مخلفا صمتاً ثقيلا، اثقل من الجبال، لم يقطعه الا اندفاعها في اتجاه غرفتها، لتترك ياسين يقف مشدوها يتطلع حوله في ذهول و قد غمره الندم، حد الغرق..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة