قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن عشر

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن عشر

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثامن عشر

العتاب أحيانًا ينقص من حجم ما يكمن بداخلنا، وأحيانًا لا نود الخوض بمعركة الحديث التي قد تنبش بجرحٍ نود بكل خطوة نسيانه، هكذا فعل آيان حينما تجاهل ما حدث، وخطى من خالته التي تتهرب عينيها من التطلع إليه، فمنحها ابتسامة دافئة قبل أن يحرر صمته المطول:
كبير البيت اللي قعدت فيه الفترة اللي فاتت دي علمني أن التسامح والفرصة التانية هما أعظم من العقاب، ويمكن ده الفرق اللي كان بينا وبين فهد وعيلته..

ثم ضمها لصدره وهو يخبرها بحنانٍ:
تحذيرك لآسر ساعدني في اللي بحاول أعمله عشان أوحد العيلتين.

احتضنته فاتن والبكاء لم يرفع عنها، بل ازداد أضعافًا، ربما ندمًا على ما فعلته طوال تلك السنوات، كان بأمكانها زرع الطيب بداخل قلب هذا الصغير البائس، ولكنها جعلت الشيطان على عتبة فراشه، فاستفرد به وجعله من نسله البغيض، نعم بات ضميرها يأنبها على ما حدث لروجينا وعائلتها، فهي السبب وراء شخصية آيان المريضة، فانتقلت نظراتها تجاه آسر الذي يراقبهما بابتسامةٍ صغيرة مرسومة على وجهه، فتركته واتجهت لتقف مقابله، وبارتباكٍ لحق بجملتها الغير مرتبة:.

معرفش أشكرك ولا أشكر فهد على أنه رباك تربية يفتخر بيها العمر كله، كان قدامك أكتر من فرصة تنتقم مني فيها، أولها اللي حوصل مع بتي في بيت مهران الدهشان، وأخرهم اللي عمله اخوي كان ممكن تسيب آيان يظن أني اللي ورا كل ده ويفارقني اني وبتي، خليته يشوف الحقيقة ويعرفها بنفسه من غير ما يجبرني اعترف على اخوي الوحيد، أبوك فعلا يحقله انه يبقى كبير الدهاشنة والصعيد كلتها..

قال بصوته الرخيم المنبعث من خلف تلك البسمة الصافية:
يمكن ربنا جعلني أنا وآيان سبب عشان نصلح اللي حصل من سنين بين العيلتين وكان ضحاياه ناس كتير بريئة ومتستحقش كل ده..
واسترسل حديثه بعدما اقترب ليصبح مجاور لآيان بوقفته:
آيان كمان كان له دور في انتهاء العداوة دي، والحاجة اللي صدمتني وصدمت الكل إنه بقى قريب للكل ومني أنا شخصيًا وده كان شبه مستحيل..
لف آيان يديه حول كتفيه ثم قال بضحكة عالية:.

الفضل للكبير ولا أيه؟
ضحك هو الأخر وهو يرد عليه ساخرًا:
يعني مبقاش فهد؟
هز رأسه نافيًا وهو يبرر:
كان، حاليًا الكبير ويستحق يكون كده..
غمز آسر بمشاكسةٍ:
الاحترام ده وراه انحراف، أنت بتراضي الكبير عشان تكسب بنته من تاني ولا أيه!
تطلع للخلف ليراقب انشغال خالته بابنتها، ثم عاد ليقف باستقامةٍ مقابله:.

ما تكسب أنت الثواب وتلين دماغ أختك عليا، لحسن الوضع اللي أنا فيه ده خطر على الصحة لا مني عازب ولا متجوز والباقي أنت فاهمه بقى.
تعالت ضحكاته الرجولية الساحرة، فأشار له بتتبعه قائلًا:
طب يلا نرجع ونبقى نشوف موضوع صحتك ده بعدين..
لحق به الاخير ببسمةٍ خبيثة من قرب تحقق هدفه بالحصول عليها كزوجة خاصة به...
.
بالمندارة..

وبالأخص بالطابق الثاني حيث تقطن ماسة بعد عودتها من المشفى، كانت تستلقى على فراشها بانهاكٍ شديد، تشعر وكأن أحداهما يمزق أحشائها، فيزيد من الضغط على جرحها الغائر، فكانت بعزلة عن فرحة الجميع بأول حفيد ينير عائلة فهد الدهشان، باتت الغرفة خالية بها بعد عودتها، فانشغلت الفتيات باعداد الطعام للعمال، ووالدتها بتجهيز طعام خاص بها وبرضيعها الصغير، أغلقت عينيها مجددًا بألمٍ يهاجم رأسها بعد أن ضربه صداع عاصف غير محتمل، فذاك من البوادر المطروحة بعد الجراحة القيصرية، فتطلعت للكومود المجاور لها ثم حاولت جذب المسكن الذي أحضره يحيى منذ قليل، فعبثت بمحتويات الكيس الصغير وهي تحاول إيجاده، فوجدته مرفوع تجاهها، فتطلعت لمن يحمله وهي تردد ببسمةٍ يحفها التعب:.

يحيى!
أسندها إليه ثم جذب كوب المياه ليضع أحد الحبوب على لسانها ثم عاونها على إرتشاف بعض قطرات المياه، وعاد ليضع الوسادة خلفها جيدًا ليسألها بحبٍ:
كده أحسن؟
هزت رأسها ووجهها الشاحب يمنحه ابتسامة تسلب ما تبقى بداخله من ثباتٍ، وخاصة حينما همست له:
والأحسن هو وجودك جنبي.
احتضن بيديه الخشنة جانب وجهها الأيسر وهو يسألها بعتابٍ:
وأنا أمته اتخليت عنك؟
واستكمل بنظراتٍ عاشقة لأدق تفاصيلها:.

حتى لو سبق وعملتها مرة فقلبي كان معاكِ برضه ومتخلاش للحظة عنك..
رفعت أصابعها الناعمة، لتحتضن يديه وتقربها منها، وهي تردد بدمعة سعادة تلمع بحدقتيها:
بأحبك..
انحنى بوجهه ليتأمل الطرقة المتصلة بباب الغرفة، وحينما وجد الطريق آمن، طبع قبلة عميقة على جبينها وهو يهمس لها بصوته الرخيم:
قومي أنتي بس بسرعة وأنا هوصفلك بنفسي أنا بأحبك أد أيه؟

ضحكت بصوت مسموع، فأنتباها وجعًا شديد، ففزع الأخير وهو يحاول استنتاج ما يحدث لها، وخاصة حينما لكمته بصدره وهي تصرخ به بغضبٍ:
آآه بطني، متضحكنيش خاااالص الجرح بيشد مع الضحك.
رفع أحد حاجبيه بسخطٍ:
وبيرخي مع العياط ولا نظامه أيه؟
بغتاته بضربة قوية على صدره استنزفت قواها هي، فصرخت مجددًا، تعالت ضحكات يحيى، فأشار لها ساخرًا:
أنا بقول إنك تعتكفي أنتي وايدك لحد ما جرحك يلم.

ثم انحنى تجاهها وهمس بشغفٍ احتل كيانه:
بس متطوليش لإني في الاعتكاف ده من قبل الولادة..
ابتسمت خجلًا، ثم قالت كمحاولة منها للتهرب من حديثه المشاكس:
هو فين تيم من ساعة ما رجعنا وأنا ما شوفتوش!
ضيق عينيه بضيقٍ مصطنع:
هنبتديها من دلوقتي ولا أيه، ده رابع مرة تسأليني على البيه يا هانم!
واسترسل بمرحٍ:
هتلاقيه صايع هنا ولا هنا ما أنتي عارفة ابنك مش راكز كده..

ضحكت بصوتٍ اصطحبه تأوهات مؤلمة، ومن ثم لحق به صراخها الغاضب:
أطلع بره يا يحيى.
رفع يديه باستسلامٍ:
خلاص خلاص طالع.
وتركها وغادر على الفور حتى يتفادى غضبها الصريح..

وصل آسر و آيان لسرايا فهد الدهشان، فأتجه كلا منهما للبناء، ليجدوا العمل يقام على قدم وساق، حتى أن سليم و عمر كانوا يشرفون على العمال بأنفسهم مما زاد من دهشة آسر الذي تساءل باستغرابٍ:
أمال فين بدر والشباب؟
أجابه آيان بحيرةٍ:
يمكن بيشتروا حاجة وراجعين..
وضع آسر الكرتون الصغير الممتلأ بالعصائر الطازجة أرضًا، وأشار له بغموضٍ:
أنا عارف هما فين، تعالى ورايا..

لحق به آيان للداخل، فوجده يدلف لأحد غرف المندارة، فتفاجئ بالشباب بأكملهم، يلتفون حول مولود صغير وعلى ما بدى له بأنه ابن يحيى، انطلق صوت آسر كالشرار الذي مزق بقاع سعادة كلا منهم:
ما شاء الله على رجالة العيلة، سايبن العمال بيشتغلوا بره وقاعدين بالبيبي جوه!
انتصبوا بوقفتهم حتى بدر نهض حاملًا الصغير بين يديه، فقال بتوترٍ:
أحنا بس بنعرفه علينا مش كده ولا أيه يا عبد الرحمن..
بتلعثم قال:.

آآه، يعني ميصحش الواد يبقى عنده أربع أعمام وميعرفش عنهم حاجة..
أضاف أحمد بخوفٍ من نظرات آسر الحادة:
يعني نسيب يحيى في يوم مهم زي ده يصح يعني؟
أتاه ردًا ساخرًا ممن يدنو ليصبح قريبًا منه:
لا صاحب واجب طول عمرك..
منحه أحمد نظرة متعصبة، ثم جذب الصغير من يد بدر ليضعه بين يديه قائلًا:
طب خد ابنك مش عايزين منك حاجة.
حمل يحيى منه الصغير ثم قال بشراسة:
أنت بتحدف كيس جوافه، ما براحة يا عم أنت.
صاح آيان بمللٍ:.

يا شباب الناس محتاجنا بره هنسيب الشغل ونقف نتخانق على عم تيم القمور ده..
استدار آسر برأسه للخلف ليقذفه بنظرةٍ غاضبة، فردد بصوتٍ منخفض:
ما أنا هموت وأشيله أنا كمان والله، رفع آسر صوته بصرامة مخيفة:
كل واحد يروح يكمل اللي بيعمله وبطلوا شغل العيال ده.
هبط عبد الرحمن أولا ثم لحقه بدر واتبعه أحمد، فحمل يحيى الصغير ثم كاد بالخروج من الغرفة ليصعد به للاعلى، فاوقفه آسر حينما تنحنح وهو يتصنع الجدية:.

سيب الواد ده هنا وروح أنت معاهم..
كبت ضحكاته بصعوبة، ثم وضعه بين يديه:
لا خد راحتك يا كبير..
وتركه يحيى وهبط للأسفل، فحمله آسر ثم جلس على الأريكة القريبة منه، يتطلع له باهتمامٍ، فأمسك بيديه التي بدت صغيرة للغاية مقارنة بيديه، تابعه آيان ببسمة صغيرة ثم قال بمشاكسةٍ:
اللي يشوفك دلوقتي ميشوفكش من شوية وأنت هايج في الشباب.
أجابه وعينيه متعلقة بالصغير:.

تعالى شوف الجمال ده، عايزين نجبله بنتين ونسيبه يختار براحته.
راقب آيان الطريق بالخارج قبل أن يسرع بالجلوس لجواره فحمل عنه الصغير وطبع قبلة على جبينه، ثم قال بخبثٍ:
فكك من حوار البنتين دول، المفروض بعد اللي حصلك وحصلي نتعلم أن مستحيل تختار لابنك او لبنتك عريس على مزاجك هما اللي بيختاروا ولا أيه..
ضحك بصوته الرجولي الجذاب ثم قال بمزحٍ:
خلاص ننقيله عروستين احتياطي.

تعالت الضحكات فيما بينهما، حتى قاطعهما صوت صارم أتى ليعيد ما حدث بالغرفة منذ قليل:
صحيح اللي سمعته ده يا آسر.
استقام بوقفته ثم أعطى الصغير لآيان الذي حمله عنه، وهو يجيب من يقف أمامه باحترامٍ:
الموضوع بسيط يا بابا، وخلاص اتحل.
تلألأ الشر بعينيه، فانقبضت عاصفة هائجة تتبعت لتلاحق نبرته المتعصبة:.

بسيط كيف!، اللي عمل اكده كان قاصد يتخلص منك أنت وآيان، وأكيد أنت عارفه زين بس ورحمة أبوي حسابه عندي عسير عشان يكون عبرة لغيره ولأي حد يفكر يمس عيلتي.
وطرق فهد بعصاه أرضًا بغضب:
هاشم مش هيهداله بال الا لما أكسرله جناحه..
اقترب منه آيان ثم قال بثباتٍ:
وأنا كسرتهوله ومفتكرش هيطلعله جناح تاني بعد اللي عملناه فيه أنا وآسر ولا أيه..

صاحب الشر ابتسامة خبيثة زرعت على وجهه، فقص على مسمع أبيه ما فعله آيان به، فما أن انتهى حتى اتجهت نظرات فهد تجاه آيان فربت على كتفيه بفخرٍ:
بكيفك أو غصب عنيك بقيت واحد مننا.
رد عليه بحب وعاطفة حملت من هذا المكان الذي شعر بانتمائه إليه:
ده اللي كنت بتمناه من لحظة دخولي هنا يا كبيرنا.
منحه نظرة اندث بها الحنان الذي اتبع نبرته:
قولتهالك سابق وهرجع أقولهالك أنت اهنه وسط أهلك وناسك يا ولدي.

ثم أشار لهما قائلًا:
ورانا شغل كتير، هملوا الصغير وحصلوني.
قبل آسر الصغير ثم قال وهو يتجه للخروج خلف والده:
سمعت اللي قاله، طلع الولد وحصلنا..
ذهل من تصرفه الغير مبرر، فصاح بدهشة:
اطلعه فين، خد هنا متهزرش...
وحينما لم يستمع لرده خرج للردهة وهو يناديه بغيظٍ:
آسر..

زفر بضيقٍ شديد، فكان يشعر بالحرج للصعود للطابق العلوي الخاص بالنساء، وبالرغم من ذلك كان يشعر بالسعادة لثقة آسر الكبيرة به لأنه يعلم كونه حازمًا لا يسمح لأي شخصًا بالتعدي على حرمته، وبسماحه له بالصعود قد حصل على مكانة عظيمة بداخله، لذا حمل آيان الصغير ثم صعد الدرج الجانبي، فوضع عينيه أرضًا حتى لا تجرح خصوصياتهم، فانتبهت رواية إليه، فكانت الفتيات بأكملهن تتجمعان بغرفة ماسة، رفعت رواية صوتها وهي تناديه من داخل الغرفة التي تقطن بها ماسة، و تكشف الدرج بشكلٍ كبير:.

تعالى يا آيان..
اتبع الصوت حتى ولج للغرفة، فقال ومازالت عينيه أرضًا:
الكل خلع وسبوه فقولت أطلعهولكم.
ضحكت الفتيات فميزت آذنيه ضحكاتها، فرفع عينيه تجاه الأريكة المقابلة إليه، فوجدها تراقبه بعشقٍ، انتبه آيان لرواية فوجدها تحمل الصغير منه وتخبره:
طب ادخل يا حبيبي واقف بره ليه كده..
قتل بتهذبٍ وهو يتحاشى التطلع بالداخل:
معلشي لازم أنزل عشان في حاجات كتيرة هنجبها من برة للعمال.
هزت رأسها بتفهمٍ ثم قالت:.

ربنا يعينكم يا رب.
منحها ابتسامة هادئة ثم غادر وقلبه يتعلق بمن تتابعه بعينيها بنظراتٍ تسللت لتشعل حبه الدافين، فهبط الدرج وهو يردد بابتسامة حالمة:
مدة الاختبار انتهت ودلوقتي مبقاش في اللي يفرقنا تاني يا روجينا..

غلب الليل الضياء وساد ليبتلع نوره، ومازال الجميع يتعاون بالعمل الشاق في محاولاتٍ عسيرة للانتهاء من السرايا، وما أن غادر العمال حتى توجه الشباب لغرفتهما المؤقتة بالأسفل، فطرح أحمد بمساعدة عبد الرحمن غطاء سميك احتل أرضية الغرفة بأكملها، ثم وضعوا عدد من الوسادات، ليصنعوا فراش مريح، فالقى أحمد بجسده المتعب عليه ولجواره تمدد يحيى وهو يردد بارهاقٍ:.

حرام اللي حصل فيا النهاردة ده، المفروض تقدروا إني لسه أب جديد ومحتاج أخد كام ساعة راحة كده مع مراتي وابني، مش الصبح أكون معاها بالمستشفى وبالليل بشيل رمل وطوب بالذمة ده كلام!
تمدد بدر جواره بتعبٍ شديد ثم قال ساخرًا:
يا عم اتلهي بلا أب بلا نيلة، ما أنا قدامك أهو عريس جديد وبعيش العزوبية من أول وجديد..

جلس آسر على المقعد المقابل لهم، ثم خلع حذائه بصمتٍ مخيف، فخلع آيان جاكيته الاسود ثم وضعه على المقعد المجاور له، ولحق بالشباب على الفراش ثم قال بمكرٍ:
أنت مش لوحدك يا بدر كلنا في الهوا سوا..
ثم غمز بخبث وهو يسترسل:
مش كده ولا أيه يا آسر..
فهم الشباب ما يقصد آيان بالقاه، فاتجهت النظرات تجاه آسر الذي ردد بسخرية:
فكك مني عشان مزعلكش وأنت مجرب زعلي قبل كده ولا أيه؟

دفع أحمد يحيى وبدر حتى استلقى هو جوار آيان، فهمس له بصوت ظنه غير مسموع:
كبيرنا المستقبلي بيشد علينا بالنهار وهو بينحرف عادي وبيعرف يصرف نفسه..
رد عليه آيان باستهزاءٍ:
يعني هو ينحرف براحته وإحنا نموت بادبنا ولا أيه؟!
أبدل آسر ملابسه ثم ترنح جوارهما وهو يشير بتحذيرٍ:
هترجع مكانك يا أحمد ولا تنام برة في حضن همام ومهجة النهاردة؟
ابتلع ريقه بتوترٍ:.

مين المجنون اللي يقرب للخيل الأهبل ده، لا هرجع مكاني وباحترام..
وبالفعل عاد لمحله قبل أن ينال هذا العقاب الحازم بصحبة الخيل المتمرد، تحرر صوت آيان الناعس حينما قال:
أحمد اقفل النور..
أجابه الاخير بنومٍ:
قوم أنت، أنا مش قادر اتحرك..
وهز أحمد من يغفل جواره قائلًا:
قوم أنت يا بدر اقفله.
رد عليه بتعصبٍ:
مين ده اللي يقوم، ادعي ربنا اني تعبان ومش قادر أقف كان زماني قتلتك وقتي..
قال ساخرًا:.

تبقى دعوة جماعية انه يقطع عمومي..
وغفل بنومه الذي بدى مزعجًا حينما صاح آسر بغضبٍ:
قوم يا زفت اقفل النور مش عارف أنام..
زفر بغيظٍ وهو يلقي بالغطاء عنه:
هو يوم مش فايت أنا عارف..

وأغلقه أحمد ثم عاد ليستلقي محله من جديد، فداثرهما نومًا ثقيل بعد يومًا شاق للغاية، ولكن لم يدم طويل، حينما بات ذاك الصوت المسموع مزعجًا، وما جعل الأمر ملموسًا حينما ضربهم الثليج فنخر عظامهم، فجعل الاستيقاظ مصير مؤلم لهم، فأسرع أحمد الى مفتاح الضوء وهو يردد بانزعاجٍ:
احنا فينا من كده، أيه صوت الشخير ده!

تفحصوا الغطاء فوجدوه مسحوبًا بأكمله من عليهما، فاتجهت النظرات الحائرة تجاه الصوت المزعج، فوجدوا عبد الرحمن يحتضن الغطاء الكبير وصوته يغدو ليصبح أعلى من زي قبل، كز بدر على أسنانه وهو يردد بغيظٍ:
وأنا أقول أيه البرد ده؟
لكزه يحيى وهو يناديه بغضب:
انتي يا عم انت فوووق ايه صوت البلاعة دي..
لم يأتيهم أي رد أو استفهام صريح لما يحدث، فنهض آسر عن محله ثم دفعه للأرض بعنفٍ:.

قوم كلمنا زي ما بنكلمك، هتعمل فيها قتيل!
فزع عبد الرحمن حينما وجد ذاته ملقي أرضًا، فردد بعدم وعي:
مين، فين؟
لكمه أحمد بحدةٍ:
لأ، بقولك أيه المشرحة مش ناقصة قتلة هتقعد هنا تقعد بادبك احنا عايزين ننام..
تساءل بعدم فهم:
ما تنام هو حد جيه جنبك؟
كبت آيان ضحكة كادت بالانفلات منه، فانحنى آسر تجاهه ثم عاونه على النهوض وقال:.

مهو احنا بنحاول ننام من ساعتها بس مش عارفين من صوتك، ده حتى اللحاف يا أخي مستخسره فينا ولفه حوليك لوحدك!
تحرر منه و عاد ليتمدد جوار بدر وآيان مجددًا وهو يردد:
مهو ده بيحصل معايا لما بكون تعبان للاسف..
جذب آيان الغطاء عن رأسه بغيظٍ:
أيوه طب وأحنا ذنبنا أيه يا عبده، ما أحنا محتاجين ننام برضه ورانا مصالح بكره تهد جبال!
قال وقد انغمس بالنوم:
خلاص خلاص..

وتركهم وغفى مجددًا، فعاد أحمد لمحله وكاد آسر بالعودة ولكنه تسمر محله حينما عاد عبد الرحمن لنفس الكرة، فركله بدر بعصبية:
يابا أنت مركب شفاط جوه ولا نظامك أيه، لا وعايز تتجوز ده مراتك هتطلب الطلاق من أول يوم..
استقام عبد الرحمن بجلسته ثم اهدر بانفعالٍ:
في أيه يا عم انت وهو مش عارف انام ساعتين منكم اروح انام في الشارع يعني!
لوى آيان فمه بتهمكمٍ:
مهو ده مش وضع يا عبده!

كاد آسر بالحديث ولكن صرير الباب الفاصل بينهم وبين الغرفة المتصلة أوقفه، فولج فهد و سليم للداخل، عمت فترة هدوء صغيرة قبل أن يقطعها فهد حينما تساءل:
أيه الدوشة دي مش عارفين ننام!
أجابه آسر بضيقٍ:
ولا أحنا والله يا كبير، ابن اخوك مبهدلنا هنا وبصراحة كده لو محطتلوش حد هقتله هنا واللي يحصل يحصل أنا بنوه قبل أي حركة أهو..
ابتسم سليم ثم قال:
ليه كده يا عبدالرحمن عملت فيهم أيه؟
رد عليه بدر:.

أنا بقول تاخده معاك وتكتشف بنفسك يا حاج..
ارتعش عبد الرحمن وخاصة حينما اشار له فهد بجدية:
تعالى يا ابني نام معانا خلي الليلة دي تعدي..
تشبث بالغطاء وهو يردد بخوفٍ:
لا يا عمي أنا تمام هنا..
اتجهت نظراته الصارمة تجاه سليم ليخبره قبل ان يعود لغرفته:
هاته وتعالى يا سليم.

أومأ برأسه بتأكيدٍ ثم دنى من عبد الرحمن وجذبه برفقٍ ليعود كلا منهما للغرفة، فتهللت اسارير أحمد الذي أطفئ الضوء وعاد للفراش سريعًا، ولكن بترت فرحة الأوجه حينما عاد سليم اليهما بعد أقل من ساعة، ليدفع عبد الرحمن للداخل وهو يشير اليهما بتحذير:
سيعوا بعض النهاردة انتوا شباب ولازم تستحملوا بعض احنا العضمة كبرت ومش حمل سهر..

وأغلق الباب من خلفه، فابتسم آسر بخبثٍ، ثم اطاح بعبد الرحمن أرضًا، وأشار بعينيه لآيان الذي أسرع لجلب ما يوده، فردد عبد الرحمن بخوف:
هتقتلوني عشان بشخر وأنا نايم!
قال آيان وهو يناول آسر غايته:
دي ميكرفون مش شخير ده يا عبده.
جذب آسر اللاصق منه ثم كمم فمه، وأشار للشباب قائلًا:
عايز حزام أو اتنين يا رجالة..

حرر بدر الحزام الجلدي الاسود من بنطاله، حتى آيان خلع عنه حزامه البني وقدمه له بصدرٍ رحب، فلف آسر احداهما حول يديه والاخر حول قدميه، ثم رفعه على الوسادة وطرح فوقه الغطاء قائلًا بمشاكسةٍ:
تصبح على خير يا عبده.
تلون وجهه غضبًا فحاول التحرر ولكنه لم يستطيع، فاستسلم وغفى بنومٍ غير مريح بالمرةٍ، ولكنه ضمر بداخله خطة للانتقام منهم جميعًا وردد بداخله بعزمٍ:
والله لاوريكم، وبكره تشوفوا هعمل أيه..

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة