قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشر

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشر

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل السابع عشر

عندما ينخر قلبي الوجع، اغوص فيك
لأجدك قد اكتفيت مني، وغادرت أحلامي
خانني فيك كل شيء، حتى الصمت أصبح خائن.
لا أريد أن أسقط بعد هذا الصمود
ليتني أنسى. وهل أنا قادرة على ذكر النسيانِ.
حرب ضروس تفتك بي وتقتلني
وتجردني من كل ثبات وأتزانِ.
لاتقلق، لن أستطيع تجريد أحرفي منك
فقد نقشت أسمك على تراث أيامي.
كن طيفا ولاترحل هكذا
والمع بين نجوم سمائي.
فمثلي لن يكون لها أرض أخرى
غير أرضك التي غرست فيها ازهاري.

بقلم، سميرة البهادلى.

كان يمسك فأسا يساعده في زراعة الأرض قبل أن يتركه من يده وهو يمسح حبات العرق التي تندت عن جبينه بطرف كمه، ثم قام بأخذ بعض الحبوب، ليقوم بزراعتها في تلك الأرض السميكة، لقد تأكد منذ قليل بأن العمق مناسب لزرعة تلك البذور، ليردم بعض التراب عليهم، إنتفض على صوتها الرقيق وهي تقول:
بتعمل إيه؟

إلتفت إليها ليتأمل ملامحها الجميلة بنظرة إعجاب واضحة لم يستطع إخفائها، لتتسلل حمرة الخجل إلى وجنتيها فتزيدها جمالا، إبتسم قائلا:
هذرع حبوب البسلة في الحتة دى كلها.
عقدت حاجبيها قائلة:
وليه حبوب البسلة بالذات؟، دى أول مرة تتزرع في أرضنا.
إتسعت إبتسامته قائلا:
الحقيقة لقيت الأرض مجهدة وتعبانة قلت أريحها بالبسلة وخصوصا ان الجو برد شوية ومناسب جدا ليها، بصى الموضوع كبير أوى ويطول شرحه...

إبتسمت بدورها قائلة:
وإحنا ورانا إيه يعنى؟إحكيلى.
نظر إلى عيونها الرائعة ذات الأهداب الطويلة التي تسدلهما حين تخجل وهو يقول:
ورانا شغل ياجورى.
عقدت حاجبيها وظهر الحزن على ملامحها، لتقول بنبرات متهدجة وهي تطرق برأسها:
أنا آسفة، الظاهر إنى معطلاك فعلا عن شغلك، أنا بس كنت جايبالك الأكل عشان تتغدى، أنا سيبتهولك هناك، تحت الشجرة اللي بتحب تتغدى تحتها، هسيبك تكمل شغلك، عن إذنك.

كادت أن تمشى حين إستوقفها وهو يسحبها من ذراعها يعيدها لتقف أمامه مجددا لترفع إليه عينان دهشتان لينظر إليها قائلا:
معطلانى إيه بس؟كل الموضوع إن رغم ان احنا ابتدينا فصل الشتا بس النهاردة الجو بقى حر فجأة و الشمس حامية شوية وأنا خايف عليكى منها.
ظهرت الحيرة في عينيها ليترك ذراعها وهو يتنحنح قائلا بإرتباك:
إحمم، قصدى يعنى، واحدة في رقتك مش هتستحملها.

إبتسمت في خجل، وسعادة داخلية لإكتشافها أنه يخشى عليها من أشعة الشمس الحارقة، ربما حقا يكن لها بعض المشاعر كما يظهر لها من خلال نظراته لها والتي كان يخفيها ما إن تلتفت إليه كما قالت لها خالتها جليلة، لتنظر إلى عينيه الرائعتين واللتان تماثلان في لونهما تلك السماء الصافية قائلة:
متقلقش، متعودة عليها، وبعدين شمس الشتا ولو حتى حامية مبتضرش، وأنا مش هتعرضلها كتير.

خلع عنه قبعته القش وألبسها إياها قائلا بحنان:
كدة أحسن، خلينا في الأمان.
نظرت إليه عاجزة عن الكلام وهي تراه يحكمها على رأسها وهو يتأمل ملامحها بنظرة حبست أنفاسها، لتبتلع ريقها بإضطراب تحاول أن تخرج من دائرة سحره لتمد يدها إلى القبعة تحاول أن تخلعها عنها وهي تتنحنح قائلة:
إحمم، بس دى بتاعتك وأنا مش ممكن أقبلها، إنت ممكن تنضر من غيرها لإنك بتتعرض للشمس أكتر منى و...

أمسك يدها التي تحاول أن ترفع بها القبعة ليثبتها مكانها مقاطعا إياها وهو يقول بحنان:
أنا مش مهم، المهم إنتى.

تاهت في سحر كلماته ونظراته التي غمرتها، وتاه هو في سحر عينيها، ود لو ضمها فقط بين ذراعيه، يخفيها بين أضلعه يحميها من أشعة الشمس التي قد تؤذيها، لتستقر نظراته على شفتيها في تلك اللحظة، ليود لو اقترب من شفاهها الآن، يشبع رغبته التي تقوده للجنون وهو يحاول السيطرة عليها كلما رآها أمامه، أشاح بنظراته عن وجهها وهو ينظر إلى نقطة ما خلفها، ليقول بهدوء يخالف نبضات قلبه المتسارعة:.

طيب روحى أقعدى تحت الشجرة، وأنا دقايق وهجيلك هناك.
رفعت قبعته عن شعرها وهي تقف على أطراف أصابعها تضعها مجددا على رأسه، ترنحت فأسندها بسرعة قبل أن تقع فتناثرت خصلاتها الحريرية على وجهه ليذوب كلية وتتسارع دقاته عندما تقابلت عيناه مع عينيها ليقرأ العشق بداخلهم، أرجع خصلاتها إلى ما وراء أذنيها، لتظهر ملامحها الجميلة الرقيقة كاملة، إبتلعت ريقها بصعوبة، وهي تشعر بإقترابه منها لتعتدل بسرعة قائلة بإضطراب:.

أنا، إحمم، هستناك هناك.
أومأ برأسه بصمت، لتلتفت مبتعدة يتابعها بعينيه، ولكنها مالبثت أن توقفت لتدير وجهها إليه قائلة بخجل:
متتأخرش، عشان الأكل هيبرد يافهد.

، فتح عينيه بقوة، ينظر إلى محيطه، ليجد نفسه قد غفا على مكتبه وهو يراجع ذلك التقرير عن تلك الصفقة الجديدة والتي سيمضى عقدها مساء اليوم، أدرك أنه كان يحلم، ربما تأثرا منه بتلك الرواية التي قرأها لتلك الفتاة التي تشغل عقله وقلبه وأحلامه أيضا، فما رآه في حلمه يشبه إلى حد كبير ذلك المشهد في روايتها، بل يكاد أن يكون هو، عقد حاجبيه، فبطل روايتها يدعى عاصم، يختلف عن إسمه في هذا الحلم، فهد، لما يبدو هذا الإسم مألوفا له؟، بل يكاد أن يكون مناسبا لشخصية خالد، ربما أكثر من إسمه حقا، ليراها فجأة أمامه تقول بإبتسامة رائعة:.

فهد، إسمك فهد، على فكرة، لايق كتير عليك.
إنتفض وصورتها تختفى من أمامه، تبا، إنه لا يحلم، لقد كانت تلك ذكرى حية أمامه، إنتابته حيرة تكاد تصيبه بالجنون، يتساءل عن معنى ما شاهده للتو، يتذكر الآن فقط أن هذا هو الإسم الذي نطقت به جورية حين قابلها لأول مرة، مخاطبة به إيه حين أفاقت من إغمائتها، ليفيق من أفكاره على صوت دخول ريم إلى الحجرة تقول بإبتسامة:
مساء الخير يابابى.

نفض خالد حيرته وقلقه وهو يبتسم و يفتح ذراعيه لها قائلا:
مساء الهنا ياحبيبة بابى.
إقتربت منه بسرعة ليضمها بين ذراعيه، ضمته بدورها، ثم خرجت من محيط ذراعيه قائلة:
فاضى النهاردة يابابى؟
إبتسم قائلا:
ولو مش فاضى ياحبيبتى، أفضيلك نفسى.
إتسعت إبتسامتها قائلة:
يعنى هتخرج معايا عشان نجيب حاجة الحفلة.
عقد حاجييه قائلا:
حفلة إيه ياريم؟
ظهر الحزن على ملامح ريم وهي تقول:
حفلة عيد ميلادى، إنت نسيت يابابى؟

ظهرت الإبتسامة واسعة جلية على شفتي خالد وهو يقول:
أنأ أنسى الدنيا كلها ومنساش حاجة تخص أميرتى، وإنتى أميرتى ياريمو، روحى أوضتك هتلاقى فستان الحفلة ولوازمه على سريرك، وكل حاجة جاهزة عشان نحتفل ببنوتى القمرة.
شعت السعادة على وجه ريم، لتندفع إلى حضنه مجددا ثم تقبله في وجنته قائلة في سعادة:
إنت أحلى بابى في الدنيا.
لمس وجنتها بحنان قائلا:
وإنتى بنوتى الحلوة، روحى يلا شوفى فستانك وإبقى قوليلى رأيك فيه.

إتسعت إبتسامتها وإلتفتت تتجه إلى غرفتها بسرعة لترى فستانها الجديد ولكنها ما لبثت أن توقفت، وإلتفتت إليه يبدو عليها التردد للحظات فشعر خالد بترددها ليقول بحنان:
فيه حاجة عايزة تقوليهالى ياريم؟
قالت ريم:
إنت بتشوف طنط جورى يا بابى؟
دق قلبه بسرعة لسماع إسمها، وسؤال إبنته عنها ليقول بهدوء:
لأ، بتسألى ليه ياحبيبتى؟
قالت ريم:.

أصلها مجتش إنبارح حصة الإيميتيشن زي ما عودتنا، جابوا واحدة تانية مكانها، بس مكنتش حلوة زيها، مش بتعرف تقلد الأصوات زي طنط جورى.
قال خالد بدهشة:
هي طنط جورى كانت بتجيلكم دايما.
اومأت ريم برأسها قائلة:.

أيوة يابابى، كانت بتحكيلنا حواديت وكانت دايما بتقلد الأصوات، كان أحلى يوم في الأسبوع هو اليوم اللي بتجيلنا فيه، أنا خايفة متجيش تانى، كانت وعدانى أنا وروجى يوم حفلة المدرسة إنها هتدربنا على أغنيتنا الجديدة واللي هنغنيها في عيد الطفولة وهتشاركنا فيها، أصل صوتها حلو أوى يابابى.
قال خالد بصوت هامس حائر:
كمان صوتها حلو.
قالت ريم:
بتقول حاجة يابابى؟
إنتبه خالد من أفكاره ليقول بهدوء:.

لأ مبقولش حاجة ياحبيبتى، عموما أنا هكلمها وأشوفها مجيتش ليه ياقلبى.
شعت الفرحة في ملامحها لتسرع إليه قائلة:
بجد يابابى؟
إبتسم بحنان قائلا:
بجد ياقلب بابى.
قالت بسعادة:
وهتقولها تيجى عيد ميلادى بكرة وتغنى معايا أنا وروجى؟

إبتسم وهو يومئ برأسه، لتسرع مقبلة إياه في وجنته بوجه يمتلئ بالسعادة قبل أن تغادر مسرعة، تتابعها عيونه في حنان، قبل أن يعقد حاجبيه مفكرا، لابد وأن يتحدث إلى جورية كما وعد إبنته الصغيرة، وعليه أن يدعوها للحفل لتغنى مع صغيرته، فوجودها سيسعد طفلته، ليسخر من نفسه قائلا:
عشان خاطر ريم برده ياخالد، ولا جورى وحشتك ونفسك تشوفها؟
ليزفر مستطردا:.

بتخدع مين بس ببرودك وتجاهلك لمشاعرك، اللي مشدودين ليها، وبعدين فيه حاجات كتير غريبة بتحصل ولازم تفهمها، حاجات ليها تفسير عند جورى وبس.
ليومئ برأسه في تصميم وهو يخرج هاتفه، يبحث عن رقم جورى الذي بعثته له أخته، قبل أن يجده ويضغط على علامة الإتصال.

قالت سها بحزن:
إهدى بس يالين، وبإذن الله كل حاجة هتتحل.
نظرت إليها لين قائلة في مرارة:.

حاجة إيه اللي هتتحل ياسها، عمرى اللي راح من غيره ده هجيبه منين تانى؟قلبى اللي وجعنى في بعده ولسة بيوجعنى لحد دلوقتى أداويه إزاي بس؟جرحه اللي جرحتهوله بكل قسوة أعوضه إزاي عنه؟أرجعه إزاي لية من تانى؟أنا عارفة إنى لو حتى إعتذرتله ألف مرة، مش هيسامحنى، انتى مشفتيش قهرته منى لما عرف سبب بعدى عنه، مشفتيش بصلى إزاي، إنتى عارفة يوم ما سيبنا بعض وهو فاكر إنى بسيبه عشان عايزة أخلف مكرهنيش ساعتها ولا بصلى بالشكل ده.

ربتت سها على يدها وهي تقول:
مفيش حد بيحب حد بجد وبيعرف يكرهه يالين، إنتى نفسك لما كنتى فاكرة إنه خاين مكرهتهوش، مؤيد لسة بيحبك بس...
صمتت سها لتستحثها لين وقد أنعشت الأمل في قلبها قائلة:
بس إيه ياسها؟
قالت سها:
بس هو زعلان حبتين، سيبيه يهدى وهيعرف من نفسه انك كنتى معذورة.
تراجعت لين في مقعدها تسند رأسها إليه، تغمض عيناها على دموعها التي سقطت على وجنتيها وهي تقول بألم:.

الجرح اللي جرحتهوله كبير أوى وصعب ينساه أو يسامحنى عليه ياسها، وحتى لو سامح فمستحيل يرجعلى تانى.
ربتت سها على يدها مجددا قائلة:
مفيش حاجة في الدنيا متتغفرش، خصوصا بين اتنين بيحبوا بعض.
فتحت لين عيونها قائلة بمرارة:.

لأ فيه، فيه ياسها، الخيانة، والخيانة مش خيانة جسد وروح وبس، فيه حاجة إسمها خيانة العهود، وبالنسبة لمؤيد أنا خنت العهد اللي بينا، كسرت الثقة اللي وعدته أديهاله من غير حدود، بالنسبة له غلطتى متتغفرش.
صمتت سها لا تدرى بماذا تخفف عن لين أحزانها، لتنهض لين فجأة وتنهض معها سها، تخشى على لين من تلك القسوة التي إرتسمت على وجهها والتي تراها لأول مرة في ملامحها، لتقول لين بصوت صارم:.

وحياة الحب اللي حبيته لمؤيد، وحياة وجعى اللي قايد في قلبى نار دلوقتى، لهنتقم من اللي فرقنا وعمل فينا كدة، هنتقم من شاهيناز اللي فاكرة إنها خلاص فرقت بينا ونجحت، بس لازم أعرف الأول هي عملت كدة ليه وإيه أسبابها؟
قالت سها بتردد:
أنا، أنا أعرف حد ممكن يقولنا هي عملت كدة ليه يالين.
نظرت إليها لين بلهفة قائلة:
مين ده ياسها؟
حسمت سها قرارها بالبوح بما لديها وهي تربت على كتف لين قائلة:
هقولك، هقولك يالين.

دخلت جورية إلى حجرتها لتستمع إلى رنين هاتفها المتواصل، أمسكته تنظر إلى شاشته لتجده رقما غريبا، أجابته قائلة:
ألو.
لم يجيبها أحد لتعقد حاجبيها وهي تقول مجددا بنبرة بها بعض الصرامة وهي تظن أن المتصل هو شخص تافه يبغى فقط الإزعاج:
ألوو.
تسلل إليها صوته الذي تحفظه عن ظهر قلب وهو يقول بهدوء:
مساء الخير ياجورية.
قالت في صدمة:
فهد.

عقد حاجبيه بشدة وهو يستمع إلى هذا الإسم الذي راوده في منامه وتخاطبه به جورية دائما، ليقول بحيرة:
فهد، فهد مين؟
صمتت تغمض عينيها تلوم حالها على ذلة لسانها لتفتح عينيها قائلة بإضطراب:
أنا، آسفة، إفتكرتك حد تانى، خير ياخالد بيه؟

أخذ خالد نفسا طويلا بهدوء يوارى به حيرته وتخبطه اللذان يزدادان كلما إقترب منها، هناك غموض يحيط كل ما يحدث بينهما وقد إنتوى أخيرا أن يصل إلى الحقيقة، يشعر بأن جورية تعرف الكثير عن ذلك الغموض، ولكنها تخفي الأسرار لسبب ما، لذا فقد قال بهدوء:
حضرتك محضرتيش حصة الإيميتيشن انبارح، فريم بنتي كانت قلقانة عليكى وطلبت منى أتصل بيكى.

أغمضت جورية عينيها بألم، إذا هو لم يفتقدها كما أملت أن يفعل، بل ما أجبره على الإتصال هو طلب إبنته الصغيرة منه، فتحت عيونها تخفى الألم فيهما وهي تقول ببرود:
للأسف أنا عند جدى في الوادى فمقدرتش أكون موجودة خالص في القاهرة اليوم ده، بس طمنها وقولها بإذن الله الحصة الجاية هكون متواجدة، مع السلامة.
أسرع خالد يناديها قبل أن تغلق الهاتف قائلا:
جورى.

تجمدت يدها على سماعة هاتفها، نفس إختصار الإسم، والتي يناديها به الجميع ولكن تلك النبرة التي ناداها بها، تلك اللهفة، تخص فهد وحده، تبا، كم إشتاقت إليه، لتفيق على صوت خالد وهو يقول بقلق:
إنتى لسة معايا ياجورى؟
أومأت برأسها وهي تقول لنفسها(معك دائما وأبدا ولن أكون لسواك)، ولكنها إكتفت بكلمة واحدة هادئة:
معاك.
تسللت إلى مسامعها زفرة إرتياح قبل أن يقول بهدوء:.

الحقيقة ريم قالتلى إن صوتك حلو، وهي نفسها، يعنى، لو تحضرى عيد ميلادها بكرة وتغنى معاها الأغنية اللي هتغنيها، يبقى بجد هتبسطيها أوى.
تمنت جورية لو لبت طلب الصغيرة ولكن وجودها إلى جواره مجددا ورؤيته مع زوجته وطفلته سيؤلمانها بشدة، لتقرر الرفض رغم أنها تفتقده وحقا تريد رؤيته ولكنها لن تجازف بألم جديد، يكفيها ما تعانيه، لتقول بهدوء:
للأسف مش هقدر ياخالد بيه، معتقدش جدى هيوافق...
قاطعها قائﻻ بحزم:.

ولو قلتلك إنك لو جيتى هنسى موضوع الأغلفة دى نهائى ومش هتخذ إجراءاتى ضد دار النشر.
صمتت جورية، لم يعد الأمر يتعلق بها، إنه يتعلق بصديقها فراس، ومستقبل دار النشر الخاصة به، لتقول بعد لحظات بهدوء يخالف هذا التوتر الذي شمل جسدها بأكمله وهي تدرك أنها ستقابله في الغد مجددا:
إبعتلى العنوان في ماسيدج، مع السلامة.

ثم أغلقت الهاتف وهي تغمض عينيها، تدرك أنها ترتكب خطأ فادح في حق نفسها بالسماح لها بتحقيق رغبتها برؤيته ولو لآخر مرة ولكنها تدرك أيضا أنه لم يكن هناك مجالا للرفض، ليرن هاتفها بتلك النغمة الخاصة بالرسالة، فتحت الرسالة وجرت عيونها على العنوان، قبل أن تغلق الهاتف وقد إرتسمت حروف تلك الرسالة في صميم قلبها.

طلت ليلة من باب الحجرة لترى لين جالسة على السرير تضم ركبتيها إلى صدرها وتستند برأسها عليهم تنظر إلى الأمام بشرود ثم تنظر إلى ليلة حين قالت ليلة:
ممكن أدخل؟
إبتسمت لين إبتسامة باهتة وهي تومئ برأسها إيجابا، لتدخل ليلة الحجرة وتتجه إلى السرير تجلس بجوار لين لتربت على يدها قائلة:
إذيك دلوقتى، أحسن؟
أومأت لين برأسها قائلة:
الحمد لله.

نظرت إليها ليلة تتفحص ملامحها الشاحبة وعيونها المنتفخة لتدرك أن لين ليست أبدا على مايرام، لتقول ليلة بشفقة:
أنا عارفة إن الموضوع مش سهل عليكى وإن اللي حصل يهد جبل، بس انا إتعودت أشوفك يالين جامدة، قوية، قادرة تتحدى كل الصعب.
اغروقت عينا لين بالدموع قائلة:.

مبقتش قادرة خلاص ياليلة، كانت خيانته لية مقويانى على ضعفى، مخليانى أمحى مشاعرى اللي بتحن ليه، لكن دلوقتى إيه بس اللي هيقوينى بعد ما عرفت إنى ظلمته وجرحت قلبه اللي حلفت أحافظ عليه.
قالت ليلة بحنان:
اللي هيقويكى إنتقامك من اللي كان السبب في اللي حصل، اللي هيقويكى إنك ترديلها القلم قلمين، وده سهل وفى إيدك ولو حققناه، صدقينى هيكون في تحقيقه راحة ليكى وهيكون فيه كمان راحة لية.

عقدت لين حاجبيها وهي تنظر إلى ليلة قائلة بحيرة:
تقصدى إيه؟
قالت ليلة:
فيه حاجة كدة انتى متعرفيش عنها حاجة حصلت مع خالد في السنة اللي إختفى فيها، أخوكى فيها حب واحدة تانية وحبته من قلبها.
إتسعت عينا لين بدهشة، قائلة:.

خالد حب وإتحب، إنتى متأكدة إننا بنتكلم عن خالد اللي الحب بالنسبة له تفاهة وكلام فارغ، خالد اللي كان معارض جوازى من مؤيد عشان ماضيه مع البنات ولما صممت وقلتله انى بحبه، ضحك من قلبه وقاللى حب إيه اللي إنتى بتفكرى فيه، مفيش في الدنيا حاجة إسمها حب وإن ده كلام في الروايات وبس.
أومأت ليلة برأسها قائلة:.

ده حصل فعلا، والله أخوكى حب بجد، بس للأسف خالد رجع ومش فاكر عنها حاجة خالص، لو قدرنا بقى نجمعهم من تانى، لو قدرنا نخليه يحبها من جديد، ساعتها شاهيناز هتختفى من حياتنا للأبد، وهتكونى بكدة حققتى إنتقامك منها، أما أنا فكمان مشكلتى هتتحل لما أخوكى هيعترف بالحب والمشاعر ويرفض سمير ساعتها ويقبل بفراس.
أطرقت لين برأسها تفكر للحظات قبل أن ترفع رأسها وهي تومئ بها موافقة وهي تقول:.

أنا معاكى في كل حاجة، بس إحكيلى عن موضوع خالد كل حاجة بالتفصيل الممل وأولهم إسم حبيبته وقابلها فين وإزاي؟
إبتسمت ليلة بحب وهي تستحضر ملامح جورية الرقيقة الحنونة قائلة:
إسمها جورية، رقيقة وجميلة زي النسمة تمام، قابلها في الوادى، بس إزاي، فدى حكاية طويلة جدا إبتدت لما في يوم روحت المكتبة مع لبنى أشترى روايات رومانسية علشان أقراها، وهناك، هناك إبتدت أغرب حكاية سمعتها في حياتى.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة