قصص و روايات - روايات صعيدية :

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

رواية وخفق القلب عشقا (الدهاشنة 3) للكاتبة آية محمد رفعت الفصل التاسع عشر

توسطت الشمس كبد السماء، وانسدلت خيوطها الذهبية بحرافيةٍ فزادت من جمال تلك المساحات الخضراء التي تحد صعيد مصر، فكان صباحًا مفعم بالطاقة واستعداد لإستكمال العمل، لذا كان الشباب بغرفتهم يستعدون للخروج لتنناول الافطار حتى يخرج كلا منهم لمسعاه، فبدى الوقت مناسبًا لمن يستغل فرصة الانتقام لما حدث بالأمس، فتسلل للغرفة ثم أغلق بابها من خلفه، ودنى من الطاولة العريضة التي تضم الهواتف الخاصة بهم، ففتحهم جميعًا ولسانه ينطق بشرٍ مضمور:.

أبقوا قبلوني لو عرفتوا تميزوا الخطوط من بعضها...
وقام عبد الرحمن بسحب خطوط الهواتف ثم أعادها مرة أخرى بعشوائيةٍ، وقد احتل وجهه ابتسامة خبيثة منتصرة لما حدث به بالأمس، وحينما انتهى مما يفعله انسحب للخارج سريعًا حتى لا يفتضح أمر خطته، فانضم لطاولة الطعام التي تضمهم، فقال بدر وهو يلوك أحد قطع الخبز:
صباح الخير يا عبده، يارب تكون قضيت ليلة سعيدة.

تعالت الضحكات الرجولية فيما بينهما، ونظرات الغيظ كانت مصير عبد الرحمن الذي يوزعها فيما بينهما بغضبٍ، فوضع آيان طبق الجبن الشهي من أمامه ثم قال:
فكك منه وافطر قبل ما ننزل بسرعة.
دفع الطبق تجاهه بضيقٍ:
نفسي اتسدت لما شوفت خلقكم..
وتركهم وهبط للاسفل ومازال الضحك يسيطر على الوجوه، فنهض آسر ثم جذب هاتفه من يد الخادمة التي أحضرته للتو، فأشار لهم قبل أن يلحق بابن عمه:
هستناكم تحت، ياريت متتاخروش..

أجابه آيان وهو يهم تجاه الغرفة:
هجيب موبيلي وجاي وراك على طول.
أضاف بدر:
وأنا جاي معاكم.
نهض يحيى عن الطاولة، ثم جذب المنشفة ليجفف يديه:
أنا هجيب الشاي والمية للرجالة وهنزل وراكم..

وبالفعل توجه للمطبخ ليحمل عن والدته وعاء الشاي الكبير الذي أعدته للعمال بالاسفل، بينما حمل عنه بدر سطل المياه البارد، ليتجه كلا منهما للاسفل، وتبقى أحمد محله يلهي ذاته بتناول الطعام أو هكذا تصنع حتى انسحب الشباب جميعًا للأسفل، فنهض عن الطاولة بعدما تأكد من رحيلهما، ثم تسلل للأعلى بابتسامةٍ تسلية، إختار الاختباء خلف أحد الستائر الداكنة، ليتابع مراقبة الغرفة التي تجمع زوجته وأحد الفتيات، فوجد تالين و رؤى تخرجن من الغرفة وتبقت حور بالداخل، لذا لم يتردد باستغلال تلك الفرصة التي بدت عظيمة بالنسبة إليه، لذا أسرع للداخل ثم أغلق الباب بالمفتاح العالق بجسده، واستدار ليجدها ترتب الغرفة، وما أن استمعت لصوت انغلاق باب الغرفة التفتت لترى ماذا هناك، فانعقد حاجبها وهي تتساءل بدهشةٍ:.

أحمد بتعمل أيه هنا؟
تفحصها بنظرة سريعة ثم قال بانزعاجٍ:
هو أنا كل ما أشوفك ألقيكي باسدال الصلاة!
ابتلعت ريقها بتوترٍ للحالة الغير مريحة التي بدى بها لها، فرددت بارتباكٍ:
والمفروض إني ألبس أيه بقى وأحنا كلنا يعتبر عايشين في اوضتين!
ابتسم وهو يقترب منها حتى بدت محتجزة بينه وبين الحائط من خلفها:
مش مهم، المهم اننا نستغل الفرصة صح..
لعقت شفتيها وهي تتساءل بخوفٍ:
فرصة أيه؟
قربها إليه وهو يتابع بخبثٍ:.

إننا لوحدينا ولا أيه؟
جحظت عينيها بصدمةٍ، فدفعته عنها وهي تصيح به:
أنت مجنون، عايز تفضحني وسط البنات.
ودفعته مرة أخرى حتى أوقعته على الفراش:
إبعد كده خليني أعدي..
أسرع خلفها ثم أمسك بها مجددًا:
أفضحك أيه هو أحنا ماشين مع بعض، أنا جوزك يا هبلة!
جذبت يدها من بين حصار يديه ثم ربعتهما حول خصرها قائلة بشراسة:
جوزي في أوضتنا يا حبيبي واتفضل اخرج من هنا حالًا بدل ما أصوت وألم عليك أهل البيت..

صعق من طريقتها التي بدت له سوقية عن رقتها المنتاهية، فردد بصدمةٍ:
تصوتي!، الظاهر ان الفترة اللي فاتت حولتك أنتي كمان..
مررت يدها حول جبينها بمللٍ:
أحمد أنا الحمل تعبني ومش ناقصة مناهدة، افتح الباب وانزل شوف شغلك وسبني أنا كمان اساعد ماما والبنات في تحضير الغدا للعمال.
رسم بسمة صغيرة على وجهه، ثم ضمها إليه ليهمس لها بعشقٍ:
طب أي حاجة طيب أنتي بطلتي تحبني ولا أيه؟

عادت بوجهها للخلف وهي تقاوم ما يعتريها من مشاعر صادقة تجاه زوجها الحبيب ثم قالت:
مش هينفع أنت عايز تكسفني قدام البنات صح؟
رفع أحد حاجبيه بسخطٍ:
وهما هيعرفوا منين؟
كزت على أسنانها بضيقٍ شديد، فهمست بصوتٍ شبه مسموع:
مش هيطلع من هنا الا لما أفضحه أنا عارفة.
لذا وبدون مقدمات رفعت صوتها وهي تصرخ قائلة:
يا طنط ريم تعالى شوفي ابنك المحترم بيعمل هنا أيه!
كمم أحمد فمها بصدمةٍ، وهو يعنفها:.

انتي مجنونه إيه اللي بتعمليه ده!
حاولت الحديث من خلف يديه التي تحجبها عنه، فاتاهما صوت والدته من خلف الباب وهي تحاول فتحه:
في أيه يا حور؟، وقافلة الباب عليكي ليه افتحي!
ابتسمت حور بانتصارٍ، وخاصة حينما تحرك أحمد ليفتح الباب وهو يتوعد لها، فما أن ولجت ريم للداخل حتى تساءلت بذهولٍ:
أحمد! بتعمل أيه اهنه؟
مرر يديه بين خصلات شعره بحيرة البحث عما سيجيبها به، فقال بتلعثمٍ:.

أنا كنت طالع أطمن على ماسة قبل ما أنزل!
ابتسمت ريم بسخريةٍ لما بدى لها بالحدوث هنا، فقالت بحزمٍ مصطنع:
طب انزل قوام قبل ما حد من أعمامك يشوفك.
أومأ برأسه باستسلامٍ، وغادر ونظراته الغاضبة مازالت تتملكها، فما أن هبط للاسفل حتى ضربتها برفق على وجنتها:
كده تفضحي جوزك بالشكل ده!
رتبت حور الغطاء على السرير حتى تعود لما تفعله وهي تجيبها بخجلٍ:
ابنك اللي مش محترم يا طنط، فقولت افضحه قبل ما اتفضح أنا..

انفجرت ريم ضاحكة ثم قالت باستهزاءٍ:
عندك حق يا بتي، الواد ده مشافش رباية وأني أول ما أبوه يرجع هقوله يعلمه ازاي يعامل مرته..
ضحكت حور على حديثها، ثم عادت لتستكمل تنظيفها للغرفة بحرجٍ لما تعرضت له..

بالأسفل...
انتهى آسر من فحص المعدات، ثم انتصب بوقفته ليشير للعامل قائلًا بثناءٍ لمجهوده المبذول:
الله ينور عليك..
منحه العامل ابتسامة عملية، يليها اطراء:
بفضل توجيهاتك يا بشمنهدس.
ثم تركه وعاد ليتابع عمله، فاتجه آسر ليحيى الذي أشار له بالقدوم لحاجته للمساعدة بحمل بعض الطوب.

بينما بالجهة الأخرى، كان يسكب آيان بعض العصائر بالأكواب للعمال، فدق هاتفه للمرة الثانية، لذا نظف يديه بالمنشفة التي يحملها على كتفيه، ثم دثها بجيب جاكيته الأسود ليجذب الهاتف، فما أن رفعه على أذنيه حتى أتاه صوت بدى مألوفًا بالنسبة إليه:
مش بترد ليه يا آسر كلمتك أكتر من مرة!
همس بذهولٍ وهو يتطلع لشاشة هاتفه:
آسر!
زم شفتيه بذهولٍ حينما وجده هاتفه، فعاد ليضعه على هاتفه مجددًا:.

أنا آسف يا تسنيم واضح ان في سوء تفاهم، ده رقمي أنا مش رقم آسر..
طال صمتها حرجًا لما تعرضت له، فعادت لتتفحص الهاتف هي الاخرى، ثم قالت على استحياءٍ:
أنا اللي بعتذر اني ازعجتك يا آيان، بس ده فعلًا رقم آسر أو يمكن أكون متلغبطة.
ابتسم وهو يجيبها:
عمومًا حصل خير..

أغلقت الهاتف، فرفع آيان هاتفه ليتأكد من الرقم مجددًا ليجده مدون ب(حبيبتي، )، فتعجب للغاية وحينها تأكد من كناية الارقام المدونة بأن الخط الذي يحمله هاتفه لا يخصه!

وصل بدر بسيارة الربع نقل للسرايا، فألقى بذاته من على سطحها، ثم أشار لمن خلفه قائلًا:
نزلوا الاسمنت ودخلوه للرجالة.
أومأ أحداهما برأسه وهو يشير له:
تحت أمرك يا بشمهندس..
ابتعد بدر للخلف قليلًا ليتفحص هاتفه، ثم رفعه حينما أتته مكالمة مدونة باسم حور، فوجدها تتحدث بعصبيةٍ مبالغة بها:
بسببك طنط ريم كسفتني قدام البنات ومسكني تريقة من الصبح، والله يا أحمد ما هعدهالك وهتشوف هعمل فيك أيه.
ضحك ساخرًا:.

سلامة النظر يا حبيبتي، أنتي طالبة جوزك ولا اخوكي!
رددت بصدمةٍ:
بدر!
أتاها صوته الضاحك:
بالظبط، بس فكك وقوليلي عمل أيه الواد ده وأنا بنفسي هروقهولك..
انساق الحديث فيما بينهما، وتناست حور تمام الرقم الذي يخص زوجها، فما أن انتهى الاتصال فيما بينهما حتى تفحص بدر الهاتف وهو يردد بدهشةٍ:
ده مش خطي!

جلس يحيى يزيح حبات العرق النابض عن جبينه بعد انتهائه من نقل الطوب للعامل بالأعلى، فأخرج هاتفه حينما ورده أحد المكالمات، فاستمع لصوت المتصل:
كده يا حبيبي بقالك فترة مش بتعبرني ولا حتى بشوفك، طيب أنا هنت عليك؟
صعق مما استمع اليه وخاصة بأن الصوت كان واضحًا بأنه يعود لرؤى زوجة بدر، فردد بذهولٍ:
رؤى!، انتي متلغبطة في الارقام ولا أيه!
رددت بصدمة تفوقه:
يحيى!

وقبل أن يستمع لتبرير صريح منها كانت قد اغلقت الهاتف بوجهه من فرط الحرج الذي تشعر به، فالقت الهاتف عن يدها، أما يحيى ففور تأمله جهات الإتصال تأكد من أنها لم تكن تطلب الجهة الخاطئة بل أن هناك خطًا ربما مقصود!

أشار آسر بيديه لأحد العمال ليخبره:
خد بالك البراميل ملان مية، أنا هجبلك واحد فاضي، بس الله يكرمك تنجزني لان زي ما أنت شايف الوضع مش مستحمل.
رد عليه بتأكيدٍ:
متقلقش يا بشمهندس هنخلص قبل المدة المطلوب بإذن الله..
منحه ابتسامة هادئة:
إن شاء الله.
ثم ناوله مبتغاه، وإتكأ بمعصمه على الحائط من خلفه، ليجذب الهاتف الذي يدق فوجد رقم غريبًا، فتح آسر الهاتف ثم قال:
الو..
أتاه صوتًا غريبًا يستمع له لأول مرة:.

دفعت إيجار الأراضي وكله تمام يا كبيرنا، عشان تتأكد ان وراك رجالة.
ضيق عينيه وهو يردد بحيرةٍ:
أراضي أيه، انت مين؟
رد المتصل بدهشةٍ:
لحقت تنساني يا آيان باشا، أنا لطفي رجل من رجالتك!
بعد آسر الهاتف عن وجهه ليتطلع بالشاشة بذهولٍ، فوجد آيان يقف مقابله ويناوله خط صغير وهو يردد ساخرًا:
اسمع عن تبادل الموبيلات لكن الخطوط دي موردتش عليا قبل كده!
قدم له آسر الهاتف، فرفعه آيان على اذنيه ثم قال بثباتٍ عجيب:.

اقفل أنت يا لطفي ساعة وهكلمك تاني.
وبالفعل أغلق الهاتف، ووقف في محاذاة آسر الذي انتقلت عينيه الصقرية تجاه ابناء اعمامه، فكلا منهما يقترب منه يحمل هاتفه ويردد بنفس الكلمات التي جمعتهم:
ده مش خطي!
انتقلت نظراته تجاه عبد الرحمن الذي يراقبه بابتسامة انتصار، فناداه بغضبٍ:
تعالى هنا احسن ما أجيلك أنا وأخلي شكلك ميساواش قدام الرجالة.

انتقلت النظرات جميعًا تجاهه، فاقترب منهم وهو يلعق شفتيه من فرط الخوف، فقال بارتباكٍ:
اعملكم ايه ما انتوا الا بدأتوا..
اقترب منه يحيى ثم صاح به بغضب:
أنت أهبل صح، أنت عرضتنا كلنا لموقف محرج، أنا كان معايا خط بدر ورؤى اتحرجت لما أنا اللي رديت عليها انت كده هزرت والمفروض اننا نضحك يعني ولا أيه بالظبط!
استشاطت نظرات بدر الغاضبة، فقال آيان هو الأخر:
وأنا كان معايا خط آسر وتسنيم رنت عليه برضه..

تهجمت معالم آسر فبدى مخيفًا للغاية، وخاصة حينما انتقلت يديه لقميص عبد الرحمن، الذي اسرع بالتبرير:
وأنا إيش عرفني انهم اللي هيرنوا أنا كنت آآ..
انقطع صوته حينما تلقى لكمة قوية أطاحته أرضًا، فضحك أحمد وهو يخبرهما بعنجهية:
أنا الحمد لله مجاليش مكالمات خالص.
ضحك بدر ثم وضع يديه حول كتفيه وهو يخبره ساخرًا:
وهو أنت كنت فاضي للمكالمات يابو نسب، أنت كنت مقضيها تحرش جوه بس الوالدة ظبطتك.

صعق لما يستمع اليه، فغمز له بمشاكسةٍ:
مهو حظي جيه في خطك، أختي بقى ومننا وعلينا..
انفجر آيان ضاحكًا، ثم قال بسخرية:
العيلة دي هتتشرد لو اتأخرنا اكتر من كده، لازم نرجع السرايا زي ما كانت بأسرع وقت..
صاح بهما يحيى:
انتوا بتهزروا وسايبن الواد هيموت في ايد آسر!
رفع أحمد يديه بعدم مبالاة:
يستاهل.
تدخل آيان بينهما، فابعده عنه بصعوبة، ثم قال:
خلاص يا آسر الواد كان بينتقم من اللي حصله.
ردد بانفعال:.

ده لعب عيال مش انتقام ده، عمره ما هيكبر عشان كده مينفعش لا لجواز ولا لغيره..
نهض عبد الرحمن ينفض الغبار عن ثيابه، ويحاول جاهدًا اخفاء ضحكاته، فجذب آسر الهواتف من ايدهم ثم القاه بوجهه ليشير له بصرامةٍ:
زي ما بدلتهم ترجعهم والا أنت عارف اللي هيحصلك.
حملهم عنه عبد الرحمن ثم قال بصدمة:
ودي هعملها ازاي دي..
اتاه رده اللازع يقتص منه:
زي الراجل العاقل كده لما يحل تفاهته
ثم أشار للشباب:
يلا.

غادر الجميع وتركوه بورطة كان هو السبب بها من البداية، فلعن حظه العسير الذي أوقعه بما فعله..

بالأعلى..
ولجت رؤى لغرفة ماسة ويبدو بأنها مرتبكة، فسألتها الأخيرة باستغرابٍ:
مالك يا بنتي؟
وضعت الهاتف عن يدها ثم قالت بتوترٍ:
أنا في مصيبة ومش عارفة أعمل ايه؟
شهقت الاخيرة بخوف:
مصيبة أيه؟
قالت بحرجٍ والدموع تتلألأ بعينيها:
انا رنيت على بدر معرفش ازاي يحيى اللي رد مع اني واثقة والله ان ده رقم بدر، حتى شوفي!
جذبت ماسة الهاتف منها بتعبٍ مازال بادي على وجهها المرهق، ثم رددت بذهولٍ:.

غريبة!، يمكن الخطوط فيها مشكلة ولا حاجة، وحتى لو ده حصل ايه المشكلة يعني أكيد يحيى فاهم وعارف انك قاصدة جوزك مش حد تاني..
القت الهاتف على الفراش، ثم احتضنت وجهها وهي تجيبها بقلقٍ:
بس برضه هيقول عليا أيه!
كادت بأن تعود لمحاولات مواساتها عن الحرج الذي تعرضت له ولكنها توقفت حينما ولجت حور للداخل تحاول الحديث من بين نوبة الضحك الذي يتملكها فقالت بصعوبة:
نكتة بجد، جيت أكلم أحمد طلبت بدر معرفش ازاي!

قالت تسنيم من خلفهما:
لا دي مش نكته بقى انا كمان طلبت آسر اللي رد آيان!
انتقلت النظرات المذهولة فيما بينهما، وبدى الغموض يسيطر على الافواه، حتى ولجت تالين فانفجرت ضاحكة عليهن ثم قالت باستهزاءٍ:
ده مقلب عمله فيهم عبد الرحمن هو اللي نقل الخطوط وخد جزاته، آسر أدبه.
اجتمعت الفتيات من حولها على الأريكة، ليحثوها على الحديث بالتفاصيل الدقيقة عما حدث..

انتهى اليوم بعد شقاء، فجلس الشباب على الأريكة المقابلة للاسطبل الخارجي، يدون أحمد الحسابات التي يلقيها آسر والشباب على مسمعه، وما يحتاجون لجلبه بالصباح الباكر، فنهض الجميع حينما اقترب منهما فهد ، فحياهم بمحبةٍ:
السلام عليكم..
رددوا معًا:
وعليكم السلام ورحمة الله.
جذب آيان احد المقاعد وهو يشير له:
اتفضل يا كبير..
استرخى فهد بجلسته عليه ثم قال بابتسامة زادته وقار وعينيه تتفحص دفتر الحسابات من أمامه:.

الله ينور عليكم يا رجالة، سند يعتمد عليه صوح.
ابتسموا جميعًا، فقال آسر ببسمة مشرقة:
ربنا يخليك لينا..
أغلق فهد الدفتر ثم استند بجسده على العصا، ليخبرهما بمكرٍ:
بس مش عجبني انكم تكونوا مركزين في الشغل ومقصرين في الاهم منه.
تساءل آسر بعدم فهم:
مقصرين في أيه!
ابتسم وهو يجيبه:
مع البنات، عشان كده أنتوا افراج النهاردة، اخرجوا اتعشوا بره في مكان يكون مريح وابقوا كملوا الطلبات بكره.
اتسعت ابتسامة أحمد وهو يقول:.

والله يا عمي ما في حد فهمنا ولا مدلعنا غيرك..
أضاف عبد الرحمن:
ايوه كده عشان نشحن طاقة للي جاي..
استند فهد على عكازه ثم اشار لهما بخبثٍ:
طيب هسيبكم تختاروا المكان اللي تحبوا تروحه.
اقترح عليهما ايان مطعم راقي قريب من طريق القاهرة، يقدم أفخم أنواع الطعام الايطالي فنال استحسانهم، فنهض بدر ثم أشار لهما قائلًا:
لا أنا اروح اتشيك بقى مدام هنروح مكان عالي زي ده.

اتبعوه ليستعدوا جميعًا للخروج قبل أن يشق الليل بهم.

سعدت الفتيات حينما علموا بأمر ذاك الموعد الرومانسي، فاستعدن سويًا بغرفة ماسة، التي رددت بحزنٍ:
هتخرجوا من غيري كده!
ردت عليها روجينا :
لو مش عايزانا نروح والله نقعد ونتجمع هنا..
منحتها ابتسامة مشرقة:
لا يا حبيبتي انا بهزر معاكم، اخرجوا وانبسطوا انتوا طالع عنيكم بالطبيخ طول اليوم للعمال وانا من قبل الولادة مش عارفة اساعدكم بأي حاجة..
قبلتها روجينا ثم قالت:.

حياتي انتي يا ماستي هبقى اجبلك معايا هدية لتيم الامور..
جذبتها ماسة تجاهها ثم همست لها بمكر: مش عايزة هدايا، حني انتي بس على جوزك المسكين.
ضحكت الاخيرة ثم اجابتها بدلال:
هفكر..
وهبطت خلف الفتيات سريعًا حتى لا تتأخر بلقاء محبوبها.

بالأسفل..
ردد أحمد باصرارٍ:
يا عم ما تيجي معانا، هو يعني الخروج مينفعش غير مع المدام!
تدخل بدر قائلا:
فكك منه يا يحيى ده عايز يخرب عليك..
ابتسم يحيى ثم قال:
لا متقلقش انا عارفه اكتر منك.
ثم استدار لاحمد:
اه مش بيحلى غير بيها، ثم اني هسهر برضه بس مع ابني ومراتي.

ضحكوا سويًا، ثم اتجهت نظراتهم تجاه آسر وآيان، حيث يهبط كلا منهما الدرج، فانطلق الصفير مشترك من الشباب اعجابًا بما يرتديه كلا منهما من بذلة كلاسيكية أنيقة، وكأن كلا منهما يتفق في ذوق الحلى المشتركة فيما بينهما، فقال عبد الرحمن باطراءٍ:
الشياكة ليها ناسها، بس حاسس أن آسر بقى مأڤورها أوي تقولش هو العريس ولا أيه يا شباب!
ضحك يحيى ثم قال:
لا عندك آسر من يوم يومه شياكة.
ابتسم آسر ثم قال بغرورٍ مصطنع:.

معتش غيرك اللي هيعلمني البس أيه، يا عم أنت اليومين دول خفف دمك ولا حابب تودع للأخرة!
ضحكوا سويًا، وسرعان ما اختفى الضحك حينما انضمت لهن الفتيات، فانشغل كلا منهم مع زوجته، فدنى آسر منها وعينيه لا ترى سوى عينيها، فكأنما بات الكون خاليًا لم يعد به سواهما، ازدادت خجلًا حينما أمسك بيدها ثم همس لها بصوته ذات النبرة العميقة:
الجمال ده مينفعش يخرج من هنا والعيون تشوفه، أنا بس اللي مسمحولي..

ثم استدار للخلف ليراقب الجميع وعاد ليسترسل بغمزة مكر:
ما تيجي نخلع..
ابتسمت تسنيم ثم قالت:
لا دي أول نخرج كلنا مع بعض واكيد مش هنفوتها..
أمسك بطرف حجابها الذي اطاحه الهواء فجذب الدبوس الصغير العالق على كتفيها ثم عاد ليحكم به الطرف المنسدل بحرصٍ الا يلامسها طرفه الحاد، فمنحها نظرة متفحصة ثم قال:
كده أفضل..
ورفع يديه لصدره وهو يشير لها:
الامير أحيانًا مضطر انه يخضع لطلبات أميرته..

ضحك وجهها المشرق بحبه الشبه مثالي، ثم وضعت يدها بين يديه لتلحق به للسيارة..

بحثت عينيها عنه، متلهفة للقاء، فما أن أمسك بها تفتش عنه حتى أحمرت وجنتها خجلًا، فعبست بطرف حقيبتها الطويل، فدنى منها آيان ثم قال:
كالعادة بتهربي لما بمسكك..
رفعت احد حاجبيها بدهشةٍ:
ههرب من أيه!
اقترب حتى قطع تلك المسافة الفاصلة بينهما ثم قال بنبرةٍ حملت طيف من الحزنٍ:
مني أنا يا روجينا..
لعقت شفتيها بتوترٍ، فاستجمعت شجاعتها لتجيبه:
بالعكس أنا بقيت بتقبل وجودك، وحابة ان الكل متقبل ده.

وأزاحت تلك الدمعة سريعًا قبل أن تنزع مراءها:
انت عارف ومتأكد اني بحبك، واللي كان بيحصلي ده كان من وجعي على اللي انت عملته، ودلوقتي انت مبقتش الشخص السيء اللي كان في نظري فأكيد يعني انا حبيتك بالوحش اللي فيك دلوقتي متخيل ان حبي ليك هيقل!
أمسك يدها، ثم قال وابتسامة الفرح تحاوطه:
يعني خلاص هترجعي معايا السرايا بعد ما نخلص هنا؟
بادلته الابتسامة وهي تهز رأسها بكل تأكيد ثم قالت بالصعيدية ممازحة إياه:.

حدانا بالصعيد الواحدة ملهاش غير جوزها، مكان ما بيروح هي بتروح وراه يا واد عمي.
ضمها لصدره وصوت ضحكاته تنعش دقات قلبها البائس، تعشقه تلك المجنونة حتى وإن كان رفيق لإبليس بطريقه، فكيف لقلبها بأن بمقته بعدما فعل المحال لأجلها!

لم يكن الطريق بالقصير لذا استغرق ساعات متواصلة حتى وصلوا لغايتهم، فكان مطعم فخمّا للغاية، يتوسطه حديقة بتقسيمة مثالية لقضاء يومًا مكتمل، فاختاروا جمعيًا الجلوس بالحديقة على طاولة واحدة، فجلس كل ثنائي جوار بعضهما البعض ولجوار كل شاب جلست شقيقته وبجانبها زوجها، وبعد دقائق معدودة أتى النادل ليوزع القائمة على كلا منهما، وغادر ليمنحهما بعض الوقت لاختيار ما يود تناوله بناء على طلب آسر الذي قال:.

شوفوا تحبوا تطلبوا أيه؟
كبتت روجينا ضحكاتها، ثم قالت ساخرة:
المشكلة ان الاطباق دي اول مرة نسمع عنها، فلو طلبنا حاجة منعرفهاش ممكن يجيلنا تلبك معوي..
ردت عليها حور بعدما فتحت حقيبتها:
عملت حسابي عشان كده.
وأخرجت من حقيبتها الكبيرة كيس مغلفًا، مزقته أمام أعين الشباب المنصدمة، فخرجت حلة صغيرة وفتحتها، ردد احمد بصدمة:
محشي!
قال بدر بدهشة:
ده بجد! انتي مجنونة صح.

لحقت بها رؤى حينما اخرجت من حقيبتها وعاء بلاستيكي صغير، فردد بدر بصدمة تفوقه:
كوسة وبتنجان محشي، لا انتوا اكيد بتهرجوا..
اتجهت نظرات ايان تجاه حقيبة روجينا، فقال بخوف:
أوعي، احنا في مكان شيك وممكن نتطرد بالحلل دي وهتبقى فضيحة!
منحته ابتسامة واسعة، ثم اخرجت ما تحمله قائلة:
هو القاعدة تحلى الا بالمحشى الكرنب وخاصة بالبرد ده..
حك عبد الرحمن رقبته وهو يسألها بتردد:
وانتي معاكي كرنب ولا خضار!

اخرجت تالين من حقيبتها ما تحمله:
لا انا جبت المخلل والطحينة وتسنيم معاها الكفتة..
انتقلت النظرات تجاه تسنيم التي تتطلع تجاه آسر بترقب، فمنحها ابتسامة هادئة وباتزانٍ قال:
خرجي اللي معاكي انتي كمان مستنية ايه!
قالت بمزحٍ:
انتوا مقولتوش انكم جايبنا مطعم ايطالي!، ثم اننا بنحافظ على صحتنا وبناكل اكل صحي عشان البيبي مش كده يا حور!
قالت وهي تتناول أحد الاصابع:
كده ونص امال الواد يطلع ايه خرع!

اتى النادل حتى يدون ما تم اختياره، فجذب الشباب الحقائب ووضعوها أسفل الطاولة سريعًا، بينما وقف آسر بنفس ذات البسمة المتزنة ليخبر النادل بكل ثقة:
احنا خلاص جبنا اكل، فعايزين عصاير ومقبلات..
أومأ النادل رأسه باحترامٍ لهيبته ثم قال:
اللي تحبه يا آسر باشا، ده انت منور المكان كله.
تعجب الجميع من معرفته المسبقة للمطعم، فجلس محله وهو يردد بثقة:
كنت بجي هنا كتير، تقدروا تطلعوا حفلة المحاشي وتاخدوا راحتكم..

تعالت الضحكات فيما بينهما، فتركزت نظراته عليها هي، ففرحتها تحتضن عاطفته وتدغدغ مشاعره.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة