قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل التاسع

ظلا طوال الطريق لشقتهما صامتين، حتى ابتدرها ياسين قائلا: - لم أكن اعرف ان لك اخت تعيش هنا و متزوجة و لديها أطفال..!؟
-انت لا تعرف الكثير عنى من الأساس و لا اظن انه من الضرورى ان تعرف..

قالت كلماتها الأخيرة بنبرة عدائية هي نفسها استغربتها، لم تشعر ان عليها ان تضع خط احمر لحياتها و اسرارها و علاقاتها الشخصية عليه الا يتعداه..!؟، لا تعرف إجابة، لكن ربما احساسها ان وجوده مؤقت في حياتها يجعلها تحتفظ بكل تلك المعلومات الشخصية و الخاصة جدا لنفسها دون مشاركته أياها..

لكن هو لا يترك فرصة تمر سدى دون اغتنامها ليتوغل في كل تلك التفاصيل الحميمية لحياتها بل يصبح جزء منها، هذا الخاطر جعلها تتوتر بشكل اكثر من ذي قبل، لتهتف به حانقة: - بالمناسبة، ما الذى جعلك تتعقبنى، و تقتحم حياة اختى بهذا الشكل..!؟، انا قادرة تماما على حل مشاكلها، كما كنت دوما قادرة على ذلك، و لم أكن بحاجة لمساعدتك او دعمك على الإطلاق، لم احتاج لأحد يوما و لن احتاج..

كانت تتوقع ان كلماتها ستدفعه للغضب و الرد عليها بشكل قاس لكن على العكس تماما همس بشكل جعلها ترتجف بشكل لاأرادى: - لم و لن تحتاجى احدهم، اعلم، فانت دوما تلك المستقلة القوية المسيطرة العالمة ببواطن الأمور، و التي تعتقد ان وجودى في حياتها سيقلب ميزان اعتدالها..
كيف استطاع قراءة افكارها بهذا الشكل..!؟.
كيف علم بان هذا ما يدفعها لمعاملته بهذا الشكل الفظ، و تلك النبرات العدائية..!؟.

ابتسم عندما ادرك معاناتها الداخلية: - ما رأيكِ لو اعتبرتى وجودى في حياتكِ الرائعة ما هو الا استراحة قصيرة لتعودى أقوى و اكثر إستقلالية، و..
و صمت و لم يكمل..
فاندفعت بفضول تسأله: - و ماذا..!؟.

ندمت انها سألت بتلك النبرة المتلهفة و جعلته يضحك ملأ فيه قبل ان يصمت فجأة و تتحول نبرته لنبرة جادة لا تليق به: - و ماذا..!؟، حسنا، ووحيدة، تتناول الشيكولاته كى تشعرها بسعادة وهمية لا تنبع من داخلها، تتخذ جانبا من العالم لانها تشعر انها لم تعد امرأة مرغوبة الا لمرضاها الذين تخفف آلام مفاصلهم، لتعود حمقاء لا تدرك انها امرأة بكل ما تحمله الكلمة من معنى..
هل اختفى الأكسجين من على وجه الأرض.؟

ام ان أنفاسها المتقطعة هذه والتي لا تستطيع التقاطها لها سبب اخر..!؟.
حاولت الشعور بالثبات على قدر استطاعتها و دفعت بوجهها تجاه نافذة السيارة مدعية انها لم تهتم بحرف واحد مما قال..
حتى هو شعر انه قال اكثر مما يجب، و صرح بأكثر من المفترض لذا ألتزم الصمت احتراما لصمتها..

لحظات و كان كل منهما في المصعد يتجنب ان ينظر باتجاه الاخر حتى وصلا لطابقهما، تركت له مساحة ليتقدم ليفتح باب الشقة و ذاك يعد تنازل من ناحيتها لا يستهان به..
فتح باب الشقة و تنحى جانبا ليدعها تدخل أولا، كان يعلم انها ستندفع لتحتمى بجدران غرفتها كعادتها عندما توضع في موقف لا تفضله..

و لم تخلف ظنه، فقد أندفعت تجاه غرفتها و كان خلفها فتوقع دفعها للباب ووطد نفسه على تلقى الصفعة المعتادة له، لكن لم يحدث، بل على العكس، بعد ان همت بغلق الباب عادت و فتحته لتسأله بهدوء: - هل من الممكن ان اسألك، كيف استطعت اكتساب محبة نعيم بهذا الشكل..!؟.
أجاب بهدوء مماثل لهدوئها: - أعطيته ما كان ينقصه، وما كان بحاجة اليه، و ما هو جدير به..
سألت بنبرة تهكمية: - و ماهو هذا الشئ..!؟.

أجاب بنبرة جادة: - الاحترام و التقدير..
ألجمتها كلماته وجعلتها تبتلع لسانها للحظات حتى هتفت ساخرة: - كان عليك ان تكون طبيبا نفسيا..
هتف ساخراً بدوره: - انا طبيب أمراض نساء و من يتعامل معهن عليه ان يحصن نفسه ضد جميع الأمراض النفسية..
كادت ان تعتصر مقبض الباب و هي تندفع هاتفة: - محاضرة شيقة يا دكتور، و إلى لقاء اخر باذن الله..

و صفقت الباب، لتنتظر ضحكاته الصاخبة المعتادة، لكنها لم تأت، تعجبت للحظات و فتحت الباب مرة أخرى تتأكد من ان كل شيء طبيعى، شهقت عندما وجدته لايزل امام الباب لم يتحرك قيد اُنملة و ما ان طالعه مرأها حتى انفجر ضاحكاً ملأ فيه و لكن هذه المرة قبل ان تصفع الباب من جديد و هي تهتف في غيظ مكتوم، وقح...

اندفعت من المطبخ تاركة ما تعده لطعام الغذاء وتفتح الباب الذى علا رنينه المتواصل و ما ان فتحته حتى طالعها ياسين يقف مستندا على كتفى عِوَض و الذى كان يأن لطول استناد ياسين بثقل جسده على جسده الضئيل..
أفسحت لهما الطريق حتى تخلص عِوَض من ثقل ياسين على اقرب أريكة للباب زافرا في راحة..

ابتسم ياسين لمعاناة عِوَض و اخرج من جيبه حفنة من نقود أودعها كفه و أخيرا زال كل التعب عن وجه عِوَض و تهلل بالبشر عند مرأى النقود كالعادة و اخذ في الدعوات لياسين بالصحة و العافية وخرج و أغلق باب الشقة خلفه..
شبكت ذراعيها امام صدرها و هي تنظر اليه وهو مدد على الأريكة بهذا الشكل اللامبالي..
هتفت في سخرية: - ماذا فعلت بنفسك هذه المرة يا دكتور..!؟.

هتف مجيباً بلا اهتمام وهو يشير لقدمه: - لا شيء ذو أهمية، أتمنى هذا، اعتقد هذه وظيفتك يا دكتورة، اعتقدت انكِ انتِ من عليه ان يخبرنى ما بها.!؟
أغمض عينيه وكأنه انهى ما لديه فأعاد رأسه للخلف مسندا أياها على ظهر الأريكة..

تنهدت في نفاذ صبر و اندفعت للداخل و غابت قليلا اعتقد انها ستهمله و لكنه اخطأ الظن عندما وجدها قادمة تترنح وهى تحمل طبق من البلاستيك به بعض من ماء فاتر وضعته ارضا بجوار قدمه وهى تلتقط أنفاسها بصعوبة..
جلست على الأرض بعفوية و سألته بهدوء: - اى قدم هي المصابة..!؟، و ما سبب الإصابة يا تُرى!؟..

أشار لقدمه اليسرى و قال وهو يربت على معدته البارزة: - فكرت ان أتشجع و أتخذ قرار أزالة لهذه الشرفة المطلة على العالم..
أمسكت نفسها عن الانفجار ضاحكة لتشبيهه لمعدته البارزة بالشرفة فاستطرد هو مكملا: - ذهبت لصالة الألعاب الرياضية و كان كل شيء على ما يرام حتى انتهيت من التمارين و ما ان وضعت قدمى على الأرض حتى شعرت بألم يجتاح قدمى و لم استطع السير عليها..

كانت تستمع اليه و بدأت في خلع حذاءه عن قدمه عندما لم يستطع هو الانحناء متألماً لخلعها، جذبتها قدر استطاعتها و أخيرا استطاعت نزعها لتندفع للخلف و فردة الحذاء بين كفيها، انفجر ضاحكاً لمرأها تصارع حذاءه بهذا الشكل و قال مازحاً: - يبدو ان علاجكِ سيكون بخلع قدمى من ساقى، لا علاجها
هتفت متزمرة: - حذاءك كان ملتصق بالغراء على ما يبدو، ماذا علىّ ان افعل..!؟.

مدت كفها لتنزع فردة الحذاء الأيمن و كذلك الجورب والذى انخلع بسهولة بفضل الله..
ما ان وضعت كفها على قدمه حتى انتفض بشكل لا أرادى، انتبهت هي فابعدت كفها و رفعت رأسها المنحنى لتواجهه متسائلة: - هل هذا موضع الألم، اسفة لو ألمتك..!؟.
تحشرج صوته قليلا هامساً: - لا عليكِ..!؟.

همست وهى تتطلع للأعلى مواجهة لنظراته و مفسرة: - سأضغط بأطراف أصابعى على عدة مواضع من قدمك ما ان تستشعر الألم الا و عليك اخبارى فورا، اتفقنا..!؟.

اومأ برأسه موافقا و لم يتفوه بكلمة، بدأت بالفعل تضغط على مواضع بعينها بأطراف أصابعها باحترافية واضحة و ما ان ضغطت على احداها حتى تألم منتفضاً، أومأت متفهمة و نهضت في عجالة احضرت بعض المراهم الطبية و احد الأربطة الطبية الضاغطة و جاءت لتجلس على الأرض قبالته من جديد..

ابتسم عندما مدت كفها لتضع قدمه المصابة في طبق الماء البلاستيكي و تضع بعض الماء على موضع الإصابة مع بعض التدليك الخفيف لموضع الألم جعله يسترخى بشكل مريح، و لكن طبعه المشاكس لم يمهله طويلا ليظهر على السطح الهادئ لمدع الألم ذاك و الذى يرتسم على ملامح وجهه الان فهتف ساخراً: - اااه، يدكِ بلسم شاف يا أمينة..
انفجرت ضاحكة ما ان تنبهت لمشاكسته وقد قررت مجاراته: - تسلم يا سى السيد..

انفجر ضاحكاً و معللا: - حققتى لى احدى امنيات حياتى بان ادع دور سى السيد في الحقيقة و لو لمرة واحدة..
قهقهت: - عد أفضالى، فها انا أحقق لك الأحلام مجانا..
سأل بعفوية: - و انتِ..!؟، متى ستجدين من يحقق أحلامكِ..!؟.
غابت البسمة عن شفتيها بشكل فجائي لسؤاله و رفعت قدمه من الماء لتضعها على المنشفة و تبدأ في تجفيفها استعدادا لوضع المراهم و الرباط الطبي الضاغط..

شعر انها أصبحت عادته مؤخرا ان يحرجها بأسئلة عفوية لا مقصودة، فقرر إعادة البسمة المختفية لشفتيها من جديد..
دفع بقدمه الأخرى الغير مصابة لداخل طبق الماء البلاستيكي بعنف فانتشر الماء فجأة في كل مكان و هو يهتف مازحاً: - نسيتى القدم الأخرى يا أمينة..
اخرجها من شردوها بشهقة مصدومة
و ما ان استعادت ثباتها حتى عقدت حاجبيها غاضبة و مقررة الثأر من ذاك الاحمق الذى أغرقها بالماء لتوه: - من عينىّ يا سى السيد..

اجابت و هي تنهض في ثورة و بدأت في دفع الماء من الطبق بكلتا كفيها المضمومتين باتجاهه..
اخذ يدارى وجهه بكلتا يديه محاولا تفادى رزاز الماء المتطاير في كل اتجاه و اخذ يضرب الهواء بيديه و هو غير قادر على النهوض حتى يلقنها درسا، وقد كان الحظ حليفه فاصطدمت احدى كفيه بذراعها فجذبها في محاولة لإيقاف سيل الماء الموجه اليه، جذبها و هو لا يدرى انها تعرقلت بأحدى قدميه الممددتين لتسقط مباشرة في احضانه..

كان الوضع صدمة لكلاهما جعلت كل منهما ينظر مشدوها في عين الاخر بلا قدرة على إتيان اى ردة فعل، تنفس هو بعمق و هو ينظر لتلك العيون الحائرة المرتبكة كعين غزال شارد يرتجف رعبا من مطاردة الصياد..

بدأ يستفيق تدريجيا من صدمة وجودها في احضانه بهذا الشكل الفجائى ليدرك ان كفيه كلاتهما لازالتا مرفوعتان في صدمة، كانت هيئته تدعو للضحك و هو رافع ذراعاه كانما ينفى تهمة ما عنه، بينما هي متسربلة في إسدال صلاتها الذى يشبه الخيمة و قد أعاق قدرتها على تخليص نفسها..

وكأن كل منهما وقع في شباك الاخر و لا قدرة لاى منهما على تخليص نفسه حتى قبل ان يفكر في تخليص شريكه، لكنه لا أراديا وجد نفسه يضع كفيه ليحيطا خصرها الدقيق و يدفع بجسدها بعيدا عنه حتى استطاعت هي استجماع شتات نفسها و الوقوف على قدميها من جديد..
و الاندفاع لحمل الطبق البلاستيكي بما يحمله من بقايا ماء و الإسراع باتجاه الحمام في محاولة للهرب من نظراته او احدى تعليقاته الساخرة التي لن تحتملها..

و فجأة و دون سابق إنذار و كأن المصائب لا تأتى فرادى وجدت قدمها تنزلق فجأة في بقعة ماء قد انسكبت في اثناء سيرها حاملة طبق الماء البلاستيكي ممتلأ، طارت في الهواء و سقطت و لكن ليس هذا كل شيء فبقايا الماء تناثرت في كل مكان و نزل الطبق البلاستيكي الفارغ فوق رأسها ليبدو وانها ترتدى احدى القبعات المكسيكية..

انفجار مدو في الضحك كان من قبله بالتأكيد، كان الانفجار الأقوى، فهى تكاد تقسم ان جدران المنزل قد ارتعدت منتفضة لتلك القهقهات..
لحظات مرت و هي تجلس على حالها و ضحكاته المدوية لم يتوقف رنينها و قد دمعت عيناه من أثرها..
و أخيرا نهضت و رفعت الطبق البلاستيكي عن رأسها ناظرة اليه بغيظ و دخلت حجرتها..

توقع للمرة الثانية انها ستتجاهله جراء سخريته و ضحكاته على سقوطها المدوى، لكن ما هي الا لحظات و قد بدلت ملابسها و خرجت تلتقيه
همس متأدبا وهى تنحنى تضع المراهم و الرباط الضاغط على قدمه المصابة: - انا اسف، لقد كان مظهركِ..
لم يستكمل جملته و قد ظهرت على جانب فمه ابتسامة حاول وأدها فأومأت هي هاتفة: - اعرف، كنت كمهرج بذاك الطبق على رأسى.

اومأ موافقا و قد فشل في وأد الابتسامة التي ارتسمت مشعة على ذاك الثغر الرجولى..
مدت كفها بعفوية و هي تحاول قدر استطاعتها مساعدته على النهوض من الأريكة هاتفة: - عليك الاستراحة بالداخل و عدم الضغط على قدمك اثناء السير عليها قدر الإمكان، و على انا العودة لتنظيف تلك الفوضى الذى خلفتها مدواتك العصيبة..
سارا معا مستندا على كفها ومتخذ الجدار المواز مساعدا له حتى لا يزيد من ثقله عليها..

وما ان مرا بجوار المطبخ حتى تسللت الى أنفاسه رائحة ما دغدغت حواسه فهمس متسائلا بنبرة ماكرة: - ماذا احضرتِ من اجل غذاءك اليوم..!؟، يبدو شيئا شهيا..
قررت ان تثير فضوله حتى يسيل لعابه: - وما الذى يعنيك فيما أعده من غذاء..!؟، على ايه حال هو لا يصلح مطلقا لحميتك الغذائية..
هتف محتدا: - فلتذهب حميتى الغذائية للجحيم، انا الان مريض و بحاجة للتغذية الجيدة حتى استعيد صحتى من جديد..

انفجرت ضاحكة وهى تشير لمعدته البارزة قليلا: - و ماذا عن قرار إزالة تلك الشرفة!؟
قال مشاكساً: - لا بأس من تأجيل ازالتها حتى إتمام علاجى، و الذى سيكون الجرعة الأولى منه طبق من البامية باللحم الضآن و التي تعدينها الان..
وصلت لفراشه وساعدته في الجلوس على أطرافه و أخذت تنظرمبهورة و متسائلة: - كيف عرفت انى اطبخ بامية و باللحم الضآن..!؟.

ابتسم في فخر و هو يربت على شرفته العزيزة: - تلك الغالية لا تخطأ قرون استشعارها ابدااااا..
انفجرت ضاحكة غير قادرة على تمالك نفسها امام تشبيهاته، بينما هو هتف فيها متعجلا وهو يشير لها لتعد له ما يشتهيه: - هيا يا أمينة، قد حان وقت الجرعة الأولى من العلاج..
استمرت في قهقهاتها و هي تندفع خارجا لتلبى طلب سى السيد، ياسين نورالدين..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة