قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السابع والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السابع والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السابع والعشرون

كل شيء فيك سحر.
لا يشفى منه القلب. ، ولا تنسى آثاره.
إلا غيابك...
موت لا يحيي منه القلب، و لا تحلو بعده الأماكن.
بقلم، نور محمد.

تطلع الجميع إلى وجه الطبيب يتعلقون بكلماته، حيث وقف كل من خالد ولين بتوتر، بينما تمددت ليلة على السرير يجاورها فراس الذي أمسك بيدها داعما، ليبتسم الطبيب قائلا براحة:
الحمد لله، نتايج كل التحاليل والأشعة بتقول إن مدام ليلة شفيت تماما من المرض.
زفر الجميع بإرتياح وظهرت السعادة على وجوههم، بينما ضغط فراس على يد ليلة التي غشيت عيونها الدموع، ليومئ لها برأسه بحنان، فإبتسمت له من بين دموعها...

ليقول خالد موجها حديثه للطبيب:
بجد يادكتور؟ يعنى خلاص ليلة رجعت زي الأول؟
إبتسم قائلا:
بجد طبعا.
قال خالد:
الحمد لله، طيب نقدر نرجع مصر إمتى؟
إبتسم الطبيب قائلا:
يومين كمان بالكتير، وتقدروا ترجعوا مصر، بس مش هوصيكم، راحة تامة للمدام وممنوع الإنفعال الشديد، ده غير المتابعة المنتظمة.
قالت لين في قلق:
ليه يادكتور؟
نظر إليها الطبيب قائلا:.

مجرد إحتياطات مش أكتر، وبإذن الله بعد فترة بسيطة مدام ليلة هترجع تمارس حياتها بشكل طبيعى جدا.
إطمأنت القلوب، ليقول فراس:
الحقيقة يادكتور مش عارفين نشكر حضرتك والدكتور جان إزاي.
إبتسم الطبيب قائلا:
إحنا معملناش حاجة، ده واجبنا، حمد الله على سلامة المدام.
قال خالد بهدوء:
الله يسلمك.
ليقول الطبيب:
عن إذنكم.
ثم غادرهم ليميل فراس على أذن ليلة يقول بخبث:.

الدكتور ده عمال يقول مدام ليلة، مدام ليلة، إيه رأيك لما منكسفوش وأخليكى مدام ياقلبى.
وكزته ليلة في كتفه بخفة، ليبتسم بمرح بينما قاطع مزاحهم صوت خالد الذي قال بحنان:
حمد الله على السلامة ياليلة.
إبتسمت ليلة قائلة بسعادة:
الله يسلمك ياخالد.
قبلت لين ليلة في وجنتها قائلة:
وأخيرا ياليلة، الحمد لله ياحبيبتى
قالت ليلة:
الحمد لله يالين، الحمد لله.
إبتسم خالد قائلا للين وفراس:.

أنا رايح أجيب قهوة من الكافيتريا، تحبوا تشربوا حاجة؟
قال فراس بخبث:
هتجيب قهوة بجد ولا هتكلم اللي في مصر تطمنهم؟
نظر خالد إلى فراس قائلا بلهجة ذات مغزي:
على فكرة إحنا لسة على البر وبكلمة واحدة منى هخليك برة العيلة دى، مفهوم ياخفيف؟
إبتلع فراس ريقه قائلا:
مفهوم ياأخويا، إبقى هاتلى معاك شاي وكتر السكر.

رمقه خالد بنظرته الباردة، قبل أن يلتفت مغادرا وقد تصدعت تلك الواجهة الباردة وإرتسمت إبتسامة رائعة على ثغره، بينما مال فراس على أذن ليلة قائلا:
أخوكى ده جبار على فكرة.
إبتسمت قائلة:
وإنت بتلعب بالنار مع الفهد ليه بس؟
قال لها هامسا:
ما الحمل الوديع مش راضى يلعب معايا.
أحست ليلة بالخجل وإحمرت وجنتاها لتتنحنح لين قائلة:
إحمم، أنا خارجة برة أشم شوية هوا، لو إحتجتينى ياليلة، خلى فراس يندهلى.

أومأت ليلة برأسها، فغادرت لين، لتقول ليلة بعتاب:
عاجبك كدة؟
قال فراس:
والله أختك دى بتفهم.
لتضع ليلة إصبعها أمامه محذرة وهي تقول بتهديد:
إلزم حدودك يافراس، ياإما هنادى لخالد.
إقترب منها فراس قائلا:
بتهددينى بأخوكى ياليلة، طب أنا هوريكى حالا إنى مبخافش من حد.
ليقترب منها أكثر ومع إقترابه دق قلبها في قلق، وشوق.

أغلقت جورية الهاتف لتشرد في قصتها مع خالد، كلما إقتربت منه أكثر، عشقها أكثر وظهر عشقه في نبراته وكلماته، فتلك المحادثة الأخيرة بينهما، قد عبثت بذرات كيانها تستشعر شوقه العميق لها وإستسلامه التام لعشقها، فلم تخلو عبارة له من دليل على ذلك، كلفظ تدليل لها، أو إشارة لشوقه لرؤيتها، أو طلبه منها بأن تحافظ على روحها من أجله، وهي تضعف أمام عشقه وإهتمامه، تبا، هي بدورها تستسلم له، تضرب بأفكارها عرض الحائط، تظهر لها صورة ريم وشاهيناز بجواره فتنحيها جانبا، مخبرة نفسها أن شاهيناز لا تحبه ولا تهتم به فإن كانت تفعل، ما تركته وحيد في سفرته تلك، يعانى القلق والخوف على أخته وحده، بل لساندته وكانت إلى جواره وجوار أخته تدعمهما بقوة، ورغم أن الصغيرة هي الضحية حقا في قصتهما تلك لكنها تثق بخالد في أنه سيستطيع تدبر الأمر، نعم، لقد خشيت عليه دائما بمعرفة ماضيه معها خوفا على عائلته من الإنهيار، إدعت أن فهد خطيبها المتوفى حتى لا يبحث أكثر عن الحقيقة، أما الآن فلا داع لذلك، ستخبره الحقيقة كاملة ما إن تراه مجددا، وستدع القدر يكتب النهاية لقصتها.

أفاقت من شرودها على صوت خالتها وهي تقول بحنان:
بتفكرى في إيه ياجورى؟
نظرت جورية إلى وجه خالتها الذي يظهر حنينها إلى جدها وحزنها منه من تلك العيون التي حاولت جاهدة أن تخفى عبراتها ولكن إنتفاخهما كان خير دليل على بكاءها، لتقول بحنان يمتزج بالحزن:
واحشك، مش كدة؟
نظرت إليه خالتها تدرك جيدا من تتحدث عنه جورية لتقول بصوت رغما عنها إمتلأ بالحزن:.

حتى لو واحشنى، مبقاش ينفع خلاص ياجورى، جدك قفلها في وشى، عزيز محسش بية عمر بحاله ياجورى، أنا إتعذبت كتير وأنا جنبه، كان عندى أمل يحس بية ولما فقدت الأمل وخلاص السنين دى كلها عدت، قلت أهو كفاية أكون جنبه، يونسنى وأونسه، لكن في الآخر يحولنى لحالة إنسانية بيعطف عليها، ويقولهالى في وشى كدة، آسفة، ساعتها أدوس على قلبى أدام كرامتى.
ربتت جورية على يدها قائلة في عطف:.

بس إنتى عارفة إن الكلام ده مش صحيح، وعارفة إنه قاله في لحظة غضب، إنتى متأكدة زي ما أنا متأكدة إن جدى بيعزك أوى، أدى بالظبط ويمكن أكتر بس هو كدة على أد ما قلبه طيب بس في غضبه بيخبط في الكلام ومش بعيد يكون دلوقتى ندمان.
زفرت جليلة قائلة:
ندمان ولا مش ندمان، قلتلك ياجورى مبقاش ينفع خلاص، اللي قاله جدك مش ممكن هقدر أنساه ولا...
قاطعها رنين هاتف جورى لتنظر جورى إلى شاشته وتقول بعيون متسعة:
ده رقم جدى.

ظهر الحزن في عيون جليلة قائلة:
ردى عليه، ده مهما كان جدك، وأنا هقوم أسقى الزرع.
قالت جورية:
إستنى بس...
قاطعتها جليلة قائلة بحزم:
قلت هسقى الزرع ياجورى.
لتغادر بينما هزت جورية كتفيها بقلة حيلة قبل أن ترد على الهاتف، وما إن إستمعت إلى محدثها، حتى صرخت بجزع قائلة:
إنت بتقول إيه؟

إقترب خالد من لين التي تجلس في الكافيتريا، شاردة، أمامها فنجال من القهوة الباردة، تتذكر آخر موقف كان بينها وبين مؤيد، وكلماته عن القهوة، لتبتسم في مرارة، ثم تزيح الفنجال جانبا، لتنتفض على صوت أخيها وهو يقول بحنان:
أنا قلت برده إنك مش هتشربيها.
نظرت إلى خالد الذي جلس أمامها قائلا:
طلبتلك فنجال قهوة تانى معايا.
أومأت برأسها دون أن تنطق بكلمة، ليستطرد قائلا بحنان:.

مش آن الأوان يالين، تفتحيلى قلبك وتقوليلى اللي جواكى، مش آن الأوان تعرفينى إيه اللي بيحصل في حياتك بجد، مش الكلام اللي بتحاولى تقنعينى بيه من يوم ما رجعت، عشان بجد أحلى ميزة في إخواتى، إنهم مبيعرفوش يكدبوا.

نظرت إلى عيون خالد الحانية تكاد أن تخبره بمكنون قلبها، ولكن ماذا تقول؟وكل ما ستقوله سيجعل أخاها غاضبا منها لإخفائها الحقيقة عنه كل تلك السنوات، بل وماذا سيكون رد فعله أيضا عندما يعلم أن من فرق بينها وبين مؤيد هي زوجته شاهيناز؟بل ماذا سيفعل عندما يعلم بحقيقتها البشعة؟هي لا تستطيع المخاطرة بإخباره الآن، ربما عند عودتهما إلى القاهرة، وقتها، ستخبره بكل الحقيقة وتخرج مكنون صدرها الذي يمزق قلبها تمزيقا.

رأي خالد ذلك الصراع على وجهها قبل أن تطرق برأسها في صمت، ليدرك كل ما تفكر فيه أخته، قرر أن يحسم الأمر ويخرج الكلمات من قلبها، لذا فقد تراجع في مقعده يستند بظهره إليه قائلا بحزم:
لو بتفكرى تخبى علية تانى، فأحب أقولك إنى عرفت كل حاجة.
رفعت رأسها بسرعة تنظر إليه في حيرة، ليومئ برأسه قائلا:.

أيوة عرفت، عرفت ليه سيبتى مؤيد، ومين اللي كان السبب في اللي حصل، وعرفت كمان إيه اللي عمله مؤيد معاكى لما خطفك، أقولك عرفت إيه كمان؟
كانت لين تنظر إليه بدهشة من كلماته، ليستطرد بصرامة:
عرفت اللي هيخلينى أول ما أنزل مصر هطلق الأفعى اللي آويتها في بيتى وأول ما غدرت غدرت بية وبإخواتى، هطلق شاهيناز يالين.
لتتسع عينا لين في صدمة رغما عنها إمتزجت، بالفرح.

كانت جورية تنظر إلى الطريق بالخارج ولكنها لا تراه، تغشى عيونها الدموع وهي تتذكر كلمات فتحى، المسئول عن المزرعة، يخبرها أنه فور رحيلهم أصاب الجد عزيز أزمة قلبية نقل على إثرها إلى المستشفى، وأنه عندما أفاق منها، طلب منهم عدم إخبار حفيدته، تحسنت حالته بعض الشئ وهو تحت الرعاية بالمستشفى، ولكن عندما أعادوه إلى المزرعة، تدهورت حالته الصحية مجددا، ليخشى فتحى أن يحدث له شئ دون أن تكون جورية وجليلة إلى جواره، يدرك أن الجد عزيز يكابر وأنه يشتاق إليهم وبشدة، لديه يقين أنهما إن عادا سيتحسن الجد، كثيرا.

ليسرعا بالحضور إلى الوادى في أول طائرة، وهاهما في تلك السيارة التي نقلتهما من المطار تتجه بسرعتها القصوى إلى المزرعة، مدت يدها تمسح دموع وجنتيها حين تناهى إلى مسامعها صوت شهقات صغيرة، نظرت إلى خالتها التي تنظر بدورها إلى الطريق، اهتزازة جسدها تعبر عن ما يعتريها من ألم وخوف ودموع، مدت جورية يدها وأمسكت بيد خالتها القابعة على حجرها، لتنظر إليها الخالة، تعلقت العيون الدامعة القلقة ببعضهما البعض، لتحتضنها جليلة بقوة، تربت على ظهرها بحنان، بينما تهمس جورية من داخل حضنها قائلة:.

هيكون كويس، قوليلى إنه هيكون كويس.
قالت جليلة من خلال دموعها بألم:
بإذن الله هيكون كويس، ربنا مش هيخسرنا فيه ياجورى، هيعيش عشانا، ربنا عالم إننا منقدرش نخسره.
لتصمت لثانية قبل أن تستطرد في مرارة:
خايفة أكون أنا السبب في اللي جراله، هفضل ألوم نفسى طول العمر لو جراله حاجة.
خرجت جورية من محيط ذراعيها قائلة بمرارة:
أنا السبب، مش إنتى.
لتنزل دموعها وهي تقول:.

لو مكنتش صممت أنزل مصر مكنش حصل اللي حصل، فكرت في نفسى وبس، مفكرتش فيه وفى زعله منى، جدى اللي ربانى عمر بحاله، إدانى كل حاجة ممكن بنت تتمناها من جدها، قلبه، مشاعره، فلوسه، مبخلش علية بحاجة أبدا، وكافئته بإنى زعلت منه وسبته في محنته لوحده، زي مايكون ملوش حد من لحمه ودمه يكون جنبه، يسنده لما يقع، أنا اللي لو جراله حاجة مش ممكن هسامح نفسى أبدا.
أمسكتها جليلة من كتفها تنظر إلى عينيها قائلة بحزم:.

جدك مش هيجراله حاجة، قلبى بيقوللى إنه هيبقى زي الفل، وهيعيش لغاية لما يربى أحفاده منك كمان، مفهوم؟كونى واثقة في ربنا، ربنا رءوف رحيم بعباده، ومش هنلجأله بدعانا ويرجعنا مكسورين، لأ، هيجبر خاطرنا وبكرة تقولى خالتى جليلة قالت.
كانت كلمات جليلة كبلسم وضع على جراح جورية المتألمة فهدأ ألمها، لتمد يدها وتمسح دموعها وهي تنظر إلى عيون خالتها بثبات نبع من قلب إنبثق فيه الإيمان من أن الله لن يضرها، قائلة:.

ونعم بالله ياخالتى، ونعم بالله.

دخلت سها إلى الحجرة في خجل، تحمل صينية عليها بعض الحلويات والعصائر، أسرع نبيل بالنهوض يحملها عنها ويضعها على الطاولة القريبة، لتتلاقى عيناهما لثوان، فأسرعت هي بإطراق وجهها في خجل بينما إبتسم نبيل ثم زالت إبتسامته على الفور عندما قال عمه ممدوح:
شوفوا الواد هيموت على البنت إزاي، بس بصراحة العروسة تستاهل، جمال وأخلاق، حسب ونسب، وإحنا يشرفنا يافوزى بيه إن إحنا نطلب إيد بنتكم سها، لإبننا نبيل.

قال فوزى بإبتسامة:
الشرف لينا ياحاج ممدوح.
وكز مؤيد نبيل في جانبه فنظر له نبيل بإبتسامة بادله إياها مؤيد، ليقول الحاج ممدوح:
كدة كل شئ تمام.
نظر له نبيل بنظرة ذات مغزي فهمها الحاج ممدوح على الفور ليستطرد قائلا:
إحنا عايزين نكتب الكتاب علطول وبإذن الله الفرح يكون قريب، يعنى بعد ما تسألوا علينا...
قاطعه فوزى قائلا:
إحنا موافقين.

عقد الحاج ممدوح حاجبيه بينما أحست سها أنها على وشك الموت خزيا في مكانها، ليقول مؤيد بسرعة:.

الحقيقة أهل سها عارفينى وعارفين نبيل من زمان ياحاج ممدوح، وسألوا علينا وإلا مش ممكن كانوا يدخلونا بيتهم، فبقول نحدد كتب الكتاب علطول وياريت لو أنزل حالا وأجيب المأذون، ماهو خير البر عاجله، أما الفرح فلازم نبيل يكون متفرغ تماما ليه وإحنا زي ما إنتوا عارفين بنبتدى مشروع جديد، أول ما هنظبط أموره هنعمل الفرح علطول، وزي ما قلت خير البر عاجله، إيه رأيكم؟
قال الحاج ممدوح:.

والله اللي تشوفوه ياإبنى، أنا معنديش أي مانع، المهم رأي أهل العروسة.
قال فوزى:
أنا موافق على اللي تقولوه.
لتنطلق زغرودة من والدتها، التي ظلت صامتة طوال الوقت، كانت تلك هي كل مشاركتها الوحيدة في موضوع زواج إبنتها، بينما إحتضن مؤيد نبيل الذي همس في أذنه قائلا:
تسلم ياكبير.

ليبتعد عنه مؤيد وهو يغمز له، ليبتسم نبيل ثم ينظر إلى عروسه التي نظرت إليه بدورها، تدرك أن الله قد كافأها على صبرها بهذا الزوج الرائع الذي تثق بأنه سيكون لها كل ما حرمت منه.

إقتربت جورية من سرير جدها الذي ينام عليه، جلست على هذا الكرسي بجواره تتأمله بشوق، مدت يدها لتمسك يده ولكنها تراجعت خشية أن تقلقه لتقول بهمس وقد غشيت عيناها بالدموع:.

كدة ياجدى، كدة تبقى تعبان بالشكل ده ومتكلمنيش، حتى لو زعلان منى، كنت ناديلى، وزعقلى بعد ماتبقى كويس، بس متحرمنيش منك بالشكل ده ومتحرمنيش أكون واقفة جنبك وإنت تعبان، إنت متعرفش إنت بالنسبة لى إيه، إنت مش جدى وبس، إنت بابايا وأخويا وعيلتى كلها، أنا من غيرك ولا حاجة، موحشتكش؟طب إنت وحشتنى، وحشتنى أوى لدرجة إنك كنت بتجيلى في أحلامى.

لتمد يدها تمسك بيده تميل عليها تقبلها بدموعها ثم ترفع عيونها إليه تقول:
كنت بتمسك إيدى وتمسح دموعى وتقولى...
صمتت وهي تسمعه يقول بصوت ضعيف:
أنا جنبك ياجورى متخافيش.
نظرت إلى فمه تدرك أنها لا تحلم وأن هذه هي كلمات جدها، لتنظر إلى عينيه فتجده ينظر إليها بحنان قائلا بعيون دامعة:
وحشتينى ياجورى، وحشتينى أوى.
شعت السعادة في عيون جورية وهي تندفع إلى حضنه قائلة:
انت كمان وحشتنى ياجدى، وحشتنى أوى.

ضمها بحنان يريت على ظهرها وهو يقول:
متسيبينيش تانى ياجورى، أنا كمان من غيرك ولا حاجة.
إبتعدت عنه جورية تنظر إلى عينيه قائلة بثقة وعزم:
مستحيل هبعد عنك تانى، إنت روحى ياجدى، إنت متعرفش أنا بحبك أد إيه؟
إبتسم عزيز قائلا:
أنا كمان بحبك ياجورى، ربنا يخليكى لية ياحبيبتى.
إبتسمت جورية قائلة:
ويخليك لينا ياجدى.
نظرت إليه بإبتسامة ملأت وجهها، لتجد جدها مترددا، لتتسع إبتسامتها وهي تقول:
واقفة برة على فكرة.

نظر إليها قبل أن يقول بإضطراب:
هي مين دى؟
قالت جورية:
اللي عنيك وصوتك بيدوروا عليها، خالتى جليلة ياجدى.
قال عزيز وهو يطرق برأسه:
جرحتها أوى ياجورى، ومكسوف منها أوى، خايف تكون زعلانة منى و...
قاطعه صوتها الذي قال في حنان:
وأنا من إمتى زعلت منك ياعزيز؟

نظر إليها عزيز يتأمل ملامحها التي إشتاق إليها، لم يعلم كم تعنى له في حياته حتى إبتعدت عنه ليدرك أنها بالنسبة إليه لم تعد جليلة، أخت زوجته الراحلة، بل أصبحت لقلبه نبضاته وبإبتعادها ضعف قلبه وكادت أن تزوى تلك النبضات، ليقول إسمها بنبرات لم تسمعها منه من قبل:
جليلة.
نظرت إلى عيونه تلاحظ إختلاف نظراته ورقتها، تكمن في أعماق عينيه نظرة لطالما تمنتها، لتقترب منه وتمسك يده برقة تبتسم قائلة بحنان:.

اللي فات مات ياعزيز، وإحنا ولاد النهاردة.
إبتسمت جورية وهي تلاحظ ما يحدث بين هذين الزوجين، تدرك بكل قوة أنهما قد نسيا كل من حولهما حين تعلقت نظراتهما وتمسكت أيديهما ببعضهما البعض، لتبتعد جورية ببطئ، تاركة لهما الحجرة، يعبران عما أخفياه بصدريهما، ويبوحان بأسرار قلبيهما، ربما، لأول مرة.

أغلق خالد هاتفه في عصبية، ليستمع إلى صوت خلفه يقول بإبتسامة:
لسة برده مبتردش عليك؟
إلتفت إليه خالد عاقدا حاجبيه وهو يقول:
وإنت عرفت منين؟هي كلمتك؟قالتلك حاجة؟قالتلك مبتردش علية ليه؟
قال فراس بسرعة:
حيلك حيلك، هي لا كلمتنى ولا أنا كلمتها، وعرفت منين بقى فمن وشك، هتكلم مين ومش هيرد فتتعصب كدة وينقلب حالك، غيرها هي.
نظر إليه خالد في حنق قائلا:
طب خليك في حالك بقى.
قال فراس:.

طب إهدى بس، هتلاقيها نايمة شوية، أو عاملة تليفونها سايلانت، مش هتكون قاصدة يعنى متردش عليك.
رمقه خالد بنظرة جليدية ليقول فراس:
خلاص خلاص وأنا مالى.
ليلتفت مغادرا وهو يقول:
وأنا اللي كنت هديلك رقم خالتها تكلمها، يلا بقى ملكش في الطيب نصيب ياجدع، وعلى رأي المثل خير تعمل شر تلقى.

ليتوقف وترتسم على شفتيه إبتسامة وصوت خالد يصل إليه يناديه بحنق، ليلتفت إليه مزيلا إبتسامته، راسما وجه البراءة على ملامحه والذي أثار حنق خالد أكثر وأكثر، ليقول بحدة:
إبعتلى الرقم.
عقد فراس حاجبيه قائلا:
رقم إيه؟
قال خالد بحنق:
فراس.
قال فراس بسرعة:
خلاص خلاص هديهولك، بس هو مش المفروض تكافئنى وتعجل فرحى أنا و ليلة.
هدر خالد قائلا:
فرااااااس.
أمسك فراس بهاتفه بسرعة يبعث رقم خالة جليلة إليه وهو يقول:.

أدينى ببعتهولك أهو، هو الواحد ميعرفش يهزر معاك أبدا؟
ليسمع خالد نغمة الرسالة، ليفتح هاتفه بسرعة مبتعدا عن فراس دون كلمة، ليقول فراس بدهشة:
يالهوووى على الحب، بهدلتى الراجل ياجورى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة