قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل العشرون

يظن الجميع من حولى أن سعادتى تغمرنى، وأنها سعادة تكفينى عمرا
يقولون ياليتنا مثلها لا نبكى، لا نحزن، لا ندمع، لا يمسنا قهرا
لا ألومهم، فتلك صورتي التي جعلتها لى عنوانا، وتلك حالتى التي أردتها لى إسما
فداخلى جراحا وشقوقا خفت أن تبعد الناس عنى فأغدو وحيدة، لأغرق في أحزانى ألما
فإذا بك ترى ما خلف أقنعتى، تطلب منى أن أزيلها وأشاركك حقيقتى، وتأخذ منى قسما.

أن أتقاسم معك دواخلى، أحزانى قبل أفراحى، وأن تكون لى وتدا
وقد فعلت، تنازلت عن كل الأقنعة، واكتفيت بحقيقتى أتقاسم معك كل شئ شطرا شطرا
ومنذ أن فعلت هجر الكمد مضاجعى، انحسرت مرارة دواخلى، ولم يبقى بى سوى قلب يذوب بك عشقا
فهنيئا لإمرأة برجل لا يكتفى بما تظهره له، بل يصل إلى روحها، يبث فيها من روحه فيجنى عشقها ثمرا.

قالت سها بحزن:
طب وبعدين يانبيل، هنفضل سايبينهم كدة، بيتعذبوا وإحنا واقفين بنتفرج ومبنعملش حاجة.
زفر نبيل قائلا:
وإحنا في إيدينا إيه نعمله؟اللي بينهم مش قليل ومش سهل يتنسى، محتاج وقت وحاجات كتير عشان يرجع زي الأول ومعتقدش كمان إن فيه حاجة ممكن ترجع بينهم زي الأول.
قالت سها في حماس:
لأ ممكن، لو بس يدوا نفسهم فرصة، الإتنين بيحبوا بعض، ومادام الحب موجود يبقى كل شئ سهل يرجع، أنا واثقة.

أشعله حماسها وعيونها اللامعة ليتأمل ملامحها بشغف، جعل حمرة الخجل تتسلل إلى وجهها، إبتسم فأطرقت برأسها لترفعها مجددا حين همس بإسمها، إلتقت عيناها بعينيه، لا تحيد بنظراتها عنه، تنجذب إلى عينيه بشدة، تغوص في أعماقهما، تشعر بمشاعرهما العميقة، ليقول هو بنبرات إمتلأت بعشقها:
وإحنا ياسها، نهاية حكايتنا إيه؟
قالت في حيرة:
حكايتنا.
إتسعت إبتسامته وهو يقول:
وهو إحنا مش لينا حكاية زي مؤيد ولين ولا إيه؟

قالت سها بإرتباك:
مش عارفة، أقصد يعنى...
صمتت لا تدرى بماذا تجيبه، ليمد يده يمسك يدها القابعة على الطاولة لتنتفض من لمسته الرقيقة وكلماته وهو يقول:
إنتى أكيد حاسة إن جوايا مشاعر ليكى زي ما أنا حاسس بيكى، وبصراحة مش عايز أضيع وقت، وأخسرك، أنا بحبك بجد، وبتمنى تشاركينى حياتى ياسها.

نظرت إليه سها تشعر بالصدمة تهز كيانها، نبيل يطلب الزواج منها، منها هي، تلك الفتاة العادية والتي تفتقر إلى الكثير مما يمكن أن يلفت إنتباه أي رجل، فهي ذات ملامح عادية بسيطة، لتترجم أفكارها إلى كلمات وهي تسحب يدها من يده، تقول بحزن:
بس أنا مش شبه البنات يانبيل ولا بتصرف زيهم، أنا...
أمسك يدها مجددا مقاطعا إياها وهو يقول بحزم:.

إنتى مميزة أوى في نظرى ياسها، إنتى غير كل البنات اللي عرفتهم، جواكى جمال بيبان في ملامحك من برة، طيبة وإخلاص بقوا عملة نادرة في الزمن ده، عقل وطيبة وأخلاق، مزيج خطير شدنى ليكى، إنتى بالنسبة لى سندريلا، اللي خطفت قلبى من أول طلة ليها، وسابتنى ومشيت من غير ماأعرف أي حاجة عنها غير إنى حابب أشوفها من تانى وأعرفها عن قرب ولما لقيتك وقربت منك، عرفت إن إختيارى كان في محله، وأنا مصمم، مصمم إنى مسيبكيش تضيعى من إيدى.

نظرت إلى عيونه تشعر بالضياع بين كلماته الساحرة، تود لو صدقته وتركت الخوف جانبا، القلق الذي عاشته طوال حياتها من أنه لا يوجد من سيتفهمها ويحبها كما هي لا يغير منها شيئا، يسبر أغوار قلبها ويدرك أنها تملك قلبا من ذهب، قلب فتاة رائعة لن يدرك روعته سوى من سيراه حقا من الداخل، ولكنه قلق عاش معها لسنوات طويلة ومن الصعب أن تتخلى عنه بسهولة ليظهر التردد على ملامحها فيراه نبيل ويدرك فيم تفكر لذا عندما قالت:.

نبيل أنا...
قاطعها قائلا بحزم:
إنتى بتحبينى وأنا كمان بحبك، إبعدى كل الخوف اللي جواكى وإدينا فرصة وأنا أوعدك إنك متندميش.
تأملت ملامحه التي تنطق بالثقة، لتنتقل ثقته إليها وتتسلل البسمة إلى شفتيها، ليبتسم بدوره قائلا:
اللهم صل على النبى، نقول مبروك.
إتسعت إبتسامتها وهي تسحب يدها في خجل قائلة:
عليه الصلاة والسلام.
إتسعت إبتسامة نبيل قائلا في لهفة:
أنا هكلم عمى في البلد عشان ييجى ونخطبك من أهلك.

قالت سها بسرعة:
لأ يانبيل متستعجلش.
عقد حاجبيه وهو ينظر إليها، لتستطرد قائلة بسرعة:
متفهمنيش غلط، أنا موافقة بجد ولو علية هقولك تعالى النهاردة إنت وعمك عشان تخطبونى من أهلى، بس فرحتى مش هتبقى كاملة طول ما صاحبتى متعذبة بالشكل ده، وإنت كمان أعتقد إنك مش هتفرح وصاحبك في الحالة دى، وأكيد هتكون حابب يكون جنبك في يوم زي ده، أنا بقول نستنى شوية لحد...
تركت جملتها معلقة ليقول نبيل بحنق:.

إنتى كدة راهنة سعادتنا بسعادتهم ياسها، والله أعلم إمتى هيرجعوا لبعض، ده إن رجعوا أصلا.
ربتت على يده قائلة:
خلى عندك ثقة في الحب اللي هيجمعهم من جديد، وخلى عندك ثقة في إن ربنا مش هيسيب قصة زي قصتهم تكون نهايتها بالشكل ده، ومتنساش إن هم اللي جمعونا.
ربت بيده الاخرى على يدها التي تضعها على يده، وهو يقول:
ونعم بالله.
أبعدت يدها بخجل قائلة:.

أظن دلوقتى فيه دافع أكبر من الصداقة يحركنا عشان نساعدهم يرجعوا لبعض ولا إيه؟
إبتسم بحب وهو يومئ برأسه موافقا على كلماتها، تماما.

نهض فراس يستقبل زائره بحيرة تملأ قلبه ولكنها لم تظهر أبدا على ملامحه وهو يقول بهدوء:
أهلا وسهلا ياخالد بيه، إتفضل.
إقترب خالد بخطوات واسعة من مكتب فراس حتى توقف أمامه تماما، قائلا بحزم:
جورية فين يافراس؟

إبتسم فراس بداخله ولكنه أخفى إبتسامة ثغره والتي كادت أن تظهر، فقد راهن نفسه على أن خالد سيبحث عن جورية في اليوم التالى من الحفل الذي ظهر فيه مستسلما لمشاعره تماما، ربما لأول مرة، ليقول فراس بهدوء:
جورية سافرت ياخالد.
عقد خالد حاجبيه قائلا:
سافرت إمتى؟
جلس فراس مشيرا له بالجلوس وهو يقول:
إنبارح بالليل.
ظل خالد واقفا وهو يقول بحيرة:
علطول كدة.
قال فراس بهدوء:.

جورية بتمر بمرحلة نفسية مش كويسة خالص ياخالد، بتحاول تهرب من مشاعرها وماضيها في المكان اللي إتولدت فيه حكايتها أصلا، بس غصب عنها مش قادرة تكون في مكان تانى.
إزداد إنعقاد حاجبيه وهو يقول:
ليه حاسس إنك تقصد حاجة بكلامك ده يافراس؟
إبتسم فراس نصف إبتسامة وهو يميل للأمام قائلا:
لإنى أقصد فعلا.
قال خالد ببرود:
ما تجيب من الآخر وتقول اللي عندك، تعرف إيه عن ماضى جورية ومشاعرها، وتعرف إيه عن اللي بيحصل مابينا؟

تراجع فراس في مقعده قائلا:
الحقيقة كان نفسى، بس الكلام ده يخص واحدة آمنتنى على سرها وأنا أد الأمانة بإذن الله.
رمقه خالد ببرود يخفى حنقه من فراس وما يحمله من أسرارها، ألهذه الدرجة يبدو قريبا منها؟تبا كم يؤلمه ذلك، ويثير غيرته، ليقول بهدوء:
طيب يابير الأسرار ممكن تقولى على عنوانها، عنوان جدها يعنى.
نظر إليه فراس قائلا:.

والله هي موصيانى كمان إنى مقولش لحد عليه، بس أنا ممكن أقولهولك لو وعدتنى تعيد حساباتك في موضوعى أنا وليلة، وتوافق على إرتباطنا.
ظهرت الصرامة على وجه خالد وهو يرمقه بغضب قائلا:
أنا عمرى ما خليت حياتى الشخصية قصاد حياة إخواتى، ومش هبدأ دلوقتى، أنا مستحيل أساوم في الموضوع ده، إخواتى خط أحمر يافراس.

ليتركه مغادرا بخطوات غاضبة ليتوقف حين إستمع إلى صوت فراس يهتف بإسمه، إلتفت ينظر إليه في برود، ليبتسم فراس قائلا:
أنا كنت محتاج بس أتأكد إنك تستاهل جورية، وتستاهل كمان إخلاص ليلة اللي رافضة تخون ثقتك فيها، لو كنت وافقت ياخالد، كان تصرفى هيكون شكل تانى خالص، مش بعيد كنت إتجوزتها غصب عنك، إنما دلوقتى هحترم قراركم إنتوا الإتنين، وهستنى اليوم اللي تغير فيه رأيك، وتدينى فرصة.
ليمد يده إليه بورقة قائلا:.

العنوان أهو، أنا كنت محضرهولك.
نظر إليه خالد لثوان قبل أن يقترب منه ليأخذ منه الورقة، ليبتسم فراس قائلا:
بس متنكرش إنها كانت محاولة كويسة، صح؟
إبتسم خالد رغما عنه وهو يضع الورقة في جيبه قائلا:
سلام يافراس.
إتسعت إبتسامة فراس قائلا:
سلام ياخالد.

إبتعد خالد مغادرا، بينما يتابعه فراس بعينيه، يدرك أن خالد في طريقه لأن يؤمن بأن العشق عندما يمتلك القلب، يجبر صاحبه على فعل المستحيل ليكون فقط إلى جوار محبوبته، فقط إلى جوارها.

قال خالد بهدوء:
مع الأسف يامؤيد، سفرية مفاجئة ومش هعرف أقابلك النهاردة، هنأجل الميعاد لغاية ما أرجع من السفر.
قال مؤيد بهدوء:
تمام ياخالد، تروح وترجع بالسلامة.

ثم أغلق هاتفه وهو يشعر بالإرتياح لما يحدث، فربما جاءت مقابلته اليوم مع خالد بما يثنيه عن إنتقامه، والذي لن يستطيع أحد أن يحول بينه وبين القيام به سوى خالد فقط الذي يكن له في قلبه كل الود والإحترام، يدرك من كل قلبه أن رجلا مثله لا يستأهل تلك المرأة الحية الخائنة، وسيعمل على إزالتها من حياته وحياة الجميع، بل سيعمل على إزالتها من الدنيا إن إقتضى الأمر ذلك، نعم سيفعل.

كانت شاهيناز تجلس شاردة، تفكر في رحيل مؤيد السريع بالأمس، تتساءل بحيرة عما أخبره به خالد قبل ان يذهب، فربما ظهرا كصديقين بالأمس حين كانت تراقبهما ولكنها تعلم أن خالد حانق على مؤيد لتطليقه لين في غيابه ودون أن ينتظر عودته، حتى وإن طلبت هي ذلك، فقد كان الأولى به أن ينتظر عودته فربما أصلح بينهما ولم يصل بهم الأمر إلى الطلاق، وهذا بالضبط ما أرادته شاهيناز، تدرك بالفعل أن غياب خالد قد ساعدها في تفرقتهم عن بعضهم البعض، فلو كان موجودا لإستطاع تدمير خطتها بالكامل، أفاقت من شرودها على صوت ريم وهي تمنحها هاتفها قائلة بملل:.

أنا زهقت يامامى من اللعبة دى، خدى الفون بتاعك وأنا هروح ألعب مع آنطى ليلة، أكيد رجعت من الجامعة دلوقتى.
ربتت شاهيناز على رأسها بحنان قائلة:
ماشي ياريم، روحى لليلة.
غادرت ريم الحجرة تتابعها شاهيناز بعينيها، قبل أن تنظر إلى هاتفها، لتلتمع تلك العيون وهي تسرع بطلب رقم هاتفه، ليرد عليها على الفور، فإبتسمت قائلة:
إزيك يامؤيد.
أجابها، فأمسكت خصلة من شعرها لفتها على يدها قائلة:
معقولة مش عارف صوتى؟

إستمعت إليه وهي تبتسم قائلة:
أيوة شاهى.
لتعتدل وهي تستطرد قائلة:
بقولك إيه، خالد سافر وأنا مروحتش الشغل النهاردة ومليت من قعدة البيت، إيه رأيك نخرج نتعشى برة؟
إستمعت إليه فإلتمعت عيونها وهي تقول:
تمام، ساعة بالظبط وهكون هناك، أيوة أيوة عارفاه، سلام.
لتغلق هاتفها وهي تنهض بسرعة تستعد لمقابلته، تشعر بالسعادة وكأنها عادت مراهقة من جديد، وياله من شعور.

كان خالد يقود سيارته متجها إلى الوادى بذهن شارد، ليست تلك هي المرة الأولى التي يرى فيها هذا الطريق، يكاد يقسم على ذلك، فهو يبدو مألوفا لديه إلى حد كبير، يكاد يجن وهو يدرك أيضا أنه لم يسافر أبدا إلى هذا المكان أبدا، ولم يزر الوادى مطلقا في حياته، إذا لماذا إنعطف من ذلك الطريق قبل أن يرى تلك اللافتة التي ترشده بالإنعطاف تجاه اليمين كي يصل إلى الوادى؟ولماذا يشعر في كيانه بأنه كان هنا من قبل؟ترى هل من الممكن ان يكون هذا المكان من أحلامه أيضا؟إنه حقا لا يدرى، شعر بالإرهاق من كثرة التفكير، يعاوده ذلك الصداع المؤلم من جديد، ليقرر تنحية كل التساؤلات جانبا حتى يصل إليها، إلى من يثق بأنها ستجيب عن كل تساؤلاته وتريح قلبه وعقله، فبداخله شعور أنها وحدها من تملك جميع الإجابات، هي دون غيرها، جورية.

كانت جورية تمسك بقلمها ترسم لوحة لهذا المنظر أمامها، تتأمل قرص الشمس الأحمر وتلك الأرض البعيدة تبتلعه ببطئ، تخفيه عن ناظريها، وكأنه أبدا لم يكن، تماما كعشقها الذي إبتلعته بقعة النسيان، فإختفى ببطئ من حياتها وحياة فهدها، ليظل ظلا باهتا لا أمل فيه ومآله إلى زوال، ولكن مع إختلاف بسيط فالشمس ستشرق من جديد تلقى بأشعتها على تلك الأرض الجرداء، ولكن عشقهما لن يسطع مجددا في سماءها ينير أرض قلبها التي أصابتها ظلماء نسيانه، بل يوما ما سيزول ويختفى ليتحول قلبها إلى عتمة لا نهاية لها، تركت قلمها فلم تعد ترغب في رسم هذه اللوحة والتي ستذكرها دائما بقصة عشق بلا أمل، تبا، وما الشئ هنا الذي لا يذكرها بعشقها، الأرض، الهواء، الماء، كل شئ ينبض بإسمه، بذكرياتها معه، هذا الوادى بأكمله يحمل عبقه، جاءت إليه تبغى هربا من حبيبها، تبغى نسيانا لعشقه، فما زادها هذا الوادى سوى تذكيرا به وبقصتهما معا، لتزفر بقوة، لا تدرى ماذا تفعل؟

رن هاتفها، لترى رقم خالتها جليلة، أخذت نفسا عميقا، ثم أجابت هاتفها قائلة:
أيوة ياخالتى، عارفة إنى إتأخرت وجاي...
ليقاطعها صوت جليلة وهي تقول بجزع:
فهد هنا ياجورية، وبيسأل عنك.
إعتلت الصدمة ملامح جورية وهي تضغط بأصابعها على سماعة الهاتف بقوة وخالتها جليلة تستطرد قائلة بإضطراب شديد:
تعالى بسرعة قبل ما جدك ييجى ويشوفه وتبقى مصيبة.
قالت جورية بتوتر وهي تفيق من صدمتها:
جاية حالا، مسافة السكة.

لتغلق هاتفها على الفور وتلملم أشيائها بسرعة وتصعد إلى مهرة، توكزها بقدمها قائلة:
على البيت يامهرة وبأسرع حاجة عندك.
وكأن الفرسة قد أحست بصاحبتها لتنطلق مهرة بسرعة، تسابق الريح، توصل جورية إلى حيث ينتظرها خالد، لا تدرى ما الذي ستفعله معه حين تصل وكيف ستشرح الأمر لجدها وتتفادى أن يعرف خالد بقصتهما سويا، تدعوا الله فقط ان تصل في الوقت المناسب قبل أن يكتشف جدها وفهدها كل ما أخفته عنهما سويا.

إقتربت شاهيناز من تلك الطاولة التي يجلس عليها مؤيد كما عهدته بالماضى، مسترخيا، ينظر إلى محيطه بسخرية وكأنه لا يأبه بهم، بل إنه حقا لا يهتم لأمرهم، يهتم بنفسه فقط، برغباته وأمنياته التي يضعها قيد التنفيذ، ولا شئ، لا شئ مطلقا يحول دون أن يلبى تلك الرغبات ويحقق تلك الأمنيات، هكذا عشقته، جامحا، رائعا، لا مثيل له في كل من عرفت قبله، حتى قابل لين، ليتحول إلى حمل وديع، كرهت ما فعلته به تلك المرأة الغبية، والتي لم تقدر قيمة هذا الكنز الثمين حين كان بيدها وتركته هكذا بسهولة يضيع من يدها، لو مكانها ما تركته قط بل لأصبحت له كظله تماما، لا تفارقه سوى بالموت، وقعت عيناه عليها في تلك اللحظة، لتبتسم مرحبة به فبادلها إبتسامتها ناهضا من مكانه لإستقبالها، توقفت أمامه تماما فمد لها يده لتمد له يدها تسلم عليه، ضغط على يدها برقة وهو يرفعها إلى فمه يلثمها، لتتسع إبتسامتها وهو يعتدل قائلا بجاذبية طاغية:.

إتأخرتى علية، بس جمالك يشفعلك عندى ويخلينى أديلك ألف عذر.
جلست تضع قدما فوق الأخرى قائلة بدلال:
طول عمرك مجامل يامؤيد، وبتعرف تسكتنى بكلامك.
جلس مؤيد بدوره وهو يقول:
أنا مش بجاملك وإنتى عارفة إنتى أد إيه جميلة، فبلاش تواضع، مش لايق عليكى على فكرة.
إبتسمت وهي تخرج من حقيبتها علبة سجائرها، تخرج منها سيجارة، وتضعها في فمها، ليسرع مؤيد بإشعالها بقداحته، لتأخذ نفسا عميقا ثم تطلقه قائلة بهدوء:.

أنا عارفة فعلا إنى جميلة بس جمالى ده مفرقش معاك زمان يامؤيد، إيه اللي إختلف دلوقتى؟
مال إلى الأمام قائلا وهو يشير إلى نفسه:
اللي إختلف أنا ياشاهى، مؤيد مبقاش مؤيد بتاع زمان، بعد اللي عملته فية بنت نصار، قررت أرجع زي زمان، أفكر في نفسى وبس، وقررت كمان إنى أطبق المثل، خد اللي بيحبك ومتاخدش اللي بتحبه، وأنا عارف إنك أكتر واحدة حبيتنى ياشاهى.

نظرت إليه شاهيناز وقد إلتمعت عيناها بلهفة ولكنها مالبثت أن تمالكت نفسها وهي تقول:
بس أنا دلوقتى ست متجوزة.
إبتسم مؤيد قائلا في سخرية:
بس مبتحبيش جوزك، ومبتلمعش عنيكى ليه زي ما بتلمع لما تبصيلى ياشاهى.
تراجعت شاهيناز في مقعدها قائلة:
وإفرض، هتفرق في إيه دلوقت؟
قال مؤيد بهدوء:
هتفرق كتير صدقينى ياشاهى، لو بجد بتحبينى هبيع الدنيا كلها وأشتريكى وهتحدى الكل عشان تكونى معايا.

قالت شاهيناز بهدوء يخالف دقات قلبها المتسارعة فرحا:
وخالد، ولين، هنعمل معاهم إيه يامؤيد؟
قال مؤيد بغموض:
دول سيبيهم علية، هقدر عليهم وبسهولة، إنتى نسيتى أنا مين؟
قالت شاهيناز بجدية:
منستش يامؤيد، بس إنت اللي ناسى إحنا بنتكلم عن مين، ده خالد نصار برده.
إبتسم بسخرية قائلا:.

وأنا مؤيد الحسينى ياشاهيناز، الظاهر إنك فعلا نسيتى أنا مين وأقدر أعمل إيه، عموما لو مش عايزانى فخلاص قعدتنا دى ملهاش لازمة وإعتبريها محصلتش، عن إذنك، انا مضطر أمشى لإنى معنديش وقت أضيعه على الفاضى.
ونهض ينوى المغادرة حين إستوقفته بيدها التي أمسكت ذراعه قائلة:
إستنى رايح فين، أنا مقلتش إنى مش عايزاك.
نظر إليها قائلا ببرود:
ومقلتيش كمان إنك عايزانى.
إبتسمت قائلة:.

هقولها يامؤيد، عايزاك طبعا، أنا عمرى ما حبيت ولا هحب غيرك.
إبتسم بإنتصار وهو يجلس مجددا قائلا:
حلو أوى، كدة بقى أقعد عشان نعرف نتكلم.
قالت شاهيناز في حيرة:
هنتكلم في إيه؟
إتسعت إبتسامته قائلا:
نتكلم عن مستقبلنا طبعا ياحبيبتى.
إبتسمت بسعادة وهي تسمع مؤيد يدعوها بحبيبته، بل ويتحدث عن مستقبل يجمعهما، لتنصت إليه بكل حماس وشغف، وعشق.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة