قصص و روايات - قصص رائعة :

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

رواية ورطة مع السعادة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثالث

صرخات من هنا و اعتراضات من هناك..
و امتلأ جو الشقة بالمزيد من الشقاق و كانه حلبة مصارعة لا نقاش محتدم..
لم يكن احدهما يسمع الاخر، فأقتراح العجوز الذى يجلس في استكانة عجيبة في احد الجوانب
تضئ عيناه ببريق عبثى، اثار جنون الجميع بلا استثناء، و أخيرا بعد تلك المعركة المحمومة صمت الجميع على غير اتفاق..
لتكون مى اول المعترضين لكن بهدوء حذر غير قادرة على المزيد من الصراخ: -.

-ماذا تقول يا حاج حسن، زواج، بالطبع لا هذا جنون..
كان دور ياسين ليرد في نفس الهدوء: -بالطبع زواج لمجرد شقة..!؟، لا اعتقد انها فكرة عاقلة ومتزنة من الاساس..
كان دور العجوز ليتحدث أخيرا بعد إلقاء قنبلته المدوية، ليقول بصوت رزين أثقلته خبرة السنين: - و هل لديكم حل اخر..!؟.
صمت الجميع مما شجعه على الاستطراد بنفس الهدوء الواثق: - ما دفعنى في الأساس لاقتراح.

هذا الامر انى اعلم انه لن يخطر ببالكم، و حتى و لو لاح ببال احدكم فلن يكون في مقدوره البوح به، لذا وفرت عليكم الحرج و وضعت الحل الأبعد الأقرب امام اعينكم..
كان الصمت هو البطل الأوحد لتلك الليلة، فها هو يطل على الساحة من جديد بعدما أوضح العجوز وجهة نظره التي لا تخلو من حكمة و خبرة سنين تركت اثرها جلى على محياه الباسم و ظهره المنحن..

استأذن خالد و أشار لكل من نادية و مى للحاق به، ليدخل أولى الحجرات التي قابلته و تتبعاه
وتغلق زوجته الباب خلف ثلاثتهم..
لتصبح الشقة ميدان للتشاور على جانبي جبهتى النزاع..
وبدأت المشاورات والمباحثات الجانبية لكلا الطرفين..
خالد ونادية ومى في جانب، والعجوز وياسين في الجانب الاخر..
و من داخل الحجرة، هتف خالد: - انه القرار الأصوب هل عندك اى نية في ترك الشقة!؟

هتفت مى بعصبية: - بالطبع لا، وانت تعلم ذلك، لكن ليس ذلك معناه ان اتزوج من شخص لم ألتقيه الا منذ ساعات من اجل شقة..
هل هذا معقول..!؟.
هتفت نادية: - لا، في الطبيعى غير معقول، لكن في حالتكِ هذه، كيف لا تريدين مغادرة الشقة وفى نفس الوقت يبقى كل منكما بها، هل هذا جائز من وجهة نظركِ..!؟.
صرخت مى بنفاذ صبر: - هو من سيرحل..

هتف خالد: - لن يفعل، انه متمسك بحقه مثلك تماما، بل ان موقفه هو الأقوى من الناحية القانونية
تنهد في نفاذ صبر مستطرداً: - املنا الان ان يوافق هو على الزواج..
هتفت مى بغيظ: - هذا ما كان ينقصنا..!، رضينا بالهم، والهم لا يرضى بِنَا..

استطرد خالد بنبرة متعقلة: - صدقينى يا مى، هو كرجل لن يفرق معه وجود رابط رسمى بينكما من عدمه، هو سيبقى ولن يرحل، وكل المشكلة ستكون من نصيبكِ انتِ، هل تتخيلين لو اننا خرجنا الان ووجدناه يرفض المغادرة ويرفض الزواج ايضا..؟.

نظرت كل من مى ونادية لبعضهما وكأن هذا الخاطر كان غائب عن بالهما، مما شجع خالد ليستطرد في حماس: - صدقينى هذا العجوز بالخارج خدمنا خدمة العمر بهذا الاقتراح العبقرى، وانتِ وشطارتكِ، أعملى على جعله يصرخ طلباً للنجدة ببعض الحيل النسائية المتقنة في جعل الرجل يطلب العون، وأعتقد نادية قادرة على مساعدتك في ذلك..
نظرت اليه نادية متخصرة وهتفت بنبرة متوعدة: - ماذا تقصد بالضبط زوجى العزيز!؟

انتبه خالد لخطأه الجسيم فضحك في بشاشة هاتفاً في لهجة مرحة ليغير مزاج زوجته: - بالطبع اقصد كل الخير يا حبيبتى، اقصد ان ذكاءك يمكن ان يسعف مى ببعض الخطط التطفيشية ليس اكثر..
جزت نادية على أسنانها وقررت تأجيل عتابها لزوجها وهى تربت على كتف مى في تعاطف هامسة: - ها، ماذا قلتِ، ما هو قراركِ..!؟.
هزت مى رأسها في حيرة هامسة: - لست أدرى، حقا لست أدرى..!؟، فلننظر ماذا قرر هو، ونرى ساعتها كيف سيكون الامر..

على الجانب الاخر كان الحاج حسن يربت على ركبة ياسين بعد ان احضر له كوب من العصير من شقته المقابلة لشقتهما والتى يعيش بها وحيداً
هامساً به: - أشرب هذا يا ولدى، وكل مشكلة ولها حل..
ابتسم ياسين في ود للعجوز الطيب وتناول منه كوب العصير الذى كان يحتاجه بشدة في تلك اللحظة وتجرعه على دفعتين في تلذذ
ابتسم العجوز متسائلا: - كيف ستتصرف.!؟

هز ياسين رأسه المصاب جاهلا بما عليه فعله فشعر بالدوار فتوقف متألماً، فسأله العجوز في ترقب: - هل انت متزوج..!؟، صمت أعقب ذلك، وغامت عينا ياسين للحظات واخيرا أجاب: - لا، لست متزوجاً، فتنهد العجوز براحة واستطرد في حماس: - حسنا، ما المانع في زواجكما..!؟، هى لن تخرج من الشقة وهذا حقها، ربما تضطر لذلك اضطراراً اذا لم توافق انت على الزواج فكيف لها ان تبقى دون رابط شرعى مع رجل غريب و لا اعتقد ان تركها للشقة يرضيك و خاصة ان بن عمك كان له دور اساسى فيما هي فيه الان، كما انك لن تترك الشقة لها وهذا حقك، لكن بقاءك معها دون رابط رسمى لن يرضى أحداً ولا اعتقد انه يرضيك شخصياً فيبدو لى انك رجل تراعى حدود الله..

هتف ياسين مؤكدا: - بالطبع لا يرضينى..
تنهد العجوز وعرف انه قد اصاب الهدف فاستكمل حديثه: - تمام، هذا يعنى ان الزواج هو الحل الوحيد المتاح ليحفظ كل منكما حقه
ولا تعلم، ربما..
صمت العجوز وعيونه تبتسم فتنبه ياسين لصمته فسأله مستفسراً: - ربما ماذا..!؟.
هز العجوز كتفيه: - ربما لا تستطيع هى التأقلم مع هذه الحياة وتطلب هى الابتعاد وترك الشقة!؟، أليس هذا جائز..

لم يعقب ياسين، واخذ يفكر في كلام العجوز، فعلا، ربما تضيق بتلك الحياة وتترك كل شئ وراءها، وربما تفكر في السفر من جديد، لكن ما الذى حمل شابة مثلها على العيش وحيدة!؟، تنحنح في احراج وهو يوجه نفس السؤال للعجوز بصوت خافت: - لكن يا حاج، انا لا اعلم عنها شيئا، كما انى أتساءل عن السبب الذى يدفع شابة في مثل عمرها للعيش وحيدة..!؟.

اقترب منه العجوز وكأنه يفضى له بسر خطير وهو يقول: - حسنا سأخبرك ما أعلمه بهذا الشأن، انها وحيدة بعد ان مات أبواها وتزوجت اختها في بيت أهلها، انها طبيبة علاج طبيعى وتبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاماً ولم تتزوج من قبل..!؟.
هتف ياسين بدهشة: - أربعة وثلاثون!، لا يُعقل، انها هاربة من المدرسة الإعدادية على أقصى تقدير..
سخر منه العجوز: - هل هذا فقط ما لفت نظرك!؟، ألم تنتبه انها لم تتزوج بعد..

ثم استبدل العجوز نبرته الساخرة باخرى حانية و هو يقول: - حدسى يحدثنى ان هذه الفتاة الرقيقة خلفها قصة لا أعلمها، لكن اعتقادى الراسخ انها قصة تدعو للشرف والاحترام، انها فتاة من النوع الذى تقابله مرة بالعمر وتندم انك لم تقابله من قبل..
انفجر ياسين ضاحكاً رغم ألم رأسه بصوت جهورى: - آاااه يا حاج حسن، يبدو انك رومانسى قديم..

هتف الحاج حسن ضاحكاً بدوره: - ليت الشباب يعود يوما، اقسم لو لم تتزوجها لاطلب انا منها الزواج وستندم، فهى لن تستطيع ان ترفض عجوزاً بحيويتى، واندفع الحاج حسن يسعل بشدة، مما دفع ياسين لمزيد من الضحكات الرنانة والتى اهتزت لها جدران المنزل..
توقفت ضحكاته في اللحظة التى دخل فيها كل من مى ونادية وخالد للردهة، ساد الصمت للحظات، كل من الجانبين يتطلع للأخر في ترقب.

هنا قطع الحاج حسن الصمت هاتفاً في تساؤل: - نقول مبارك..!؟.
لم ترد مى بدورها فقد ألتصق لسانها بسقف حلقها توتراً وزاد وجيب قلبها اضعافاً مضاعفة
بينما هتف ياسين للعجوز في مرح: - ولما لا، بالطبع مبارك، الا لوكان لدى العروس اى مانع..!؟، نظر لمى التى لم تستطع ان تنبس بحرف واحد بل هزت رأسها بأن لا مانع لديها
هنا هتف العجوز في سعادة: - حسنا، على بركة الله، طبعاً الساعة الان قرب السابعة.

ولن نجد مأذوناً مستيقظاً بالطبع، ولذا قررت
أنا الحاج حسن، أن أحضر فطوراً رائعاً على شرف العروسين في شقتى..
هتف خالد في سرور: - احسنت صنعاً يا حاج، هذا هو الكلام، فانا أتضور جوعاً..
هتف ياسين مرحباً: - أنا ايضا اتضور جوعاً فأنا لم أتناول طعاماً منذ البارحة فانا أكره طعام الطائرة..
تنبهت مى، اذا فقد نزل من الطائرة رأساً إلى هنا مثلما فعلت هى منذ عدة أسابيع..

كلاهما وحيد في هذه الدنيا وكلاهما ذاق مرارات الغربة واكتوى بنيرانها..
هتفت نادية متذمرة تخرجها من شرودها: - هكذا الرجال، همهم على بطونهم..
ضحك الجميع ليهتف الحاج حسن وهو يتحسس معدته: - وما أروعه من هم..!.
ليستجلب المزيد من الضحكات وهو يتوجه لشقته لإعداد الافطار وانتظارهم للاحتفال بالعروسين..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة