قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السادس عشر

أتدرون من أنا؟، أنا أحلام تلك الفتاة، مشاعرها التي تخفيها عن الجميع، أحاول أن أدفعها الى الأمام، فلا أستطيع، تقاومنى بضعفها، بخضوعها، فأخشى أن تضيع، أحاول من جديد، أستميت، أحركها خطوة، فتتراجع، تشعرنى بالصقيع، أخشى أن أختفى يوما، أن يزول عالمى البديع، فخنوعها يقتلنى، وأنا في سن الصبا، سن الربيع.

أسرع نبيل إلى حجرة مؤيد وعلى وجهه تبدو ملامح السعادة وهو يقول:
مصدقتش البواب لما قاللى إنك...
ليتجمد تماما في مكانه وهو يرى الحجرة محطمة عن آخرها ومؤيد يجلس في أحد الأركان على الأرض يضع كفاه الداميان على وجهه يخفى ملامحه، ليسرع نبيل إليه يجلس القرفصاء أمامه وهو يجذب يدا مؤيد بين يديه يتفحصهما بقلق، فزفر حين رأى أنها فقط بعض الخدوش، ليقول بلوم:.

إيه بس اللي إنت عامله في الأوضة وفى نفسك ده يامؤيد، إيه في الدنيا يستاهل تإذى نفسك بالشكل ده عشانه؟
نزع مؤيد يداه من يدي نبيل وهو يقول بألم:
دبحتنى بسكينة تلمة يانبيل، حاكمتنى وحكمت علية، كانت القاضى والجلاد، وبقيت مذنب في نظرها من غير أي ذنب أنا عملته، ظلمتنى بماضية قبلها، ماضى كان غصب عنى وانت عارف، ما أنا إتربيت على ايدين أب مستهتر وطلعت زيه، بس إتغيرت لما عرفتها.

لتقطر المرارة من صوته وهو يستطرد قائلا:
بس تعرف ذنبى إيه بجد؟
لم يتفوه نبيل بكلمة، ليقول مؤيد وهو يضرب قلبه:
ذنبى إن قلبى ده حبها، قلبى اللي عمره مادق لحد غيرها ولا عمره هيدق لحد تانى بعدها، قلبى اللي لسة باقى عليها وبيحبها لغاية اللحظة دى رغم إن عقلى مصمم إنها متستاهلش الحب ده، ليه يانبيل؟ليه الحب عذاب أوى بالشكل ده؟ليه ميبقاش زي الروايات والأفلام، كله فرح وسعادة ومفيهوش وجع.

قال نبيل بهدوء حزين على صديقه:
إنت قلتها بنفسك، الكلام ده بيحصل بس في الافلام والروايات، لكن في الحقيقة، الحب زي الدنيا، فيه الحلو وفيه المر، عايز تعيشه يبقى تحلى مره، وترضى بيه.
أسند مؤيد رأسه إلى ظهر الحائط وهو يغمض عينيه قائلا:.

مبقتش قادر أتحمل يانبيل، تعبت، صدمة ورا صدمة، مبفوقش، ياريتنى فضلت فاكر إنها سابتنى عشان تخلف، كان أهون علية من خيانتى اللي رميتها في وشى وكانت مصدقاها، مصدقة إنى ممكن بعد ما حبيتها وإتجوزتها وبقت بالنسبة لى دنيتى كلها، أبقى في الآخر بخونها وخلفت من غيرها كمان.
قال نبيل بحزن:
إنت عرفت؟
فتح مؤيد عيونه وهو يحدج نبيل بنظرة فاحصة قائلا بحدة:
وإنت كنت عارف؟صح؟
قال نبيل بهدوء:.

لسة عارف من يومين بس، لما إختفيت، ربطت إختفائك بإختفاء لين، وكلمت صاحبتها سها اللي كانت قلقانة عليها أوى و حكتلى كل حاجة.
لمعت عينا مؤيد وهو يعتدل قائلا:
قالتلك كل حاجة؟
أومأ نبيل برأسه ليقول مؤيد:
وقالتلك على إيه كمان، ها؟قالتلك إسم الأفعى اللي بخت السم في ودنها.
أومأ نبيل برأسه مجددا، ليمسك مؤيد بذراعه قائلا برجاء:
هي مين يانبيل؟، قوللى وريحنى.
نظر إليه نبيل بنظرة ذات مغزي قائلا:.

هتكون مين يعنى؟، اللي ياما حذرتك منها وقلتلك إنها مش سهلة أبدا، اللي وقعتك في ألاعيبها قبل كدة وبرده ما إعتبرتش ولا خدت حذرك منها، وأهى في الآخر لعبت لعبتها صح، وفرقت بينكم بخطة جهنمية.
إتسعت عينا مؤيد في صدمة قائلا:
إنت قصدك...
وترك جملته معلقة ليقول نبيل بتقرير:
أيوة هي، شاهيناز.
ليعقد مؤيد حاجبيه بكره وقسوة، تتحول ملامحه المصدومة لملامح باردة صقيعية، وهو يقول بوعيد:.

بقى كدة، إن ما وريتك ياشاهيناز، إن ما دفعتك التمن غالى، مبقاش أنا، مؤيد الحسينى.

كانت ليلة تتجه إلى سيارتها مطرقة الرأس بحزن، ستعود إلى المنزل، فلقد اعتذرت عن حضور باقى المحاضرات، لتنوى أن تطلق دموعها الحبيسة داخل مقلتيها في حجرتها، رافضة عرض صديقتها لبنى القلقة عليها لمصاحبتها إلى المنزل، وهي تلاحظ حالة ليلة الغريبة تلك من الصمت المطبق والشرود الحزين، فحاليا ليلة لا تبغى سوى الوحدة، والوحدة فقط، بعد ان علمت بخطبتها لإبن عمها دون علمها، وإستحالة أن يسحب خالد موافقته على هذا الزواج ويرضخ لرغبتها في الزواج من فراس، من يدق القلب فقط لذكر إسمه، فما بالها بمرآه والإستماع إلى كلمات الحب من بين شفتيه، رفعت رأسها فحانت منها نظرة إلى سيارتها لتتجمد في مكانها وهي ترى فراس يقف أمامها مستندا إلى سيارتها في كسل، يتطلع إلى هاتفه بتركيز، ليبدو كنجوم السينما تماما، كبطل من أبطال رواياتها، قد خرج منها وتمثل أمامها، تبا، ياله من رجل وسيم، ذو أخلاق، شخصية رائعة جذبتها على الفور، لم تجذبها شخصيته فحسب، بل دق لكيانه قلبها، وبقوة.

رفع عيناه في تلك اللحظة إلى حيث تقف تماما فإعتدل على الفور وهو يبتسم تلك الإبتسامة الخلابة التي تسارع من دقات قلبها، لتنفض جمودها وتنحى مشاعرها جانبا وهي تقترب منه بهدوء، لتختفى إبتسامته ويحتل القلق ملامحه، ليبادرها على الفور ما إن وقفت أمامه قائلا:
إحكيلى، فيكى إيه، حد ضايقك؟

إهتزت دقات قلبها مع شعورها بقلقه في نبرات صوته وكلماته المهتمة، لم تدرى بما تجيبه؟هل تخبره الحقيقة؟أم تدعى المرض؟لتفضل أن تكون صريحة كما كانت دائما، فلا فائدة من إخفاء الحقيقة عنه، فرغما عنها سيعرفها، آجلا أم عاجلا، حين يطالبها بقرار أخيها في إرتباطهما، لتتطلع إلى عينيه اللتين تجذبانها دائما بنظرتهما الهادئة القوية والتي تبث الأمان في نفسها، قائلة بألم:
مش هينفع نتجوز يافراس.
عقد فراس حاجبيه قائلا:.

قصدك إيه؟ليه بس مينفعش؟إنتى لغاية إنبارح بس كنتى موافقة، إيه اللي غير رأيك فجأة؟
أغروقت عيناها بالدموع قائلة:
أنا مغيرتش رأيي، صدقنى غصب عنى، خالد رفضك.
تراجع فراس خطوة للوراء وهو ينظر إليها بصدمة يردد قائلا:
رفضنى؟
نزلت دموعها على وجنتيها قائلة:
إنبارح كنت أسعد بنت في الدنيا، والنهاردة أنا أتعسهم، حياتى بقت سودة أوى يافراس، ومش لاقية لسوادها ده حل.

تمالك فراس نفسه وهو يراها بتلك الحالة اليائسة تزرف دموعا تقطع نياط قلبه، ليمد يده إليها قائلا:
طب إهدى متعيطيش وتعالى معايا نقعد في مكان هادى تحكيلى فيه على كل حاجة، وإن شاء الله ليها حل، طول ما أنا معاكى مش عايزك تخافى او تقلقى.

نظرت إلى يده الممدودة إليها في تردد دام ثوان قبل أن تحسم رأيها وتمد له يدها ليلتقطها ويضم كفها بيده بقوة، تمتزج بالرقة، يخبرها أنه معها وأبدا لن يتركها مهما حدث، لتنظر إلى عينيه وقد إنتقل عزمه وإصراره إليها، ليسيرا متجهين إلى سيارته، بينما تابعت عينان غاضبتان ما يحدث، ليرفع صاحبهما هاتفه يطلب رقما ما، قبل أن يرد عليه محدثه، ليقول بغل:.

خالد بيه، أنا دكتور وليد، الدكتور اللي بدرس لليلة أختك في الجامعة واللي سبق وطلبت الآنسة أختك من حضرتك ورفضت.
إنتفض وبدا أن رد خالد الجاف أجفله ليقول بحدة:
أنا عارف إنها مخطوبة زي ما حضرتك قلتلى وإن الموضوع خلص وأنا أكيد مش بفتح في مواضيع إنتهت، أنا بس حابب أنبه حضرتك إن الهانم أختك لسة ماشية حالا مع واحد أنا متأكد إنه مش ابن عمها خالص ولا يبقى خطيبها، سلام.
ليغلق الهاتف وهو يقول بغضب:.

إيه العيلة دى، الحمد لله إنى مناسبتشهاش، بس برده، مش أنا اللي أترفض ياست ليلة، ويتنفضلى وتفضلى علية الحيوان ده، إشربى بقى، وبالهنا والشفا مقدما.

كانت جورية تربت على عنق مهرة بحنان، تقول بحزن:.

مش قادرة أنساه يا مهرة، مش قادرة أطوى صفحته من حياتى زي ما خالتى جليلة قالتلى، مش قادرة أمحيه من قلبى وعقلى، إنتى كنتى شاهدة على قصة حبنا يامهرة، أنا مخبتش عنك حاجة، كنت بقولك على مشاعرى أول بأول، وهنا ومعاكى كان وداعنا، يومها قاللى أدامك إنى حياته وإنه مش هيرجع غير ومعاه اللي يخلينى ويخليه مع بعض للأبد، هنا كانت أول وآخر لمسة لمسهالى، فاكرة يامهرة؟فاكرة؟
...
نزلت دموع جورية وهي تقول بضعف:.

قلبى بيوجعنى يافهد، مش متطمنة، دى أول مرة تبعد عنى من يوم ما شفتك.
مد يده يمسح تلك الدموع المتساقطة على وجنتيها وهو يقول بحنان:.

متعيطيش ياجورى، مش حابب أسيبك ودموعك على خدك وتكون دى آخر صورة ليكى في قلبى، أنا عايزك جورى المليانة بالأمل والحياة، جورى اللي إديتنى الطاقة اللي قدرت بيها أتغلب على كل اللي حصلى، جورى اللي إبتسامتها بتنور حياتى كلها، يلا بقى، عايز أشوف الإبتسامة دى قبل ما أمشى، ووعد منى مش هتأخر عليكى أبدا.

إبتسمت إبتسامة مهزوزة لم تصل لعينيها الحزينتين، ليستسلم فهد لمشاعره التي قاومها كثيرا، وهو يضم وجهها بين يديه، يقترب من شفتيها فجأة ويأخذهم بين شفتيه، إنتفضت جورية فتلك كانت قبلتها الأولى منه والتي إجتاحت شفاهها العذرية، ورغما عنها وجدت نفسها تقبله بدورها، كانت في البداية قبلة قوية يحاول أن يطمئنها بها وكانت هي تحتاج لهذا الإطمئنان، لترق تلك القبلة بعد ذلك وتنعم، رفعت جورية يدها ووضعتها على صدر فهد القوي بينما أنزل فهد يديه وضمها إليه، فأصبحت القبلة قبلات، كادا أن تضعف مشاعرهما ويقعا في المحظور، ويد فهد تتسلل من تحت بلوزة جورية القطنية تلمس جسدها الرقيق، فتثير فيهما أعتى المشاعر، إحتاج فهد لكل قوته كي يبتعد عن جورية في تلك اللحظة، ينظر إلى ملامحها الغير مستوعبة لبعده عنها، يتأمل شعرها الذي تشعث قليلا، وعيونها التي غامت بالمشاعر، يؤلمه قلبه حد الموت لإبتعاده عنها، يريد فقط العودة إليها والنهل من شهدها مجددا ولكنه يخشى عليها من نفسه فهي أغلى عليه من تلك النفس التي تريدها بقوة، هي، بريئته الجميلة الحبيبة، التي بدات تستوعب الآن ما كاد يحدث بينهما لتتسع عيناها بصدمة، مد يده بسرعة آخذا إياها في حضنه، قاومته في البداية وهي تضربه على صدره، تحاول الإبتعاد عنه ولكنه ضمها إليه بقوة يحتويها، وهو يقول بهمس:.

هش، متخافيش منى، أنا مش ممكن أأذيكى، إنتى روحى ياجورى، فيه حد في الدنيا يإذى روحه، لحظة ضعف منى وراحت لحالها خلاص، وأوعدك إنى مش هلمس شفايفك تانى غير وإحنا متجوزين، وساعتها مش هبعد، لإنى يوم ما هلمس شفايفك تانى مش هسيبهم أبدا.
هدأت جورى وإستكانت داخل حضنه، تستمع إلى خفقاته المتسارعة للحظات قبل أن تقول بألم:
متسافرش يافهد، هتوحشنى، أنا مش عايزاك تسافر.
قال فهد وهو يربت على شعرها بحنان:.

مش هينفع ياجورى، أنا مبقتش قادر أبعد عنك بعد ما اعترفتلك بمشاعرى وإتأكدت إن إنتى كمان بتحبينى، عايزك في بيتى النهاردة قبل بكرة، عايزك في حضنى، عايز أصحى الصبح أشوف وشك الجميل ده على صدرى، وإبتسامتك تنور يومى ياحبيبتى.
إبتعدت عنه تنظر إلى عيونه بعشق قائلة:
أنا كمان نفسى ابقى مراتك وأشيل إسمك، النهاردة قبل بكرة، بس خايفة، مش قادرة أحس غير بالخوف وبس يافهد.

إبتسم فهد وهو يرفع يده يقرصها في وجنتها بخفة قائلا:
متخافيش ياقلب فهد، انتى عارفة عزت، الظابط اللي إتعرفت عليه من شهرين ده، وإدالى رقمه وعنوانه في القاهرة، هروحله وهطلب منه يدور علية في السجلات ومش هرجع غير ومعايا بطاقتى عشان نتجوز علطول ياحبيبتى.
، عادت جورية من ذكرياتها إلى قلب الواقع ثم تنهدت وهي تقول موجهة حديثها إلى مهرة:.

كان قلبى حاسس يامهرة إنى مش هشوفه تانى، ياريته ماسافر، ياريته كان فضل هنا جنبى، كان مش مهم نتجوز بس كان يفضل فهد، حبيبى اللي بيحبنى من كل قلبه، كان يفضل حبيبى اللي مشتاقة لنظرته، ولحنيته، مشتاقاله أوى يامهرة.
إنتفضت على صوت جدها وهو يقول:
مشتاقة لمين يا بنتي؟
نظرت جورية إلى جدها لتقول بإرتباك:
ها، آه، أنا كنت لسة بقول لمهرة إنى مشفتش وليدها ومشتاقاله ياجدى، إيه رأيك توريهولى؟

تأملها عزيز بنظرات متفحصة ثم إبتسم قائلا:
تعالى أوريهولك، وأهو بالمرة تسميه، أنا كنت مستنى لما أشوفك عشان أسألك، ها، هتسميه إيه؟
شردت جورية للحظة قبل أن تقول في تصميم:
هسميه فهد، فهد ياجدى.
لم يرضى الجد عن هذا الإسم الذي يعيد إليه ذكريات ذلك الخائن الذي أحزن حفيدته وأضناها، وربما ذكرها به هذا المولود كلما نادته بهذا الإسم، ولكنه لم يرغب في مجادلتها، يريدها فقط أن تكون سعيدة، لذا قال بهدوء:.

فهد، ماشي، زي بعضه ياجورى، هنسميه فهد.
شعت عيون جورية بالسعادة وهي تحتضن جدها برقة ليضمها إليه يغمض عينيه برضا، فيكفيه سعادتها تلك ليدرك أنه على صواب.

ربت فراس على يد ليلة قائلا:
إهدى بس ياليلة وفهمينى، إيه الحكاية؟
نظرت إليه ليلة وهي تقول بمرارة:
الحكاية إنتهت خلاص يافراس.
عقد فراس حاجبيه قائلا:
حكاية إيه اللي خلصت؟
قالت ليلة وهي تطرق برأسها حزنا:
حكايتنا يافراس.
مد يده يرفع ذقنها لتواجهه عينيها المغروقتين بالدموع، قال لها بهدوء يحاول أن يخفى به إضطراب مشاعره:
أي شئ في الدنيا أستحمله إلا دموعك، إحكيلى وبإذن الله كل مشكلة وليها حل.

نظرت إلى عيونه للحظات لاتدرى كيف تخبره بالأمر، ثم ما لبثت أن حسمت رأيها قائلة:
أنا طلعت مخطوبة يافراس.
تراجع فراس في مقعده، تبدو على ملامحه الصدمة، لتستطرد قائلة بحزن:
سمير ابن عمى اتقدملى وخالد وافق، وأجل الخطوبة لغاية ما أخلص كلية السنة دى، كل ده وأنا معرفش حاجة، إتفاجئت بس النهاردة بالكلام ده.
تمالك فراس نفسه وهو يقول:
نفسخ الخطوبة، ويرفض خالد ابن عمك، مفيش جواز بالغصب.
قالت ليلة بمرارة:.

ده في الروايات بس يافراس مش في الحقيقة، انت متعرفش خالد، مادام قال كلمته لإبن عمى يبقى مستحيل يرجع فيها، أبدا.
قال فراس بحنق:
يعنى إيه مستحيل، طب والحب اللي بينا، يضيع كدة عشان كلمة، ممكن تتسحب بسهولة، خصوصا لما خالد يعرف إنك مبتحبيهوش وبتحبينى أنا؟
هزت ليلة كتفيها بقلة حيلة قائلة:.

خالد أصلا مبيعترفش بالحب فمش هيقدر يفهم إحساسنا، الأمل الوحيد اللي كان أدامنا هي جورية، وحبه ليها اللي كان هيخليه يعترف بمشاعرنا، و جورية راحت وراح معاها أملنا.
قال فراس في تصميم:
مراحش ولا حاجة، أنا مش هيأس أبدا، هحاول مع أخوكى مرة وإتنين وتلاتة، لغاية ما يوافق، أنا مستحيل أسيبك تضيعى منى بعد ما لقيتك.
نهضت ليلة تقول بحزن:.

صدقنى يافراس، أنا عارفة أخويا كويس، مستحيل هيرجع في كلمته ومستحيل هيوافق، واذا كنت فكرت للحظة إنى ممكن أقف أدامه ففى اللحظة دى متأكدة إنى مش هقدر، فحاول تنسانى، زي ما هحاول أنا كمان أنساك.
أشاحت بوجهها عنه وهي تستدير مغادرة ليستوقفها فراس بكلماته وهو يقول:
بالسهولة دى ياليلة بتتخلى عنى؟
أغمضت ليلة عيناها بألم، قبل أن تفتحهما وهي تستدير بوجهها إليه قائلة بحزن:.

مش بسهولة صدقنى، بس أنا أكتر واحدة عارفة خالد، مستحيل هيفضل حد على إبن عمه اللي بيحبه، وعشان مقدرش أكون لحد غيرك، عشان بحبك بجد، مش هقدر أتجوزه، ولا هقدر أتجوزك، يعنى خلاص، إتحكم علية أعيش العمر تعيسة يافراس، تعيسة و وحيدة، فبلاش تظلمنى.
أغروقت عيناها بالدموع وهي تسرع بالمغادرة، تتابعها عيون فراس الحزينتان، قبل أن تقسو تلك العينان وهو يقول بتصميم:.

وأنا وعدتك إنى مش هسيبك، وعدتك إنى هفضل جنبك مهما حصل، وأنا عند وعدى ياليلة، حتى لو إضطريت أقف قصاد أخوكى، مش هتردد ثانية واحدة.
لينهض واضعا بعض المال على الطاولة، ثم مغادرا المكان بخطوات مسرعة.

كان خالد يزرع الغرفة جيئة وذهابا في غضب، لقد إتصل مرارا وتكرارا بأخته ولكن هاتفها مغلق دائما، يدرك أنها الآن تجالس هذا المدعو فراس، تتحدى تحذيره لها بنسيان أمره كلية، توقف حين رآها تدخل من الباب، يبدو الحزن على ملامحها، نظرت إليه بنظرة خالية من الحياة، ثم أكملت طريقها مطرقة الرأس، لم تلقى عليه السلام أو تمزح معه كعادتها، آلمه ذلك وآلمه ما سيفعله ايضا، ولكنه للأسف مضطر لفعله، ليستوقفها قائلا بحدة:.

إستنى هنا، رايحة فين؟
توقفت وإستدارت تنظر إليه قائلة بنبرة خالية:
رايحة على أوضتى.
إقترب منها حتى توقف أمامها تماما، يحدجها بنظرة غاضبة وهو يقول:
كنتى فين؟
كادت أن تكذب عليه وتخفى الحقيقة، تجنبا لنوبة من التقريع هي في غنى عنها الآن وهي في تلك الحالة النفسية السيئة، ولكنها أبدا لم تكن من هذا النوع الذي يكذب دون أن يغمض له جفن، وخصوصا خالد، لم تكذب عليه قط ولن تبدأ الآن، لتقول ببرود:
كنت مع فراس.

حسنا، لم تكذب عليه، مازالت هي ليلة أخته التي يعرفها، ولم يؤثر عليها هذا الفراس بالسلب، ليقول لها بصرامة:
وأنا مش منعتك من إنك تشوفيه أو تعرفيه تانى، مش قلت الحكاية دى تنتهى؟
نظرت إلى عيونه مباشرة قائلة بألم تناثر في كلماتها:
كنت بشوفه لآخر مرة عشان أبلغه كلامك، كنت بدبحه وبدبح نفسى بسكينة رفضك، كنت بحضر جنازة قلبى ياخالد، قلبى اللي من النهاردة مات مع موت قصة حبى اللي ملحقتش أفرح بيها.

كاد خالد أن يتحدث فأشارت له ليلة بالصمت قائلة:
من فضلك، أنا بجد تعبانة، ياريت تسيبنى أعيش وجعى، لوحدى، ياريت تسيبلى فرصة أتعامل معاه، من فضلك، ولغاية ما ده يحصل، ياريت منفتحش الموضوع ده تانى، عن إذنك.

تركته وغادرت متجهة لحجرتها بخطوات سريعة يكاد يسمع شهقاتها، ليدرك أنها تبكى، أغمض عيناه بحزن، لديه شعور يزداد منذ أن رآها، شعور طاغ بأنه لا يفعل الشئ الصحيح، بل يخطئ تماما في حقها وهو يسحب منها حرية الإختيار لشريك حياتها بقبوله لسمير ورفضه فراس، يحولها لتكون مثله تماما، تعيسة غير راضية بالمرة عن حياتها، ويالها من تعاسة لا تحتمل.

كانت شاهيناز تجلس على سريرها، تتأمل صفحة مؤيد الشخصية، وصوره القابعة بها، تمرر يدها على وجهه بعشق، تقول بصوت هامس:.

ليه بس ياحبيبى إخترتها هي ومخترتنيش أنا، أنا قريبتك اللي وقعت في حبك من أول يوم شفتك فيه، حاولت ألفت نظرك كتير بس انت عمرك ماشفتنى، كنت بغير عليك من كل البنات اللي حواليك وياما فرقت بينك وبينهم من غير ما تحس، بس انت مكنش بيهمك، كنت بتلاقى غيرهم كتير، ولما حاولت أوقعك وأخليك مضطر تتجوزنى، نكرتنى وسمعتنى كلام كتير دمر قلبى، إضطريت أشوف حد يستر علية، عرضت الجواز على خالد، وإتجوزته بسرعة وفى ليلة الفرح عرف إنى مش بنت، كان هيطلقنى بس أنا عيطت وحلفته بشهامته يستر علية، وعدته إنى انا وفلوسى هنكون تحت أمره، وفعلا سكت وكملنا، بس كملنا زي الأغراب، ولما عرف إنى حامل، بدأ ينسى شوية، لكن كل فترة بيفكرنى، كل فترة بسمع منه أد إيه كان شهم ومفضحنيش، لما خلاص مليت وزهقت من الحياة الباردة اللي عايشاها معاه وانا مذلولة، لو كنت بس رضيت بية، مكنش ده بقى حالى، كنت عشت معاك الحلم اللي حرمتنى منه وعشته مع لين، نفسى أعرف، فيها إيه لين أحسن منى، فيها إيه مكنش فية، عموما، أنا خلاص مبقتش باقية على حياتى مع خالد، وانا وراك يامؤيد لغاية ما تكون لية أنا وبس.

نزلت من عينيها دمعة واحدة مسحتها وهي تتأمل صوره مجددا، لتنتفض على صوت دخول أحدهم الحجرة، أغلقت الهاتف بسرعة وهي تنظر إلى الباب لتشعر بالصدمة وهي تطالع لين التي تقف بجوار الباب تنظر إليها ببرود ثلجي، أحست شاهيناز بالإضطراب فمنذ أن عادت لين البارحة، وشاهيناز تلتزم حجرتها، تخشى ملاقاة لين، تخشى ان يكون سرها قد كشف، ومن ذلك البرود الذي يكسو ملامح لين تستطيع شاهيناز أن تدرك أن سرها قد كشف بالفعل، لتقول بإرتباك:.

حمد الله على السلامة يالين، تعالى إدخلى واقفة عندك ليه؟
ظلت لين واقفة مكانها وهي تقول ببرود:
عندى ليكى سؤال واحد بس ومحتاجاله إجابة.
إبتلعت شاهيناز ريقها وهي تقول:
سؤال إيه ده؟
قالت لين:
فين مكان بنت مؤيد، عايز أعرفه، وحالا؟
قالت شاهيناز بإضطراب:
معرفش، قصدى يعنى، آخر مرة شفتها كان في اليوم اللي خدت منها عينة وبعدها مشفتهاش تانى.
قالت لين بصرامة:
يبقى قومى بينا نروح الملجأ، ما أنا لازم أشوفها، مفهوم؟

تلعثمت شاهيناز قائلة:
ما هو، أصل أنا مقلتلكيش، أنا روحت بعدها ولما سألت عليها قالولى إنها هربت وميعرفوش عنها حاجة.
حدجتها لين بنظرة لا تحمل أية مشاعر بها، ثم قالت بهدوء:
إسم الملجأ ده إيه؟
إبتلعت شاهيناز ريقها وهي تقول:
معرفش، قصدى مش فاكرة يالين؟
قالت لين بسخرية:
مش فاكرة؟إنتى متأكدة إنك مش مخبية عنى حاجة ياشاهى؟
قالت شاهيناز بإضطراب:
أيوة، متأكدة طبعا، هخبى إيه بس؟

لتأخذ طريقة الهجوم خير وسيلة للدفاع وهي تقول بحدة:
وبعدين هو تحقيق ولا إيه، مالك يالين؟ما تقولى فيه إيه علطول من غير لف ولا دوران.
إبتسمت لين بسخرية وقد تأكدت شكوكها لتقول بهدوء:
مش أنا اللي ألف وأدور ياشاهى، أنا بس بدأت أشك في شوية حاجات بخصوص الحكاية دى، بدأت أشك في الماضى كله، وصدقينى يوم ما هتأكد، هتكونى أول واحدة تعرف، سلام.

غادرت الحجرة بهدوء تتابعها شاهيناز بعيون إرتسم فيهم الحقد الشديد وهي تقول بغل:
بتشكى في كلامى يالين وبدأتى تدورى ورايا، وده معناه إنى لازم أتصرف، وبسرعة.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة