قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن عشر

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن عشر

شهر كامل قد مر منذ أعلنت عن افتتاح عيادتها للعلاج الطبيعى، و كم كانت كبيرة دهشتها عندما بدأ المرضى في التردد على العيادة حتى أضحت في غضون أسابيع العيادة الأشهر على مستوى المنطقة التي تقطن بها..
و الأعجب ان معظم رواد العيادة من المرضى من النساء، و القلة من الرجال كبارالسن الذين تخطوا الستين على اقل تقدير..
ابتسمت في سرها فهى على اى حال لا تريد احتكاك بجارها العزيز الذى قلت مرات ظهوره.

المعتادة عن السابق مما اشعرها بالراحة و في نفس الوقت بشعور غريب بدأ يؤرقها و يدفعها هي نفسها لتراه او تستمع حتى لأخباره..
نادت نبيلة تلك الممرضة التي عينتها حتى تتولى إدارة العيادة ومواعيد المرضى و ترتيب دخولهم لغرفة الكشف و مواقيت جلسات العلاج
دخلت نبيلة بعد ان سمعت جرس الاستدعاء لتساءلها مى: - هل لازال هناك المزيد من المرضى..!؟.
ردت نبيلة: - لا يا دكتورة، كانت تلك اخر مريضة منتظرة بالخارج..

تنهدت مى: - حسنا، هيا حتى لا تتأخرى في العودة لأولادك، و انا سأتولى باقى الأمور..
ابتسمت نبيلة: - جزاك الله خيرا يا دكتورة، سأرحل على الفور..
رحلت نبيلة و أغلقت مى الباب خلفها بأحكام و كذلك الأنوار و عادت لغرفتها ترغب في حمام دافئ يزيل عنها إرهاق اليوم..

نزلت تحت المياه الدافئة في استمتاع و ما هي الا لحظات حتى انقطع التيار الكهربائى لتقف مصدومة لثوان غير قادرة على التصرف، و أخيرا خرجت ترتدى مئزرها تتحسس طريقها حتى تجد شمعة تضئ بها تلك العتمة التي تحيطها و فجأة دق باب شقتها فانتفضت صارخة، الا ان جاء صوت ياسين من الخارج
هاتفاً: - مى، هل انتِ بخير..!؟.

وصلت بصعوبة للباب و فتحته ليطالعها ممسكاً كشافا كهربائيا يشع نور على وجهها جعلها تغلق عينيها فينحرف به بعيدا عن محياها و يكرر سؤاله: - هل انتِ بخير..!؟.
هزت رأسها: - نعم، انا بخير، أشكرك...
ناولها الكشاف، : - خذى، اجعليه دوما بجواركِ..
تناولته منه ممتنة: - و انت..!؟.

همس مؤكدا: - لا عليكِ، الظلام لا يقلقنى فقد اعتدت عليه و استطيع التعايش معه، لطالما عانينا منه في تجوالنا مع تلك المنظمة الصحية التي كنت متطوعا فيها، لقد أجرينا مئات من العمليات الجراحية على ضوء اقل وهجا من ضوء شمعة..
همست مبهورة: - حقا..!؟، فلطالما كان هذا الجزء من حياته مفقودا و لا تعلم عنه شيئا..
ابتسم مجيباً: - نعم، حقا..

ثم سأل مستفسرًا: - هل ستستطيعى البقاء بمفردكِ في وجود الكشاف ام، تفضلى بقائى!؟.
قالت محاولة ادعاء الشجاعة: - انا لا أخاف الظلام..
قهقه دون ان يعلق بكلمة مما شجعها لتستكمل حديثها قائلة: - لكن لابأس من وجودك بالطبع.
و كمن كان في انتظار تفوهها بتلك الكلمات حتى اندفع داخل شقتها يغلق الباب خلفه..
و هو يتناول منها الكشاف الضوئي هاتفاً في سعادة: - لا يوجد اجمل من صنع كوب من الشاي و تناوله على ضوء القمر.

شرع في اعداد الشاي بالفعل لتهتف هي ضاحكة: - لكن لا قمر في السماء الليلة، انها نهاية الشهر العربى..
هتف متحسرا: - خسارة، فالقمر عندما يكون بدرا تكون ليلة عيد في الصحراء، و كأن الشمس تشرق في المساء، كانت جاكلين تعد لتلك الليلة طقوسا خاصة..
سألت في فضول متهور: - من جاكلين..!؟.

قهقه مفسرا: - طبيبة كندية تعرفت عليها في احدى القوافل الطبية التابعة للمنظمة الصحية التي كنت تابع لها، كانت مغرمة بحياة الصحراء و رحلات السفارى و ليلة اكتمال القمر بدرا كانت بالنسبة لها عيدا له طقوس خاصة لا تفوتها مهما كانت الظروف..
شبكت ذراعيها امام صدرها متسائلة: - يبدو انك تعرفت على العديد من، كانت تود ان تقول النساء لكنها استدركت قائلة، العديد من الشخصيات و من جنسيات مختلفة..!؟.

اومأ وهو يَصْب الشاي في أكوابه التي أعدتها هي: - نعم، الكثير من الشخصيات و الكثير من الجنسيات، و غمز بعينيه مستكملا، و الكثير من النساء أيضا..

صرخت في نفسها داخليا: - ما الذى جعلها تفتح الباب لذلك الوقح..!؟، حسنا، كان يكفيها ان تأخذ الكشاف و تشكره و تبقى وحيدة يأكلها الغيلان حتى ولا تضطر لصحبته التي تكاد تدفعها لأرتكاب جريمة الان، و خاصة وهو يضع كوب الشاي الساخن بين كفيها و يدفعها برفق لتجلس على احدى المقاعد في الشرفة
و لا يكتفى بل يتناول احدى قطع الملابس المعلقة من على احد الأحبال المخصصة لنشر ملابسها و يضعها على شعرها المبلل..

ليهمس وهو يضعها على شعرها بنبرة كادت تفقدها أتزانها و ينسكب بعض الشاي على مئزرها: - لقد نسيتى غطاء رأسكِ، اعتقد هذا سيفى بالغرض..
رفعت نظراتها لتقابل نظراته التي كانت تتفرس في ملامح وجهها الطفولية و نظراتها المضطربة تجاه عينيه، لحظات مرت و ذاك الرابط الروحى العجيب بين نظراتهما لم ينقطع.

كان كل منهما يحكى لصاحبه قصة لا يعلمها عن مشاعر مجهولة للاخر لا يدركها الا صاحبها، و فجأة، عاد التيار الكهربائى و كأن بعودته انقطع ذاك الرابط و بدأ كل منهما ينتبه لحاله، ليتنحنخ هو في احراج و يستأذن في عجالة مندفعا خارج شقتها متحصنا بشقته بعيد عن ذاك السحر الذى أصابه منذ لحظات امام عينيها..

اندفعت نادية بجوار زوجها خالد هاتفة: - ماذا تقول..!؟، هل جُننت..!؟..
صاح خالد: - بل استعيد عقلى الذى اضعتيه انتِ و صديقتكِ..
صاحت نادية مستفسرة: - ماذا تقصد..!؟.
قال محاولا ادعاء الهدوء: - كلتاكما وضعتما ما تفتق عنه فكركما الجبار فيما يخص الشقة و ياسين، لكن لم تفكر احداكما أين رأيه هو في الموضوع..!؟.
هتفت محتجة: - من قال هذا، ان مى تفعل كل ذلك لاجله، و قررت ما قررت أيضا من اجله!؟..

هتف حانقاً: - خطأ، بل اكبر خطأ، وانا لن أشارك في هذا الخطأ ابدا، و طالما أنتِ و صديقتكِ تصرفتما بما أملاه عليكما عقليكما، حسنا، انا أيضا لى رأى في الموضوع..
هتفت نادية بفضول: - ما هو..!؟.
اغاظها خالد هاتفاً: - انه رأى لا يُقال، بل يُفعل..

دق جرس باب شقة ياسين ليفتح فيطالعه عِوَض حاملا ظرف كبير به بعض الأوراق مكتوب عليه، خاص، يسلم للدكتور ياسين. تسلمه ياسين و أغلق الباب في حيرة من شكل الظرف و ما قد يحويه، فتح الظرف في عجالة و فض الأوراق احداهما تلو الأخرى و ما ان انتهى و طالعته اخر الأوراق حتى هتف في سخط و اندفع للشقة المقابلة، شقة جارته العزيزة التي لم يكن بحاجة ليدق بابها فالباب مفتوح لان مواعيد العيادة الرسمية قد حانت..

ولحسن الحظ لم يأتِ اى من المرضى حتى الان، فاندفع الى داخل غرفة الكشف و أغلق الباب خلفه في عنف جفلت له الممرضة التي نهضت في فزع عند رؤيته لدخوله المباغت و لولا معرفتها بانه زوج الدكتورة مى لكان لها معه شأن اخر..
انتفضت مى في ذعر عندما وجدت ياسين على هذه الحالة من الثورة يندفع الى داخل غرفة الكشف بتلك الهمجية فصرخت في تحدى: - ماذا يحدث..!؟، كيف..

قاطعها هو بان ألقى الأوراق التي بحوذته على سطح مكتبها وهتف بدوره: - انتِ من عليه اخبارى بما يحدث..!؟.

تناولت الأوراق في تردد و ألقت عليها نظرة متفحصة قبل ان تتنفس بعمق و تدعى ان لا شيء هام يستدعى كل هذا الحنق الذى يظهر جلياً على وجهه الان: - ما الذى تحويه تلك الأوراق جعلك بهذه الثورة..!؟، انا أتنازل لك عن نصيبى في الشقة محل النزاع لأننى قررت الرحيل و العودة للعمل خارج مصر من جديد و طالما رحيلى لا يجوز دون موافقة الزوج، فقد قررت التنازل عن نصيبى في الشقة في مقابل طلاقى، اعتقد انها صفقة رابحة لكلينا..!؟.

هتف ياسين معترضاً: - و من الذى يقرر ما الرابح بالنسبة لى، انتِ أيضا..!؟.
هتفت مى في محاولة لضبط النفس قدر الإمكان امام إعصار غضبه الذى تراه في تصاعد مستمر: - انا أحاول إيجاد حلول وسط..
صرخ ياسين: - دون موافقتى، تتصرفين دون موافقتى او حتى رغبتى، ماذا اسمى هذا..!؟
ردت مى مدعية الهدوء: - سمه رغبة في الخلاص من وضع غير مرغوب فيه..

اندفع ياسين ليحشر نفسه خلف المكتب حيث تجلس لتنتفض هي لقربه المخيف: - أي وضع تقصدين..!؟، و اقترب اكثر هامساً بغيظ مخيف. : - هذا الوضع..
و جذبها لاحضانه عنوة و في غمرة غضبه و بلا وعى لثمها، قبلة أودعها كل قهره و غضبه و عذابه الفترة الماضية، أذاقها فيها احساسه المرير بالرفض منها و رغبتها في الهرب و الابتعاد عندما كان موقنا انها تبادله نفس مشاعره التي لم تتحرك لأنثى منذ سنوات بعيدة..

ابتعد دافعا أياها بحنق و ألتقط أنفاسه في تلاحق فاضح لكل مشاعره قبل ان يندفع خارجا وهو يهتف فيها بصوت متحشرج: - انتِ زوجتى و لا رحيل لكِ لأى مكان دون إذن منى..!؟، وانا لن أَعْط لكِ هذا الإذن، ابدااااا..

بكت و بكت، شلالات من الدموع لم تتوقف حتى انها صرفت الممرضة و اعتذرت لكل مواعيد جلسات مرضاها متحججة بوعكة مفاجأة ألمت بها، و يا لها من وعكة..!؟.
انها لم تخطئ حين ارادت ان تحل الأمور المعلقة بينهما، هي لم تخطئ حينما ارادت إنهاء وضع غير مرغوب فيه، على الأقل من ناحيته هو او من ناحية عمته التي ما ارتضتها زوجة لابنها البكر..

ما الخطأ الذى ارتكبته ليعاملها بهذا الشكل المهين، و يفرض نفسه عليها بهذا الشكل المخزى..!؟.
كانت تتوقع انه سيفرح حين يرى كل مشاكله قد حُلت و انه استعاد الشقة كاملة دون اى شركاء حتى يشرع في تجهيز عيادته و خاصة الجزء الخيري فيها كما وعد عمه قبل وفاته..
هي ما فعلت كل ما فعلته الا في سبيل رحيلها و قد تركت ذكرى جميلة لدى شخص عزيز لديها
كان يوم غريمها اللدود و اصبح غريمها العزيز.

ومؤخرا اعترفت لنفسها انه اصبح بلا منازع حبيبها اللدود، حبيبها العزيز، القريب البعيد، الحاضر الغائب، الحانى القاسى، الذى على قدر ما أسعدها، على قدر ما أبكاها..
و الذى كان و لايزل قادرًا و بكل جدارة على انتزاع ضحكاتها من قلب دموعها و أناتها..
لا تعرف ماذا عليها ان تفعل..!؟، و كيف ستطالع وجهه و تنظر لعينيه بعدما فعل..!؟.

لقد تحطم حاجز لامرئى بينهما، حاجز عجيب لم تدرك وجوده يوما ما، و لكن مع قبلة العقاب و العتاب تلك، انهار ذاك الحاجز تماما و أصبحت تراه بشكل مختلف اربكها و زاد من عذابها، اما كان يكفيها ألم فقدانه كحبيب حتى يلح عليها عذاب فقدانه كزوج..!؟.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة