قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السادس والعشرون

كيف أماثلك عشقا وقد أصبحت أنت في العشق أسطورة
كيف أمنحك حنانا يماثل حنانا به أصبحت مغمورة
كيف أمنحك ما منحتنى وانا بكرمك مازلت مبهورة
فقط أتباهى بك بين النساء وبعشقك أصبحت مغرورة.
ولكننى أعشقك حد الجنون وفى سمائك أحلق مسرورة
حقا صار عشقنا قصة يتحدثون عنها وكلماتها في القلوب مسطورة.

إقتربت جورية من سرير خالتها بهدوء، لتجلس بقربها للحظات بصمت قبل أن تقول بحزن:
أنا عارفة إنك صاحية، وحاسة بيكى وباللى جواكى، بس الحل مش في الوحدة والبكا، صدقينى، هتتعبى أكتر، إنتى ناسية إنى مريت باللى إنتى مريتى بيه قبل كدة، وملقتش دوا لجرحى وحزنى غير في الكتابة والرسم.
إلتفتت إليها جليلة بعيون منتفخة من أثر البكاء، وإعتدلت جالسة تستند إلى وسادتها قائلة في حزن:.

بس أنا لا بعرف أكتب ياجورى ولا بعرف أرسم.
إبتسمت جورية قائلة بحنان وهي تمسك بيديها:
بس عندك إيدين تتلف في حرير، تعمل من بذرة صغيرة شجرة، قومى إزرعى، عندك البلكونة بتاعتنا أهى، خليهالنا مشتل، خرجى طاقتك السلبية فيها وإنسى الألم والحزن اللي ممكن يقضوا عليكى، خلينا نفكر إن بكرة أحلى لإننا لو مفكرناش بالشكل ده هنموت ياخالتى.
نظرت إليها جليلة تتأملها قائلة بإبتسامة باهتة، ممتزجة بالحزن:.

إنتى إمتى كبرتى بالشكل ده ياجورى؟
إبتسمت جورى قائلة:
من يوم ماعرفت إن الجرح بيعلم بس مابيقتلش، بيقوى مبيضعفش، من يوم ماعرفت إن حتى لو نهاية قصة الحب مش سعيدة المهم إننا عشنا الإحساس وبس، فيه ناس بتقضى طول عمرها تتمنى تعيش الحب ولو للحظة، وإحنا عشناه سنين، ولا إيه ياخالتى؟
إبتسمت جليلة تلك المرة إبتسامة واضحة وهي تقول:
معاكى حق ياقلب خالتك، معاكى حق.
إبتسمت جورى قائلة:.

طب يلا قومى إغسلى وشك وحصلينى عشان نفطر، أنا جعت خالص وناوية أحضرلك أحلى فطار يليق بجليلة هانم، خالتى أنا.
إبتسمت جليلة وهي تومئ برأسها، لتنهض جورية وهي تقبل خالتها في رأسها قبل أن تغادر الحجرة، تتبعها دعوات خالتها قائلة في همس:
ربنا يريح قلبك يا بنتي، زي ما ريحتى قلبى.

جلست ليلة بضعف على سريرها بتلك المستشفى التي ستجرى فيها عملية إستئصال ذلك الورم السرطانى، ليقترب منها فراس يساعدها على التمدد، ويدثرها جيدا وهو يقول بحنان:
إرتاحى دلوقتى ياحبيبتى، الصعب عدا خلاص.
نظرت إلى عينيه قائلة بسخرية مريرة:.

صعب إيه بس اللي عدا يافراس، ده كل الموضوع حبة تحاليل وأشعات، أنا لسة معملتش العملية، واللي معرضة فيها لمخاطر كتيرة أقلها فقد كليتى، ده غير ان ممكن ميقدروش يشيلوا كل الخلايا السرطانية وأكمل علاج بالكيماوى.
جلس بجوارها يمسك يديها قائلا بحنان:.

مهما حصل فهكون جنبك، إيدى في إيدك ومع بعض هنعدى الأزمة دى، تفائلى خير ياليلة، حالتك أحسن من غيرك كتير، كفاية إن إحنا إكتشفنا المرض ده بدرى، وبإذن الله بعد العملية هتكونى زي الفل وهيقدروا يشيلوا كل الخلايا السرطانية، أنا واثق في ربنا وإنه مش هيضرنى فيكى أبدا.
نظرت إلى عينيه مليا ثم قالت بحب:
أنا قلتلك قبل كدة إنى بحبك أوى يافراس.
إبتسم قائلا:.

هي أول مرة تقوليهالى بالنظرة دى وبالمشاعر دى كمان، بس أنا متأكد إنها مش هتكون آخر مرة ياليلة.
تركت يده قائلة:
مغرور.
أمسك يدها مجددا يرفعها إلى شفتيه مقبلا إياها بحنان قبل أن ينظر إلى عينيها قائلا بعشق:
مغرور بحبك وبس، ونبض قلبك اللي بتزيد دقاته بلمستى، مغرور عشان أميرتى الحلوة الرقيقة سابت كل الدنيا وإختارتنى أنا عشان أكون شريك حياتها.
أطرقت ليلة بحزن قائلة:
شريكها في الألم والمرض والعذاب بس يافراس.

ترك يدها وأمسك بذقنها يرفع وجهها إليه لتتقابل نظراتهما سويا ويقول بعشق ظهر جليا في نبراته:
ولو مكنتش أنا اللي أشاركك كل لحظة ألم، مين بس اللي مسموحله يشاركك، إنتى بتشاركينى نفسى اللي طالع من صدرى، بتشاركينى نبض قلبى، فرحى وحزنى، من يوم ما إختارنا بعض ياليلة، وأرواحنا إتداخلت، بقت أفراحنا واحدة وآلامنا واحدة، مينفعش واحد فينا ميحسش بالتانى ويشاركه مشاعره.

ضمت يده بيدها بعيون يغشاها الدموع، تشكر الله في صمت على فراس، نعمة الله إليها، ليصل فراس إمتنانها لوجوده في حياتها بينما كان يدعو الله في صمت أن يديم ليلة كنعمة أنعم بها عليه، يرجوه أن يشفيها ويعيدها إليه سالمة بإذن الله، ليضم يدها بدوره وهو يشكر ربه على وجودها في حياته.

سمعت جورية رنين هاتفها فأمسكته في يدها تنظر إلى شاشته فوجدته رقم دولي، ليدق قلبها بعنف، نظرت لها خالتها لترى توترها الواضح على ملامحها لتقول بقلق:
مالك ياجورية، رقم مين ده؟
نظرت جورية إلى جليلة قائلة بتوتر:
الظاهر ده رقم فهد، قصدى خالد، لإنه رقم دولى.
قالت جليلة بسرعة:
ومستنية إيه؟ردى عليه وطمنينا على ليلة.
ثم تركتها لتذهب إلى ورودها، لتجيب جورية على الفور وهي تقول:
ألوو.

إستمعت إلى صوته الرجولي العميق، وهو يقول بنبرات أدركت فيها توتره:
إزيك ياجورى؟
قالت جورية بقلق:
أنا تمام ياخالد، طمنى، صوتك قالقنى.
إستمعت جورية إلى زفرته الحارة والتي نبعت من أعماق قلبه، قبل أن يقول:
أنا فعلا قلقان ياجورى، نتيجة التحاليل طلعت، وخلاص حددوا ميعاد العملية بكرة الصبح، ورغم إن الدكاترة متفائلين بس أنا خايف، خايف على ليلة أوى، دى أول مرة أخاف بالشكل ده، خايف من إحتمال ضعيف بإنها...

لم يستطع إكمال جملته، لتفهم هي ما يعجز لسانه عن نطقه، لتقول على الفور:
قوم إتوضى و صلى وإدعيلها ياخالد، إدعيلها من قلبك وإنت واثق إن ربنا مش هيرد دعوتك، وهيقومهالك بالسلامة، أنا كمان هصلى معاك وأدعيلها وأنا واثقة إنى هشوفها تانى وهتكون بألف خير.
طال صمت خالد لتقول جورية في قلق:
خالد، إنت معايا؟
قال خالد بصوت متهدج:
معاكى ياجورى.

أدركت من نبراته المتهدجة أنه يبكى، خالد، هذا الفهد المغوار يبكى خوفا على أخته، ليبكى قلبها شفقة عليه، لتقول بصوت تهدجت نبراته من عبراتها التي تساقطت بدورها:
خالد، تحب أجيلك؟
قال بصوت متهدج النبرات:
كان نفسى ياجورى، بس مع الأسف مش حابب تشوفينى وأنا كدة.
قالت بسرعة:
بس أنا حابة أكون معاك.
تنهد قائلا:
مش أكتر منى، غمضى عنيكى ياجورى وهتلاقينى قصادك، زي ما انا شايفك قصادى دلوقتى.

أدركت أنه يغمض عيناه الآن لتغمضهما بدورها وتراه متمثلا أمامها حقا، لتبتسم ومع إبتسامتها وجدته يقول:
أحلى إبتسامة من أحلى جورية، أنا هقوم أصلى وفى صلاتى هدعى لليلة وهدعى كمان ربنا يجمعنى بيكى في أقرب وقت، خدى بالك من نفسك ياجورى.
فتحت جورى عيناها لتقول:
وإنت كمان خد بالك من نفسك ياخالد وطمنى على ليلة أول ما تخلص العملية.
قال خالد بحنان:
هطمنك، لا إله إلا الله.
قالت جورية:
محمد رسول الله.

ثم أغلقت هاتفها وهي تنظر إلى شاشته، تتنهد في حزن لأنها ليست بجوار خالد في لحظة ضعفه تؤازره، وفى شوق عميق له، تود من كل قلبها لو سافرت إليه، ولكنها للأسف، لا تستطيع.

كانت شاهيناز تجول في حجرتها بهياج وهي تتصل برقم خالد ربما للمرة الألف، تشعر بالغليان لعدم إجابته على إتصالاتها المتكررة، فمنذ أن عادت للمنزل وعلمت من مدبرة المنزل أن خالد قد سافر مع أختيه إلى فرنسا لعلاج ليلة، وأنه حادث مدبرة المنزل هاتفيا وأخبرها بذلك، موصيا إياها على صغيرته ريم حتى يعود، وهي في حالة غضب شديد لتجاهله إياها بهذا الشكل، لا يجيب على إتصالاتها أيضا وحتى عندما يحادث طفلته وتأخذ منها الهاتف لتحادثه، يغلق الهاتف في وجهها، تدرك أنه يعاقبها لتركها إياهم بالمستشفى وعدم إتصالها به، ولكنه زاد الحد في هذا العقاب، ولولا غياب مؤيد ما إهتمت له، وليذهب إلى الجحيم، فلن تبالى.

أمسكت هاتفها تتصل به مجددا وإنتظرت حتى آخر رنين له فلم يجبها، لتتصل بمؤيد وهنا سمعت تلك الرسالة الآلية والتي تخبرها بأن الهاتف مغلق، لتزفر بحنق وهي تلقى بالهاتف على السرير قبل أن تتجه إلى الحمام لتأخذ حماما دافئا تريح به أعصابها المشدودة، وتطفئ به لهيب قلبها المحترق، غيظا.

خرج الطبيب المصري والطبيب الفرنسي من حجرة العمليات ليسرع إليهما الجميع، كان خالد هو أول من وصل إليهما ليقول بلهفة موجها حديثه إلى الطبيب المصري:
خير يادكتور، طمنى أرجوك.
إبتسم الطبيب قائلا:
الحمد لله، قدرنا نستأصل كل الخلايا السرطانية عند المريضة.

ليتحدث الطبيب الفرنسي ببعض الكلمات، فإبتسم خالد براحة شاكرا إياه بلغة فرنسية سليمة ثم شكر طبيب ليلى المصري، ليبتعدا بإبتسامة ظللت وجهيهما، وما إن إبتعدا حتى قال فراس بلهفة:
قالك إيه دكتور جان، ياخالد، طمنى؟
نظر خالد إليه قائلا بعيون تغشاها الدموع من فرط سعادته وإنفعاله، يرى تلك الدموع فراس لأول مرة في عيون خالد:.

قال إنهم كمان إستأصلوا بعض الخلايا السليمة عشان يتأكدوا إنهم قضوا على المرض نهائيا وإن لما المريضة تفوق هيعملوا التحاليل والأشعة عشان يتأكدوا من نجاح العملية، بس هو متفائل جدا.

إندفعت لين إلى حضن أخيها تترك لدموع الراحة العنان في أن تشق طريقها إلى عينيها بعد أن حبستهم طويلا، ليضمها خالد إليه برفق يربت على ظهرها بحنان، بينما تمتم فراس بكلمات الحمد بعيون قد غشيتها الدموع بدوره، لا يصدق أن ليلة قد نجت من هذا المرض بهذه السهولة، فاللهم لك الحمد والشكر على كل شئ.

قام خالد بالإتصال بذلك الرقم الذي قام صاحبه بمهاتفة خالد مرارا وتكرارا، أثناء عملية ليلة فلم يجب على إتصالاته وقتها، ليقول بهدوء عندما تحدث صاحب الرقم:
أيوة، كلنا كويسين، الحمد لله، خرجت خلاص من العملية، لأ لسة مش دلوقت، أدامنا أسبوع على الأقل، متقلقش، متابعة بس وإطمئنان على حالتها مش أكتر، أيوة قبل ما أرجع هكلمك، تمام أوى، خليك هناك لغاية مانرجع...
لتقسوا عينيه في آخر المكالمة وهو يقول:.

قلتلك متقلقش، مش هتأخر، وساعتها هتقدر تنفذ كل اللي في دماغك وأنا كمان هكون معاك، سلام دلوقتى.
ليغلق هاتفه وعيونه تزداد قسوة ليدرك من يراها الآن أن خالد في قمة حنقه، بل وغضبه أيضا.

قالت جورية بسعادة:
الحمد لله ياخالد، الحمد لله، ربنا نجاها ونجانا معاها.
إبتسم خالد قائلا:
نعمة وفضل من عنده ياجورى، هفضل أشكره العمر كله عليها.
قالت جورية بإبتسامة:
أنا هقوم أصلى حالا صلاة شكر لربنا على نعمته وهخرج عشان أخرج حاجة لله كمان شكر على إنه قومهالنا بالسلامة.
إتسعت إبتسامته وهو يقول:.

أنا خرجت خلاص، ولو مصممة يبقى تستنى لما أرجع ونخرج سوا صدقة بنية الشكر لله، أو اخرجى بالنهار، أنا خايف عليكى، متخرجيش في الوقت ده.
قالت جورية بدهشة:
الساعة لسة ستة.
إبتسم قائلا:
الليل على دخول ياجورى، إسمعى الكلام عشان خاطرى، مش عايز أفضل قلقان عليكى.
إبتسمت بداخلها لإهتمامه بها وزادها إهتمامه شوقا له لتقول بنبرات إمتلأت حنينا:
طيب إنتوا هترجعوا إمتى؟

شعر خالد بحنين صوتها، ليزفر بقوة وهو يتمنى من كل قلبه لو كانت الآن أمامه ليغمرها بين ذراعيه، يشبع توقه إليها، ولكنه إكتفى بقوله:
لسة أدامنا شوية، بيتابعوا بس حالتها، وبيتأكدوا ان محصلهاش عدوى أو مفيش أي جلطات دموية، وهيعملوها تحاليل وأشعة ولو تمام، هنيجى مصر علطول.
تنهدت قائلة بدورها:
ربنا يتمم شفاها على خير، طمنى عليها أول بأول ياخالد.
قال خالد بحب:
عيون خالد.

صمتت وقد تسللت حمرة الخجل إلى وجهها، ليبتسم خالد وقد أدرك أنه أخجلها ليقول بعشق:
هتوحشينى ياجورى.
ظلت صامتة ودقات قلبها قد تسارعت بقوة لتستمع إليه يحادث أحدهم قبل أن يقول لها بصوته الرخيم:
جورى، أنا مضطر أقفل دلوقتى، سلام.
إستوقفه صوتها وهي تنادى بإسمه في لهفة، قائلة:
خالد إستنى.
عقد حاجبيه في حيرة قائلا:
خير ياجورى؟
قالت بنبرة رقيقة خلبت لبه وأطارت عقله:
إنت كمان هتوحشنى، لا إله إلا الله.

إبتسم وهو يقول بسعادة ظهرت على صوته:
محمد رسول الله.
ثم أغلقت الهاتف وهي تضمه إلى صدرها بعشق، لتنتفض على صوت خالتها وهي تقول بحب:
مهما هربتى من مشاعرك، المكتوب مكتوب ياجورى.
نظرت جورى إلى خالتها، تجد نفسها لأول مرة منذ أن رأت خالد مجددا، لا تريد الهرب من مشاعرها، بل تود الغوص بها كلية، وليكن ما يكون، لتنظر إلى خالتها بإبتسامة عاشقة وهي تقول:.

خلاص ياخالتى، مبقاش فيه هروب، حبه وحبى قدر إنكتب على الجبين، وقالوا زمان في المثل، المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين.
لتبتسم خالتها وهي تومئ برأسها موافقة، في حب.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة