قصص و روايات - قصص رومانسية :

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

رواية وادي النسيان للكاتبة شاهندة الفصل الثامن عشر

رأيتك معها فثارت براكين الغيرة في شرايينى
فصمتت كلماتى وتحدثت مدامعى عن جرح يؤذينى
فلا أملك أنا سوى ورود زرعتها في بساتينى
فنسيتها كما نسيتنى، ونسيت عشقى وحنينى
فوداعا لذكريات تؤلمنى ووداعا عشقا يضنينى.

ظل نبيل صامتا، ينقل عيناه ما بين سها ولين، تنظر إليه الفتاتان بترقب، لتقول لين بعصبية:
ما تتكلم يانبيل، هتساعدنا ولا لأ؟
قست عينا نبيل بينما قالت سها وهي تربت على يد صديقتها:
إهدى بس يالين، نبيل أكيد هيساعدنا لما يعرف إن كل اللي بنعمله ده في مصلحة مؤيد.
قال نبيل موجها حديثه إلى سها:
وإيه مصلحة مؤيد في إنى أساعدكم ياسها؟
ليشير إلى لين مستطردا:
تفتكرى إنى هفرح لما أساعده يرجعلها، لأ طبعا، متستاهلش.

نهضت لين قائلة بعصبية:
نبيل، أنا مسمحلكش.
جذبتها سها من ذراعها تجلسها من جديد قائلة:
يالين إقعدى بس متفرجيش الناس علينا.
ثم وجهت حديثها إلى نبيل قائلة بحدة:
وإنت كمان يانبيل، خد بالك من كلامك، حابب تساعدنا تمام، مش حابب، خلاص، هنشوف حد تانى يساعدنا.

تخيل نبيل لجوء سها لأحد غيره وجلوسها معه، إلى جانب غضبها الأكيد منه وربما عدم رغبتها مجددا في لقاءه، لينفر من تلك الفكرة كلية، ويبعد إعتراضه على فكرة مساعدة لين جانبا، وهو يزفر قائلا:.

طيب إدينى سبب واحد بس يخلينى أساعدها ياسها، إنتى مشفتيش حالته كانت عاملة إزاي بعد ما رجع من المكان اللي كانوا فيه، صدمته وعذابه لما عرف سبب طلاقهم زمان، أنا مش عايز صاحبى يرجع لواحدة ممكن تظلمه وتبيعه من غير ما تتأكد من ذنبه، أعذرونى، أنا خايف عليه.
قالت لين بصوت يقطر مرارة:.

معاك حق، غلطتى كبيرة وأنا معترفة، وعارفة إن مؤيد مجروح منى أوى وصعب يغفرلى، وأنا مش بدور دلوقتى على غفرانه، أو رجوعه لية، أنا بدور على إنتقام من اللي كانت السبب في كل حاجة وحشة حصلتلى أنا ومؤيد، وعشان أقدر أنتقم منها لازم أعرف هي عملت كدة ليه، وإستفادت إيه لما فرقتنا؟

تنهد نبيل وهو يدرك ألم تلك المرأة القابع بصوتها، ربما أخطأت بالماضى ولكنها تبدو حقا نادمة، ربما يجب أن يمنحها فرصة، فربما في تلك الفرصة نجاة صاحبه، ليقول بهدوء:
السبب واضح جدا يالين، إنتقام، غيرة وحقد منها عليكى لإنك قدرتى تاخدى مكانها في حياة مؤيد.
ظهرت الصدمة على وجوه الفتاتين، لتخرج سها من صدمتها أولا قائلة:
إنت قصدك إنها...
قاطعها نبيل قائلا:
بتحب مؤيد ومن زمان كمان.

ظلت لين صامتة تظهر ملامح الصدمة على وجهها وهي تراجع كل أفعال شاهيناز، لتتأكد فعلا من كلمات نبيل، لتقول سها في دهشة:
ولما هي بتحبه، وهو بيحبها متجوزوش ليه؟دول كانوا عيلة قبل ما يدخل خالد حياتهم ويتعرف مؤيد بلين.
تراجع نبيل في مقعده قائلا:.

فعلا هما كانوا زي العيلة بجواز والد مؤيد من والدة شاهيناز، بس الحب مش بإيدينا ولا بيبقى بالقرابة أو حتى الدم، وأنا مقلتش إن مؤيد بيحبها، مؤيد محبش في حياته غير واحدة بس والواحدة دى قاعدة أدامى دلوقت.
نظرت إليه لين ليستطرد موجها حديثه إليها:
قبلك كان تايه، ضايع، مبيآمنش بالحب والجواز بسبب والده، وانتى عارفة حكايته.
أومأت لين برأسها في حزن، ليستطرد نبيل قائلا:.

لما إتجوز والده والدة شاهيناز، حبته شاهيناز، وحاولت تقرب منه، صدها، مؤيد آه كان بتاع بنات بس كان عنده مبدأ واحد وهو إنه ميقربش لحد في شغله أو عيلته، بس مع الاسف، هي حطته في دماغها وصممت توقعه في حبالها، أنا شفت الكلام ده كتير وحذرته منها أكتر، بس هو كان يضحك ويقولى انها هبلة وميتخافش منها، للأسف مكنش شايفها من جوة زي ما أنا شفتها، لغاية ما في يوم، رجع سكران البيت وهي إستغلت وضعه ووقعته فعلا، وتانى يوم لما طالبته يتجوزها، رفض، وإدالها كلام جامد، عن إنها حقيرة وفرطت في نفسها وإنه مستحيل يتجوز حد فرط في شرفه بالسهولة دى.

كانت الصدمة في أعتى صورها مجسدة على وجهي لين وسها، في تلك اللحظة ليستطرد نبيل قائلا:.

بعدت عنه فعلا وإفتكر إنه خلاص، موضوع وإتنسى، شافك بعدها وحبك وخالد إتجوز شاهيناز، والأمور مشيت طبيعى، وخلاص الموضوع إنتهى، أتاريها حية، منستش اللي حصل زمان، إستنت الفرصة المناسبة وضربت ضربتها، سهلتلها الطريق يالين وقدرت تفرق بينكم، ودلوقتى مش عارف هي عايزة إيه بالظبط، هي كدة إنتقمت ولا لسة بتحب مؤيد وعايزاه؟بس يمكن أنا بميل أكتر للإحتمال التانى لإنها مصرة تقابله، البواب قاللى إنها سألت عليه أكتر من مرة.

قست عينا لين وهي تقول:
معاك حق، هي لسة فعلا بتحبه ولسة عايزاه، وده ملوش غير معنى واحد، أخويا إتجوز واحدة خاينة بتحب غيره ولازم أنبهه.
مط نبيل شفتاه قائلا:
لازم يكون في إيدك أدلة على كلامك، وبعدين حتى لو صدقك، هيعمل إيه، هيطلقها؟عمر طلاقها ما هيشفى غليلك أو غليل مؤيد، بالعكس إنتى بتسهليلها طريقها عشان توصل لمؤيد.
قالت لين بحنق:
يعنى أسيبها وأفضل ساكتة على كل عمايلها السودة دى؟
قال نبيل:.

أيوة يالين، سيبى شاهيناز لمؤيد، هو هيعرف يتصرف معاها.
أطرقت لين برأسها في حزن ثم رفعت رأسها تطالعه وقد رقت نظراتها قائلة:
طيب مؤيد عامل إيه دلوقتى يانبيل؟
زفر نبيل قائلا:
أنا سايبه و نار قايدة فيه ومش هيطفيها غير إنتقامه منها، وإنتقامه هيبدأ أول خطواته النهاردة، في عيد ميلاد ريم بنت خالد وبنتها.
قالت لين بقلق:
هيعمل إيه بالظبط؟ريم ملهاش ذنب في اللي حصل يانبيل.
قال نبيل بسخرية:.

لسة لغاية دلوقتى عندك شك في مؤيد؟لسة بتشكى فيه؟ مؤيد مش ممكن يرد إنتقامه في طفلة صغيرة، هدفه هو شاهيناز وبس، وأي حاجة هيعملها النهاردة هتخصها لوحدها، هي وبس، عن إذنك يامدام.

لينهض وهو يهز رأسه محييا سها التي هزت رأسها بدورها، قبل أن يغادر، تتابعه عيناها، لتنظر سها إلى لين التي أطرقت برأسها خجلا تشعر بالخزي، ممتزجا بالحزن والندم، كادت أن تعاتبها على كلماتها الأخيرة ولكن عندما رفعت إليها لين عيون أغروقت بالدموع، تنهدت قائلة:.

كلنا بنغلط يالين، بس لازم نتعلم من غلطنا، وإنتى لازم تفوقى وتتعلمى من غلطك، لازم فعلا تثقى في مؤيد، بالأفعال مش بالكلام، وإلا الأمل في رجوعه ليكى هيكون ضعيف جدا، أو مستحيل.

مدت لين يدها تمسح دموعها وهي تومئ برأسها إقتناعا بكلمات صديقتها، ستثق به منذ اليوم ولن تشكك في أفعاله قط، ستسانده في إنتقامه بدورها وستوفق بين خالد وجورية أيضا، وعندما يحققون إنتقامهم ستتوسل إليه أن يسامحها وستفعل المستحيل كي يعود إليها من جديد، نعم ستفعل.

كانت جورية تتأمل نفسها في المرآة، تنظر إلى تلك النفس التي ما عادت تعرفها، لا تدرى حقا ما تبغيه، هل تبغى بعدا عن عشق تدرى أنه مستحيل، أم تبغى قربا وعذابا، نارا ولهيبا تتلظى بهما في قربه؟لقد قاومت بالأمس رغبتها الشديدة لرؤيته، واليوم صباحا ضربت بقراراتها عرض الحائط وهي تخبر جدها أنها لابد وأن تسافر القاهرة لأمر هام يتعلق بروايتها الجديدة وأنها ستعود في اليوم التالى، ليودعها بلطف مخبرا إياها أن تسرع بالعودة إليهم، وها هي تقف مستعدة ظاهريا لحضور حفل عيد ميلاد إبنته ولكنها بالداخل تتداعى من القلق والخوف، من الإشتياق إليه وإدراكها الحتمي أنها في نهاية الأمر ستعود بخفي حنين إلى الوادى وقد حملت معها فقط، ذكرى جدبدة، مؤلمة.

كانت عيون خالد لا تحيد عن باب منزله سوى ليسلم على رواد الحفل من الأصدقاء ثم تعود عيناه تتابع القادمين إلى الحفل بروح تشتاق لرؤية من غابت عن عيونه وأطالت الغيبة، من ينتظر لقاءها كإنتظار نسمة في يوم حار كظيم، حتى وقعت عيناه عليها تتهادى في فستان أزرق رائع أظهر جمالها وأبرزه شعرها المنسدل في بساطة حول وجهها وتلك الغرة الرائعة والتي تخفى جبينها الرقيق، ترك أنفاسه التي حبسها لدى رؤيتها، ليتنفس بعمق قبل أن يشتعل قلبه فجأة بالغيرة، يدرك لأول مرة في حياته نيرانها، وهو يراها تتأبط ذراع ذلك الفراس، صاحب دار النشر والذي يدخل إلى الحفل بجوارها متباهيا بها، إنتاب خالد غيظ شديد، يتساءل بحنق، ألم يكفي هذا الرجل إستحواذه على إهتمام أخته وجرأته في الذهاب إلى مكتبه بالأمس وطلبه الإقتران من ليلة؟وحتى عندما رفضه خالد بشكل قاطع، أخبره أنه لن ييأس ولن يصمت حتى تكون ليلة له ولا أحد غيره، ورغم إعجابه بإصرار فراس والتمسك بها إلا أنه لم يستطع أن يمنحهما مباركته وقد أعطى سمير كلمته، إلى جانب أنه يؤمن بأن سمير هو الإختيار الأفضل لأخته فهو إبن عمته ولديه من المال والسلطة ما يعادل خالد، إلى جانب أنه يشبهه في الطبع إلى حد كبير، و هذا مناسب جدا بالنسبة إلى طموح خالد فيما يخص بأخته ليلة، فهو سيكون مطمئنا على ليلة في عصمة رجل مثل سمير.

إقترب كل من جورية وفراس من خالد، ليسلم فراس على خالد بتحدى أن يرفض يده الممدودة إليه قائلا:
مساء الخير ياخالد بيه.
أمسك خالد يد فراس بقوة متقبلا التحدى، وهو يقول:
مساء الخير، نورت.
إبتسم فراس بسخرية قبل أن يترك يده، بينما مد خالد يده إلى جورية لتمد يدها بتردد، تسلم عليه، وكالعادة كلما تقابلت أيديهما إشتعلت بجسديهما نارا متأججة، لتتفرق الأيدى على الفور، حين إستمعا إلى صوت نسائي وهي تقول بحدة:.

إنتى إيه اللي جابك النهاردة؟مين اللي دعاكى؟
نظرت جورية إلى قائلة تلك العبارة في ضيق، وكادت أن تجيبها لولا أن قاطعها خالد قائلا بحدة:
دول ضيوفى ياشاهى وأنا اللي دعيتهم بنفسى، وإحترامهم من إحترامى، ودعوتهم كانت بناء على طلب من بنتك ريم، اللي حبت جورية تغنى معاها النهاردة بعد ما رفضتى إنتى تغنى معاها.
نظرت إليه شاهيناز بغيظ وكادت أن تتحدث حين قاطعتها جورية وهي توجه حديثها إلى خالد قائلة:.

ممكن أعرف ريم فين ياأستاذ خالد؟
أشار إلى نقطة ما خلفها قائلا:
هناك أهى مع روجينا، لحظة واحدة أناديهملك.
قالت جورية بهدوء:
لأ من فضلك، خليك مرتاح، أنا وفراس هنروحلهم، عن إذنك.
أومأ فراس لهم برأسه، قبل أن يبتعد هو وجورية عنهما متجهين إلى ريم، بينما تتابعهما شاهيناز بحنق لتجاهلها إياها بتلك الطريقة، قائلة:.

كان لازم يعنى تقولها تيجى، كنت قلتلى وأنا كنت خليت أشهر مطربة في القاهرة تيجى تغنى مع ريم، وبعدين إنت إزاي تحرجنى بالشكل ده أدامها؟
تركها خالد حتى أنهت كلامها، ثم قال ببرود:
انتى اللي أحرجتى نفسك بنفسك، مفيش حد بيتعامل مع ضيوفه اللي جايين لحد عنده في بيته بالشكل ده، فمن فضلك، عدى الليلة دى على خير، إنسى نفسك وركزى مع بنتك شوية، لإنى بجد زهقت.

ثم تركها وإنصرف يرحب ببعض الضيوف بينما نظرت إليه بحنق قبل أن تعود بعينيها إلى تلك التي تقف مع طفلتها تبتسم وهي تقرص وجنتها بخفة، لتبتسم الصغيرة بسعادة قبل أن تحتضن جورية، وتسرع روجينا بدورها بإحتضانها، ليبتسم هذا الرجل، صاحب دار النشر والذي يقف بجوارهم، عادت بعينيها إلى خالد لتجده واقفا يطالعهم بنظرة حانية منبسطة جعلت كل كيانها يهتز غضبا، قبل أن تتسع عيونها بشدة وهي ترى دخول أحدهم من البوابة، لتتقافز دقات قلبها شوقا وسعادة، ثم تتوقف تماما وهي تراه يبحث بين الحضور عن شخص ما ثم تستقر نظراته عليها، قبل أن يبتسم بهدوء، وهو يتجه إليها بخطوات هادئة ومع إقترابه منها، عاد قلبها ليدق من جديد بقوة تكاد أن تقتلها، حرفيا.

رآها تتهادى في فستانها الوردي الرقيق، شاردة، كغزالة رقيقة تبتعد عن الجموع، دق قلبه بقوة، فقد إشتاق القلب إليها وتباطأت دقاته حتى رآها فإنتعش القلب خامل النبضات، رآها تتجه إلى الشرفة حيث الهدوء فإبتسم بعشق وهو يتبعها، إقتربت من الشرفة وتوقفت أمام السور تستند إليه بكفاها الرقيقتان، تنظر إلى السماء، حيث القمر بدرا منيرا، أغمضت عينيها مرددة إسمه برقة.

توقف قلبه عن الخفقان ثم عاد ليخفق بقوة وهو يستمع لحروف إسمه التي تنطقها بنعومة خلبت لبه، إنها تفكر فيه حقا، تلك المخلوقة التي سحرته منذ أن رآها لأول مرة، ليقترب منها حتى توقف خلفها تماما يهمس بقرب أذنها قائلا بعشق:
قلب فراس وعمره كله.
إنتفضت على الفور تفتح عيناها بقوة وقد لفحتها أنفاسه الساخنة، لتلتفت على الفور تنظر إلى عيونه بصدمة قائلة:
فراس.

تأمل عيناها الجميلتان بإبتسامته الجذابة والتي تصل لعينيه فتجعلهما أكثر سحرا بالنسبة إليها وهو يقول بهمس:
ما قلنا قلب فراس وعمره كله.
إبتلعت ريقها تبعد هذا السحر الذي أغرقها فيه، وهي تتأمل محيطها تبحث بعيونها عن أخيها قائلة بتوتر:
إنت إزاي جيت هنا؟
إتسعت إبتسامته قائلا:
بالعربية.
نظرت إليه تقول بإستنكار:
إنت بتهزر؟
إقترب منها خطوة قائلا:
ومنهزرش ليه بس؟

تراجعت خطوة إلى الوراء تلقائيا فإصطدمت بسور الشرفة، لتقول بإرتباك:
فراس من فضلك، إبعد عنى شوية، أخويا لو شافنا مع بعض...
قاطعها وهو يرفع يده يبعد تلك الخصلة الحمراء الشاردة على وجنتها يرجعها خلف أذنها قائلا بحنان:
وحشتينى أوى.

نظرت إلى عينيه، تنجذب بقوة لنظراته العاشقة، تشعر بكلماته تمس قلبها وبقوة، فقد إفتقدته بدورها، حتى أنها فكرت بالفعل في أن تذهب إلى دار النشر فقط لتراه وتخبره أنها لن تبتعد عنه مجددا ولكنها فكرت في أخيها الذي لم يتسبب لها يوما من الأيام في أي لحظة حزن، فكيف تكسر قلبه بتلك الطريقة وتخون ثقته فيها، لتتراجع في اللحظة الأخيرة، وتقتل تلك الرغبة في قلبها، قلبها الذي ينتفض الآن مطالبا إياها بالإستسلام كلية لمشاعرها، لتظهر صورة أخاها أمامها، تضرب بمشاعرها عرض الحائط، لتغرق عيناها بالدموع قائلة:.

مش هينفع صدقنى يافراس، إنت كدة بتعذب نفسك وبتعذبنى.
أمسك فراس بيدها قائلا:
إنتى اللي بتعذبينا ياليلة، لو بس وقفتى معايا وحطيتى إيدك في إيدى، لو حسيتى إن حبنا أقوى من أي حاجة، صدقينى هنقدر نقنع أخوكى بحكايتنا، صدقينى هنكمل مع بعض.
تركت يده وهي تقول بمرارة:
أنا مش زي ما إنت فاكر، أنا أضعف من إنى أعمل كدة، صدقنى يافراس، أنا بجد مستاهلكش، إبعد عنى، إنسانى وإدعيلى كمان عشان أنساك.

لتبتعد من أمامه بخطوات سريعة، يتابعها بعيونه بحزن قائلا بهمس:
ياريتنى أقدر ياليلة أنساكى، بس للأسف مينفعش، لإنك مينفعش تتنسى، إنتى مش عارفة إنتى إيه ولو فاكرة إنك ضعيفة فمعايا هتقوى، وجوة حضنى بس، هتلاقى إنك قدرتى على الدنيا كلها، وأنا مستحيل هسيبك، هفضل أحاول وأحاول لغاية ما في الآخر يكون إسمك جنب إسمى، ويكون حضنى هو ملجأك وبس، عمرى ما هيأس حتى لو إنتى يإستى، هتشوفى ياليلة، هتشوفى.

قالت شاهيناز بنبرات إمتلأت لهفة رغما عنها:
مؤيد حمد الله على السلامة، إنت جيت إمتى من السفر؟
كاد أن يضحك ساخرا، فهو يعلم أنها تعلم برجوعه بل وتبحث عنه أيضا، ولكنه قال بهدوء:
رجعت بقالى فترة صغيرة ياشاهى.
قالت بعتاب:
ومسألتش عنى؟، مش كفاية طول فترة غيابك مكلمتنيش ولا مرة، نسيت العشرة اللي كانت بينا يامؤيد؟
نظر إلى عيونها قائلا بهدوء:.

معلش ياشاهى، متزعليش، إنتى عارفة اللي كنت فيه، واللي عملته فية بنت نصار، وأدينى أهو، جيت عشان خاطرك إنتى بس لما عرفت إنه عيد ميلاد ريم، بنوتك الحلوة، هي فين صحيح؟عايز أعايدها.
قالت شاهيناز بصوت ظهر فيه الحنق رغما عنها:
هتطلع دلوقتى على المسرح مع، مع مدرستها، اول ما هتخلص الأغنية بتاعتها هندهلها عشان تتعرف عليك، قوللى بقى، كنت مختفى فين الفترة اللي فاتت دى كلها وأخبارك إيه؟
إبتسم مؤيد قائلا:.

هقولك ياشاهى، هقولك.

صفق الجميع حين أعلن خالد عن أغنية طفلته التي ستؤديها في الحال مع صديقتها روجينا و معلمتها جورية، ليصمت الجميع حين وقفت ريم وصديقتها مع تلك المرأة الجميلة الرقيقة بوضع مسرحى خلب لب الجميع، قبل أن يبدأ كل منهم الغناء في جو رائع، حمل إلى الجمهور نسمات ملائكية جذابة، ليندمج الجميع بالتصفيق المنغم على كلمات تلك الأغنية الخفيفة للأطفال
شفت الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق.

شفت القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق
شفت الكلب الهاو عض القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق
شفت النار اليح حرق عصاى الآى ضرب الكلب الهاو عض القطة الناو اكل الفار السندق اللي اكل البندق فوق سطح الفندق
...
على قد ماقلت في بالى خلينى بعيد وانا مالى
وحشتنى عيونكوا وجيت علشانكو انا ايه اللي مغير حالى
ياما طلعتو عيونى وتعبت وغلبتونى.

علشان كده فجأة عملت مفاجأة وجيت ياللى وحشتونى
...
انا ايه اللي اتغير فيا حبيتكو بكل مافية
وبقيتو حياتى ياكل حياتى ياحلم سنينى الجاية
معرفش انا ليه حبيتكم وحشيتنى كتير ضحكتكم
الشوق خلانى ارجع من تانى وهبعد تانى انا ليه
إنتهت الأغنية ليصفق الجميع بحرارة، خاصة ذلك الذي أصابه سهم العشق الأخير بصوتها الملائكي الجذاب والذي إمتزج مع صوت طفلته وصديقتها، ليعزفوا سويا على أوتار قلبه.

تخضب وجه جورية بالخجل وكادت أن تغادر ذلك المسرح الصغير المعد بداخل المنزل، ولكنها توقفت وقد طالبها بعض الحضور بالغناء مجددا، شعر خالد بغيرة حارقة ولكن رفضها الرقيق أثلج قلبه، حتى ألحت عليها ريم وروجينا أن تغنى، وأمام إلحاح الصغيرتان لم تستطع جورية الرفض مجددا، لتنظر إلى عيون خالد الذي تعلق بعيونها وهي تأخذ الميكروفون، تشيح بعيونها عنه، وهي تبدأ الغناء، تغمض عيناها قبل أن ينساب صوتها الملائكي ليصمت الجميع، يستمعون لصوتها الشجي وهي تردد كلمات رائعة هانى شاكر، لتمس القلوب جميعها في تلك اللحظة بالذات.

، نسيانك صعب أكيد، ملوش غير حل وحيد.
لتفتح عيونها تستطرد في الغناء:
أبدأ من تاني حياتي وأصادف حب جديد.
لتنظر إلى عيونه في تلك اللحظة وهي تغنى قائلة:
ولو ان الحب التاني مش هيرجعلي زماني ولا هيعوض حرماني اللي في حبك بيزيد.
لتشيح بوجهها عنه، وتأخذ معها أنفاسه وهو يشعر بأنها تتحدث إليه، تخبره لأول مرة بمكنون قلبها، تستطرد قائلة:
لكن طول ما انت في بالي صورتك دايما بخيالي نسيانك صعب أكيد نسيانك صعب اكيد.

نظر فراس إلى ليلة بدوره في تلك اللحظة لتنظر إليه بدورها، تغشى عيونها الدموع قبل أن تبتعد هاربة إلى حجرتها، بينما أغمض هو عينيه بألم، بينما تأملت لين هذا الذي يقف بجوار شاهيناز، ينظر إليها بجمود بينما تنظر هي إليه بعيون إمتلأت بالمشاعر.
ليصدح صوت جورية قائلة:
يللي معاك ابتديت اعرف كلمة هويت واعرف كلمة يا ريت وبحبك قلتها ليه عينيك خدتني ليك وبعمري معاك بقيت وبقلبي عليك ناديت أوهام صدقتها.

ليشيح مؤيد بوجهه عنها، وجورية تستطرد بصوت عذب يمتلئ بالحزن:
يللي عشقتك وأتاري حبك غدر والم، قد ما كان قلبي شاري قد ما قلبك ظلم، أول قلبك ما خان خنت اللي اداك امان حاعشق غيرك عشان يمكن أنسى الندم، ولو ان الحب التاني مش هيرجعلي زماني ولا هيعوض حرماني اللي في حبك بيزيد، لكن طول ما انت في بالي صورتك دائما بخيالي نسيانك صعب أكيد نسيانك صعب اكيد.

لتغمض لين عيونها بألم تخفى دموع سكنت بها، تنعى قلب تمزق الآن، تماما، بينما نظرت جورية في عيون خالد الذي تعلق بعيونها الدامعة وهي تختتم أغنيتها قائلة:
نسيانك صعب أكييييد.

ليصفق الجميع بحرارة، فأشاحت بوجهها وهي تمسح عيونها برقة تقبل الصغيرتان اللتان صفقا بسعادة ثم إحتضناها، بينما تبتسم إبتسامة باهتة لكل من جاءها يهنأها على صوتها وآدائها الرائع الملئ بالإحساس، قبل أن تتسلل بهدوء وتذهب لتقف بجانب فراس، ليمسك يدها بيده وهو يومئ لها برأسه مبتسما بهدوء، ليجز خالد على أسنانه غيظا وتظهر الغيرة بعيونه، بينما هناك عيون تابعت زوجها ونظراته العاشقة لتلك الجورية ومؤيد ونظراته الغاضبة من لين، لتحنقها تلك النظرات الأولى وتثلج قلبها الأخيرة، لتنوى أن تفعل شيئا بخصوص الأمرين.

الفصل التالي
جميع الفصول
روايات الكاتب
روايات مشابهة