قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن

تجنّبته كثيرا بعد كلماته التي ألقاها على مسامعها، ظلت تؤكد لنفسها انها كلمات مجاملة المقصود منها هو التعبير عن شكره و امتنانه لاعتناءها به في أوقات مرضه و عليها الا تؤلها اى تأويل اخر..
و على الرغم من اقتناعها التام بوجهة نظرها السابقة الا انها كانت تتحاشاه، لا تعرف لما!؟

كل ما تعرفه انها لا تقوى على مواجهته و التطلع اليه بعد تلك الكلمات و خاصة ملاحظته الأخيرة عن أنوثتها و تلميحه عن رؤيتها بثوبها الابنوسى و هي تتمايل وحيدة او هكذا ظنت، و هو قابع هناك يتابع العرض المغرى باستمتاع.
رِن جرس جوالها فالتقطته ترد في شوق و ما ان تناهى لمسامعها صوت اختها الباكى حتى اندفعت للخارج في عجالة..

كان هو يتحين الفرص حتى يلتقى بها بعد ان فرضت العزلة على نفسها و لم تعد تخرج من غرفتها الا في أوقات عدم تواجده..
و الان ما ان سمع صوت باب غرفتها يُفتح حتى اندفع خارج من غرفته لملاقاتها لكنه وجدها تندفع كالسهم للخارج..
ماذا هناك يا تُرى..!؟، و ما الامر الذى دفع بها للخروج من الشقة بتلك الحالة!؟.

لم يستطع ان يمنع ذاك الهاتف الداخلى الذى يؤكد عليه ضرورة اللحاق بها، و قد استجاب له من فوره في الوقت المناسب، فقد رأها تشير لإحدى سيارات الأجرة و تندفع داخلها في اللحظة التي وصل فيها لسيارته و اندفع بها خلفها..
الى أين هي ذاهبة..!؟، و لما تلك العجلة!؟.
لا يعرف لما هو مهتم لإجابات كل تلك الأسئلة، لكن كل ما يدركه الان هو ان عليه اللحاق بها و التأكد من انها بخير..

وصلت أخيرا بعد فترة ليست بالقصيرة لأحد الأحياء الشعبية البسيطة و بطبيعة الحال لم يستطع سائق سيارة الأجرة الدخول في مثل تلك الحارة الضيقة بسيارته، فرأها تندفع منها خارج و تلج لعمق تلك الحارة، فصف سيارته و اندفع خلفها على مسافة تجعله يراها و لا يفقد اثرها و في نفس الوقت لا يجعلها تستشعر وجوده..

وصلت بالفعل لبيت عتيق من ثلاث طوابق و اندفعت داخله، وقف هو حائر لا يعرف كيف عليه التصرف هل يندفع خلفها ام ينتظر ريثما تتضح له الصورة ولو قليلا..!؟.
اندفعت هي تعتلى درجات السلم المتهالكة نوعا ما حتى وصلت تلتقط أنفاسها امام باب خشبى من ضلفتين دقت عليه بكف منهك..

فُتح الباب في عجالة و طالعها وجه اختها سماح الشاحب و دموعها التي تغطى وجنتيها، اندفعت مى تحيط اختها بذراعيها و تجلس معها على تلك الأريكة القديمة التي تعبق برائحة الأيام الخوالى و ذكريات والديها في ذاك المنزل الذى جمعهم سويا منذ زمن بعيد، انها المرة الثانية التي تدخله فيها بعد عودتها من الخارج و قرار استقراراها أخيرا في مصر..

جذبت أنظارها من على جدران المنزل التي تحوى صورلابوها و أمها و ذكريات طفولتهما
و وجهتها على اختها التي لازالت تنتحت بقهر بين ذراعيها فهتفت بها في تعقل: - ماذا هناك يا سماح، اما آن لمشاكلكِ مع زوجكِ ان تنتهى!

هتفت سماح من بين دموعها: - انه لا يهتم ببيته و لا أولاده، و لم يعد يحبنى كالسابق، لقد حاربت الجميع لاجله، و زللت له كل العقبات في سبيل زواجنا، حتى أننى كما تعلمين ترجيت و الدينا ليسمحا لنا بالبقاء معهما بعد زواجنا نظرا لصعوبة إيجاد مسكن يجمعنا، ووافقا على مضض طبعا، ماذا فعل هو لأجلنا، لا شيء، كل ما يهمه الان النقود، كيف يأت بها و كيف ينفقها على ما يسعده هو، لا على ما يكفى به بيته و أولاده..

تنهدت مى وهى تربت على كتف اختها الصغرى مهدئة: - ربما كان هذا هو الخطأ من البداية، لقد تعود ان يأخذ و لا يعطى، لكنه أيضا ليس بالرجل السئ، على الأقل هو كان يراع والدينا في فترات مرضهما الأخير، انا لا استطيع ان أنكر عليه ذلك..
صمتت اختها و لم تعقب على تلك النقطة، وما ان همت مى بالحديث حتى صرخت سماح مؤكدة: - لا، انا لم اعد أطيقه، لم اعد ارغب في العيش معه..

اندفع في تلك اللحظة من الخارج نعيم زوج سماح وما ان رأى مى حتى هتف ساخراً: - مرحبا، هل أسرعت حالا باستدعاءكِ كالعادة..!؟.
وقفت مى في مواجهته: - وما الضرر في ذلك!؟، فانا كل من تبقى لها في الدنيا بعد ان رحل أصحاب البيت الذى يأويكما..
صرخ مزمجرا: - هل تعايرينى يا دكتورة..!؟
هتفت مى في حزم: - لا، بل اذكرك ان هذا بيتها قبل ان يكون بيتك و بيت اولادك..

صرخ من جديد: - لقد سأمت من ترديد تلك النغمة، ولكن هل لانه بيتها عليها تذكيرى بذلك صباح مساء، أخبريها بان هذا البيت مفتوح بكد ذراعى، ولولا ذلك لكان جدران متهالكة لا تصلح للعيش..
صرخت سماح: - انت لا تنفق علينا الا قروش من مجمل ما يأتيك، انت تبخل عليّ و على اولادك..

اندفع نعيم غاضبا يرفع كفه محاولا اسكات استفزازات زوجته الا ان مى وقفت في منتصف المسافة بينهما صارخة بدورها: - هل ستضربها..!؟، و في وجودى أيضا..!؟.

كانت صرخات مى كفيلة ان يندفع ذاك الشبح الذى كان يتسلل على درجات السلم منذ رأى نعيم يدلف مندفعا لداخل البيت ليتعقبه متوجس من مرأه، و يظهر الان يقف ممسكاً بذراع نعيم العالية التي كان مصيرها وجنة سماح لولا تدخل مى أو بالأدق تدخل ياسين الذى وقف كحائط صد عن مى وأختها..

شهقت مى و هي تكتشف من ذاك الذى يقف كحائط بينها هي وأختها و بين نعميم، و كادت ان تهتف فيه الا ان ياسين استبقها هاتفاً في نعيم زوج اختها: - هل من الرجولة الاستأساد على النساء حتى ولو كانت احداهما زوجتك..!؟.
زمجر نعيم هاتفاً وهو يحاول جذب معصمه من كف ياسين القابض عليه: - من انت..!؟، و لما تتدخل فيما لا يعنيك..!؟.

فك ياسين كفه عن معصم نعيم و مدها في اتجاهه ملقياً التحية: - انا الدكتور ياسين نور الدين زوج الدكتورة مى، قالها بابتسامة بريئة على عكس الوجوه الثلاثة الأخرى، و التي حملت تعبيرات مختلفة و متباينة تماما، فالصدمة كانت مرسومة على وجهى كل من سماح و نعيم بينما ما ارتسم على وجه مى كان مزيج من كظم الغيظ و محاولة السيطرة على أعصابها لاقصى درجة ممكنة..

تدارك نعيم نفسه بسرعة وألتقط كف ياسين الممدودة في ترحيب شديد..
-أهلا، أهلا يا دكتور، نورتنا..
ابتسم ياسين مرحبا بعفوية و تلقائية جعلته يكسب قلب نعيم فورا: - اهلا بك، البيت منور بإصحابه، و كأن ياسين تعمد ذكر سيرة أصحاب البيت في حديثه ثم ربت على كتف نعيم ليؤكد له انه رجل البيت و صاحبه حتى ولو لم يكن ذلك قانونيا و لكن عرفيا..

اتسعت ابتسامة نعيم و انتفخت أوداجه و هتف في سماح معاتبا: - الدكتور و الدكتورة سيشرفونا على الغذاء، استعدى لتقديم أشهى طعام لديكِ..
و كأن سماح نسيت كل ما كان بينهما و اندفعت تنفذ مطلبه منتفضة و مهرولة باتجاه المطبخ حتى مع همهمات مى المعترضة و التي حاولت ان تثنى نعيم عن عزومته، لكن ياسين هتف بها مستدركا: - كلمة المعلم نعيم لا تُرد..

هتف نعيم وهو يربت على صدره محييا ياسين في امتنان: - ربنا يعزك يا دكتور ياسين..
و استطرد ياسين موجها حديثه لمى وعلى شفتيه ابتسامة مشاكسة: - لما لا تذهبى و تساعدى اختكِ، فانا اتضور جوعا..
ما ان سمع نعيم كلمات ياسين الأخيرة حتى هتف في زوجته التي كانت تعمل بكل طاقتها داخل المطبخ: - الغذاء سريعا يا سماح..
ردت في تأكيد: - حاضر، حالا..

استشاطت مى غضبا و اندفعت للمطبخ تساعد اختها وما ان همت بدخوله حتى ناولتها اختها صينية عليها أكواب الشاي لتضعها امام زوجها و ياسين حتى يكف عن استعجالها..
نفذت مى بآلية ووضعت صينية الشاي امام ياسين و زوج اختها و هي تنظر لياسين نظرة أشبه بنظرة رَيَّا وسكينة قبل القضاء على ضحاياهم، كاد ياسين ان ينفجر ضاحكاً كعادته
لكنه استدرك و بدأ في المزاح مع نعيم..

دخلت مى تساعد اختها حتى تتخلص من هذا المأذق، وقفت تناول اختها ما تطلب وهى ترى حال اختها قد تبدل للنقيض تماما و فجأة هتفت فيها: - زوجك الدكتور، ما اسمه..!؟.
اجابت مى بألية: - ياسين..
استطردت سماح: - اه، الدكتور ياسين، انه رائع، أرأيت كيف استطاع ان يسيطر على نعيم ببضع كلمات، أخيرا سيُصبِح لى ظهرا استند عليه ليقف امام نعيم و لا يستطيع ان يعاديه..
صمتت مى و لم تعقب، هذه هي اختها سماح.

، انها حتى لم تسألها كيف و أين و متى تم الزواج..!؟، و ما هي ظروف ذاك الزواج الفجائى..!؟، كل ما فكرت فيه هو مصلحتها التي ستجنيها من وراء هذا الزواج..
تنفست مى بعمق و ابتلعت لسانها حتى تنتهى تلك الزيارة باى شكل..
ساعة من الزمن و كان الطعام بدأ يُوضع على الطبلية تلك الطاولة قصيرة الارجل التي يلتف حولها الجميع لتناول الطعام جالسين ارضا..
هتف ياسين فرحا: - اخيرااا الطعام..

جذبه نعيم من كفه و جلسا ارضا و تجمع الأطفال حولهم و جاءت مى و سماح بباقى الاطباق، و بدأ الجميع في تناول الطعام..

كان ياسين أريحيا و يتصرف بعفوية شديدة و لم ينهض الا وقد جعله نعيم يتذوق كل صنف من أصناف الطعام التي كانت الطاولة عامرة بها، و ياسين لم يكذب خبر، فلم ينهض الا وهو ممتلئ بشكل جعله لا يستطيع النهوض من على الأرض الا بجذب نعيم و الأطفال له و الذين مازحهم ياسين اذا ما استطاعوا جذبه لينهض فسيكون نصيب كل منهم لوح من الشيكولاتة و التي يعشقها الجميع فتجمعوا بالفعل حوله في محاولة لجذبه ناهضاً و بعد عدة محاولات فاشلة و الكثير من الضحكات على مظهرياسين الفكاهى استطاع نعيم التدخل و جذبه مع اطفاله لينهض أخيرا مع تصفيق الجميع، حتى مى انفجرت ضاحكة على ما يفعل مع الأطفال..

و بدأت تستشعر ألفة مريحة للمرة الأولى تغمرها وهى تطأ منزل أبويها، ألفة مفتقدة و مفقودة منذ زمن بعيد، لم يكن هذا فقط ما لفت انتباهها بل كان حنانه و حنوه على أطفال اخته، لقد كان يطعمهم بكفه وكل منهم على وجهه ابتسامة فرحة لم ترها على وجوههم في المرتين اللتين أتت فيهما هنا عندما استدعتها اختها من اجل مشاكلها و زوجها الذى يضحك الان ملأ فيه و قد اعتقدت انه لا يبتسم ابدا..

حان وقت انصرافها هي وياسين، فصمم نعيم على مرافقتهما حتى سيارتهما، سار معهما مختالا، منتفخ الاوداج بنسيبه الطبيب المشهور، دخلت مى السيارة و رأت ياسين ينتحى جانبا بنعيم، دار بينهما حوار قصير كان نهايته إيماءة موافقة من رأس نعيم و ربتة من ياسين على كتفه، و أخيرا عانق كف كل منهما الاخر بمودة خالصة، و عاد ياسين ليجلس امام مقود سيارته يلوح بكفه لنعيم الذى ظل يودعهما حتى اختفت سيارتهما عن الأنظار..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة