قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن والعشرون

وبعض الحب يبقينا على ناصية الوجع.
وبعض القلوب إذا عشقت نشب بها العشق واستعر والنوم عليهم امتنع.
فرت جيوش الليل تملأ العين دمعاً ورسم الشوق السبل لعطر معشوق طاقت له المقل وكل الخطوب بالليل هاهنا تجتمع.
بقلم، حنان صلاح.

ربت الجد عزيز على يد جورية قائلا بحنان:
وليه مقلتليش الكلام ده كله ياجورى، ليه خبيتى علية؟
مسحت جورية دموعها بيدها الحرة وهي تطرق برأسها قائلة:
خفت أضايقك، ما أنا عارفة أد إيه بتخاف علية، فاكرنى ضعيفة ومش هقدر أميز الصح من الغلط ومشاعرى بتغلبنى، أنا فعلا مشاعرى بتغلبنى بس بقدر كويس أميز الصح من الغلط، وعشان كدة رفضت علاقتى بخالد، لإن خالد مش زي فهد، فهد كان لوحده، لكن خالد وراه عيلة، زوجة وطفلة.

لترفع عيناها إليه قائلة:
بس ياجدى، مراته حقيقى متستاهلوش، ومبتحبوش ولا هو بيحبها، يبقى ليه أعذب نفسى وأعذبه عشان واحدة زي دى؟
قال الجد بشفقة:.

عشان ده الصح ياجورى، لإن خالد عشان يكون ليكى، مينفعش تكونى مشاركاه مع واحدة حتى لو متستاهلوش، لازم يحسم قرارات علاقاته القديمة قبل ما يقرر يبدأ معاكى علاقة جديدة، وده معناه إنك عشان تفكرى في علاقة تربطك بخالد لازم يكون خالد مش مرتبط بأي حد، متشيليش ذنب مخلوق في رقبتك، فاهمانى يا بنتي؟

نظرت إليه جورية في حزن، تدرك أن جدها محقا، يقول بالضبط ما قاله لها عقلها مرارا وتكرارا، لقد حاولت التحايل على عقلها وهي تتبع قلبها ولكن جاء جدها وواجهها بتحذيرات عقلها، لتطرق برأسها تنوى الإبتعاد مجددا عن خالد، حتى يحسم علاقته مع تلك المرأة الأخرى، شاهيناز.

قال فراس بقلق:
برده مبتردش؟
لم يجبه خالد ولكن إنعقاد حاجبيه وملامحه المكفرة كانا خير جواب على سؤاله، ليقول فراس مستطردا:
انا كدة قلقت عليها بجد.
رمقه خالد بحدة ليسرع فراس مفسرا:
ياخالد إفهمنى، جورية بالنسبة لى الأخت اللي خدت بالى منها سنتين، كنت فيهم ليها زي ضلها وكانت زي ضلى، مكنش لينا حد واستقوينا ببعض، جورية أختى وهتفضل أختى، ودى حقيقة ثابتة، سواء عجبتك او لأ.

نظر إليه خالد بملامح جامدة لثوان ثم مالبث أن لانت ملامحه وهو يتنهد قائلا:
معاك حق، بس غصب عنى، بحبها وبغير عليها، وكمان قلقان عليها أوى.
إبتسم فراس بداخله، فتلك هي المرة الأولى التي يعترف فيها خالد بمشاعره صريحة وأمام فراس، ولكن لم تظهر إبتسامته على ملامحه وهو يقول بثبات رابتا على كتف خالد:
طيب اهدى شوية عشان البنات متلاحظش حاجة، و عموما بكرة هننزل مصر وتطمن عليها ياخالد.

أغمض خالد عينيه، فغدا يبدو بعيدا الآن، وهو قلق عليها بشدة، يود لو سافر الآن ليطمأن قلبه على حبيبته، جورية.

إقتربت جليلة من فتاتها الشاردة أمام شجرة الريحان، لتدرك تماما ماتفكر فيه، توقفت أمامها تماما، تقول بحنان:
جورى.
إلتفتت إليها جورية تبتسم إبتسامة باهتة وهي تقول:
جدى نام؟
أومأت جليلة برأسها قائلة:
أيوة، ووصانى نروح نطمن على شقة علا ونشوف لو ناقصها حاجة نكملها، إنتى عارفة إنهم أجلوا الفرح عشان خاطر جدك، وجدك شايل ذنبهم، وعايز يفرح بيهم في أقرب وقت.
تنهدت جورية قائلة:
جدى ده مفيش منه.

إبتسمت جليلة وهي تومئ برأسها في هدوء لتقول جورية:
وإمتى بقى هنفرح بيكم ياخالتى، مش خلاص، المية رجعت لمجاريها.
إبتسمت جليلة ولكن رغما عنها شاب إبتسامتها بعض الحزن وهي تقول:
صحيح أنا وجدك إعترفنا لبعض باللى في قلوبنا، بس جدك معرضش علية الجواز، الظاهر إن جوازنا هيفضل حلم في خيالى وبس ياجورى.
قالت جورية:
تحبى أكلمه؟
قالت جليلة بسرعة:
لأ طبعا، القرار ده لازم يكون نابع من قلبه وبس ياجورى وإلا مش هقبله.

لتحاول أن تنفض تلك الفكرة عن حديثهما مستطردة:
وبعدين متضيعيش وقت كتير، يلا كلمى علا عشان تيجى معانا الشقة ونشوف ناقصها إيه.
قالت جورية وهي تضرب بيدها على رأسها بخفة:
تليفونى، نسيناه في البيت من إستعجالنا ولبختنا.
قالت جليلة:
مش مشكلة هنكلمها من تليفونى.
قالت جورية بحنق:
ماهو كان جنب تليفونى وإحنا نزلنا من غير ماناخد حاجة غير شنطة إيدى وبس، واللي فيها الفلوس وجوازات السفر.

خبطت جليلة بيدها على جبينها بخفة بدورها قائلة:
يادى الحوسة، هنعمل إيه دلوقتى؟
قالت جورى بقلق:
ممكن نبعت حد لعلا، بس دى مش المشكلة، المشكلة في خالد اللي دلوقتى بيكلمنى ومبردش عليه، أكيد هيكون قلقان علية.
أومأت جليلة برأسها قائلة بأسف:
معاكى حق.
نظرت إليها جورية لثوان قبل أن تنظر إلى شجرة الريحان قائلة في أسى:.

يمكن كدة يكون أحسن، لإنى مكنتش هعرف أكلمه من غير ما أقوله على قرارى الأخير، وده صعب بجد أقولهوله في التليفون، لازم أشوفه ويكون وشى في وشه، ويارب أقدر.
نظرت جليلة إلى ملامح جورية الحزينة، لتدرك أن نهاية قصتهما لا ترضيها هي أيضا، ولكنها للأسف هي النهاية الصحيحة لعلاقة حكم عليها القدر بالفشل، او هكذا تظن.

تمددت ليلة على هذا السرير في حجرتها الجديدة، ودثرتها لين بالغطاء، لتنظر ليلة إلى محيطها موجهة حديثها إلى خالد وهي تقول بحيرة:
إحنا مرجعناش على بيتنا ليه ياخالد، جبتنا هنا ليه؟
تبادل خالد مع لين النظرات ثم نظر إليها قائلا بغموض:
هتعرفى بعدين ياليلة، المهم إنى مش عايز حد يعرف أبدا برجوعنا، مفهوم؟
أومأت برأسها دون أن تنطق لينظر خالد إلى فراس الذي يقف متابعا الحديث في صمت، ليقول بحزم:.

تروح دلوقتى دار النشر بتاعتك وتشوف لو جورية سايبة رسالة هناك، إنت عارف إن عاصم لما بعته يسأل عليها قال إن البواب قاله إنها سابت البيت هي وخالتها، وإنها كانت مستعجلة ومن ساعتها مرجعتش، فالأغلب إنها رجعت المزرعة وسايبالك رسالة بكدة، رغم إنه إحتمال ضعيف، لكن مفيش أدامى غيره، لو ملقتش رسالة منها، تطلع على المطار وتسأل عنها وتتأكدلى إنها سافرت في طيارة الوادى في اليوم اللي قال عليه البواب، لو مكنش ورايا النهاردة كذا مشوار مهم، كنت سافرت وراها علطول، عموما نفذ اللي قلتلك عليه ورد علية، مفهوم؟

أومأ فراس برأسه قائلا:
مفهوم.
ثم نظر فراس إلى ليلة يقول لها بشفتيه دون صوت:
مش هتأخر.
أومأت برأسها يعلو وجهها إبتسامة رقيقة، ليبتسم بدوره ولكنه إنتفض على صوت خالد وهو يقول بحدة:
يلا يافراااس.
قال فراس بسرعة:
طيب، طيب، ماشي علطول.
وإلتفت مغادرا بسرعة، لتقول ليلة بعتاب:
ليه بس كدة ياخالد؟، بالراحة شوية على فراس، هو لسة مخدش على طبعك.
قال خالد بلا مبالاة:
بكرة ياخد.
ثم نظر إلى لين قائلا:.

أنا مضطر أمشى دلوقتى، ورايا شوية حاجات هخلصها وأرجعلكم، لو إحتاجتوا حاجة بلغونى علطول.
أومآ برأسيهما بينما إقترب خالد من ليلة ليميل مقبلا جبهتها بحنان قائلا:
إرتاحيلك حبة وحاولى تنامى.
أومأت برأسها موافقة، ليعتدل مقتربا من لين مقبلا رأسها وهو يقول:
مش هوصيكم على بعض، وأنا مش هتأخر، سلام.
ليبتعد مغادرا تتابعه عيون الفتاتين، إحداهما تعلم ما ينتوى أن يفعله خالد، تماما.

لم تصدق نفسها حين رأت رقمه يزين شاشتها، لتفتح الهاتف على الفور تقول بعتاب إمتزج رغما عنها بالشوق:
كدة برده، كل ده متكلمنيش؟
قال بمداهنة:
معلش ياقلبى، كنت مشغول أوى، ما إنتى عارفة.
تمددت في سريرها تمسك خصلة من شعرها تلفها على سبابتها وهي تقول بدلال:
مشغول عنى أنا، حبيبتك شاهيناز.
كاد أن يطلق ضحكة ساخرة ولكنه إمتنع في اللحظة الأخيرة وهو يقول:
محبتش أكلمك غير وأنا محضرلك مفاجأة.
لمعت عيناها وهي تقول:.

مفاجأة؟
قال بصوت ظهرت فيه إبتسامته:
أنا جيت القاهرة.
إعتدلت بسرعة وظهرت الفرحة جلية على ملامحها وهي تقول:
إنت بتتكلم جد يا مؤيد؟
قال مؤيد:
طبعا بتكلم جد، أصلك وحشتينى أوى، ومستنيكى في أي وقت، ها، فاضية إمتى؟
قالت بلهفة:
دلوقتى حالا طبعا.
قال بصوت ظهرت به سخريته رغما عنه وهو يقول:
تمام أوى، تنورينى ياقطة، سلام.

أغلقت الهاتف بسعادة فلم تلاحظ نبراته الساخرة من فرط سعادتها، لتهبط من على السرير بلهفة، تسرع إلى دولاب ملابسها، تختار منه ما يناسب هذا الميعاد المصيري، مع حبيب قلبها، مؤيد.

كان خالد يقود السيارة يحاول تفادى الزحام في تلك المنطقة بهذا الوقت، يشعر بالتوتر في جميع أنحاء جسده، فاليوم لديه العديد من المشكلات والتي يجب أن يضع لهم جميعا حلا، وقد بدأ بالمشكلة الكبرى في حياته، شاهيناز، لقد طلقها الآن وأصبح حرا، حرا أخيرا ليستطيع الإقتراب من حبيبته دون أن تخشى شيئا من ماضيه، حرا ليتبع قلبه، لتتبقى أمامه فقط مشكلة بسيطة بالعمل وسيعمل على حلها اليوم أيضا أما المشكلة التي يرغب لها في حل ولكن إرتباطاته اليوم تمنعه من أن يسعى إلى حلها، هي معرفة مكان جورية، ورغم ثقته بوجودها في المكان الذي يلى شقتها هنا في القاهرة أهمية لديها(المزرعة)، إلا أنه يتعجب من سفرها إلى الوادى بعد ما حدث في المرة الأخيرة، يتساءل في صمت، ترى هل حدث شئ هناك إضطرها للذهاب؟

كاد أن يصطدم بالسيارة التي أمامه ليتفاداها بصعوبة وهو يخبر نفسه بأن عليه تنحية أفكاره جانبيا وهو يقود، وإلا حدث حقا ما لا يحمد عقباه.

إقترب فراس من ليلة يجلس بجوارها قائلا بهدوء:
يا ستي قلتلك متقلقيش، هي صحيح مسابتليش رسالة في الدار، بس ده عشان كانت مستعجلة زي ما البواب قال، بس أنا إتأكدت بنفسى إنها سافرت الوادى.
قالت ليلة:
ما هو إستعجالها ده اللي قالقنى ومش مريحنى، تفتكر جدها كلمها وهددها يا تيجى الوادى وتتجوز اللي هو إختارهولها يايحرمها من الميراث؟
خبط فراس على رأسه بخفة قائلا:.

يادى الروايات اللي لحست دماغك دى، الكلام ده مبيحصلش في الحقيقة يا ماما.
قالت بعناد:
أولا إنت اللي بتنشر الروايات اللي لحست دماغى يافراس، ثانيا، الحاجات دى بتحصل، إش فهمك إنت؟أومال هم بيجيبوا الكلام ده منين؟
إبتسم قائلا:.

من خيالهم ياقلبى، ثم تعالى هنا، لنفترض مثلا إن ده بيحصل في الحقيقة، في حالة جورية مستحيل يحصل، لإن لا جدها ممكن يغصب عليها في الجواز، وإلا كان غصب عليها من زمان، ولا جورية ممكن تتأثر بتهديد زي ده، ساعتها هتقوله إحرمنى من الميراث ياعم الحاج.
جورية ميهمهاش الفلوس، أهم حاجة عندها قلبها واللي بتمشى وراه وموديها في داهية دايما.
مطت ليلة شفتيها بحزن قائلة:
وهو خالد داهية برده يافراس؟

نظر فراس إلى شفتيها الممطوطتين بعيون غائمة من المشاعر ليقول بصوت ظهرت فيه مشاعره:
أنا يا ستي اللي داهية بس أبوس إيدك إرحمينى وخدى بالك من تصرفاتك شوية، أنا ماسك نفسى بالعافية.
مررت لسانها على شفتيها تشعر بجفاف في حلقها من نظراته التي إنصبت عليها لتقول بحيرة:
وأنا عملت إيه بس؟

جاءت حركتها تلك لتقضى على كل ذرة مقاومة لديه ليقترب من شفتيها يخبرها بطريقة عملية ما الذي فعلته لتجعله يتلظى بنيران الشوق إليها.

كانت لين تجلس في حجرتها بعد أن تركت حجرة أختها عندما جاء فراس، تشعر بأنها تقف بينهم كعزول أو شرطي حراسة، أحست بالخجل فإنسحبت بهدوء وإتجهت إلى حجرتها، ترجع بذاكرتها إلى الوراء، إلى أيامها مع مؤيد حيث كان الحب يظلل بجناحيه عليهما كما يفعل الآن مع أختها وزوجها، تندم بشدة لإستسلامها لسموم تلك الأفعى والتي تركتها تسمم حياتها، وتقتلها بالبطئ، مدت يدها وأخرجت سلسالها الذهبي من داخل ياقة فستانها، تنظر إلى ذلك القلب الذي يتوسطه، لتفتحه بتردد، تنظر إلى تلك الصورة بداخله، كانت صورة لها مع مؤيد، تحمل نظرات الحب بينهما وتلتمع العيون بسعادة لطالما ظللت حياتهما، نفس الصورة التي تقبع على مدفأة منزلهما، تقصد ما كان منزلهما، ترى هل أزال تلك الصور؟هل مزقها أم أحرقها، أم إحتفظ بها؟لا تدرى حقا، رفعت إصبعها تمرره على وجه حبيبها بحنان، كم إشتاقت إليه حقا، إشتاقت لكلماته، لتدليله إياها، لأنفاسه التي لطالما إمتزجت بأنفاسها، لحضنه، مأواها وملجأها، إشتاقت إليه بكل ذرة في كيانها، ترى هل إشتاق إليها بدوره؟وأين هو الآن؟

إنها تبغى قربا مستحيلا، ولكنها ستظل تأمل في أن يجمعها به القدر يوما بإرادته أو حتى، رغما عنه.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة