قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل العاشر

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل العاشر

رواية وبقي منها حطام أنثى للكاتبة منال سالم و ياسمين عادل الفصل العاشر

(( وأي راحة بعد فراقها، وقد سكنت روحي قلبها ))
إندفع عمرو كالثور الهائج حينما رأى مالك أمامه لينقض عليه، ثم طرحه أرضاً، وإنهال عليه باللكمات المتتالية، في حين نجح الأخير في صد معظمها..
ثم صاح بصوت حاد وهو يدفع عمرو بعيداً عنه:
اسمعني طيب الأول
رمقه عمرو بنظرات نارية وهو يهدر فيه بغضب:
بنات الناس مش لعبة عشان تلف وتدور عليهم
نظر له مالك بإندهاش، وسأله بتعجب:
ليه بتقول كده
هدر فيه عمرو بنبرة غاضبة:.

ترضى إني أقرطس أختك وألف عليها
زادت نظرات مالك حدة، وسأله بحنق:
الله! ليه الغلط بس؟
رمقه عمرو بنظرات قاتلة وهو يصرخ فيه:
يعني مش عارف عملت إيه ولا بتستعبط؟
تدخل رحيم في الحوار، وهتف بضجر وهو يمسك بكتف ابنه:
ياخي ده انت عندك أخت راعي ربنا فيها!

تجهم وجه مالك بشدة، وتجمدت تعابيره، وابتلع ريقه بتوجس، وتسائل بحيرة هل كُشف أمره، وعُرفت مسألة إرتباطه بإيثار، ولكنه لم يفعل معها أي شيء مشين، هو أحبها، واعترف له بحبها..
إزدرد ريقه مجدداً، ورمش بعينيه..
انضم مدحت إلى أخيه، وصاح بغلظة:
وهما شباب اليومين دول يعرفوا ربنا أصلاً، ولا عندهم رجولة أو نخوة..!
هتف مالك بلا لحظة تردد ليحسم سوء الظن ب:
أنا، أنا غرضي شريف، وعاوز أخطبها وآآ...

قاطعه عمرو قائلاً بتهكم:
بقى حتت عيل تافه زيك لسه بياخد المصروف من أهله، عاوز يخطب ويتجوز
دافع مالك عن نفسه قائلاً بحنق:
أولاً أنا مش عيل، وقريب أوي هاخلص دراستي، وهاكون نفسي وآآ...
قاطعه تلك المرة رحيم بسخط:
كمان يعني محلتكش اللضة أصلاً وجاي تتكلم!
أضاف عمرو قائلاً بنبرة مهينة وهو يرمقه بنظرات إحتقارية:
مش بأقولك تافه وعويل
رد عليهما مالك بثقة وثبات:.

ماهو كل واحد بيبدأ حياته من الصفر، محدش بيتولد كبير، وأنا نيتي خير، وإن شاء الله هاعملها كل حاجة!
هتف عمرو بصوت جامد يحمل الصرامة:
طلبك مرفوض، وامشي من هنا بدل ما أخرشمك
اتسعت حدقتي مالك بصدمة، بينما أكمل رحيم بصوت يخلو من الحياة:
معنديش بنات للجواز
ثم ربت على كتف ابنه، وتابع بحدة:
يالا يابني خلينا نشوف أمك ونطمن عليها
تسمر مالك في مكانه وهو يتابع بعينيه الدامعتين انصراف عائلة إيثار..

ربما يكون قد تسرع في عرض طلبه فقُوبِل بالرفض القاطع لأن الظروف غير مهيئة، ولكنها كانت محاولة يائسة منه للدفاع عن حبه العذري لها، لقد أساء التصرف، ومع هذا أراد أن يحمي تلك النبتة الطيبة التي غرست في أرض حبهما..
جل ما شغل تفكيره الآن هو ما الذي حل بها، وإن كانت عائلتها قد عاملته بتلك القسوة، فماذا عنها؟
خفق قلبه برهبة كبيرة وهو يظن الأسوأ قد حل بها..
فغمغم مع نفسه بخوف بائن في نظراته ونبرته:.

إيثار، لازم اطمن عليها واعرف اللي حصلها!
ركض مالك ناحية مدخل المشفى ليعود إلى المنزل ليطمئن على حبيبته قبل عودة أهلها...

تحسست إيثار موضع الآلم الذي ترك ورماً واضحاً أسفل عينها، وتلك الزرقة البارزة في شفتيها..
تأوهت بأنين خافت وهي ترثي حالها..
بكت حزناً على والدتها التي حاولت أن تفديها، وتذود عنها من بطش أخيها وأبيها..
إنتحبت وهي تحدث نفسها:
ليه كل ده؟ أنا، أنا معملتش حاجة غلط، ليه الافترى والكدب عليا! ليه؟
كفكفت عبراتها بظهر كفها، وتابعت بصوت باكي:
يا ترى انتي عاملة ايه يا ماما؟ قلبي هايموت عليكي.

رفعت بصرها للسماء، وهمست برجاء:
يا رب اشفيها، وخفف عنها، وهون عليها تعبها!
إستمعت هي إلى صوت دقات خافتة على باب منزلها، فركضت خارج غرفتها لترى من الطارق..
إشرأبت بعنقها لتنظر من ( العين السحرية ) الموجودة بالباب فرأته أمامها..
خفق قلبها بشدة، وضمت ذراعها إلى صدرها، وكتمت بكفها فمها..
إنه ذلك الحبيب الذي أوقعته الصدف في طريقها..
كافحت لتكتم شهقاتها، وانهمرت العبرات بغزارة لتغرق صدغيها..

شعر مالك بإنتحابها المكتوم، فأسند كفيه على الباب، وهمس لها بصوت مختنق:
أنا عارف إنك جوا وسمعاني
تنهدت بحرقة وهي تقاوم بشراسة خروج صرخاتها من صدرها المكلوم..
أضاف بنبرة حزينة وهو يمسح بأنامله على الباب:
إيثار طمنيني عليكي، حد عملك حاجة؟ اخويكي مد ايده عليكي؟
استشعر إختناقة صدرها، فهتف بتوسل شديد:
إيثار أنا حاسس بيكي، إيثار، ردي عليا، أنا، أنا لو ماسمعتش صوتك مش هامشي من هنا!

خشيت هي أن يصر على بقائه، وتتعقد الأمور أكثر، فأجابته بصوت منتحب:
أنا، أنا كويسة
استعطفها قائلاً بإصرار:
طب خليني أشوفك لو لثانية بس؟
ردت عليه بنشيج وهي تزيح عبراتها:
امشي يا مالك، من فضلك امشي قبل ما حد يجي ويشوفك
سألها بتلهف وهو يتنهد مطولاً:
انتي كويسة طيب؟
أجابته بإيجاز:
ايوه
سألها بفضول أكبر وهو يحاول طمأنة نفسه:
طب، طب عمرو عملك حاجة؟ أبوكي ضربك؟ ريحيني.

انفطر قلبها أسفاً، وتحسست أثار الإعتداء على وجهها، وردت عليه بنبرة زائفة:
لأ، امشي بقى، مش عاوزة مشاكل الله يخليك
كور مالك قبضة يده، وهتف بصوت شبه جاد:
ماشي، أنا هامشي الوقتي، بس راجع تاني يا إيثار! ومش هاسيبك لوحدك، أنا طلبتك للجواز وهاصر على ده، اطمني يا حبيبتي، أنا هافضل جمبك
وكأن كلماته كانت المسكن لأوجاعها، فإبتسمت رغماً عنها وسط تلك الأنهر المسالة من الدمعات الحارة، وهمست لنفسها برجاء:.

يا رب نكون لبعض!

عاد مالك إلى منزله، ودلف إلى غرفته دون أن ينطق بكلمة، وأمسك بآلة الكمان، وبدأ في العزف على أوتارها بلحن شجي حتى تصل نغماته إلى قلب حبيبته لتعرف أنه إلى جوارها في أشد أزماتها..
أشفقت ميسرة على حاله، واعتقدت أنه تشاجر مع إيثار، ولم ترغب في مقاطعة عزلته، فعادت إلى المطبخ لتغسل الصحون الفارغة..
وقفت روان إلى جوارها، وأمسكت بمنشفة جافة لتجفف الصحون المبتلة، وتسائلت بفضول:
هو مالك ماله؟ أخد جمب ليه.

ردت عليها بتنهيدة منهكة:
سيبه على راحته
سألتها بلؤم وهي محدقة بها:
طب هو الاسعاف كان بيعمل ايه هنا؟
ردت عليها بصوت متعب:
مش قولتلك طنطك تحية تعبت وراحت المستشفى
أضافت قائلة بفضول أكبر:
بس أنا سمعت طراطيش كلام آآ..
قاطعتها ميسرة بصوت حاد وهي تجذب المنشفة من يدها:
روان، مالناش دعوة بأي حاجة تتقال، خليكي في مذاكرتك، وسيبي دول من ايدك
زفرت على عجالة وهي تردد بإمتعاض:
ماشي يا عمتو!

مرت عدة أيام ظلت فيها إيثار حبيسة المنزل، ومنقطعة عن الدراسة رغماً عنها، فقد منعها أخيها من الخروج، وامتثلت مضطرة إلى أوامره، كما تعمد أن يوصد الشرفة، فحُرمت من التمتع بلحظات معدودة من رؤية من خفق لأجله قلبها، ولكنها لم تُحرم من الإستمتاع بموسيقاه الحزينة التي عزفت على أوتار قلبها لتؤكد لها أنه مازال معها وإن كان يفصل بينهما عشرات الجدران..

فقط ذكرى تلك الزهرة وما قبلها من لحظات غالية هي أثمن ما بقي معها، وامتزجت بشوق مع ألحانه الشجية..
مسحت بأناملها العبرات العالقة بأهدابها، وتنهدت قائلة بيأس:
أكيد هنشوف بعض قريب!

لاحقاً، عادت تحية إلى منزلها، واستقبلتها ابنتها بسعادة جلية، واحتضنتها بشغف واضح، فقد حُرمت من رؤيتها طيلة تلك الفترة..
تمددت تحية على الفراش، وأسندت إيثار الغطاء عليها، وقبلت رأسها وهي تقول بنبرة فرحة:
حمدلله على سلامتك يا ماما، ألف بعد الشر عليكي
دفعها عمرو من كتفها للخلف وهو ينهرها بصوت جاف:
وسعي شوية، سبيها تاخد نفسها!
رمقته بنظرات معترضة، وهتفت بإحتجاج:
مش وحشاني، عاوزة أفضل جمبها!

أردف رحيم قائلاً بصوت هاديء:
بعدين يا إيثار، روحي جهزي لأمك لقمة تاكلها
ردت عليه تحية بصوت مرهق وهي تشير بكفها:
مش وقته يا حاج، أنا هريح شوية
هتفت إيثار بنبرة متحمسة:
نورتي البيت يا ست الكل، والله مكنش ليه حس من غيرك، وآآآ...
قاطعها عمرو بنبرة غليظة وهو يلكزها في جانبها:
لازم أشخط فيكي عشان تسمعي الكلام، وسعي وسيبي أمك ترتاح!
نظرت له بغيظ، وهتفت معاتبة:.

يا عمرو دي ماما، مش كفاية مشوفتهاش الأيام اللي فاتت ومخرجتش خالص من البيت ومرضتش أتكلم
رد عليها بصوت منفعل:
وانتي عاوزة تخرجي تعملي ايه بعد اللي هببتيه؟
هتفت بإستغراب وهي مضيقة لعينيها:
مش عندي كلية وامتحانات وآآ...
قاطعها بنبرة جادة للغاية وهو متجهم الوجه:
انتي مش هاتروحي إلا ورجلي على رجلك، وأنا جبت جدولك خلاص، وهاوصلك وأوديكي!
إتسعت حدقتيها في إندهاش عجيب، وإنفرجت شفتيها لتردد بصدمة:.

هاه، انت، إنت بتقول ايه؟
رد عليها بإقتضاب صارم:
ده اللي عندي!
إلتفتت إيثار برأسها نحو أبيها، وأشارت بذراعها وهي تقول بنفس النبرة المصدومة:
بابا، انت سامع عمرو بيقول ايه؟
أجابها ببرود وهو يحدجها بنظرات قاسية:
ده الصح، ولو هو مش فاضي أنا موجود، يا إما تفضلي هنا في البيت لحد الامتحانات!

أدركت إيثار أن كلاً من أبيها وأخيها حسما أمرها، والنقاش معهما بات مستحيلاً، لذا هتفت بصوت يائس وتعابير وجهها مليئة بالإحباط:
خلاص اللي تشوفوه!

لازم مالك غرفته، وظل قابعاً بها لفترات طويلة، وشارداً وسط ألحانه الحزينة...
إنزعجت ميسرة مما أصابه، وما زاد من حزنها عليه هو معرفتها لسبب ذلك الضيق الذي يعتريه..
فقد انقطعت لحظات التواصل المميزة مع ابنة الجيران، وأيضاً مراقبته إياه جالساً بالشرفة لساعات ومحدقاً بالأعلى، فتأكدت ظنونها بوجود خطب ما بينهما..

لذا هداها تفكيرها أن ترسل إليه زوجها ليتحدث معه، لعله يفيض إليه بما يحبسه في صدره خاصة وأنه يرفض الحديث معها، فتوسلت إليه قائلة:
روح يا ابراهيم اقعد معاه، خليه يفضفضلك، يمكن، يمكن يقولك على اللي مضايقه، ده أديله زمن على الحال ده!
أجابها ابراهيم بصوت رخيم:
يمكن تعب المذاكرة وآآ...
قاطعته لنبرة متوجسة وهي تهز رأسها معترضة:
لأ، الموضوع مش مذاكرة، دي حاجة تانية، أنا قلبي مايكدبش عليا.

تنهد مطولاً، وتابع بإستسلام:
طيب، أنا هاقوم أشوفه
ابتسمت له إبتسامة باهتة وهي تردد:
ربنا يباركلك يا رب، ويهديك يا مالك ويريح بالك!

طرق ابراهيم الباب على مالك ليستأذنه قبل أن يلج للداخل، فترك الأخير آلة الكمان، ورمق زوج عمته بنظرات حزينة وهو يترك الشرفة..
جلس ابراهيم على طرف الفراش، وانضم إليه مالك..
ظل الصمت سائداً لعدة دقائق قبل أن يقطعه زوج عمته متسائلاً بحنو أبوي:
ايه اللي تاعبك يا بني؟
رد عليه مالك بفتور:
مافيش
سأله ابراهيم مستفهماً:
إزاي مافيش، ده الكل هنا حاسس بيك، وآآ..
اقتضب مالك في حديثه قائلاً بإرهاق:
صدقني مافيش!

وكيف يخبره بذلك الحزن الدفين الذي بات رفيقه بعد أن حُرم من رؤية من أضاءت حياته..
فلا يمر عليه يوماً إلا وبحث عنها بقلبه قبل عينيه بين جموع الطلبة في الحرم الجامعي، ولا أثر لها، فيزيد آلمه، ويعود يائساً إلى غرفته، ثم يمكث بالشرفة معلقاً أنظاره بشرفتها لعلها تخرج إليه فتستقبلها عينيه بحنين معاتب لتعذيبها إياه واشتياق جلي لحضورها الآسر...
ربت ابراهيم على ظهره، وشجعه قائلاً:.

طيب انا عاوزك تركز الأيام الجاية في امتحاناتك، وبعدها ربك هيعدلها، وهينصلح الحال
ابتسم له مالك ابتسامة باهتة، وأجابه بإيجاز:
إن شاء الله!

أحضر محسن طعاماً جاهزاً وأسنده على مكتبه، وهتف متحمساً وهو يفتح العلب المغلقة:
قوم مد ايدك يا عمورة، حاجة أخر حلاوة!
رد عليه عمرو بفتور وهو يرص الملفات فوق بعضها البعض:
ماليش نفس!
أصر محسن قائلاً:
لالالا، مش هاسيبك النهاردة، ده أنا عازمك يا سيدي
هز عمرو رأسه معترضاً وهو يكمل بنبرة محبطة:
متشكر يا محسن، والله ما عاوز حاجة
ضيق محسن عينيه، ونظر له متفحصاً وجهه، وسأله مستفهماً:.

الله! انت مالك بالظبط؟ بقالك فترة أخد جمب ومش زي تملي!
رد عليه بإقتضاب:
عادي
وقف محسن قبالته، ورمقه بنظرات دقيقة وهو يستأنف حديثه:
لا مش عادي خالص، ده انا صاحبك، ولا تكونش مكسوف مني
لوى عمرو ثغره وهو يجيبه بجمود:
ماتقلقش كله بيعدي
انحنى محسن عليه، وسأله هامساً وهو يضرب مؤخرة رأسه:
انت عاوز فلوس، مزنوق في قرشين، أنا رقبتي سدادة وآآآ...
قاطعه عمرو بجدية:
مستورة والحمدلله.

سألها بفضول أشد وهو يحدجه بنظرات غامضة:
اومال في ايه بس؟
زفر عمرو بصوت مسموع مردداً:
الحاجة تعبانة شوية
اعتدل محسن في وقفته، وضاقت عينيه بلؤم وهو يهتف بعتاب زائف:
تعبانة! ألف سلامة عليها، ومتقوليش! عيب عليك يا راجل
التوى فمه مجيباً إياه بإمتعاض:
يعني، أهو الواحد كان ملبوخ معاها!
سأله محسن بإهتمام:
طب هي عاملة ايه الوقتي؟ وديتوها للدكتور، أنا أعرف واحد شاطر أوي، وآآ...
قاطعه عمرو بجدية:
اطمن، هي بقت أحسن!

تابع محسن قائلاً:
أنا ليا عندك حق عرب، بقى تخبي عليا حاجة زي دي، ده الست الوالدة زي أمي بردك
معلش
أضاف محسن بخبث:
طب اسمحلي هارزل عليك واجي بنفسي أشوف الحاجة وأطمن عليها
رد عليه عمرو مبتسماً:
تأنس وتشرف
إلتوى ثغر محسن بمكر وهو يضيف:
الله يخليك يا رب، وبعدين عيادة المريض واجب، ولا ايه...؟!

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة